تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٧

قرأت بخط أبي الفضل محمد بن ناصر قال : رأيت القاضي بن ودعان (١) لما دخل بغداد وحدث بها ولم أسمع منه شيئا لأنه كان متهما بالكذب. وكتابه في الأربعين سرقه من زيد بن رفاعة ، وحذف منه الخطبة ، وركب على كل حديث منه رجلا أو رجلين إلى شيخ زيد بن رفاعة ؛ وزيد بن رفاعة وضعه أيضا وكان كذّابا ، وألّف بين كلمات قد قالها النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين كلمات من كلام لقمان والحكماء وغيرهم ، وطول الأحاديث.

مولده سنة اثنتين وأربعمائة في شعبان بالموصل ، وتوفي في محرم سنة أربع وتسعين وأربعمائة.

٢١ ـ محمد بن علي بن محمد بن العربي ، أبو عبد الله الطائي (٢) :

من أهل الأندلس ؛ ولد بمرسية ونشأ بها ودخل بلاد الشرق وبلاد الشام ودخل بلاد الروم ، وصنف كتبا في علم التصوف (٣) وفي أخبار المشايخ ، وكان ورعا زاهدا.

أنشدني أبو عبد الله محمد بن العربي لنفسه بدمشق :

أيا حائرا ما بين علم وشهوة

ليتصلا ما بين ضدين من وصل

ومن لم يكن يستنشق الريح لم يكن

يرى الفضل للمسك الفتيق على الزبل

مولده في الاثنين سابع عشر رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية ، وتوفي ليلة الجمعة الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة بدمشق ، ودفن بقاسيون.

٢٢ ـ محمد بن علي بن ميمون بن محمد ، أبو الغنائم النّرسيّ ، المعروف بأبي(٤):

من أهل الكوفة. كان من حفاظ الحديث ، سمع بالكوفة أبا عبد الله محمد بن علي ابن الحسن العلوي وأبا الحسن محمد بن إسحاق بن فلويه وأبا المثنّى دارم ، ثم قدم بغداد وسمع بها أبا الحسن أحمد بن محمد بن كامل وأبا نصر أحمد بن عبد الله الثابتي

__________________

(١) في الأصل : «بن ردعان».

(٢) انظر : فوات الوفيات ٢ / ٣٠٠. والوافي بالوفيات ٤ / ٧٣ ـ ١٧٨. ونفح الطيب ١ / ٥٦٧.

(٣) في الأصل : «علم القوم».

(٤) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ٢١٢. والعبر في خبر من غبر ٣ / ٢٢. وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٦٠.

والوافي بالوفيات ٤ / ١٤٣ ، ١٤٤.

٢١

وأبا الفتح أحمد بن علي بن محمد الأيادي وأبا الحسين أحمد بن محمد بن قفرجل وأبا محمد الحسن بن عبد الواحد بن سهل الدياج وأبا عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر وأبا إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي وأبا محمد الجوهري والقاضي أبا الطيب طاهر الطبري وآخرين ، وكتب بخطه كثيرا لنفسه وتوريقا للناس ، وجمع مجموعات حسان في فنون ورواها.

قرأت بخط أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ السلامي وأنبأنيه عنه أبو محمد بن الأخضر قال : وفي هذا الشهر يعني شعبان من سنة عشر وخمسمائة مات الشيخ العدل أبو الغنائم محمد بن علي بن النّرسيّ الكوفي المقرئ المحدّث بحلة بني مزيد ، وكان قد خرج من بغداد مريضا ليذهب إلى الكوفة ، فمات يوم السبت السادس عشر من شعبان ، وحمل إلى الكوفة ودفن هناك ، وكان شيخا ثقة مأمونا فهما للحديث ، عارفا بالحديث كثير تلاوة القرآن بالليل ، وكان مولده على ما أخبرنا بذلك في شوال سنة أربع وعشرين وأربعمائة ، فرحمه [الله] فما رأينا مثله في وقته.

٢٣ ـ محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد بن أبي عيسى المديني ، أبو موسى بن أبي بكر الحافظ (١) :

من مدينة أصبهان ، أحد الأئمة الحفاظ المشهورين ، انتشر علمه في الآفاق. سمع منه أقرانه ، وكثر عنه الحفاظ ، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره. قرأ القرآن في صباه بالروايات ؛ وتفقه على مذهب الشافعي على أبي عبد الله الحسن بن العباس الرستمي ، وقرأ النحو واللغة حتى مهر فيهما. وأسمعه والده في صباه من أبي سعد محمد بن علي ابن محمد الكاتب وأبي علي بن أحمد الحداد وأبي القاسم غانم بن محمد البرجي وأبي منصور محمد بن عبد الله بن مندويه (٢).

وطلب هو بنفسه وقرأ على المشايخ ، وكتب الكثير ، ورحل إلى بغداد ودخلها في شوال سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، وحج وعاد ، فأقام بها. فسمع من أبي القاسم ابن الحصين وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبي العز بن كادش ، ومن جملة مصنفاته كتاب «تتمة معرفة الصحابة» وكتاب «تتمة الغريبين» وكتاب «الأخبار

__________________

(١) انظر : تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٣٤. والوافي بالوفيات ٤ / ٢٤١ ـ ٢٤٧. ووفيات الأعيان ٢ / ٤١٤.

(٢) في الأصل : «بن منلو».

٢٢

الطوالات» وكتاب «اللطائف في المعارف» وغير ذلك.

