شرح شذور الذّهب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

شرح شذور الذّهب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير
الطبعة: ٠
ISBN: 977-277-343-0
الصفحات: ٤٩٥

عندكم بهرجه ، وأنتم خير من علم أن الأمم لا تنهض إلا بأن تصل حديثها النافع بقديمها الصالح.

حضرات السادة .. إن للأمة العربية لتراثا من العلم والمعرفة في جميع ما كان معروفا للعالم من ألوان العلم والمعرفة ، وقد ساير آباؤنا بهذا التراث أحقاب الزمن ، وكان لهم في كل عصر ما يعدّ من ذخائر المواريث ، وقد مضت علينا فترة من الزمن لم نحاول فيها أن نجدد ما درس من رسومهم ، بل لقد كان كثير منا ينال من هؤلاء الآباء ويرميهم بشر ما يرمى به إنسان ، وليس هذا من سمة أهل العلم ، وإنما واجب أهل العلم أن يتقبلوا من كل أحد ما رأوه حقّا ، وأن يبينوا منه ما رأوه خطأ ، فما من أحد من الناس إلا وهو بصدد أن يؤخذ من كلامه ويترك ، وإني لأشعر أن الأكثرية من المتعلمين ـ متعلمي هذا الجيل ـ أخذت في طريق البحث الصحيح ، فعلى القوّامين على التعليم أن ييسروا لهم السبل ، ويمهدوا أمامهم الطريق مخافة أن تزلّ أقدام بعد ثبوتها. وأنتم إن شاء الله فاعلون ...».

وفي حديثه عن التأليف وتحقيق كتب التراث ، والفارق بينهما ، يضع يدك على حقيقة ، نحسب الكثيرين بمنأى عن إدراكها الإدراك الصحيح :

«ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أنبهك إلى حقيقة قد تغفلها أو تتشكك فيها إذا عرضت لك ، أحب أن تعلم أن الجهد الذي يبذله من يحقق كتابا من كتب أسلافنا لا يقل عن الجهد الذي يبذله مؤلف كتاب حديث ، بل أنا أجاهر بأن جهد الأول فوق جهد الثاني ، وفرق بين من يعمد إلى المعارف فيختار منها ما يشاء ، ثم يعبر عما اختار بالأسلوب الذي يرضاه ، وبين آخر لا يسعه إلّا إثبات ما بين يديه بالأسلوب الذي اختاره صاحبه منذ مئات السنين ، وهو بين عبارات شوهها التحريف وغيّر الكثير منها تعاقب أيدي الكتّاب والصفافين ، وأكثرهم ممن لا يتصل بالعلم من قريب أو بعيد» (١).

ثم يطلعك على رؤيته لواحدة من قضايا العصر الساخنة :

__________________

(١) من مقدمة كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» السابق.

٢١

«ونذكر لك عملنا في هذا الكتاب لتدرك مقدار الجهد المضني الذي بذلناه في إخراجه على هذه الصورة التي نتمنى أن تخرج عليها الكتب العربية ، بل كتب الثقافة الإسلامية عامة ؛ لتنقطع ألسنة الأفاكين الذين يتهمون آباءنا بقلة الإنتاج الصحيح ، وإذا اعترف أحدهم لهم ذكر في جانب اعترافه هذا أن الإنتاج محدود لا أثر فيه لشخصية المنتج ، ولا برهان فيه على الاستقلال والحرية الفكرية ، في الوقت الذي يسطو هو على إنتاجهم وعصارة أذهانهم فينتحلها وينسبها لنفسه ، وهو بمأمن من أن يعرف ذلك سواد الناس ودهماؤهم ؛ لأنهم لا يقرؤون هذه الكتب» (١).

وهو يمدك برؤية تحليلية عن واقع الأمة ، وما تعانيه من عجز عن اللحاق بركب التقدم ، وتبوّء المكانة التي تلائم إمكاناتها والأمانة التي حملت إياها في مقال مجمل وإن كان جامعا ؛ فيقول :

«مضى على الشرق الإسلامي حين من الدهر كان سيف الاستعمار مصلتا فوق رقاب أهله : يرهبهم ويخيفهم ، ويستأثر دونهم بخيرات بلادهم ، ويلفتهم عن السعي المثمر ، ويحول بينهم وبين العمل النافع ، ويحملهم على ما يرضاه لهم من الحياة الرتيبة التي لا جدّ فيها ولا دأب. وكانت شياطين الاستعمار وأذنابه الذين يجلبهم من نفايات الأمم وأراذلها يجوسون خلال ديارهم ويخالطونهم ويتوددون إليهم ، وقد يتملقونهم ، وليس في نفوسهم من الود والملق شيء ، ولكن ليخدعوهم عن أنفسهم وليستجلبوا إقبالهم عليهم واطمئنانهم لهم ، فلا يزالون يختلونهم ويغرّرون بهم حتى إذا رأوا أن قد جازت حيلهم أخذوا يزينون لهم التواكل والخضوع ، ثم أخذوا يزهدونهم في تقاليدهم ومقدساتهم ، ثم أخذوا يشككونهم في معتقداتهم ، ويزعمون لهم أن هذه التقاليد والمقدسات والمعتقدات السبب الأول في تخلفهم وضعفهم ، وتحكّم الأجنبي فيهم ، ثم أخذوا يلوحون لهم بحضارة الغرب وتقدمه وقوته ، فإذا استشرفت أنفسهم لشيء من هذه الحضارة جلبوا لهم منها البهرج الزائف وما يكون سببا قريبا للانحلال والتخاذل ، والاستعمار من ورائهم يغريهم ويشجعهم ويحميهم إن جدّ ما

__________________

(١) من مقدمة كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» السابق.

٢٢

يستوجب الحماية ، وكان من أهم ما يعني الاستعمار وشياطين الاستعمار وأذناب الاستعمار أن يقطعوا الصلة التي تربط الشرق بماضيه المشرق المنير ، وأن يحولوا بينه وبين التطلع إلى حضارته التي أضاءت العالم كله يوم كانت قيادة العالم في أيدي أهل الشرق ، ويوم كانت قيادة العالم في أيدي العرب من أهل الشرق خاصة ، ذلك لأنهم يعلمون أن الشرق الإسلامي والعرب منه خاصة ـ إن تلفتوا إلى هذا الماضي المجيد رأوا إشراقه وبهاءه فتاقت أنفسهم إلى العودة إليه ، وقد يعملون على إعادته ، وحينئذ لا يكون لبقاء الاستعمار بينهم مجال ، ويعلمون ـ مع ذلك أنه ما من أمة انقطعت صلة ما بين حاضرها وماضيها ـ وبخاصة إذا كان هذا الماضي مشرقا مجيدا ـ إلا صار أمرها إلى فناء.

