تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٧

مرارة الهجر ذقتها فمتى

تذيقني من حلاوة الوصل؟

يا عاذلي فيه عد على عذل

فلست أصغى فيه إلى العذل

أمرت بالصبر عن تذكره

من لي إن اسطعته من لي؟

لكن هواه غطاء على بصري

وسمعي فالفؤاد في خبل

فكيف أصغى لما يقول بلا سمع

ولا ناظر ولا عقل؟

سألت أبا الفتح بن البزاقة عن مولده ، فقال : ولدت في رجب سنة تسع وسبعين وخمسمائة.

١٨٦ ـ نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر ، البزاز ، أبو الخطاب بن أبي بكر القارئ (١) :

من ساكني باب الغرمة. سمع بإفادة أخيه من أبي محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البيع وأبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان البزاز العكبري وأبي الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وأبي بكر أحمد بن طلحة بن هارون المنقى وأبي طالب مكي بن علي ابن عبد الرزاق الحريري في آخرين. وعمر حتى تفرد بالرواية عن جماعة من شيوخه. روى عنه الحفاظ كعبد الوهاب الأنماطي وأبي القاسم بن السّمرقندي ومحمد بن ناصر وسعد الخير الأنصاري وأبي طاهر السلفي في آخرين.

قال الحافظ أبو طاهر السلفي : سألت شجاع الذهلي عن نصر بن أحمد بن البطر ، فقال : حدث عن جماعة ، وكان مريب الأمر ، ليّنا في الرواية.

قال السلفي : راجعته في ذلك وقلت : ما عرفنا مما ذكرت شيئا ، وما قرئ عليه شيء يشك فيه ، وسماعاته كالشمس وضوحا ، فقال : لعمري هو كما ذكرت ، غير أني وجدت في بعض ما كان له به نسخة سماعا يشهد القلب ببطلانه ، ولم يحمل عنه شيء من ذلك.

كتب إليّ علي بن المفضل الحافظ بن علي بن عتيق الأنصاري أخبره عن القاضي عياض بن موسى التجيبي قال : سألت القاضي أبا علي الحسين بن محمد الصوفي المعروف بابن سكرة عن نصر بن البطر ، فقال : شيخ مستور ثقة.

سأله السلفي عن مولده فقال : سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.

__________________

(١) انظر : شذرات الذهب ٣ / ٤٠٢. والعبر ٣ / ٣٤٠.

١٨١

وتوفي في سادس عشر ربيع الأول سنة أربع وتسعين وأربعمائة ، ودفن بباب حرب.

١٨٧ ـ نصر بن محمد بن علي بن أبي الفرج ، أبو الفتوح بن أبي الفرج بن الحصري الوقاياتي الحافظ (١) :

من أهل همذان. قرأ القرآن بالقراءات على أبي بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني والمبارك بن الحسن بن الشهرزوري في آخرين. ثم إنه قرأ الأدب وحصّل منه طرفا صالحا وطلب الحديث ، وصحب الحافظ أبا بكر الباقداري وأخذ عنه علم الحديث ، سمع أبا الوقت عبد الأول وأبا المظفر هبة الله بن أحمد بن محمد بن الشبلي وأبا محمد محمد بن أحمد بن عبد الكريم المادح وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وأبا القاسم هبة الله بن الحسن بن هلال وأبا بكر أحمد بن المقرب الكرخي وأبا القاسم هبة الله بن الفضل المتوثي في آخرين. ولم يزل يسمع ويقرأ إلى أواخر عمره. سمعنا منه وبقراءته ، وكان يقرأ قراءة صحيحة إلا أنه يدغمها بحيث لا يفهم ، ويكتب خطّا رديئا جدا ؛ وكان من حفاظ الحديث العارفين بفنونه ، متقنا ضابطا ، غزير الفضل ، كثير المحفوظ ، ثقة صدوقا حجة نبيلا ، من أعلام الدين وأئمة المسلمين. وكان يصوم الدهر ويكثر التلاوة. وخرج عن بغداد إلى مكة ، وجاور بها نيفا وعشرين سنة ، مديما للصيام والقيام ، ويكثر الطواف والعمرة حتى أنه يكون يطوف في كل يوم وليلة سبعين أسبوعا. ثم إنه خرج من مكة في آخر عمره لما اشتد القحط ، سافر إلى اليمن ، فأدركه أجله بها.

سألت ابن الحصري عن مولده ، فقال : أخبرني والده أنه في رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمائة.

وبلغنا أنه توفي باليمن في بلدة تعرف بالمهجم في المحرم ، وقيل في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة ـ والله أعلم.

* * *

__________________

(١) انظر : تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٨٢. والنجوم الزاهرة ٦ / ٢٥٣. وشذرات الذهب ٥ / ٨٣.

وطبقات القراءة ٢ / ٣٣٨.