سمعت أبا عبيد الله محمد بن محمد بن غانم الحافظ بأصبهان يقول : سمعت محمد ابن الحسين بن علي يقول : مر الشيخ أحمد الخواص على باب الشيخ أبي بكر بن أبي موسى يوم ولد أبو موسى فقيل له : «ولد اليوم للشيخ أبي بكر ابن ، فقال : هذا المولود يكون ركنا من أركان الدين».

مولده تاسع عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسمائة ، وتوفي يوم الأربعاء منتصف النهار التاسع من جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ودفن بالمصلى خلف المحراب ؛ وصنف الأئمة في مناقبه.

٢٤ ـ محمد بن طاهر بن أحمد بن علي الشيباني ، أبو الفضل بن أبي بكر (١) :

من أهل بيت المقدس ، يعرف بابن القيسراني ، رحل في طلب الحديث إلى الأقطار ، وصنف كثيرا ، وكان حافظا متقنا متفننا حسن التصنيف. سمع ببيت المقدس أبا الفتح نصر [بن] إبراهيم النابلسي ، وبمصر أبا إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال (٢) ، وبدمشق أبا القاسم علي بن محمد المصيصي ، وبمكة أبا القاسم سعيد بن علي الزنجاني. ودخل بغداد ، وسمع بها أبا الحسين أحمد [بن] (٣) النقور وأبا محمد عبد الله الصريفيني ، وسمع بأصبهان أبا عمرو عبد الوهاب بن مندة وأبا مسعود سليمان الحافظ ، وبجرجان أبا القاسم إسماعيل بن مسعدة ، وبهراة أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري وخلقا كثيرا ، وحدث باليسير لأنه لم يعمر ؛ وروى عنه الحفاظ.

قرأت على أبي طالب بن أبي الفرج التاجر عن أبي زرعة طاهر بن حمد المقدسي قال : أنشدني والدي محمد بن طاهر لنفسه :

أضحى العذول يلومني في حبهم

فأجبته والنار حشو فؤادي

يا عاذلي لو بت محترق الحشا

لعرفت كيف تفتت الأكباد

صد الحبيب وغاب عن عيني الكرى

وكأنما كانا على ميعاد

أخبرني لامع بن أحمد في كتابه أن يحيى بن عبد الوهاب بن مندة أخبره قال : محمد

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٤٨٦. والجمع ٦٢٩. وميزان الاعتدال ٣ / ٧٥. ولسان الميزان ٥ / ٢٠٧. وآداب اللغة ٣ / ٦٧. والوافي بالوفيات ٣ / ١٦٦. والأعلام ٦ / ١٧١ ، ١٧٢.

(٢) في الأصل : «الجمال».

(٣) ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.

٢٣

ابن طاهر المقدسي أحد الحفاظ ، حسن الاعتقاد ، وجميل الطريقة ، كان صدوقا ، عالما بالصحيح والسقيم ، كثير التصانيف ، لازما للأثر.

قرأت على المرتضى بن حاتم بمصر عن أبي طاهر السلفي قال : سمعت الحافظ أبا الفضل محمد بن طاهر المقدسي يقول : كتبت صحيح البخاري ومسلم وأبي داود سبع مرات بالوراقة ، وكتبت سنن ابن ماجة عشر مرات بالوراقة سوى التفاريق بالري.

قال الحافظ أبو الفضل بن ناصر : محمد بن طاهر ممن لا يحتج به ، صنف كتابا في «جواز النظر إلى المرد» وأورد فيه حكاية عن ابن معين : رأيت جارية مليحة ، صلى الله عليها ، فقيل له : تصلي عليها؟ فقال : صلى الله عليها وعلى كل مليح ؛ ثم قال : كان يذهب مذهب الإباحة.

مولده في شوال من سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ببيت المقدس. قرأت في كتاب أبي الفضائل عبد الله بن أبي بكر بن الخاضبة بخطه : توفي الحافظ محمد بن طاهر المقدسي ببغداد في الجانب الغربي برباط البسطامي ضحى يوم الخميس عشرين [من] (١) شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة ، ودفن في المقبرة وراء الرباط ؛ وله حجات كثيرة على قدمه ذاهبا وجائيا ، وراحلا وقافلا. وكان له معرفة بعلم التصوف وأنواعه متفننا فيه ، ظريفا مطبوعا ، وله تصانيف حسنة مفيدة في علم الحديث.

٢٥ ـ محمد بن عمر بن يوسف بن محمد الأرموي ، أبو الفضل الفقيه الشافعي(٢) :

بكر بن أبوه وأسمعه من القاضي أبي الخير محمد بن علي بن المهتدي بالله وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون وأبي جعفر محمد بن المسلمة وأبي بكر أحمد ابن علي بن ثابت.

أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة قال : أخبرنا أبو سعيد بن السمعاني قال : محمد بن عمر ابن يوسف الأرموي أبو الفضل من أهل أرمية كان قاضي دير العاقول ، وهو إمام متدين ثقة صدوق صالح ، حسن الكلام في المسائل ، كثير التلاوة للقرآن ، سألته عن مولده ، فقال : في سنة تسع وخمسين وأربعمائة.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة من وفيات الأعيان.

(٢) انظر : الوافي بالوفيات ٤ / ٣٤٥. وطبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٩٢.

٢٤

وذكر عن ابن السمعاني أن مولد الأرموي في صفر سنة تسع وخمسين ، وتوفي رابع رجب سنة سبع وأربعين وخمسمائة ودفن بباب أبرز (١) مقابل التاجية.

