شرح شذور الذّهب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

شرح شذور الذّهب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير
الطبعة: ٠
ISBN: 977-277-343-0
الصفحات: ٤٩٥

يروى بنصب «موجعات» بالكسرة عطفا على محل قوله «ما البكى» ومن ثم سمى ذلك تعليقا ؛ لأن العامل ملغى في اللفظ وعامل في المحل ؛ فهو عامل لا عامل ، فسمى معلّقا ، أخذا من المرأة المعلقة التي [هي] لا مزوّجة ولا مطلّقة ، ولهذا قال ابن الخشاب : لقد أجاد أهل هذه الصناعة في وضع هذا اللّقب لهذا المعنى.

ولنشرح ما تقدم الوعد بشرحه من الأفعال التي تتعدّى إلى مفعولين أولهما مسرّح دائما : أي مطلق من قيد حرف الجر ، والثاني تارة مسرّح منه وتارة مقيّد به ، وقد ذكرت منها في المقدّمة عشرة أفعال.

أحدها : «أمر» قال تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة ، ٤٤] وقال الشاعر :

______________________________________________________

شواهد المؤلف في أوضحه (رقم ١٨٨) وفي القطر (رقم ٧٤) وأنشده الأشموني في باب ظن وأخواتها (رقم ٣٣٨).

الإعراب : «ما» نافية ، «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، وتاء المتكلم اسمه ، «أدري» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة في محل نصب خبر كان «قبل» ظرف زمان منصوب بأدري ، وقبل مضاف و «عزة» مضاف إليه ، «ما» اسم استفهام مبتدأ «البكى» خبر المبتدأ ، وجملة هذا المبتدأ والخبر في محل نصب بأدري ، «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد النفي ، «موجعات» معطوف على محل جملة «ما البكى» منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة ، وموجعات مضاف ، و «القلب» مضاف إليه ، «حتى» حرف غاية وجر ، «تولت» تولى : فعل ماض والتاء علامة التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، وقبل تولت أن مصدرية محذوفة تسبك بمصدر يقع مجرورا بحتى ، والجار والمجرور متعلق بأدري.

الشّاهد فيه : قوله «أدري ما البكى ولا موجعات» فإن أدري فعل مضارع من شأنه أن ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ؛ وقوله «ما البكى» جملة من مبتدأ وخبر ؛ فكان حق الفعل أن يعمل في لفظ أو محل المبتدأ والخبر النصب ، لكن لما كان المبتدأ اسم استفهام ، وكان اسم الاستفهام لا يجوز أن يعمل فيه ما قبله لأنه ملازم للتصدر ؛ لهذه الأسباب لم يعمل الفعل في لفظ المبتدأ والخبر النصب ، وعمل في محلهما ، والدليل على أنه عمل في محلهما أنه عطف عليهما قوله «موجعات» بالنصب بالكسرة ، والمعطوف يجب أن يكون كالمعطوف عليه في إعرابه ، كما هو معلوم لك ؛ فيدل نصب المعطوف على أن المعطوف عليه منصوب ، ولما لم يكن المعطوف عليه منصوبا لفظا ولا تقديرا فإنا نثق بأنه منصوب محلا ، وليس في هذا ما يدعو إلى الإطالة بالشرح والإيضاح ، فافهم.

٣٨١

١٨٨ ـ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب

فجمع بين اللغتين.

الثاني : «استغفر» قال الشاعر :

١٨٩ ـ أستغفر الله من عمدي ومن خطئي

ذنبي وكلّ امرئ لا شكّ مؤتزر

______________________________________________________

١٨٨ ـ هذا بيت من البسيط ، وقد نسبه قوم إلى عمرو بن معديكرب الزبيدي ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ١٧) ومن شواهد مغني اللبيب في «فصل عقدته للتدريب في ما رقم ٥٣١ بتحقيقنا» ومن شواهد المبرد في الكامل (١ / ٢١) ونسبه إلى أعشى طرود ، واسمه إياس بن عامر.

اللّغة : «نشب» النشب : المال الثابت كالضياع ونحوها ، وكأنه أراد بالمال الذي ذكره قبل ذلك الإبل خاصة ؛ لأنها غالب أموال العرب (وانظر شرح الشاهد رقم ٢٠٠) الآتي.

الإعراب : «أمرتك» فعل وفاعل ومفعول أول ، «الخير» مفعول ثان ، وستعرف كلاما فيه ، «فافعل» الفاء فاء الفصيحة ، وافعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «ما» اسم موصول : مفعول به لا فعل ، مبني على السكون في محل نصب ، «أمرت» أمر : فعل ماض مبني للمجهول ، وتاء المخاطب نائب فاعل ، «به» جار ومجرور متعلق بأمر ، وجملة الفعل ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول ، «فقد» الفاء حرف دال على التعليل ، قد : حرف تحقيق ، «تركتك» فعل وفاعل ومفعول أول ، «ذا» مفعول ثان لترك ، وذا مضاف و «مال» مضاف إليه ، «وذا» الواو عاطفة ، ذا : معطوف على ذا السابق ، وهو مضاف ، و «نشب» مضاف إليه.

الشّاهد فيه : قوله «أمرت الخير» وقوله «أمرت به» فإن العبارة الأولى قد تعدى فيها الفعل الذي هو أمر إلى مفعولين بنفسه ، وفي العبارة الثانية قد تعدى إلى الأول منهما بنفسه ، وهو النائب عن الفاعل ، وإلى الثاني بحرف الجر ، والذي في كلام سيبويه والأعلم رحمهما‌الله يدل على أنهما يعتبران الأصل في هذا الفعل أنه يتعدى إلى ثاني مفعوليه بحرف الجر ، ثم قد يحذف حرف الجر فيصل الفعل إلى المفعول الثاني بنفسه ، فيدل ذلك على أن النصب عندهما على نزع الخافض ، وأنه يقتصر فيه على المسموع ، قال الأعلم : «أراد الشاعر أمرتك بالخير ، فحذف ووصل الفعل ونصب ، وسوغ الحذف والنصب أن الخير اسم فعل يحسن أن وما عملت فيه في موضعه ، وأن : يحذف معها حرف الجر كثيرا ، تقول : أمرتك أن تفعل ، تريد بأن تفعل ... فإن قلت : أمرتك بزيد ، لم يجز أن تقول : أمرتك زيدا ، لما بينت لك» اه ، ويريد بقوله «اسم فعل» أنه اسم معنى دال على الحدث.

١٨٩ ـ هذا بيت من البسيط ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وهو فيما يظهر لي من عمل من لا يحتج بقوله.

٣٨٢

وقول الآخر :

١٩٠ ـ أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل

______________________________________________________

الإعراب : «أستغفر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «الله» منصوب على التعظيم ، وهو المفعول الأول ، «من عمدي» الجار والمجرور متعلق بأستغفر ، وهو المفعول الثاني ، وعمد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «ومن خطئي» الواو عاطفة ، والجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور السابق ، وخطأ مضاف ، والياء التي هي ضمير المتكلم مضاف إليه ، «ذنبي» ذنب : بدل من عمد ، وذنب مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «وكل» الواو واو الحال ، كل : مبتدأ ، وكل مضاف و «امرئ» مضاف إليه ، «لا» نافية للجنس ، «شك» اسم لا مبني على الفتح في محل نصب ، والخبر محذوف ، والتقدير : لا شك موجود والجملة من لا واسمها وخبرها لا محل لها اعتراضية بين المبتدأ وخبره ، «مؤتزر» خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

الشّاهد فيه : قوله «أستغفر الله من عمدي» حيث عدى الفعل ـ الذي هو أستغفر ـ إلى مفعولين ، وعداه إلى الأول الذي هو لفظ الجلالة بنفسه ، وعداه إلى الثاني بحرف الجر.