١٨٢

حرف الهاء

١٨٨ ـ هبة الله بن الحسن بن المظفر بن الحسن بن السّبط الهمذاني أبو القاسم(١) :

من أولاد المحدثين. أسمعه والده الكثير في صباه ، وعمّر حتى حدّث بالكثير ، وانفرد بأكثر مسموعاته ؛ وكان شيخنا قيّما ذكيا متأدّبا ، لطيف المحاضرة ، وفيّا ، حلو الاستشهاد ؛ وكان يعمل من الطرف والملح أشياء غريبة ، من ذلك أنه عمل شطرنجا كاملا من آبنوس وعاج وزنه حبتان وأرزة ، وأنه كان ينقله بالسفت الذي يكون للصائغ لأن الأنامل تعجز عن ضبطه لصغره وخفائه وكان على قدر حبة الخردل. ثم إن أبا القاسم هذا كبر وعجز وافتقر واحتاج إلى الناس ، فساءت أخلاقه ، وصار وسخا قذرا في جميع أحواله ، لا يتنزه عن النجاسات ، ولم يكن في دينه بذاك ، فكان عسرا في التحديث ، وكان يبغض هذا الشأن ويسبّ أباه كيف أسمعه الحديث. سمع أباه وأبا نصر أحمد بن عبد الله بن رضوان وأبا العز أحمد بن كادش وهبة الله بن الحصين وأبا الحسين محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري في آخرين. وكان صدوقا ، صحيح السماع.

سألته عن مولده فقال : في سنة عشر وخمسمائة ، وقرأت بخط والده : قال ولد ولدي هبة الله في ليلة الحادي والعشرين من رجب سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.

وتوفي في عشري محرم سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ببغداد ، ودفن من الغد بالقصرية.

* * *

آخر الجزء السابع من «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد».

* * *

__________________

(١) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٣٢٠ والعبر ٤ / ١٨٤. والدارس في تاريخ المدارس ١ / ٤١٦. ومرآة الجنان ٨ / ٢٧٣.

١٨٣
١٨٤

الجزء الثامن

من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن ابن النجار

انتقاء كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله

١٨٥
١٨٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١٨٩ ـ هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين ، أبو الحسين بن أبي محمد بن أبي الحسين ، الفقيه الشافعي ، المعروف بالصائن ابن عساكر :

أخو الحافظ أبي القاسم علي ، وكان الأكبر. قرأ القرآن بالقراءات على أبي الوحش سبيع بن قيراط المقرئ ، وسمع الحديث من الشريف أبي القاسم علي بن إبراهيم بن العباس العلوي وأبي طاهر بن الحنائي وأبي الحسن وأبي الفضل ابني الموازيني وأبي القاسم بن هلال ، وقرأ الفقه على أبي الحسن علي بن المسلم ونصر الله ابن محمد المصيصي ، ثم قدم بغداد في سنة عشر وخمسمائة وعلق درس الخلاف على أسعد الميهني ، وقرأ أصول الفقه على أبي الفتح بن برهان ، وأصول الكلام على أبي عبد الله بن القيرواني ، وسمع الحديث من أبي علي محمد بن سعيد بن نبهان وأبي علي محمد بن محمد بن عبد العزيز بن المهدي.

قال ابن السمعاني : هبة الله بن عساكر من أهل دمشق ، أحد من عني بجمع الحديث ، وسمع الكثير ، وكان طريفا فاضلا مطبوعا كيّسا معاشرا حريصا على طلب العلم.

وسألته عن مولده فقال : في رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، وتوفي في الثالث والعشرين من شعبان سنة ثلاث وستين وخمسمائة ، ودفن بباب الصغير.

١٩٠ ـ هبة الله بن الحسين بن يوسف ، أبو القاسم الأصطرلابي ، المعروف ببديع الزمان (١) :

كان وحيد عصره وفريد دهره في علم الهندسة والهيئة ، وكانت له معرفة حسنة بالأدب ، وشعر مليح ، وقد دوّن شعره ، وروى منه شيئا. سمع منه أبو محمد الخشاب وأبو الوفاء بن الحصين.

ومن شعره قوله :

قيل لي قد عشقته أمرد الخد

وقد قيل : إنه نكريش

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ٥ / ١٠١ ـ ١٠٣. ومعجم الأدباء ١٩ / ٢٧٣ ـ ٢٧٥. ومرآة الزمان ٨ / ١٨٤. ومرآة الجنان ٣ / ٢٦١. والأعلام ٩ / ٥٨. وفوات الوفيات ٢ / ٦١٤ ـ ٦١٦

١٨٧

قلت : فرخ الطاوس أحسن ما كا

ن إذا ما علا عليه الريش

وقال أيضا :

جدر لم التحى حبيبي

فماج في عشقه خصومي

وأرجفوا بالسلو عني

وشنعوا عنده لشومي

وكيف أسلو وقد رماني

خداه بالمقعد المقيم؟

وفروز الورد بالغتوا لي

ونقط البدر بالنجوم

وقال :

ولما بدا خط بخد معذبي

كظلمة ليل في ضياء نهار

تهتك ستري في هواه ولم أزل

خليع عذار في جديد عذار

وقال :

إن ... (١) هوى ذوي العذر

عذرا كلما أعتم الملام تبلج

كان قتلي ورد الخدود وقد

صار بلاي ورد عليه بنفسج

وله :

صبها صرفا فلما

قابلت ضوء السراج

ظنها في الكأس نارا

وطفاها بالمزاج

توفي البديع في رابع عشرين جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ، ودفن بالوردية.

