شرح شذور الذّهب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

شرح شذور الذّهب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير
الطبعة: ٠
ISBN: 977-277-343-0
الصفحات: ٤٩٥

وقولي كلما جشأت وجاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

لأدفع عن مآثر صالحات

وأحمى بعد عن عرض صحيح

فجزم «تحمدي» بعد قوله «مكانك» وهو اسم فعل بمعنى اثبتي.

______________________________________________________

الكتاب ، والأبيات الأربعة بجملتها رواها ابن عبد ربه في العقد الفريد (١ ـ ١٣٢ اللجنة) وروى الثلاثة الأولى فيه (ج ٢ ص ٢٩٣) وعنده في الموضعين ، أول الثاني (وإجشامي على المكروه ....).

الإعراب : «أبت» أبي : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، «لي» جار ومجرور متعلق بأبي ، «عفتي» عفة : فاعل أبي ، وعفة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «وأبى» الواو عاطفة ، أبى : فعل ماض ، «بلائي» بلاء : فاعل أبى ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «وأخذي» الواو عاطفة ، أخذ : معطوف على بلائي ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله ، «الحمد» مفعول به لأخذ ، «بالثمن» جار ومجرور متعلق بأخذ ، «الربيح» صفة للثمن ، «وإمساكي» الواو عاطفة ، إمساك : معطوف على أخذ ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله أيضا ، «على المكروه» جار ومجرور متعلق بإمساك ، «نفسي» نفس : مفعول به لإمساك ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «وضربي» الواو عاطفة ، ضرب : معطوف على أحد ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله ، «هامة» مفعول به لضرب ، وهامة مضاف و «البطل» مضاف إليه ، «المشيح» صفة للبطل ، «وقولي» الواو عاطفة ، قول : معطوف على أخذ ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله ، «كلما» ظرف زمان متعلق بقول ، «جشأت» جشأ : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، «وجاشت» الواو حرف عطف ، جاش : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، والتاء للتأنيث ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة ، وكلتاهما في محل جر ؛ لإضافة الظرف إلى الجملة الأولى ، ولكون الثانية معطوفة على المجرور ، «مكانك» اسم فعل أمر بمعنى اثبتي ، لا محل له من الإعراب ، «تحمدي» فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم في جواب الأمر المدلول عليه باسم الفعل ، وعلامة جزمه حذف النون ، وياء المخاطبة نائب فاعل مبني على السكون في محل رفع ، «أو» حرف عطف ، «تستريحي» فعل مضارع مبني للمعلوم معطوف على تحمدي ، مجزوم بحذف النون ، وياء المخاطبة فاعله ، «لأدفع» اللام لام التعليل ، أدفع : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة جوازا بعد لام التعليل ، وأن المضمرة مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل ، والجار والمجرور متعلق بقولي ، «عن مآثر» جار ومجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه لا ينصرف لصيغة منتهى الجموع ، متعلق بأدفع ، «صالحات» نعت لمآثر مجرور بالكسرة الظاهرة ، «وأحمي» الواو عاطفة ، أحمي : فعل مضارع معطوف على أدفع ، منصوب بالفتحة الظاهرة ،

٣٦١

وشرط الحذف بعد النهي كون الجواب أمرا محبوبا كدخول الجنة والسلامة في قولك : «لا تكفر تدخل الجنة» و «لا تدن من الأسد تسلم» فلو كان أمرا مكروها كدخول النار وأكل السبع في قولك «لا تكفر تدخل النار» و «لا تدن من الأسد يأكلك» تعين الرفع ، خلافا للكسائي ، ولا دليل له في قراءة بعضهم (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر ، ٦] ؛ لجواز أن يكون ذلك موصولا بنية الوقف وسهّل ذلك أن فيه تحصيلا لتناسب الأفعال المذكورة معه ، ولا يحسن أن يقدر بدلا مما قبله ، كما زعم بعضهم ، لاختلاف معنييهما وعدم دلالة الأول على الثاني.

ثم قلت : ويجب الاستغناء عن جواب الشّرط بدليله متقدّما لفظا نحو «هو ظالم إن فعل» أو نيّة نحو «إن قمت أقوم» ومن ثمّ امتنع في النثر «إن تقم أقوم» وبجواب ما تقدّم من شرط مطلقا ، أو قسم ، إلا إن سبقه ذو خبر ، فيجوز ترجيح الشّرط المؤخّر.

وأقول : حذف الجواب على ثلاثة أوجه :

(١) ممتنع ، وهو ما انتفى منه الشرطان المذكوران ، أو أحدهما.

(٢) وجائز ، وهو ما وجدا فيه ، ولم يكن الدليل الذي دلّ عليه جملة مذكورة في ذلك الكلام متقدمة الذكر لفظا أو تقديرا.

(٣) وواجب ، وهو ما كان دليله الجملة المذكورة.

فالمتقدمة لفظا كقولهم «أنت ظالم إن فعلت» (١) والمتقدمة تقديرا لها صورتان :

______________________________________________________

وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «بعد» ظرف مبني على الضم في محل نصب متعلق بأحمى ، «عن عرض» جار ومجرور متعلق بأحمي «صحيح» صفة لعرض.

الشّاهد فيه : قوله «مكانك تحمدي» حيث جزم تحمدي في جواب شرط مدلول عليه باسم الفعل الدال على الأمر ، وتقدير الكلام : مكانك إن تثبتي تحمدي ، وليس بين العلماء خلاف في جواز جزم المضارع بعد اسم فعل الأمر إذا لم يكن المضارع مقترنا بالفاء ؛ كما في هذا الشاهد ، فافهم ذلك والله ينفعك به.

__________________

(١) اعلم أن النحويين قد اختلفوا في الجملة المتقدمة على أداة الشرط وفعله : أهي نفس الجواب ، أم هي دليل

٣٦٢

إحداهما : «إن قام زيد أقوم» وقول الشاعر :

١٧٥ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول : لا غائب مالي ولا حرم

______________________________________________________

١٧٥ ـ هذا بيت من البسيط من كلام زهير بن أبي سلمى المزني ، من قصيدة له يمدح فيها هرم بن سنان المري ، ومطلعها :

__________________

الجواب وليست الجواب نفسه؟ فذهب سيبويه وجمهور النحاة إلى أن الجملة المتقدمة ليست بالجواب ، ولكنها دليل عليه ، وهذا هو الذي ذهب إليه المؤلف ، وذهب أبو العباس المبرد وأبو زيد وجمهرة الكوفيين إلى أن هذه الجملة هي جواب الشرط.

والذي ذهب إليه سيبويه والجمهور أصح دليلا ، وأقرب مأخذا ، والدليل على ذلك من وجوه :

أولها : أن الجملة المتقدمة قد تكون جملة اسمية غير مقترنة بالفاء ولا بإذا الفجائية ، كالمثال الذي ذكره المؤلف ، والجملة الاسمية التي بهذه المنزلة لا تصلح لأن تكون جوابا ، كما علمت مما سبق ، وكذلك الجملة الفعلية التي فعلها جامد ، كما لو قلت : عسى أن تنجح إن اجتهدت.

والوجه الثاني : أن الجوازم من العوامل الضعيفة ، والعامل الضعيف لا يقوى على العمل وهو متأخر عن معموله.