٢٦ ـ محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل ، أبو عبد الله بن أبي نصر الحميدي (٢) :

سمع بالأندلس أبا القاسم أصبغ بن راشد بن أصبغ اللخمي وأبا محمد عبد الله بن عثمان القرشي وأبا العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري وأبا عمر يوسف النمري وأبا محمد علي بن حزم الظاهري ، ولازمه حتى قرأ عليه مصنفاته وأكثر عنه ، وكان على مذهبه ، إلا أنه لم يكن يتظاهر بذلك. ثم رحل إلى بلاد الشرق ، فسمع بمصر أبا القاسم عبد العزيز بن الحسن الضراب وأبا زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري ؛ وبدمياط أبا القاسم عبد البر بن عبد الوهاب بن برد الدمياطي ؛ وبدمشق أبا محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني وأبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ، وكتب أكثر مصنفاته عنه ؛ وبمكة أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني. ودخل بغداد فسمع بها القاضي أبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله وأبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة. وانحدر إلى واسط وأقام بها مدة ، وسمع بها من القاضي أبي تمام علي بن محمد بن الحسن. ثم إنه عاد إلى بغداد واستوطنها ، وكتب بها الكثير عن أصحاب أبي علي بن شاذان وغيره ، وصنف كثيرا في الحديث وغيره. روي عنه أبو بكر الخطيب وابن ماكولا.

ومن مصنفاته «تجريد الصحيحين للبخاري ومسلم والجمع بينهما» ، و «تاريخ الأندلس» ، وكتاب «تسهيل السبيل إلى علم الترسيل» ، ومولده قبل العشرين وأربعمائة.

وتوفي في ليلة الثلاثاء السابع عشر من ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، ودفن من الغد بمقبرة باب أبرز (٣) بالقرب من قبر الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، وصلى عليه الفقيه أبو بكر الشاشي في جامع القصر ، ثم نقل بعد ذلك في صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى مقبرة باب حرب ، ودفن عند قبر بشر الحافي.

__________________

(١) في الأصل : «بباب برز».

(٢) انظر : الوافي بالوفيات ٤ / ٣١٧ ، ٣١٨. ومعجم الأدباء ١٨ / ٢٨٢ ـ ٢٨٦. ووفيات الأعيان ٣ / ٤١٠.

(٣) في الأصل : «باب برز».

٢٥

٢٧ ـ محمد بن المبارك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الخل ، أبو الحسن بن أبي البقاء ، الفقيه الشافعي (١) :

أحد الأئمة من أصحاب الشافعي درس المذهب والخلاف والأصول على أبي بكر الشاشي ، وكان إماما كبيرا في معرفة المذهب ، ونقل نصوص الشافعي. وكان من الورع والزهد والتقشف في غاية. وكان يصلي إماما بالإمام المقتفي لأمر الله ، وصنف كتاب «التوجيه في شرح التنبيه» في مجلدين. وسمع الحديث من أبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي وأبي عبد الله الحسين بن علي بن البسري.

مولده يوم الأربعاء عاشر ربيع الآخر سنة خمس وسبعين وأربعمائة.

وتوفي في يوم الأربعاء خامس عشر المحرم سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ودفن بالوردية. وله شعر لا بأس به ، رحمه‌الله تعالى وإيانا.

٢٨ ـ محمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن المظفّر بن الشهرزوري ، أبو حامد بن أبي الفضل (٢) :

وقد تقدم ذكر والده ، ورد بغداد في صباه ؛ كان عالما فاضلا متضلعا من علم الأدب ، وله النظم المليح ، وكان موصوفا بالبذل والعطاء والجود والسخاء والتواضع.

ومن شعره «في ساق أسود» :

وأسود معسول الشمائل ناعم ال

مفاصل مثل المسك في اللون والبشر

فبات يريني الشمس تطلع من دجى

إذا ضم يحسدها وتغرب في فجر

وله أيضا :

لا تحسبوا أني امتنعت من البكا

عند الوداع تجلدا وتصبرا

لكنني زودت عيني نظرة

والدمع يمنع لحظها أن تنظرا

إن كان ما فاضت فقد ألزمتها

صلة السهاد وسمتها هجر الكرا

مولده في سنة سبع عشرة وخمسمائة ، وتوفي بالموصل في ثامن عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين وخمسمائة ـ رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٤٦٧. وطبقات الشافعية ٤ / ٦٩. والأعلام ٧ / ١٧.

(٢) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٢٨٧. والعبر في خبر من غبر ٤ / ٢٥٩. والوافي بالوفيات ١ / ٢١٠

٢٦

٢٩ ـ محمد بن محمد بن محمد الغزالي ، أبو حامد بن أبي عبد الله (١) :

من أهل طوس ، إمام الفقهاء على الإطلاق ، ورباني الأمة بالاتفاق ، ومجتهد زمانه وعين وقته وأوانه ، ومن شاع ذكره في البلاد واشتهر فضله بين العباد ؛ قرأ في صباه طرفا من الفقه ببلده على أحمد الرادكاني (٢) ، ثم سافر إلى جرجان إلى أبي نصر الإسماعيلي ، وعلق عنه التعليق ، وعاد إلى نيسابور فلازم الإمام أبا المعالي الجويني ، وجد واجتهد حتى برع في المذهب والأصول والخلاف والمنطق ، وقرأ الحكمة والفلسفة ، وفهم كلام أرباب هذا العلم ، وتصدى للرد عليهم وإبطال ما ادعوه ، وصنف في كل فن من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد ترتيبها وترصيفها.

توفي في يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة ، وقبره بظاهر الطابران قصبة طوس.