١٩١ ـ هبة الله بن عبد الوارث بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم ابن جعفر بن بوزي ، أبو القاسم الحافظ (٢) :

من أهل شيراز. كان واسع الرحلة ، جوّالا في الآفاق ، مبالغا في الطلب والاجتهاد. سمع بفارس والعراق وقومس وديار مصر والشام والثغور والسواحل ، وجمع وخرّج وصنّف تاريخ شيراز ، وكان من الحفاظ الثقات. سمع بشيراز أبا منصور عبد الجبار بن عبد العزيز المصري وأبا الفوارس عبد الوارث بن أحمد بن عبد الرحمن الواعظ ،

__________________

(١) كلمة ممسوحة.

(٢) انظر : شذرات الذهب ٣ / ٢٧٩. وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٢١٥. والأعلام ٨ / ٦١. والعبر ٣ / ٣١٤. والمنتظم ١٦ / ٣١٤.

١٨٨

وبأصبهان أبا الطيب عبد الرزاق بن عمر بن يوسف بن سمه التاجر وأبا بكر أحمد بن الفضل بن محمد الباطرقاني ، وبهمذان أبا طالب ذا المحاسن بن الحسن بن علي الحسني ، وبالكرخ أبا الصفا ناصر بن علي بن محمد الواعظ ، وبعمان أبا الحسن علي بن أحمد ابن عبد العزيز الأنصاري ، وبالبصرة أبا تمام محمد بن الحسن بن موسى المقرئ ، وبواسط أبا تمام محمد بن الحسن العبدي ، وبالكوفة أبا أحمد عبد الكريم بن المطلب بن محمد الهاشمي ، وبالمدينة أبا علي الحسن بن أحمد بن عبد الله العثماني ، وبصنعاء القاضي أبا الحسن أحمد بن محمد بن الحسن الأنباري ، وبمصر أبا الحسين محمد بن مكي الأزدي وأبا محمد عبد الله بن عبيد الله بن محمد بن الحسن المحاملي وأبا إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله الحبال في آخرين ، وقدم بغداد وسمع بها الشريفين أبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي وأبا الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون والقاضي أبا يعلى بن الفراء في آخرين ، وحدث.

قال يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة : هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي قدم أصبهان مرات وكتب عن أصحاب ابن المقرئ ، سافر كثيرا ، وتغرّب في طلب الحديث. كثير الكتب ، حسن الخلق ، جميل الطريقة ، كان يختلف إلى سماع الحديث إلى أن مات.

قال ابن السمعاني : توفي هبة الله الشيرازي في رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة بمرو ، ودفن بجنب يعقوب بن على باب رباطه. وكان به علة البطن ، وكان في الليلة التي مات في صبيحتها احتاج إلى القيام سبعين مرة ؛ ففي كل نوبة كل يغتسل في النهر إلى أن توفي على الطهارة.

١٩٢ ـ هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة بن علي بن عبيد الله بن حمزة بن محمد بن عبيد الله بن علي الملقب بأغر بن الأمير عبيد الله المعروف بالطبيب بن عبد الله بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أبو السعادات بن أبي الحسن العلوي الحسني ، المعروف بابن الشجري (١).

من أهل الكرخ. كان شيخ وقته في معرفة النحو. قرأ الأدب على الشريف أبي المعمر يحيى بن محمد بن طباطبا. قرأ عليه الأدب أبو محمد بن الخشاب وأبو اليمن

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ٥ / ٩٦ ـ ١٠٠. وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٩٤. والنجوم الزاهرة ٥ / ٢٨١.

والأعلام ٨ / ٦٢. ومرآة الجنان ٢٧٥ : ٣. والعبرة ٤ / ١١٦. وشذرات الذهب ٤ / ١٣٢. ومعجم الأدباء ١٩ / ٢٨٢ ـ ٢٨٤. وفوات الوفيات ٢ / ٦١٠.

١٨٩

الكندي. وسمع كتاب المغازي لسعيد بن يحيى بن سعيد الأموي من أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الصّيرفيّ ورواه عنه.

كان ابن الشجري قد أنشد شيئا من نظمه في مجلس علي بن طراد الوزير فلم يجد فيه ، وكان ابن حكينا حاضرا ، فعمل هذين البيتين ارتجالا :

يا سيدي والذي يعيذك من زلة

لفظ يصدى به الفكر

ما فيك من جدك النبي سوى

أنك لا ينبغي لك الشعر

قال ابن السمعاني : هبة الله بن الشجري النحوي نقيب الطالبيين ، أحد أئمة النحاة ، له معرفة تامة باللغة والنحو. صنّف في النحو تصانيف ، وكان فصيحا ، حلو الكلام ، حسن البيان والإفهام.

قرأ الحديث بنفسه على جماعة من المتأخرين مثل أبي الحسين بن الطيوري وأبي علي بن نبهان ، كتبت عنه.

مولده في رمضان سنة خمسين وأربعمائة.

وتوفي في السادس والعشرين من رمضان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ببغداد ، ودفن في داره بالكرخ ، وحدث.

