تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٩

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٩

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٤

فأسكر أصحابي بخمرة كفه

وأسكرني والله من خمرة الطرف

ذكر ابن القطيعي أنه سأل النيريزي (١) عن مولده فقال : ولدت بنيريز في سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، ونشأت بشيراز.

سمعت أبا عبد الله محمد بن سعيد الحافظ يقول : توفي النيريزي (٢) في سنة اثنتين وستمائة ، وكان خطيب شيراز ، وكان فاضلا ، له معرفة بالأدب والتفسير سمعنا منه بواسط.

٨٢٤ ـ علي بن محمد بن علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح بن علي السلمي ، أبو الحسن بن أبي بكر بن الفقيه أبي الحسن بن أبي الفضل ، الفقيه الشافعي(٣) :

من أهل دمشق ، كان يدرس بالمدرسة الأمينية ، وكان من أعيان الفقهاء ، وجده كان فقيه الشام ومحدثها ، سمع في صباه أبا العشائر محمد بن خليل القيسي وأبا يعلى حمزة بن علي بن الحبوبي (٤) ، وأبا القاسم الحسين بن الحسن الأسدي ، وسكر بنت سهل بن بشر الإسفرائيني ، وغيرهم.

وأخرج من دمشق مزعجا منها فلجأ إلى دار الخلافة مستشفعا إلى الديوان في عوده إلى دمشق ، فقدم علينا بغداد في أوائل سنة إحدى وستمائة ، وكتبنا عنه شيئا يسيرا ، وكان حسن الأخلاق متواضعا.

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي السلمي الفقيه قراءة عليه بالجانب الغربي من بغداد برباط الزوزني ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل القيسي ، وأبو يعلى حمزة ابن علي بن الحبوبي قراءة عليهما قالا : أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي المصيصي ، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا إبراهيم بن محمد ابن أحمد بن أبي ثابت ، حدّثنا أحمد بن بكر البالسي ، حدّثنا داود بن الحسن المديني ، حدّثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه : أن رسول

__________________

(١) في الأصل : «التبريزي».

(٢) في الأصل : «التبريزي».

(٣) انظر ترجمته في : طبقات السبكي ٥ / ١٢٧. والدارس ١ / ١٨٢.

(٤) في الأصل بدون نقط في كل المواضع

٢١

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رأيتني على حوض فوردت (١) غنم سود وبيض ، فأوّلت السود : العرب ، والعفر : العجم ، فجاء أبو بكر فأخذ الدلو فنزع ذنوبا أو ذنوبين (٢) في نزعه ضعف ـ والله يغفر له ، ثم جاء عمر فملأ الحياض وأروى الوارد» (٣).

بلغني أن مولد شيخنا أبي الحسن الفقيه كان في المحرم سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بدمشق.

سمعت يوسف بن خليل الدمشقي بحلب يقول : توفي علي بن محمد بن علي بن المسلم السلمي بحمص في يوم السبت تاسع جمادى الآخرة سنة اثنتين وستمائة.

٨٢٥ ـ علي بن محمد بن علي بن أحمد بن علي بن الخراز (٤) ، أبو الحسن :

من أهل الحريم الطاهري ، من أولاد المحدثين ، تقدم ذكر أبيه وجده وجد أبيه ، سمع : أبا العباس أحمد بن أبي غالب بن الطلاية ، وأبا القاسم سعيد بن أحمد بن البناء ، وأبا محمد المبارك بن أحمد بن بركة الكندي ، وعم والده أبا علي أحمد بن أحمد بن الخراز (٥) ، وغيرهم ، كتبت عنه ، وكان شيخا صالحا متعبدا.

أخبرنا أبو الحسن بن الخراز ، أنبأنا أحمد بن أبي غالب ، أنبأنا عبد العزيز بن علي ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن المخلص ، حدّثنا يحيى بن صاعد ، حدّثنا إسحاق بن شاهين ، حدّثنا خالد بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال : مات محرم على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «اغسلوه ولا تقربوه شيئا كان يحرّم عليه ، وكفنوه في ثوبيه ، فإنه يبعث يوم القيامة يلبي» (٦).

خرج شيخنا أبو الحسن بن الخراز (٧) مع قافلة الحاج إلى مكة للحج في سنة ثلاث وستمائة ففقد في ليلة الخميس مستهل ذي الحجة بالعسيلة ، وكان مريضا ، فحدثني عبد الوهاب بن العيني المقرئ ـ وكان عديله ـ قال : لما عدنا قافلين من الحج اجتزت به وهو مستند إلى جبل وهو مشير بإصبعه كان يتشهد وهو ميت ـ رحمة الله عليه.

__________________

(١) في الأصل : «فرددت».

(٢) في الأصل بدون نقط.

(٣) انظر الحديث في : صحيح البخاري ٢ / ١٠٣٩. ومسند أحمد ٥ / ٤٥٥.

(٤) في الأصل : «الحرار».

(٥) في الأصل : «الحزاز».

(٦) انظر الحديث في : صحيح البخاري ١ / ٢٤٩. ومسند أحمد ١ / ٣٣٣.

(٧) في الأصل : «الجراز».

٢٢

٨٢٦ ـ علي بن محمد بن علي بن أبي بكر ، أبو الحسن بن أبي بكر التاجر :

من أهل جرجان ، سافر الكثير ، وطاف البلاد في طلب الكسب ، ثم إنه قدم بغداد واستوطنها ، وكان يسكن بدار الخلافة ، وكان من أعيان التجار مكثرا من المال ، سمع شيئا من الحديث من أبي الفضل أحمد بن سعيد الميهني ، وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وغيرهما ، وحدث ببغداد ودمشق ، علقت عنه شيئا من الأناشيد ببغداد في مجلس شيخنا أبي أحمد بن سكينة ، وكان شيخنا (١) متميزا ، ذا فهم وفضل ، وله معرفة بالأصول على مذهب الأشعري ، وأنس وفصاحة ، وكان حسن الخلق (٢) والخلق ، مليح الشيبة مهيبا وقورا.

أنشدنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني من حفظه ، أنشدنا أبو الفتح محمد بن محمد بن الأديب لنفسه من قصيدة يمدح بها أبا الفضل يحيى بن عبد الله بن جعفر صاحب المحزن (٣) :

لكل زمان من أماثل أهله

برامكة بمناخهم (٤) كل معشر

أبو الفضل يحيى مثل يحيى بن خالد

ندى وأبوه جعفر مثل جعفر

سألت أبا الحسن الجرجاني عن مولده فقال : ولدت بجرجان في سنة تسع وعشرين وخمسمائة.

وتوفي ليلة السبت السادس والعشرين من رجب سنة أربع وستمائة ، وصلّي عليه من الغد بالمدرسة النظامية ودفن بمقابر قريش.

٨٢٧ ـ علي بن محمد بن علي بن سديد ، أبو الحسين الطبيب :

من أهل المدائن ، كان أديبا فاضلا ، يقول الشعر ، وله معرفة بالطب ، ويعالج الناس ، وكان دمثا طيب الأخلاق ، مطبوعا متواضعا ، كان يقدم علينا بغداد كثيرا ، وقد علقت عنه شيئا من شعره بإفادة أبي عبد الله محمد بن سعيد الواسطي الحافظ برباط المأمونية ، وبلغنا أنه توفي بالمدائن فجأة في العشر الآخر من شهر رمضان من سنة ست وستمائة ، ولعله جاوز الستين.

__________________

(١) في الأصل : «أبي أحمد بن سكينة ، وكان شيخنا».

(٢) في الأصل : «الحلق».

(٣) هكذا في الأصل.

(٤) في الأصل بدون نقط.

٢٣

٨٢٨ ـ علي بن محمد بن علي ، أبو الحسن البواب :

كانت له معرفة حسنة بتعبير الرؤيا ، وسمع الحديث من أبي محمد عبد الله بن منصور بن الموصلي ، وعبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف ومن أمثالهما ، وحدّث باليسير ، رأيته كثيرا وسمعت كلامه في التعبير ، ولم أكتب عنه شيئا ، وكان حسن الأخلاق مليح الشيبة.

توفي فجأة في ليلة الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وستمائة ، ودفن من الغد بباب حرب ، وأظنه جاوز السبعين.

٨٢٩ ـ علي بن محمد بن علي بن أبي سعد ، أبو الحسن بن أبي البركات الحافظ(١) :

موصلي الأصل ، من ساكني درب الفالوذج ، وكان بزازا وخياطا بخان الصفة (٢) بسوق الثلاثاء ، ثم كبر وعجز فلزم منزله ، أسمعه أخوه الأكبر في صباه وعمر حتى انفرد بأكثر ما سمعه وبعامة شيوخه ، سمع أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن السلال الوراق ، والحسين بن علي بن أحمد الخياط ، وأبا البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي ، وأبا البدر إبراهيم بن محمد بن منصور الكرخي ، وأبا منصور محمد ابن عبد الملك بن الحسن بن خيرون ، وأبا المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن ، وأبا القاسم علي بن عبد السيد بن محمد بن الصباغ (٣) ، وأبا البركات إسماعيل بن أبي سعد الصوفي ، وأبا بكر محمد بن القاسم بن الظفر الشهرزوري ، وأبا الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي ، وأبا حفص عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري ، وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي (٤) الرقي ، وجماعة غيرهم ، سمعت منه كثيرا ، وكان شيخا ساذجا لا بأس به.

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن الموصلي الخياط بقراءتي عليه ، أنبأنا إسماعيل بن أحمد الصوفي ، وعبد الخالق بن عبد الصمد أبو المعالي الصفار قراءة عليهما قالا : أنبأنا عبد العزيز بن علي الأنماطي ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن ، حدّثنا

__________________

(١) انظر ترجمته في : التقييد ٢ / ٢٠٩.

(٢) في الأصل : «بحان الصفة».

(٣) في الأصل بدون نقط.

(٤) في الأصل : «شهاب العنوي».

٢٤

عبد الله بن محمد البغوي ، حدّثنا يحيى بن أيوب العابد ، حدّثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي (١) ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن المرء ـ أو الرجل ـ ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وإنه لمن أهل الجنة»(٢).

كان مولد شيخنا أبي الحسن في سنة ثلاثين وخمسمائة ، وتوفي يوم الأربعاء لست عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة من سنة أربع عشرة وستمائة ، ودفن من الغد بالشونيزية عند أبيه.

٨٣٠ ـ علي بن محمد بن علي بن محمد بن السقاء ، أبو الحسن بن أبي عبد الله المقرئ :

من أهل الحريم الطاهري ، تقدم ذكر والده ، أسمعه والده الكثير في صباه من أبي علي أحمد بن أحمد بن علي الخراز ، وأبي محمد المبارك بن أحمد بن بركة الكندي ، وأبي القاسم سعيد بن أحمد بن البناء ، وأبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي ، وغيرهم ، وكان يسكن بحرنى (٣) من أعمال دجيل ، ويقدم علينا بغداد في كل سنة في رجب طالبا لرسوم له من الزّكاة ، كتبنا عنه ، وكان شيخا صالحا حافظا لكتاب الله متيقظا صدوقا.

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن السقاء بقراءتي عليه ، أنبأنا [أبو] (٤) محمد المبارك بن أحمد بن بركة الكندي ، وسعيد بن أحمد بن الحسن بن البناء قراءة عليهما قالا : أنبأنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الهاشمي ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص ، حدّثنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدّثنا محمد بن حبيب بن محمد الجارودي ، حدّثنا ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد قال : أتى رجل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بابن له وغلام له فقال : يا رسول الله! أشهد بغلامي هذا لابني هذا ، قال : «لكل ولدك جعلت مثله؟» قال : لا ، قال : «لا أشهد ولا على رغيف محترق» (٥).

سألت أبا الحسن بن السقاء عن مولده فقال : في يوم الجمعة السادس من ذي الحجة

__________________

(١) في الأصل : «الحمي».

(٢) انظر الحديث في : صحيح مسلم ٢ / ٣٣٤.

(٣) هكذا في الأصل.

(٤) الزيادة ليست في الأصل.

(٥) انظر الحديث في : الجامع الكبير ٢ / ٤١٤.

٢٥

سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ، وتوفي بحرنى (١) في يوم الجمعة لخمس خلون من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وستمائة ودفن هناك.

