تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٧

بسم الله الرّحمن الرّحيم

حسبي الله

١٤٠ ـ علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب ، أبو الحسن الباخرزي الكاتب(١) :

من أهل باخرز ، ناحية من نواحي نيسابور ، كان من أفراد عصره في الأدب والبلاغة وحسن النظم والنثر. سدا (٢) في صباه طرفا من الفقه على أبي محمد الجويني ، وسمع منه ومن أبي عثمان الصابوني وأبي الفضل عبيد الله بن أحمد المكيالي. ثم اشتغل بالكتابة ، وخدم في ديوان الرسائل. وقدم بغداد في أيام القائم بالله ومدحه ، وصنف كتابا سماه «دمية القصر» ذكر فيه شعراء عصره ، وله ديوان شعر مشهور. روى عنه أبو شجاع الذهلي.

وله قصيدة أولها :

هبّت نسيم صبا تكاد تقول

إني إليك من الحبيب رسول

سكرى تجشمت الربى لتزورني

من علتي وهبوبها معلول

قال أبو سعد بن السمعاني : قتل الباخرزي في ذي القعدة سنة سبع وسبعين وأربعمائة بباخرز ، ودفن بها وهو في أيام الكهولة. قتل في مجلس أنس على يدي بعض المخاذيل في الدولة النظامية وظل دمه هدرا ـ رحمه‌الله تعالى.

١٤١ ـ علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين ، أبو القاسم بن أبي محمد بن أبي الحسين الشافعي ، عرف بابن عساكر (٣) :

من أهل دمشق ، إمام المحدثين في وقته ، ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان ، وبه ختم هذا الشأن ، سمع بإفادة أخيه الأكبر في سنة خمس وخمسمائة من

__________________

(١) انظر شذرات الذهب ٣ / ٣٢٧. والعبر ٣ / ٢٦٥. والأعلام ٥ / ٨١. ومعجم الأدباء ١٣ / ٣٢ ـ ٤٨. ووفيات الأعيان ٣ / ٦٦ ـ ٦٨.

(٢) أى طلب.

(٣) انظر : تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨. والعبر ٤ / ٢١٢. ووفيات الأعيان ٢ / ٤٧١ ـ ٤٧٢. ومعجم الأدباء ١٣ / ٨٧.

١٤١

أبي الحسن بن الموازيني وأبي القاسم النسيب (١) وأبي الوحش سبيع بن قيراط (٢) المقرئ وأبي طاهر الحنائي ، وسمع هو بنفسه من والده وأبي محمد بن الأكفاني وأبي الحسن بن قبيس وطاهر بن سهل الإسفرائيني. وحجّ في سنة إحدى وعشرين ، وسمع بمكة أبا محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل المقرئ ، ورحل إلى العراق في سنة عشرين. وسمع الكثير ببغداد من ابن الحصين وأبي الحسن الدينوري وأبي العز بن كادش وأبي القاسم الحريري ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري في آخرين ، وسمع بالكوفة الشريف أبا البركات عمر بن إبراهيم الزيدي وعاد إلى بغداد ، فأقام بها يسمع الحديث ويقرأ الفقه والخلاف بالمدرسة النظامية ويكتب ويحصّل خمس سنين ، ثم عاد إلى دمشق ، ورحل إلى خراسان على طريق آذربيجان ، ودخل نيسابور في سنة تسع وعشرين وسمع أبا عبد الله الفراوي وأبا محمد السيدي وزاهر الشحامي وأخاه وجيها ، وبمرو من يوسف بن أيوب الهمذاني ، وسمع ببسطام ودامغان والري وزنجان وسمنان ، وعاد إلى دمشق يملي ويحدث ويصنف ، وسمع منه جماعة من شيوخه. وكان إماما حجة ثقة نبيلا ، حدّث ببغداد ، وروى عنه من أهلها أبو بكر بن كامل ـ وكان أسن منه.

قال سعد الخير : ما رأينا في سن الحافظ أبي القاسم مثله. وله من المصنفات : «التاريخ» ، «الإشراف على معرفة الأطراف» ، «المعجم لأسماء شيوخه» ، «الموافقات عن شيوخ الأئمة الثقات» اثنان وسبعون جزءا.

قلت : وأملى أربعمائة مجلس في جامع دمشق ، وكان يختمها بأبيات من شعره.

ولقد سمعت شيخنا عبد الوهاب بن علي الأمين يقول : كنت يوما مع الحافظ أبي القاسم بن عساكر وأبي سعد بن السمعاني نمشي في طلب الحديث ولقاء الشيوخ ، فلقينا شيخا فاستوقفه ابن السمعاني ليقرأ عليه شيئا ، وطاف على الجزء الذي هو سماعه في خريطته ، فلم يجده وضاق صدره ، فقال له ابن عساكر : ما الجزء الذي هو سماعه؟» قال: كتاب «البحث والنشور» لابن أبي داود سمعه من أبي النصر

ابن الزينبي ، فقال له : لا تحزن! وقرأ عليه من حفظه أو بعضه ـ الشك من شيخنا.

أخبرني شهاب الحاتمي ، حدثنا ابن السمعاني قال : علي بن الحسن بن عساكر أبو

__________________

(١) في الأصل بدون نقط.

(٢) في الأصل : «فراطا».

١٤٢

القاسم من أهل دمشق كثير العلم ، حافظ متقن ديّن خيّر ، جمع من معرفة المتون والأسانيد ، صحيح القراءة متثبت محتاط ، رحل في طلب الحديث ، وتعب في جمعه ، وبالغ في الطلب. ورد بغداد ، وسمع بها من أصحاب البرمكي والتنوخي والجوهري ، ثم رجع إلى دمشق ، ورحل إلى خراسان ودخل نيسابور قبلي بشهر أو أكثر ، ثم رأيت نيسابور وصادفته بها ، وجمع ونسخ ، وأقام مديدة ببغداد ، وحدثني بأحاديث ، ثم اجتمعت به في رحلتي إلى الشام ببلدة دمشق في سنة خمس وثلاثين [وخمسمائة] (١) ، وأفادني عن شيوخها ، وسعى في تحصيل الشيخ لي ، كتبت عنه وكتب عني ، وكان قد شرع في «التاريخ الكبير» لدمشق على نسق تاريخ الخطيب ؛ وصنّف التصانيف ، وخرّج التخاريج.