ولكن المؤلف نفسه قد ذكر في مغني اللبيب أن الحق أن هذا الفعل ينصب المفعولين بنفسه دائما ؛ لأن الفعل الثلاثي المجرد ـ وهو غفر ـ ينصب مفعولا ، والسين والتاء الدالان على الطلب يزيدانه مفعولا ، وقال : «وأما قولهم : استغفرت الله من الذنب فهو على تضمن معنى أتوب إليه منه» اه ، فاعرف ذلك وقسه بما ذكره ههنا.

١٩٠ ـ هذا بيت من البسيط ، ولم أجد أحدا نسب هذا الشاهد إلى قائل معين ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ١٧) وقد أنشده الأشموني (رقم ٤٠٥) والمؤلف في أوضح المسالك في باب التمييز (رقم ٢٧٣) وكذلك أنشده ابن قتيبة في أدب الكاتب (ص ٥٢٠ بتحقيقنا).

الإعراب : «أستغفر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «الله» منصوب على التعظيم ، وهو المفعول الأول ، «ذنبا» مفعول ثان ، «لست» ليس : فعل ماض ناقص ، وتاء المتكلم اسمه مبني على الضم في محل رفع ، «محصيه» محصي : خبر ليس منصوب بالفتحة الظاهرة ، ومحصي مضاف وضمير الغائب العائد إلى ذنب مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله ، وجملة ليس واسمه وخبره في محل نصب صفة لقوله ذنبا ، «رب» صفة لله ، ورب مضاف و «العباد» مضاف إليه ، «إليه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، «الوجه» مبتدأ مؤخر ، والجملة في محل نصب حال من لفظ الجلالة ، «والعمل» معطوف على الوجه.

الشّاهد فيه : قوله «أستغفر الله ذنبا» حيث نصب بأستغفر مفعولين ، وعداه إليهما بدون توسط حرف جر ، على ما وضح لك من الإعراب.

٣٨٣

الثالث : «اختار» قال الله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف ، ١٥٥] ، وقال الشاعر :

١٩١ ـ وقالوا : نأت فاختر من الصّبر والبكى

فقلت : البكى أشفى إذن لغليلي

أي : اختر من الصبر والبكى أحدهما.

الرابع : «كنى» بتخفيف النون. تقول «كنيته أبا عبد الله» ، و «بأبي عبد الله» ويقال أيضا «كنوته» قال :

١٩٢ ـ هي الخمر لا شكّ تكنى الطّلا

كما الذّئب يكنى أبا جعدة

______________________________________________________

قال الأعلم الشنتمري : «أراد من ذنب ، فحذف الجار وأوصل الفعل فنصب ، والذنب ههنا اسم جنس بمعنى الجمع فلذلك قال لست محصيه» ا ه. كلامه بحروفه ، وهو رأي سيبويه وشبهه بقول المتلمس : آليت حب العراق الدهر أطعمه ـ يريد حلفت على حب العراق لا أطعمه أبد الدهر ، فأما المؤلف فيرى هنا أن هذا الفعل له حالتان ، وفي مغني اللبيب يرى أن له حالة واحدة على ما سبق في شرح الشاهد السابق ص ٣٨٣ الماضية.

١٩١ ـ هذا بيت من الطويل ، من قصيدة طويلة لكثير بن عبد الرحمن ، المعروف بكثير عزة ، وأول هذه القصيدة قوله :

ألا حيّيا ليلى ، أجدّ رحيلي

وآذن أصحابي غدا بقفول

الإعراب : «قالوا» فعل وفاعل ، «نأت» نأى : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، «فاختر» الفاء حرف دال على التفريع ، اختر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وله مفعول محذوف «من الصبر» جار ومجرور متعلق باختر ، وتقدير الكلام : فاختر من الصبر والبكى واحدا ، أو فاختر ما يريحك منهما ، ونحو ذلك ، «فقلت» الفاء حرف عطف ، وقلت : فعل وفاعل ، «البكى» مبتدأ ، «أشفى» خبر المبتدأ ، «إذن» حرف جواب وجزاء لا عمل له ، «لغليلي» الجار والمجرور متعلق بأشفى ، وغليل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه.

الشّاهد فيه : قوله «فاختر من الصبر والبكى» حيث عدي الفعل ، الذي هو قوله اختر إلى مفعولين : أحدهما محذوف يصل إليه الفعل بنفسه ، وثانيهما مذكور ، وقد وصل الفعل إليه بحرف الجر ، وذلك في قوله «فاختر من الصبر والبكى» وتقدير الكلام : اختر من الصبر والبكى أحدهما.

١٩٢ ـ هذا بيت من المتقارب من كلام عبيد بن الأبرص ، وهو بيت مفرد ، قاله للنعمان بن المنذر ، وكان قد قدم عليه يوم بؤسه ، وكان للنعمان يومان : يوم نعيم يعطي فيه كل من وفد عليه

٣٨٤

وقال :

١٩٣ ـ * وكتمانها تكنى بأمّ فلان*

______________________________________________________

ويحبوه ، ويوم بؤس يقتل فيه كل وافد إليه ، واعلم أن أصل الرواية في هذا البيت هكذا :

هي الخمر تكنى الطّلاء

كما الذّئب يكنى أبا جعدة

وهو على ذلك مختل الوزن ، وقد قالوا : إن الخليل رحمه‌الله أصلحه وزاد فيه فصار صدره* هي الخمر يكنونها بالطلاء* وقد أصلحه الجواليقي في شرح أدب الكاتب فجعله* هي الخمر تكني بأم الطلاء* ووقع في المزهر (١ / ٥٠٨) تصحيحه هكذا* هي الخمر حقا وتكنى الطلاء* ووقع في اللسان (ط ل ا) تصحيحه بوجه آخر هكذا* وقالوا هي الخمر يكنونها بالطلاء* وفيه أيضا (ج ع د) تصحيحه بوجه آخر هكذا* وقالوا هي الخمر تكنى الطلاء* والذي في إنشاد المؤلف إصلاح آخر للبيت قريب من الذي وقع في المزهر ولنا كلام في هذا الإصلاح ذكرناه في شرحنا على أدب الكاتب (ص ١٧٦ بتحقيقنا) فارجع إليه إن شئت.

الإعراب : «هي» ضمير منفصل مبتدأ ، «الخمر» خبر المبتدأ ، «لا شك» لا : نافية للجنس ، شك : اسم لا ، مبني على الفتح في محل نصب ، وخبرها محذوف ، والتقدير : لا شك موجود ، وجملة لا واسمها وخبرها لا محل لها من الإعراب لأنها معترضة بين الموصوف الذي هو الخمر وصفته التي هي جملة تكنى ومفعوليه ، «تكنى» فعل مضارع مبني للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، «الطلا» مفعول ثان لتكنى ، ونائب الفاعل هو المفعول الأول ، وجملة الفعل ومفعوليه في محل رفع صفة للخمر ، لأنه اسم محلى بأل الجنسية فهو شبيه بالنكرة في معناه ، والجمل بعد النكرة أو ما يشبه النكرة تكون صفات ، «كما» الكاف حرف تشبيه وجر ، ما : كافة ، «الذئب» مبتدأ ، «يكنى» فعل مضارع مبني للمجهول ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى الذئب هو نائب الفاعل ، وهو المفعول الأول ، «أبا» مفعول ثان ، وأبا مضاف و «جعدة» مضاف إليه ، وجملة يكنى ومفعوليه في محل رفع خبر لمبتدأ الذي هو الذئب.

