شرح شذور الذّهب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

شرح شذور الذّهب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير
الطبعة: ٠
ISBN: 977-277-343-0
الصفحات: ٤٩٥

وقد تقدم شرح شروطهن مستوفى في باب المرفوعات.

النوع الثالث عشر : اسم «إنّ» وأخواتها ، نحو : «إنّ زيدا فاضل» و «لعلّ عمرا قادم» ، و «ليت بكرا حاضر».

ثم قلت : وإن قرنت بما المزيدة ألغيت وجوبا ، إلّا ليت فجوازا.

وأقول : مثال ذلك (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) [النساء ، ١٧١] (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) [الأنفال ، ٦].

وقول الشاعر :

١٣٧ ـ أعد نظرا يا عبد قيس ؛ لعلّما

أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا

______________________________________________________

معين ، وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ٨٢) والأشموني (رقم ٢٢٦) والمؤلف في أوضحه (رقم ١١١).

اللغة والرواية : يروى عجز هذا البيت على صور مختلفة ؛ إحداها التي رواه بها المؤلف ، والثانية : * إلا على حزبه الملاعين* والثالثة : * إلا على حزبه المناحيس*

المعنى : يصف رجلا بالعجز وضعف التأثير ، فيقول : إنه ليس غالبا لأحد من الناس ولا مؤثرا فيه ، إلا أن يكون ذلك المغلوب والمؤثر عليه من ضعاف العقول.

الإعراب : «إن» نافية تعمل عمل ليس ، «هو» ضمير منفصل اسم إن النافية ، «مستوليا» خبر إن النافية ، «على أحد» جار ومجرور متعلق بمستول ، «إلا» أداة استثناء ، «على أضعف» جار ومجرور في موضع المستثنى من الجار والمجرور السابق ، وأضعف مضاف و «المجانين» مضاف إليه.

الشّاهد فيه : قوله «إن هو مستوليا» حيث أعمل «إن» النافية إعمال ليس ؛ فرفع بها الاسم ، وهو الضمير المنفصل ، ونصب بها الخبر ، وهو قوله «مستوليا». ويؤخذ من هذا الشاهد أن «إن» النافية مثل «ما» في أنها لا تختص بالنكرات كما تختص بها «لا» فإن الاسم في البيت ضمير ، وقد صرح المؤلف رحمه‌الله بذلك فيما مضى (ارجع إلى الكلام على ذلك في أثناء باب المرفوعات السابق من هذا الكتاب).

١٣٧ ـ هذا بيت من الطويل للفرزدق ، من كلمة له يهجو فيها جريرا ويندد بعبد قيس ، وهو رجل من عدي بن جندب بن العنبر ، وكان جرير قد ذكره في قصيدة له يفتخر فيها ، وقد أنشد المؤلف هذا البيت في كتابه القطر (رقم ٥٥) وأنشده الأشموني (رقم ٢٧٢).

الإعراب : «أعد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «نظرا» مفعول به

٣٠١

وجه الاستشهاد بهما أنه لو لا إلغاؤهما لم يصحّ دخولهما على الجملة الفعلية ، ولكان دخولهما على المبتدأ والخبر واجبا ، واحترزت بالمزيدة من الموصولة ، نحو : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) [المؤمنون ، ٥٥] : أي أنّ الذي ؛ بدليل عود الضمير من (به) إليها ، ومن المصدرية ، نحو : «أعجبني أنما قمت» أي : قيامك ، وقوله تعالى : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) [طه ، ٩٦] يحتملهما ، أي : إن الذي صنعوه ، أو إن صنعهم ، وعلى التأويلين جميعا فإنّ عاملة ، واسمها في الوجه الأول «ما» دون صلتها ، وفي الوجه الثاني الاسم المنسبك من «ما» وصلتها. وقال النابغة :

١٣٨ ـ قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد

______________________________________________________

لأعد ، «يا» حرف نداء ، «عبد» منادى منصوب بالفتحة الظاهرة ، وعبد مضاف و «قيس» مضاف إليه ، «لعلما» لعل : حرف ترجّ ونصب ، وما : كافة ، «أضاءت» أضاء : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، «لك» جار ومجرور متعلق بأضاء ، «النار» فاعل أضاء ، «الحمار» مفعول به لأضاء ، «المقيدا» نعت للحمار ، والألف للإطلاق.

الشّاهد فيه : قوله «لعلما أضاءت» حيث اقترنت «ما» الزائدة بلعل ، فكفتها عن العمل في الاسم والخبر ، وأزالت اختصاصها بالجمل الاسمية ، ولذلك دخلت على الجملة الفعلية وهي جملة «أضاءت» مع فاعله ، وذلك واضح بأدنى تأمل إن شاء الله.

١٣٨ ـ هذا بيت من البسيط من قصيدة للنابغة الذبياني يعدها بعض العلماء في المعلقات ، ومطلعها قوله :

يا دار ميّة بالعلياء فالسّند

أقوت وطال عليها سالف الأمد

وهي من قصائده التي يعتذر فيها إلى الملك النعمان بن المنذر عما كان قد ألقي إليه من الوشايات به ، وقد أنشد بيت الشاهد المؤلف في القطر (رقم ٥٦) وفي أوضحه (رقم ١٣٨) وأنشده الأشموني (رقم ٢٧١).

اللّغة : «فقد» قد ههنا : اسم فعل معناه يكفي ، أو هو اسم بمعنى كاف.

الإعراب : «قالت» قال : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى فتاة الحي التي ذكرها في بيت سابق ، «ألا» أداة استفتاح ، «ليتما» ليت : حرف تمنّ ونصب ، وما : زائدة ، «هذا» ها : حرف تنبيه ، وذا : اسم إشارة اسم ليت مبني على السكون في محل نصب ، «الحمام» بدل من اسم الإشارة ، وبدل المنصوب منصوب ، وعلامة

٣٠٢

يروى بنصب «الحمام» ورفعه ، على الإعمال والإهمال ، وذلك خاص بليت ، أما الإهمال فلأنهم أبقوا لها الاختصاص بالجملة الاسميّة فقالوا : «ليتما زيد قائم» ولم يقولوا : ليتما قام زيد ، وأما الإهمال فللحمل على أخواتها.

ثم قلت : ويخفّف ذو النّون منها : فتلغى لكنّ وجوبا ، وكأنّ قليلا ، وإنّ غالبا ، ويغلب معها مهملة اللام ، وكون الفعل التّالي لها ناسخا ، ويجب استتار اسم إنّ ، وكون خبرها جملة ، وكون الفعل بعدها دعائيّا أو جامدا أو مفصولا بتنفيس أو شرط أو قد أو لو ، ويغلب لكأنّ ما وجب لأنّ ، إلا أنّ الفعل بعدها دائما خبريّ مفصول بقد أو لم خاصّة.

واسم «لا» النّافية للجنس ، وإنما يظهر نصبه إن كان مضافا أو شبهه ، نحو : «لا غلام سفر عندنا» و «لا طالعا جبلا حاضر».

وأقول : يجوز في إنّ ولكنّ وكأنّ أن تخفّف ؛ استثقالا للتضعيف فيما كثر استعماله ، وتخفيفها بحذف نونها المحركة ؛ لأنها آخر.