والوجه الثالث : أنه لو كان المتقدم هو الجواب لوجب ـ إن كان فعلا مضارعا ـ أن يكون مجزوما ، والعرب تقول نحو قولك «يراك الناس أهلا للمودة إن صدقت» فلا يجزمون المضارع المتقدم ، ولو كان هو الجواب نفسه لوجب جزمه.

والوجه الرابع : أنهم لا يصنعون ذلك إلا إذا كان فعل الشرط التالي للأداة ماضيا لفظا ومعنى ، كالأمثلة التي سقناها ، أو كان ماضيا معنى فقط ، نحو قولك : أنت محبوب إن لم تخن أمانتك ، وهو الموضع الذي يحذف فيه جواب الشرط ، فلما وجدناهم يلتزمون ماضوية فعل الشرط لفظا أو معنى علمنا أنهم يرون الجواب محذوفا ؛ لأن الجواب لا يشترط فيه ذلك.

فإن قلت : هل هناك فرق معنوي بين أن أقول : أنت ظالم إن فعلت ذلك ، وأن أقول : إن فعلت ذلك فأنت ظالم ، كما كان بين الكلامين هذا الفرق الصناعي الذي ذكرته في مذهب سيبويه والجمهور ، وبعبارة أخرى : هل ثمة فرق بين أن أبني الكلام على شرط يتأخر عن جوابه وبين أن أبنيه على دليل جواب متقدم على أداة الشرط وفعله؟

فالجواب : أن بين الكلامين فرقا واضحا ، وتلخيصه أنك إذا قلت «أنت ظالم إن فعلت» إنما بنيت كلامك في أول الأمر على الإخبار بظلم المخاطب ، قاطعا به ، جازما بثبوته له ، ثم بدا لك أن تعلقه على فعل من الأفعال ، أما إذا قلت «إن فعلت ذلك فأنت ظالم» فإنما بنيت كلامك من أول الأمر على التردد في ثبوت الظلم لمخاطبك والشك فيه ، سواء أكان المترجح عندك ثبوته له أم انتفاؤه عنه ، بحسب ما تستعمله من أدوات الشرط ، وهذا الفرق المعنوي يؤيد أن بينهما فرقا صناعيّا ؛ فافهم ذلك واحرص عليه ، وانظر في هذا المبحث الكامل للمبرد (١ ـ ٧٨).

٣٦٣

فإن المضارع المرفوع المؤخر على نية التقديم على أداة الشرط في مذهب سيبويه ، والأصل أقوم إن قام ، ويقول إن أتاه خليل ، والمبرد يرى أنه هو الجواب ، وأن الفاء مقدّرة.

______________________________________________________

قف بالدّيار التي لم يعفها القدم

بلى ، وغيّرها الأرواح والدّيم

وبيت الشاهد من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٤٣٦) وابن عقيل (رقم ٣٤١) والمؤلف في أوضحه (رقم ٥١٠) والمبرد في الكامل (١ ـ ٧٨).

اللّغة : «خليل» صاحب خلة ـ بفتح الخاء ـ وهي الفقر ؛ فالخليل هنا الفقير المحتاج ، «مسألة» طلب للعطاء ، «حرم» بفتح الحاء المهملة وكسر الراء ـ أي : ممنوع.

الإعراب : «إن» حرف شرط جازم ، «أتاه» أتى : فعل ماض فعل الشرط مبني على فتح مقدر على الألف في محل جزم ، وضمير الغائب العائد إلى الممدوح مفعول به ، «خليل» فاعل أتى ، «يوم» ظرف زمان منصوب على الظرفية عامله أتى ، ويوم مضاف ، و «مسألة» مضاف إليه ، «يقول» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، «لا» نافية عاملة عمل ليس ، أو مهملة لا عمل لها «غائب» اسم لا ، أو مبتدأ «مالي» مال : فاعل بغائب سد مسد خبر لا أو مسد خبر المبتدأ ، ومال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «حرم» خبر مبتدأ محذوف ، أي : ولا أنت حرم ، أو لا زائدة لتأكيد النفي ، وحرم معطوف على غائب.

الشّاهد فيه : قوله «يقول» وقد اختلف العلماء فيه ، ولهم في ذلك مذهبان مشهوران :

أحدهما : مذهب سيبويه رحمه‌الله والجمهور ، ذهب إلى أن هذا الفعل المضارع المرفوع ليس جوابا للشرط السابق ، ولكنه دليل على الجواب ، وهو على نية التقديم وإن كان في اللفظ متأخرا ، فكأنه قال : يقول لا غائب مالي إن أتاه خليل.

وثانيهما : مذهب المبرد وأبي زيد والكوفيين ، ذهبوا إلى أن هذا الفعل المضارع هو نفس الجواب ، إلا أنه على تقدير الفاء ومبتدأ تكون جملة هذا المضارع خبرا عنه ، أي إن أتاه خليل فهو يقول.

واعلم أن محل هذا كله إذا كان فعل الشرط ماضيا ، كما في مثال المؤلف وفي بيت الشاهد ، فأما إذا كان الشرط مضارعا فقد أجمعوا على أنه لا يجوز إلا جزم الجواب ، تقول : إن تذاكر تنجح ، بالجزم في الشرط والجزاء جميعا ، ولا يجوز رفع الجواب إلا في ضرورة شعرية مع القبح ، كالذي رواه سيبويه رحمه‌الله من قول جرير بن عبد الله البجلي :

يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع

وكالذي رواه من قوله :

٣٦٤

والثانية : أن يتقدم على الشرط قسم نحو «والله إن جاءني لأكرمنّه» فإن قولك «لأكرمنّه» جواب القسم ، فهو في نية التقديم إلى جانبه ، وحذف جواب الشرط لدلالته عليه ، ويدلك على أن المذكور جواب القسم توكيد الفعل في نحو المثال ، ونحو قوله تعالى : (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) [الحشر ، ١٢] ورفعه في قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ.)

ثم أشرت إلى أنه ـ كما وجب الاستغناء بجواب القسم المتقدم ـ يجب العكس في نحو «إن يقم والله أقم» وأنه إذا تقدم عليهما شيء يطلب الخبر وجبت مراعاة الشرط ، تقدم أو تأخّر ، نحو «زيد والله إن يقم أقم».

ثم قلت : وجزم ما بعد فاء أو واو من فعل تال للشّرط أو الجواب قويّ ، ونصبه ضعيف ، ورفع تالي الجواب جائز.

وأقول : ختمت باب الجوازم بمسألتين : أولاهما يجوز فيها ثلاثة أوجه ، والثانية يجوز فيها وجهان ، وكلتاهما يكون الفعل فيها واقعا بعد الفاء أو الواو.