قال الحافظ أبو محمد القاسم : ولد أبي في محرم سنة تسع وتسعين وأربعمائة ؛ وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بدمشق ، ودفن بمقابر باب الصغير ـ رضي‌الله‌عنه ورحمه.

١٤٢ ـ علي بن الحسين بن محمد بن مهدي ، أبو الحسن بن أبي الفوارس الصوفي :

من أهل البصرة ، كان جوّالا ، سافر إلى الشام ، ودخل ديار مصر وصحب المشايخ ، وكانت أحواله ومقاماته حسنة ، وصار من مشاهير الزهّاد والعلماء الورعين ، له كرامات ، سكن بغداد إلى حين وفاته ، سمع بمصر من أبي الحسن علي بن الحسن الخلعي ، وحدّث ؛ روى عنه الحافظ بن عساكر.

اجتمع الإمام أبو حامد الغزالي وإسماعيل الحاتمي وأبو الحسن البصري وإبراهيم الشباك في آخرين بالمسجد الأقصى ، فأنشد منشد هذين البيتين :

فديتك لو لا الحب كنت فديتني

ولكن بسحر المقلتين سبيتني

أتيتك لما ضاق صدري من الهوى

و [لو] (٢) كنت تدري كيف شوقي أتيني

قال : فتواجد أبو الحسن البصري وجدا أثر في الحاضرين ، وتوفي محمد الكازروني من بين الجماعة في ذلك المجلس ورفع ميتا.

توفي أبو الحسن البصري في جمادى الأولى سنة ست وعشرين وخمسمائة ـ رحمه‌الله.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

١٤٣

١٤٣ ـ علي بن زريق ، الكاتب البغدادي :

صاحب القصيدة المشهورة التي رواها عنه أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين :

وما سر قلبي مذ شطت بك النوى

أنيس لا كأس ولا متصرف

وما ذقت طعم الماء إلا وجدته

كأن ليس بالماء الذي كنت أعرف

ولم أشهد اللذات إلا تكلفا

وأي سرور يقتضيه التكلف؟

قال أبو عبد الله الحميدي : قال لي أبو محمد علي بن أحمد بن حزم ، فقال : من تختم بالعقيق وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي وحفظ قصيدة من ابن زريق فقد استكمل الظرف.

١٤٤ ـ علي بن سعيد بن عبد الله ، أبو الحسن العسكري (١) :

من أهل عسكر سامراء. كان من الحفّاظ ، سمع علي بن مسلم الطوسي وعبد الرحيم بن سلام بن المبارك الواسطي وعبد السلام بن عبيد وعمرو بن علي الفلاس والقاسم بن محمد الزبيدي ومحمد بن المثنّى الزمن في آخرين ؛ روى عنه من أهل أصبهان القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد العسال.

ذكر أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ علي بن سعيد العسكري في تاريخ أصبهان وقال : كان من الثقات ، يحفظ ويصنف.

توفي بالري سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة. قال الحافظ أبو نعيم : كان من الحفاظ.

١٤٥ ـ علي بن العباس النوبختي (٢) :

كان وكيلا للمقتدر ، وكان أديبا ، راوية للأخبار والأشعار. كان علي بن العباس النوبختي مع جماعة من أهله على سطح أبي سهل النوبختي في ليلة من ليالي النصف يشربون ومعهم إبراهيم بن القاسم بن زرزر المغني ، وكان إذ ذاك أمرد حسن الوجه ، وكان في السماء غيم ينجاب مرة ويتصل أخرى ، فانجاب الغيم عن القمر فانبسط ، فقال علي بن العباس وأقبل على إبراهيم :

لم يطلع البدر إلا من تشوقه

إليك حتى يوافى وجهك النظرا

ولم يتمم البيت حتى استتر القمر فقال :

__________________

(١) انظر : شذرات الذهب ٢ / ٢٣٣. والأعلام ٥ / ١٠٢. والعبر ٢ / ١١٤.

(٢) انظر : الأعلام ٤ / ٢٩٧.

١٤٤

ولا تغيب إلا عند خجلته

لما رآك فولى عنك واستترا

توفي النوبختي في ربيع الأول سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وقد قارب الثمانين.

١٤٦ ـ علي بن عبد العزيز بن الحسن بن علي بن إسماعيل ، أبو الحسن (١) :

من أهل جرجان ، ولى القضاء بها ثم انتقل إلى الري وولى القضاء بها ، وصنّف تاريخا ، وله في الأدب اليد الطولى ، روى ببغداد شيئا من شعره.

وذكره أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر ، قال : ومن ملح شعره قوله في الغزل :

أفدى الذي قال وفي كفه

مثل الذي أشرب من فيه

الورد قد أينع في وجنتي

قلت : فمن باللثم يجنيه (٢)

وقوله :

بالله فض العقيق عن برد

تروي أقاحيه من مدام فمه

وامسح عوالي العذار عن قمر

يقصر بالورد خد ملتثمه

قل للسقام الذي يناظره

دعه وأشرك حشاي في سقمه

كل غرام يخاف فتنته

فبين ألحاظه ومبتسمه

وقوله :

قد برح الحب بمشتاقك

فأوله حسن أخلاقك

لا تجفه وارع له حقه

فإنه خاتم عشاقك

توفي لست بقين من ذي الحجة اثنتين وتسعين وثلاثمائة بالري ، وحمل تابوته إلى جرجان فدفن بها.

١٤٧ ـ علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن محمد بن عبد الله ، أبو الوفاء الفقيه الحنبلي (٣) :

قرأ القرآن بالقراءات على أبي الفتح عبد الواحد بن الحسين بن علي بن شيطا ، وتفقه على القاضي أبي يعلى ، وقرأ الأصول والخلاف على القاضي أبي الطيب

__________________

(١) انظر الأعلام ٥ / ١١٤. وشذرات الذهب ٣ / ٥٦. ووفيات الأعيان ٢ / ٤٤٠. ومعجم المؤمنين ٧ / ١٢٣. وطبقات الشافعية للسبكي ٣ / ٣ ز ٨ ـ ٣١٠. ويتيمة الدهر ٣ / ٢٣٨.

(٢) في الأصل : «بحسه».

(٣) انظر : الأعلام ٥ / ١٢٩. وشذرات الذهب ٤ / ٣٥. ولسان الميزان ٤ / ٢٤٣. والزيل على طبقات الحنابلة ، وص ١٧١. والعبر ٤ / ٢٩.