ثم إن كان الحرف المخفف «إنّ» المكسورة جاز الإهمال والإعمال ، والأكثر الإهمال ، نحو : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(١) فيمن خفّف ميم (لما) وأما من

______________________________________________________

نصبه الفتحة الظاهرة «لنا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليت ، هذا كله على رواية نصب الحمام وما عطف عليه ، أما على رواية الرفع فما كافة لليت عن العمل ، واسم الإشارة في محل رفع مبتدأ ، والحمام : بدل منه ، مرفوع بالضمة الظاهرة ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، «إلى حمامتنا» الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من اسم ليت ، وحمامة مضاف وضمير المتكلم المعظم نفسه أو معه غيره مضاف إليه ، «أو» عاطفة بمعنى الواو ، «نصفه» نصف : معطوف على اسم الإشارة ، ويروى مرفوعا ومنصوبا ؛ فهو على التوجيهين اللذين

__________________

(١) سورة الطارق ، الآية : ٤ ، وإعرابها «إن» مخففة من الثقيلة مهملة حرف دال على التوكيد ، مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، «كل» مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة ، وكل مضاف و «نفس» مضاف إليه ، «لما» اللام هي الفارقة بين إن النافية وإن المؤكدة ، حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب ، وما : زائدة ، «عليها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، «حافظ» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو كل.

٣٠٣

شدّدها فإن نافية ، ولما بمعنى إلا ، ومن إعمال المخفف قراءة بعض السبعة : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود ، ١١١].

وإن كان المخفف «أنّ» المفتوحة وجب بقاء عملها ، ووجب حذف اسمها ، ووجب كون خبرها جملة (١) ، ثم إن كانت اسمية فلا إشكال ، نحو : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس ، ١٠] وإن كانت فعلية وجب كونها دعائية ، سواء كان دعاء بخير نحو : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) [النمل ، ٨] أو بشرّ ، نحو : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) [النور ، ٩] فيمن قرأ من السبعة بكسر الضاد وفتح الباء ورفع [اسم] الله ، أو كون الفعل جامدا ، نحو : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم ، ٣٩] (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) [الأعراف ، ١٨٥] أو مفصولا بواحد من أمور :

أحدها : النافي ، ولم يسمع إلا في لن ولم ولا ، نحو : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [البلد ، ٥] (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) [البلد ، ٧] (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [المائدة ، ٧١] فيمن قرأ برفع (تكون).

______________________________________________________

ذكرناهما ، ونصف مضاف وضمير الغائب العائد إلى الحمام مضاف إليه ، «فقد» الفاء فاء الفصيحة ، وقد : خبر لمبتدأ محذوف ، وتقدير الكلام : إن حصل ذلك فهو كاف لنا.

الشّاهد فيه : قوله «ليتما هذا الحمام» حيث يروى بنصب الحمام ورفعه : أما النصب فعلى أن ليت عاملة والحمام بدل من اسمها الذي هو اسم الإشارة ، وأما الرفع فعلى أن ليت مهملة واسم الإشارة مبتدأ والحمام بدل منه ، على نحو ما قررناه في الإعراب ، فيدل مجموع الروايتين على أن ليت إذا اقترنت بما الزائدة لم يجب إهمالها ولم يجب إعمالها ، بل يجوز فيها وجهان : الإعمال ، والإهمال ، بخلاف سائر أخواتها حيث لا يجوز في واحدة منهن مع اقترانها بما الزائدة إلا الإهمال ، وهذا أمر في غاية الوضوح.

__________________

(١) قد ورد في الشعر اسم إن المخففة مذكورا وخبرها مفردا أو جملة ، وذلك في قول الشاعر :

لقد علم الضّيف والمرملون

إذا اغبرّ أفق وهبّت شمالا

بأنك ربيع وغيث مريع

وأنك هناك تكون الثّمالا

ففي «بأنك ربيع» وقع اسمها ضميرا مذكورا وخبرها مفردا ، وفي «وأنك هناك تكون الثمالا» وقع اسمها ضميرا مذكورا وخبرها جملة ، وهذا مما لا يصح القياس عليه.

٣٠٤

والثاني : الشرط ، نحو : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها) [النساء ، ١٤٠] الآية.

والثالث : قد ، نحو : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا)(١).

والرابع : لو ، نحو : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) [الأعراف ، ١٠٠].

والخامس : حرف التنفيس ، وهو السين ، نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل ، ٢٠] وسوف ، كقوله :

١٣٩ ـ واعلم فعلم المرء ينفعه

أن سوف يأتي كلّ ما قدرا

______________________________________________________

١٣٩ ـ هذا بيت من الكامل ، وقد أنشد أبو علي هذا البيت ، ولم يعزه إلى قائل معين ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٢٨٢) وابن عقيل (رقم ١٠٦).

الإعراب : «اعلم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «فعلم» الفاء حرف دال على التعليل ، علم : مبتدأ ، وعلم مضاف و «المرء» مضاف إليه ، «ينفعه» ينفع : فعل مضارع ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى علم هو فاعله ، وضمير الغائب العائد إلى المرء مفعول به ، والجملة في محل رفع خبر ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها معترضة بين اعلم ومفعوليه ، «أن» مخففة من الثقيلة ، وهي مؤكدة عاملة للنصب والرفع ، واسمها ضمير محذوف ، والتقدير : أنه ، أي : الحال والشأن ، «سوف» حرف دال على التسويف يراد منه تأكيد نسبة الفعل إلى فاعله ، «يأتي» فعل مضارع ، «كل» فاعل يأتي مرفوع بالضمة الظاهرة ، وكل مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه ، مبني على السكون في محل جر ، «قدرا» قدر : فعل ماض مبني للمجهول ، والألف للإطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، وجملة الفعل الذي هو قدر ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول ، وجملة يأتي مع فاعله في محل رفع خبر أن ، وجملة أن مع معموليها سدت مسد مفعولي اعلم.

الشّاهد فيه : قوله «واعلم أن سوف يأتي ـ إلخ» حيث استعمل فيه أن المؤكدة المخففة من الثقيلة ، وأعملها في اسم هو ضمير الشأن محذوفا وخبر هو جملة «يأتي» مع فاعله ، وفصل بين أن وجملة خبرها بحرف التسويف الذي هو سوف.

ومثل هذا البيت قول حرى بن ضمرة النهشلي :

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١١٣. ومن الفصل بقد كالآية قول الكعبر الضبي (الكامل للمبرد ١ / ٤٩).

أخبر من لاقيت أن قد وفيتم

ولو شئت قال المخبرون : أساؤوا

٣٠٥

وإن كان الحرف «كأن» فيغلب لها ما وجب لأن ، لكن يجوز ثبوت اسمها وإفراد خبرها ، وقد روى قوله :

١٤٠ ـ ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم

بنصب الظبية على أنه اسم كأن ؛ والجملة بعدها صفة لها ، والخبر محذوف ، والتقدير : كأن ظبية عاطية هذه المرأة ، على التشبيه المعكوس ، وهو أبلغ ، وبرفع الظبية على أنها الخبر ، والجملة بعدها صفة ، والاسم محذوف ، والتقدير : كأنها ظبية ، وبجر الظبية على زيادة «أن» بين الكاف ومجرورها ، والتقدير : كظبية.