فأما مسألة الثلاثة الأوجه فضابطها أن يقع الفعل بعد الشرط والجزاء كقوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة ، ٢٨٤] الآية ، قرئ (فيغفر) بالجزم على العطف ، و (فيغفر) بالرفع على الاستئناف ، و (فيغفر) بالنصب بإضمار أن ، وهو ضعيف ، وهي عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وأما مسألة الوجهين فضابطها : أن يقع الفعل بين الشرط والجزاء كقولك : «إن تأتني وتمش إلىّ أكرمك» فالوجه الجزم ، ويجوز النصب كقوله :

١٧٦ ـ ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه

ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما

______________________________________________________

فقلت : تحمّل فوق طوقك ، إنّها

مطبّعة ، من يأتها لا يضيرها

١٧٦ ـ هذا بيت من الطويل ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وهو من شواهد المؤلف في أوضحه (رقم ٥١٤) وابن عقيل (رقم ٣٤٤).

اللّغة : «يقترب» «يدنو» ، «يخضع» يستكين ويذل ، «نؤوه» ننزله عندنا ، «هضما» ظلما وضياعا لحقوقه.

٣٦٥

ثم قلت : باب في عمل الفعل ـ كلّ الأفعال ترفع إمّا الفاعل أو نائبه أو المشبّه به ، وتنصب الأسماء ، إلا المشبّه بالمفعول به مطلقا ، وإلا الخبر والتّمييز والمفعول المطلق فناصبها الوصف والنّاقص والمبهم المعنى أو النّسبة والمتصرّف التّام ومصدره ووصفه ، وإلا المفعول به فإنها بالنّسبة اليه سبعة أقسام : ما لا يتعدّى إليه أصلا : كالدّالّ على حدوث ذات كحدث ونبت ، أو صفة حسّيّة كطال وخلق ، أو عرض كمرض وفرح ، وكالموازن لانفعل كانكسر ، أو فعل كظرف ، أو فعل أو فعل اللّذين وصفهما على فعيل في نحو ذلّ وسمن ، وما يتعدّى إلى واحد دائما بالجارّ كغضب ومرّ ، أو دائما بنفسه كأفعال الحواسّ ، أو تارة وتارة كشكر ونصح

______________________________________________________

الإعراب : «من» اسم شرط جازم يجزم فعلين ، وهو مبتدأ مبني على السكون في محل رفع ، «يقترب» فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بمن ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، «منا» جار ومجرور متعلق بيقترب ، «ويخضع» الواو واو المعية ، يخضع : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد واو المعية ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من أيضا ، «نؤوه» نؤو : فعل مضارع جواب الشرط ، مجزوم بمن ، وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن ، وضمير الغائب العائد إلى من مفعول به ، «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية ، «يخش» فعل مضارع معطوف على جواب الشرط ، مجزوم وعلامة جزمه حذف الألف والفتحة قبلها دليل عليها ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، «ظلما» مفعول به ليخش ، «ما» مصدرية ظرفية ، «أقام» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، وما مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مخفوض بإضافة ظرف محذوف ، وهذا الظرف منصوب بيخش ، والتقدير : ولا يخش ظلما مدة إقامته ، «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد النفي ، «هضما» معطوف على قوله ظلما.

الشّاهد فيه : قوله «ويخضع» حيث جاء منصوبا ، وقد توسط بين الشرط وجوابه ، ومثله قول زهير ، وقد أنشده سيبويه (ج ١ ص ٤٤٧).

ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة

فيثبتها في مستوى الأرض يزلق

ومحل الاستشهاد به قوله «فيثبتها» فإنه مقترن بالفاء بعد «يقدم رجله» الذي هو فعل الشرط ، وقد توسط بين فعل الشرط المذكور وجوابه الذي هو قوله «يزلق» وقد جاء بهذا المضارع المقترن بالفاء منصوبا.

٣٦٦

وقصد ، وما يتعدّى له بنفسه تارة ولا يتعدّى إليه أخرى كفغر وشحا ، وما يتعدى إلى اثنين تارة ولا يتعدى إليهما أخرى كنقص وزاد ، أو يتعدى إليهما دائما ، فإمّا ثانيهما كمفعول شكر كأمر واستغفر واختار وصدّق وزوّج وكنى وسمّى ودعا بمعناه ، وكال ووزن ، أو أوّلهما فاعل في المعنى كأعطى وكسا ، أو أوّلهما وثانيهما مبتدأ وخبر في الأصل وهو أفعال القلوب : ظنّ ، لا بمعنى اتهم ، وعلم لا بمعنى عرف ، ورأى لا من الرّأي ، ووجد لا بمعنى حزن أو حقد ، وحجا لا بمعنى قصد ، وحسب ، وزعم ، وخال ، وجعل ، ودرى في لغيّة ، وهب ، وتعلّم بمعنى اعلم ، ويلزم الأمر ، وأفعال التّصيير ، كجعل ، وتخذ ، واتّخذ ، وردّ ، وترك ، ويجوز إلغاء القلبيّة المتصرّفة متوسّطة أو متأخّرة ، ويجب تعليقها قبل لام الابتداء أو القسم ، أو استفهام ، أو نفي بما مطلقا ، أوّ بلا أو إن في جواب القسم ، أو لعل أو لو أو إنّ أو كم الخبريّة ، وما يتعدّى إلى ثلاثة ، وهو أعلم وأرى وما ضمّن معناهما من أنبأ ونبّأ وأخبر وخبّر وحدّث.

وأقول : عقدت هذا الباب لبيان عمل الأفعال ، فذكرت أن الأفعال كلها ـ قاصرها ومتعدّيها ، تامّها وناقصها ـ مشتركة في أمرين :

أحدهما : أنها تعمل الرفع ، وبيان ذلك أن الفعل إما ناقص فيرفع الاسم ، نحو : «كان زيد فاضلا» ، وإما تام آت على صيغته الأصلية فيرفع الفاعل نحو : «قام زيد» وإما تام آت على غير صيغته الأصلية فيرفع النائب عن الفاعل ، نحو : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) [هود ، ٤٤] وقد تقدم شرح ذلك كله.

الثاني : أنها تنصب الأسماء غير خمسة أنواع ، أحدها : المشبّه بالمفعول به ؛ فإنما تنصبه عند الجمهور الصفات نحو : «حسن وجهه» والثاني : الخبر ؛ فإنما ينصبه الفعل الناقص وتصاريفه نحو : «كان زيد قائما» و «يعجبني كونه قائما» ولم أذكر تصاريفه في المقدمة لوضوح ذلك ، والثالث : التمييز ؛ فإنما ينصبه الاسم المبهم المعنى ك «رطل زيتا» أو الفعل المجهول النسبة ك «طاب زيد نفسا» وكذلك تصاريفه ، نحو : «هو طيب نفسا» ، والرابع : المفعول المطلق ؛ وإنما ينصبه الفعل المتصرف التام وتصاريفه نحو : «قم قياما» و «هو قائم قياما» ويمتنع «ما أحسنه

٣٦٧

إحسانا» و «كنت قائما كونا». والخامس : المفعول به ؛ وإنما ينصبه الفعل المتعدي بنفسه ، ك «ضربت زيدا».

وقد قسّمت الفعل بحسب المفعول به تقسيما بديعا ، فذكرت أنه سبعة أنواع.

أحدها : ما لا يطلب مفعولا به البتّة ، وذكرت له علامات :

إحداها : أن يدل على حدوث ذات ، كقولك «حدث أمر» و «عرض سفر» و «نبت الزّرع» و «حصل الخصب» وقوله :

١٧٧ ـ إذا كان الشّتاء فأدفئوني

فإنّ الشّيخ يهرمه الشّتاء

فإن قلت : فإنك تقول : حدث لي أمر ، وعرض لي سفر (١).