١٩٣ ـ هبة الله بن المبارك بن موسى بن علي بن غنم بن خالد السقطي ، أبو البركات (١) :

طلب الحديث بنفسه ، وسمع الكثير ، وقرأ على المشايخ ، وكتب بخطه ، وحصل بجدّ واجتهاد ، وسافر إلى واسط والبصرة والكوفة والموصل وأصبهان والجبال وسمع هناك ، وبالغ في الطلب ، وكتب عن المتقدمين والمتأخرين ، حتى كتب عن أقرانه وعن جماعة حدثوه عن شيوخه. وكان حافظا ، وله أنس بالأدب ، ومعرفة بالسير والتواريخ وأيام الناس ، وحدث باليسير ؛ ولم يكن موثوقا به. كان متهافتا ، قليل الإتقان ، ضعيفا. سمع القاضي أبا يعلى محمد بن الحسين بن الفراء وأبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي ومحمد بن أحمد بن النّرسيّ وأحمد بن محمد بن النقور وأبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبا الغنائم محمد بن علي بن الدجاجي وأبا الحسن جابر بن ياسين الحنائي في آخرين. روى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي وعبد القادر بن أبي صالح الجيلي في آخرين. وخرّج لنفسه معجما في نيف وعشرين جزءا ، وحدث به.

__________________

(١) انظر : الأنساب ٧ / ١٥٣. والذيل على طبقات الحنابلة. والعبر ٤ / ١٩. ولسان الميزان ٦ / ١٨٩.

ومعجم المؤلفين ١٣ / ١٤٤. وشذرات الذهب ٤ / ٢٦. والأعلام ٩ / ٩٤.

١٩٠

سأله السلفي عن مولده ، فقال : في سنة ثمان وأربعين ـ يعني وأربعمائة.

قال ابن السمعاني : هبة الله بن السقطي ، قرأت في معجم شيوخه : أنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه وأنا أسمع ، وهذا محال!.

قرأت بخط أبي بكر بن فولاذ : ذاكرت شجاعا الذهلي برواية السقطي عن الجوهري ، قال : ما سمعنا بهذا قط ، وضعفه فيه جدا.

قال ابن السمعاني : سألت الحافظ أبا الفضل بن ناصر عن السقطي : أكان ثقة؟ فقال : لا والله ، حدّث بواسط عن شيوخ لم يرهم ، وظهر كذبه عندهم ؛ وسمعت ابن ناصر غير مرة يقول : السقطي لا شيء ، هو مثل نسبه من سقط المتاع.

توفي في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الأول سنة تسع وخمسمائة ببغداد ، ودفن بباب حرب عند منصور بن عمار. وكان يتسامح فيما يرويه ـ قاله المبارك بن كامل الخفاف.

١٩٤ ـ هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن إبراهيم بن الحصين بن شيبان الشيباني ، أبو القاسم بن أبي عبد الله الكاتب (١) :

أسمعه والده في صباه من أبي علي بن المذهب مسند الإمام أحمد بن حنبل ، وفوائد أبي بكر الشافعي من ابن غيلان ، وأخبار اليشكري من الأمير أبي محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله ، وتفرد برواية ذلك عنهم وسمع أيضا أبا القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبا محمد الجوهري وأبا الطيب الطبري الفقيه وعمر ، وقصده الطلاب من الأقطار ، وصارت الرحلة إليه ، وألحق الأبناء بالآباء ، وسمع منه الحفاظ ، كالحافظ أبي موسى وأبي القاسم بن السّمرقندي وابن الخشاب وابن طبرزد ـ وهو آخر من روى عنه. وكان قد خرّج له ابن ناصر أربعين مجلسا من أصول سماعاته ، وأملاها بجامع القصر في كل جمعة بعد الصّلاة ، فاستملاها عليه ابن ناصر ، وكتبها الناس ورووها عنه. وكان شيخا حسنا متيقظا صدوقا صحيح السماع.

مولده في صفر سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة ، وقيل في رابع ربيع الأول.

وتوفي في رابع عشر شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة ببغداد ، ودفن بباب حرب ـ رحمه‌الله.

__________________

(١) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٧٧. ومرآة الجنان ٣ / ٢٤٥. والمنتظم ١٧ / ٢٦٨.

١٩١

١٩٥ ـ هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن بن محمد بن عبد الملك بن طلحة القشيري ، أبو الأسعد بن أبي سعيد بن أبي القاسم (١) :

من أهل نيسابور ، من بيت العلم والتصوف والإمامة. حضر على جده وسمع أباه وعميه أبا سعد عبد الله وأبا منصور عبد الرحمن وأبا صالح أحمد بن عبد الملك بن علي المؤذن وأبا نصر عبد الرحمن بن علي بن موسى التاجر وأبا بكر محمد بن إبراهيم ابن يحيى المزكي وأبا عمرو عبد الوهاب بن عبد الرحمن السلمي وأبا سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار وجدّته فاطمة بنت أبي علي الدقاق في آخرين. وقدم بغداد وحدّث بها ، وسمع بها من أبي القاسم بن بيان وغيره ، وتفرد بالرواية عن جده.

أخبرنا الحاتمي أنّ ابن السمعاني قال : هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري خطيب نيسابور ، وهو مقدم القشيرية بها ، ويرجع إلى فضل ويمن ومعرفة بعلوم القوم ، طريف ، حسن الأخلاق ؛ وحضرت مجلس إملائه ، وسمعت جماعة من أصحابنا أنه ادّعى سماع الرسالة عن جده وغيرها من تصانيفه ، وما ظهر له أصلا فيه سماعه عنه غير أجزاء من حديث أبي العباس السراج ومجالس من إملائه وكتاب عيون الأجوبة في فنون الأسئلة.

مولده في العشرين من جمادى الأولى سنة ستين وأربعمائة.