١٤٥

الطبري ، وقرأ الأدب على أبي القاسم بن برهان ، وسمع الحديث من أبي بكر محمد بن بشران وأبي الفتح بن شيطا وأبي محمد الحسن بن علي الجوهري وأبي طالب محمد بن علي العشاري في آخرين. روى عنه ابن ناصر في آخرين. وكان فقيها مبرزا ، مناظرا ، جدلا ، كثير المحفوظ ، دقيق المعاني. وصنف كتبا كثيرة في الأصول والمذهب والخلاف ، وجمع كتابا سماه «الفنون» يشتمل على ثلاثمائة مجلدة أو أكثر.

قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل من كلامه في صفة الأرض أيام الربيع ، قال : إن الأرض أهدت إلى السماء غبرتها بترقية الغيوم ، فكستها السماء زهرتها من الكواكب والنجوم ، وقال : كأن الأرض أيام زهرتها مرآة السماء في انطباع صورتها.

ومن شعره قوله من قصيد :

يقولون لي ما بال جسمك ناحل

ودمعك من آماق عينيك هاطل

وما بال لون الجسم بدل صفرة

وقد كان محمرا فلونك حائل

فقلت سقاما حل في باطن الحشا

ولوعة قلب بلبلته البلابل

وأنيّ لمثلي أن يبين لناظر

فلي باطن قد قطعته النوازل

وما أنا إلا كالزناد تضمنت

لهيبا ولكن اللهيب مداخل

مولده في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.

وقال السلفي : في جمادى الآخرة ، وتوفي في ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، ودفن بباب حرب.

١٤٨ ـ علي بن علي بن سالم بن الشيخ (١) ، أبو الحسن بن أبي البركات ، الشاعر المعروف بالمفيد :

من أهل الكرخ. كان حسن الشعر فاضلا حسن الأخلاق.

أنشدني علي بن علي بن سالم المفيد لنفسه :

كم ذا التجني والجفا

ما هكذا أهل الوفا

طيفك لما زارني

شرد نومي ونفى

يا رشأ ألحاظه

غادرك قلبي هدفا

رميتني بأسهم

فيهن سقمي والشفا

__________________

(١) في الأصل بدون نقط ، وكتب فوقه : «كذا».

١٤٦

رفقا بصبّ مدنف

كابد فيك التلفا

مذ غبت عنه سيدي

طيب الكرى ما عرفا

فقال إذ عاتبته

أطلت عذلي سرفا

لست ترى من بعدها

ما بيننا تآلفا

نأيت عنه نادما

أقرع سنى أسفا

أطلب صبري بعده

وكنز صبري قد عفا

مولده تقديرا سنة سبع وخمسين وخمسمائة ، وتوفي في رجب سنة سبع عشرة وستمائة ، ودفن بمشهد الحسين بن علي.

١٤٩ ـ علي بن علي بن نما بن حمدون ، أبو الحسن بن أبي القاسم الكاتب :

من أهل الحلة السيفية. كان أديبا فاضلا ، مليح الشعر ، غاليا في التشيع ، مبالغا في الرفض ، خبيث العقيدة.

ومن شعره قوله :

ومهفهف جمع النحول بأسره

لشقاوتي في مقلتيه وخصره

قمر يبيح ثغور صبري ما حمى

وأسه عمدا من سلافة ثغره

وله :

إني لأغبط فيك عود أراكة

أوردتها من عذب ريقك منهلا

ويروقني حسد الزجاجة كلما

رشفت تجاه الخمر منك مقبلا

وأغار من ملق الوشاح إذا جرى

بنحيف خصرك ذاهبا أو مقبلا

مولده سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ، وتوفي في سنة تسع وسبعين وخمسمائة ببغداد.

١٥٠ ـ علي بن المبارك بن أحمد بن محمد بن علي بن بكرى ، أبو الحسن :

من أهل الحرم الطاهري. كان أديبا فاضلا بليغا. ذكره العماد الأصفهاني في «الخريدة» ووصفه بالفضل والعلم. سمع الحديث من أبي علي محمد بن محمد بن المهدي وهبة الله بن الحصين في آخرين وحدث ، سمع منه أبو المحاسن عمر القرشي.

ومن شعره قوله :

١٤٧

نظرت إلى جوار سامرات

حللن بروضة مثل البدور

فقابلن الشقائق والأقاحي

بتوريد الخدود وبالثغور

وله في سوداء :

يا من فؤادي فيها متيما ما يزال

إن كان لليل بدر فأنت للصبح خال

وقال : وقد أهديت له تفاحة :

حيا بتفاحة فأحياني

بوصل بعد طول هجران

كأنما ريحها تنفّسه

ولونها ورد خده القاني

مولده سنة تسع وخمسمائة ، وتوفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ببغداد ، ودفن بباب حرب.

١٥١ ـ علي بن محمد بن أحمد بن العباس ، أبو حيان التوحيدي (١) :

أصله من نيسابور وهو بغدادي ، سكن شيراز. وكان أديبا نحويا لغويا ؛ له المصنفات الحسنة المشهورة كالبصائر وغيرها. سمع أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعي وأبا محمد جعفر بن محمد بن نصير والمعافى بن زكريا النهرواني وأبا عبيد الله المرزباني ، روى عنه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن فارس في آخرين.

ومن شعره قوله :

قل لبدر الدجى وبحر السماحة

والذي راحتاه للناس راحة

ما تركت الحضور سهوا ولكن

أنت بحر ولست أدري السباحة

١٥٢ ـ علي بن محمد بن علي الهراسي ، أبو الحسن الشافعي ؛ المعروف بالكيا(٢) :

من أهل طبرستان. هاجر إلى نيسابور وله عشرون سنة ، وصحب إمام الحرمين أبا المعالي الجويني مدة ، وتفقه عليه حتى برع في الأصول والفروع والخلاف ؛ ثم خرج إلى بيهق فأقام بها مدة يدرس ويفيد الناس ، ثم قدم بغداد وتولى التدريس بالنظامية في

__________________

(١) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٢. ومعجم المؤلفين ٧ / ٢٠٥. وبغية الوعاة ، ص ٣٤٨.

ومعجم الأدباء ١٥ / ٥.

(٢) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٨. ووفيات الأعيان ٢ / ٤٤٨. ومعجم المؤلفين ٧ / ٢٢٠. والأعلام ٥ / ١٤٩. وطبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٢٨١.