______________________________________________________

ولقد علمت فلا تظنّي غيره

أن سوف يظلمني سبيل صحابي

١٤٠ ـ هذا بيت من الطويل من كلام باغت بن صريم ـ بغين معجمة وتاء مثناة ـ ونسبه جماعة لكعب بن أرقم بن علباء اليشكري ، والبيت من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٢٨١) والأشموني (٢٨٧) والمؤلف في أوضحه (رقم ١٥١) وفي القطر (رقم ٥٩) والمبرد في الكامل (ج ١ ص ٥٠)

اللّغة : «توافينا» تجيئنا ، «بوجه مقسم» أراد بوجه جميل حسن ، مأخوذ من القسام ـ بفتح كل من القاف والسين ـ وهو الجمال ، «تعطو» تمد عنقها ، «وارق السلم» شجر السلم المورق ، فإضافة وارق إلى السلم من إضافة الصفة إلى الموصوف.

الإعراب : «يوما» منصوب على الظرفية بتوافي التالي ، «توافينا» توافي : فعل مضارع ، مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، ونا : مفعول به ، «بوجه» جار ومجرور متعلق بتوافي «مقسم» نعت لوجه ، «كأن» حرف تشبيه ونصب ، «ظبية» اسم كأن منصوب بالفتحة الظاهرة ، «تعطو» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ظبية ، والجملة في محل نصب صفة لظبية وخبر كأن محذوف ، ولك في تقديره طريقان ذكرهما المؤلف ، «إلى وارق» جار ومجرور متعلق بتعطو ، ووارق مضاف و «السلم» مضاف إليه ، وسكنه لأجل الوقف ، وهذا كله على رواية من روى البيت بنصب ظبية ، وفيه رواية بالرفع وأخرى بالجر ، وذكر المؤلف إعرابهما ، وسنشير إليهما في بيان الاستشهاد بالبيت.

الشّاهد فيه : قوله «كأن ظبية تعطو ـ إلخ» حيث روي على ثلاثة أوجه اثنان منها يستدل بهما في هذا الباب ؛ الوجه الأول : نصب ظبية على أنه اسم كأن والخبر محذوف ، الوجه الثاني : رفع ظبية على أنه خبر كأن واسمها محذوف ، والتقدير : كأنها ظبية ، فدلت الروايتان معا على أنه إذا خفف كأن جاز ذكر اسمه وجاز حذفه ، إلا أن الحذف أكثر من الذكر ، الوجه الثالث : جر ظبية بالكاف على جعل أن زائدة بين الجار والمجرور.

٣٠٦

وإذا حذف اسمها وكان خبرها جملة اسمية لم تحتج لفاصل ، نحو قوله :

١٤١ ـ ووجه مشرق اللّون

كأن ثدياه حقّان

أو فعلية فصلت بقد ، نحو :

١٤٢ ـ لا يهولنّك اصطلاء لظى الحر

ب فمحذورها كأن قد ألمّا

______________________________________________________

١٤١ ـ هذا بيت من الهزج ، ولم أقف لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٢٨١) وأنشده المؤلف في أوضحه (رقم ١٥٢) وفي القطر (رقم ٦٠) وأنشده الأشموني (رقم ٢٨٦) وابن عقيل (رقم ١٠٩).

اللّغة والرّواية : «ووجه» يروى في مكانه «وصدر» وهي أحسن مما ذكره المؤلف ؛ لأن رواية ووجه تحتاج إلى تقدير محذوف عند قوله «كأن ثدياه» أي كأن ثديا صاحبه «حقّان» تثنية حقّ ، وهو قطعة من خشب أو عاج تنحت أو تسوى ، شبه بهما الثديين في نهودهما واكتنازهما.

الإعراب : «ووجه» يروى بالرفع على أن الواو للعطف ، ووجه معطوف على مذكور في بيت سابق ، وبالجر على أن الواو واو ربّ ، ووجه : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، «مشرق» صفة لوجه ، ومشرق مضاف ، و «اللون» مضاف إليه ، «كأن» حرف تشبيه ونصب ، مخفف من المثقل ، واسمه ضمير شأن محذوف ، أي : كأنه ، «ثدياه» ثديا : مبتدأ ، وثديا مضاف والضمير العائد إلى الوجه ـ بتقدير مضاف على ما أسلفنا ـ مضاف إليه مبني على الضم في محل جر ، «حقّان» خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر كأن.

الشّاهد فيه : قوله «كأن ثدياه حقّان» حيث خفف كأن ، وحذف اسمه ، وجاء بخبره جملة اسمية من المبتدأ وخبره ، وهي قوله «ثدياه حقّان» على ما فصلناه في الإعراب ، ولما كانت جملة الخبر اسمية لم يحتج إلى فاصل يفصلها من كأن ، فافهم ذلك.

١٤٢ ـ هذا بيت من الخفيف ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٢٨٨) وأوضح المسالك (رقم ١٥٣).

اللّغة : «لا يهولنك» لا يفزعنك ولا يزعجك ، «اصطلاء» مصدر «اصطلى بالنار» أي استدفأ بها أو احترق بها ، «لظى الحرب» نارها «ألما» من الإلمام ، وهو النزول : أي نزل بك.

الإعراب : «لا» ناهية ، «يهولنك» يهول : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم بلا الناهية ، والكاف ضمير المخاطب مفعول به مبني على الفتح في محل نصب ، «اصطلاء» فاعل يهول ، وهو مضاف و «لظى» مضاف إليه ، ولظى مضاف و «الحرب» مضاف

٣٠٧

أو لم ، نحو : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس ، ٢٤].

وإن كان الحرف «لكن» وجب إلغاؤها ، نحو : «ولكن الله قتلهم» [الأنفال ، ١٧] فيمن قرأ بتخفيف النون ، وعن يونس والأخفش إجازة إعمالها ، وليس بمسموع ، ولا يقتضيه القياس ؛ لزوال اختصاصها بالجمل الاسمية ، نحو : (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة ، ٥٧].

النوع الرابع عشر : اسم «لا» النافية للجنس ، وهو ضربان : معرب ، ومبني.

فالمعرب ما كان مضافا نحو : «لا غلام سفر عندنا» أو شبيها بالمضاف ، وهو : ما اتّصل به شيء من تمامه : إما مرفوع به نحو : «لا حسنا وجهه مذموم» أو منصوب به نحو : «لا مفيضا خيره مكروه» و «لا طالعا جبلا حاضر» أو مخفوض بخافض متعلق به نحو : «لا خيرا من زيد عندنا».

والمبنيّ ما عدا ذلك ، وحكمه أن يبنى على ما ينصب به لو كان معربا ، وقد تقدم ذلك مشروحا في باب البناء (١).

______________________________________________________

إليه ، «فمحذورها» الفاء حرف دال على السببية ، محذور : مبتدأ ، وهو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى الحرب مضاف إليه ، «كأن» حرف تشبيه ونصب ، مخفف من المثقل ، واسمه ضمير شأن محذوف ، «قد» حرف تحقيق ، «ألمّا» ألمّ : فعل ماض ، والألف حرف دال على الإطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى محذور ، والجملة من الفعل وفاعله في محل رفع خبر كأن ، وجملة كأن واسمه وخبره في محل رفع خبر المبتدأ.