فعندي أن هذا الظرف صفة المرفوع المتأخر ، تقدم عليه فصار حالا ، فتعلقه أولا

______________________________________________________

١٧٧ ـ هذا بيت من الوافر من كلام الربيع بن ضبع الفزاري ، وكان من المعمرين.

اللّغة : «كان الشتاء» يريد حدث وجاء هذا الوقت الذي يشتد فيه البرد ، «أدفئوني» ألبسوني الثياب الوثيرة أو أوقدوا لي النار ليحصل لي الدفء والحرارة ، «الشيخ» أصله من بلغ الأربعين من عمره ، وأراد به الذي تقدمت به السن حتى ضعف وعجز عن احتمال البرد «يهرمه» يورثه الهرم وشدة الضعف.

الإعراب : «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه ، «كان الشتاء» فعل تام وفاعله ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، «فأدفئوني» الفاء واقعة في جواب إذا ، أدفئوا : فعل أمر مبني على حذف النون ، وواو الجماعة فاعله ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، «فإن» الفاء حرف دال على التعليل ، إن : حرف توكيد ونصب ، «الشيخ» اسم أن ، «يهرمه» يهرم : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، وضمير الغائب العائد إلى الشيخ مفعول به تقدم على الفاعل ، «الشتاء» فاعل يهرم مرفوع بالضمة الظاهرة ، وجملة «يهرم» مع فاعله ومفعوله في محل رفع خبر إن.

الشّاهد فيه : قوله «كان الشتاء» فإن هذا الفعل لا يحتاج إلى مفعول به ؛ لكونه دالا على مجرد حصول حدث ، أي : إذا حصل الشتاء ، ونحو ذلك.

__________________

(١) هذا اعتراض وارد على قوله «إن هذا النوع لا يطلب مفعولا به البتة» ووجه الاعتراض أن الجار والمجرور يقع بعد هذا النوع من الأفعال متعلقا بها ، وقد علم أن الجار والمجرور المتعلق بفعل ما مفعول به في المعنى ، وحاصل الجواب من وجهين : أولهما نمنع أن الجار والمجرور متعلق بالفعل ، بل هو متعلق بمحذوف ، وثانيهما : أن نسلم أنه متعلق بالفعل ، لكن لا على جهة وقوعه عليه ، بل لكونه سببا وعلة في حدوث الفعل ، فلا يكون مفعولا به ، بل هو مفعول لأجله ، وليس الكلام فيه.

٣٦٨

وآخرا بمحذوف وهو الكون [المطلق] ، أو متعلق بالفعل المذكور على أنه مفعول لأجله ، والكلام في المفعول به.

الثانية : أن يدل على حدوث صفة حسيّة ، نحو : طال الليل ، وقصر النهار ، وخلق الثوب ، ونظف ، وطهر ، ونجس ، واحترزت بالحسّية من نحو علم وفهم وفرح ، ألا ترى أن الأول منها متعدّ لاثنين ، والثاني لواحد بنفسه ، والثالث لواحد بالحرف ، تقول : علمت زيدا فاضلا ، وفهمت المسألة ، وفرحت بزيد.

الثالثة : أن يكون على وزن فعل ـ بالضم ـ كظرف وشرف وكرم ولؤم ، وأما قولهم : «رحبتكم الطّاعة» (١) و «طلع اليمن» فضمّنا معنى وسع وبلغ.

الرابعة : أن يكون على وزن انفعل ، نحو : انكسر ، وانصرف.

الخامسة : أن يدلّ على عرض ، كمرض زيد ، وفرح ، وأشر ، وبطر.

السادسة والسابعة : أن يكون على وزن فعل أو فعل اللذين وصفهما على فعيل ، كذلّ فهو ذليل ، وسمن فهو سمين ، ويدل على أن ذلّ فعل بالفتح قولهم يذلّ بالكسر ، وقلت «في نحو ذلّ» احترازا من نحو بخل فإنه يتعدى بالجار ، تقول : بخل بكذا.

النوع الثاني : ما يتعدى إلى واحد دائما بالجار ، ك «غضبت من زيد» و «مررت به» أو عليه».

فإن قلت : وكذلك تقول فيما تقدم : ذلّ بالضّرب ، وسمن بكذا.

قلت : المجروران مفعول لأجله ، لا مفعول به (٢).

الثالث : ما يتعدى لواحد بنفسه دائما ، كأفعال الحواس ، نحو : «رأيت الهلال»

__________________

(١) يروى أن نصر بن سيار ـ وكان أمير خراسان في الدولة الأموية ، وكانت إقامته بمرو ، وهو عربي الأصل ؛ لأنه من بني ربيعة بن عامر بن هلال بن عوف ـ قال : أرحبكم الدخول في طاعة ابن الكرماني : أي أوسعكم فعدى رحب ـ بضم الحاء ـ وليست متعدية عند النحاة ، واعتذر جماعة عن ذلك منهم الأزهري بأن نصر بن سيار ليس بحجة ، وهي معذرة لا تقوم على سند ؛ لأن نصرا عربي كما قلنا ، وكان يعيش في العصر الذي يحتج بكلام أهله من العرب ، وقال الفارسي : إنما عداه لأنه بمعنى فعل يتعدى وهو وسع ، وهذه لغة هذيل.

(٢) حاصل هذا الاعتراض كالذي ذكرناه في الاعتراض على النوع الأول ، وحاصل الجواب عليه كالوجه الثاني من وجهي الجواب على الاعتراض السابق ، والخلاصة أن المراد بالمفعول : الذي يقع عليه فعل الفاعل ، وسواء أكان وقوعه عليه مباشرة أم بواسطة حرف الجر ، فلا يدخل فيه ما يتعدى إليه الفعل لكونه سببا وعلة لحدوث هذا الفعل ، بل هذا داخل في المفعول لأجله.

٣٦٩

و «شممت الطّيب» و «ذقت الطعام» و «سمعت الأذان» و «ولمست المرأة» وفي التنزيل (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) [الفرقان ، ٢٢] (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ) [ق ، ٤٢] (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) [الدخان ، ٥٦] (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) [النساء ، ٤٣].

الرابع : ما يتعدى إلى واحد تارة بنفسه وتارة بالجار ، كشكر ونصح وقصد ، تقول «شكرته» و «شكرت له» و «نصحته» و «نصحت له» و «قصدته» و «قصدت له» و «قصدت إليه» قال الله تعالى : (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) [النحل ، ١٤] (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) [لقمان ، ١٤] (وَنَصَحْتُ لَكُمْ) [الأعراف ، ٧٩ و ٩٢].

الخامس : ما يتعدى لواحد بنفسه تارة ولا يتعدى أخرى لا بنفسه ولا بالجار ، وذلك نحو فغر ـ بالفاء والغين المعجمة ـ وشحا ـ بالشين المعجمة والحاء المهملة ـ تقول : «فغر فاه» و «شحاه» بمعنى فتحه ، و «فغر فوه» و «شحا فوه» بمعنى انفتح.