وطال على الشرق هذا الليل البهيم حتى نال الاستعمار بعض أمانيه ، بالإرهاب والجبروت حينا ، وبالخديعة والمكر والدسائس حينا آخر ، فإذا وحدة الشرق تتفتت ، وإذا كل قطعة من هذا الفتات دولة ، وإذا بأس هذه الدول بينهم شديد ، وإذا الجفاء والبغيضة يحلان محل الإلاف والوحدة ، وإذا مجدهم التليد وحضارتهم الرفيعة وتاريخ هذه الحضارة وعلومها ورجالها في زوايا النسيان ، وقد أخذهم بريق من حضارة الغرب يفتن أبصارهم ، بريق ليس هو بالنور الساطع الذي يبدد غياهب الظلام ، ولا هو بالنور الذي يعقبه ضوء ينتشر في الأفق فإذا الناس يسيرون فيه آمنين ، ولكنه بريق يشبه بريق السراب الخادع الذي تراه فتحسبه شيئا فإذا جئته لم تجده شيئا ، وخدعهم هذا البريق عن حضارتهم وتاريخها وعلومها ، ولم ينالوا به شيئا ذا بال من حضارة الغرب وعلومها ذات الأثر الفعال في بناء الأمم وتجديدها وبعث الحياة في أوصالها ، وإذا المتعلمون والمثقفون من أبناء هذه البلاد التي كانت مبعث العلم والثقافة أقلية قليلة بقدر ما يحتاج إليه المستعمر في وظائف الدولة التي يزهد رجاله في تقلدها ، وإذا علم هذه الأقلية وثقافتها ضئيلان بقدر ما يجعلها آلات يديرها الاستعمار ويحركها في أهوائه ، تسير إذا أراد أن تسير ، وتقف كلما أراد لها الوقوف.

ولأمر أراده الله ، ولم تكن للاستعمار فيه يد ، بقي معدن هذه البلاد وأهليها سليما نقيّا صالحا للعمل إذا نفض عنه الغبار ، وأزيل ما علق به من الصدأ ، وجلي جلاء يعيد

٢٣

له أصالته ونفاسته ، وبقي ـ مع ذلك ـ من أهل البلاد جماعة لم تلن قناتهم ، ولم تتحطم أعوادهم ، ولم تفتر عزائمهم ، ولم يخدعهم ذلك البريق ، ولكنهم تطامنوا للعاصفة الهوجاء وقبعوا في أماكنهم ـ لا ضعفا ولا استكانة ، ولا رهبة ولا خوفا ، ولا رضا بما عليه الناس من حولهم ـ ليعدوا أنفسهم وليهيئوا الجو الصالح ، وليبصروا قومهم في حذر وترقب ، حتى إذا اكتمل الوعي وجاء وعد الانتفاضة هبّوا ، فإذا الناس يهبّون معهم من كل جانب ، وإذا معدن الشرق الأصيل الكريم يظهر على حقيقته ، وإذا أبناء الشرق جميعا يتقدمون للعمل وينتظرون التوجيه ، وإذا الاستعمار يتخاذل ويستخذي ويتضاءل ، ثم إذا هو يضع عصاه على كتفه ويحاول النجاء.

ويتلفت المصلحون وينظرون فيما يعيدهم أمة قوية حية ناهضة عزيزة مرهوبة الجانب ، فيجدون أن لا مناص لهم من العودة إلى الماضي المجيد ، يصلون به حاضرهم ويبنون عليه مستقبلهم ، الماضي المجيد بوحدته التي تصمد وتتعاون وتتساند وتتكافل ، ويكون معها الجميع كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ، وبحضارته التي بهرت أنظار العالم ولم تبخل على أحد بشيء منها ، ولم تحاول التغرير بأحد ولا استغلاله ولا الاستعلاء عليه ، ولم تدّع لنفسها ما ليس لها ، ولا زيفت التاريخ وغضت من حضارات سبقتها واقتبست هي منها ، لأنها غنية بمفاخرها وأمجادها ، فليست بها حاجة إلى أن تسلب أمجاد غيرها ولا مفاخرهم ، ولأنها حضارة بنيت على مكارم الأخلاق واحترام المثل العليا ، وليس من مكارم الأخلاق ولا من احترام المثل العليا أن تنسب لنفسها ما هو من صنيع غيرها» (١).

ثم يضيف :

«وقد أظهر ناشر هذا الكتاب من البراعة والحذق في اختياره ، في هذه الفترة التي نجتازها اليوم ، ما هو خليق بالتقدير والثناء ، فنحن في حاجة ماسة إلى نظرة فاحصة في تشريعاتنا في الدماء والأموال والأحوال الشخصية ، ونحن في حاجة ماسة إلى أن يطلع أهل الرأي منا على آراء الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة في ذلك كله ، ونحن في

__________________

(١) من مقدمة كتاب «الطرق الحكمية» لابن قيم الجوزية.

٢٤

حاجة ماسة إلى أن نظهرهم على الآفاق الواسعة والآراء الناضجة المؤسسة على سعة الاطلاع ونفاذ البصيرة وبراعة العرض وحسن الترجيح ، وقد تكفل هذا الكتاب ـ على صغر حجمه ـ بالكثير من ذلك» (١).

والحديث عن تحقيق كتب التراث قد يمتد ما شاء الله له أن يمتد دون أن نوفيه حقه من التمام ، وإلى ما يتسع له المقال ، وإنما تبقى نقطة نكتفي بالإشارة إليها ؛ فلن تعدم بعد كل ما أسفلنا لك حاسدا ، أو منتسبا للعلم دونما أهلية ، أو نفرا من العاملين في تحقيق التراث يلقون في أذنك أوهاما وأكاذيب تهدف إلى الانتقاص من قدر الرجل ومن قيمة جهده وعمله ، فمنهم من لا يرى في العمل وجها من صواب ما لم يطابق أعمال المستشرقين ، وما لم يجر على سنن المنهجية التى ادعوها لأنفسهم ، ومع ما في ذلك الاعتقاد من سقطات ظاهرة ، ومع منافاته للعلمية التي ينتحلونها ، فإنا نشدد في لفت انتباهك لئلا نعير مثل أولاء التفاتا ، وقل لهم ـ إن خاطبوك ـ سلاما ، فقد قيل في الإمام الشافعي رحمه‌الله ما قيل ، وقيل عن الإمام أبي حنيفة النعمان فوق ذلك ، بل عدّه العقيلي من الضعفاء ، فأين الذين أسرفوا في القول في هذين الإمامين الجليلين منهما الآن؟ بل أين الذين انتقصوا من قدر الإمام الحافظ السيوطي؟ وأين أولئك الذين كفّروا أتباع الإمامين الجليلين ابن تيمة وابن القيّم؟ ونكتفي بإحالتك لتلك الأمثلة وإن تكاثرت النماذج في القديم والحديث ، ثم بإحالتك إلى القاعدة المعروفة التي وضعها علماء الأصول بردّ شبهات المعاصرين ، وتبقى شهادة التاريخ مصدقة لقول العليم الحكيم : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.)

