شرح شذور الذّهب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

شرح شذور الذّهب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير
الطبعة: ٠
ISBN: 977-277-343-0
الصفحات: ٤٩٥

ثم بينت أن حذف حرف الجر لا يختص بربّ ، بل يجوز في حرف آخر في موضع خاص ، وفي جميع الحروف في موضعين خاصين.

أما الأول ففي لام التعليل ؛ فإنها إذا جرّت كي المصدرية وصلتها جاز لك حذفها قياسا مطردا ، ولهذا تسمع النحويين يجيزون في نحو «جئت كي تكرمني» أن تكون [كي] تعليلية وأن مضمرة بعدها ، وأن تكون كي مصدرية واللام مقدّرة قبلها.

وأما الثاني فإذا كان المجرور أنّ وصلتها أو أن وصلتها ، فالأول كقولك «عجبت أنّك فاضل» أي : من أنك ، وقال الله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي) [البقرة ، ٢٥] (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا) [الجن ، ١٨] أي : بأن لهم جنات ، لأن المساجد لله ، والثاني كقولك «عجبت أن قام زيد» أي : من أن قام ، وقال الله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) [البقرة ، ١٥٨] أي : في أن يطوف بهما (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ) [الممتحنة ، ١] أي : لأن تؤمنوا وقيل في (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء ، ١٧٦] : أن الأصل لئلا تضلوا ؛ فحذفت اللام الجارة ولا النافية ، وقيل : الأصل كراهة أن تضلوا ؛ فحذف المضاف ، وهذا أسهل ، وقال الله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء ، ١٢٧] أي : في أن تنكحوهن ، أو عن أن تنكحوهن ، على خلاف في ذلك بين أهل التفسير.

______________________________________________________

الشاهد قوله :

* لا يشترى كتّانه وجهرمه*

والكتان : معروف ، والجهرم ـ بزنة جعفر ـ البساط

الإعراب : «بل» حرف نائب عن رب ، «بلد» مبتدأ ، مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد الذي هو رب المحذوف ، «ملء» مبتدأ ثان ، وملء مضاف و «الفجاج» مضاف إليه ، «قتمه» قتم : خبر المبتدأ الثاني. ويجوز في هذه الجملة العكس فيكون قتم مبتدأ ومثل خبره مقدما ، وقتم مضاف ، وضمير الغائب مضاف إليه ، وجملة هذا المبتدأ وخبره في محل رفع أو جر صفة لبلد ، «لا» نافية ، «يشترى» فعل مضارع مبني للمجهول «كتانه» كتان : نائب فاعل يشترى ، وكتان مضاف وضمير الغائب مضاف إليه ، وخبر المبتدأ الواقع بعد بل في بيت من أبيات القصيدة يقع بعد البيت الشاهد بكثير «انظر ديوان أراجيزه ص ١٥٠).

٣٤١

ثم قلت : الثّاني المجرور بالإضافة ك «غلام زيد» ويجرّد المضاف من تنوين أو نون تشبهه مطلقا ، ومن التّعريف إلّا فيما مرّ ، وإذا كان المضاف صفة والمضاف إليه معمولا لها سمّيت لفظيّة وغير محضة ، ولم تفد تعريفا ولا تخصيصا ، ك «ضارب زيد» و «معطي الدّينار» و «حسن الوجه» ، وإلّا فمعنويّة ومحضة ، تفيدهما ، إلّا إذا كان المضاف شديد الإبهام كغير ومثل وخدن ، أو موضعه مستحقّا للنّكرة ك «جاء [زيد] وحده» و «كم ناقة وفصيلها لك» و «لا أبا له» فلا يتعرّف. وتقدّر بمعنى «في» نحو : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) و «عثمان شهيد الدّار» وبمعنى «من» في نحو : «خاتم حديد» ويجوز فيه النّصب في الثّاني وإتباعه للأول ، وبمعنى اللّام في الباقي.

وأقول : الثاني من أنواع المجرورات : المجرور بالإضافة.

والإضافة في اللغة : الإسناد ، قال امرؤ القيس :

١٦٤ ـ فلمّا دخلناه أضفنا ظهورنا

إلى كلّ حارىّ جديد مشطّب

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «بل بلد» حيث حذف حرف الجر ، الذي هو رب ، وأبقى عمله بعد بل ، وذلك قليل.

ومثله قول رؤبة بن العجاج أيضا.

* بل مهمه قطعت إثر مهمه*

١٦٤ ـ هذا بيت من الطويل من كلام امرئ القيس بن حجر الكندي من قصيدته التي فاخر بها علقمة الفحل ، وقد سبق ذكر مطلعها من شرح الشاهد ٧٣ وقبل البيت قوله :

فقلنا لفتيان كرام : ألا انزلوا

فعالوا علينا فضل ثوب مطنّب

اللّغة : «عالوا» رفعوا ، «مطنب» مشدود بالحبال ، «أضفنا» أسندنا ، «الحاريّ» المنسوب إلى الحيرة ، وأراد رحالا تصنع بها ، «مشطب» مخطط.

الإعراب : «لما» ظرفية بمعنى حين تتعلق بقوله أضفنا الآتي ، وهي مبنية على السكون في محل نصب ، «دخلناه» فعل وفاعل ومفعول ، والجملة في محل جر بإضافة لما إليها ، «أضفنا» فعل وفاعل ، «ظهورنا» ظهور : مفعول به لأضاف ، وظهور مضاف والضمير مضاف إليه ، «إلى كل» جار ومجرور

٣٤٢

أي : لمّا دخلنا هذا البيت أسندنا ظهورنا إلى كل رحل منسوب إلى الحيرة مخطّط فيه طرائق.

وفي الاصطلاح : إسناد اسم إلى غيره ، على تنزيل الثاني من الأول منزلة تنوينه ، أو ما يقوم مقام تنوينه ، ولهذا وجب تجريد المضاف من التنوين في نحو : «غلام زيد» ومن النون في نحو : «غلامي زيد» و «ضاربي عمرو» ، قال الله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [المسد ، ١] (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) [القمر ، ٢٧] (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [العنكبوت ، ٣١] ، وذلك لأن نون المثنى والمجموع على حدّه قائمة مقام تنوين المفرد.

وإلى هذا أشرت بقولي «ويجرد المضاف من تنوين أو نون تشبهه».

واحترزت بقولي «تشبهه» من نون المفرد وجمع التكسير ، كشيطان ، وشياطين ، تقول : شيطان الإنس شرّ من شياطين الجنّ ؛ فتثبت النون فيهما ، ولا يجوز غير ذلك.