السادس : ما يتعدى إلى اثنين ، وقسمته قسمين :

أحدهما : ما يتعدى إليهما تارة ولا يتعدى أخرى ، نحو نقص ، تقول : «نقص المال» و «نقصت زيدا دينارا» بالتخفيف فيهما ، قال الله تعالى : (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) [التوبة ، ٤] وأجاز بعضهم كون (شيئا) مفعولا مطلقا ، أي : نقصا ما.

الثاني : ما يتعدى إليهما دائما ، وقسمته ثلاثة أقسام :

أحدها : ما ثاني مفعوليه كمفعول شكر ، كأمر واستغفر ، تقول : «أمرتك الخير» و «أمرتك بالخير» وسيأتي شرحهما بعد.

والثاني : ما أول مفعوليه فاعل في المعنى ، نحو : «كسوته جبّة» و «أعطيته دينارا» فإن المفعول الأول لابس وآخذ ، ففيه فاعلية معنوية.

الثالث : ما يتعدى لمفعولين أولهما وثانيهما مبتدأ وخبر في الأصل ، وهو أفعال القلوب المذكورة قبل ، وأفعال التصيير ، وشاهد أفعال القلوب قوله تعالى : (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) [الإسراء ، ١٠٢] (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة ، ١٠] (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) [المزمل ، ٢٠] (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ) [النور ، ١١] (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف ، ١٩] أي : اعتقدوهم ، وقول الشاعر :

٣٧٠

١٧٨ ـ قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة

حتّى ألمّت بنا يوما ملمّات

وقول الآخر :

١٧٩ ـ * زعمتني شيخا ولست بشيخ*

______________________________________________________

١٧٨ ـ هذا بيت من البسيط ، وقد نسبه صاحب المحكم إلى رجل سماه أبا شنبل الأعرابي ، ونسبه ابن هشام إلى تميم بن مقبل وليس في ديوانه ولا في زياداته ، وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ١٢٥) والمؤلف في أوضحه (رقم ١٧٢).

اللّغة : «أحجو» أراد ههنا معنى أظن ، «أخا ثقة» يروى بتنوين أخا ونصب ثقة ؛ فهو من الوصف بالمصدر ، نظير قوله تعالى : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) ونظير قولهم : زيد عدل ورضى ، وقول الخنساء ، فإنما هي إقبال وإدبار ، ويروى بإضافة «أخا» إلى «ثقة» فأخا منصوب بالألف نيابة عن الفتحة ؛ لاستكماله شرط الإعراب بالحروف ، «ألمت» نزلت ، «ملمات» جمع ملمة ، وهي النازلة من نوازل الدهر.

المعنى : لقد كنت أظن أبا عمرو صديقا يركن إليه في الشدائد ، ولكني علمت أنه مذق الوداد ؛ فقد طوّحته طوائح الدهر فألفيته بعيدا عني ، غير آخذ بناصري.

الإعراب : «قد» حرف تحقيق ، «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، وضمير المتكلم اسمه ، «أحجو» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة في محل نصب خبر كان ، «أبا» مفعول أول لأحجو ، وأبا مضاف ، و «عمرو» مضاف إليه ، «أخا» مفعول ثان لأحجو ، ويروى بالتنوين فهو منصوب بالفتحة الظاهرة ، ويروى من غير تنوين فهو منصوب بالألف نيابة عن الفتحة ، «ثقة» من روى أخا بالتنوين نصبه على أنه صفة له ، ومن روى أخا بغير تنوين خفض ثقة بإضافة أخا إليه ، «حتى» حرف غاية وجر ، «ألمت» ألم : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، «بنا» جار ومجرور متعلق بألم ، «يوما» ظرف زمان منصوب على الظرفية وعامله ألم ، «ملمات» فاعل ألم ، وألم مع ما بعده في تأويل مصدر بأن محذوفة ، وهذا المصدر مجرور بحتى ، والجار والمجرور متعلق بأحجو.

الشّاهد فيه : قوله «أحجو أبا عمرو أخا ثقة» حيث استعمل الفعل المضارع المأخوذ من حجا بمعنى ظن ، ونصب به مفعولين : أحدهما «أبا عمرو» والآخر «أخا ثقة».

واعلم أن العيني رحمه‌الله حكى أنه لم ينقل أحد من النحاة أن «حجا يحجو» ينصب مفعولين غير ابن مالك رحمه‌الله تعالى ، ثم تبعه مقلدوه وشارحو كلامه ومنهم المؤلف رحمه‌الله تعالى.

١٧٩ ـ هذا صدر بيت من الخفيف من كلام أبي أمية الحنفي ، واسم أبي أمية أوس ، وعجز البيت قوله :

٣٧١

والأكثر تعدّى زعم إلى أن أو أنّ وصلتهما ، نحو : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) [التغابن ، ٧] وقوله :

١٨٠ ـ * وقد زعمت أنّي تغيّرت بعدها*

______________________________________________________

* إنّما الشّيخ من يدبّ دبيبا*

والبيت من شواهد المؤلف في أوضحه (رقم ١٨٥) وفي شرح القطر (رقم ٧٠) والأشموني (رقم ٣١٩).

الإعراب : «زعمتني» زعم : فعل ماض والتاء للتأنيث ، والنون للوقاية والياء مفعول أول ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي «شيخا» مفعول ثان لزعم ، «ولست» الواو واو الحال ، ليس : فعل ماض ناسخ ، وتاء المتكلم اسمه ، «بشيخ» الباء حرف جر زائد ، شيخ : خبر ليس ، وجملة ليس واسمه وخبره في محل نصب حال ، «إنما» أداة حصر ، «الشيخ» مبتدأ ، «من» اسم موصول خبر المبتدأ ، مبني على السكون في محل رفع ، «يدب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، «دبيبا» مفعول مطلق مؤكد لعامله وهو يدب.

الشّاهد فيه : قوله «زعمتني شيخا» حيث استعمل فيه زعم بمعنى ظن ، ونصب به مفعولين : أحدهما ياء المتكلم ، والثاني قوله شيخا ، وهو ظاهر من الإعراب.

١٨٠ ـ هذا صدر بيت من الطويل من قصيدة طويلة تعتبر من منتخبات شعر كثير عزة ، وعجزه قوله :

* ومن ذا الّذي يا عزّ لا يتغيّر؟ *

والبيت من شواهد المؤلف في أوضحه (١٧٦) والأشموني (٢٢٠).

الإعراب : «قد» حرف تحقيق ، «زعمت» زعم : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، والتاء للتأنيث ، «أني» أن : حرف توكيد ونصب ، وياء المتكلم اسمه ، «تغيرت» فعل وفاعل ، والجملة في محل رفع خبر أن ، وأن مع اسمه وخبره سد مسد مفعولي زعم ، «بعدها» بعد : ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق بتغير ، وبعد مضاف والضمير مضاف إليه ، «ومن» الواو للاستئناف ، من : اسم استفهام مبتدأ مبني على السكون في محل رفع «ذا» اسم إشارة خبر المبتدأ ، مبني على السكون في محل رفع ، «الذي» اسم موصول بدل من اسم الإشارة ، مبني على السكون في محل رفع ، «يا» حرف نداء ، «عز» منادى مبني على الضم الملفوظ به ـ أو الضم الذي على الحرف المحذوف للترخيم ـ في محل نصب ، وجملة النداء لا محل لها معترضة بين الاسم الموصول وصلته ، «لا» حرف نفي ، «يتغير» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول.