الشّاهد فيه : قوله «كأن قد ألمّا» حيث استعمل فيه كأن المخفف من الثقيل ، وأعمله في اسم هو ضمير الشأن ، وفي خبر هو جملة «ألمّا» مع فاعله ؛ ولما كانت هذه الجملة الواقعة خبرا لكأن جملة فعلية غير مراد بها النفي فصل بينها وبين كأن بقد.

ومثل هذا البيت قول النابغة الذبياني :

أفد التّرحّل غير أنّ ركابنا

لما تزل برحالنا ، وكأن قد

إلا أنه حذف الفعل الذي هو مدخول قد لدلالة ما قبله عليه. وأصل الكلام : وكأن قد زالت.

__________________

(١) ارجع إلى ذلك في ص ١١٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

٣٠٨

ثم قلت : والمضارع بعد ناصب ، وهو «لن» أو «كي» المصدريّة مطلقا و «إذن» إن صدّرت وكان الفعل مستقبلا متّصلا أو منفصلا بالقسم أو بلا ، أو بعد «أن» المصدريّة نحو : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) إن لم تسبق بعلم ، نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) فإن سبقت بظن فوجهان نحو : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ.)

وأقول : هذا النوع المكمل للمنصوبات الخمسة عشر ، وهو الفعل المضارع التالي ناصبا ، والنواصب أربعة : لن ، وكي ، وإذن ، وأن.

فأما «لن» فإنها حرف بالإجماع ، وهي بسيطة خلافا للخليل في زعمه أنها مركبة من «لا» النافية و «أن» الناصبة ، وليست نونها مبدلة من ألف خلافا للفراء في زعمه أن أصلها «لا» (١) وهي دالة على نفي المستقبل ، وعاملة النصب دائما ، بخلاف غيرها من الثلاثة ؛ فلهذا قدمتها عليها في الذكر ؛ قال الله عزوجل : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) [طه ، ٩١] (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) [يوسف ، ٨٠] (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [البلد ، ٥] (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة ، ٣] و «أن» في هاتين الآيتين مخففة من الثقيلة ، وأصلها أنّه ، وليست الناصبة ؛ لأن الناصب لا يدخل على الناصب.

وأما «كي» فشرطها أن تكون مصدرية لا تعليلية.

ويتعين ذلك في نحو قوله تعالى : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ)

__________________

(١) رد العلماء مذهب الفراء بوجهين : أحدهما أن «لن» حرف عامل ؛ فإنه ينصب المضارع ويختص به ، و «لا» حرف مهمل ولا يعمل شيئا ، ويدخل على الاسم والفعل ؛ فلو كانت «لن» أصلها «لا» لبقي لها ما كانت عليه من الإهمال وعدم الاختصاص ؛ لأن إبدال حرف من حروف الكلمة بغيره لا يقلب وضعها ولا يغير حالها ؛ فلما وجدنا هذا الفرق بينهما علمنا أنهما أصلان مختلفان ، وليس أحدهما أصلا لصاحبه ، واشتراكهما في المعنى العام ـ وهو النفي ـ لا يفيد شيئا ؛ فإن حروف النفي كثيرة وليس أحدها فرعا عن الآخر ، الوجه الثاني : أن دعوى الفراء تتضمن قلب أوضاع العربية ومخالفة أصولها المتلئبة ؛ وذلك لأنه يدعى أن ألف «لا» قد انقلبت نونا فصارت الكلمة «لن» والمعهود في العربية هو انقلاب النون ألفا ، بعكس ما ذهب إليه الفراء ، ألا ترى أن التنوين في النصب في نحو «رأيت زيدا» تقلب عند الوقف ألفا ، ونون التوكيد الخفيفة في نحو قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) [العلق ، ١٥] ـ تنقلب كذلك ألفا عند الوقف ، وليس لنا في العربية ألف تنقلب نونا في سوى هذه الكلمة على دعوى الفراء حتى نحمل هذه الكلمة عليها أو نستأنس لهذا المذهب بها.

٣٠٩

[الأحزاب ، ٣٧] فاللام جارة دالة على التعليل ، وكي مصدرية بمنزلة أن ، لا تعليلية ؛ لأن الجارّ لا يدخل على الجارّ.

ويمتنع أن تكون مصدرية في نحو : «جئتك كي أن تكرمني» ؛ إذ لا يدخل الحرف المصدريّ على مثله ، ومثل هذا الاستعمال إنما يجوز للشاعر ، كقوله :

١٤٣ ـ فقالت : أكلّ النّاس أصبحت مانحا

لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا؟

ولا يجوز في النثر ، خلافا للكوفيين.

وتقول : «جئت كي تكرمني» فتحتمل «كي» أن تكون تعليلية جارّة والفعل بعدها منصوبا بأن محذوفة ، وأن تكون مصدرية ناصبة وقبلها لام جرّ مقدرة (١).

______________________________________________________

١٤٣ ـ هذا بيت من الطويل من كلام جميل بن معمر العذري ، وقد استشهد به المؤلف في أوضحه (رقم ٤٩١) والأشموني (رقم ٥٢١).

الإعراب : «فقالت» الفاء حرف عطف ، وقال : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، «أكل» الهمزة للاستفهام ، كل : مفعول أول لقوله مانحا الآتي ؛ لأنه اسم فاعل يعمل عمل الفعل ، وكل مضاف و «الناس» مضاف إليه ، «أصبحت»

__________________

(١) ذكر المؤلف لكي ثلاثة أحوال ، أولها : أن تكون كي فيها مصدرية لا غير ، وثانيها : أن تكون فيها تعليلية لا غير ، وثالثها : أن تكون محتملة للوجهين جميعا.

وتلخيص ضابط الحالة الأولى : أن «كي» تكون مصدرية لا غير إذا تقدمت عليها اللام التعليلية لفظا ، نحو قولك : زرتك لكي تكرمني ، ونحو قوله تعالى : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) [الأحزاب ، ٣٧] ، وإنما تعينت كي في هذه الحالة للمصدرية لأنها لو لم تجعل مصدرية لكانت تعليلية ، في حين أن اللام التي قبلها حرف تعليل ؛ فيلزم على اعتبارها تعليلية أن يتوالى حرفان بمعنى واحد ، وهو غير جائز في العربية إلا في باب التوكيد ، وللضرورة ، واعتبارها مصدرية أكثر فائدة من اعتبارها تعليلية مؤكدة لمعنى اللام.

وتلخيص ضابط الحالة الثانية : أن كي تكون تعليلية لا غير في إحدى حالتين : الأولى إذا وقعت بعدها أن المصدرية في اللفظ ، نحو قولك «جئت كي أن تكرمني» وإنما تعينت كي في هذه الحالة للتعليلية لأننا لو لم نعتبرها تعليلية للزم اعتبارها مصدرية ، في حين أن أن التي بعدها مصدرية ؛ فيلزم توالي حرفين بمعنى واحد ، وهو لا يجوز كما قلنا ، والثانية من الحالتين اللتين تكون كي فيهما تعليلية لا غير : إذا وقعت بعدها لام التعليل نحو قولك : جئت كي لأقرأ ، وإنما وجب اعتبارها تعليلية لأننا لو لم نعتبرها تعليلية لوجب اعتبارها مصدرية ناصبة للمضارع بنفسها ، والحروف الناصبة من العوامل الضعيفة التي لا تقوى على العمل مع الفصل بينها وبين معموليها ، وههنا قد فصل بين كي والمضارع باللام ؛ فالذي ألجأنا إلى قبول توالي حرفين بمعنى واحد هو الفرار من أمر ممتنع ، وهو الفصل بين العامل الضعيف ومعموله.