٨٣١ ـ علي بن محمد بن عمر بن الحشف المغازلي :

كان من المعمرين ، ذكر ابن بن أخيه أبو بكر المبارك بن كامل بن الحسين بن محمد الخفاف (٢) أنه صحب الشيخ [أبا] (٣) المعالي الصالح ، ورأى أبا الحسن بن القزويني الزاهد، وسمع من طاهر بن الحسين القواس وغيره ، وروى عنه في كتاب «سلوة الأحزان» من جمعه.

أنبأنا يوسف بن المبارك بن كامل ، عن أبيه ونقلته من خطه ، قال : أنشدني عم أبي علي بن محمد قال : أنشدني الشيخ أبو المعالي الصالح :

قد مضى ما مضى

عد إلى الوصل والوفا

لا تلحني بالبكاء

على منزل عفا

كل هذا سينقضي

كسراج إذا انطفأ

قرأت بخط أبي بكر بن كامل قال : مات عم والدي علي بن أبي طاهر في ذي الحجة سنة خمس وعشرين وخمسمائة ، ودفناه بباب حرب بجنب [أبي] (٤) معالي الصالح صاحبه ، عمر مائة وعشرين سنة.

٨٣٢ ـ علي بن محمد بن أبي عمرو البزاز ، أبو الحسن بن أبي منصور الدباس ، المعروف والده بابن الباقلاني (٥) :

وكان خال أمه ، يسكن درب نصير قديما ، وكان شيخا صالحا من أهل السنة والصدق ، صحب أبا الوفاء بن عقيل الفقيه ، وغيره من شيوخ الحنابلة ، ويتأدب بأخلاقهم ، سمع : النقيب أبا الفوارس طراد بن محمد بن علي الزينبي ، وأبا محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي ، وأبا الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر ، وأبا عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي ، وأبا الحسن علي بن الحسين بن

__________________

(١) هكذا في الأصل.

(٢) في الأصل : «الحفاف».

(٣) ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.

(٤) ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.

(٥) انظر ترجمته في : تكملة إكمال الإكمال ص ٣٤٦.

٢٦

أيوب البزاز ، وغيرهم ، روى عنه : شيخنا أبو الفرج بن الجوزي ، وأثنى عليه ، وروى لنا عنه: يوسف بن المبارك بن كامل ، وعبد الملك بن مظفر بن غالب الحربي.

أخبرني يوسف بن المبارك ، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن أبي عمرو البزاز بقراءة والدي عليه ، أنبأنا نصر بن أحمد ، أنبأنا محمد بن أحمد بن رزقويه ، حدّثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدّثنا محمد بن سنان البصري ، حدّثنا يحيى بن كثير ، حدّثنا شعبة ، عن أبي إسرائيل ، عن جعدة : أن رجلا يعني جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعل يسأله عن رؤيا ـ وكان سمينا ـ قال : فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يؤمي إليه ويقول : «لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك».

جعدة صحابي من ساكني البصرة ، والراوي عنه مولاه أبو إسرائيل ـ ذكر ذلك ابن أبي حاتم.

قرأت بخط أبي محمد بن الخشاب النحوي ، وأخبرنيه عنه ابن الجوزي قال : سألته ـ يعني أبا الحسن بن أبي عمرو (١) البزاز ـ عن مولده ، فقال : في سنة سبعين وأربعمائة.

قرأت في كتاب أبي الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي بخطه قال : توفي أبو الحسن علي بن محمد بن أبي عمرو (٢) البزاز يوم الجمعة بعد صلاتها لست بقين من شوال سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، وصلى عليه يوم السبت بالنظامية ولده أبو جعفر ، وحضره خلق من الناس ، ثم حمل إلى باب حرب فدفن بها عند أهله ، وكان سماعه صحيحا ، وقع له بعض سماعاته ، لأنها كانت كثيرة في أصول الناس وأيديهم ، فما وقع إليه حدّث [به] (٣) ، وكان على السير القديم ، والمذهب المستقيم ، ومضى مستورا حميدة طرائقه ، حسنة أفعاله.

٨٣٣ ـ علي بن محمد بن عمر بن بركة بن أبي الريان الوراق ، أبو الحسن بن أبي بكر المؤدب :

من أهل دار القز ، تقدم ذكر والده ، سمع أبا الفضل أحمد بن محمد بن شنيف ، ودهبل (٤) ، ولا حق ابني علي بن منصور (٥) بن كارة وغيرهم ، كتبت عنه ، وكان

__________________

(١) في الأصل : «بن أبي عمر».

(٢) في الأصل : «بن أبي عمر».

(٣) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل.

(٤) في الأصل : «دحبل» والتصحيح من المصادر.

(٥) في الأصل : «بن منصور ابنا محمد بن كارة».

٢٧

متيقظا نبيها حسن الأخلاق.

أخبرنا علي بن محمد بن عمر ، أنبأنا دهبل ، ولا حق ابنا علي بن منصور ، أنبأنا محمد ابن سعيد الكاتب ، أنبأنا أبو علي بن شاذان ، أنبأنا دعلج بن أحمد الشاهد ، أنبأنا علي ابن عبد العزيز ، حدّثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، حدّثنا أبو النضر عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن الزهري عن أبي المسيب عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يموت لمؤمن ثلاثة أولاد لم تمسه النار إلا تحلة القسم» (١).

سألت أبا الحسن بن أبي الريان عن مولده فذكر أنه بعد الخمسين وخمسمائة.

وتوفي في الثالث عشر من ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين وستمائة ، ودفن بباب حرب.

٨٣٤ ـ علي بن محمد بن عمير الكناني ، أبو الحسن النحوي المقرئ (٢) :

صاحب أبي علي الفارسي ، قرأ القرآن على أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم ، قرأه عليه أبو الحسن علي بن محمد بن فارس الخياط المقرئ ، وحدث بأمالي أبي العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب ، عن أبي بكر بن مقسم عنه ، سمعها منه أبو غالب بن أحمد بن البلاج (٣) وأبو الفتح بن المقدر الغدلي (٤) في شهر ربيع الأول سنة ست عشرة وأربعمائة ، وقد حدث أيضا عن القاضي أبي محمد الكسائي ، ومحمد بن [الفضل] (٥) الملقب بسندان ، روى عنه : أبو منصور العكبري ، ومحمد بن أحمد بن سيف المقرئ.