«ويمثل الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد فلسفة لغوية لها منهجها ودقتها وعمقها ، فهو يرى ضرورة تربية الحسّ اللغوي لينتهي بصاحبه إلى الذوق الأدبي ، ويبدأ بالكلمة لينتهي إلى الأسلوب فالأدب نفسه ، ودور الكلمة في الأدب دور كبير ، وأثرها في بناء العمل الأدبي ضخم وجليل.

__________________

(١) من مقدمة كتاب «الطرق الحكمية» لابن قيم الجوزية.

٢٥

والأستاذ محمد محيي الدين يقف دائما في مجال الريادة ؛ فهو أول من فكر في تأليف كتب دينية مزدانة بالصور للأطفال ، فألف خمسة أجزاء ، اثنين للبنين واثنين للبنات ، وكتابا مشتركا ، وقد ذاعت هذه الكتب آنذاك ، حتى كان المرحوم الدكتور عبد الوهاب عزام يذكر أنه شاهد ترجمات لها بالتركية والفارسية.

وهو أول من عني بكتب التراث وتحقيقها تحقيقا علميّا دقيقا ، مما يتجلى لنا فيما حققه من أمهات كتب التراث في الأدب والنقد والبلاغة واللغة والنحو والصرف ، ولذلك يعد بحق شيخ العلماء المحققين.

وهو أشهر شارح ومفسر لكتب القدماء في مختلف فنون العلم ، وقد سهل بذلك على الجيل المعاصر قراءة هذه المصادر ، والإفادة منها ، والاغتراف من بحرها ، وقد اختارت مؤسسة «بريل» في هولندا نشر شرحه على ابن عقيل بالحروف البارزة ليقرأه المكفوفون. ونحن نشكر لها هذا العمل العلمي والإنساني معا».

من كتب التراث التي شرحها شرحا وافيا ، وذلل صعوباتها للباحثين والدارسين وأضاف إليها الكثير من الدراسات :

ـ شرحه للمقدمة الآجرومية الذي خرج بعنوان «التحفة السّنيّة» وظل إلى اليوم يدرس في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي.

ـ كتاب تنقيح الأزهرية.

ـ شرحه على قطر الندى لابن هشام.

ـ شرحه على شرح شذور الذهب لابن هشام.

ـ شرحه على شرح ابن عقيل في أربعة أجزاء.

ـ شرحه على أوضح المسالك لابن هشام في أربعة أجزاء.

ـ شرحه على المفصل للزمخشري.

ـ شرحه على شرح الأشموني في أربعة أجزاء.

ـ وشرحه على كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين لابن الأنباري في جزأين ويدرسه المستشرق الفرنسي «بلاشير» لطلابه في

٢٦

«السوربون» مؤثرا إياه على الطبعة الأوروبية ، وشرحه على متن التلخيص في البلاغة (١).

ومن أمهات كتب التراث التي حققها تحقيقا علميّا دقيقا ، وعني فيها عناية فائقة بتقويم النص ، وضبط مشكله ، وشرح غريبه ؛ شملت كل الفنون والعلوم : النحو واللغة والأدب والبلاغة والتاريخ والجغرافيا والحديث وأصول الحديث والفقه وأصول الفقه والتوحيد والمنطق :

شرح شافية ابن الحاجب ـ المختار من صحاح اللغة (معجم) بالاشتراك مع عبد اللطيف السبكي ـ أدب الكاتب لابن قتيبة (مشروحا) ـ المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لابن الأثير ـ العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق ـ يتيمة الدهر وعصرة أهل العصر للثعالبي ـ زهر الآداب للحصري ـ نهج البلاغة للشريف الرضي ـ مجمع الأمثال للميداني ـ مغني اللبيب لابن هشام ـ الموازنة بين أبي تمام والبحتري للآمدي ـ معاهد التنصيص على شواهد التلخيص للعباسي ـ جوهر الألفاظ لقدامة بن جعفر ـ شرح ديوان الحماسة للتبريزي ـ شرح القصائد العشر للتبريزي ـ شرح المعلقات السبع للزوزني ـ أبو الطيب المتنبي ما له وما عليه ـ شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني ـ شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة ـ شرح ديوان الشريف الرضي (صدر منه الجزء الأول) ـ شرح ديوان أبي تمام (صدر منه الجزء الأول ووافته المنيّة قبل إتمام باقي الأجزاء) ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري ـ وفيات الأعيان لابن خلكان ـ فوات الوفيات لابن شاكر ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي ـ مروج الذهب للمسعودي ـ المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد للعليمي ـ سيرة النبي لابن هشام ـ وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للسمهودي ـ سنن أبي داود ـ الترغيب والترهيب للمنذري ـ شرح ألفيّة السيوطي في مصطلح الحديث ـ توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار للصنعاني ـ شرحه لكتاب نور الإيضاح (في الفقه الحنفي) المسمى سبيل الفلاح ـ اللباب في شرح الكتاب للميداني ـ الدروس الفقهية على مذهب السادة الشافعية ـ الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع للخطيب الشربيني ـ بدائع

__________________

(١) من قرار جامعة الأزهر السابق.

٢٧

الصنائع للكاساني ـ فتح المبدي بشرح مختصر الزبيدي ـ الموافقات للشاطبي ـ منهاج الوصول في معرفة علم الأصول ـ المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ـ شرح الرحبية ـ الشرح الصغير للميداني ـ الاختيار لتعليل المختار للموصلي ـ كفاية الطالب الرباني ـ رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ـ شرح السراجية ـ المسامرة بشرح المسايرة ـ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء للبستي ـ موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول لابن تيمية ـ الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ـ إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم ـ الحاوي للفتاوى للسيوطي ـ الداء والدواء لابن القيّم ـ مقالات الإسلاميين للأشعري ـ الفرق بين الفرق للبغدادي ـ رسالة التوحيد لمحمد عبده ـ شرح جوهرة التوحيد للقاني ـ شرح السلم للملوي (في علم المنطق) ـ رسالة الآداب في علم آداب البحث والمناظرة.

وله «دراسات أدبية ولغوية وإسلامية ألفها ، وكانت مثلا لرصانة العلماء ، وعمق البحث ، ودقة التأليف ، ومنها :

ـ دراسة كبيرة عن المتنبي ونقد شعره نشرت تباعا في مجلة الأزهر ، وتعدّ من أهم المراجع عن أبي الطيب وشعره.

ـ دروس التصريف ، وهو كتاب مشهور لم يؤلف مثله حقّا ، ويعد مكملا لمنهج القدماء في دراسة الأفعال ، وطبع عدة طبعات ، وكان مرجعا علميّا للأساتذة والطلبة في كليات اللغة ودار العلوم والآداب.