وقولي «مطلقا» أشرت [به] إلى أنها قاعدة عامة لا يستثنى منها شيء ، بخلاف القاعدة التي بعدها.

وكما أن الإضافة تستدعي وجوب حذف التنوين والنون المشبهة له ، كذلك تستدعي وجوب تجريد المضاف من التعريف ، سواء كان التعريف بعلامة لفظية أم بأمر معنوي : فلا تقول : الغلام زيد ، ولا زيد عمرو ، مع بقاء زيد على تعريف العلمية ، بل يجب أن تجرد الغلام من أل ، وأن تعتقد في زيد الشيوع والتنكير ، وحينئذ يجوز لك إضافتهما (١) ، وهذه هي القاعدة التي تقدمت الإشارة إليها آنفا.

والذي يستثنى منها مسألة «الضّارب الرّجل» و «الضّارب رأس الرّجل» و «الضّاربا

______________________________________________________

متعلق بأضاف ، وكل مضاف و «حاري» مضاف إليه ، «جديد ، مشطب» نعتان لكل حاري.

الشّاهد فيه : قوله «أضفنا» فإن معناه أسندنا ؛ فيكون معنى الإضافة ـ التي هي مصدر أضاف ـ الإسناد ، وذلك ظاهر.

__________________

(١) وذلك كما في قول الشاعر ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ١٣٠).

علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

بأبيض من ماء الحديد يمان

٣٤٣

زيد» و «الضّاربو زيد» وقد تقدم شرحهنّ في فصل المحلى بأل (١) ؛ فأغنى ذلك عن إعادته ؛ فلذلك قلت : «إلا فيما استثنى» أي : إلا فيما تقدم لي استثناؤه.

ثم بينت بعد ذلك أن الإضافة قسمين : محضة ، وغير محضة.

وأن غير المحضة عبارة عما اجتمع فيها أمران : أمر في المضاف ، وهو كونه صفة ، وأمر في المضاف إليه ، وهو كونه معمولا لتلك الصفة ، وذلك يقع في ثلاثة أبواب : اسم الفاعل ، ك «ضارب زيد» واسم المفعول ، ك «معطى الدّينار» والصفة المشبهة ، ك «حسن الوجه» وهذه الإضافة لا يستفيد بها المضاف تعريفا ولا تخصيصا ، أما أنه لا يستفيد تعريفا فبالإجماع ، ويدل عليه أنك تصف به النكرة فتقول : «مررت برجل ضارب زيد» وقال الله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة ، ٩٥] (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف ، ٢٤] إن لم تعرب (ممطرنا) خبرا ثانيا ، ولا خبرا لمبتدأ محذوف ، وأما أنه لا يستفيد تخصيصا فهو الصحيح ، وزعم بعض المتأخرين أنه يستفيده ، بناء على أن «ضارب زيد» أخصّ من «ضارب» والجواب أن «ضارب زيد» ليس فرعا عن «ضارب» حتى تكون الإضافة قد أفادته التخصيص ، وإنما هو فرع عن «ضارب زيدا» بالتنوين والنصب ، فالتخصيص حاصل بالمعمول أضفت أم لم تضف.

وإنما سمّيت هذه الإضافة غير محضة لأنها في نية الانفصال ؛ إذ الأصل «ضارب زيدا» كما بيّنا ، وإنما سميت لفظية لأنها أفادت أمرا لفظيّا ، وهو التخفيف ؛ فإن «ضارب زيد» أخفّ من «ضارب زيدا».

وأن الإضافة المحضة عبارة عما انتفى منها الأمران المذكوران أو أحدهما ، مثال ذلك «غلام زيد» فإن الأمرين فيهما منتفيان ، و «ضرب زيد» فإن المضاف إليه وإن كان معمولا للمضاف لكن المضاف غير صفة ، و «ضارب زيد أمس» فإن المضاف وإن كان صفة لكن المضاف إليه ليس معمولا لها ؛ لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى الماضي ؛ فهذه الأمثلة الثلاثة وما أشبهها تسمى الإضافة فيها محضة ـ أي : خالصة من شائبة الانفصال ـ ومعنوية ، لأنها أفادت أمرا معنويّا ، وهو تعريف المضاف

__________________

(١) انظر (١٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب).

٣٤٤

إن كان المضاف إليه معرفة ، نحو : «غلام زيد» وتخصيصه إن كان نكرة نحو «غلام امرأة» اللهم إلا في مسألتين ، فإنه لا يتعرف ، ولكن يتخصص.

إحداهما : أن يكون المضاف شديد الإبهام ، وذلك كغير ومثل وشبه وخدن ـ بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهلة ـ بمعنى صاحب.

والدليل على ذلك أنك تصف بها النكرات ؛ فتقول «مررت برجل غيرك ، وبرجل مثلك ، وبرجل شبهك ، وبرجل خدنك» قال الله تعالى : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر ، ٣٧].

الثانية : أن يكون المضاف في موضع مستحق للنكرة ، كأن يقع حالا أو تمييزا أو اسما للا النافية للجنس ؛ فالحال كقولهم «جاء زيد وحده» والتمييز كقولهم «كم ناقة وفصيلها» فكم : مبتدأ ، وهي استفهامية ، وناقة : منصوب على التمييز ، وفصيلها : عاطف ومعطوف ، والمعطوف على التمييز تمييز ، واسم «لا» كقولك «لا أبا لزيد» و «لا غلامي لعمرو». فإن الصحيح أنه من باب المضاف ، واللام مقحمة ، بدليل سقوطها في قول الشاعر :

١٦٥ ـ أبالموت الّذي لا بدّ أنّي

ملاق ـ لا أباك ـ تخوّفيني

______________________________________________________

١٦٥ ـ هذا بيت من الوافر ، وهو من كلام أبي حية النمري.

الإعراب : «أبالموت» الهمزة للاستفهام ، بالموت : جار ومجرور متعلق بقوله تخوفيني في آخر البيت ، «الذي» اسم موصول نعت للموت ، مبني على السكون في محل جر ، «لا» نافية للجنس «بد» اسم لا ، مبني على الفتح في محل نصب ، «أني» أن : حرف توكيد ونصب ، وياء المتكلم اسمه «ملاق» خبر أن ، وأن مع اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لا ، ولا مع اسمها وخبرها جملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد ضمير منصوب بملاق ، أي : أبالموت الذي لا فرار من كوني ملاقيه ، «لا» نافية للجنس ، «أباك» اسم لا منصوب بالألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الخمسة ، وأبا مضاف والكاف ضمير المخاطبة مضاف إليه ، وخبر لا محذوف ، والجملة لا محل لها معترضة بين المعمول الذي هو الجار والمجرور والعامل الذي هو قوله تخوفيني ، «تخوفيني» فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة تخفيفا ، وياء المخاطبة فاعل ، والنون الموجودة للوقاية ، والياء التي بعد النون مفعول به.