١٤٨

سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة ، ولم يزل على التدريس إلى حين وفاته. وكان كامل الفضل ، فصيح العبارة ، جهوري الصوت ، له التعليق والمصنفات الحسنة. سمع كثيرا من شيخه الجويني وأبي علي الحسن بن محمد الصفار وأبي الفضل زيد بن صالح الطبري ، وحدث ببغداد ؛ روى عنه سعد الخير الأنصاري والسلفي.

قال السلفي : سمعت الفقهاء يقولون : كان أبو المعالي الجويني يقول في تلامذته إذا ناظروا التحقيق للخوافي والجريان للغزالي والبيان لإلكيا.

مولده في خامس ذي قعدة سنة خمسين وأربعمائة.

وتوفي ببغداد في مستهل محرم سنة أربع وخمسمائة ، ودفن بمقبرة باب أبرز.

ورثاه أبو القاسم إبراهيم بن عثمان الغزي من قصيدة أولها :

هي الحوادث لا تبقى ولا تذر

ما للبرية من محتومها وزر

لو كان ينجى علو من بوائقها

لم تكسف الشمس بل لم يخسف (١) القمر

١٥٣ ـ علي بن محمد بن علي التميمي العنبري ، أبو الحسن ، المعروف والده بدوّاس القنا :

من أهل البصرة. قدم واسطا وسكنها إلى حين وفاته ، وكان تام المعرفة بالأدب. قدم بغداد ومدح بها صدقة بن منصور.

ومن شعره من قصيدة :

ساقوا الجمال وخلّفوني أثرهم

متململا أدعوهم وأنادي

يا راحلين عن العقيق وخاطري

لمطيهم هاد وقلبي حادي

إن كان قد حكم الهوى أن ترقدوا

عما أجن وتذهبوا برقادي

فترفقوا عليّ أفوز بنظرة

تطفي غليلا دائم الإيقاد

أسكنتم جسمي الضنا وسلبتم

جفني الكرى وذهبتم بفؤادي

إن تتهموا فتهامة أكرم بها

لبني الهوى من منزل ومراد

أو تنجدوا فالقلب منذ بلى بكم

وقف على الاتهام والإنجاد

توفي في رجب سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ليلة سادسه.

__________________

(١) في الأصل : «لم يكسف».

١٤٩

١٥٤ ـ علي بن محمد بن غالب ، أبو فراس العامري ، المعروف بمجد العرب(١):

شاعر مجيد ، ذكره أبو عبد الله الكاتب في الخريدة وأثنى عليه ، ومن شعره :

أمتعب ما رق من جسمه

بحمل السيوف ونقل (٢) الرماح

علام تكلفت حملانها

وبين جفونك أمضى السلاح

وله :

لا تنكرين عليّ يا شمس الهدى

أني مررت عليك غير مسلم

فالشمس لا تخفي ولكن ضوأها

مخفف لها عن ناظر المتوسم

توفي بالموصل في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.

١٥٥ ـ علي بن محمد بن فهد ، أبو الحسن التهامي ، الشاعر (٣) :

مولده ومنشؤه باليمن ، وطرا إلى الشام ، وسافر منها إلى العراق ، ولقي الصاحب ابن عباد ، وقرأ عليه وانتحل مذهب الاعتزال ، وأقام ببغداد ودوّن بها شيئا من شعره ، ثم عاد إلى الشام. وكان أديبا فاضلا متورعا.

وبلغ من تورعه أنه كان نسخ شعر البحتري ، فلما بلغ إلى أبيات فيها هجو امتنع من كتبها وقال : لا أسطر بخطي مثالب الناس ومساوئهم تحرجا من ذلك ؛ ومن شعره قوله :

لها ريقة أستغفر الله إنها

ألذ وأشهى في المذاق من الخمر

وصارم طرف ما يفارق غمده

ولم أر شيئا قط في غمده يفرى

وقال :

هل الوجد إلا أن تلوح خيامها

فتقضي يا هذا السلام ذمامها

وقفت بها أبكي وتردم أينقي

وتصهل أفراسي وتدعو حمامها

ولو بكت الورق الحما [ثم] (٤) شجوها

بعين نجى أطواقهن انسجامها

__________________

(١) انظر : الأعلام للزركلي ٥ / ١٥٨.

(٢) في فوات الوفيات : «وثقل».

(٣) انظر : النجوم الزاهرة ٤ / ٢٦٣. ووفيات الأعيان ٣ / ٦٠. وكشف الظنون ، ص ٧٧١. ومرآة الجنان ٣ / ٩٢. وشذرات الذهب ٣ / ٢٠٤.