ـ أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية ـ المعاملات الشرعية ـ أصول الفقه ـ الأحوال الشخصية [أثنى عليه أحد كبار العلماء وأفاضلهم ثناء بليغا وعده أفضل ما صنف في هذا الموضوع بين كتب السلف والخلف] ، وهي كتب أربعة مشهورة كانت تدرس في كليات الحقوق وأصول الدين وفي مدرسة الحقوق العليا بالخرطوم وطبعت مرارا» (١).

(فماذا عسى أن يقول المنصف في مجهود مجمع كامل قام به فرد واحد!! فأي

__________________

(١) من قرار جامعة الأزهر السابق.

٢٨

زمن اتّسع؟ وأي نوم سلب؟ وأي راحة قضي عليها؟ حتى وقف الرجل على صرحه العلمي الشامخ ليقول للناس بلسان الحال : هاؤم اقرؤوا كتابيه ، وقد قرأ الناس فوجودوا الخير الهاطل والنفع الجزيل). هكذا عقب الأستاذ الدكتور إبراهيم رجب البيومي بعد سرده لمجموعة من الكتب التي ألفها وأخرجها العلامة الراحل ، وله في ترجمته عن العلامة الراحل محمد محيي الدين عبد الحميد والتي أودعها كتابه القيم «النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين» آراء سديدة وصادقة أوردنا أطرافا منها ، وهو يقول أيضا :

«وللأستاذ مقدمات علمية رائعة ، تدل على أنه باحث جيد ، لو تفرغ للتأليف الخالص لأبدع الكثير ، وأشير إلى مقدمتين رائعتين هما مقدمته لكتاب «مقالات الإسلاميين» للأشعري ، ومقدمته لكتاب «تهذيب السعد» ؛ حيث ألمّ في الأولى بتاريخ دقيق لعلم الكلام منذ بدت أصوله حتى اكتمل وتشعب وتعددت فرقه بعد الأشعري ، في وضوح خالص يدل على صحة الفهم ، وصدق الاستنباط ، كما ألمّ في المقدمة الثانية بتاريخ علم البلاغة في دقة حصيفة ، وقد كتب هذا التاريخ المستوعب قبل أن تظهر الكتب المستقلة بتاريخ هذا الفن فكان ذا سبق جلي ، وله في مقدمة نهج البلاغة استيعاب جيد ، واستشفاف بصير» (١).

وقال عن كتابة السير والتراجم :

«وكنت أتمنى أن يتفرغ الأستاذ محيي الدين لكتابة تراجم عن معاصريه ، إذ كان يعرف من أحوال أساتذته وزملائه وأعيان عصره ما يملأ صحائف ذات أجزاء ، وما جاء في مجلس ذكر لعالم من العلماء إلا أفاض الشيخ مبينا نشأته وبلدته ومناصبه العلمية ، وموادّه الدراسية التي كان يقوم بإلقائها ، وما صادفه في حياته من صعود وهبوط ، وما تركه من بحوث ومقالات ، وما أذاعه في الجمعيات والمساجد من محاضرات ، وكل ذلك تاريخ حافل طواه الأستاذ في صدره ، وأذكر أن مجلة الكتاب حين صدورها عن دار المعارف طلبت منه ترجمة وافية للأستاذ الأكبر الإمام المراغي لتنشر في عددها

__________________

(١) تحت الطبع كتاب «مقدمات في نشأة العلوم العربية والإسلامية» للعلامة الراحل وهو يضم المقدمتين المشار إليهما بالإضافة إلى العديد غيرها.

٢٩

الأول ، فنهض الأستاذ لساعته فكتبها دون احتياج إلى مراجعة ، وكانت أول ما كتب في تاريخ الإمام الراحل ، فليته وجد من محرري المجلات من يحملونه على متابعة هذا النمط من التاريخ ، ليكون أحد شهود العصر بما سجل من وقائع ، وروى من أنباء».

ثم يضيف :

«وفي الأعداد الأخيرة من مجلة مجمع اللغة العربية بمصر صفحات مشرقة بآرائه : محاضرة ومناقشة وتعقيبا وتكريما وتأبينا ، وكلها مواد مثمرة تضاف إلى تراثه الحافل ، كما أن سجلات لجنة الفتوى تجمع من آرائه الثاقبة ، وأحكامه الصائبة ما يهيئ المجال لدراسة جهوده العلمية دراسة مستوعبة ، وما بالقليل عليه أن ينهض باحث جادّ لدراسة حياته الإنسانية وجهوده العلمية فيروي غلّة المتطلعين ويقضي حقّ العلماء العاملين» (١).

__________________

(١) قام أحد الباحثين العرب بإعداد رسالة عن تأثير العلامة الراحل محمد محيى الدين عبد الحميد في الدراسات النحوية لتقديمها لنيل درجة الماجستير من جامعة طرابلس ـ ليبيا ، ولم نطلع على البحث بعد.

٣٠

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ ، الإمام ، العالم ، العلّامة ، العامل ، الجامع لأشتات الفضائل ، وحيد دهره ، وفريد عصره ، صدر المحققين ، وبركة المسلمين ، جمال الدين أبو محمد عبد الله ابن الشيخ جمال الدين يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام ، الأنصاريّ. تغمّده الله برحمته ، وأسكنه فسيح جنته :

أول ما أقول أني أحمد الله العليّ الأكرم الذي علّم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، ثم أتبع ذلك بالصلاة والتسليم على المرسل رحمة للعالمين ، وإماما للمتقين ، وقدوة للعاملين محمد النبيّ الأمّيّ ، والرسول العربيّ ، وعلى آله الهادين وصحبه الرافعين لقواعد الدين.

وبعد ، فهذا كتاب شرحت به مختصري المسمى «بشذور الذهب في معرفة كلام العرب» تمّمت به شواهده ، وجمعت به شوارده ، ومكّنت من اقتناص أوابده رائده ، قصدت فيه إلى إيضاح العبارة ، لا إلى إخفاء الإشارة ، وعمدت فيه إلى لفّ المباني والأقسام ، لا إلى نشر القواعد والأحكام ، والتزمت فيه أنني كلما مررت ببيت من الشواهد ذكرت إعرابه ، وكلما أتيت على لفظ مستغرب أردفته بما يزيل استغرابه ، وكلما أنهيت مسألة ختمتها بآية تتعلق بها من آي التنزيل ، وأتبعتها بما تحتاج إليه من إعراب وتفسير وتأويل ، وقصدي بذلك تدريب الطالب ، وتعريفه السلوك إلى أمثال هذه المطالب.

والله تعالى أسأل أن ينفعني وإياكم بذلك ؛ إنه قريب مجيب ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب.

قلت : الكلمة قول مفرد.