الشّاهد فيه : في هذا البيت شاهدان للنحاة :

٣٤٥

فهذه الأنواع كلها نكرات ، وهي في المعنى بمنزلة قولك : جاء زيد منفردا ، وكم

______________________________________________________

أحدهما يتعلق به غرض المؤلف ههنا ، وهو في قوله «لا أباك» حيث استعمل كلمة «أبا» اسما للا النافية للجنس ، وأضافها إلى ضمير المخاطبة ، فيكون قولهم «لا أبا لك» من باب الإضافة واللام مقحمة بين المضاف والمضاف إليه ، وهذا أحد أقوال كثيرة في هذا التعبير ، وليس من شأننا في هذه العجالة أن نفصل لك الأقوال ، وبحسبنا أن نبين كلام المؤلف ، ولم نعلم أنه قد جاء في العربية مثل بيت الشاهد مما أضيف إليه «أبا» صراحة إلا قول مسكين الدارمي في بعض رواياته :

وقد مات شمّاخ ومات مزرّد

وأيّ كريم لا أباك مخلّد

والشاهد الثاني ـ وليس مما يتعلق به غرض المؤلف في هذا الموضع ـ في قوله : «تخوفيني» حيث حذف نون الرفع ، وأبقى نون الوقاية ، والذي سوغ هذا الحذف هو اجتماع المثلين ، وأصل العبارة «تخوفينني» بنونين إحداهما نون الرفع والثانية نون الوقاية ، وللعرب في مثل هذا ثلاث طرق :

الأولى : أن يثبتوا النونين جميعا بحالهما ؛ فيقولون : أتخوفونني أيها الرجال ، وتقول : أتخوفينني يا هند ، وهذه الطريق هي الأصل ، وعليها غالب استعمالهم ، وعلى ذلك جاء قوله تعالى : (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) [سورة الأحقاف ، الآية : ١٧].

الطريق الثانية : أن يثبتوا النونين جميعا أيضا ، ولكنهم يدغمون إحداهما في الأخرى وقد جاءت هذه اللغة في القرآن الكريم في قوله تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [سورة الزمر ، الآية : ٦٤].

والطريق الثالثة : أن يحذفوا إحدى النونين ، وللعلماء خلاف في المحذوفة منهما ، والصحيح أن المحذوفة منهما هي نون الرفع ، وقد وردت على هذه الطريقة جملة صالحة من الشواهد ، منها هذا البيت الذي استشهد به المؤلف ههنا ، وقد قرئ قوله تعالى : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [الحجر ، ٥٤] ـ بنون واحدة قبل الياء على هذه اللغة.

ومن شواهد هذه الطريقة قول الشاعر ، وهو من شعر الحماسة :

أنا الذي يجدوني في صدورهم

لا أرتقي صدرا منها ولا أرد

الأصل : أنا الذي يجدونني.

وقد حذفت نون الرفع من غير أن يكون معها نون الوقاية في قول الآخر :

أبيت أسري وتبيتي تدلكي

شعرك بالعنبر والمسك الذكي

فإن الأصل : وتبيتين تدلكين شعرك ـ إلخ.

٣٤٦

ناقة وفصيلا لها ، ولا أبا لك.

ثم بينت أن الإضافة المعنوية على ثلاثة أقسام : مقدرة بفي ، ومقدرة بمن ، ومقدرة باللام :

فالمقدرة بفي ضابطها : أن يكون المضاف إليه ظرفا للمضاف ، نحو قول الله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ ، ٣٣] (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة ، ٢٢٦] ونحو قولك «عثمان شهيد الدّار» ، و «الحسين شهيد كربلاء» و «مالك عالم المدينة» وأكثر النحويين لم يثبت مجيء الإضافة بمعنى في.

والمقدرة بمن ضابطها : أن يكون المضاف إليه كلّا للمضاف وصالحا للإخبار به عنه ، نحو قولك «هذا خاتم حديد» ألا ترى أن الحديد كل ، والخاتم جزء منه ، وأنه يجوز أن يقال : الخاتم حديد ، فيخبر بالحديد عن الخاتم؟

وبمعنى اللام فيما عدا ذلك ، نحو : «يد زيد» و «غلام عمرو» و «ثوب بكر».

ثم قلت : الثالث المجرور للمجاورة ، وهو شاذّ ، نحو : «هذا جحر ضبّ خرب». وقوله :

* يا صاح بلّغ ذوي الزّوجات كلّهم*

وليس منه (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة ، ٦] على الأصحّ.

وأقول : الثالث من أنواع المجرورات : ما جرّ لمجاورة المجرور ، وذلك في بابي النعت والتأكيد ، قيل : وباب عطف النّسق.

فأما النعت ففي قولهم : «هذا جحر ضبّ خرب» (١) روى بخفض «خرب» لمجاورته للضبّ ، وإنما كان حقه الرفع ، لأنه صفة للمرفوع ، وهو الجحر ، وعلى الرفع أكثر العرب.

وأما التوكيد ففي نحو قوله :

__________________

(١) قد ورد من ذلك قول امرئ القيس :

كأنّ ثبيرا في عرانين وبله

كبير أناس في بجاد مزمّل

فخفض «مزمل» مع أنه وصف «كبير» المرفوع ، لمجاورته لقوله «بجاد» المخفوض.

٣٤٧

١٦٦ ـ يا صاح بلّغ ذوي الزّوجات كلّهم

أن ليس وصل إذ انحلّت عرى الذّنب

فكلّهم : توكيد لذوي ، لا للزوجات ، وإلا لقال كلهنّ ، وذوي : منصوب على المفعولية ، وكان حق «كلهم» النصب ، ولكنه خفض لمجاورة المخفوض.

وأما المعطوف فكقوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة ، ٦]. في قراءة من جر الأرجل لمجاورته للمخفوض وهو الرؤوس ، وإنما كان حقه النصب ، كما هو في قراء جماعة آخرين ، وهو [منصوب] بالعطف على الوجوه والأيدي ، وهذا قول جماعة من المفسرين والفقهاء.

وخالفهم في ذلك المحققون ، ورأوا أن الخفض على الجوار لا يحسن في المعطوف ؛ لأن حرف العطف حاجز بين الاسمين ومبطل للمجاورة ، نعم لا يمتنع في

______________________________________________________

١٦٦ ـ هذا بيت من البسيط ، ولم أجد أحدا نسب هذا البيت إلى قائل معين.