٣٠ ـ محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر ، أبو الفضل السلامي (٣) :

كان والده من أولاد الترك ، وقد رأيت بخطه في كتاب أشهد عليه فيه المعدلين محمود بن أبي منصور الناصر استوري (٤) ـ ويعرف بمحمد ـ بن تكسين ـ ويعرف بعلي ـ المضافري التركي الحر ، ولم يكتب لهم هذا النسب في سماع قط ، توفي والده وهو صغير فكفله جده لأمه أبو حكيم الخبري الفرضي ، وأسمعه في صباه شيئا من الحديث يسيرا ، وأشغله بحفظ القرآن والتفقه على مذهب الشافعي ؛ ثم إنه صحب أبا زكريا التبريزي وقرأ عليه الأدب ، وجدّ في طلب الحديث ، وصحب أبا منصور بن الجواليقي في قراءة الأدب وسماع الحديث ، ثم إنه خالط الحنابلة ومال إليهم ، وانتقل (٥) عن مذهب الشافعي إلى مذهب ابن حنبل ، وكان إماما حافظا صحيح النقل والضبط ؛ سمع أبا القاسم علي بن أحمد بن البسري وأبا طاهر محمد بن أبي الصقر الأنباري وأبا عبد الله مالك البانياسي وأبا محمد رزق الله التميمي وأبا الفوارس طراد الزينبي وأبا الخطاب نصر بن البطر وأبا محمد جعفر بن أحمد السراج. وكانت له إجازات قيمة

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٤٦٣. وطبقات الشافعية ٤ / ١٠١. وشذرات الذهب ٤ / ١٠. ومفتاح السعادة ٢ / ١٩١ ـ ٢١٠. وآداب اللغة ٣ / ٧٩. واللباب ٢ / ١٧٠. والأعلام ٧ / ٢٢.

(٢) في الأصل : «الداركاني».

(٣) انظر : وفيات الأعيان ٣ / ٤٢٠.

(٤) هكذا في الأصل.

(٥) في الأصل : «فكفلته».

٢٧

كابن النقور والصريفيني وابن ماكولا وغيرهم من الغرباء أخذها له ابن ماكولا في رحلته إلى البلاد.

أخبرنا شهاب بن محمود المزكي بهراة قال : حدثنا أبو سعد السمعاني قال : محمد ابن ناصر السلامي أبو الفضل سكن درب الشاكرية ، حافظ ثقة ديّن خيّر متقن متثبت ، له حظ كامل من اللغة ومعرفة تامة بالمتون والأسانيد ، كثير الصّلاة ، دائم التلاوة للقرآن ، مواظب على صلاة الضحى ، غير أنه يحب أن يقع في أعراض [الناس] (١) ويتكلم في حقهم. كان يطالع هذا الكتاب ويلحق على حواشيه بخطه ما يقع له من مثالبهم. سمعت جماعة من شيوخي يذكرون أن ابن ناصر وابن الجواليقي كانا يقرءان الأدب على التبريزي ويسمعان الحديث على المشايخ ، فكان الناس يقولون : يخرج ابن ناصر لغوي بغداد وابن الجواليقي محدثها ، فانعكس الأمر ، فصار ابن ناصر محدث بغداد وابن الجواليقي لغويها.

مولده في ليلة الخميس الخامس عشر من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة.

وتوفي ليلة الثلاثاء الثامن عشر من شعبان سنة خمسين وخمسمائة. ودفن من الغد بباب حرب ـ رحمه‌الله تعالى.

* * *

آخر الجزء الأول من المستفاد

* * *

__________________

(١) على هامش الأصل : «بئس ما فعل ... والله ما يستحقه».

٢٨

الجزء الثاني

من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

انتقاه كاتبه أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي عرف بابن الدمياطي

لنفسه ثم لمن شاء الله من بعده عفا الله عنه.

للحافظ أبى عبد الله محمد بن النجار البغدادي

٢٩
٣٠

سم الله الرّحمن الرّحيم

رب يسر وأعن

٣١ ـ إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر بن ثعلبة بن سعد بن حلام ابن غزية بن أسامة بن ربيعة بن ضبيعة بن عجل بن نجم ، أبو إسحاق الزاهد (١) :

من أهل بلخ ، دخل بغداد مجتازا ، وسكن الشام إلى حين وفاته ، وقد طلب العلم والحديث ثم استقل بالزهد ، وحدث عن أبيه أدهم وعن محمد بن زياد صاحب أبي هريرة والأعمش ومحمد بن عجلان ومنصور بن المعتمر ويحيى بن سعيد وسفيان الثوري وهشام بن حسان والأوزاعي ، روي عنه بقية بن الوليد وسفيان الثوري وشقيق البلخي وسهل بن هاشم.

قال النسائي : أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم ثقة مأمون أحد الزهاد.

وروى المؤلف بسنده إلى عطاء بن مسلم قال : ضاعت نفقة إبراهيم بن أدهم بمكة [فبقي] (٢) خمسة عشر يوما يستف الرمل.

وروى أيضا إلى عبد الله بن الفرج القنطري العابد قال : اطلعت على إبراهيم بن أدهم في بستان بالشام وهو مستلق وإذا حية في فهما طاقة نرجس فما زالت تذب عنه حتى انتبه.

وروى أيضا إلى المتوكل بن الحسين قال : قال إبراهيم بن أدهم : الزهد ثلاثة أصناف : فزهد فرض ، وزهد فضل ، وزهد سلامة ؛ فالفرض الزهد في الحرام ، والفضل الزهد في الحلال ، والسلامة الزهد في الشبهات.

قال محمد بن إسماعيل البخاري : مات إبراهيم بن أدهم سنة إحدى وستين ومائة ، ودفن بسوقين حصن ببلاد الروم.

__________________

(١) انظر : تهذيب التهذيب ١ / ١٠٢. الوافي بالوفيات ٥ / ٣١٨. وتهذيب ابن عساكر ٢ / ١٦٧ ـ ١٩٦.