الشّاهد فيه : قوله «تكنى الطلاء» وقوله «يكنى أبا جعدة» حيث عدى الفعل في الموضعين ـ الذي هو قوله يكنى ـ إلى مفعولين من غير أن يوسط بينه وبين أحدهما حرف الجر ، وأول هذين المفعولين هو الضمير المستتر في كل منهما ، وثانيهما الاسم الظاهر بعد كل منهما ، وهذا ظاهر من الإعراب.

ولنا على البيت في رواية المؤلف ومن تبعه ملاحظة ، خلاصتها أن قوله «الطلا» ليس كنية بحسب الظاهر ؛ لأنها لم تصدر بأب ولا أم ، فأما من رواه «تكنى بأم الطلا» فأمره ظاهر.

١٩٣ ـ هذا نصف بيت من المتقارب ، ولم أجد أحدا ذكر لهذا الشاهد تكملة أو نسبة إلى قائل معين.

الإعراب : «كتمانها» كتمان : مبتدأ ، وكتمان مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه ، «تكنى»

٣٨٥

الخامس : «سمّى» تقول «سمّيته زيدا» و «سمّيته بزيد» قال :

١٩٤ ـ وسمّيته يحيى ليحيا ؛ فلم يكن

لأمر قضاه الله في النّاس من بدّ

السادس : دعا بمعنى سمّى (١) ، تقول «دعوته بزيد» وقال الشاعر :

______________________________________________________

فعل مضارع مبني للمجهول ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هي نائب فاعل ، وهو المفعول الأول ، «بأم» جار ومجرور متعلق بتكنى ، وهو المفعول الثاني ، وأم مضاف ، و «فلان» مضاف إليه ، وجملة تكنى ومفعوليه في محل رفع خبر المبتدأ.

الشّاهد فيه : قوله «تكنى بأم فلان» حيث عدى الفعل الذي هو قوله تكنى ، إلى مفعولين : أحدهما وصل إليه بنفسه ، وهو الضمير المستتر الذي هو نائب الفاعل ، وثانيهما وصل إليه بحرف الجر.

ومثل هذا الشاهد قول الراجز :

* راهبة تكنى بأمّ الخير*

١٩٤ ـ هذا بيت من الطويل ، ولم أقف على نسبة هذا البيت إلى قائل معين.

اللّغة : «ليحيا» أراد لتطول به الحياة ، «لأمر قضاه الله» أراد به الموت ، وأصل معنى هذا البيت من قولهم : لكل مسمى من اسمه نصيب ، يريد أنه سماه يحيى ليكون له من اسمه نصيب فيطول به العمر ، ولكن الموت عاجله.

الإعراب : «سميته» فعل وفاعل ومفعول أول ، «يحيى» مفعول ثان ، منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، «ليحيا» اللام لام التعليل ، يحيا : فعل مضارع منصوب تقديرا بأن المضمرة جوازا بعد لام التعليل ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى يحيى العلم ، «فلم» الفاء حرف عطف ، لم : حرف نفي وجزم وقلب ، «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، «لأمر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر يكن تقدم على اسمه «قضاه الله» قضى : فعل ماض ، وضمير الغائب العائد إلى أمر مفعول به ، ولفظ الجلالة فاعل ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله في محل جر صفة لأمر ، «من» حرف جر زائد «بد» اسم يكن مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

الشّاهد فيه : قوله «سميته يحيى» حيث عدى الفعل ـ الذي هو سمى ـ إلى مفعولين صراحة : أولهما الضمير المتصل ، وثانيهما قوله يحيى ، وهو علم.

__________________

(١) احترز المصنف بقوله «بمعنى سمى» عن «دعا» التي بمعنى نادى ، كما سنسمعك في عبارة سيبويه آخر شرح الشاهد الآتي (١٩٥).

٣٨٦

١٩٥ ـ دعتني أخاها أمّ عمرو ، ولم أكن

أخاها ، ولم أرضع لها بلبان

السابع : «صدق» بتخفيف الدال ـ نحو : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) [آل عمران ، ١٥٢] (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) [الأنبياء ، ٩] ، وتقول : صدقته في الوعد.

الثامن : «زوّج» تقول : «زوّجته هندا ، وبهند» قال الله تعالى : (زَوَّجْناكَها) [الأحزاب ؛ ٣٧] وقال : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) [الدخان ، ٥٤].

التاسع والعاشر : «كال ، ووزن» تقول : «كلت لزيد طعامه» و «كلت زيدا

______________________________________________________

١٩٥ ـ هذا بيت من الطويل من كلام عبد الرحمن بن الحكم ، من كلمة يشبب فيها بامرأة أخيه مروان بن الحكم.

الإعراب : «دعتني» دعا : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول ، «أخاها» أخا : مفعول ثان لدعا ، وأخا مضاف وضمير الغائبة العائد إلى أم عمرو مضاف إليه ، «أم» فاعل دعا ، وأم مضاف و «عمرو» مضاف إليه ، «ولم» الواو واو الحال ، لم : حرف نفي وجزم وقلب ، «أكن» فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «أخاها» أخا : خبر أكن ، وأخا مضاف والضمير مضاف إليه ، وجملة أكن واسمه وخبره في محل نصب حال ، «ولم» الواو عاطفة ، لم : حرف نفي وجزم وقلب ، «أرضع» فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «بلبان» جار ومجرور متعلق بأرضع ، وجملة أرضع وفاعله في محل نصب بالعطف على جملة الحال السابقة.

الشّاهد فيه : قوله «دعتني أخاها» حيث عدى الفعل ـ الذي هو دعا ـ إلى مفعولين من غير توسط حرف جر بينه وبين أحدهما ؛ فأما أول المفعولين فهو ياء المتكلم في «دعتني» وأما الثاني فهو قوله «أخاها» وذلك ظاهر من الإعراب بأدنى تأمل.

ودعا ههنا بمعنى سمى فكأنها سمته أخاها ، ونظير ذلك قول الآخر :

وإذا دعونك عمّهنّ فإنّه

نسب يزيدك عندهنّ خبالا

فإن كانت دعا بمعنى نادى تعدت إلى واحد ، قال سيبويه في باب «الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين» (ج ١ ص ١٦) : ودعوته زيدا ، إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سميته ، وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولا واحدا» ا ه.

ومن مجيء «دعا» بمعنى نادى ما ينسب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

لمّا رأيت الأمر أمرا منكرا

أجّجت ناري ودعوت قنبرا

٣٨٧

طعامه» و «وزنت لزيد ماله» و «وزنت زيدا ماله» قال الله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين ، ٣] ، والمفعول الأول فيهما محذوف.

السابع ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، وهو سبعة :

أحدها : «أعلم» المنقولة بالهمزة من «علم» المتعدية لاثنين ، تقول : «أعلمت زيدا عمرا فاضلا».