الإعراب : «يا» حرف نداء «صاح» منادى مرخم ، وأصله صاحب ، وقيل : أصله صاحبي ، «بلغ» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «ذوي» مفعول به لبلغ منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لأنه جمع مذكر سالم ، وذوي مضاف و «الزوجات» مضاف إليه ، «كلهم» كل : توكيد لذوي ، منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة ، وكل مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه ، «أن» مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، والتقدير : أنه ، أي الحال والشأن ، «ليس» فعل ماض ناقص ، «وصل» اسم ليس وخبرها محذوف ، والجملة من ليس واسمها وخبرها في محل رفع خبر أن ، «إذا» ظرفية تضمنت معنى الشرط ، «انحلت» انحل : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، «عرى» فاعل انحلت ، وعرى مضاف ، و «الذنب» مضاف إليه ، وجملة انحلت وفاعله في محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب إذا محذوف يدل عليه سياق الكلام ، وتقدير العبارة : إذا انحلت عرى الذنب فليس وصل موجودا.

الشّاهد فيه : قوله «كلهم» فإن الرواية في هذه الكلمة بجر كل ، مع أنها توكيد لذوي المنصوب على المفعولية ، والتوكيد يتبع المؤكد في إعرابه ، فكان حقه أن ينصب كلّا لذلك ، ولكنه لما وقع مجاورا للزوجات المجرور بالإضافة جره لمناسبة الجوار ، ويسمى ذلك «الجر بمجاورة المجرور» ، أو «الجر للمجاورة» وهو شاذ لا يقاس عليه.

٣٤٨

القياس الخفض على الجوار في عطف البيان ؛ لأنه كالنعت والتوكيد في مجاورة المتبوع ، وينبغي امتناعه في البدل ؛ لأنه في التقدير من جملة أخرى ؛ فهو محجوز تقديرا ، ورأى هؤلاء أن الخفض في الآية إنما هو بالعطف على لفظ الرؤوس ، فقيل : الأرجل مغسولة لا ممسوحة ، فأجابوا على ذلك بوجهين ؛ أحدهما : أن المسح هنا الغسل ، قال أبو علي : حكى لنا من لا يتّهم أن أبا زيد قال : المسح خفيف الغسل ، يقال : مسحت للصلاة ، وخصّت الرجلان من بين سائر المغسولات باسم المسح ليقتصد في صب الماء عليهما ؛ إذ كانتا مظنّة للإسراف ، والثاني : أن المراد هنا المسح على الخفين ، وجعل ذلك مسحا للرجل مجازا ، وإنما حقيقته أنه مسح للخف الذي على الرجل ، والسّنّة بيّنت ذلك.

ويرجح ذلك القول ثلاثة أمور : أحدها : أن الحمل على المجاورة حمل على شاذ ؛ فينبغي صون القرآن عنه ، الثاني أنه إذا حمل على ذلك كان العطف في الحقيقة على الوجوه والأيدي ؛ فيلزم الفصل بين المتعاطفين بجملة أجنبية وهو (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) وإذا حمل على العطف على الرؤوس لم يلزم الفصل بالأجنبي ، والأصل أن لا يفصل بين المتعاطفين بمفرد فضلا عن الجملة ، الثالث : أن العطف على هذا التقدير حمل على المجاور ، وعلى التقدير الأول حمل على غير المجاور ، والحمل على المجاور أولى.

فإن قلت : يدل للتوجيه الأول قراءة النصب.

قلت : لا نسلم أنها عطف على الوجوه والأيدي ، بل على الجار والمجرور ، كما قال :

١٦٧ ـ * يسلكن في نجد وغورا غائرا*

______________________________________________________

١٦٧ ـ هذا بيت من الرجز المشطور ، وهو من كلام العجاج بن رؤبة ، الراجز ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٤٩) ورواه «يذهبن في نجد ...» وبعد هذا قوله :

* فواسقا عن قصدها جوائرا*

اللّغة : «نجد» هو ما ارتفع من الأرض ، «غورا» هو المنخفض منها ، «فواسق» جمع فاسقة ،

٣٤٩

ثم قلت : باب ـ المجزومات الأفعال المضارعة الدّاخل عليها جازم ، وهو ضربان : جازم لفعل ، وهو : لم ، ولمّا ، ولام الأمر ، ولا في النّهي ، وجازم لفعلين ، وهو أدوات الشّرط ، إن ، وإذ ما ، لمجرّد التّعليق ، وهما حرفان ، ومن للعاقل ، وما ومهما لغيره ، ومتى وأيّان للزّمان ، وأين وأنّى وحيثما للمكان ، وأيّ بحسب ما تضاف إليه ، ويسمّى أوّلهما شرطا ، ولا يكون ماضي المعنى ، ولا إنشاء ، ولا جامدا ، ولا مقرونا بتنفيس ، ولا قد ، ولا ناف غير لا ولم ، وثانيهما جوابا وجزاء.

وأقول : لما أنهيت القول في المجرورات شرعت في المجزومات ، وبهذا الباب تتم أنواع المعربات ، وبينت أن المجزومات هي الأفعال المضارعة الداخل عليها أداة من هذه الأدوات الخمسة عشر ، وأن هذه الأدوات ضربان :

(١) ما يجزم فعلا واحدا ، وهو أربعة : لم ، نحو (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الصمد ، ٣ و ٤] ولمّا ، نحو (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) [عبس ، ٢٣] (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) [ص ، ٨] (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) [آل عمران ، ١٤٢] ولا

______________________________________________________

وهي الخارجة عما طلب إليها أن تكون عليه ، «جوائر» مائلات ، وهو جمع جائر أو جائرة.

الإعراب : «يسلكن» فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، ونون الإناث فاعله ، «في نجد» جار ومجرور متعلق بيسلك ، «وغورا» الواو عاطفة ، غورا : معطوف على الجار والمجرور باعتبار محله ؛ لأنه في المعنى مفعول به ؛ فمحله نصب على المفعولية ، «غائرا» صفة لغور ، «فواسقا» حال من فاعل يسلك ، «عن قصدها» الجار والمجرور متعلق بجوائر ، وقصد مضاف والضمير مضاف إليه ، «جوائرا» حال ثانية من نون النسوة.

الشّاهد فيه : قوله «غورا» حيث عطف بالنصب على الجار والمجرور ، وأنت تعرف أن المعطوف يجب أن يشارك المعطوف عليه في إعرابه ؛ فيسهل عليك أن تستدل بنصب المعطوف على أن المعطوف عليه منصوب ألبتة ، فإن لم يكن منصوبا في اللفظ تعين أن يكون منصوبا في المحل ، والسر في ذلك أن الجار والمجرور عند التحقيق هو مفعول به.