(٢) ما بين المعقوفتين أثبت على الهامش الأصل.

٣١

قال أبو داود سليمان بن الأشعث : سمعت أبا توبة الربيع بن نافع يقول : مات إبراهيم بن أدهم سنة اثنتين وستين ومائة ، ودفن على ساحل البحر.

٣٢ ـ إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفيروزآبادي الشيرازي (١) ، أبو إسحاق (٢) :

إمام أصحاب الشافعي ومن انتشر فضله في البلاد ، وفاق أهل زمانه بالعلم والزهد والسداد ، وأقر بعلمه وورعه الموافق والمخالف والمعادي والمحالف ، وحاز قصب السبق في جميع الفضائل وتعزى بالدين والنزاهة على كل الرذائل ، وكان سخي النفس ، شديد التواضع ، طلق الوجه ، لطيفا ظريفا ، كريم العشرة ، سهل الأخلاق ، كثير المحفوظ للحكايات والأشعار.

ولد بفيروزآباد بليدة بفارس ، ونشأ بها ، ودخل شيراز ، وقرأ الفقه على أبي عبد الله الأنصاري ، وقرأ على أبي القاسم الداركي ، وقرأ الداركي على المروزي ، وقرأ المروزي علي ابن سريج ، وقرأ ابن سريج على ابن الأنماطي ، وقرأ ابن الأنماطي على المزني والربيع بن سليمان ، وقرء على الشافعي ، ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة وقرأ على القاضي أبي الطيب الطبري ، ولازمه حتى برع في العلم وصار من أنظر أصحابه ، وامتدت إليه الأعين وتقدم على أقرانه.

وكان يدرس بمسجده بباب المراتب إلى أن بنى له الوزير نظام الملك أبو علي المدرسة على شاطئ دجلة فانتقل إليها ، ودرّس بها بعد امتناع شديد ، ولم يزل يدرّس بها إلى حين وفاته.

سمع ببغداد من أبي بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني وأبي علي الحسن بن شاذان وأبي الطيب الطبري ، روي عنه الخطيب الحافظ في بعض مصنفاته شيئا من شعره ؛ وكان عارفا بالأدب.

ومن شعره :

__________________

(١) بهامش الأصل : «الإمام الشيخ أبو إسحاق رضي‌الله‌عنه».

(٢) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ٣ / ٨٨ ـ ١١١. ووفيات الأعيان ١ / ٩ ـ ١٢. والعبر في خبر من غير ٣ / ٢٨٣. وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ، ترجمة ٢٠٠. الجدير بالذكر أن هذه الترجمة مكانها بالمخطوط بعد ترجمة : «أحمد بن إسماعيل بن يوسف ...». واستبدل مكانها نظرا للترتيب الهجائي.

٣٢

لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا

وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد

وقلت يا عدتي (١) في كل نائبة

ومن عليه لكشف الضر أعتمد

وقد مددت يدي والضر مشتمل

إليك يا خير من مدت إليه يد

فلا تردنها يا رب خائبة

فبحر جودك يروي كل من يرد

أنشدني شهاب الحاتمي بهراة قال : أنشدنا أبو سعد بن السمعاني قال : أنشدنا أبو المظفر شبيب بن الحسين القاضي ، أنشدني أبو إسحاق ـ يعني الشيرازي ـ لنفسه :

جاء الربيع وحسن ورده

ومضى الشتاء وقبح برده

فاشرب على وجه الحبيب

ووجنتيه وحسن خده

قال ابن السمعاني : قال لي شبيب : ثم جاء بعد [أن] (٢) أنشدني هذين البيتين بمدة : كنت جالسا عند الشيخ ، فذكر بين يديه أن هذين البيتين أنشدا عند القاضي يمين الدولة حاكم صور ، بلدة على ساحل بحر الروم ، فقال لغلامه : احضر ذاك الشأن ـ يعني الشراب ـ فقد أفتانا به الإمام أبو إسحاق ، فبكى الإمام ودعا على نفسه ، وقال : ليتني لم أقل هذين البيتين قط. ثم قال لي : كيف نردها من أفواه الناس؟ فقلت : يا سيدي هيهات! قد سارت به الركبان. كان أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئا صعد إلى النصرية في أعلى بغداد وكان له فيها صديق باقلاني ، فكان يثرد له رغيفا ويشربه بماء الباقلاء فربما صعد إليه وكان قد فرغ من بيع الباقلاء ويغلق الباب ، فيقف أبو إسحاق ويقرأ (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) ويرجّع.

كان القاضي أبو الطيب يسمى الشيخ أبا إسحاق «حمامة المسجد» للزومه واشتغاله بالعلم طول ليله ونهاره. كان الشيخ أبو إسحاق يمشي في الطريق ومعه بعض أصحابه فعرض لهما كلب ، فقال ذلك الفقيه للكلب : اخسأ! وزجره ، فنهاه الشيخ أبو إسحاق عن ذلك وقال : لم طردته عن الطريق؟ أما عرفت أن الطريق بيني وبينه مشترك.

قال ابن الخاضبة : سمعت الشيخ أبا إسحاق يقول : لو عرض هذا الكتاب الذي صنفته ـ وهو المهذب ـ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [لقال] هذا هو شريعتي [التي] (٣) أمرت بها أمتي.

__________________

(١) في الأصل : «يا عزتي».

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات الشافعية.

(٣) ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات الشافعية.

٣٣

قال الحافظ السلفي : سألت أبا غالب شجاع بن فارس الذهلي عن أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ، فقال : إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد ، كان ثقة ورعا صالحا عالما بمعرفة الخلاف علما لا يشاركه فيه أحد ، سمعت منه شيئا من حديثه ومصنفاته.

مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ، وتوفي ليلة الأحد. ودفن يوم الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة ، وقيل : إن مولده سنة خمس وتسعين.

٣٣ ـ أحمد (١) بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن العباس ، أبو الخير القزويني الزاهد الرباني (٢) :

رئيس أصحاب الشافعي. كان إماما في المذهب والخلاف والتفسير والحديث. ورحل من بلدة قزوين إلى نيسابور ، فأقام بها عند الفقيه محمد بن يحيى ، وقرأ عليه ولازمه حتى برع في العلم. دخل بغداد وعقد بها مجلس الوعظ وسارت وجوه الدولة إليه ملتفة ، وكثر التعصب له ، وكان يجلس بالنظامية وبجامع القصر ويحضر مجلسه الخلق الكثير والجم الغفير ، ثم ولّى التدريس بالمدرسة النظامية في رجب سنة تسع وستين وخمسمائة ، ودرّس بها ، وعقد مجلس الوعظ إلى أوائل سنة ثمانين وخمسمائة ، ثم إنه طلب العود إلى بلاده فأذن له في ذلك ، فعاد إلى قزوين وأقام بها إلى حين وفاته.

سمع بقزوين أبا سعد إسماعيل ، وبنيسابور أبا عبد الله الفراوي وأبا القاسم زاهرا ، وأبا بكر وجيه بن طاهر الشحامي ، وببغداد أبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد ابن سليمان.

وأملى بجامع القصر وبالنظامية عدة أمالي ، وكان كثير العبادة ، دائم الذكر ، كثير الصّلاة والصيام والتهجد والتقلل من الطعام ، حتى ظهر ذلك على وجهه وغيّر لونه ، وكان لا يفتر لسانه من التسبيح في جميع حركاته وسائر أحواله.

مولده سنة اثنتي عشرة وخمسمائة في رمضان.

__________________

(١) في الأصل : «محمد» ، والتصحيح من المصادر السابقة.

(٢) انظر : العبر في خبر من غبر ٤ / ٢٧١. وشذرات الذهب ٤ / ٣٠٠. وطبقات القراء ١ / ٣٩.

٣٤

سمعت أبا المناقب محمد بن أحمد بن القزويني يقول : ولد والدي في السابع والعشرين من رمضان سنة إحدى عشرة وخمسمائة بقزوين ، وتوفي بها في يوم الجمعة الحادي والعشرين من المحرم سنة تسع وثمانين وخمسمائة ، رحمه‌الله تعالى.

٣٤ ـ أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر ، أبو عبد الرحمن النّسائي الحافظ (١) :

أحد الأئمة الأعلام. صنف «السنن» وغيرها من الأدب ، وله الرحلة الواسعة. قدم بغداد ، وكتب بها عن جماعة من الشيوخ ، ودخل الشام ومصر وأقام هناك إلى حين وفاته ، وحدث عن قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وإسحاق بن شاهين وإبراهيم ابن سعيد الجوهري وأحمد بن بكار بن أبي ميمونة وأحمد بن جعفر بن عبد الله وأحمد ابن عبد الله بن الحكم وهناد بن السري وعيسى بن حماد زغبة وأحمد بن عيسى التستري وأحمد بن عبد الواحد بن عبود ، روي عنه ابنه عبد الكريم وأبو بشر الدولابي.

قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع الحافظ : حدثني علي بن عمر الحافظ أنه لما امتحن بدمشق ـ أعني النسائي ـ قال : احملوني إلى مكة! فحمل إلى مكة وتوفي بها. وهو مدفون بين الصفا والمروة ، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة.

قال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي : أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي يكنى أبا عبد الرحمن قدم مصر قديما ، وكتب بها وكتب عنه ، وكان إماما في الحديث ، ثقة ثبتا حافظا ، وكان خروجه من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة ، وتوفي بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة.

ذكر الحافظ أبو القاسم علي بن عساكر أن أبا عبد الرحمن النسائي سئل عن مولده ، فقال : يشبه أن يكون سنة خمس عشرة ومائتين.

٣٥ ـ أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران ، أبو نعيم الحافظ (٢) :

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٢١. والبداية والنهاية ١١ / ١٢٣. وطبقات الشافعية ٢ / ٨٣. وتذكرة الحفاظ ٢ / ٢٤١. وخلاصة تهذيب الكمال ١ / ٦. وشذرات الذهب ٢ / ٢٣٩. والأعلام ١ / ١٧١.

(٢) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٢٦. وميزان الاعتدال ١ / ٥٢. ولسان الميزان ١ / ٢٠١. وطبقات الشافعية ٣ / ٧ والأعلام ١ / ١٥٧.

٣٥

سبط محمد بن يوسف البناء. الزاهد من أهل أصبهان ، تاج المحدثين وأحد أعلام الدين ومن جمع الله له في الرواية والحفظ والفهم والدراية ، فكانت تشد إليه الرحال وعاجز إلى بابه الرجال.