٣١٠

وقولي «مطلقا» راجع إلى «لن» و «كي» المصدرية ؛ فإن النصب لا يتخلّف عنهما.

ولما كانت كي تنقسم إلى ناصبة ـ وهي المصدرية ـ وغير ناصبة ـ وهي التعليلية ـ أخّرتها عن لن.

وأما «إذن» فللنصب بها ثلاثة شروط :

أحدها : أن تكون مصدّرة ؛ فلا تعمل شيئا في نحو قولك : «أنا إذن أكرمك» لأنها معترضة بين المبتدأ والخبر ، وليست صدرا ، قال الشاعر :

١٤٤ ـ لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني منها إذن لا أقيلها

فالرفع لعدم التصدر ، لا لأنها فصلت عن الفعل ، لأن فصلها بلا مغتفر كما يأتي.

والثاني : أن يكون الفعل بعدها مستقبلا ؛ فلو حدّثك شخص بحديث فقلت له :

______________________________________________________

أصبح : فعل ماض ناقص ، وتاء المخاطب اسمه ، «مانحا» خبره ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله ، «لسانك» لسان : مفعول ثان لمانح ، ولسان مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، «كيما» كي : حرف تعليل ، وما : زائدة «أن» حرف مصدري ونصب ، «تغرّ» فعل مضارع منصوب بأن ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «وتخدعا» الواو عاطفة ، تخدع : معطوف على تغرّ ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت هو فاعله.

الشّاهد فيه : قوله «كيما أن تغرّ» حيث أدخل كي على أن ؛ فلزم اعتبار كي حرفا دالا على التعليل ، واعتبار أن مصدرية ناصبة ، ولا يجوز اعتبار كي مصدرية ، لئلا يتوالى حرفان بمعنى واحد ، وهو غير مرضيّ على ما ستعرفه قريبا.

١٤٤ ـ هذا بيت من الطويل من كلام كثير بن عبد الرحمن ، المشهور بكثير عزة ، وكان قد مدح عبد العزيز بن مروان فأعجبته مدحته ، فقال له : احتكم ؛ فطلب أن يكون كاتبه ، وصاحب أمره ، فرده ، وغضب عليه ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٤٩٥).

الإعراب : «لئن» اللام موطئة للقسم ، وإن : شرطية ، «عاد» فعل ماض فعل الشرط ، مبني

__________________

وتلخيص ضابط الحالة الثالثة : أن كي تحتمل المصدرية والتعليلية : إذا لم تذكر اللام قبلها ولا بعدها ، ولم تذكر بعدها أن ، نحو قولك : جئت كي أتعلم ، فيمكن اعتبارها تعليلية ، وحينئذ تقدر أن بعدها ، ويمكن اعتبارها مصدرية ، وحينئذ تقدر اللام قبلها ومن هنا تعلم أن كي تكون مصدرية لا غير في موضع واحد ، وتعليلية لا غير في موضعين ، ومحتملة لهما في موضع واحد.

٣١١

«إذن تصدق» رفعت ؛ لأن نواصب الفعل تقتضي الاستقبال ، وأنت تريد الحال ، فتدافعا.

والثالث : أن يكون الفعل إما متصلا أو منفصلا بالقسم أو بلا النافية ؛ فالأول كقولك : «إذن أكرمك» والثاني نحو : «إذن والله أكرمك» وقول الشاعر :

١٤٥ ـ إذن والله نرميهم بحرب

يشيب الطّفل من قبل المشيب

______________________________________________________

على الفتح في محل جزم ، «لي» جار ومجرور متعلق بعاد ، «عبد» فاعل عاد ، وعبد مضاف و «العزيز» مضاف إليه ، «بمثلها» الجار والمجرور متعلق بعاد ، ومثل مضاف والضمير مضاف إليه ، «وأمكنني» الواو عاطفة ، أمكن : فعل ماض ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عبد العزيز ، «منها» جار ومجرور متعلق بأمكن ، «إذن» حرف جواب وجزاء ، «لا» نافية «أقيلها» أقيل : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، وضمير الغائبة مفعول به ، والجملة لا محل لها جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم.

الشّاهد فيه : قوله «إذن لا أقيلها» حيث رفع الفعل المضارع الواقع بعد إذن ؛ لكون إذن غير مصدرة ، أي واقعة في صدر الجملة ، ومن شرط النصب بها أن تكون في صدر الكلام.

١٤٥ ـ هذا بيت من الوافر ، وقد نسب بعض الناس هذا البيت إلى حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه ، وهو في نسخ ديوانه المطبوع بيتا مفردا لا سابق له ولا لاحق ، ولم يذكر معه من قيل فيه ، وهو من شواهد المؤلف في أوضحه (رقم ٤٩٧) وفي القطر (رقم ١٣).

الإعراب : «إذن» حرف جواب وجزاء ونصب «والله» الواو حرف قسم وجر ، ولفظ الجلالة مقسم به مجرور ، والجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبا ، وجملة القسم لا محل لها معترضة بين العامل ومعموله ، «نرميهم» نرمي : فعل مضارع منصوب بإذن ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن ، وضمير الغائبين مفعول به ، «بحرب» جار ومجرور متعلق بنرمي «يشيب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حرب ، و «الطفل» مفعول به منصوب بقوله يشيب ، «من قبل» جار ومجرور متعلق بيشيب ، وقبل مضاف و «المشيب» مضاف إليه.

الشّاهد فيه : قوله «إذن والله نرميهم» حيث نصب الفعل المضارع الذي هو نرمي بإذن ، مع الفصل بينهما بالقسم ، وهو قوله والله.

وقد ذكر المؤلف أن الفصل لا يغتفر إلا إذا كان الفاصل القسم كما في هذا البيت أو «لا» النافية ، وقد أصرّ المؤلف على ذلك في جميع كتبه ، ولكن بعض العلماء جعل الفصل بين إذن

٣١٢

والثالث : نحو : «إذن لا أفعل».

فلو فصل بغير ذلك لم يجز العمل ، كقولك «إذن يا زيد أكرمك».

وأما «أن» فشرط النصب بها أمران :

أحدهما : أن تكون مصدريّة ، لا زائدة ، ولا مفسّرة.

الثاني : أن لا تكون مخفّفة من الثقيلة ، وهي التابعة علما أو ظنّا نزّل منزلته.

مثال ما اجتمع فيه الشرطان قوله تعالى : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء ، ٨٢] (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء ، ٢٧].