ومثل هذا الشاهد في ذلك قول جرير بن عطية يفخر على الفرزدق :

جئني بمثل بني بدر لقومهم

أو مثل أسرة منظور بن سيّار

الرواية بنصب «مثل» المعطوف بأو على محل قوله «بمثل».

٣٥٠

الأمر ، نحو (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق ، ٧] و «لا» في النهي نحو (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة ، ٤٠] وقد يستعاران للدعاء ، كقوله تعالى : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف ، ٧٧] (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) [البقرة ، ٢٨٦].

(٢) وما يجزم فعلين ، وهو الإحدى عشرة الباقية ، وقد قسمتها إلى ستة أقسام :

أحدها : ما وضع للدلالة على مجرد تعليق الجواب على الشرط ، وهو إن وإذ ما ، قال الله تعالى : (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) [الأنفال ، ١٩] وتقول «إذ ما تقم أقم».

وهما حرفان ، أما إن فبالإجماع ، وأما إذ ما فعند سيبويه ، والجمهور ، وذهب المبرد وابن السراج والفارسي إلى أنها اسم.

وفهم من تخصيصي هذين بالحرفية أن ما عداهما من الأدوات أسماء ، وذلك بالإجماع في غير «مهما» وعلى الأصح فيها ، والدليل عليه قوله تعالى : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) [الأعراف ، ١٣٢] فعاد الضمير المجرور عليها ، ولا يعود [الضمير] إلا على اسم.

الثاني : ما وضع للدلالة على من يعقل ، ثم ضمّن معنى الشرط ، وهو من ، نحو (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء ، ١٢٣].

الثالث : ما وضع للدلالة على ما لا يعقل ، ثم ضمّن معنى الشرط ، وهو ما ، ومهما ، نحو قوله تعالى : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) [البقرة ، ١٩٧] ، (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) [الأعراف ، ١٣٢] الآية.

الرابع : ما وضع للدلالة على الزمان ، ثم ضمّن معنى الشّرط ، وهو متى ، وأيّان ، كقول الشاعر :

١٦٨ ـ ولست بحلّال التّلاع مخافة

ولكن متى يسترفد القوم أرفد

وقول الآخر :

______________________________________________________

١٦٨ ـ هذا بيت من الطويل من كلام طرفة بن العبد البكري ، وهو البيت الرابع والأربعون من معلقته المشهورة التي مطلعها قوله :

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

٣٥١

١٦٩ ـ أيّان نؤمنك تأمن غيرنا ، وإذا

لم تدرك الأمن منّا لم تزل حذرا

______________________________________________________

اللّغة : «التلاع» بكسر التاء المثناة ـ جمع تلعة بفتح فسكون ـ وهي : ما ارتفع من الأرض ، «يسترفد القوم» يطلبوا الرفد ـ بكسر فسكون ـ وهي العطية ، «أرفد» أعطي ، وتقول : رفده يرفده ـ من باب ضرب ـ يريد متى يستعينوا بي أعنهم.

الإعراب : «لست» ليس : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه ، «بحلال» الباء حرف جر زائد ، وحلال : خبر ليس ، منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وحلال مضاف و «التلاع» مضاف إليه «مخافة» مفعول لأجله ، «ولكن» الواو عاطفة ، لكن : حرف استدراك ، «متى» اسم شرط جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه ، وهو ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بيسترفد ، «يسترفد» فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمتى ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالسكر للتخلص من التقاء الساكنين ، «القوم» فاعل يسترفد مرفوع بالضمة الظاهرة ، «أرفد» فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بمتى ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لأجل الروي ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا.

الشّاهد فيه : قوله «متى يسترفد القوم أرفد» حيث جزم بمتى فعلين ، أولهما فعل الشرط ، وهو قوله يسترفد ، وثانيهما جواب الشرط وجزاؤه ، وهو قوله أرفد ، وأصل متى ظرف زمان ، ثم تضمنت معنى الشرط.

١٦٩ ـ هذا بيت من البسيط ، وهو من الشواهد التي لم نقف لها على نسبة إلى قائل معين ، وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ٣٢٥).

اللّغة : «نؤمنك» نعطك الأمان ، «حذرا» خائفا وجلا.

الإعراب : «أيان» اسم شرط جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه ، وهو ظرف زمان مبني على الفتح في محل نصب ، والعامل فيه قوله تأمن ، «نؤمنك» نؤمن : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بأيان ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن ، والكاف ضمير المخاطب مفعول به مبني على الفتح في محل نصب ، «تأمن» فعل مضارع جواب الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «غيرنا» غير : مفعول به لتأمن ، وغير مضاف والضمير مضاف إليه ، «وإذا» الواو عاطفة ، إذا : ظرفية تضمنت معنى الشرط ، «لم» نافية جازمة ، «تدرك» فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، «الأمن» مفعول به لتدرك ، «منا» جار ومجرور متعلق بتدرك ، «لم» نافية جازمة ، «تزل» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «حذرا» خبر تزل ، والجملة لا محل لها جواب إذا.

٣٥٢

الخامس : ما وضع للدلالة على المكان ، ثم ضمّن معنى الشرط ، وهو ثلاثة : أين ، وأنّى ، وحيثما ، كقوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء ، ٧٨].

وقول الشاعر :

١٧٠ ـ خليليّ أنّى تأتياني تأتيا

أخا غير ما يرضيكما لا يحاول

وقوله :

١٧١ ـ حيثما تستقم يقدّر لك الله

نجاحا في غابر الأزمان

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «أيان نؤمنك تأمن» حيث جزم بأيان فعلين ، أولهما قوله نؤمن ، وهو فعل الشرط ، وثانيهما قوله تأمن ، وهو جواب الشرط ، وقد ظهر هذا من الإعراب.

١٧٠ ـ هذا بيت من الطويل ، ولم أجد أحدا نسبه إلى قائل معين ، وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ٣٣٩).

الإعراب : «خليلي» منادى بحرف نداء محذوف ، وهو مثنى ، والياء الثانية ضمير المتكلم مضاف إليه ، «أنى» اسم شرط جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه ، وهو ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب بتأتيا الثاني ، «تأتياني» تأتيا : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف النون ، وألف الاثنين فاعل ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به ، «تأتيا» فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بحذف النون وألف الاثنين فاعله ، «أخا» مفعول به لتأتيا منصوب بالفتحة الظاهرة ، «غير» مفعول به ليحاول مقدم عليه ، وغير مضاف ، و «ما» اسم موصول مضاف إليه ، «يرضيكما» يرضي : فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، وضمير المخاطب مفعول به ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله لا محل لها صلة الموصول ، والعائد هو الضمير المستتر في يرضي العائد على ما الموصولة ، «لا» نافية ، «يحاول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أخ ، والجملة في محل نصب صفة لأخ ، وتقدير الكلام : تأتيا أخا لا يحاول غير الأمر الذي يرضيكما.