(٤) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

١٥٠

وفي كبدي أستغفر الله غلة

إلى برد يثنى عليه لثامها

وبرد رضاب سلس غير أنه

إذا شربته النفس زاد هيامها

فوا عجبا من غلة كلما ارتوت

من السلسبيل العذب زاد اضطرامها

كأن بعيد النوم في رشفاتها

سلاف رحيق رق منها مدامها

وتعبق ريّاها وأنفاسها معا

كنافجة قد فض عنها ختامها

ولم أنس يوم التقى در دمعها

ودر الثنايا فذها وتوامها

وقد بسمت عن ثغرها فكأنه

قلائد در في العقيق انتظامها

وقد نثرت در الكلام بعتبها

ولذ بسمعي عتبها وملامها

فلم أدر أي الدر أنفس قيمة

أدمعها أم ثغرها أم كلامها؟

وقد سفرت عن وجهها فكأنما

تحسر عن شمس النهار جهامها

ومن حيثما دارت بطلعتها يرى

لإشراقها في الحسن نورا تمامها

وألقت عصاها في رياض كأنما

يفض عن المسك العتيق ختامها

وضاحكها نور الأقاحي فراقني

تبسمه رأد الضحى وابتسامها

نظرت ولي عينان عين ترقرقت

ففاضت وأخرى حار فيها جمامها

فلم أر عيبا غير سقم جفونها

وصحة أجفان الحسان سقامها

خليليّ هل يأتي مع الطّيف نحوها

سلامي كما يأتي إليّ سلامها؟

ألمت بنا في ليلة مكفهرة

فما سفرت حتى تجلى ظلامها

أتت موهنا والليل أسود فاحم

طويل حكاه فرعها وقوامها

فأبصر مني الطيف نفسا أبية

تيقظها عن عفة ومنامها

إذا كان حظي أين حلت خيالها

فسيّان عندي نأيها ومقامها

وهل نافعي أن تجمع الدار بيننا

بكل مقام وهي صعب مرامها

أسيدتي رفقا بمهجة وامق

أيعذبها بالبعد منك غرامها

لك الخير جودي بالجمال فإنه

سحابة صيف ليس يرجى دوامها

وما الحسن إلا دولة فاصنعي بها

يدا قبل أن يمضي ويعبر رامها

أرى النفس تستحلى الهوى وهو حتفها

بعيشك هل يحلو لنفس حمامها

ذكر أبو الخطاب أن التهامي أظهر الانتساب في ولد الحسين بن علي ، وحصل في أحياء طي ، ودعا إلى نفسه ، فأنفذ الطاهر بن الحاكم صاحب مصر إلى ابن عليان أمير طي ، فقبض عليه وأنفذه إلى مصر فحبس بها ، وقيل : إنه قتل.

١٥١

١٥٦ ـ علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن أبي دلف القاسم ، أبو نصر بن أبي القاسم ، المعروف بابن ماكولا (١) :

أصله من جرباذقان ، وكان والده من وزراء القائم بأمر الله ، وعمه قاضي القضاة. ىوأحب العلم منذ صباه ، وطلب الحديث ، ورحل إلى الشام والثغور وديار مصر والجزيرة والعراق ، وحصّل طرفا صالحا في هذا العلم ، وقرأ الأدب حتى برع فيه ، وله النثر والنظم الحسن والمصنفات الملاح. سمع ببغداد أبا طالب بن غيلان وأبا القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد بن محمد العتيقي وأبا محمد الجوهري والقاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ، وسمع بدمشق من أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد وأبي محمد الكتاني ، وبمصر من الشريف أبي إبراهيم أحمد بن القاسم الحسيني والقاضي أبي عبد الله القضاعي وآخرين. سمع منه الحافظان أبو بكر الخطيب وعبد العزيز الكتاني والفقيه أبو الفتح نصر المقدسي في آخرين.

ومن شعره قوله :

أقول لقلبي (٢) قد سلا كل واجد

ونفض أثواب الهوى عن مناكبه

وحبك ما يزداد إلا تجددا

فيا ليت شعري ذا الهوى في مناك به (٣)

قال أبو عبد الله الحميدي : كان ابن ماكولا إذا سألناه عن شيء كأنه على طرف لسانه ، ولو عاش لجاء منه شيء ، وما سألنا الخطيب عن شيء قط فأجابنا عنه من حفظه، إنما يحيل على كتبه.

قال السلفي : سألت شجاع الذهلي عن ابن ماكولا فقال : كان حافظا فهما ثقة ، صنف كتبا في علم الحديث وغيره.

وقال السلفي أيضا : سألت المؤتمن بن أحمد الساجي عن ابن ماكولا ، فقال : كان له فهم وحسن معرفة بالحديث مع وساطة البيت. لم يلزم طريق أهل العلم فلم ينتفع بنفسه.

__________________

(١) انظر : تذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٠١. ووفيات الأعيان ٢ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧. والنجوم الزاهرة ٥ / ١٥.

شذرات الذهب ٣ / ٣٨١. وفوات الوفيات ٢ / ١٨٥. والعبر ٣ / ٣١٧. والمنتظم ١٦ / ٢٢٦ ، ١٧ / ٨. ومعجم الأدباء ١٥ / ١٠٢ ـ ١١١.

(٢) في الأصل فوقها : «لنفس».

(٣) على الهامش الأصل : «أنشد في هذين البيتين يونس بن إبراهيم العسقلاني عن أبي الحسن علي ابن أبي عبد الله البغدادي عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر عن ابن ماكولا».

١٥٢

مولده بعكبرا في منتصف شعبان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة.

قرأت على أبي محمد بن الأخضر عن أبي الفضل بن ناصر قال : كان أبو نصر بن ماكولا قد سافر نحو كرمان وكان معه مماليكه الأتراك ، فغدروا به وقتلوه وأخذوا الموجود من ماله ، وذلك في سنة خمس وسبعين وأربعمائة وله من المصنفات كتابه المشهور في «المؤتلف والمختلف».

١٥٧ ـ علي بن هلال بن البواب ، أبو الحسن الكاتب ، مولى معاوية بن أبي سفيان (١) :

قرأ الأدب على أبي الفتح بن جني ، وسمع من أبي عبيد الله المرزباني ، وكانت له معرفة بتعبير الرؤيا ؛ وكان يعظ الناس بجامع المنصور ، وله النظم والنثر المليح ؛ وإليه انتهت الرئاسة في حسن الخط وجودته.

قال الحافظ أبو بكر الخطيب : علي بن هلال أبو الحسن بن البواب ، صاحب الخط المستحسن المذكور ، رأيته وكان رجلا دينا ، لا أعلمه روى شيئا من الحديث.

وقد قال أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرى في قصيدة له :

ولاح هلال مثل نون أجادها

بماء النضار الكاتب ابن هلال

قال محمد بن الليث الزجاج يهجو ابن البواب ، وكان إذ ذاك منقطعا إلى الشريف الرضى وملازما له.

[أيهذا الشريف] (٢) حاشاك حاشاك

ترى في فنائك ابن هلال

هو نحس النحوس في السادة العز

وسعد السعود في الأندال

انظر اللازم من هلال تجدها

فيه مشكولة بلا أشكال

توفي في ثاني جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ببغداد ، ودفن بجوار أحمد.

١٥٨ ـ علي بن يلدرك بن أرسلان التركي ، أبو الثناء بن أبي منصور الكاتب(٣):

كان شاعرا ، لطيف الشعر ، ومترسلا مليح النثر. روي عنه أبو الوفاء بن عقيل في

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ٣ / ٢٨ ـ ٣٠. والأعلام ٥ / ١٨٣. ومعجم الأدباء ١٥ / ١٢٠ ـ ١٣٤.

وتذكرة الحفاظ ٣ / ٥٦.

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(٣) انظر : مرآة الزمان ٨ / ٩٩.

١٥٣

كتابه «الفنون» وابن ناصر.