أنبأنا سعيد بن محمد الفقيه ، عن أحمد بن علي بن المجلي ، حدّثنا أبو منصور محمد ابن محمد بن عبد العزيز العكبري من لفظه ، حدّثنا أبو الحسن علي بن محمد بن [عمير] (٦) الكناني النحوي الربعي قدم علينا عكبرا من حفظه قال : حدّثنا القاضي أبو محمد الكسائي بجرجرايا (٧) سنة اثنتين (٨) وأربعين وثلاثمائة ، حدّثنا إبراهيم الصياد ،

__________________

(١) انظر الحديث في : مسند الإمام أحمد ٢ / ٤٧٣.

(٢) انظر ترجمته في : معجم الأدباء ١٤ / ٢٤٥. وبغية الوعاة ص ٣٥٢.

(٣) في الأصل : «السلاح» والتصحيح من المصادر.

(٤) هكذا في الأصل.

(٥) ما بين المعقوفتين من السند التالي.

(٦) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٧) في الأصل بلا نقط.

(٨) في الأصل : «اثنين».

٢٨

حدّثنا يزيد بن هارون ، عن حميد ، عن أنس رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صلى المغرب في جماعة ثم انتقل من غير أن يكلم أحدا ، فأتى بركعتين يقرأ في الأولى بالحمد و (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) وفي الثانية بالحمد و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها» (١).

أنبأنا أبو بكر غياث بن الحسن بن سعيد بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن البناء ، عن أبي الفتح بن المظفر بن الحسين بن علي المردوستى (٢) ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن عبد العزيز العكبري قراءة عليه ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمير الكناني النحوي المقرئ قراءة عليه ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن الفضل الربعي الملقب بسندان في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة ، قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة : قال الكسائي : التبن أعظم الأقداح لا يكاد يروي العشرين ، ثم الصحن مقارب له ، ثم العين يروي الثلاثة والأربعة ، ثم القدح يروي رجلين ، ثم العقب يروي الرجل.

قرأت بخط أبي غالب شجاع بن فارس الذهلي ، وأنبأنيه عنه أبو القاسم الحذاء قال : حدثني أبو سعد محمد بن أحمد بن سيف المقرئ العكبري ، حدّثنا أبو الحسن علي ابن محمد بن عمير الكناني بعكبرا سنة سبع عشرة وأربعمائة قال : اجتزت ببغداد على تربة عليها ـ مكتوب بآجر : مكحول ـ أبياتا :

كنت العزيزة في قومي فما انتفعت

نفسي بعزتها لما أتى القدر

لما أتاني الذي قد كنت أحذره

سلمت واستعجلني دمعتي درر

فأخرجونى من الدنيا وزينتها

فكان ألين ما وسدته الحجر

فسألت عنها فقيل : هذه تربة بنت موسى ذي الجود ، وكان أبوها أميرا من أمراء الديلم ببغداد ، ثم خرجت إلى الشام وعدت إلى الشام وعدت إلى الموضع للتذكر ، فإذا بالتربة قد صارت مزرعة.

٨٣٥ ـ علي بن محمد بن عيسى بن المؤمل ، أبو الحسن الفقيه الشافعي ، المعروف بابن كراز (٣) :

__________________

(١) انظر الحديث في : الجامع الكبير للسيوطي ١ / ٧٩٤.

(٢) هكذا في الأصل.

(٣) انظر ترجمته في : الأنساب ١١ / ٥٩. والمشتبه للذهبي ص ٥٤٥.

٢٩

من أهل واسط ، قدم بغداد شابّا ، وأقام بها مدة ، فقرأ القرآن على الشريف عبد القاهر بن عبد السلام العباسي ، [و] (١) على غيره ، والفقه على الكيا أبي الحسن الهراسي. وصار يناظر ويتكلم في مسائل الخلاف.

سمع الحديث بواسط من أبي الفضل بن العجمي وأبي (٢) غالب محمد بن حمد الخازن البغدادي ، وبالبصرة من أبي عمر (٣) محمد بن أحمد بن النهاوندي ، وبمكة من أبي الفوارس طراد بن محمد الزينبي ، وببغداد من أبي أحمد منصور بن بكر بن محمد بن علي بن جند (٤) النيسابوري ، وتولى القضاء ببادرايا ، وباكسايا ، ونواحي الجبل ، وكان يقدم بغداد كثيرا ويحدث بها ، وبها مات.

أنبأنا يوسف بن المبارك بن كامل بن أبي غالب الخفاف ، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن عيسى الواسطي بقراءة والدي عليه في جمادي الأولى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ، وأخبرنا يعيش بن عبد الرحمن النحوي ، وأحمد بن أبي عميد بحلب قالا : أنبأنا عبد الله بن أحمد الخطيب قالا : أنبأنا أبو أحمد منصور بن بكر بن محمد بن علي ابن جند ، أنبأنا جدي ، أنبأنا محمد بن يعقوب الأصم ، أنبأنا محمد بن عبد الله بن الحكم ، أنبأنا أبي ، وشعيب بن الليث قالا : أنبأنا الليث ، عن ابن الهاد ، عن عمرو ابن أبي عمرو ، عن المطلب بن عبد الله ، عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار» (٥).

قرأت في كتاب أبي الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي بخطه قال : توفي ابن كراز الفقيه في محرم سنة خمس وأربعين وخمسمائة ، ودفن بالشونيزية.

٨٣٦ ـ علي بن محمد بن غالب ، أبو فراس العامري ، المعروف بمجد العرب :

شاعر مجيد ، جال ما بين العراق والشام ، ومدح الملوك والأكابر ، ونشر فضله وظهر نبله.

أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن الشافعي بدمشق قال : أخبرني عمي أبو القاسم

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٢) في الأصل : «وأبا غالب».

(٣) في الأصل : «من أبي عمر بن محمد».

(٤) في الأصل : «بن حبد».

(٥) انظر الحديث في : سنن أبي داود ٢ / ٣١٣.