ومثال ما انتفى عنه الشرط الأول قولك : «كتبت إليه أن يفعل» إذا أردت بأن معنى أي ؛ فهذه يرتفع الفعل بعدها ؛ لأنها تفسير لقولك كتبت ؛ فلا موضع لها ، ولا لما دخلت عليه ، ولا يجوز لك أن تنصب كما لا تنصب لو صرحت بأي ، فإن قدّرت معها الجار ـ وهو الباء ـ فهي مصدرية ، ووجب عليك أن تنصب بها.

وإنما تكون [أن] مفسّرة بثلاثة شروط :

أحدها : أن يتقدم عليها جملة.

والثاني : أن تكون تلك الجملة فيها معنى القول دون حروفه.

والثالث : أن لا يدخل عليها حرف جر ، لا لفظا ولا تقديرا ، وذلك كقوله تعالى :

______________________________________________________

والمضارع مغتفرا في مواضع أخرى غير هذين ؛ فجوّز ابن عصفور الفصل بالظرف أو الجار والمجرور نحو قولك : إذن أمام الأستاذ ـ أو في البيت ـ أكرمك ، وجوز ابن بابشاذ الفصل بالنداء أو بالدعاء ؛ فالأول كقولك : إذن يا محمد أكرمك ، والثاني كقولك : إذن غفر الله لك أكرمك ، وجوز الكسائي وهشام الفصل بمفعول الفعل المضارع نحو قولك : إذن صديقك أكرم.

والذي ذهب إليه المؤلف رحمه‌الله ـ من عدم اغتفار الفصل إلا في الحالتين اللتين ذكرهما ـ خير مما ذهب إليه هؤلاء جميعا ؛ إذ لم يسمع عن العرب الذين يحتج بكلامهم إعمال إذن مع الفصل بشيء مما ذكروه زيادة على ما ذكره هو ، وإنما زادوا هم هذه الأشياء قياسا على ما ذكره المؤلف ، لأنهم وجدوها مما يكثر الاعتراض به بين العامل والمعمول ـ نحو قولك : أرأيت يا زيد ما فعل محمد ، وقولك : أسمعت غفر الله لك ما قال خالد ـ فأجازوا الاعتراض بها بين إذن ومعمولها من أجل ذلك ، والاعتماد في اللغة على النص أقوى من الاعتماد على القياس.

٣١٣

(فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) [المؤمنون ، ٢٧] (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) [المائدة ، ١١١] (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص ، ٦] ، أي انطلقت ألسنتهم بهذا الكلام.

بخلاف نحو : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس ، ١٠] ؛ فإن المتقدم عليها غير جملة ؛ وبخلاف نحو : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة ، ١١٨] فليست «أن» فيها مفسرة لقلت ، بل لأمرتني ، وبخلاف نحو : «كتبت إليه بأن أفعل».

ومثال ما انتفى عنه الشرط الثاني قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل ، ٢٠] (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه ، ٨٩] (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [المائدة ، ٧١] فيمن قرأ برفع (تكون) ألا ترى أنها في الآيتين الأوليين وقعت بعد فعل العلم ؛ أما في الآية الأولى فواضح ، وأما في الآية الثانية فلأن مرادنا بالعلم ليس لفظ ع ل م ، بل ما دلّ على التحقيق ؛ فهي فيهما مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، والجملة بعدها في موضع رفع على الخبرية ، والتقدير : علم أنه سيكون ، أفلا يرون أنه لا يرجع إليهم قولا ، وفي الآية الثالثة وقعت بعد الظن ؛ لأن الحسبان ظنّ ، وقد اختلف القراء فيها ؛ فمنهم من قرأ بالرفع ، وذلك على إجراء الظن مجرى العلم ، فتكون مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، والجملة بعدها خبرها ، والتقدير : وحسبوا أنّها لا تكون فتنة ، ومنهم من قرأ بالنصب على إجراء الظن على أصله وعدم تنزله منزلة العلم ، وهو الأرجح ، فلهذا أجمعوا على النصب في نحو : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) [البقرة ، ٢١٤] (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا) [التوبة ، ١٦] (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت ، ٢] (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) [القيامة ، ٢٥] ويؤيد القراءة الأولى أيضا قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة ، ٣] (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [البلد ، ٥] (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) [البلد ، ٧] ألا ترى أنها فيهن مخففة من الثقيلة ، إذ لا يدخل الناصب على ناصب آخر ، ولا على جازم.

ثم قلت : وتضمر «أن» بعد ثلاثة من حروف الجرّ ، وهي : كي ، نحو : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) وحتّى : إن كان الفعل مستقبلا بالنظر إلى ما قبلها نحو : (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) و «أسلمت حتى أدخل الجنة» ، واللام : تعليليّة مع المضارع

٣١٤

المجرّد من لا ، نحو : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) بخلاف (لِئَلَّا يَعْلَمَ) أو جحودية نحو : «ما كنت ـ أو لم أكن ـ لأفعل».

وبعد ثلاثة من حروف العطف ، وهي : «أو» الّتي بمعنى إلى نحو : «لألزمنّك أو تقضيني حقّي» أو إلّا نحو : «لأقتلنّه أو يسلم» وفاء السّببيّة وواو المعيّة مسبوقين بنفي محض أو طلب بغير اسم الفعل ، نحو : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ونحو : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي.)

و* لا تنه عن خلق وتأتي مثله*

وبعد الفاء والواو وأو وثمّ ، إن عطفن على اسم خالص ، نحو : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً.)

و* للبس عباءة وتقرّ عيني*

ولك معهنّ ومع لام التّعليل إظهار أن.

وأقول : اختصت «أن» بأنها تنصب المضارع ظاهرة ومقدرة ، بخلاف أخواتها الثلاث فإنها لا تنصبه إلا ظاهرة ، وإنما تضمر في الغالب بعد حرف جر ، أو حرف عطف (١).

فأما حروف الجر التي تضمر بعدها فثلاثة : حتى ، واللام ، وكي التعليلية.

أما «حتى» فنحو : (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات ، ٩] (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا

__________________

(١) قد ورد شذوذا إضمار «أن» المصدرية في غير هذه المواضع مع بقاء عملها ـ وهو النصب ـ فمن ذلك قراءة بعضهم : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) [سورة الأنبياء ، الآية : ١٩] ، في قراءة من قرأ بنصب (يدمغ) ومن ذلك قولهم في المثل : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، بنصب «تسمع» وتقدم الكلام عليه تفصيلا (انظر ص ٤١ و ١٨٥ و ٢١٠ من هذا الكتاب) ومن ذلك قول طرفة بن العبد البكري في معلقته :

إلا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى

وإن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

بنصب «أحضر» وهو الشاهد (رقم ٧١) الذي سبق لنا شرحه ، ومن ذلك قول بعض العرب : خذ اللص قبل يأخذك ، بنصب «يأخذ» وإنما كان ذلك شاذا لأن الناصب ضعيف كالجار والجازم ، والعامل الضعيف إنما سبيله أن يعمل مذكورا فإن حذف لم يبق له عمل.

٣١٥

مُوسى) [طه ، ٩١] وليس النصب بحتى نفسها ، خلافا للكوفيين ، ولا يجوز إظهار أن بعدها في شعر ولا نثر (١).