ومن شعره :

ومد له علق الغرام بقلبه

فمواقد النيران من نيرانه

إن جن ليل جن لاعج حبه

أو مد سيل كان من أجفانه

عذب العذاب من أهوى عذابه

وحلا مرير الجور من سلطانه

يرتاح ما حدر الصباح لثامه

وارتاح قمري على أغصانه

ما لج عاذله عليه بعذله

إلا ولج عليه في عصيانه

بغداد موطنه ولكن الهوى

نجد وأين هواه من أوطانه؟

أو كان قيس العامري بعصره

دعي الخليّ من الهوى لعنانه

وله من قصيدة :

رقّت حواشي الحب بعدك رقة

غارت لها ببلادنا الصهباء

وحفت علينا بعد ذاك خشونة

فكأنها التفريق والقرباء

توفي في صفر سنة خمس عشرة وخمسمائة ببغداد ، ودفن بباب حرب ـ قاله أبو الفرج بن الجوزي.

١٥٩ ـ علي بن الطستاني الأنباري :

شاعر حسن الشعر ، سافر إلى الموصل واستوطنها.

توفي في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. ومن شعره قوله :

لو تراني في ليلة العيد واليأ

س لأبصرت أعجب الأشياء

كل عين ترنو إلى مغرب الشم

س وعيني ترنو إلى البطحاء

مقلتي تطلب الهلال على الأر

ض وهم يطلبونه في السماء

يتلوه عمر بن حسن بن دحية الكلبي رحمه‌الله تعالى (١).

١٦٠ ـ عمر بن حسن بن علي بن محمد بن فرح ـ بسكون الراء وبالحاء المهملة ـ بن خلف بن قومس بن يزلال بن ملال بن أحمد بن دحية بن خليفة الكلبي ، أبو الخطاب (٢) :

__________________

(١) هذه الترجمة أضيفت على الأصل في المخطوط.

(٢) انظر : شذرات الذهب ٥ / ١٦٠ ووفيات الأعيان ٣ / ٢١٢. ومرآة الزمان ٨ / ٦٩٨. والأعلام ٥ / ٢٠١.

١٥٤

من أهل منورقة من بلاد الأندلس (١) ؛ وذكر أنه يسمى عبد الله ، وأن أمه أمة الرحمن بنت أبي عبد الله محمد بن أبي البسام موسى بن عبد الله بن الحسين بن علي ابن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب. فلهذا كان يكتب بخطه : ذو النسبين : بن دحية والحسين. قدم علينا بغداد ، وأملى من حفظه ، وكتبنا عنه ، وذكر أنه سمع من أبي الفرج ابن الجوزي ؛ وسافر إلى العراق فسمع بأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني معجم الطبراني ، ودخل خراسان فسمع بنيسابور من أبي سعد بن الصفار ومنصور الفراوي والمؤيد الطوسي في آخرين وحصل الأصول ، وسمع بواسط من أبي الفتح بن الماندائي.

وذكر أنه سمع كتاب «الصلة» من أبي القاسم بن بشكوال ، وأنه سمع بالأندلس من جماعة ، غير أني رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه وادعائه لقاء من لم يلقه ، وسماع ما لم يسمعه ، وكانت أمارات ذلك لائحة على كلامه ، وكان القلب يأبى سماع كلامه ، ويشهد ببطلان قوله. دخل ديار مصر ، وسكن بالقاهرة ، وصادف قبولا من السلطان الملك الكامل ، وسمعت من يذكر أنه كان يسوى له الملابس حين يقوم.

وكان صديقنا إبراهيم السنهوري المحدث صاحب الرحلة إلى البلاد قد دخل بلاد الأندلس ، وذكر لمشايخها وعلمائها أن ابن دحية يدّعى أنه قرأ على جماعة من الشيوخ القدماء ، فأنكروا ذلك وأبطلوه وقالوا : لم يلق هؤلاء ولا أدركهم ، وإنما اشتغل بالطلب أخيرا وليس نسبه بصحيح (٢) ، ودحية لم يعقب. فكتب السنهوري محضرا ،

__________________

(١) على الهامش الأصل : «ذكر ابن نقطة في» «تكملة الإكمال ونقله من خطه ابن دحية هذا ، وإلا أنه قال في نسبه : أحمد بن بدر بن دحية ، ثم قال بعد كلام له : وكان موصوفا بالمعرفة والفضل إلا أنه يدعي أشياء لا حقيقة لها ، ذكر أبو القاسم بن عبد السلام قال : نزل عندنا بالحريم الظاهري أبو الخطاب بن دحية ، فكان يقول : أحفظ صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك ، فأخذت جمة أحاديث من الترمذي وجمة أحاديث من مسند أحمد وجمة أحاديث من الموضوعات فجعلتها في جزء ، ثم عرضت عليه حديثا من الترمذي فقال : ليس بصحيح ، وآخر فقال : لا أعرفه ، ولم يعرف منها شيئا ، وذكر ابن نقطة أنه يعرف بابن الجميل ـ بضم الجيم وفتح الميم وتشديد الياء المكسورة المعجمة من تحتها باثنتين».

وعلى الهامش أيضا إضافة من المحرر : «ثم شاهدت هذا النسب بخط الحافظ أبي الخطاب بن دحية في إجازة كتب بها لجماعة فيهم اسم بعض شيوخ شيوخنا ، ومنهم يحيى بن علي القوسي وعلي بن شجاع بن سالم الغرير وجعفر الهمذاني وعبد الغني بن سليمان وزينب وعاصم بن الأسود».

(٢) على هامش الأصل : «ذكر ابن دحية بن الزبير قال : روى سننه عن أبي محمد عبيد الله وغيره ، ودخل الأندلس ، وأخذ بها عن جماعة منهم الحافظ أبو بكر بن الجد أبو عبد الله بن رزقون وأبو العباس بن خليل ، وكان معتنيا بالعلم ، ومشاركا في فنون عدة ، ومجتهدا معتنيا بالأخذ عن ـ

١٥٥

وأخذ خطوطهم فيه بذلك ، وقدم به ديار مصر ، فعلم ابن دحية بذلك ، فاشتكى إلى السلطان منه وقال : هذا يأخذ عرضي ويؤذيني! فأمر السلطان بالقبض عليه ، وضرب ، وأشهر على حمار وأخرج من ديار مصر ، وأخذ ابن دحية المحضر وخرقه.

وبنى له السلطان الملك الكامل دارا للحديث.