سمع بأصبهان أباه وأبا محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، وأبا القاسم سليمان بن أحمد الطبراني وأبا بكر محمد بن إسحاق بن أيوب وأبا بكر محمد بن جعفر المغازلي وأبا عمر محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الحافظ وأبا إسحاق إبراهيم بن إسحاق الخشاب وأبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري ، وبمكة أبا بكر محمد بن الحسين الآجري وأبا العباس أحمد بن إبراهيم بن علي الكندي وأبا الفضل العباس بن أحمد الجرجاني ، وبواسط أبا عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن شعبان وأبا بكر محمد بن حبيش بن خلف الخطيب ، وبالبصرة أبا بكر محمد بن علي بن مسلم ، وبالأهواز القاضي أبا بكر محمد ابن إسحاق الأهوازي وأبا الحسين محمد بن أحمد بن إسحاق الدقيقي وأبا علي الحسين بن محمد بن أحمد بن يزيد الشافعي ، وبالكوفة أبا الحسين محمد بن الطاهر بن الحسين بن محمد بن جعفر بن عبد الله وأبا عبد الله محمد بن محمد بن علي بن خلف ابن مطر ، وبجرجان أبا أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف ، وبنيسابور أبا عمرو محمد ابن أحمد بن حمدان والحاكم أبا أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحافظ ، وخلقا كثيرا.

وجمع معجما لشيوخه ، وحدث بالكثير من مسموعاته ومصنفاته. وصنف كثيرا ، منها : «حلية الأولياء» و «المستخرج على الصحيحين» ذكر فيها أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلما ، وأحاديث علا عليهما فيها (١) كأنهما سمعاها منه ، أو ذكر فيها حديثا كأن البخاري ومسلما سمعاه ممن سمعه منه ، أو بلغ في رئاسة علم الحديث ما لم يبلغه غيره.

قرأت على محمود بن الحداد عن أبي طاهر الحافظ ، قال : سمعت السيد حمزة ـ يعني ابن العباس العلوي الأصبهاني بهمذان ـ يقول : كان أصحاب الحديث في مجلس أحمد ابن الفضل الباطرقاني يقولون وأنا أسمع.

بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير ، لا يوجد شرقا وغربا أعلى إسنادا ولا أحفظ منه. وكانوا يقولون : لما صنف كتاب «حلية الأولياء» حمل إلى نيسابور حالة حياته ، فاشترى هناك بأربعمائة دينار.

__________________

(١) في الأصل : «فيهما».

٣٦

قال الحافظ أبو بكر الخطيب : وقد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها ، منها أن يقول في الإجازة : أنا من غير أن يبين! والله أعلم.

قال عبد العزيز النخشبي : لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بتمامه من أبي بكر بن خلاد ، فحدث به كله!.

مولده في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.

وتوفي بكرة يوم الاثنين العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة ، ودفن وقت الظهر بمردنان تحت قبر أبي القاسم السوذرجاني ، وصلى عليه محمد بن عبد الواحد الفقيه.

وحكى بعضهم أنه رأى في المنام قائلا يقول له : من أحب أن يستجاب دعوته فليدع عن قبر أبي نعيم سبط محمد بن يوسف ـ رحمه‌الله تعالى.

٣٦ ـ أحمد بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد ، أبو الحسن السلمي (١) :

من أهل دمشق من بيت مشهور بالحديث والرواية. سمع الحديث بدمشق من أبي طاهر الخشوعي (٢) ، وسافر إلى مصر فسمع بها من أبي القاسم هبة الله التوحيدي وإسماعيل بن صالح بن ياسين.

وقدم علينا ببغداد طالبا للحديث وهو شاب في سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وسمع معنا من جماعة من أصحاب ابن الحصين وأبي بكر بن عبد الباقي وعاد إلى دمشق ، ثم إنه سافر إلى أصبهان وأقام بها مدة في سنة ثمان وستمائة ، وحصل من الكتب والأجزاء (٣) عدة أحمال. وعاد بها إلى بلاده ، ثم إنه أقام بحران وسكن بعض قراها إلى حين وفاته ، وحدث هناك وكتب عنه.

أنشدني أبو الحسن أحمد بن أبي الحديد السلمي من حفظه ببغداد قال : أنشدني أبو العباس أحمد بن ناصر قال : أنشدنا محمد بن الحراني (٤) لنفسه في غلام اسمه سهم وقد التحى :

__________________

(١) انظر : مرآة الزمان ، لبسط ابن الجوزي ، ص ٢١١.

(٢) في الأصل بدون نقط.

(٣) في الأصل : «الأجرا».

(٤) في الأصل : «البحراني».

٣٧

قالوا التحى السهم قلت حصّن

حشاك فالآن لا تطيش

فالسهم لا ينفذ الرمايا

إلا إذا كان فيه ريش

مولده بدمشق في جمادى الآخرة سنة سبعين وخمسمائة.

وتوفي في أحد الربيعين من سنة خمس وعشرين وستمائة بالذهبانية من قرى حران ، ودفن بها.

٣٧ ـ أحمد بن علي بن بختيار بن عبد الله ، أبو القاسم الصوفي (١) :

كان والده أستاذ دار الخلافة. ونشأ أبو القاسم هذا متأدبا فاضلا ، حسن الطريقة متدينا صالحا ، له معرفة بالأدب ، وهو مقيم برباط والده بباب الجعفرية.

أنشدني أحمد بن علي بن بختيار لنفسه :

أعاذلتي في الحب هل غير ذلك

فإني لأسباب الهوى غير تارك

دعيني وأوصافي فلست بعاشق

إذا رمت ميلا عن طريق المهالك

أرى الحب أن ألقي المنية مسفرا

إذا شئت أن ألقي عذاب المضاحك

أيا ظبية الوعساء إن حال بيننا

سباسب تنضى ناجيات الرواتك

فلست بناس وقفة لم تزل بها

دماء المآقي سافحات المسافك

تربعت من دون الأراكة معهدا

وغادرت عهدي بين تلك الأرائك

فقلت (٢) إلى الواشي وكنت غرية

إذا ما سعى الواشي بما غير ذلك

ألم تعلمي أني ألم بعالج

وأشتاق آثارا حلت من جمالك

سألت أبا القاسم بن بختيار عن مولده ، فقال : في أحد الربيعين سنة خمس وستين وخمسمائة.