وتوفي يوم الأربعاء ودفن يوم الخميس رابع عشر شوال سنة ست وأربعين وخمسمائة ، ودفن عند أجداده بنيسابور.

١٩٦ ـ ياقوت بن عبد الله الرومي ، أبو عبد الله الكاتب ، مولى عسكر ، الحموي التاجر (٢) :

قرأ الأدب وكتب الخط المليح ، وجالس العلماء ، وسمع الحديث ، وكتب من الأدب كثيرا ، وصنف كتبا حسنة مفيدة ، منها كتاب «أخبار الأدباء» ، وكتاب «أخبار الشعراء» ، وكتاب «أسماء البلدان والجبال والمياه والأماكن» ، وتاريخا على السنين وغير ذلك. وكان غزير الفضل ، صحيح النقل ، متحرّيا ، صدوقا ، له النظم الحسن والنثر الجيد.

__________________

(١) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٣٢٢. وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٠٩. وشذرات الذهب ٤ / ١٤٠. والعبر ٤ / ١٢٥. والأعلام ٩ / ٥٧. ومرآة الجنان ٣ / ٢٨٤.

(٢) انظر : النجوم الزاهرة ٦ / ١٥٢. وشذرات الذهب ٥ / ١٢١. ومرآة الجنان ٤ / ٩٥. ومعجم المؤلفين ١٣ / ١٧٨. ومعجم الأدباء ٨ / ١٥٧.

١٩٢

أنشدني ياقوت الحموي لنفسه :

أقول لقلبي وهو في الغيّ جامح

أما آن للجهل القديم يزول

أطعت مهاة في الجدار خريدة

وكنت على أسد الفلاة تصول

ولما رأيت الوصل قد حيل دونه

وأن لقاكم ما إليه سبيل

لبست رداء الصبر لا عن ملالة

ولكنني للضيم فيك حمول

توفي بحلب في العشرين من رمضان سنة ست وعشرين وستمائة ، ولم يبلغ الستين ، ووقف كتبه ببغداد.

قلت : كتب عنه الحافظ أبو محمد المنذري في معجم شيوخه ، وقال : سمعته يقول : مولدي سنة أربع أو خمس وسبعين وخمسمائة.

أنشدنا أبو عمر يوسف بن عمر الفقيه الحنفي العدل قراءة عليه وأنا أسمع ، قال : أنشدنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال : أنشدنا الأديب الفاضل أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي لنفسه ، قال : واستيقظت من النوم ، فجرى على لساني هذه الأبيات من غير قصد ولا رويّة ، فأنشدتها كأني أحفظها :

لعمرك ما أبكي على رسم منزل

ودار خلت من زينب ورباب

ولكنني أبكي على زمن مضى

تسود فيه بالذنوب كتابي

وأعجب شيء أنه لا يصدني

عن اللهو شيب حال دون شبابي

وقد جلى بازي للمشيب بعارضي

وما طار عن وكر الذنوب غرابي

فيا رب جد بالعفو منك فإنني

مريض حريض لما بي

ولا لي أهل في بلاد ومعشر

يعدون أيامي لوقت إيابي

وإن سرت عن دار فما من مشيع

ولا ملتق إن جئتها بركابي (١)

ولا سكن أعتده لملمة

ولا أحد يرجى لدفع [مصابي] (٢)

* * *

__________________

(١) في الأصل : «بالركابي».

(٢) ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.

١٩٣

حرف الياء

١٩٧ ـ يحيى بن الحسين بن أحمد بن جميلة ، أبو زكريا الضرير المقرئ (١) :

من أهل أوانا. قدم بغداد في صباه وتلقّن بها القرآن وأتقنه ، وقرأ بالقراءات الكثيرة على المشايخ ، ولازم مجالس العلم ، وحصل النسخ والأصول ؛ ولم يزل في التحقيق والتجويد وضبط القراءات والإتقان حتى صار أحد القرّاء المشار إليهم. قرأ القرآن بالقراءات على عمر بن ظفر المغازلي وأبي الكرم بن الشهرزوري ؛ وانحدر إلى واسط وقرأ بها على أبي الكرم محفوظ بن الحسين بن عبد الباقي بن التاريخ ، وسمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن علي بن الجلابي وأبي العباس بن الطلاية وأبي الفضل بن ناصر وابن الشهرزوري في آخرين ؛ وحدّث كثيرا ، سمعت منه ، ولم يكن ثقة ، ولا مرضيا في دينه ولا في روايته ، فإنه كان مرتكبا للفواحش والمنكرات في المساجد. رأيته مرارا يبول في بالوعة المسجد ويخلّ بالصلوات. وكان يدّعى أنه قرأ على أبي محمد بن بنت الشيخ بجميع ما عنده ويروي عنه ، ولم يكن بيده خطه ؛ ولم يذكر أحد من تلامذة أبي محمد أنه رآه عنده قط.

مولده في ليلة رابع عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.

وتوفي في ليلة ثالث عشري صفر سنة ست وستمائة ، ودفن بباب حرب.

١٩٨ ـ يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد ، أبو الفضل الطبري الخطيب ، المعروف بالحصكفي (٢) :

كان فقيها فاضلا أديبا بليغا ، مليح الشعر ، لطيف المعاني ، رقيق الغزل ، وكان يتشيع. قدم بغداد ، وجالس أبا زكريا التبريزي ، فقرأ عليه شيئا من شعره.