ويشترط لإضمار أن بعدها : أن يكون الفعل مستقبلا بالنظر إلى ما قبلها ، سواء كان مستقبلا بالنظر إلى زمن التكلم ، أو لا ؛ فالأول كقوله تعالى : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه ، ٩١] ألا ترى أن رجوع موسى عليه‌السلام مستقبل بالنظر إلى ما قبل حتى ، وهو ملازمتهم للعكوف على عبادة العجل ، وكذلك قولك : (أسلمت حتى أدخل الجنة) والثاني كقوله تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة ، ٢١٤] في قراءة من نصب (يقول) فإن قول الرسول والمؤمنين مستقبل بالنظر إلى الزّلزال ، لا بالنظر إلى زمن الإخبار ، فإن الله عزوجل قصّ علينا ذلك بعد ما وقع.

ولو لم يكن الفعل الذي بعد «حتى» مستقبلا بأحد الاعتبارين امتنع إضمار أن ، وتعين الرفع ، وذلك كقولك «سرت حتى أدخلها» إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول ، ومن ذلك قولهم : «شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه» و «مرض زيد حتى لا يرجونه» فإن المعنى حتى حالة البعير أنه يجيء يجر بطنه وحتى حالة المريض أنهم لا يرجونه ، ومن الواضح فيه أنك تقول : «سألت عن هذه المسألة حتى لا أحتاج إلى السّؤال» أي : حتى حالتي الآن أنني لا أحتاج إلى السؤال عنها.

وأما اللام فلها أربعة أقسام :

أحدها : اللام التعليلية ، نحو : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) [النحل ، ٤٤] ومنه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح ، ١ و ٢].

فإن قلت : ليس فتح مكة علة للمغفرة.

__________________

(١) اعلم أن «حتى» التي ينتصب الفعل المضارع بعدها لها معنيان : الأول التعليل ، وهذا إذا كان ما قبلها علة لما بعدها ، والمراد بالعلة في هذا الموضع الأمر الذي يفضي ويؤدي إلى آخر ، ونحو قولك : أسلم حتى تدخل الجنة ، وقولك : ذاكر حتى تنجح ، وقولك : اصدق حتى يثق بك الناس ، ألا ترى أن الإسلام يؤدي إلى دخول الجنة والمذاكرة تؤدي إلى النجاح والصدق يؤدي إلى ثقة الناس بالصادق؟ والثاني من معنيي حتى الغاية ، وذلك إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها : أي أن ما قبلها لا ينقطع إلا عند حصول ما بعدها ، نحو قولك : لأسيرن حتى تطلع الشمس ، ولأذاكرن حتى أتقن الدرس ، ولأد أبن على العمل حتى أدرك غاية الأمل ، والآية الأولى من الآيتين الكريمتين تحتمل حتى فيها كل واحد من المعنيين ، أما الآية الثانية فحتى فيها للغاية ليس غير.

٣١٦

قلت : هو كما ذكرت ، ولكنه لم يجعل علة لها ، وإنما جعل علة لاجتماع الأمور الأربعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهي المغفرة ، وإتمام النعمة ، والهداية إلى الصراط المستقيم ، وحصول النصر العزيز ـ ولا شك [في] أن اجتماعها له حصل حين فتح الله تعالى مكة عليه.

وإنما مثّلت بهذه الآية لأنها قد يخفي التعليل فيها على من لم يتأملها.

الثانية : لام العاقبة ؛ وتسمى أيضا لام الصّيرورة ، ولام المآل ، وهي التي يكون ما بعدها نقيضا لمقتضى ما قبلها ، نحو : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص ، ٨] فإن التقاطهم له إنما كان لرأفتهم عليه ، ولما ألقى الله تعالى عليه من المحبة فلا يراه أحد إلا أحبّه ؛ فقصدوا أن يصيّروه قرّة عين لهم ، فآل بهم الأمر إلى أن صار عدوّا لهم وحزنا.

الثالثة : اللام الزائدة ، وهي : الآتية بعد فعل متعدّ ، نحو : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء ، ٢٦] (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) [الأحزاب ، ٣٣] (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام ، ٧١] فهذه الأقسام الثلاثة يجوز لك إظهار «أن» بعدهن ، قال الله تعالى : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) [الزمر ، ١٢].

الرابعة : لام الجحود ، وهي الآتية بعد كون ماض منفيّ ، كقول الله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [آل عمران ، ١٧٩] (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) [آل عمران ، ١٧٩] وهذه يجب إضمار «أن» بعدها (١).

__________________

(١) من هذا الكلام وما سيذكره الشارح في مباحث حروف العطف التي تضمر أن بعدها يتبين لك أن إضمار أن على ثلاثة أقسام :

الأول : إضمار واجب ـ على معنى أنه لا يجوز لك أن تأتي بأن في الكلام ـ وذلك مع حتى ، وكي التعليلية ، وواو المعية ، وفاء السببية.

الثاني : إضمار ممتنع ـ وذلك على معنى أنه يجب عليك أن تأتي بأن في الكلام ـ وذلك فيما إذا سبقتها لام التعليل وأتت بعدها لا النافية نحو قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) فإن «أن» ههنا موجودة في اللفظ إلا أن نونها مدغمة في لام «لا» النافية.

الثالث : إضمار جائز ـ على معنى أنه يجوز لك أن تأتي بأن في الكلام ويجوز لك ألا تأتي بها ـ وذلك بعد لام التعليل إذا لم تقع بعدها لا النافية ، نحو ذاكر لتنجح ، ويجوز لأن تنجح ، وبعد الحروف العاطفة على اسم خالص (وانظر ص ٣١٨ الآتية).

٣١٧

وأما «كي» ففي نحو : «جئتك كي تكرمني» إذا قدّرتها تعليلية بمنزلة اللام ، والتقدير : جئتك كي أن تكرمني ، ولا يجوز التصريح بأن بعدها إلا في الشعر ، خلافا للكوفيين. وقد مضى ذلك.

وأما حروف العطف فأربعة ، وهي : أو ، والواو ، والفاء ، وثم.

وهذه الأربعة منها ما لا يجوز معه الإظهار ، وهو أو ، ومنها ما لا يجب معه الإضمار (١) ، وهو ثم ، ومنها ما تارة يجب معه الإضمار وتارة يجوز معه الإضمار والإظهار ، وهو الفاء والواو ، وهذا كله يفهم مما ذكرت في المقدمة (٢).

فأما «أو» فينتصب المضارع بأن مضمرة بعدها وجوبا ، إذا صح في موضعها إلى أو إلّا ؛ فالأول كقولك : «لألزمنك أو تقضيني حقي» وقوله :

١٤٦ ـ لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى

فما انقادت الآمال إلا لصابر

والثاني كقولك : «لأقتلنّ الكافر أو يسلم» وقوله :

______________________________________________________

١٤٦ ـ هذا بيت من الطويل ، ولم أجد أحدا من العلماء نسب هذا البيت إلى قائل معين ، وقد استشهد به المؤلف في أوضحه (رقم ٤٩٧) وفي القطر (رقم ١٦) وابن عقيل (رقم ٢١٨).