الثاني : «أرى» المنقولة بالهمزة من «رأى» المتعدية لاثنين ، نحو «أريت زيدا عمرا فاضلا» [بمعنى أعلمته] قال الله تعالى : (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) [البقرة ، ١٦٧] ، فالهاء والميم مفعول أول ، و «أعمالهم» مفعول ثان ، و «حسرات» مفعول ثالث.

والبواقي ما ضمّن معنى أعلم وأرى المذكورتين من «أنبأ» و «نبّأ» و «أخبر» و «خبّر» و «حدّث» تقول : أنبأت زيدا عمرا فاضلا ، بمعنى أعلمته ، وكذلك تفعل في البواقي.

وإنما أصل هذه الخمسة أن تتعدى لاثنين : إلى الأول بنفسها ، وإلى الثاني بالباء أو عن ، نحو (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) [البقرة ، ٣٣] (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) [الأنعام ، ١٤٣] (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) [الحجر ، ٥١] ، وقد يحذف الحرف نحو : (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) [التحريم ، ٣].

ثم قلت : ولا يجوز حذف مفعول في باب ظنّ ، ولا غير الأوّل في باب أعلم وأرى ، إلّا لدليل ، وبنو سليم يجيزون إجراء القول مجرى الظّنّ ، وغيرهم يخصّه بصيغة «تقول» بعد استفهام متّصل ، أو منفصل بظرف أو معمول أو مجرور.

وأقول : ذكرت في هذا الموضع مسألتين متممتين لهذا الباب :

أحدهما : أنه يجوز حذف المفعولين أو أحدهما لدليل ، ويمتنع ذلك لغير دليل ، مثال حذفهما لدليل قوله تعالى (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص ، ٦٢ و ٧٤] ، أي تزعمونهم شركاء ، كذا قدروا ، والأحسن عندي أن يقدر : أنهم شركاء ، وتكون أنّ وصلتها سادة مسدّهما ؛ بدليل ذكر ذلك في قوله تعالى : (وَما نَرى مَعَكُمْ

٣٨٨

شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ)(١).

ومثال حذف أحدهما للدليل وبقاء الآخر قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران ، ١٨٠] أي بخلهم هو خيرا لهم ، فحذف المفعول الأول وأبقى ضمير الفصل والمفعول الثاني ، وقال عنترة :

١٩٦ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره

مني بمنزلة المحبّ المكرم

أي : فلا تظني غيره واقعا ، أو كائنا ، فحذف المفعول الثاني.

ولا يجوز لك أن تقول «علمت» أو «ظننت» مقتصرا عليه من غير دليل على الأصح ، ولا أن تقول «علمت زيدا» ولا «علمت قائما» وتترك المفعول الأول في هذا المثال والمفعول الثاني في الذي قبله من غير دليل عليهما ؛ أجمعوا على ذلك.

______________________________________________________

١٩٦ ـ هذا بيت من الكامل من كلام عنترة بن شداد العبسي ، أحد فرسان العرب وشعرائهم المجيدين في الجاهلية ، والبيت من معلقة له مشهورة ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ١٩٢) وابن عقيل (رقم ١٣٤) والأشموني (رقم ٤٣١).

الإعراب : «ولقد» الواو للقسم ، والمقسم به محذوف ، واللام واقعة في جواب القسم ، قد : حرف تحقيق ، «نزلت» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها جواب القسم ، «فلا» ناهية ، «تظني» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وعلامة جزمه حذف النون ، وياء المخاطبة فاعله ، «غيره» غير : مفعول أول لتظن ، وغير مضاف والضمير مضاف إليه ، والمفعول الثاني لتظن محذوف ، «مني» جار ومجرور متعلق بنزلت ، «بمنزلة» جار ومجرور متعلق بنزلت أيضا ، ومنزلة مضاف و «المحب» مضاف إليه «المكرم» صفة للمحب.

الشّاهد فيه : قوله «فلا تظني غيره» حيث حذف المفعول الثاني لتظن اختصارا ، مع قيام الدليل على ذلك المحذوف ، وتقدير الكلام : ولقد نزلت فلا تظني غيره واقعا ، وذلك الحذف جائز ، خلافا لابن ملكون.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ٩٤ ـ وقد تلا المؤلف هذه الآية للاحتجاج على النحاة الذين قدروا المحذوف في قوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) بقولهم : تزعمونهم شركاء ، وتلخيص احتجاجه عليهم أن تقديره خير من تقديرهم ، لوجهين ؛ الوجه الأول : أنهم عدوا «زعم» إلى مفعوليها بنفسها ، مع أن الكثير تعدي هذا الفعل إلى مفعوليه بواسطة أن المؤكدة وصلتها ، على ما سبق بيانه قريبا (انظر شرح الشاهد رقم ١٨٠). والوجه الثاني : أن القرآن قد جرى أسلوبه على ذلك ؛ فالأوفق لنظمه أن يقدر في مكان الحذف ما جرت عادته بذكره في الموطن الملائم.

٣٨٩

الثانية : أن العرب اختلفوا في إجراء القول مجرى الظن في نصب المفعولين على لغتين :

فبنو سليم يجيزون ذلك مطلقا ؛ فيجوزون أن تقول «قلت زيدا منطلقا».

وغيرهم يوجب الحكاية فيقول «قلت زيد منطلق» ولا يجيز إجراء القول مجرى الظن إلا بثلاثة شروط :

أحدها : أن تكون الصيغة «تقول» بتاء الخطاب (١).

الثاني : أن يكون مسبوقا باستفهام (٢) :

الثالث : أن يكون الاستفهام متصلا بالفعل ، أو منفصلا عنه بظرف أو مجرور أو مفعول.

مثال المتصل قولك «أتقول زيدا منطلقا» وقول الشاعر :

١٩٧ ـ متى تقول القلص الرّواسما

يدنين أمّ قاسم وقاسما

______________________________________________________

١٩٧ ـ هذا بيت من الرجز المصرع أو بيتان من مشطوره من كلام هدبة بن خشرم العذري ، وقد أنشده ابن عقيل (رقم ١٣٥) والأشموني في باب ظن وأخواتها (رقم ٢٤٣).

__________________

(١) قد سوى أبو سعيد السيرافي «قلت» بالمضارع المبدوء بتاء الخطاب ، وسوى الكوفيون «قل» الذي هو فعل أمر بالمضارع المبدوء بتاء الخطاب ، ووجه التسوية في هذين القولين أن الماضي المسند إلى تاء المخاطب والأمر ، كلاهما يشبه المضارع المبدوء بتاء الخطاب بجامع اشتمال الصيغ الثلاثة على الدلالة على الخطاب ، وورد إجراء الماضي المسند إلى تاء المتكلم مجرى الظن في قول الحطيئة يصف جملا.

إذا قلت أنّي آيب أهل بلدة

وضعت بها عنه الوليّة بالهجر

ووجه الاستشهاد بهذا البيت أن الرواية فيه بفتح همزة «أني» فلو لم تكن «قلت» بمعنى ظننت لوجب أن تكسر الهمزة ، لما علمت من أن كسر الهمزة واجب بعد القول الذي تقصد به الحكاية ، كما في قوله تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) [مريم ، ٣٠].