الشّاهد فيه : قوله «أنى تأتياني تأتيا» حيث جزم بأنى فعلين : أولهما قوله تأتياني وهو فعل الشرط ، وثانيهما قوله تأتيا وهو جواب الشرط وجزاؤه.

ولا يقال : إنه قد اتحد هنا الشرط والجواب فيكون كترتب الشيء على نفسه لأنا نقول : الجواب هنا هو الفعل مع متعلقاته ، فأما الشرط فهو مطلق الإتيان.

١٧١ ـ هذا بيت من الخفيف ، ولم أجد أحدا نسبه إلى قائل معين ، وهو من شواهد ابن عقيل

٣٥٣

السادس : ما هو متردّد بين الأقسام الأربعة ، وهي أيّ ؛ فإنها بحسب ما تضاف إليه ؛ فهي في قولك «أيّهم يقم أقم معه» من باب من ، وفي قولك : «أيّ الدّوابّ تركب أركب» من باب ما ، وفي قولك : «أيّ يوم تصم أصم» من باب متى ، وفي قولك : «أيّ مكان تجلس أجلس» من باب أين.

ثم بيّنت أن الفعل الأول يسمى شرطا ، وذلك لأنه علامة على وجود الفعل الثاني ، والعلامة تسمى شرطا ، قال الله تعالى : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) [محمد ، ١٨] [أي : علاماتها] والأشراط في الآية جمع شرط ـ بفتحتين ـ لا جمع شرط ـ بسكون الراء ـ لأن فعلا لا يجمع على أفعال قياسا إلا في معتل الوسط كأثواب وأبيات.

ثم بينت أن فعل الشرط يشترط فيه ستة أمور :

أحدها : أن لا يكون ماضي المعنى (١) ؛ فلا يجوز : «إن قام زيد أمس أقم معه».

______________________________________________________

(رقم ٣٣٨) والمؤلف في القطر (رقم ٣٨) والأشموني في جوازم المضارع.

اللّغة : «تستقم» تعتدل وتسر في الطريق المستقيم ، «يقدر» يريد يبلغك ويوصلك ، «نجاحا» ظفرا بما تحب ونيلا لما تريد ، «غابر الأزمان» باقيها.

الإعراب : «حيثما» اسم شرط جازم يجزم فعلين ، وهو مبني على الضم في محل نصب لأنه ظرف مكان ، وعامله قوله يقدر ، «تستقم» فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بحيثما ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «يقدر» فعل مضارع جواب الشرط ، مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، «لك» جار ومجرور متعلق بيقدر ، «الله» فاعل يقدر ، «نجاحا» مفعول به ليقدر ، «في غابر» جار ومجرور متعلق إما بيقدر وإما بمحذوف صفة لقوله نجاحا ، وغابر مضاف و «الأزمان» مضاف إليه.

الشّاهد فيه : قوله «حيثما تستقم يقدر» حيث جزم بحيثما فعلين : أولهما قوله تستقم ، وهو فعل الشرط ، وثانيهما قوله يقدر ، وهو جواب الشرط وجزاؤه.

__________________

(١) قد يكون الشرط والجواب مضارعين ، وهو الأصل ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) وقد يكونان ماضيين نحو قوله سبحانه : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) وقد يكون الشرط ماضيا والجواب مضارعا نحو قوله جل شأنه : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) وقد يكون الشرط مضارعا والجواب ماضيا ، وخص الجمهور هذا النوع بالضرورة ، وذهب الفراء وابن مالك إلى جوازه في الاختيار ، وهو الذي نرجحه ، فقد وردت منه جملة صالحة من الشواهد : من ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام «من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له»

٣٥٤

وأما قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة ، ١١٦] فالمعنى إن يتبيّن أني كنت قلته ، كقوله :

١٧٢ ـ * إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة*

______________________________________________________

١٧٢ ـ هذا صدر بيت من الطويل لزائد بن صعصعة الفقعسي ، والبيت بكماله مع بيت سابق عليه هكذا :

رمتني عن قوس العدوّ ، وباعدت

عبيدة ، زاد الله ما بيننا بعدا!

إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة

ولم تجدي من أن تقرّي بها بدّا

الإعراب : «إذا» ظرفية تضمنت معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب ، «ما» زائدة ، «انتسبنا» فعل وفاعل ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، وهذه الجملة هي شرط إذا ، «لم» نافية جازمة ، «تلدني» تلد : فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، والجملة لا محل لها جواب إذا ؛ لأن جواب الشرط غير الجازم لا محل له ، «ولم» الواو عاطفة ، لم : نافية جازمة ، «تجدي» فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون ، وياء المخاطبة فاعل ، «من» حرف جر ، «أن» حرف مصدري ونصب ، «تقري» فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه حذف النون ، وياء المخاطبة فاعل ، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بمن ، والجار والمجرور متعلق بقوله بدا الآتي ، «بها» جار ومجرور متعلق بتقري ، «بدا» مفعول به لتجدي.

الشّاهد فيه : قوله «إذا ما انتسبنا لم تلدني» فإن ظاهره أن جواب الشرط ـ وهو قوله «لم تلدني» ـ ماض في المعنى ، وإن كان فعلا مضارعا في اللفظ ، وذلك أن «لم» إذا دخلت على الفعل المضارع عملت فيه ثلاثة أشياء : أولها أنها تجعله منفيّا ، والثاني أنها تقلب معناه ماضيا بعد أن كان صالحا

__________________

ومن ذلك قول عائشة رضي‌الله‌عنها في مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستخلافه أباها أبا بكر الصديق رضي‌الله‌عنه على الصلاة : «إن أبا بكر رجل أسيف متى يقم مقامك رق» ومن ذلك قول قعنب بن أم صاحب من قصيدة له رواها الشريف ابن الشجري :

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا

منّي ، وما يسمعوا من صالح دفنوا

ومن ذلك قول الشاعر :

إن تصرمونا وصلناكم ، وإن تصلوا

ملأتم أنفس الأعداء إرهابا

ومن ذلك قول أبي زبيد الطائي :

من يكدني بسيّئ كنت منه

كالشّجا بين حلقه والوريد

٣٥٥

فهذا في الجواب نظير الآية الكريمة في الشرط.