وأقول : في الكلمة ثلاث لغات ، ولها معنيان :

أما لغاتها : فكلمة ، على وزن نبقة ، وهي الفصحى ولغة أهل الحجاز ، وبها جاء

٣١

التّنزيل (١) وجمعه كلم كنبق (٢) ، وكلمة ، على وزن سدرة ، وكلمة على وزن تمرة ، وهما لغتا تميم ، وجمع الأولى كلم كسدر ، والثانية كلم كتمر.

وكذلك كل ما كان على وزن فعل ـ نحو : كبد وكتف ـ ؛ فإنه يجوز فيه اللغات الثلاث ، فإن كان الوسط حرف حلق (٣) جاز فيه لغة رابعة ، وهي إتباع الأول للثاني في الكسر ، نحو : فخذ وشهد (٤).

وأما معنياها فأحدهما اصطلاحيّ وهو ما ذكرت.

والمراد بالقول : اللفظ الدالّ على معنى ، كرجل وفرس ، بخلاف الخط مثلا فإنه وإن دل على معنى لكنه ليس بلفظ ، وبخلاف المهمل ـ نحو : «ديز» مقلوب زيد ـ فإنه وإن كان لفظا لكنه لا يدلّ على معنى فلا يسمّى شيء من ذلك ونحوه قولا.

والمراد بالمفرد : ما لا يدلّ جزؤه على جزء معناه (٥) ، كما مثّلنا من قولنا رجل

__________________

(١) وذلك في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [سورة المؤمنين ، ١٠٠] ، ومنها قوله جل ذكره : (إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ) [سورة آل عمران ، ٤٥].

(٢) قد ورد هذا الجمع في قول الشاعر :

ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها

عقود مدح فما أرضى لكم كلمي

(٣) حروف الحلق ستة : الهمزة ، والهاء ، والعين ، والحاء ، والغين ، والخاء.

(٤) مثل المؤلف بمثالين أولهما اسم وهو فخذ وثانيهما فعل وهو شهد ـ بفتح الحرف الأول في المثالين وكسر الحرف الثاني فيهما ـ فدل تمثيله على أن هذا الحكم يجري في الاسم وفي الفعل على سواء ، ومن أمثلة ذلك : فهم ، ونهم ، وتعب ، وشعث ، ولعب ، ونعم ، وبئس ، ويئس ، ولحز ، وتعس ، وجهش ، ورعش.

(٥) شمل ذلك ثلاثة أنواع : أولها ما لا جزء له أصلا ، وذلك كهمزة الاستفهام ولام الجر وفاء العطف ، وثانيها ما له جزء لكنه لا يدل على شيء أصلا ، وذلك كزيد وإبراهيم ، فإن كل واحد منهما ذو أجزاء هي حروفه التي يتألف منها ، وهذه الأجزاء ـ من ناحية كونها أجزاء ـ لا تدل على شيء أصلا ، وثالثها ما له أجزاء تدل على شيء ولكنه ليس جزء المعنى الذي تدل عليه الجملة ، وذلك نحو «عبد الله» و «تأبط شرّا» و «قاضيخان» أعلاما ؛ فإن كل واحد من هذه الثلاثة ذو جزأين ، وكل جزء منهما يدل على معنى ، ولكن هذا المعنى الذي يدل عليه الجزء ليس جزء المعنى الذي تدل عليه جملة اللفظ ، فهذه الأنواع الثلاثة داخلة في المفرد بالمعنى المذكور هنا.

٣٢

وفرس ، ألا ترى أجزاء كل منهما ـ وهي حروفه الثلاثة ـ إذا انفرد شيء منها لا يدل على شيء مما دلت عليه جملته ، بخلاف قولنا : «غلام زيد» فإنه مركب ، لأن كلّا من جزأيه ـ وهما غلام ، وزيد ـ دالّ على جزء المعنى الذي دلت عليه جملة «غلام زيد» (١).

والمعنى الثاني : لغويّ ، وهو الجمل المفيدة (٢) ، قال الله تعالى (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون / ١٠٠] إشارة إلى قول القائل (رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ.)

و «كلّا» في العربية على ثلاثة أوجه : حرف ردع وزجر (٣) ، وبمعنى حقّا (٤) ، وبمعنى إي :

فالأول كما في هذه الآية ، أي : انته عن هذه المقالة ، فلا سبيل إلى الرجوع.

والثاني نحو : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) [العلق ، ٦] ، أي : حقّا ؛ إذ لم يتقدم على

__________________

(١) معنى هذا الكلام أن قولنا «غلام زيد» معناه : ذات مملوكة لزيد ، وكل جزء من جزأي هذا القول يدل على جزء من جزأي المعنى ، وذلك لأن معنى «غلام» ذات مملوكة ، ومعنى «زيد» المضاف إليه ذات مالكة ، فكان قولنا «غلام زيد» مركبا لذلك. هذا إذا بقي قولنا «غلام زيد» على أصله ، فإذا أخرجته عن أصله بأن سميت رجلا ما من الرجال بغلام زيد ، وصار هذا القول علما كان من قبيل المفرد مثل «عبد الله» العلم ، لأن جزء اللفظ لا يدل على جزء المعنى المراد حينئذ.

(٢) يصح أن يكون هذا اللفظ وهو «كلمة» حين تريد به الجمل المفيدة مجازا مرسلا ، وذلك إذا نظرت إلى أن المعنى الأول للكلمة ـ وهو القول المفرد ـ جزء من المعنى الثاني ـ لها ـ وهو الجمل المفيدة ـ لأنها تتركب من كلمتين فأكثر. ويصح أن يكون لفظ «كلمة» حين تستعمله في الجملة المفيدة ـ استعارة تصريحية ، وذلك إذا لاحظت أنك شبهت الجملة المنضم بعض أجزائها إلى بعض انضماما تاما بالمفرد ، ثم حذفت المشبه واستعملت اللفظ الموضوع للمشبه به في المشبه.

(٣) أي أن «كلا» حرف يدل على الردع ، وهو طلب المتكلم بهذا اللفظ من مخاطبه الانتهاء والكف عن فعل ، والزجر : وهو طلب الكف وترك الفعل بشدة ، فعطفه على الردع عطف تفسير.

(٤) زعم مكي أن كلّا التي تدل على معنى حقا اسم ، كما أن حقا التي بمعناها اسم ، ولا صحة لما ذهب إليه ، لأن كثيرا من الحروف تدل على معنى الاسم أو على معنى الفعل ، ولا تخرج بهذا عن كونها حروفا ، وهذا الكلام يتكرر كثيرا في الاستدلال.

٣٣

ذلك ما يزجر عنه ، كذا قال قوم ، وقد اعترض على ذلك بأن حقّا تفتح «أنّ» بعدها (١) ، وكذلك ألا (٢) التي بمعناها ، فكذا ينبغي في «كلّا» ، والأولى أن تفسّر «كلا» في الآية بمعنى «ألا» التي يستفتح بها الكلام ، وتلك تكسر بعدها «إنّ» ، نحو : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [يونس ، ٦٢] ، والثالث قبل القسم ، نحو : (كَلَّا وَالْقَمَرِ) [سورة المدثر ، الآية : ٣٢] معناه : إي والقمر ، كذا قال النّضر بن شميل ، وتبعه جماعة منهم ابن مالك ، ولها معنى رابع ، تكون بمعنى ألا (٣).