(٢) قد ورد إجراء «تقول» مجرى الظن من غير أن يتقدم عليه استفهام في قول امرئ القيس يصف فرسا :

إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه

تقول هزيز الرّيح مرّت بأثأب

ووجه الاستشهاد أن الرواية فيه بنصب «هزيز الريح» على أنه مركب إضافي مفعول أول لتقول ، وجملة «مرت بأثأب» في محل نصب مفعول ثان ، والشأوان : مثنى شأو ، وهو السبق ، والعطف ـ بكسر فسكون ـ الجانب ، وابتلال عطفه كناية عن سرعة سيره حتى يتصبب عرقه ، وهزيز الريح : دويها عند هبوبها ، وأثأب : اسم جمع واحده أثأبة وهي شجرة.

٣٩٠

ومثال المنفصل بالظرف قول الشاعر :

١٩٨ ـ أبعد بعد تقول الدّار جامعة

شملي بهم؟ أم تقول البعد محتوما

______________________________________________________

اللّغة : «القلص» جمع قلوص ـ بفتح القاف ـ وهي الشابة الفتية من الإبل ، ووزانه صبور وصبر وغفور وغفر ، «الرواسم» المسرعات في سيرهن ، مأخوذ من الرسيم. وهو ضرب من سير الإبل السريع.

الإعراب : «متى» اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب ، لأنه ظرف زمان ، والعامل فيه قوله تقول ، «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «القلص» مفعول أول لتقول ، «الرواسم» صفة للقلص ، «يدنين» فعل مضارع ، ونون النسوة فاعله ، «أم» مفعول يدنين ، وأم مضاف و «قاسم» مضاف إليه ، وجملة يدنين مع فاعله ومفعوله في محل نصب مفعول ثان لتقول ، «وقاسما» معطوف على أم قاسم.

الشّاهد فيه : قوله «تقول القلص يدنين» حيث أجرى تقول ـ وهو مفتتح بتاء المضارعة الدالة على الخطاب ، وقد سبقه استفهام متصل به ـ مجرى تظن ، فنصب به مفعولين : أحدهما قوله «القلص» وثانيهما جملة قوله «يدنين».

ويرويه بعضهم «متى تظن» وهذا مما يدل على جواز إعمال القول كالظن ، لأن رواية كلمة في موضع كلمة تدل على أن معنى الكلمتين واحد وعلى أنهما يجريان مجرى واحدا.

١٩٨ ـ هذا بيت من البسيط ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وهو من شواهد المؤلف في أوضحه (١٩٧) والأشموني (٣٣٤).

الإعراب : «أبعد» الهمزة للاستفهام ، «بعد» ظرف زمان منصوب على الظرفية عامله تقول الآتي ، والظرف مضاف و «بعد» مضاف إليه ، «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «الدار» مفعول أول لتقول ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، «جامعة» مفعول ثان لتقول ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله لأنه اسم فاعل يعمل عمل الفعل ، «شملي» شمل : مفعول به لجامعة ، وشمل مضاف وضمير المتكلم مضاف إليه ، «بهم» جار ومجرور متعلق بجامعة ، «أم» حرف عطف ، «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «البعد» مفعول أول لتقول ، «محتوما» مفعول ثان لتقول.

الشّاهد فيه : قوله «أبعد بعد تقول الدار جامعة» حيث أعمل تقول عمل تظن ، وهو مضارع مبدوء بالتاء الدالة على الخطاب ومسبوق بهمزة الاستفهام ، وقد فصل بينه وبين هذه الهمزة بالظرف المتعلق بتقول.

وفيه شاهد آخر لإجراء القول مجرى الظن ، وذلك في قوله «أم تقول البعد محتوما» فإن تقول

٣٩١

[ومثال المنفصل بالمجرور «أفي الدار تقول زيدا جالسا»]

ومثال المنفصل بالمفعول قول الشاعر :

١٩٩ ـ أجهّالا تقول بني لؤىّ

لعمر أبيك أم متجاهلينا

ولو فصلت بغير ذلك تعينت الحكاية ، نحو «أأنت تقول زيد منطلق».

ثم قلت : باب الأسماء الّتي تعمل عمل الفعل ـ وهي عشرة ـ أحدها المصدر ، وهو : اسم الحدث الجاري على الفعل ، كضرب وإكرام ، وشرطه : أن لا يصغّر ، ولا يحدّ بالتّاء [نحو «ضربته ضربتين أو ضربات»] ولا يتبع قبل العمل ، وأن يخلفه فعل مع أن أو ما ، وعمله منوّنا أقيس ، نحو : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً) ومضافا للفاعل أكثر ، نحو : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) ومقرونا بأل

______________________________________________________

في هذه الجملة نصب مفعولين : أحدهما قوله «البعد» وثانيهما قوله «محتوما» والفعل في هذه الجملة مسبوق بأم المعادلة لهمزة الاستفهام ، وهذا يدل على أن معادل الاستفهام مثل الاستفهام في هذا الموضع.

وهذا البيت من أقوى ما يستدل به على إجراء القول مجرى الظن ، والسر في هذا أن المفعولين اللذين نصبهما فعل القول في موضعي الاستشهاد من هذا البيت قد جاءا منصوبين بالفتحة الظاهرة.

١٩٩ ـ هذا بيت من الوافر للكميت بن زيد الأسدي ، وهو من شواهد المؤلف في أوضحه (رقم ١٨٧) وابن عقيل (رقم ١٣٦) والأشموني (رقم ٣٤٥) واستشهد به من قبلهم جميعا سيبويه شيخ النحاة (ج ١ ص ٦٣).

الإعراب : «أجهالا» الهمزة للاستفهام ، جهالا : مفعول ثان لتقول الآتي ، تقدم عليه ، «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «بني» مفعول أول لتقول ، وبني مضاف ، و «لؤي» مضاف إليه ، «لعمر» اللام لام الابتداء ، عمر : مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، والتقدير : لعمر أبيك قسمي ، وعمر مضاف وأبي من «أبيك» مضاف إليه ، وأبي مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، «أم» حرف عطف ، «متجاهلينا» معطوف على قوله جهالا ، يريد أهم جهال في الحقيقة أم هم يتصنعون الجهل؟

الشّاهد فيه : قوله «أجهالا تقول بني لؤي» حيث أعمل «تقول» عمل تظن ، وهو مضارع مبدوء بالتاء التي تدل على الخطاب ، ومسبوق بهمزة الاستفهام ، وقد فصل بينه وبين الهمزة بأحد المفعولين ، وهو قوله «جهالا».

٣٩٢

ومضافا لمفعول ذكر فاعله ضعيف (١).

وأقول : لما أنهيت حكم الفعل بالنسبة إلى الإعمال أردفته بما يعمل عمل الفعل من الأسماء ، وبدأت منها بالمصدر ؛ لأن الفعل مشتقّ منه على الصحيح.

واحترزت بقولي «الجاري على الفعل» من اسم المصدر ، فإنه وإن كان اسما دالّا على الحدث ، لكنه لا يجرى على الفعل ، وذلك نحو قولك : «أعطيت عطاء» فإن الذي يجري على أعطيت إنما هو إعطاء ، لأنه مستوف لحروفه ، وكذا «اغتسلت غسلا» (٢) بخلاف «اغتسل اغتسالا» وسيأتي شرح اسم المصدر بعد.

وأشرت بتمثيلي بضرب وإكرام إلى مثالي مصدر الثلاثي وغيره.