وكان حافظا ماهرا عالما بقيود الحديث ، فصيح العبارة ، تام المعرفة بالنحو واللغة ، وكان ظاهري المذهب ، كثير الوقيعة في السلف ، خبيث اللسان ، أحمق ، شديد الكبر ، قليل النظر في الأمور الدينية ، متهاونا في دينه.

قال الحافظ أبو الحسن بن علي بن المفضل المقدسي : كنا يوما بحضرة السلطان في مجلس عام وهناك ابن دحية ، فسألني السلطان عن حديث فذكرته له ، فقال لي : من رواه؟ فلم يحضرني إسناده وانفصلنا ، فاجتمع بي ابن دحية وقال لي : يا فقيه! لما سألك السلطان عن إسناد ذاك الحديث ، لم لم تذكر له أي إسناد شئت؟ فإنه ومن حضر مجلسه لا يعلمون هل هو صحيح أم لا! وكنت قد ربحت قولك «لا أعلم» ، وعظمت في عينه ، قال : فعلمت أنه جرئ على الكذب.

أنشدني أبو المحاسن محمد بن نصر عرف بابن عنين لنفسه بدمشق يهجو ابن دحية :

دحية لم يعقب فلم تعتزي

إليه بالبهتان والإفك

ما صح عند الناس شيء سوى

أنك من كلب بلا شك

توفي ابن دحية بالقاهرة في ليلة رابع عشر ربيع الأول من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ، وقد نيف على الثمانين. وكان يخضب بالسواد ـ قدس الله [روحه] (١).

١٦١ ـ عمر بن محمد بن عبد الله بن عمويه ، السهروردي ، أبو عبد الله الصوفي (٢) :

ابن أخي الشيخ أبي النجيب. كان شيخ وقته في علم الحقيقة وطريقة التصوف ، وإليه انتهت الرئاسة في تربية المريدين وتسليك طريق العبادة والزهد في الدنيا.

__________________

ـ الشيوخ ، وأقر العبارة والأسانيد ورجال الحديث والجرح والتعديل ، وكان موصوفا بالثقة والعدالة والصداقة والاعتناء التام».

(١) ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.

(٢) انظر : وفيات الأعيان ٣ / ١١٩. وشذرات الذهب ٥ / ١٥٣. وطبقات الشافعية للسبكي ٥ / ١٤٣. والأعلام ٥ / ٢٢٣. ومرآة الجنان ٤ / ٧٩. وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٢ / ١٠٣.

١٥٦

ولد بسهرورد وقدم بغداد في صباه ، وصحب عمه وغيره ، وسلك طريق الرياضيات ، وقرأ الفقه والخلاف والعربية ، وسمع الحديث. ثم انقطع عن الناس ولازم الخلوة ، واشتغل بإدامة الصيام والقيام والذكر إلى أن خطر له عند علو سنه أن يظهر للناس ويتكلم عليهم ؛ فعقد مجلس الوعظ بمدرسة عمه على شاطئ دجلة ، وكان يتكلم على الناس بكلام مفيد ، وظهر له قبول عظيم من الخاص والعام ، واشتهر اسمه ، وقصده المريدون. سمع الحديث من عمه ومن أبي المظفر هبة الله بن أحمد بن محمد بن الشبلي وأبي الفتح بن البطي وأبي زرعة المقدسي في آخرين. وحدّث وصنّف مصنفات مفيدة ، منها مغاني المعاني ، وأضر في آخر عمره.

أنشدني عمر بن محمد السهروردي لنفسه :

ربع الحمى مذ حللتم معشب نضر

تروق أكنافه يزهو بها النظر

لا كان وادي الفضا لا ينزلون به

ولا من (١) الحمى سحّ في أرجائه مطر

ولا الرياح وإن رقت نسائهما

إن لم تفد (٢) نشركم لا ضمها سحر

ولا خلت مهجتي تشكو دسيس جوى

وحر قلبي بريّا حبكم عطر

ولا رقت عبرتي حتى يكون لمن

ذاق الهوى وصبا في عبرتي عبر

أنبأنا عبد ... (٣) من شيوخنا ، قالوا : أنبأنا أبو عبد الله السهروردي مولده في رجب سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.

وتوفي ببغداد في ليلة الأربعاء مستهل محرم سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، ودفن بالوردية في تربة له مستجدة ـ رحمه‌الله.

١٦٢ ـ عمر بن محمد بن معمر بن أحمد بن يحيى بن حسان ، أبو حفص بن أبي بكر المؤدب ، المعروف بابن طبرزد (٤) :

من أهل دار القز. سمع الكثير بإفادة أخيه ومن آباء القاسم هبة الله بن الحصين وهبة الله بن أحمد الحريري وهبة الله بن عبد الله الواسطي وأبي غالب أحمد بن الحسن بن البناء وأبي المواهب أحمد بن ملوك وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري

__________________

(١) «من» إضافة من الهامش.

(٢) هكذا في الأصل.

(٣) مكان النقط كلمات ممسوحة.

(٤) انظر : النجوم الزاهرة ٦ / ٢٠١ ـ ٢٠٢. ووفيات الأعيان ٣ / ١٢٤. والزيل على طبقات الحنابلة ، ولسان الميزان ٤ / ٣٢٩.

١٥٧

وأبي القاسم علي بن طراد الزينبي في آخرين وهو آخر من حدث في الدنيا عن ابن الحصين وابن البناء وابن ملوك. وطلب من الشام للسماع عليه فتوجه إلى هناك ؛ وحدث بإربل والموصل وحران وحلب ، وأقام بدمشق مدة طويلة ؛ وروى أكثر مسموعاته ، وحصّل مالا حسنا ، وعاد إلى بغداد وأقام بها يحدث على حين وفاته ، وكان يعرف شيوخه ويذكر مسموعاته.

وكانت أصول سماعاته بيده ، وأكثرها بخط أخيه ، وكان يكتب خطا حسنا ، وكان متهاونا بأمور الدين. رأيته غير مرة يبول من قيام ، فإذا فرغ من إراقة بوله أرسل ثوبه وقعد من غير استنجاء. وكنا نسمع منه أجمع ، فنصلي ولا يصلي معنا ، ولا يقوم لصلاة ، وكان يطلب الأجر على الرواية ، إلى غير ذلك من سوء طريقته.

مولده سنة ست عشرة وخمسمائة ، وتوفي في رجب لتسع خلون منه من سنة سبع وستمائة. ودفن بباب حرب.