الثاني : أن لا يكون طلبا ، فلا يجوز «إن قم» ولا «إن ليقم» أو «إن لا يقم».

الثالث : أن لا يكون جامدا ، فلا يجوز «إن عسى» و «لا إن ليس».

الرابع : أن لا يكون مقرونا بتنفيس ، فلا يجوز «إن سوف يقم».

الخامس : أن لا يكون مقرونا بقد ، فلا يجوز «إن قد قام زيد» ولا «إن قد يقم».

السادس : أن لا يكون مقرونا بحرف نفي ؛ فلا يجوز «إن لمّا يقم» ولا «إن لن يقم» ويستثنى من ذلك لم ولا ؛ فيجوز اقترانه بهما ، نحو : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [المائدة ، ٦٧] ونحو : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال ، ٧٣].

ثم بينت أن الفعل الثاني يسمى جوابا وجزاء ، تشبيها له بجواب السؤال وبجزاء الأعمال ، وذلك لأنه يقع بعد وقوع الأول كما يقع الجواب بعد السؤال ، وكما يقع الجزاء بعد الفعل المجازى عليه.

ثم قلت : وقد يكون واحدا من هذه ، فيقترن بالفاء ، نحو : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ) الآية (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) أو جملة اسميّة فيقترن بها أو بإذا الفجائيّة ، نحو (فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ونحو (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ.)

وأقول : قد يأتي جواب الشرط واحدا من هذه الأمور الستة التي ذكرت أنها لا

______________________________________________________

للحال والاستقبال ، والثالث أنها تجزمه ، وأيضا فإن ولادته قد حصلت منذ أزمان بعيدة ، لكن هذا الظاهر غير مراد ؛ لأن الشاعر يريد أن يقول : إننا إذا تفاخرنا بأنسابنا تبين أنني لم تلدني لئيمة ، والتبيين مستقبل لا ماض ، فجواب الشرط في الآية كذلك ، وغرض المؤلف الاستدلال بهذا البيت على أن الفعل قد يكون ماضي المعنى في ظاهر الأمر ، ولكنه عند التأمل يرى مستقبلا ، أعم من أن يكون هذا الفعل فعل الشرط أو جوابه ، وإذا علمت هذا لم يسغ لك أن تقول : إن الكلام في فعل الشرط فكيف ساغ للمؤلف أن يجيء بشاهد لا يكون موطن الاستدلال فيه فعل الشرط؟ على أن المؤلف نفسه صرح بذلك في قوله «فهذا في الجواب نظير الآية الكريمة في الشرط» فتنبه لهذا والله يعصمك.

٣٥٦

تكون شرطا ؛ فيجب أن يقترن بالفاء.

مثال ماضي المعنى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ* وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [يوسف ، ٢٦ و ٢٧].

ومثال الطّلب قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران ، ٣١] «فمن يؤمن بربّه فلا يخف بخسا ولا رهقا» بالجزم على أن لا ناهية ، وأما من قرأ (فَلا يَخافُ بَخْساً) بالرفع فلا نافية ، ولا النافية تقترن بفعل الشرط كما بينّا ؛ فكان مقتضى الظاهر أن لا تدخل الفاء ، ولكن هذا الفعل مبنيّ على مبتدأ محذوف ، والتقدير : فهو لا يخاف ؛ فالجملة اسمية ، وسيأتي أن الجملة الاسميّة تحتاج إلى الفاء أو إذا (١) ، وكذا يجب هذا التقدير في نحو : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة ، ٩٥] أي فهو ينتقم الله منه ، ولو لا ذلك التقدير لوجب الجزم وترك الفاء.

ومثال الجامد قوله تعالى : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً* فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) [الكهف ، ٣٩ و ٤٠] (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة ، ٢٧١] (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) [النساء ، ٣٨].

ومثال المقرون بالتنفيس قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [التوبة ، ٢٨] (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) [النساء ، ١٧٢].

ومثال المقرون بقد قوله تعالى : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) [يوسف ، ٧٧].

ومثال المقرون بناف غير لا ولم (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [المائدة ، ٦٧] (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) [آل عمران ، ١١٥] (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) [آل عمران ، ١٤٤].

__________________

(١) يشترط لاقتران جملة الجواب بإذا الفجائية أربعة شروط ، الأول : أن يكون الجازم هو إن أو إذا ، دون غيرهما من الجوازم ، الثاني : أن تكون جملة الجواب اسمية موجبة ، لا منفية ، الثالث : ألا تكون طلبية دعائية أو استفهامية ، الرابع : ألا تقترن هذه الجملة بإن المؤكدة ، فإن اختل شرط منها تعينت الفاء.

٣٥٧

وقد يكون الجواب جملة اسمية فيجب اقترانه بأحد أمرين : إما بالفاء أو «إذا» الفجائية ، فالأول كقوله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام ، ١٧] والثاني كقوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم ، ٣٦].

ثم قلت : ويجوز حذف ما علم من شرط بعد «وإلّا» نحو «افعل هذا وإلّا عاقبتك» أو جواب شرطه ماض ، نحو (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) أو جملة شرط وأداته إن تقدّمها طلب ولو باسمية أو باسم فعل أو بما لفظه الخبر نحو (تَعالَوْا أَتْلُ) ونحو «أين بيتك أزرك» و «حسبك الحديث ينم النّاس» وقال :

* مكانك تحمدي أو تستريحي*

وشرط ذلك بعد النّهي كون الجواب محبوبا ، نحو «لا تكفر تدخل الجنّة».

وأقول : مسائل الحذف الواقع في باب الشرط والجزاء ثلاثة : (١)

المسألة الأولى : حذف الجواب ، وشرطه أمران : أحدهما : أن يكون معلوما ، والثاني : أن يكون فعل الشرط ماضيا ، تقول : أنت ظالم إن فعلت ؛ لوجود الأمرين ، ويمتنع «إن تقم» و «إن تقعد» ونحوهما حيث لا دليل ، لانتفاء الأمرين ، ونحو «إن قمت» حيث لا دليل لانتفاء الأمر الأول ، ونحو «أنت ظالم إن تفعل» لانتفاء الأمرين ، قال الله تعالى : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) [الأنعام ، ٣٥] تقديره : فافعل ، والحذف في هذه الآية في غاية من الحسن ، لأنه قد انضم لوجود الشرطين طول الكلام ، وهو مما يحسن معه الحذف.