ومثال ما يخلفه فعل مع أن قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) [البقرة ، ٢٥١ والحج ، ٤٠] أي : ولو لا أن يدفع الله الناس ، أو أن دفع الله الناس ، ومثال ما يخلفه فعل مع ما قوله تعالى : (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [الروم ، ٢٨] أي : كما تخافون أنفسكم ، ومثال ما لا يخلفه فعل مع أحد هذين الحرفين قولهم «مررت به فإذا له صوت صوت حمار» إذ ليس المعنى على قولك : فإذا له أن صوّت ، أو أن يصوّت ، أو ما يصوت ؛ لأنك لم ترد بالمصدر الحدوث فيكون في تأويل الفعل ، وإنما أردت أنك مررت به وهو في حالة تصويت ، ولهذا قدروا للصوت الثاني ناصبا ، ولم يجعلوا صوتا الأول عاملا فيه.

وإنما كان عمل المنوّن أقيس لأنه يشبه الفعل بكونه نكرة.

وإنما كان إعمال المضاف للفاعل أكثر لأن نسبة الحدث لمن أوجده أظهر من نسبته لمن أوقع عليه ، ولأن الذي يظهر حينئذ إنما هو عمله في الفضلة ، ونظيره أنّ «لات» لما كانت ضعيفة عن العمل لم يظهروا عملها غالبا إلا في منصوبها.

وإنما كان إعمال المضاف للمفعول الذي ذكر فاعله ضعيفا لأن الذي يظهر حينئذ إنما هو عمله في العمدة ، ولقد غلا بعضهم فزعم في المضاف للمفعول ثم يذكر فاعله

__________________

(١) في نسخة «ومقرونا بأل ومضافا لمفعول قليل» بدون قوله «ذكر فاعله».

(٢) وكذلك : كلمته كلاما ، وسلمت عليه سلاما ، وأطعته طاعة ، وأطقت الأمر طاقة ، وأجبته جابة.

٣٩٣

بعد ذلك أنه مختصّ بالشعر ، كقول الشاعر :

٢٠٠ ـ أفنى تلادي وما جمّعت من نشب

قرع القواقيز أفواه الأباريق

فيمن روى «الأفواه» بالرفع ، ويردّ على هذا القائل أنه روى أيضا بالنصب فلا

______________________________________________________

٢٠٠ ـ هذا بيت من البسيط من كلام الأقيشر الأسدي.

اللّغة : «تلادي» التلاد ـ بكسر التاء ـ المال القديم ، ومثله التالد والتليد ، «نشب» بفتح النون والشين ـ الثابت من الأموال كالدور والضياع ونحوها «انظر شرح الشاهد ١٨٨ السابق).

الإعراب : «أفنى» فعل ماض «تلادي» تلاد : مفعول به ، وتلاد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «وما» الواو عاطفة ، ما : اسم موصول معطوف على تلاد ، مبني على السكون في محل نصب ، «جمعت» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد ضمير منصوب بجمع محذوف ، والتقدير : الذي جمعته ، «من نشب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما الموصولة ، «قرع» فاعل أفنى ، «القواقيز» مضاف إليه ، والإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله ، «أفواه» فاعل قرع ، وأفواه مضاف و «الأباريق» مضاف إليه.

الشّاهد فيه : قوله «قرع القواقيز أفواه» حيث أضاف المصدر ـ الذي هو قوله «قرع» إلى مفعوله ـ وهو قوله «القواقيز» ثم أتى بعد ذلك بفاعله ـ وهو قوله «أفواه».

وهذا الاستشهاد إنما يتم على رواية من رفع «أفواه» أما من نصبه فالإضافة حينئذ إلى الفاعل ، والمذكور بعد ذلك المفعول ، على عكس الأول ، وهو واضح.

ومن إضافة المصدر إلى الفاعل ومجيء المفعول بعد ذلك قول عمرو بن الإطنابة :

أبت لي همّتي وأبى بلائي

وأخذي الحمد بالثمن الرّبيح

وإقحامي على المكروه نفسي

وضربي هامة البطل المشيح

وفي هذين البيتين ثلاثة شواهد لما سقناهما من أجله ، ومثل ذلك قول بعض الأزارقة :

وسائلة بالغيب عنّي ولو درت

مقارعتي الأبطال طال نحيبها

وقول عمرو بن معديكرب الزبيدي يصف صبره وجلده :

أعاذل ، عدّتي بزّي ورمحي

وكلّ مقلّص سلس القياد

أعاذل ، إنما أفنى شبابي

إجابتي الصّريخ إلى المنادي

ومثل ذلك ما أنشده ابن الأعرابي :

يطوون أعراض الفجاج الغبر

طيّ أخي التّجر برود التّجر

٣٩٤

ضرورة في البيت ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا» (١).

فإن قلت : فهلا استدللت عليه بالآية الكريمة ، آية الحج؟ (٢).

قلت : الصواب أنها ليست من ذلك في شيء ، بل الموصول في موضع جر بدل بعض من (النَّاسِ) أو في موضع رفع بالابتداء على أن (من) موصولة ضمنت معنى الشرط ، أو شرطية ، وحذف الخبر أو الجواب ، أي من استطاع فليحج ، ويؤيد الابتداء (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) وأما الحمل على الفاعلية فمفسد للمعنى ؛ إذ التقدير إذ ذاك : ولله على النّاس أن يحجّ المستطيع ، فعلى هذا إذا لم يحج المستطيع يأثم الناس كلهم.

ولو أضيف للمفعول ثم لم يذكر الفاعل لم يمتنع ذلك في الكلام عند أحد ، نحو : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) [فصلت ، ٤٩] أي من دعائه الخير.

ومثال إعمال ذي الألف واللام قول الشاعر يصف شخصا بضعف الرأي والجبن :

٢٠١ ـ ضعيف النّكاية أعداءه

يخال الفرار يراخى الأجل

______________________________________________________

٢٠١ ـ هذا بيت من المتقارب ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٩٩) وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٣٦٥) وابن عقيل (رقم ٢٤٤) والأشموني (رقم ٦٧٨).

اللّغة : «النكاية» بكسر النون ـ مصدر «نكيت في العدو» إذا أثرت فيه ، «يخال» يظن ، «الفرار» الهرب.

الإعراب : «ضعيف» خبر مبتدأ محذوف ، أي هو ضعيف ، وضعيف مضاف و «النكاية» مضاف إليه ، «أعداءه» أعداء : مفعول به للنكاية ، وأعداء مضاف وضمير الغائب مضاف إليه ،

__________________

(١) هذه قطعة من حديث طويل رواه البخاري وغيره وهو «بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» والمصادر الخمسة المذكورة في هذا الحديث كلها مضافة إلى المفعول ، ولم يذكر الفاعل إلا في الخامس الذي رواه المؤلف ، فتفطن لذلك ، وتقدير الكلام : وأن يحج البيت من استطاع إليه سبيلا.

(٢) هي قوله تباركت كلماته : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٩٧].

٣٩٥

ثم قلت : الثّاني اسم الفاعل ، وهو : ما اشتقّ من فعل لمن قام به على معنى الحدوث كضارب ومكرم ، فإن صغّر أو وصف لم يعمل ، وإلّا فإن كان صلة لأل عمل مطلقا ، وإلّا عمل إن كان حالا أو استقبالا واعتمد ـ ولو تقديرا ـ على نفي أو استفهام أو مخبر عنه أو موصوف.

وأقول : قولي «ما اشتقّ من فعل» فيه تجوز ، وحقّه ما اشتق من مصدر فعل.