٣٠

علي بن القاسم [بن] (١) علي بن الحسن الحافظ قال : علي بن محمد بن غالب أبو فراس العامري المعروف بمجد العرب شاعر بغدادي ، قدم دمشق وأتى ببغداد ، وسمع منه بها شيئا من شعره صديقنا أبو الندى يعمر بن ألت شاور (٢) المقرئ ، وكان يذكره ويثني عليه ، ويصفه بالبلاغة والكرم.

أخبرنا أبو البركات الأمين بدمشق قال : أنبأنا عمي أبو القاسم الحافظ ، أنشدنا أبو سعد ثابت بن جبير العليمي ، أنشدنا مجد العرب أبو فراس علي بن محمد بن غالب العامري بهمذان لنفسه :

أمتعب ما رقّ من جسمه

بحمل السيوف ونقل الرماح

علام تكلفت حملانها وبين

جفونك أمضى السلاح

وأنشدنا لنفسه :

كلفت به وقلت بياض وجه

فقيل أسأت فأكلف بالنهار

فلما جف بالإصباح ليل

وعذر قام عذري بالعذار

وأنشدنا أيضا لنفسه :

تركتك للمغضين فيك على القذى

وأ شفعت من لوم اللوائم فيك

وإني وإن قلبت قلبي على لظى

لأرفع نفسي عن هوى بشريك

قرأت في كتاب «جريدة القصر» لأبي عبد الله محمد بن محمد بن حامد الكاتب أقطاعا أوردها لمجد العرب أبي فراس العامري ونقلتها من خطه :

لا تنكرن عليّ يا شمس الهدى

أني مررت عليك [غير] مسلم

فالشمس لا تخفي ولكن ضوءها

مخف لها عن ناظر المتوسم

وقوله :

لا تحتجب عن قاصديك فدون ما

يرجون من جدواك (٣) ألف حجاب

وعلى محياك المشيم جهامة

تغشيك (٤) عن باب وعن نواب

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٢) هكذا في الأصل.

(٣) في الأصل : «حدواك».

(٤) في الأصل بلا نقط

٣١

وقوله :

وفاتن الخلق ساحر الحلق

منطق حيث حل بالحدق

خفت ظلالا عن ليل غرته

فبان لي وجهه عن الفلق

بات صحفي وبت معتبقا

لطيف كشح شهى معتنق

وقد خفينا عن الرقيب فما

نم بنا عن يسرة العنق

وقوله :

وأزهر مثل البدر قد طاف موهنا

علىّ بمثل الشمس من قرقف الخمر

فو الله ما أدري وقد علني

أمن طرقه أم من مدامته سكرى

وقوله :

فارق نجد عوضا ممن يفارقه

في الأرض وانصبت تلاف الرفه في النصب (٥)

فالأسد لو لا فراق الخيس ما فرست

والسهم لو لا فراق القوس لم تصب

كتب إليّ أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الكاتب ونقلته من خطه قال : مجد العرب علي بن محمد بن غالب (١) العامري ؛ شاعر مبرز محقق ، وله خاطر معجز مفلق ، هو الداهية الدهياء وأعجوبة الدنيا ، وله المفره النفا (٢) والغرة الزهراء والرتبة الشماء ، يصب الشعر في قالب السحر ، ويباهي الفضلاء بالنظم والنثر ويصوغه في أسلوب غريب ، ومهده على قانون عجيب ، له اليد البيضاء في استخراج جواهر الأفكار من بحار الخواطر ، والقدم الراسخة في اختراع معان هي على فلك الفضل بمنزلة النجوم الزواهر ، كلماته متوافقة المعنى واللفظ ، مستوفية من الحسن أكمل الحظ ، قدم في سنة سبع وثلاثين وخمسمائة أصبهان ، وكان مقيما بها إلى سنة ثمان وأربعين ، وانهالت (٣) التلامذة عليه ، ومالت أعناق المستفيدين إليه ، ومدح بقصائده الصدور ، وشرح بفوائده الصدور وضاع (٤) بها عرفه ولكن ضاع فيها عرفه فإنه غير محدود بفضله وكدى الزمان عذرا بمثله ، لقيته يوما في الجامع في بعض المجامع ضيق الصدر متورع الفكر ، مطرقا رأسه مصعدا أنفاسه ، فسألته عن حاله فأنشدني من مقاله :

__________________

(١) في الأصل : «محمد بن طالب».

(٢) هكذا في الأصل.

(٣) في الأصل : «اسالت».

(٤) في الأصل : «وصاع».

٣٢

هجرت للعدم كل خدن

وصرت للانقباض خدنا

فلا أعزي ولا أعزى

ولا أهني ولا أهنى

وكان أملى ديوانه على الأخ فخر الدين القسام الذي هو باكورة العصر في النظم والنثر ، فكتبه وجمعه ورتبه ، وقصائده التي أنشأها بالشام أجزل (١) وأحسن مما أنشأه بالعراق وقدما قيل : اللهى تفتح اللهى والبقاع تغير الطباع ، وديوانه ضخم الحجم ، لكني اخترت منه قصائد ، وإن كان الكل فرائد ، ولما وصلت إلى الشام لقيته بالموصل وهو غير زيه وهو يلبس الأتراك ، جليس الأملاك قريبا من صاحبها بعيدا من مذاهب النساك.

توفي بالموصل سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.

٨٣٧ ـ علي بن محمد بن غليس ، أبو الحسن الزاهد :

من أهل اليمن ، كان رجلا من الرجال طوف البلاد ما بين الحجاز واليمن ، وصحب الأولياء والصالحين ، وكانت له مجاهدات ورياضيات شديدة ، وقوة على الجوع والعطش والسهر ، ومقاساة البراري والقفار والجبال ، حتى ظهرت كراماته وأطلع الله عباده على أحواله ، قدم علينا بغداد في سنة ست وتسعين وخمسمائة ، ونزل على شيخنا [أبي] (٢) أحمد بن سكينة ، وكانت بينهما صحبة بمكة ، وكان شيخنا كثير الإعظام له ، فأقام مدة ، وسمع بقراءتي شيئا من الحديث على شيخنا أبي أحمد ، وقد سمع الناس منه كثيرا من كلامه وحكاياته ببغداد وغيرها ، وكتبوا عنه ، ولم يتفق لي أن أكتب عنه شيئا.