٣٧٢

وقال :

١٨١ ـ دريت الوفيّ العهد يا عرو ، فاغتبط

فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد

والأكثر في درى أن تتعدى إلى واحد بالباء ، تقول : «دريت بكذا» قال الله تعالى : (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) [يونس ، ١٦]. وإنما تعدّت إلى الكاف والميم بواسطة همزة النقل ، وقوله :

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «زعمت أني تغيرت» حيث ورد فيه زعم بمعنى ظن ، وتعدى إلى مفعوليه بواسطة أن المؤكدة.

واعلم أن تعدي «زعم» إلى مفعوليه بواسطة أن أو أن كثير جدا ، والشواهد عليه أكثر من أن يضبطها الحصر ، ومنها بيت الشاهد هذا ، ومنها قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود :

فذق هجرها ، قد كنت تزعم أنّه

رشاد ، ألا يا ربّما كذب الزّعم

وقد اختلف العلماء في تعدي «زعم» إلى مفعوليه بغير أن أو أنّ ، فزعم الأزهري أنه لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ، ولكن كثرة الشواهد عليه تؤيد صحة جوازه من غير ضرورة ، ومن شواهده البيت السابق (١٧٩) ومنها قول أبي ذؤيب الهذلي :

فإن تزعميني كنت أجهل فيكم

فإني شريت الحلم بعدك بالجهل

نعم ، الأكثر في هذا الفعل أن يتعدى إلى مفعوليه بواسطة أن أو أنّ المصدريتين ، ولكن تعديه بدونهما لا يصل إلى درجة الضرورة.

١٨١ ـ هذا بيت من الطويل ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وهو من شواهد المؤلف في أوضحه (١٧١) وابن عقيل (١٢٠) والأشموني (٣٢٣).

اللّغة : «دريت» بالبناء للمجهول ـ من «درى» إذا علم ، «عرو» مرخم عروة ، وهو علم على رجل ، «اغتبط» أمر من الاغتباط ، وأراد به السرور.

الإعراب : «دريت» دري : فعل ماض مبني للمجهول ، وتاء المخاطب نائب فاعله ، وهو المفعول الأول ، «الوفي» مفعول ثان ، وهو مضاف و «العهد» ، مضاف إليه ، «يا» حرف نداء ، و «عرو» منادى مبني على الضم المذكور أو الموجود على الحرف المحذوف للترخيم في محل نصب ، «فاغتبط» الفاء حرف عطف ، اغتبط : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «فإن» الفاء حرف دال على التعليل ، إن : حرف توكيد ونصب «اغتباطا» اسم إن ، «بالوفاء» جار ومجرور متعلق باغتباط ، «حميد» خبر إن.

الشّاهد فيه : قوله «دريت الوفي» حيث استعمل فيه درى بمعنى علم ، ونصب به مفعولين ؛

٣٧٣

١٨٢ ـ فقلت أجرني أبا خالد

وإلا فهبني امرأ هالكا

______________________________________________________

أولهما : تاء المخاطب الواقعة نائبا عن الفاعل ، وثانيهما : قوله «الوفي» وقد ظهر هذا من الإعراب.

١٨٢ ـ هذا بيت من المتقارب من كلام ابن همام السلولي ، وهو من شواهد المؤلف في أوضحه (رقم ١٧٤) وابن عقيل (رقم ١٢٧) والأشموني (رقم ٣٢٤).

اللّغة : «أجرني» أصل معناه اتخذني لك جارا تدفع عنه وتحميه وتغيثه ، ثم استعمل في لازم ذلك ، فصار بمعنى أغثني مما نزل بي ، «أبا خالد» وقع في بعض الروايات «أبا مالك» وقوله «هبني» معناه اعتقدني.

الإعراب : «قلت» فعل وفاعل ، «أجرني» أجر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، «أبا» منادى بحرف نداء محذوف ، وأبا مضاف و «خالد» أو «مالك» مضاف إليه ، «وإلا» الواو للاستئناف ، إن : شرطية جازمة ، لا : نافية ، وفعل الشرط محذوف تقديره : وإلا تجرني ، «فهبني» الفاء واقعة في جواب الشرط ، هب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول ، «امرأ» مفعول ثان لهب ، منصوب بالفتحة الظاهرة «هالكا» صفة لقوله امرأ.

الشّاهد فيه : قوله «فهبني امرأ» حيث استعمل هب بمعنى اعتقد ، ونصب به مفعولين : أولهما ياء المتكلم ، وثانيهما قوله امرأ.

وهنا أمران يجب أن تعلمهما :

الأول : أن «هب» الذي يدل على معنى اعتقد فعل أمر جامد غير منصرف ، فلم يجئ منه ماض ولا مضارع ، فأما قولك : وهب يهب هب ، فمن الهبة ، ومنه قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [إبراهيم ، ٣٩] ، وقوله جل شأنه : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) [الشورى ، ٤٩] ، وقوله عزوجل : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران ، ٨] ؛ وأما وهب في نحو قولهم : وهبني الله فداك ، فبمعني جعلني الله فداك.

والثاني : أن الأكثر تعدي «هب» إلى مفعوليه صراحة كما في بيت الشاهد ، وقد يدخل على أن المؤكدة المصدرية ، واختلف العلماء في ذلك ؛ فذهب الجرمي وابن سيده والجوهري والحريري إلى أنه لحن ، وقال الأثبات من العلماء : ليس لحنا ؛ لأنه واقع في فصيح العربية ، وقد روي من حديث عمر «هب أن أبانا كان حمارا».

ومن شواهد تعديه لاثنين صريحين ـ غير بيت الشاهد الذي معنا ـ قول عقيبة بن هبيرة الأسدي :

٣٧٤

أي : اعتقدني ، وقوله :

١٨٣ ـ * تعلّم شفاء النّفس قهر عدوّها*

والأكثر في «تعلّم» أن يتعدى إلى أنّ وصلتها كقوله :

١٨٤ ـ * تعلّم رسول الله أنّك مدركي*

______________________________________________________

فهبها أمّة ذهبت ضياعا

يزيد أميرها وأبو يزيد

وجاء عليه قول الشاعر :

هبوني أغضّ إذا ما بدت

وأمنع طرفي فلا أنظر

١٨٣ ـ هذا صدر بيت من الطويل لزياد بن سيار بن عمرو بن جابر ، وكان قد خرج هو والنابغة الذبياني يريدان الغزو ، فرأى زياد جرادة ، فقال : حرب ذات ألوان ، فرجع ، ومضى النابغة لطيته ، وفيه يقول زياد كلمة منها البيت المستشهد بصدره ، وعجز البيت قوله :

* فبالغ بلطف في التّحيّل والمكر

والبيت من شواهد المؤلف في أوضحه (رقم ١٦٩) وابن عقيل (رقم ١٢١) والأشموني (رقم ٣٢٥).

اللّغة : «تعلم» معناه هنا اعلم واستيقن ، «شفاء النفس» أراد به قضاء مآربها وإذهاب غيظها ، «لطف» أراد به الرفق في الأمور والتأني لها ، «التحيل» أخذ الشيء بحيلة.