ومن شعر الحصكفي من أول قصيدة :

أقوت مغانيهم فأقوى الجسد

ربعان كل بعد سكن فدفد

أسأل عن قلبي وعن أحبابه

ومنهم كل فقير يجحد

وهل يجيب أعظم باليد

أو رأيتم دارسه من ينشد

توفي بميافارقين في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، وكان مولده بعد الستين.

__________________

(١) انظر : طبقات القراء ٢ / ٣٦٨. وشذرات الذهب ٥ / ٢٣.

(٢) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ٣٢٨. ووفيات الأعيان ١٥ / ٦٥١. والأعلام ٩ / ١٨٣. ومعجم الأدباء ٢٠ / ١٨ ـ ١٩. والمنتظم ١٨ / ١٢٨٠١٣٣.

١٩٤

١٩٩ ـ يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن يحيى بن مندة ، أبو زكريا بن أبي عمرو بن أبي عبد الله ، الإمام العبدي (١) :

من أهل أصبهان. سمع الحديث من أبي بكر محمد بن عبد الله بن ريذة وأبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن النعمان وأبي عبد الله محمد بن علي الجصاص وأبي طاهر أحمد بن محمود الثقفي وأبيه أبي عمرو وعمّيه أبي الحسن عبيد الله وأبي القاسم عبد الرحمن ، ورحل إلى خراسان ، فسمع بنيسابور من أبي بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. وصنّف وأملى. ودخل بغداد ، وحدّث بها ، وأملى بجامع المنصور. سمع منه ابن الخشاب وعبد الوهاب الأنماطي.

قال شيرويه بن شهردار الديلمي قال : يحيى بن عبد الوهاب بن مندة كان حافظا فاضلا مكثرا ، صدوقا ، ثقة ، يحسن هذا الشأن جيدا جدا ، كثير التصانيف ، شيخ الحنابلة ومقدمهم ، حسن السيرة ، بعيدا من التكلف ، متمسكا بالمآثر.

قال الحافظ أبو موسى في معجم شيوخه : أنا الحافظ الأصيل أبو زكريا بن مندة ، وكان مولده في تاسع عشر شوال سنة أربع وثلاثين ـ يعني وأربعمائة.

وتوفي في حادي عشر ذي حجة سنة إحدى عشرة ـ يعني وخمسمائة ـ رحمه‌الله.

٢٠٠ ـ يحيى بن علي بن الحسن بن محمد بن موسى بن بسطام ، الشيباني الخطيب ، أبو زكريا (٢) :

من أهل تبريز. سافر في طلب علم الأدب إلى الأقطار ، فقرأ على عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني وأبي سعيد الحسين بن الحسين البيضاوي ، وقرأ بالبصرة على أبي القاسم الفضل بن محمد بن علي القصباني ، وببغداد على أبي محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن الدهان في آخرين ؛ وسمع بها الحديث وكتب الأدب على أبوي الحسين هلال بن المحسن الصابئ ومحمد بن محمد بن السراج وأبي الطيب الطبري وأبي محمد الجوهري في آخرين ، وسافر المعرة ، ولازم أبا العلاء أحمد بن عبد الله التنوخي وقرأ عليه كثيرا من مصنفاته ، ودخل الشام وقرأ بصيدا على عالي بن عثمان بن جني ، وسمع الحديث من الفقيه سليم بن أيوب الرازي والحافظ أبي بكر الخطيب ، وصنّف

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ٥ / ٢١٧. وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٥٠. والعبر ٤ / ٢٥. والأعلام ٨ / ١٩٤.

(٢) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٥ ، ٦. ووفيات الأعيان ٥ / ٢٣٨. والنجوم الزاهرة ١٩٧. والأعلام ٨ / ١٩٧. والأنساب ٣ / ١٦. ومعجم الأدباء ٢٠ / ٢٥. ومعجم المؤلفين ١٣ / ٢١٤. والمنتظم ١٧ / ١١٤ ـ ١١٦.

١٩٥

مصنفات حسنة ، منها تفسيرا للغريب وإعرابا ، وشرح اللمع لابن جني ، وشرح الحماسة ثلاثة شروح ، وشرح ديوان المتنبي وديوان أبي تمام الطائي وسقط الزند للمعرّي. وسكن بغداد إلى حين وفاته ، وتولى تدريس الأدب بالمدرسة النظامية. وكان إماما في اللغة ، حجة في النقل ، له معرفة تامة بالنحو ، وكان صدوقا ثبتا نبيلا ، انتهت إليه الرئاسة في فنّه ، واتفقت الألسن على تفرده في وقته. روى عنه أبو بكر الخطيب في مصنفاته ـ وهو من شيوخه ـ وابن الجواليقي وابن ناصر والسلفي وسعد الخير الأنصاري في آخرين.

ومن شعر الخطيب قوله يرثي غلاما له مات بالموصل :

دفنت بدر التم بالموصل

فلا سقاه الغيث من منزل

يا صبر لا خل به مؤنسي

وارتحل الركب ولم ترحل

ما كنت إلا مقطعا جنب ال

وصل فلم سميت بالموصل؟

قال السلفي في معجم شيوخه : أبو زكريا يحيى التبريزي إمام في اللغة والنحو ، ثقة ، قرأ على أبي العلاء المعري وعلى عالي بن عثمان بن جني ، وسمع أبا الطيب الطبري والجوهري ؛ وله مؤلفات كثيرة ، منها تفسير القرآن وغيره.