وقولي «لمن قام به» مخرج للفعل بأنواعه ؛ فإنه إنما اشتق لتعيين زمن الحدوث ، لا للدلالة على من قام به ، ولاسم المفعول ، فإنه إنما اشتق من الفعل لمن وقع عليه ، ولأسماء الزمان والمكان المأخوذة من الفعل ، فإنها إنما اشتقت لما وقع فيها ، لا لمن قامت به ، وذلك نحو «المضرب» بكسر الراء ـ اسما لزمان الضرب أو مكانه.

وقولي «على معنى الحدوث» مخرج للصفة المشبهة ولاسم التفضيل : كظريف وأفضل ؛ فإنهما اشتقّا لمن قام به الفعل ، لكن على معنى الثبوت ، لا على معنى الحدوث.

______________________________________________________

«يخال» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، «الفرار» مفعول أول ليخال ، «يراخي» فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفرار ، «الأجل» مفعول به ليراخي منصوب بالفتحة الظاهرة ، وسكنه لأجل الوقف ، وجملة يراخي مع فاعله ومفعوله في محل نصب مفعول ثان ليخال.

الشّاهد فيه : قوله «النكاية أعداءه» حيث نصب بالمصدر المحلى بأل ـ وهو النكاية ـ مفعولا ، كما ينصبه بالفعل ، وهذا المفعول هو قوله أعداءه.

وهذا الذي ذكره المؤلف ـ من القول بإعمال المصدر المقترن بأل ـ هو ما ذهب إليه الخليل وسيبويه رحمهما‌الله ، وذهب أبو العباس المبرد إلى أنه لا يجوز إعمال المصدر المحلى بأل ، وإذا وجد اسم منصوب بعده فليس المصدر المحلى بأل هو الناصب له عنده ، وإنما ناصبه مصدر آخر مجرد من الألف واللام ؛ فيقدر : ضعيف النكاية نكاية أعداءه ـ بتنوين نكاية غير المقترن بأل ـ هو تكلف لا داعي له.

ومثل هذا البيت قول المرار الأسدي :

لقد علمت أولى المغيرة أنّني

كررت فلم أنكل عن الضّرب مسمعا

٣٩٦

وأشرت بتمثيلي بضارب ومكرم إلى أنه إن كان من فعل ثلاثي جاء على زنة فاعل ، وإن كان من غيره جاء بلفظ المضارع بشرط تبديل حرف المضارعة بميم مضمومة ، وكسر ما قبل آخره مطلقا.

ثم ينقسم اسم الفاعل إلى مقرون بأل الموصولة ، ومجرّد عنها.

فالمقرون بها يعمل عمل فعله مطلقا ، أعني ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا ، تقول : «هذا الضّارب زيدا أمس ، أو الآن ، أو غدا» قال امرؤ القيس :

٢٠٢ ـ القاتلين الملك الحلاحلا

خير معدّ حسبا ونائلا

فأعمل «القاتلين» مع كونه بمعنى الماضي ؛ لأنه يريد بالملك الحلاحل أباه ، وفيه دليل أيضا على إعماله مجموعا.

والمجرّد عنها إنما يعمل بشرطين :

أحدهما : أن يكون للحال أو الاستقبال ، لا للماضي ، خلافا للكسائي وهشام

______________________________________________________

٢٠٢ ـ هذا بيت من الرجز المصرع أو بيتان من مشطوره من كلمة لامرئ القيس بن حجر الكندي ، يقولها بعد أن قتل بنو أسد أباه وخرج يطلب بثأره منهم ، وقبل البيت قوله :

والله لا يذهب شيخي باطلا

حتّى أبير مالكا وكاهلا

والبيت من شواهد المؤلف في القطر (رقم ١٦٧).

اللّغة : «أبير» أهلك وأستأصل ، «مالكا وكاهلا» قبيلتان ، «الحلاحل» ـ بضم الحاء الأولى ـ السيد الشجاع ، «حسبا» الحسب : ما يعده المرء من مفاخر آبائه ، «نائلا» عطاء وجودا.

المعنى : أقسم أنه لا يسكت عن الطلب بثأر أبيه فيضيع دمه هدرا ، ولكنه سيأخذ له من قتلته ، فيهلك هاتين القبيلتين ، ويفنيهم ، ويستأصل شأفتهم.

الإعراب : «القاتلين» صفة لمالك وكاهل المذكورين في البيت الذي أنشدناه ، «الملك» مفعول به للقاتلين ، «الحلاحلا» صفة للملك ، «خير» صفة ثانية ، وخير مضاف و «معد» مضاف إليه ، «حسبا» تمييز «ونائلا» معطوف عليه.

الشّاهد فيه : قوله «القاتلين الملك» حيث أعمل اسم الفاعل ـ وهو قوله «القاتلين» ـ في المفعول به ، مع كونه دالا على المضي ؛ ألا ترى أنهم قتلوه قبل أن يقول ذلك؟ وإنما عمل في المفعول ـ مع ذلك ـ لكونه مقترنا بأل ، ولو كان مجردا منها لما أعمله.

٣٩٧

وابن مضاء ، استدلوا بقوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف ، ١٨] ، وتأوّلها غيرهم (١).

الثاني : أن يكون معتمدا على واحد من أربعة ، وهي :

(١) الأول : النفي كقوله :

٢٠٣ ـ ما راع الخلّان ذمّة ناكث

بل من وفيّ يجد الخليل خليلا

______________________________________________________

٢٠٣ ـ هذا بيت من الكامل ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين.

__________________

(١) نقرر لك هذا الموضوع بشيء من البسط في القول ، فنقول :

اختلفت كلمة النحاة من هذا الموضوع في مسألتين.

الأولى : هل يجوز في اسم الفاعل المجرد من أل إن كان بمعنى الماضي ـ أن يعمل؟ وجواب ذلك أن الجمهور قالوا : لا يجوز أن يعمل حينئذ ، وذهب الكسائي ـ وتبعه هشام وابن مضاء ـ إلى أنه يجوز أن يعمل ، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالآية الكريمة التي تلاها المؤلف ، ووجه الاستدلال بها أن «باسط» اسم فاعل معناه ماض ؛ ونعني بمضيه أن زمن حصوله للمخبر عنه به سابق على زمن نزول الآية الكريمة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأن المخبر عنه قد مات قبل الإخبار عنه بزمان بعيد ، وقد نصب به ـ مع ذلك ـ المفعول به وهو قوله سبحانه (ذِراعَيْهِ) وقد أجاب الجمهور عن استدلال الكسائي ومن معه بهذه الآية الكريمة بأنا لا نسلم أن اسم الفاعل فيها ماض باق على مضيه ، بل هو دال على الحال ، وذلك على حكاية الحال ، ومعناها أن يفرض المتكلم نفسه أو يفرض من يخاطبه موجودا في وقت حدوث ما يقص خبره ، ويفرض أنه يحدثه في ذلك الوقت ، وفي ذلك من البلاغة ما ليس يخفى ، والدليل على أن الكلام في هذه الآية على ما ذكرناه من حكاية الحال أمران ؛ الأول أن الواو في قوله تعالى (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ) واو الحال ، وإنما يحسن أن تقول بعد واو الحال وكلبهم يبسط ، ولا يحسن أن تقول بسط ـ بالماضي ـ والأمر الثاني : أنه سبحانه قد قال بعد ذلك (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ) فأتى بالفعل المضارع الدال على الحال أو الاستقبال.