الإعراب : «تعلم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «شفاء» مفعول أول ، وشفاء مضاف و «النفس» مضاف إليه ، «قهر» مفعول ثان ، وقهر مضاف وعدو من «عدوها» مضاف إليه ، وعدو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى النفس مضاف إليه ، «فبالغ» الفاء حرف عطف ، بالغ : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «بلطف ، في التحيل» جاران ومجروران يتعلق كل منهما ببالغ ، «والمكر» معطوف على التحيل.

الشّاهد فيه : قوله «تعلم شفاء النفس قهر عدوها» حيث ورد فيه تعلم ومعناه اعلم ، وقد نصب به مفعولين : أولهما قوله «شفاء النفس» وثانيهما قوله «قهر عدوها».

١٨٤ ـ هذا صدر بيت من الطويل ، وعجزه قوله :

* وأن وعيدا منك كالأخذ باليد*

وهذا بيت من قصيدة طويلة لأنس بن زنيم الديلي ، يقولها بعد فتح مكة ، معتذرا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما كان عمرو بن سالم الخزاعي يقوله فيه وفي أصحابه وأولها قوله :

٣٧٥

وشاهد أفعال التصيير قوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان ، ٢٣] (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النساء ، ١٢٥] (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً) [البقرة ، ١٠٩] (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) [الكهف ، ٩٩].

______________________________________________________

أنت الّذي تهدى معدّ بأمره

بل الله يهديهم ، وقال لك : اشهد

وما حملت من ناقة فوق رحلها

أبرّ وأوفى ذمّة من محمّد

وانظرها في سيرة ابن هشام (٤ ـ ٤٦ بتحقيقنا).

الإعراب : «تعلم» فعل أمر بمعنى اعلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «رسول» منادى بحرف نداء محذوف ، وهو مضاف و «الله» مضاف إليه ، «أنك» أن : حرف توكيد ونصب ، وضمير المخاطب اسمه ، «مدركي» مدرك : خبر أن ، ومدرك مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، وأن مع اسمه وخبره في محل نصب سد مسد مفعولي تعلم.

الشّاهد فيه : قوله «تعلم أنك مدركي» حيث استعمل تعلم الذي بمعنى اعلم ، ونصب به مفعولين بواسطة أن المؤكدة المصدرية ، وهذا هو الأكثر في تعدي هذا الفعل.

ومن شواهد المسألة قول معديكرب بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار :

تعلّم أنّ خير النّاس طرّا

قتيل بين أحجار الكلاب

وقول النابغة الذبياني يرد على زياد بن سيار صاحب البيت السابق (رقم ١٨٣) وينكر عليه تطيره :

تعلّم أنّه لا طير إلّا

على متطيّر ، وهو الثّبور

وقول أنس بن زنيم صاحب بيت الشاهد من نفس الكلمة التي منها الشاهد :

تعلّم رسول الله أنّك قادر

على كلّ صرم متهمين ومنجد

ومثل ذلك قول كعب بن زهير المزني :

وقالت : تعلّم أنّ ما كان بيننا

إليك أداء ، إنّ عهدك صالح

وقوله «إليك أداء» يريد مؤدّى ، فاستعمل اسم المصدر وأراد به اسم المفعول.

ومثل قول كعب أيضا :

وقالت : تعلّم أنّ بعض حموّتي

وبعلي غضاب كلّهم لك كاشح

ويتعدى هذا الفعل إلى مفعوليه بواسطة أن المخففة من الثقيلة أيضا ، كقول الحارث بن وعلة :

* فتعلّمي أن قد كلفت بكم*

٣٧٦

واحترزت من ظن بمعنى اتهم فإنها تتعدى لواحد نحو قولك «عدم لي مال فظننت زيدا» ومنه قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) [التكوير ، ٢٤] أي ما هو بمتّهم على الغيب ، وأما من قرأ بالضاد فمعناه : ما هو ببخيل ، وكذلك علم بمعنى عرف ، نحو : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) [النحل ، ٧٨] ورأى من الرأي ، كقولك : «رأى أبو حنيفة حلّ كذا ، أو حرمته» وحجا بمعنى قصد نحو : «حجوت بيت الله» ومن وجد بمعنى حزن أو حقد ؛ فإنهما لا يتعديان بأنفسهما ، بل تقول : «وجدت على الميت» و «حقدت على المسيء».

ثم اعلم أن لأفعال القلوب ثلاث حالات : الإعمال ، والإلغاء ، والتعليق.

فأما الإعمال فهو نصبها المفعولين ، وهو واجب إذا تقدمت عليهما (١) ولم يأت بعدها معلّق ، نحو : «ظننت زيدا عالما» ، وجائز إذا توسطت بينهما نحو : «زيدا ظننت عالما» أو تأخرت عنهما ، نحو : «زيدا عالما ظننت».

وأما الإلغاء فهو : إبطال عملها إذا توسّطت أو تأخرت ؛ فتقول «زيد ظننت عالم» و «زيد عالم ظننت» والإلغاء مع التأخر أحسن من الإعمال ، والإعمال مع التّوسّط أحسن من الإلغاء ، وقيل : هما سيّان.

وأما التعليق فهو : إبطال عملها في اللفظ دون التقدير ؛ لاعتراض ما له صدر الكلام بينها وبين معموليها ، وهو واحد من أمور عشرة :

أحدها : لام الابتداء نحو «علمت لزيد فاضل» وقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة ، ١٠٢].

__________________

(١) هذا مذهب البصريين ، وزعم علماء الكوفة أنه يجوز الإلغاء مع تقدم العامل وعدم ذكر معلق بعده ، واستدلوا على ذلك بقوله :

أرجو وآمل أن تدنو مودّتها

وما إخال لدينا منك تنويل

والبصريون يجعلون هذا البيت إما من قبيل الإلغاء ؛ لأن الفعل غير واقع في أول الكلام بسبب تقدم حرف النفي عليه ، وزعموا أن من شرط وجوب الإعمال عندهم زيادة على ما ذكر المؤلف ألا يتقدم على الفعل شيء في الكلام ؛ فشروط وجوب الإعمال عندهم ثلاثة ، وإما أن يكون البيت من قبيل التعليق بتقدير لام الابتداء بين الفعل ومعمولاته ، والتقدير : وما إخال لدينا منك تنويل.

٣٧٧

الثاني : لام جواب القسم ، نحو «علمت ليقومنّ زيد» أي علمت ـ والله ـ ليقومنّ زيد ، وقوله :

١٨٥ ـ ولقد علمت لتأتينّ منيّتي

إنّ المنايا لا تطيش سهامها

الثالث : الاستفهام ، سواء كان بالحرف كقولك : «علمت أزيد في الدار أم عمرو» وقوله تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) [الأنبياء ، ١٠٩] أو بالاسم سواء كان الاسم مبتدأ نحو (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) [الكهف ، ١٢] (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً) [طه ، ٧١] أو خبرا ، نحو : «علمت متى السّفر» أو مضافا إليه المبتدأ ، نحو : «علمت أبو من زيد» أو الخبر ، نحو : «علمت صبيحة أيّ يوم سفرك» أو

______________________________________________________

١٨٥ ـ هذا بيت من الكامل من كلام لبيد بن ربيعة العامري ، وهو من شواهد المؤلف في أوضحه (رقم ١٧٨) وفي القطر (رقم ٨٢) وفي مغني اللبيب (رقم ٦٥١) وأنشده الأشموني في باب ظن وأخواتها (رقم ٣٣٦).