وتوفي ليلة الخميس الثامن والعشرين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ودفن من الغد برباط والده رحمه‌الله.

٣٨ ـ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب ، أبو بكر الحافظ(٣) :

__________________

(١) انظر : مرأة الزمان ، لبسط ابن الجوازي ٨ / ٢٥٠.

(٢) هكذا في الأصل.

(٣) انظر : مقدمة تاريخ بغداد الجزء الأول. ومعجم الأدباء ١ / ٢٤٨. وطبقات الشافعية ٣ / ١٢.

والنجوم الزاهرة ٥ / ٨٧. وتاريخ ابن عساكر ١ / ٣٩٨. ووفيات الأعيان ١ / ٢٧. والأعلام ١ / ١٧٢.

٣٨

إمام هذه الصنعة (١) ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان والقيام بعلوم الحديث. نشأ ببغداد وقرأ القرآن بالروايات ، وقرأ الفقه على القاضي أبي الطيب الطبري ، وعلق عنه شيئا من الخلاف ، ثم إنه اشتغل بسماع الحديث من الشيوخ ببغداد ، ثم رحل إلى البصرة.

سمع سنن أبي داود من القاضي أبي عمر الهاشمي ، وتوجه إلى خراسان فسمع بها من أصحاب الأصم ، ثم إنه خرج إلى الشام حاجّا في سنة خمس وأربعين وأربعمائة ، وسمع بدمشق وصور ، وحج تلك السنة ، وقرأ صحيح البخاري في خمسة أيام بمكة على كريمة المروزية.

ورجع إلى بغداد وصار له قرب من الوزير أبي القاسم بن المسلمة ، فلما وقعت فتنة البساسيري ببغداد في سنة خمسين وأربعمائة وقبض على الوزير ، استتر الخطيب وخرج إلى الشام ، وكان يتردد ما بين صور ودمشق ، ثم عاد إلى بغداد في آخر عمره.

سمع ببغداد أبا الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وأبا الحسن أحمد بن محمد بن الصلت وأبا عمر عبد الواحد بن عبد الله بن مهدي ، وبالبصرة القاضي أبا عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، وبنيسابور القاضي أبا بكر أحمد الحرشي ، وبأصبهان أبا نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ ، وبالري أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن فضالة ، وبهمذان أبا منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز ، وبدمشق أبا الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر ، وبصور أبا الفرج عبد الوهاب بن الحسين ابن الغزال ، وبحلب أبا الفتح أحمد بن علي بن محمد النحاس.

ومن شعره :

الشمس تشبهه والبدر يحكيه

والدر يضحك والمرجان من فيه

ومن سرى وظلام الليل معتكر (٢)

فوجهه عن ضياء البدر يغنيه (٣)

زوى له الحسن حتى حاز أحسنه

لنفسه وبقي للناس باقيه

فالعقل يعجز عن تحديد غايته

والوهم يقصر عن فحوى معانيه

يدعو القلوب فتأتيه مسارعة

مطيعة الأمر منه ليس تعصيه

__________________

(١) أى كتابة التاريخ.

(٢) في الأصل : «معتدل».

(٣) في الأصل : «تفنيه»

٣٩

سألته زروة يوما أفوز بها

فأظهر الغضب المقرون بالتّيه

وقال لي دون ما تبغي وتطلبه

تناول الفلك الأعلى وما فيه

رضيت يا معشر العشاق منه

بأن أضحيت يعلم أني من محبيه

وأن يكون فؤادي في يديه لكي

يميته بالهوى منه ويحييه

وله :

لو قيل لي ما تمنى قلت في

عجل أخا صدوقا أمينا غير خوان

إذا فعلت جميلا ظل يشكرني

وإن أسأت تلقاني بغفران

ويستر العيب في سخط وحال رضى

ويحفظ الغيب في سر وإعلان

وأين في هذا الخلق عز مطلبه

فليس يوجد ما كر الجديدان

مولده في يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. قال : فأول ما سمعت الحديث ، وقد بلغت إحدى عشرة سنة في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة.

قال الأمير أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن ماكولا الحافظ : وبعد فإن أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي كان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفة وإتقانا وحفظا وضبطا لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتفهما في علله وأسانيده وخبرة (١) برواته وناقليه ، وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحة ، ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني من يجرى مجراه ، ولا قام بعده مهتما بهذا الشأن سواه ، فقد استفدنا كثيرا من هذا اليسير الذي نحسنه به وعنه ، وتعلمنا شطرا من هذا القليل الذي نعرفه بتنبيهه ومنه ، فجزاه الله تعالى عنا الخير ولقّاه الحسنى ، ولجميع مشايخنا وأئمتنا ولجميع المسلمين.

حضر أبو بكر الخطيب درس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، فروى الشيخ حديثا من رواية بحر بن كثير (٢) السقائي ، ثم قال للخطيب : ما تقول فيه؟ فقال الخطيب : إن أذنت لي ذكرت حاله. فأسند الشيخ أبو إسحاق ظهره من الحائط قعد مثل ما يقعد التلميذ بين يدي الأستاذ يستمع كلام الخطيب ، وشرع الخطيب في شرح أحواله ويقول : قال فيه فلان كذا ، وقال فلان كذا وشرح أحواله شرحا حسنا وما ذكر فيه

__________________

(١) في الأصل : «خبرية» ، والتصحيح من ابن عساكر.

(٢) في الأصل : «كنيز».

٤٠