سألته عن مولده ، فقال : في سنة إحدى عشرة وأربعمائة.

قال ابن السمعاني : سمعت أبا منصور بن خيرون يقول : أبو زكريا التبريزي ما كان مرضي الطريقة ، وذاكرت أبا الفضل بن ناصر بما ذكره ابن خيرون فسكت ، وكأنه ما أنكر ما قال ، ثم قال : ولكن كان ثقة في اللغة وما كان ينقله.

توفي مساء يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسمائة بعد أن كان عبر يوم الاثنين ـ وهو صحيح ـ إلى النقيب الطاهر أبي الحسن علي بن معمر العلوي يهنئه (١) بالنقابة ، فهنأه وعاد من عنده ، فاشتهى أن تعمل له دجاجة ، فعملت وأكل منها ثم نام ، فانتبه في بعض الليل ، فاستسقى غلامه ، فأتاه بالماء ، فوجده قد مات ، ودفن بباب أبرز وهو في عشر التسعين ـ قاله أبو عمر العبدري.

٢٠١ ـ يحيى بن عيسى بن جزلة ، أبو علي الطبيب (٢) :

__________________

(١) في الأصل : «تهنيته».

(٢) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ١٦٦. ووفيات الأعيان ٥ / ٣١٠ ، ٣١١. ومعجم المؤلفين ١٣ / ٢١٨.

والأعلام ٩ / ٢٠٢.

١٩٦

كان نصرانيا ، وكان يقرأ المنطق على أبي علي بن الوليد شيخ المعتزلة ويلازمه ، فلم يزل يدعوه إلى الإسلام ويشرح له الدلالات حتى أسلم. وكان عالما بالحكمة والطب. وله مصنفات حسنة مفيدة في الطب ، منها كتاب منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان.

ومن شعره قوله يمدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

وشاهر السيف قبل السيف الذرهم

والناس قد عكفوا جهلا على هبل

إمام معجزة قولا ونممه

فعلا فأحكمه بالقول والعمل

توفي في آخر شعبان سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة ، وكان وقف كتبه في مشهد أبي حنيفة.

٢٠٢ ـ يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن حسين بن أحمد بن الحسن بن جهم بن عمر بن هبيرة بن علوان ، أبو المظفر الوزير (١) :

قلده الإمام المقتفي لأمر الله الوزارة وخلع عليه. وكانت أيام وزارته منيرة بالعدل ، مزهرة بالجود والفضل ، وكان محبا لأهل العلم ، يحضر مجلسه الفقهاء والأدباء والقرّاء وأصحاب الحديث ، ويبحث مع كل منهم في فنه ، فيسفر فكره عن فائدة لطيفة ونكتة ظريفة ، ويشهد له الجماعة بوفور فضله وجلالة قدره. وكانت له مصنفات حسنة في عدة فنون من العلم والقراءات والحديث والأدب ، وأجلّها كتاب الإفصاح عن معاني الأحاديث الصحاح ، شرح فيه أحاديث صحيحي البخاري ومسلم ، وبيّن فقهها ولغتها ومعانيها بألفاظ تعرب عن نبله وجلاله ، وتفصح عن بعد مرماه في الفضل وكماله ، وتبين عن غزارة علمه وحسن تصوره وفهمه.

وقرئ عليه في مجلس عام جامع لأئمة أهل الإسلام ثم إنه رتب لحفظ هذا الكتاب من المتعلمين ألفا وثمانمائة طالب ، وجعل لهم مائة وأربعين معيدا لتحفيظهم وتفقيههم بحيث لم يبق مسجد ولا مدرسة إلا ويلقي فيهما درس منه. وبعد حفظ الطلبة لدروسهم يحضرون مع مفيدهم في حضرة الوزير فيقرءونه من حفظهم ، فيوصل إليهم من المبارّ والأنعام ما يدهش سائر الأنام. ويقال : إنه أنفق على هذا الكتاب حتى جمعه مائة ألف دينار وثلاثة عشر ألف دينار. سمع الحديث من أبي عثمان إسماعيل بن قيلة وأبي القاسم هبة الله بن الحسين وأبي غالب بن البنا وأبي الحسين محمد بن محمد بن

__________________

(١) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ٣٠٠. ووفيات الأعيان ٥ / ٢٧٤ ـ ٢٨٧. وشذرات الذهب ٤ / ١٩١.

والأعلام ٩ / ٢٢٢. والدارسي ١ / ٤٠٩. والعبر ٤ / ٢١٢. والمنتظم ١٨ / ٥٥ ومرآة ٨ / ٢٥٥.

١٩٧

الفراء وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وعبد الوهاب الأنماطي ، وحدّث وأملى عدة مجالس بالديوان الزمامي.

ومن شعره قوله :

ربما فاتك ما تهواه والخيرة فيه

وكثيرا يعطب الإنسان فيما يشتهيه

وينال المرء ما يرجوه فيما يتقيه

توفي ليلة الأحد لاثنتي عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ستين وخمسمائة ببغداد.

وكان مولده في صفر سنة تسع وستين وأربعمائة ـ قاله ابن شافع.