و «إنّ» حرف تأكيد ينصب الاسم بالاتفاق ، ويرفع الخبر خلافا للكوفيين ، والضمير اسمها ، وهو راجع إلى المقالة ، و «كلمة» خبرها ، و «هو قائلها» جملة من مبتدأ وخبر في موضع رفع على أنها صفة لكلمة ، وكذا شأن الجمل الخبرية بعد النكرات ، وأما بعد المعارف (٤) فهي أحوال ، ك «جاء زيد يضحك».

__________________

(١) وذلك كما في قول الشاعر :

أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا

فنيّتنا ونيّتهم فريق

وكما في قول الآخر :

ألا أبلغ بنى خلف رسولا

أحقّا أنّ أخطلكم هجاني؟

(٢) هكذا في أصول الكتاب كافة ، وصوابه «وكذلك أما ـ إلخ» ويدل على خطئه هنا ـ إن صح عنه ما جاء في النسخ التي بين أيدينا ـ ما ذكره بعده.

(٣) اعلم أولا أن النحاة يختلفون في «كلا» أهي بسيطة أم مركبة؟ فذهب أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب إلى أنها مركبة من الكاف الدالة على التشبيه ولا الدالة على النفي ، ثم شددت لامها بعد التركيب لئلا يتوهم أن كل واحد من الحرفين مستعمل في معناه الأصلي ، وذهب غيره من النحاة إلى أنها بسيطة وأنها وضعت من أول الأمر على هذه الصورة ، وهذا هو الصواب. ثم اعلم أن ما ذكره المؤلف من دلالتها على المعاني المتعددة التي ذكرها كلام ملفق من عدة مذاهب للنحاة ، وبيان ذلك أن سيبويه والخليل والمبرد والزجاج وأكثر علماء البصرة يذهبون إلى أن لها معنى واحدا لا تفارقه وهو الردع والزجر ، وذهب الكسائي إلى أنها قد تخرج عن الردع والزجر فتكون بمعنى حقّا ، وذهب أبو حاتم السجستاني إلى أنها قد تخرج عن الردع والزجر فتكون بمعنى ألا الاستفتاحية وذهب النضر بن شميل إلى أنها قد تخرج عن الردع والزجر فتكون بمعنى إي الجوابية التي بمعنى نعم.

(٤) يستثنى من المعارف المحلى بأل ؛ فإن في الجملة بعده تفصيلا ، وذلك بالنظر إلى معنى أل ، فإن كانت أل جنسية فالجملة صفة كما في قول الشاعر (نسبه في الأصمعيات ٧٤ إلى شمر بن عمرو الحنفي) :

ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني

فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني

٣٤

ثم قلت : وهي اسم ، وفعل ، وحرف.

وأقول : الكلمة جنس تحته هذه الأنواع الثلاثة لا غير ، أجمع على ذلك من يعتدّ بقوله (١).

قالوا : ودليل الحصر أن المعاني ثلاثة : ذات ، وحدث ، ورابطة للحدث بالذات ؛ فالذات الاسم ، والحدث الفعل ، والرابطة الحرف ، وأن (٢) الكلمة إن دلّت على معنى في غيرها فهي الحرف ، وإن دلت على معنى في نفسها ، فإن دلّت على زمان محصّل فهي الفعل ، وإلا فهي الاسم.

قال ابن الخبّاز : ولا يختصّ انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب ؛ لأن الدليل الذي دلّ على الانحصار في الثلاثة عقليّ ، والأمور العقليّة لا تختلف باختلاف اللغات ، انتهى.

ولكلّ من هذه الثلاثة معنى في الاصطلاح ، ومعنى في اللغة :

فالاسم في الاصطلاح : ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وفي اللغة سمة الشيء : أي : علامته ، وهو بهذا الاعتبار يشمل الكلمات الثلاث ؛ فإن كلّا منها علامة على معناه.

والفعل في الاصطلاح : ما دلّ على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وفي اللغة نفس الحدث الذي يحدثه الفاعل : من قيام ، أو قعود ، أو نحوهما.

__________________

وإن لم تكن أل جنسية فالجملة حال ، وعلى ذلك يكون مراد المؤلف أن الجمل بعد المعارف المحضة ـ وهي ما لا تشبه النكرة بوجه من الوجوه ـ أحوال ، وبعد النكرات وما أشبهها من المعارف ـ وهو المحلى بأل الجنسية ـ صفات ، فافهم ذلك.

(١) ذهب بعض النحاة ـ وهو جعفر بن صابر ـ إلى أن أقسام الكلمة أربعة : اسم ، وفعل ، وحرف ، وخالفة ؛ فزاد الذي سماه خالفة ، وزعم أنه هو الذى يسميه جمهرة النحاة اسم الفعل ، وذلك نحو هيهات وأف وصه ، ولما لم يكن لكلامه هذا نصيب من الصحة اعتبر المؤلف خلافه غير قائم ؛ فقال «أجمع على ذلك من يعتد بقوله».

(٢) هذا عطف على قوله «أن المعاني ثلاثة» ؛ فيكون المؤلف قد ذكر دليلين لانحصار أنواع الكلمة في الأنواع الثلاثة.

٣٥

والحرف في الاصطلاح : ما دلّ على معنى في غيره ، وفي اللغة : طرف الشيء ، كحرف الجبل ، وفي التنزيل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) [الحج ، ١١] الآية ، أي : على طرف وجانب من الدين ، أي : لا يدخل فيه على ثبات وتمكّن ، فهو إن أصابه خير ـ من صحّة وكثرة مال ونحوهما ـ اطمأنّ به ، وإن أصابته فتنة ـ أي شرّ ، من مرض أو فقر أو نحوهما ـ انقلب على وجهه عنه.

والواو عاطفة ، و «من» جارة معناها التبعيض ، و «النّاس» مجرور بها ، واللام فيه لتعريف الجنس ، و «من» مبتدأ تقدّم خبره في الجار والمجرور ، و «يعبد» فعل مضارع مرفوع لخلوه من الناصب والجازم ، والفاعل مستتر عائد على «من» باعتبار لفظها ، و «الله» نصب بالفعل ، والجملة صلة لمن إن قدّرت من معرفة بمعنى الذي ، وصفة إن قدّرت نكرة بمعنى ناس ، وعلى الأول فلا موضع لها ، وكذا كل جملة وقعت صلة ، وعلى الثاني موضعها رفع ، وكذا كل صفة فإنها تتبع موصوفها ، و «على حرف» جار ومجرور في موضع نصب على الحال : أي : متطرّفا مستوفزا ، «فإن» الفاء عاطفة ، وإن : حرف شرط ، «أصابه» فعل ماض في موضع جزم لأنه فعل الشرط ، والهاء مفعول ، و «خير» فاعل ، و «اطمأنّ» فعل ماض ، والفاعل مستتر ، و «به» جار ومجرور متعلق باطمأنّ ، وقس على هذا بقية الآية.