__________________

(١) لم يتعرض المؤلف لنوع رابع من الحذف ، وهو حذف الشرط والجواب جميعا مع بقاء أداة الشرط ، وقد ورد ذلك والأداة إن في قول الراجز :

قالت بنات العم : يا سلمى وإن

كان فقيرا معدما؟ قالت : وإن

يريد : أترضين به إن لم يكن فقيرا وإن كان فقيرا؟ قالت : وإن كان فقيرا معدما أرضى به.

٣٥٨

المسألة الثانية : حذف فعل الشرط وحده ، وشرطه أيضا أمران : دلالة الدليل عليه ، وكون الشرط واقعا بعد «وإلّا» كقولك : «تب وإلّا عاقبتك» أي : وإلا تتب عاقبتك ، وقول الشاعر :

١٧٣ ـ فطلّقها فلست لها بكفء

وإلّا يعل مفرقك الحسام

أي : وإلا تطلّقها يعل.

وقد لا يكون بعد «وإلّا» فيكون شاذّا ، إلا في نحو «إن خيرا فخير» فقياس كما مر في بابه (١) ، على أن ذلك لم يحذف فيه جملة الشرط بجملتها ، بل بعضها ، وكذلك نحو : («وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة ، ٦] فليستا مما نحن فيه ، وأكثر ما يكون ذلك مع اقتران الأداة بلا النافية ، كما مثلت.

______________________________________________________

١٧٣ ـ هذا بيت من الوافر من كلام الأحوص ، واسمه محمد بن عبد الله الأنصاري ، والأحوص هو صاحب الشاهد (رقم ٥٣) الذي تقدم ذكره مشروحا في باب البناء عند الكلام على بناء المنادى ، والبيت الشاهد الذي معنا من نفس القطعة التي منها ذلك الشاهد المتقدم ، والشاهد الذي معنا من شواهد ابن عقيل أيضا (رقم ٣٤٥) والمؤلف في أوضحه (رقم ٥١٥).

اللّغة : «كفء» ـ بضم الكاف وسكون الفاء ـ هو النظير المكافئ ، «مفرق» بفتح الميم وراؤه مكسورة وقد تفتح ـ هو وسط الرأس ، «الحسام» السيف.

الإعراب : «طلقها» طلق : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وضمير الغائبة مفعول به مبني على السكون في محل نصب ، «فلست» الفاء حرف دال على التعليل ، ليس : فعل ماض ناقص ، وتاء المخاطب اسمه ، مبني على الفتح في محل رفع ، «لها» جار ومجرور متعلق بقوله كفء الآتي ، «بكفء» الباء حرف جر زائد ، كفء : خبر ليس منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، «وإلا» الواو عاطفة ، إلا : كلمة مركبة من حرفين ، الأول : إن ، وهو حرف شرط جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه جزاؤه ، والثاني : لا ، وهو حرف نفي ، وفعل الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والتقدير : وإلا تطلقها «يعل» فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بإن ، وعلامة جزمه حذف الواو والضمة قبلها دليل عليها ، «مفرقك» مفرق : مفعول به ليعل ، وهو مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، «الحسام» فاعل يعل.

__________________

(١) انظر (ص ١٧٤) من هذا الكتاب.

٣٥٩

المسألة الثالثة : حذف أداة الشرط وفعل الشرط.

وشرطه أن يتقدم عليهما طلب بلفظ الشرط ومعناه ، أو بمعناه فقط ؛ فالأول نحو «ائتني أكرمك» تقديره : ائتني فإن تأتني أكرمك ، فأكرمك : مجزوم في جواب شرط محذوف دلّ عليه فعل الطلب المذكور ، هذا هو المذهب الصحيح (١) والثاني نحو قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام ، ١٥١] أي تعالوا فإن تأتوا أتل ، ولا يجوز أن يقدّر فإن تتعالوا ؛ لأن تعال فعل جامد لا مضارع له ولا ماضي حتى توهم بعضهم أنه اسم فعل.

ولا فرق بين كون الطلب بالفعل كما مثلنا ، وكونه باسم الفعل كقول عمرو بن الإطنابة ، وغلط أبو عبيدة فنسبه إلى قطريّ بن الفجاءة :

١٧٤ ـ أبت لي عفّتي وأبى بلائي

وأخذى الحمد بالثّمن الرّبيح

وإمساكي على المكروه نفسي

وضربي هامة البطل المشيح

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «وإلا يعل» حيث حذف فعل الشرط ، لكونه معلوما من سابق الكلام ، ولكون أداة الشرط إن المدغمة في لا النافية ، وليس يجوز حذف الشرط إلا على مثل هذه الصورة ، وهو مع ذلك قليل بالنسبة لحذف الجواب المدلول عليه ، على نحو ما ذكر المؤلف.

١٧٤ ـ هذه الأبيات الأربعة من الوافر ، وهي ـ كما قال المؤلف ـ لعمرو بن الإطنابة والإطنابة : اسم أمه وهو عمرو بن زيد مناة ، وقد أنشد المؤلف عجز ثالث هذه الأبيات في أوضحه (رقم ٥٠٤) وفي القطر (رقم ١١٧) وسينشد عجز ثالثها مرة أخرى في باب اسم الفعل من هذا

__________________

(١) الذي ذكره المؤلف ـ من أن المضارع المجزوم بعد الطلب مجزوم بأداة شرط محذوفة مع فعل شرط موافق للطلب المتقدم في معناه وحده أو في معناه ولفظه جميعا ـ هو مذهب الجمهور من العلماء ، وقد حكم المؤلف عليه بأنه هو المذهب الصحيح ، ومقابله ما ذهب إليه الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه شيخ النحاة وأبو سعيد السيرافي شارح كتاب سيبويه وأبو علي الفارسي الفسوي شيخ ابن جني ، ومذهب هؤلاء جميعا أن الجازم لهذا المضارع هو نفس الطلب المتقدم عليه ، ومع اتفاقهم على هذا المقدار تجدهم يختلفون في تعليل المسألة : فأما الخليل وسيبويه فيعللان ذلك بأن الطلب المتقدم إنما جزم المضارع المتأخر عنه لكون ذلك الطلب قد تضمن معنى حرف الشرط ، ونظير ذلك أسماء الشرط كمتى وحيثما ، فإنها إنما جزمت لأنها تضمنت معنى حرف الشرط الذي هو إن ، وأما السيرافي والفارسي فيعللان ذلك بأن الطلب إنما جزم المضارع المتأخر عنه لكونه قد ناب مناب فعل الشرط كما أن المصدر ينصب المفعول به في نحو قولك «ضربا زيدا» لأنه ناب مناب فعل الأمر ، ووقع موقعه ، هكذا قالوا ، وكلا التعليلين غير مستقيم ، لا جرم كان مذهب الجمهور هو الصحيح.

٣٦٠