أنشد القاسم بن عمر الخليع لنفسه يوم مات الوزير :

مات يحيى ولم نجد بعد يحيى

ملكا ماجدا به يستعان

وإذا مات من زمان كريم

مثل يحيى به يموت الزمان

٢٠٣ ـ يحيى بن نزار بن سعيد ، أبو الفضل التاجر (١) :

من أهل منبج. قدم بغداد واستوطنها ، وكان من ذوي الثروة الواسعة والحرفة الكاملة. وله شعر حسن لطيف.

أخبرنا شهاب الحاتمي أن ابن السمعاني [قال] أنشدنا يحيى بن نزار المنبجي لنفسه :

لو صدّ عنّي دلالا أو معاتبة

لكنت أرجو تلاقيه وأعتذر

لكن ملالا فلا أرجو تعطفه

جبر الزجاج عزيز حين ينكسر

قال : وأنشدني لنفسه :

وأغيد غض زاد خط عذاره

لعاشقه في همه والبلابل

تموج بحار الحسن في وجناته

فتقذف منها عنبرا في السواحل

وتجرى بخديه الشبيبة ماءها

فتنبت ريحانا جنوب الجداول

مولده بمنبج في محرم سنة ست وثمانين وأربعمائة.

وتوفي ببغداد في ليلة سادس ذي حجة سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، ودفن بالوردية ، وكان سبب موته أنه وجد في أذنه ثقلا ، فاستدعى إنسانا في الطرقية فامتص أذنه ، فخرج شيء من مخه ، فكان سبب موته ـ قاله صدقة بن الحسين بن الحداد.

__________________

(١) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ٣٠٠. ووفيات الأعيان ٥ / ٢٧٤ ـ ٢٨٧. وشذرات الذهب ٤ / ١٩١.

والأعلام ٩ / ٢٢٢. والدارسي ١ / ٤٠٩. والعبر ٤ / ٢١٢. والمنتظم ١٨ / ٥٥ ومرآة الجنان ٨ / ٢٥٥.

١٩٨

٢٠٤ ـ يعقوب بن صابر بن أبي البركات بن عمّار بن علي بن الحسين بن علي بن حوثرة القرشي ، أبو يوسف المنجنيقي (١) :

حراني الأصل. كان أديبا فاضلا ، مليح الشعر لطيفه ، ذا معان مطبوعة ، وألفاظ سهلة. سمع أبا المظفر هبة الله بن عبد الله بن السّمرقندي ، وحدّث ، وكان حسن الأخلاق.

أنشدنا يعقوب بن صابر الحراني لنفسه :

كيف يسخو العاشق بوصال با

خل في الكرى بطيف الخيال

علق القرط حين بلبل صدغيه

بداج من فرعه كالليالي

فرأينا الدجى وقد سحب البدر إل

يه من قرطه بهلال

وأنشدنا أيضا لنفسه :

شكوت منه إليه جوره فبكى

واحمرّ من خجل واصفرّ من وحل

بالورد والياسمين الغض منغمس

في الطل بين البكاء والعذر والعذل

مولده في رابع محرم سنة أربع وخمسين وخمسمائة ببغداد ، وتوفي بها في ليلة ثامن عشري صفر سنة ست وعشرين وستمائة ، ودفن بمقابر قريش.

٢٠٥ ـ يوسف بن خليل بن عبد الله الآدمي ، أبو الحجاج الدمشقي (٢) :

سمع الكثير ببلده ، وقدم بغداد في سنة سبع وثمانين وخمسمائة ، وسمع بها من أصحاب أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وأبي طالب بن يوسف في آخرين. ثم سافر إلى أصبهان ، وسمع بها من أصحاب أبي علي الحداد وغانم البرجي وأبي منصور الصّيرفيّ في آخرين. وعاد فسمع بالموصل ودخل ديار مصر وسمع بها البوصيري والشفيقي في آخرين. وكتب بخطه الكثير ، وكان يكتب خطّا حسنا ، ويفهم هذا الشأن فهما جيدا. ثم إنه قدم بغداد بعد العشرين وستمائة حاجّا وحدّث بها ، كتب عنه أبو عبد الله الواسطي ، ثم إنه عاد إلى حلب واستوطنها ، وحدّث بها بالكثير على استقامة وحسن طريقة ومعرفة ، كتبت عنه بحلب ونعم الشيخ هو.

مولده في سنة خمس وخمس وخمسمائة بدمشق.

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ٦ / ٣٥ ـ ٤٥. وشذرات الذهب ٥ / ١٢٠. ومعجم المؤلفين ١٣ / ٢٥٠.

والأعلام ٨ / ١٦١.

(٢) انظر : تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤١٠. ومعجم المؤلفين ١٣ / ٢٧٩. وشذرات الذهب ٥ / ٢٤٣.

وذيل طبقات الحنابلة ، وص ٢٣٥. والأعلام ٨ / ٣٠٤. والدارس في تاريخ المدارس ١ / ٥١٤.

١٩٩

قلت : وتوفي بحلب في ليلة عاشر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وستمائة ، ودفن من الغد ظاهر باب أربعين ـ سمعت من أصحابه رحمهم‌الله تعالى. ومعجم شيوخه يزيدون على أربعمائة شيخ ـ نقلته من خط الشريف عز الدين الحسيني.

* * *

٢٠٠