وفيها قراءة غريبة وهي : «خسر الدّنيا والآخرة» بخفض «الآخرة» وتوجيهها أن «خسر» ليس فعلا مبنيّا على الفتح ، بل هو وصف معرب بمنزلة فهم وفطن ، وهو منصوب على الحال ، ونظيره قراءة الأعرج : «خاسر الدّنيا والآخرة» إلّا أن هذا اسم فاعل فلا يلتبس بالفعل ، وذلك صفة مشبهة على وزن الفعل فيلتبس به.

ثم قلت : فالاسم ما يقبل أل ، أو النّداء ، أو الإسناد إليه.

وأقول : ذكرت للاسم ثلاث علامات يتميز بها عن قسيميه : إحداها : «أل» (١).

__________________

(١) المراد «أل» التي تفيد التعريف ، أي التي. تفيد أن مدخولها معرفة بواسطتها ، فخرج بذلك «أل» الزائدة كالداخلة على التمييز في نحو قول الشاعر ، وهو رشيد بن شهاب اليشكري :

٣٦

هذه العبارة أولى من عبارة من يقول «الألف واللام» (١) لأنه لا يقال في «هل» الهاء واللام ، ولا في «بل» الباء واللام ، وذلك كالرّجل والكتاب والدّار ، وقول أبي الطيب :

١ ـ الخيل واللّيل والبيداء تعرفني

والسّيف والرّمح والقرطاس والقلم

______________________________________________________

١ ـ هذا البيت من كلام أبي الطيب أحمد بن الحسين ، الذي نبزوه بالمتنبي ، وهو أحد شعراء عصر الدولة العباسية ، مدح سيف الدولة الحمداني في حلب ، وكافورا الإخشيدي في مصر ، وعضد الدولة البويهي ، وغيرهم ، ولد بالكوفة في سنة ٣٠٣ ه‍ وتوفي منصرفه من شيراز في سنة ٣٥٥ من الهجرة ، وليس أبو الطيب ممن يحتج بشعره على قواعد اللغة والنحو والصرف ، ولكن المؤلف لم يذكر هذا البيت للاستشهاد به ، وإنما ذكره على سبيل التمثيل ، وفرق بين الأمرين ، فافهم ذلك.

اللّغة : «البيداء» الصحراء ، وسميت بذلك لأن سالكها يبيد فيها : أي يهلك ، وسميت أيضا مفازة من الفوز ـ وهو النجاة ـ تفاؤلا لسالكها بأن ينجو من مخاطرها ، كما سموا الجماعة المسافرة قافلة تفاؤلا لها بالقفول من سفرها : أي الرجوع منه والعودة إلى الأهل والوطن ، وكما سموا اللديغ سليما تفاؤلا له بالبرء والسلامة ، وجمع البيداء بيد ، وجمع المفازة مفاوز ، «القرطاس» ما يكتب فيه من ورق ونحوه.

المعنى : يصف نفسه بالشجاعة وجراءة القلب وبأنه كاتب عظيم.

__________________

رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا

صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

فإن البصريين زعموا أن أل في قوله «النفس» زائدة لا تفيد ما دخلت عليه التعريف ، بسبب اشتراطهم في التمييز أن يكون نكرة ، فأما الكوفيون فلم يشترطوا في التمييز أن يكون نكرة ، وعليه تكون أل في النفس مفيدة للتعريف ، وخرج أيضا أل التي أصلها هل ، فأبدلت الهاء همزة فإن أل هذه تدخل على الفعل فيقال «أل فعلت» بمعنى هل فعلت.

(١) القاعدة المطردة أن الكلمة إن وضعت على حرف هجائي واحد كهمزة الاستفهام وباء الجر وواو العطف ، يطلق عليها اسم ذلك الحرف فيقال : الهمزة ، والباء ، والواو ، وما أشبه ذلك ، وإن كانت الكلمة موضوعة على حرفين فأكثر مثل هل وبل وقد وقط وكيف ـ نطق بالمسمى فيقال : هل ، وبل ، وقد ، ولا ينطق باسم الحروف فيقال : الهاء واللام ، والباء واللام ، والقاف والدال ، وما أشبه ذلك.

٣٧

فهذه الكلمات السبع أسماء لدخول أل عليها.

فإن قلت : فكيف دخلت على الفعل (١) في قول الفرزدق :

______________________________________________________

٢ ـ ما أنت بالحكم التّرضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرّأي والجدل

الإعراب : «الخيل» مبتدأ ، «والليل ، والبيداء» معطوفان عليه ، «تعرفني : تعرف : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى المبتدأ وما عطف عليه ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، والجملة في محل رفع خبر ، «والسيف والرمح والقرطاس والقلم» معطوفات على المبتدأ أيضا ، أو السيف مبتدأ ثان ، وما بعده معطوف عليه ، وخبرهن محذوف ، والتقدير : والسيف والرمح والقرطاس والقلم تعرفني أيضا ، فحذف من الثاني لدلالة الأول عليه ، وعليه تكون جملة المبتدأ الثاني وخبره معطوفة على جملة المبتدأ الأول وخبره ؛ فتكون الواو التي في صدر الشطر الثاني قد عطفت جملة على جملة ، وسائر الواوات عطفت مفردات على مفردات.

التمثيل به : «الخيل ، والليل ، والبيداء ، والسيف ، والرمح ، والقرطاس ، والقلم» فإن هذه الكلمات السبع أسماء ؛ بدليل دخول «أل» على كل واحدة منها.