قرأت بخط عبد الحق بن عبد العلي بن علي الأنصاري قال : أملى علي الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن غليس في المجسد الأقصى قال : قال لي شيخي علي بن عبد الرحمن الحداد : من اعتقد أنه يصل إلى الله بلا عمل فهو متمن ، ومن اعتقد أنه يصل بعمله فهو متعن ، اعمل وانس ، فلك من لا ينسى. قال : وعلمني شيخي ابن عبد الرحمن الحداد هذا الدعاء «يا من أجله (٣) عن تسميتي وندائي ، أنت العالم بضري واشتكائي ، وقفت على بابك بفقر فادح ، وعمل غير صالح ، ولم أجد رجلا يشفع ،

__________________

(١) في الأصل : «أحرل».

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٣) في الأصل : «أحله».

٣٣

ولا حصنا يصون منك ويمنع ، فاصنع بي ما يليق بكرمك أن تصنع يا من يصنع ولا يصنع».

قال : وحفظت منه هذا الدعاء يعني الحداد : «يا من لوجهه عنت الوجوه ، بيض وجهي بالنظر إليك ، واملأ قلبي من المحبة لك ، وأجرني من زلة التوبيخ ، فقد آن لي الحياء (١) منك وحان لي الرجوع من الإعراض عنك. لو لا حلمك لم يسعني عملي ، ولو لا عفوك لم يبسط فيما لديك أملي ، فأسألك بك أن تغفر لي وتخير لي ما أخبره لنفسي (٢) ، وتفعل بي ما أنت أهله ، ولا تفعل بي ما أنا أهله ، إنك أهل التقوى وأهل المغفرة ، اللهم صل على محمد وآله».

حدثني عمر بن هبة الله العقيلي بحلب ، حدثني عبد الرحيم بن علي بن شيت القرشي قال : بلغني عن ابن غليس أنه في مجيئه في طريق مكة لقي أسدا فأتى إليه ، ومسك بيديه على لحييه (٣) وفتح فاه إلى أن سار الحاج فخلى عنه ولحق الحاج ، فكنت أسأله من أصحابه عن الدعاء الذي دعا به هل سألوه؟ فلم يخبرني أحد بشيء ، فكنت أبدا كثير التطلع إلى ذلك ولم أجد أحدا أسأله عن ذلك إلى أن استدعاني الصفي بن شكر إلى دمشق ، وما شككت في أنه يضرب عنقي بقصده ، فلقيت رجلا يقال له أفلاطون الطبيب ، وكان يخدم ابن غليس ويتردد إليه ، فقال : أنا والله سألته عن ذلك ، فقال : كنت ليلة في الطريق نائما فرأيت أسدا قد جاء وثار في طريق الحاج فاختبط الناس ورجع أول الحاج إلى آخره لخوفهم فجاءني هاتف قال لي : «قل : يا كلب الله! اتق الله في عباده واخضع لمن خضعت له السماوات والأرض» وامش له فإنه لا يضرك! ففعلت ذلك وقبضت على لحييه إلى أن مر الناس ، قال : فلما انتبهت لم أحفل بالمنام لأني أرى في اليقظة أشياء فوق هذا ، فبينا نحن سائرون في ذلك اليوم ، وإذا بالحاج قد اختبط ورجع أوله إلى آخره وقالوا : هاهنا سبع ضاري ، ولخوف الناس منه ، فأقبلت عليه وقلت له : «يا كلب الله اتق الله في عباد الله واخضع لمن خضعت له السماوات والأرض» ومشيت إليه ، فجاء جماعة من الحاج يساعدني عليه ، فقلت : لا يتبعني أحد! ثم جئت إليه ومسكت فكه الأعلى بيدي وفكه الأسفل بيدي الأخرى وقعدت ، وقعد معي إلى الأرض إلى أن مر الحاج ، ثم قمت ووليت عنه

__________________

(١) في الأصل : «الحياء».

(٢) في الأصل : «ويختر لي ما أختره لنفسي».

(٣) في الأصل : «لحيته».

٣٤

وجعلت ألتفت إليه فأراه ملتفتا إليّ كالتفاتي إليه ، وأنا أقول له هذه الكلمات ، فقال : إن شئت ـ فقلت في نفسي : ما يكون ابن شكر أعظم من أسد ، وصليت الجمعة في جامع دمشق ، فلما مر في الجامع قلت هذه الكلمات فلم يمكن الله ابن شكر مني.

رأيت بخط الشيخ علي بن غليس في أول كتاب كتبه إلى شيخه أبي أحمد بن سكينة : خادمه علي بن غليس الذي لا يسوى فليس.

وذكر محمد بن أبي البركات بن قرباص الحموي ، وقد رأيته بحلب وكان من الصالحين. قال : كان الشيخ علي بن غليس يكتب إلى والده : خادمه علي بن غليس الذي لا يسوى نصف فليس. قال : وكتب إليه آخر كتاب كتبه علي بن غليس الذي ما يسوى ربع فليس ، وقد نقصت القسمة لكبر السن والتقصير في الخدمة.

ذكر صديقنا الشريف أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن القاسم الإدريسي : أن الفقيه إبراهيم بن عيسى الحسيني اليماني أنشده لابن غليس اليماني :

ألا قل لمن يهوى سوانا

هواه حرام ولكن هوانا له الويل

ومن كان يبغي (١) رضا غيرنا ألا

أخطى ولكن رضانا

قف وخيم على بابنا

ترى الخير منا جهارا عيانا

سألت أبا طالب محمد بن عبد الله بن صابر السلمي عن وفاة الشيخ أبي الحسن ابن غليس ، فقال : توفي بدمشق في الليلة السابعة عشر من شهر رمضان سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.

ذكر لنا غير أبي طالب أنه كان بمقبرة باب الصغير قريبا من أم الدرداء وكان قد قارب الستين ـ رحمه‌الله.

٨٣٨ ـ علي بن محمد بن غنيمة بن علي بن عصفور ، أبو محمد بن شيخنا أبي عبد الله :

من أهل الحريم الطاهري ، من أولاد المحدثين ، تقدم ذكر والده ، سمع : أبا شجاع أحمد ، وأبا نصر يحيى بن موهوب بن المبارك بن السدنك ، وأبا بكر المبارك بن المبارك ابن حكيم وغيرهم ، كتبت عنه شيئا يسيرا ، وكان شيخا لا بأس به (٢).

__________________

(١) في الأصل : «يبقى».