المسألة الثانية : هل قول الجمهور «إن اسم الفاعل إذا كان دالّا على المضي لا يعمل» خاص بنصبه المفعول به أم عام يتناول المفعول به والفاعل جميعا؟ والجواب عن ذلك أن نقول لك : إن معمولات اسم الفاعل على ثلاثة أنواع ؛ النوع الأول المفعول به والثاني الفاعل الظاهر ، والثالث الفاعل المضمر ، أما المفعول به فاتفق النقل عن الجميع على أن اسم الفاعل ـ إذا كان ماضيا ـ لم ينصبه ، وأما الفاعل الظاهر فقد اختلف الجمهور في رفع اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي إياه ؛ فظاهر كلام سيبويه أنه يرفعه ، واختار هذا الرأي ابن عصفور ، وقال السيوطي : إنه هو الصحيح ، ولكن لا بد لرفعه الظاهر أن يعتمد على شيء مما ذكره المؤلف ، وأما رفع اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي للفاعل المضمر فقد اختلف النقل فيه عن الجمهور ، فقال جماعة : هو واقع باتفاق الجميع ، وقال قوم : إنه مختلف فيه أيضا ، ونقل هؤلاء المنع عن ابن خروف وابن طاهر ، والصواب أنه لا خلاف فيه ؛ لأنه يبعد أن يذهب أحد إلى أن تكون صفة مشتقة لا فاعل لها ، فافهم ذلك وتدبره واحرص عليه.

٣٩٨

(٢) الثاني : الاستفهام ، كقوله :

٢٠٤ ـ أنا ورجالك قتل امرئ

من العزّ في حبّك اعتاض ذلّا؟

(٣) الثالث : اسم مخبر عنه باسم الفاعل ، كقوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ)(١).

______________________________________________________

الإعراب : «ما» نافية ، «راع» مبتدأ ، مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين ، «الخلان» فاعل براع أغنى عن خبره مرفوع بالضمة الظاهرة ، «ذمة» مفعول به لراع ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، وذمة مضاف و «ناكث» مضاف إليه ، «بل» حرف إضراب «من» اسم موصول مبتدأ ، مبني على السكون في محل رفع ، «وفي» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة الواقعة مبتدأ ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد هو ذلك الضمير المستتر في وفي ، «يجد» فعل مضارع ، مرفوع بالضمة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة أيضا ، «الخليل» مفعول أول ليجد «خليلا» مفعول ثان ليجد ، وجملة يجد وفاعله ومفعوليه في محل رفع خبر المبتدأ ، والرابط هو الضمير المستتر في يجد.

الشّاهد فيه : قوله «ما راع الخلان ذمة ناكث» حيث أعمل اسم الفاعل وهو قوله راع ، في المفعول به الذي هو قوله «ذمة ناكث» بعد أن رفع به الفاعل المغنى عن الخبر ، وإنما أعمله في المفعول لكونه معتمدا على حرف النفي ، وهو ما.

٢٠٤ ـ هذا بيت من المتقارب ، وقد نسب قوم هذا البيت إلى حسان بن ثابت ، وقد راجعت ديوانه كله فلم أجده فيه ، ولا وجدت له ذكرا في الشعر المنحول لحسان رضي‌الله‌عنه ، وأقول : إنه لا تظهر عليه مسحة شعر حسان.

اللّغة : «ناو» اسم فاعل من مصدر «نوى الشيء ينويه» إذا اعتزم فعله ، وصمم عليه ، وقرن هذا العزم بالأخذ فيه ، «اعتاض» افتعل من العوض ، والمراد بهذا الكلام أنه قد صار إلى حال الذل والانكسار من بعد أن كان عزيزا.

الإعراب : «أناو» الهمزة للاستفهام ، ناو : مبتدأ ، مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين ، «رجالك» رجال : فاعل بناو ، سد مسد خبره ، رجال مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، «قتل» مفعول به لناو ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، وقتل مضاف ، و «امرئ» مضاف إليه ، «من العز» جار ومجرور متعلق بقوله اعتاض الآتي ، «في حبك» الجار

__________________

(١) سورة الطلاق ، الآية : ٣ ، والاستشهاد بالآية إنما يتم على قراءة من نوّن «بالغ» ونصب «أمره» وقراءة حفص بإضافة «بالغ» إلى «أمره» ولا تكون الآية الكريمة على هذه القراءة محل الاستشهاد على ما نحن بصدده.

٣٩٩

(٤) الرابع : اسم موصوف باسم الفاعل ، كقولك : «مررت برجل ضارب زيدا».

وقولي : «ولو تقديرا» إشارة إلى مثل قوله :

٢٠٥ ـ كناطح صخرة يوما ليوهنها

فلم يضرها ، وأوهى قرنه الوعل

______________________________________________________

والمجرور متعلق باعتاض أيضا ، وحب مضاف ، والكاف الذي هو ضمير المخاطب مضاف إليه ، مبني على الفتح في محل جر ، «اعتاض» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى امرئ ، «ذلّا» مفعول به لاعتاض ، والجملة في محل جر صفة لامرئ ، والرابط هو الضمير المستتر في اعتاض.

الشّاهد فيه : قوله «أناو رجالك قتل» حيث أعمل اسم الفاعل ، وهو قوله «ناو» عمل الفعل ، فرفع به فاعلا أغنى عن خبره من حيث هو مبتدأ ، ثم نصب به المفعول به وهو قتل ؛ لاعتماده على همزة الاستفهام.

٢٠٥ ـ هذا بيت من البسيط من كلام أبي بصير الأعشى ميمون بن قيس ، وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ٢٥٤) والمؤلف في أوضحه (رقم ٣٧١).

اللّغة : «ليوهنها» ليضعفها ، ويروى في مكان هذه الكلمة «ليوهيها» وهو مضارع ، «أوهى قرنه» أي أضعفه ، أو كسره ، «الوعل» بفتح فكسر ـ هو تيس الجبل.

الإعراب : «كناطح» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، أي هو كائن كناطح ـ إلخ ، وفي ناطح ضمير مستتر هو فاعله ، «صخرة» مفعول به لناطح ، «يوما» ظرف زمان منصوب على الظرفية ، والعامل فيه ناطح ، «ليوهنها» اللام لام التعليل ، يوهن : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة جوازا بعد لام التعليل ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ناطح ، والضمير العائد إلى صخرة مفعول به ، «فلم» الفاء هي فاء الفصيحة ، لم : نافية جازمة ، «يضرها» يضر : فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ناطح أيضا ، وضمير الغائبة العائد إلى صخرة مفعول به ، «وأوهى» الواو عاطفة ، أوهى : فعل ماض ، «قرنه» قرن : مفعول به لأوهى ، وقرن مضاف والضمير مضاف إليه ، «الوعل» فاعل أوهى.

الشّاهد فيه : قوله «كناطح صخرة» حيث أعمل اسم الفاعل ـ وهو قوله «ناطح» عمل الفعل ؛ فرفع به الفاعل ، وهو الضمير المستتر فيه ، ونصب به المفعول به ، وهو قوله صخرة ؛ لكونه معتمدا على موصوف محذوف ، وهو وعل ، وقد حذف هذا الموصوف وأقام الصفة مقامه ، ولو لا هذا الموصوف وأنه منوي الثبوت لما أعمله.

٤٠٠