٢ ـ هذا البيت من كلام الفرزدق ، واسمه همام بن غالب ، تميمي بصري من شعراء عصر الدولة الأموية الفحول ، وممن يحتج بشعره ، وقد أنشد المؤلف هذا البيت في أوضحه (رقم ٣) ، وابن عقيل (رقم ٣٠) ، والأشموني (رقم ٩٧) ، والبيت في هجاء رجل من بني عذرة ، كان قد فضل جريرا على كل من الفرزدق والأخطل التغلبي النصراني في مجلس عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي ، وكان

__________________

(١) اعلم أولا أن «أل» في قول الفرزدق «الترضى حكومته» وفي قول سلامان الطائي «اليتتبع» وفي قول ذي الخرق الطهوي «اليجدع» وقوله «اليتقصع» ليست حرف تعريف كالتي في نحو الدار والغلام والكتاب ، وإنما هي اسم موصول بمعنى الذي ، فالتقدير في بيت الفرزدق «الذي ترضى حكومته» ، وفي بيت سلامان «عن ذحلي الذي يتتبع» ، وفي قول ذي الخرق «الحمار الذي يجدع» و «الذي يتقصع» ، وسننشدك الأبيات المشار إليها مع بيان الاستشهاد ببيت الفرزدق. ثم اعلم أن النحاة يختلفون في مجيء صلة أل الموصولة فعلا مضارعا ، فذهب الكوفيون إلى أنه جائز في سعة الكلام. وقال الأزهري في التهذيب (٢ / ٢٨٥) : إنه لغة من لغات العرب ، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز في سعة الكلام ، وإنما يقع في ضرورة الشعر ، وذهب ابن مالك إلى أنه يقع في الكلام ولكنه قليل. فإذا عرفت هذا علمت أن من ذهب إلى أن «أل» الموصولة لا تدخل في الكلام على الفعل المضارع جعلها هي أيضا علامة على اسمية ما تدخل عليه ، وحكم بشذوذ الأبيات الوارد فيها ذلك ، وعلى هذا جرى المؤلف هنا ، ومن ذهب إلى أن «أل» الموصولة توصل بالفعل المضارع في سعة الكلام ـ وهم : الكوفيون وابن مالك ـ جعل أل التي تفيد التعريف هي وحدها الدالة على كون ما دخلت عليه اسما ، وقد جرى المؤلف في كتابه «أوضح المسالك» على هذا الرأي.

٣٨

قلت : ذلك ضرورة قبيحة ، حتى قال الجرجاني ما معناه : إن استعمال مثل ذلك في النثر خطأ بإجماع ، أي : أنه لا يقاس عليه ، و «أل» في ذلك اسم موصول بمعنى الذي.

الثانية : النداء نحو : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) [الأحزاب / ١] (يا نُوحُ اهْبِطْ) [هود / ٤٨] (يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) [هود / ٨١] (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) [هود / ٥٣] (يا صالِحُ

______________________________________________________

الشعراء الثلاثة حاضرين ، فتغيظ الفرزدق وقال أبياتا منها بيت الشاهد (وانظر آخر ص ٤٠ الآتية).

اللّغة : «الحكم» الذي يحكمه الخصمان ليقضي بينهما ويفصل فيما حدث بينهما من خصومة ، «الأصيل» هو ذو الحسب ، «الجدل» شدة الخصومة ، والقدرة على غلبة الخصم.

المعنى : يقول لمن يهجوه ذامّا له : إنك لست بمن يحكمه الناس ويرضون حكمه ، ولا أنت بذي حسب ترجع إليه ويردعك عن الجور ، ولا أنت بذي فلج في الخصومة.

الإعراب : «ما» نافية ، «أنت» مبتدأ ، «بالحكم» الباء حرف جر زائد ، الحكم : خبر المبتدأ ، مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، «الترضى» أل : اسم موصول نعت للحكم ، «ترضى» فعل مضارع مبني للمجهول ، «حكومته» حكومة : نائب فاعل ترضى ، وحكومة مضاف وضمير الغائب مضاف إليه ، «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد النفي ، «الأصيل» معطوف على الحكم ، «ولا» مثل سابقتها ، «ذي» معطوف على الحكم أيضا ، وذي مضاف ، و «الرأي» مضاف إليه ، «والجدل» معطوف بالواو على الرأي ، ولم نجعل «ما» حجازية وما بعدها اسمها وخبرها مراعاة للغة الشاعر صاحب البيت ؛ لأنه من بني تميم كما قلنا ، وبنو تميم تهمل ما ، وإنما إعمالها لغة أهل الحجاز.

الشّاهد فيه : أتى المؤلف بهذا البيت ههنا ليعترض على قولهم : إن «أل» دليل على اسمية الكلمة ؛ فهي لا تدخل إلا على الأسماء ، وهي هنا قد دخلت على الفعل المضارع المبني للمجهول ، وحاصل الجواب على هذا الاعتراض أن بيت الفرزدق هذا شاذ لا يقاس عليه ، ونحن في تقرير القواعد لا نعني إلا ما كان قياسا مطردا تتكلم به العرب في شعرها ونثرها من غير إنكار ؛ فلا يعترض علينا بما استعمله بعض الشعراء لضرورة الشعر أو في النادر القليل ، وقد عرفت مما قدمناه أن هذا أحد رأيين في المسألة.

ومثل هذا البيت قول سلامان الطائي :

أخفن اطّناني إن سكتن ، وإنّني

لفي شغل عن ذحلي اليتتبّع

ونظيره قول ذي الخرق الطهوي :

٣٩

ائْتِنا) [الأعراف / ٧٧] (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ) [هود / ٨٧] فكلّ من هذه الألفاظ التي دخلت عليها «يا» اسم وهكذا كل منادى.

فإن قلت : فما تصنع في قراءة الكسائي «ألّا يا اسجدوا لله» [النمل / ٢٥] فإنه يقف على (ألا يا) ويبتدئ باسجدوا ، بالأمر ، وقوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) [الأنعام / ٢٧] ، وقوله عليه الصلاة والسّلام : «يا ربّ كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة» ؛ فدخل حرف النداء فيهنّ على ما ليس باسم (١)؟

قلت : اختلف في ذلك ونحوه على مذهبين (٢) :

______________________________________________________

يقول الخنى ، وأبغض العجم ناطقا

إلى ربّنا صوت الحمار اليجدّع

وقول ذي الخرق أيضا :

فيستخرج اليربوع من نافقائه

ومن جحره بالشّيخة اليتقصّع

__________________

(١) مثل الآية الأولى في دخول حرف النداء على فعل الأمر أو الدعاء قول الشاعر :

ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر

ومثل الآية الثانية في دخول حرف النداء على الحرف وهو ليت قول الشاعر :

يا ليتني وأنت يا لميس

في بلدة ليس بها أنيس

ومثل الحديث في دخول حرف النداء على الحرف وهو رب قول الشاعر :

يا ربّ مثلك في النّساء غريرة

بيضاء قد متّعتها بطلاق

ونظير هذه الشواهد قول جرير :

يا حبّذا جبل الرّيّان من جبل

وحبّذا ساكن الرّيّان من كانا

وقول الفرزدق يهجو رجلا من بني عذرة (انظر شرح الشاهد رقم ٢ الماضي).

يا أرغم الله أنفا أنت حامله

يا ذا الخنى ومقال الزّور والخطل

وقول الآخر :

يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصّالحين على سمعان من جار

(٢) والراجح الرأي الأول ـ وهو تقدير المنادى محذوفا ـ في كل ما وقع فيه حرف النداء قبل فعل الأمر أو جملة الدعاء ، بسبب كثرة وقوع النداء قبلهما في فصيح الكلام ، نحو قوله تعالى : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) وقوله سبحانه : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ) وقوله جل شأنه (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا) فإذا وجدنا حرف النداء قد وليه

٤٠