(٢) في الأصل : «لا بأس منه».

٣٥

أخبرني أبو محمد بن عصفور ، أنبأنا أحمد ، ويحيى : ابنا موهوب ، وأبو بكر بن الحكيم قراءة عليهم قالوا : أنبأنا أبو علي محمد بن محمد بن عبد العزيز الهاشمي ، أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن محمد بن لؤلؤ ، أنبأنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن جعفر الكاتب ، حدّثنا أحمد بن محمد بن صيد ، أنبأنا أبو صالح المروزي ، حدّثنا علي بن الحسن ، حدّثنا أبو حمزة ، عن عاصم ، عن رزين (١) عن عمرو بن أم مكتوم قال : جئت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله! إني رجل كبير ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني ، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال : «تسمع النداء؟» قال : قلت : نعم ، قال : «فما أجد لك رخصة» (٢).

توفي أبو محمد بن عصفور في سحرة يوم السبت التاسع عشر من صفر سنة ثلاثين وستمائة ، ودفن بباب حرب ، وقد نيف على السبعين.

٨٣٩ ـ علي بن محمد بن الفرج ، أبو الحسن الواعظ ، المعروف بالغربلاني :

سمع أبا حفص عمر بن أحمد بن شاهين ، وحدث باليسير ، روى عنه أبو علي الحسن بن أحمد بن البناء ، ومحمد بن محمد بن عبد العزيز بن المهدي في مشيختهما.

قرئ على أبي طاهر المبارك بن المبارك بن هبة الله العطار ، عن الشريف أبي علي ابن المهدي ، وأنا أسمع ، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن الفرج الواعظ صاحب ابن شاهين قراءة عليه في جامع الحربية ، أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين ، وأنبأنا يحيى بن محاسن الفقيه بقراءتي عليه ، أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور ، أنبأنا عيسى بن علي الوزير قالا : حدّثنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدّثنا كامل بن طلحة ، حدّثنا أبو هشام القواد البصري قال : كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسين بن علي عليهما‌السلام وكان يماكسني فيه فلعلي لا أقوم من عنده حتى يهب (٣) عامته ، فقلت : [يا ابن] (٤) رسول الله أجيئك بالمتاع من (٥) البصرة تماكسني فيه فلعلي لا أقوم حتى تهب عامته؟ فقال : إن أبي حدثني يرفع الحديث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «المغبون لا محمود ولا مأجور».

__________________

(١) في الأصل : «عن رز».

(٢) انظر الحديث في : مسند أحمد ٣ / ٤٢٣.

(٣) في الأصل بدون نقط.

(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٥) في الأصل : «بالمتاع إلى».

٣٦

أنبأنا أبو القاسم الأزجي ، عن أبي بكر محمد بن علي بن ميمون المقرئ ، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون بقراءتي عليه قال : مات أبو الحسن علي بن محمد ابن الفرج يعرف بالغربلاني ليلة الجمعة ودفن يوم الجمعة الحادي عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعمائة ، وحدث بيسير عن ابن (١) شاهين ، ولد سنة سبع وستين وثلاثمائة.

٨٤٠ ـ علي بن محمد بن فورين ، أبو الحسن :

حكى عن إبراهيم الحربي ، روى عنه أبو عبد الله بن بطة العكبري.

قرأت في كتاب ابن بطة قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن فورين ، وأبا الفتح بن بنت أبي القاسم بن منيع يقولان : سمعنا أبا إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول : الناس كلهم عندي عدول إلا من عدله القاضي.

٨٤١ ـ علي بن محمد بن فهد ، أبو الحسن التهامي الشاعر (٢) :

مولده ومنشؤه باليمن ، وطرأ إلى الشام ، وسافر منها إلى العراق وإلى الجبل ، ولقي الصاحب بن عباد ، وانتحل مذهب الاعتزال وأقام ببغداد ، وروى بها شيئا من شعره ، ثم عاد إلى الشام وتنقل في بلادها ، وتقلد الخطابة بالرملة ، وتزوج بها ، وكانت نفسه تحدثه بمعالي الأمور ويحدثه إليها ، وكان يكتم نسبه فيقول تارة إنه من الطالبيين ، وتارة من أبي أمية ، ولا يتظاهر بشيء من الأمرين.

وذكر أبو الخطاب الجبلي (٣) أنه كان أديبا فاضلا شاعرا متورعا ظلف النفس متدينا متقشفا ، يطلب الشيء بوجهه ولا يريده إلا من حله وبلغ من تورعه أنه كان نسخ شعر البحتري ، فلما بلغ إلى أبيات هجو امتنع من كتبها وقال : لا أسطر بخطي مثالب (٤) الناس ومساويهم تحرجا (٥) من ذلك.

أخبرني أحمد بن أبي بكر الحافظ ، أنبأنا محمد بن عبد الباقي قراءة عليه ، عن أبي

__________________

(١) في الأصل : «عن أبي شاهين».

(٢) انظر ترجمته في : شذرات الذهب ٣ / ٢٠٤ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٦٠ ـ ٦٢. والمستفاد ص ١٩٩. والنجوم الزاهرة ٤ / ٢٦٣. والأنساب ٣ / ١٠٠. وهدية العارفين ١ / ٦٨٦. والأعلام ٥ / ١٤٥.

(٣) في الأصل : «الحيلي».

(٤) في الأصل : «سالب».

(٥) في الأصل : «محرجا».