الإعراب : «لقد» اللام موطئة للقسم ، قد : حرف تحقيق ، «علمت» فعل وفاعل ، «لتأتين» اللام واقعة في جواب القسم ، تأتي : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب ، «منيتي» منية : فاعل تأتي ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، والجملة من الفعل وفاعله لا محل لها جواب القسم «إن» حرف توكيد ونصب ، «المنايا» اسم إن ، «لا» نافية ، «تطيش» فعل مضارع ، «سهامها» سهام : فاعل تطيش ، وسهام مضاف والضمير العائد إلى المنايا مضاف إليه ، وجملة الفعل المنفي وفاعله في محل رفع خبر إن.

الشّاهد فيه : قوله «علمت لتأتين منيتي» حيث وقع الفعل الذي من شأنه أن ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ، وهو علمت ، قبل لام جواب القسم ، فلما وقع ذلك الموقع علق عن العمل في لفظ الجملة ، ولو لا هذه اللام لنصب هذا الفعل مفعوليه ، فكأن يقول : علمت منيتي آتية ، مثلا ، ولكن وجود اللام منع من وجود هذا النصب في اللفظ ، وهو موجود في التقدير ؛ فهذه الجملة لا محل لها باعتبار كونها جوابا للقسم ، ولها محل نصب باعتبار كونها في مقام مفعولي علمت ، وهكذا حكم الفعل المعلق عن العمل في اللفظ : يكون محل ما بعده نصبا باعتبار كونه واقعا موقع مفعوليه ، وسيأتي مزيد بيان على ذلك في شرح الشاهد الآتي من كلام كثير بن عبد الرحمن (رقم ١٨٧) فانتظره.

٣٧٨

فضلة نحو (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء ، ٢٢٧] ف «أيّ» منصوب على المصدر بما بعده ، وتقديره : ينقلبون أي انقلاب ، وليس منصوبا بما قبله ؛ لأن الاستفهام له الصّدر فلا يعمل فيه ما قبله.

وهذه الأنواع كلها داخلة تحت قولي : «استفهام».

الرابع : «ما» النافية ، نحو «علمت ما زيد قائم» وقوله تعالى : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) [الأنبياء ، ٦٥].

الخامس : «لا» النافية في جواب القسم ، نحو : «علمت والله لا زيد في الدار ولا عمرو».

السادس : «إن» النافية في جواب القسم ، نحو : «علمت والله إن زيد قائم» بمعنى ما زيد قائم.

السابع : «لعلّ» نحو : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ) [الأنبياء ، ١١١] ذكره أبو علي في التذكرة.

الثامن : «لو» الشرطية ، كقول الشاعر :

١٨٦ ـ وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما

أراد ثراء المال كان له وفر

التاسع : «إنّ» التي في خبرها اللام ، نحو «علمت إنّ زيدا لقائم» ذكره جماعة

______________________________________________________

١٨٦ ـ هذا بيت من الطويل من كلام حاتم الطائي الجواد المشهور ، من قصيدة له يعتب فيها على امرأته ماوية ، وكانت تأمره بالإمساك وكف اليد عن العطاء ، وانظر ديوانه المطبوع في أوروبا (ص ٣٩ ـ ٤٠) والبيت من شواهد الأشموني (رقم ٢٣٧).

الإعراب : «قد» حرف تحقيق ، «علم الأقوام» فعل وفاعل ، «لو» حرف تعليق يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط ، «أن» حرف توكيد ونصب ، «حاتما» اسم أن ، «أراد» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حاتم ، وجملة الفعل وفاعله في محل رفع خبر أن ، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع فاعل لفعل محذوف يقع شرط لو ، والتقدير : لو ثبت كون حاتم أراد ـ إلخ ، «ثراء» مفعول به لأراد ، وثراء مضاف و «المال» مضاف إليه ، «كان» فعل ماض ناقص ، «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان ، «وفر» اسم كان ، وجملة كان واسمه وخبره لا محل لها من الإعراب جواب لو.

٣٧٩

من المغاربة ، والظاهر أن المعلّق إنما هو اللام ، لا إنّ ، إلا أن ابن الخباز حكى في بعض كتبه أنه يجوز «علمت إنّ زيدا قائم» بالكسر مع عدم اللام ، وأن ذلك مذهب سيبويه ؛ فعلى هذا المعلّق إنّ.

العاشر : «كم» الخبرية ، نصّ على ذلك بعضهم ، وحمل عليه قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) [يس ، ٣١] وقدر «كم» خبرية منصوبة بأهلكنا ، والجملة سدّت مسدّ مفعولي «يروا» ، و «أنهم» بتقدير بأنهم ، وكأنه قيل : أهلكناهم بالاستئصال ، وهذا الإعراب والمعنى صحيحان ، لكن لا يتعين خبرية «كم» بل يجوز أن تكون استفهامية ، ويؤيده (١) قراءة ابن مسعود من أهلكنا وجوّز الفراء انتصاب «كم» بيروا ، وهو سهو : سواء قدرت خبرية أو استفهامية (٢) ، وقال سيبويه : «أنّ» ومعمولاها بدل من «كم» وهذا مشكل ؛ لأنه إن قدر «كم» معمولة ليروا لزم ما أوردناه على الفراء من إخراج كم عن صدريتها ، وإن قدرها معمولة لأهلكنا لزم تسلّط أهلكنا على أنهم ، ولا يصح أن يقال : أهلكنا عدم الرجوع ، والذي يصحح قوله عندي أن يكون مراده أنها بدل من كم وما بعدها ، فإنّ «يروا» مسلّطة في المعنى على أن وصلتها. فهذه جملة المعلقات.

والجملة المعلّق عنها العامل في موضع نصب بذلك المعلّق ، حتى إنه يجوز لك أن تعطف على محلها بالنصب ، قال كثير :

١٨٧ ـ وما كنت أدري قبل عزّة ما البكى

ولا موجعات القلب حتّى تولّت

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «علم الأقوام ـ إلخ» حيث وقع الفعل الذي من شأنه أن ينصب مفعولين ، وهو علم ، قبل «لو» فعلقته عن العمل في لفظ الجملة ، على نحو ما قررناه في الشاهد السابق ص ٣٠٨ الماضية.

١٨٧ ـ هذا بيت من الطويل من كلام كثير بن عبد الرحمن ، المعروف بكثير عزة ، وهو من

__________________

(١) إنما تؤيد قراءة ابن مسعود كون «كم» استفهامية فيما لو تعينت «من» الواقعة في قراءة ابن مسعود موقع «كم» لأن تكون استفهامية ، لكن ذلك لا يتعين ، بل يجوز أن تكون من موصولة.

(٢) لأن «كم» تستوجب الصدارة ؛ فلا يعمل فيها ما قبلها ، خبرية كانت أو استفهامية.

٣٨٠