اللّغة : «لأستسهلن» استسهال الشيء : أن تعده سهلا ، «الصعب» الذي يعسر عليك أن تدركه ، وهو ضد السهل ، «المنى» جمع منية ـ بضم فسكون ، مثل مدية ومدى ـ والمنية : اسم لما يتمناه الإنسان ، «انقادت» انقياد الآمال : حصولها ، فكأنها خضعت وذلت لطالبها وآملها ، «لصابر» اسم فاعل من الصبر ، وهو حبس النفس على المكاره.

الإعراب : «لأستسهلن» اللام واقعة في جواب قسم مقدر ، أستسهل : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، ونون التوكيد حرف لا محل له ، «الصعب» مفعول به ، «أو» حرف بمعنى إلى ، «أدرك» فعل

__________________

(١) أي : بل يجوز معه إظهار أن ويجوز إضمارها.

(٢) يجب الإضمار إذا كانت الفاء للسببية والواو للمعية في أحد الأجوبة الثمانية التي سيذكرها ، ويجوز الإضمار والإظهار إذا كان كل من الفاء والواو للعطف على اسم خالص وسيذكره ، وإذا حققت وجدت «أو» كالفاء والواو لها حالتان : حالة يجب فيها الإضمار ، وذلك إذا كانت بمعنى إلى أو إلا ، وحالة يجوز فيها الإضمار والإظهار ، وذلك إذا كانت للعطف على اسم خالص ، وعبارة المصنف في المتن تنادي بذلك.

٣١٨

١٤٧ ـ وكنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

______________________________________________________

مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد أو ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «المنى» مفعول به لأدرك ، «فما» الفاء حرف عطف ، ما : نافية ، «انقادت» انقاد : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، «الآمال» فاعل انقاد ، «إلا» أداة حصر لا محل لها من الإعراب ، «لصابر» جار ومجرور متعلق بانقاد.

الشّاهد فيه : قوله «أو أدرك» حيث نصب الفعل المضارع ـ الذي هو أدرك ـ بعد «أو» وقد ذكر جماعة من العلماء أن «أو» في هذا البيت بمعنى إلى ، كما ذكره المؤلف في هذا الكتاب وفي القطر ، وذكر بعضهم أن «أو» بمعنى حتى ، ومنهم المؤلف في أوضحه ، وابن عقيل ، والأشموني ، ولا خلاف بين هذين الكلامين ، وإنما هو من باب اختلاف العبارة والمعنى واحد ؛ فإن إلى وحتى جميعا معناهما الغاية ، وذكر السيوطي أن «أو» في هذا البيت بمعنى إلا ، وهذا مخالف لذلك كله ، فوق أنه بعيد.

واعلم أن ضابط أو التي بمعنى إلى أن يكون انقضاء ما بعدها يحصل على التدريج شيئا فشيئا ، وضابط أو التي بمعنى إلا أن يكون ما بعدها ينقضي دفعة واحدة.

واعلم أيضا أن عذر السيوطي فيما ذكره أن سيبويه لم يذكر أن «أو» ترد بمعنى إلى ، وإنما ذكر أنها تأتي بمعنى إلا وتبعه على ذلك جماعة من المحققين منهم رضي الدين في شرح الكافية.

واعلم أن لأو التي ينتصب المضارع بعدها بأن مضمرة وجوبا ثلاثة معان : الأول الغاية ، وهو الذي يعبر عنه بأن تكون بمعنى إلى ، والثاني الاستثناء وهو الذي يعبر عنه بأن تكون بمعنى إلا ، والثالث التعليل بمنزلة كي ، نحو قولك : لأعبدن الله أو يعافيني ، ألا ترى أن المعنى لكي يعافيني ، وأنه لا يصح أن تكون أو في هذا المثال للغاية أو الاستثناء ، لأن كلّا من هذين المعنيين يفيد أنك تقطع العبادة إذا حصلت المعافاة؟

١٤٧ ـ هذا بيت من الوافر ، وهو لزياد الأعجم ، وقد استشهد به سيبويه (ج ١ ص ٤٢٨) والمؤلف في أوضحه (رقم ٤٩٨) وفي القطر (رقم ١٧) وفي المغني (في مباحث أو رقم ٩٨) وابن عقيل (رقم ١٣٩).

اللّغة : «غمزت» الغمز : جس باليد يشبه النخس ، «قناة» أراد الرمح ، «كعوبها» الكعوب : جمع كعب ، وهو طرف الأنبوبة الناشز ، «تستقيما» تعتدل.

المعنى : قال الشمني : اختلف في معنى البيت ؛ فقيل : المعنى أن من لم تصلح له الملاينة توليناه بالمخاشنة إلا أن يستقيم ، وقيل : المعنى إذا هجوت قوما أبيدهم بالهجاء إلا أن يتركوا هجائي ، وقيل : المعنى إذا اشتد عليّ جانب قوم رأيت تليينهم حتى يستقيموا ؛ إذ لو تعمدت الكسر لم

٣١٩

أي : إلا أن تستقيم فلا أكسر كعوبها ، ولا يجوز أن يكون التقدير كسرت كعوبها إلى أن تستقيم ؛ لأن الكسر لا استقامة معه.

وأما الفاء والواو فينتصب الفعل المضارع بأن مضمرة بعدهما وجوبا بشرطين لا بد منهما :

أحدهما : أن تكون الفاء للسببية والواو للمعية ، فلهذا رفع الفعل في قوله :

١٤٨ ـ * ألم تسأل الرّبع القواء فينطق*

______________________________________________________

يستقم أبدا ، اه. ولا يخفى عليك أن هذه المعاني كلها مجازية ، وليست المعنى الذي وضع له اللفظ المستعمل.

الإعراب : «كنت» كان فعل ماض ناقص ، وضمير المتكلم اسمه ، مبني على الضم في محل رفع ، «إذا» ظرفية تضمنت معنى الشرط ، «غمزت» فعل وفاعل ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، «قناة» مفعول به لغمز ، وقناة مضاف و «قوم» مضاف إليه ، «كسرت» فعل وفاعل ، «كعوبها» كعوب : مفعول به لكسر ، وهو مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة لا محل لها جواب إذا ، وجملة الشرط وجوابه في محل نصب خبر كان ، «أو» حرف بمعنى إلا ، «تستقيما» فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد أو ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى قناة قوم ، والألف للإطلاق.

الشّاهد فيه : قوله «أو تستقيما» حيث نصب الفعل المضارع ـ وهو قوله تستقيم ـ بأن المضمرة بعد أو التي بمعنى إلا ، وتلخيص المعنى : كسرت كعوبها في كل حال إلا في حال استقامتها.

١٤٨ ـ هذا صدر بيت من الطويل ، وعجزه قوله :

* وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق؟ *

والبيت من كلام جميل بن معمر العذري ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٥٠٢). وأنشده سيبويه (١ / ٤٢٢).

اللّغة : «القواء» الخالي من الأهل ، «بيداء» هي الصحراء ، وسميت بذلك لأنها تبيد من يسلكها ، أي تهلكه ، «سملق» بوزن جعفر ـ هي الأرض التي لا تنبت شيئا مطلقا.

الإعراب : «ألم» الهمزة للاستفهام الإنكاري ، حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب ، لم : حرف نفي وجزم وقلب ، «تسأل» فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «الربع» مفعول به لتسأل ، «القواء» نعت للربع ، «فينطق» الفاء حرف دال على

٣٢٠