٣٧

عبد الله الحميدي ، أنشدنا أحمد بن إبراهيم بن محمد الكرجي ، أنشدنا أبو الحسن علي ابن محمد التهامي لنفسه ببغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة من قصيدة يرثي ولدا له :

حكم المنية في البرية جاري

أن تسترد فإنهن عوارى ما هذه

بينا ترى الإنسان فيها محبرا

الدنيا بدار قرار

طبعت على كدر وأنت تريدها

حتى ترى حبرا من الأحبار (١)

ومكلف الأيام ضد طباعها

صفوا من الأقذار والأكدار

وإذا رجوت المستحيل فإنما

متطلب في الماء جذوة (٢) نار

العيش نوم والمنية يقظة

تبنى الرجاء على شفير هار

والنفس إن رضيت بذلك أو أبت

والمرء بينهما خيال سار

فاقضوا مآربكم عجيلا إنما

منقادة بأزمة المقدار

وتراكضوا خيل الشباب وبادروا

أعمالكم سفرا من الأسفار

فالدهر يخدع بالمنى ويعض إن

هنا ويهدم ما بني بنوار

ليس الزمان وإن حرصت مساعدا

خلق الزمان عداوة الأحرار

ومنها :

ذهب التكرم والوفاء من الورى

وتصرما إلا من الأشعار

وفشت خيانات الثقات وغدرهم

حتى اتهمنا رؤية الأبصار

ولربما اعترض الحليم بجاهل

لا خير في يمنى بغير يسار

لله در النائبات فإنها صدأ

اللئام وصيقل الأحرار

ما كنت إلا زبرة فطبعتني

سيفا والحلق هدهن عذارى

قرأت على الشريف عبد الواحد [بن] (٣) محمد بن عبد الواحد بن أحمد الهاشمي ، عن محمد بن عبد الباقي بن أحمد قال : أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي إذنا ، أنشدنا أحمد بن إبراهيم الكرجي ، أنشد أبو الحسن التهامي لنفسه :

__________________

(١) في الأصل : «خيرا من الأخيار».

(٢) في الأصل بدون نقط.

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

٣٨

عبس من شعر في الرأس مبتسم

ما يفر البيض في اللمم

ظنت (١) مشيبته تبقى وما علمت

أن الشبيبة مرقاة إلى الهرم

ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي

ولا وفائي ولا ديني ولا كرمي

وإنما اعتاص رأسي غير صبغته

والشيب في الرأس غير الشيب في الشيم

بالنفس قائلة في يوم رحلتنا

هواك عندي فسر إن شئت أو أقم

فبحت وحدا فلامتني فقلت لها

لا تعذليه فلم يلؤم ولم يلم

لما صفا قلبه صفت سرائره

والسر في كل صاف غير مكتتم

كيف المقام بأرض لا يخاف بها

لا يرجى شيئا رمحي ولا قلمي

فقبلتني توديعا فقلت لها

كفى فليس ارتشاف الخمر من شيمي

لو لم يكن حمرها ريقها لما انتطقت

بلؤلؤ من حباب الثغر منتظم

ولو تيقنت غير الراح في فمها وزاد

ما كنت ممن يصد اللثم باللثم

ريقها بردا يحدره

على حصني برد من ثغرها الشيم

إني لأطرف (٢) طرفي عن محاسنه

تكرما وأكف الكف عن لمم

ولا أهم ولي نفس تنازعني

استغفر الله إلا ساعة الحلم

لا أكفر الطيف نعمى أنشرت رمما

منا كما تفعل الأرواح بالرمم

والطيف أفضل قولا إن لذته

تخلو من الإثم والتنغيص والندم

حاما حبا (٣) فأغنتنا زيارته

عن اعتساف الفلا بالأنيق الرسم

وصل الخيال ووصل الجود إن وصلت

سيان ما أشبه الوجدان بالعدم

والدهر كالطيف بؤساه وأنعمه

من غير قصد فلا تمدح ولا تلم

لا تمدح الدهر في بأساء يكشفها

فلو أردت دوام البؤس لم يدم

خالف هواك فلولا أن أهوية

سخر لما اقتنص العقبان بالرخم

ترجو الشفاء بجفنيها وسقمهما

وهل رأيت شفاء جاء من سقم

وتدعى الصبا نجد فإن خطرت

كانت جوى لك دون الناس كلهم

وكيف تطفئ صبا نجد صبابته

والريح زائدة في كل مضطرم

أصبوا وأصحوا ولم يكلم ببائقة

عرضي كما تكلم الأعراض بالكلم

__________________

(١) في الأصل : «طبت».

(٢) في الأصل : «لا أطرق».

(٣) في الأصل : «حاب».

٣٩

ولا أريد ثناء لا يصدقه فعلى

ولا أرتضى في التهم بالتهم

لا تحسبي حسب الآباء مكرمة

فمن يقصر عن غايات مجدهم

حسن الرجال بحسناهم وفخرهم

بطولهم في المعالي لا بطولهم

ما غابني حاسدي إلا شرفت به

فحاسدي منعم في زي منتقم

فالله يكلا حاسدي ما نعمهم

عندي وإن وقعت من غير قصدهم

ينبهون على فضلي إذا كتبت

صحيفتي في المعالي عنونت بهم

قرأت على أبي الكرم العباسي ، عن محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا محمد بن أبي نصر الحميدي من كتابه ، أنشدنا أحمد بن إبراهيم الكرجي ، أنشدنا أبو الحسن التهامي لنفسه ببغداد :

هل الوجد إلا أن تلوح خيامها

فتقضي بإهداء السلام ذمامها

وقفت (١) بها أبكي وترزم أينقى

وتصهل أفراسي وتدعو حمامها

ولو بكت الورق الحمائم شجوها

بعيني محا أطواقهن انسجامها

وفي كبدي أستغفر الله غلة

إلى برد (٢) يثنى عليه لثامها

وبرد رضاب سلسل غير أنه

إذا شربته النفس زاد هيامها

فيا عجبا من غلة كلما ارتوت

من السلسبيل العذب زاد اضطرامها

كأن بعيد النوم في رشفاتها

سلاف رحيق رق منها مدامها

وتعبق رياها وأنفاسها معا

كنافجة قد فض عنها ختامها

ولم أنسها يوم التقى در دمعها

ودر الثنايا فذها وتوامها (٣)

وقد بسمت عن ثغرها فكأنه

قلائد در في العقيق انتظامها

وقد نثرت در الكلام بعتبها

ولذ بسمعي عتبها وملامها

فلم أدر أي الدر أنفس قيمة

أأدمعها أم ثغرها أم كلامها

وقد سفرت عن وجهها فكأنما

تحسر عن شمس النهار جهامها

ومن حيثما دارت بطلعتها ترى

لإشراقها في الحسن نورا تمامها

وألقت عصاها في رياض كأنما

يفض عن المسك الفتق ختامها

وضاحكها نور الأقاحي فراقني

تبسمه رأد الضحى وابتسامها

__________________

(١) في الأصل : «ووقفت».

(٢) في الأصل : «برد».

(٣) في الأصل : «قدها وثوامها».

٤٠