قال عبد العزيز بن هلاله : رأيت ابن طبرزد في النوم وعليه ثوب أزرق ، فقلت له : سألتك بالله ما لقيت بعد موتك؟ فقال لي : أنا في بيت من نار داخل بيت من نار داخل بيت من نار ، فقلت : ولم؟ قال : لأخذ الذهب على الرواية.

١٦٣ ـ العلاء بن الحسن بن وهب بن الموصلاي (١) ، أبو سعد بن أبي علي الكاتب (٢) :

من أهل الكرخ. كاتب جليل مترسل كامل الأدب. روى عنه موهوب بن الجواليقي اللغوي.

قال : أنشدنا العلاء بن الحسن الكاتب لنفسه :

أحنّ إلى روض التصابي وأرتاح

وأمتح من حوض التصافي وأمتاح

وأشتاق رئما كلما رمت صيده

تصدّ يدي عنه سيوف وأرماح

غزال إذا ما لاح أو فاح نشره

تعذب أرواح وتعذب أرواح

بنفسي وإن عزت وأهلي أهله

لها غرر في الحسن تبدو وأوضاح

نجوم أغاروا النور للبدر عند ما

أغاروا على سرب الملاحة واجتاحوا

__________________

(١) في المراجع السابقة : «المواصلايا».

(٢) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ١٨٩. ووفيات الأعيان ٣ / ١٤٩. ومرآة الزمان ٨ / ١١. ومعجم الأدباء ١٢ / ١٩٦. والمنتظم ١٧ / ٨٩

١٥٨

فتتضح الأعذار فيهم إذا بدوا

ويفتضح اللاحون فيهم إذا لاحوا

وكرخية عذراء يعذر حبها

ومن زندها في الدهر تقدح أقداح

إذا جليت في الكأس والليل ما انجلى

يقابل إصباح لديك ومصباح

يطوف بها ساق لسوقه جماله

نفاق لإفساد الهوى فيه إصلاح

به عجمة في اللفظ تغزى بوصله

وإن كان منه بالقطيعة إفصاح

وغرته صبح وطرته دجى

ومبسمه در وريقته راح

أباح دمي مذ بحت في الحب باسمه

وبالشجو من قبلي المحبون قد باحوا

وأوعدني بالسوء ظلما ولم يكن

لإشكال ما يفضي إلى الضيم إيضاح

وكيف أخاف الضيم أو أحذر الرديح

وعوني على الأيام أبلج وضاح

وظل نظام الملك للكسر جابر

وللضر منّاع وللنفع مناح

مولده ببغداد في ليلة سادس شوال سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.

وتوفي يوم الاثنين الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وأربعمائة ، وبلغ من العمر خمسا وثمانين سنة ، ودفن في تربة الطائع لله بالرصافة ـ رحمه‌الله تعالى.

١٦٤ ـ عيسى بن أبي عيسى بن بزاز (١) بن محير ، أبو موسى ، الفقيه المالكي :

من أهل قابس من بلاد المغرب. سمع بالمغرب أبا عبد الله الحسين بن عبد الرحمن الأجدابي ، وبمكة أبا ذر الهروي ، ودخل بغداد وسمع بها من أبي طالب بن غيلان والعشاري وابن المذهب وابن شاهين وأحمد بن محمد العتيقي والحسن بن علي الجوهري في آخرين ؛ وحدث عنه الحافظ أبو بكر الخطيب وذكره في كتابه «المؤتلف والمختلف» من تأليفه ، قال : وأما الثاني بالقاف والباء المعجمة بواحدة والسين المهملة فهو عيسى بن أبي عيسى بن بزاز القابسي. قدم علينا بغداد بعد الثلاثين [والأربعمائة] (٢) فسمع من شيوخ ذلك الوقت ، وأقام عندنا مدة ، ثم رجع إلى بلده.

توفي بمصر في سنة سبع وأربعين وأربعمائة ـ قاله أبو محمد الأكفاني.

* * *

__________________

(١) في الأصل : «نزار» ، والتصحيح من الأكمل ١ / ٢٥٩.

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

١٥٩

حرف الفاء

١٦٥ ـ الفتح بن خاقان بن أحمد ، أبو محمد التركي (١) :

تربى في دار المعتصم ، واختص بولده المتوكل. فلما ولى الخلافة حوله على خاتمه ، ولما سافر المتوكل إلى دمشق كان عديله. وولاه دمشق فاستخلف بها كلباتكين التركي ، وعاد مع المتوكل إلى بغداد. وكان أديبا شاعرا ، غاية في السماحة والجود ، روى عنه أبو العباس محمد بن يزيد المبرد وغيره.

ومن شعره قوله :

بني الحب على الجور فلو

أنصف المعشوق فيه لسمج

ليس يستملح في وصف الهوى

عاشق يحسن تأليف الحجج (٢)

لا تعيبن من حبيب دله

دله للحب مفتاح الفرج

وقليل الحب صرف خالص

خير من حب كثير قد مزج

دخل المعتصم يوما إلى خاقان يعوده ، فرأى الفتح ابنه وهو صبي ، فقال له : أيما أحسن داري أم داركم؟ فقال الفتح : «يا سيدي ، دارنا إذا كنت فيها أحسن» ، فقال المعتصم : لا أبرح والله أو تنثر عليه مائة ألف درهم ، ففعل ذلك. ومن شعر الفتح قوله :

أيها العاشق المعذب صبرا

فخطايا أخي الهوى مغفورة

زفرة في الهوى أحط لذنب

من غزاة وحجة مبرورة

قتل الفتح ليلة الأربعاء ، وقيل : ليلة الخميس بعد العتمة لأربع ليال خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ـ رحمه‌الله تعالى.

١٦٦ ـ الفضل بن سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد الإسفرائيني ، أبو المعالي بن أبي الفرج ، الواعظ ، كان يعرف بالأمير الحلبي (٣) :

ولد بديار مصر ، ونشأ ببيت المقدس ، وقدم دمشق مع والده ، وكان والده محدّثا

__________________

(١) انظر : فوات الوفيات ٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٨. ومعجم الأدباء ١٦ / ١٧٤ ـ ١٨٦. وفهرست ابن النديم ص ١٦٩.

(٢) في الأصل : «الحج».

(٣) انظر : تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣١٣. وهدية العارفين ١ / ٨١٩. ومعجم المؤلفين ٨ / ٦٨ وكشف الظنون ١٨٦.

١٦٠