شرح شذور الذّهب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

شرح شذور الذّهب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير
الطبعة: ٠
ISBN: 977-277-343-0
الصفحات: ٤٩٥

أحدها : أن يكون محوّلا عن الفاعل ، كقول الله عزوجل : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم ، ٤] : أصله : واشتعل شيب الرأس : وقوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) [النساء ، ٤] أصله : فإن طابت أنفسهنّ لكم عن شيء منه ، فحوّل الإسناد فيهما عن المضاف ـ وهو الشيب في الآية الأولى ، والأنفس في الآية الثانية ـ إلى المضاف إليه ـ وهو الرأس ، وضمير النسوة ـ فارتفعت الرأس ، وجيء بدل الهاء والنون بنون النسوة ، ثم جيء بذلك المضاف الذي حوّل عنه الإسناد فضلة وتمييزا ، وأفردت النفس بعد أن كانت مجموعة ؛ لأن التمييز إنما يطلب فيه بيان الجنس ، وذلك يتأدى بالمفرد.

الثاني : أن يكون محوّلا عن المفعول ، كقوله تعالى : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر ، ١٢] قيل : التقدير [وفجرنا] عيون الأرض ، وكذا قيل في «غرست الأرض شجرا» ونحو ذلك.

الثالث : أن يكون محوّلا عن غيرهما ، كقوله تعالى : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) [الكهف ، ٣٤] أصله : مالي أكثر ، فحذف المضاف ـ وهو المال ـ وأقيم المضاف إليه ـ وهو ضمير المتكلم ـ مقامه ، فارتفع وانفصل ، وصار : أنا أكثر منك ، ثم جيء بالمحذوف تمييزا ، ومثله «زيد أحسن وجها» و «عمرو أنقى عرضا» وشبه ذلك ، وجه زيد أحسن ، وعرض عمرو أنقى.

الرابع : أن يكون غير محوّل ، كقول العرب : «لله درّه فارسا» و «حسبك به ناصرا» وقول الشاعر :

١٢٠ ـ * يا جارتا ما أنت جاره*

«يا» حرف نداء «جارتا» منادى مضاف للياء ، وأصله «يا جارتي» فقلبت

______________________________________________________

١٢٠ ـ هذا نصف بيت من الكامل المجزوء من كلام الأعشى أبي بصير ميمون بن قيس ، ومن العلماء من جعل هذا عجز البيت ، وجعل صدره قوله :

* بانت لتحزننا عفاره*

ومنهم من عكس ؛ فجعل المذكور في الكتاب صدرا ، وجعل الذي ذكرناه عجزا ، وهو المرويّ في ديوانه (ص ١١١ طبع فيينا).

٢٨١

الكسرة فتحة والياء ألفا «ما» مبتدأ ، وهو اسم استفهام ، و «أنت» خبره ، والمعني عظمت ، كما يقال : زيد وما زيد ، أي : شيء عظيم ، و «جارة» تمييز ، وقيل : حال ، وقيل ، «ما» نافية ، و «أنت» اسمها ، و «جارة» خبر ما الحجازية : أي لست جارة ، بل أنت أشرف من الجارة ، والصواب الأول ، ويدل عليه قول الشاعر :

١٢١ ـ يا سيّدا ما أنت من سيّد

موطّأ الأكناف رحب الذّراع

______________________________________________________

اللّغة : «بانت» فارقت ، «لتحزننا» تقول : حزنه يحزنه ـ مثل نصره ينصره ـ إذا أورثه الحزن ، ومنه قوله تعالى : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) [يوسف ، ١٣] «عفارة» اسم امرأة.

الإعراب : «يا» حرف نداء «جارتا» جارة : منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا ، وجارة مضاف وياء المتكلم المنقلبة ألفا مضاف إليه مبني على السكون في محل جر ، «ما» اسم استفهام مبتدأ «أنت» ضمير منفصل خبر المبتدأ ، «جاره» تمييز نسبة غير محول ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، وسكنه لأجل الوقف ، وهذا الذي ذكرناه هو أفضل الأعاريب في مثل هذا التركيب.

الشّاهد فيه : قوله «جاره» فإنه تمييز جيء به لرفع إبهام وقع في نسبة قبله ، وليس محولا ، ومن زعم أنه حال يرده دخول من عليه في بعض الشواهد ، كما سيأتي في شرح الشاهد الآتي (رقم ١٢١) ، وأنت خبير بأن الحال لا يكون على معنى «من» وإنما يكون على معنى «في».

١٢١ ـ هذا بيت من السريع ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وقد أنشده المؤلف في القطر (رقم ١٤٤).

اللّغة : «موطأ الأكناف» الأكناف : جمع كنف ـ على مثال سبب وأسباب وبطل وأبطال وجمل وأجمال ـ والكنف : الجانب والناحية ، ويقال : أنا في كنف فلان ، إذا كنت تنزل في جواره وتستظل بظله ، ويقال : فلان موطأ الأكناف ، إذا كان ممهدها وكان يسهل النزول في حماه والاستجارة به ، «رحب الذراع» هذه كناية عن سعة جوده وكثرة كرمه.

الإعراب : «يا» حرف نداء ، «سيدا» منادى منصوب بالفتحة الظاهرة ، «ما» اسم استفهام مبتدأ مبني على السكون في محل رفع ، «أنت» ضمير منفصل خبر المبتدأ مبني على الفتح في محل رفع ، «من سيد» تمييز ، وأصله منصوب فأدخل عليه من التي يكون التمييز على معناها ، «موطأ» نعت للمنادي ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، ويجوز أن يكون نعتا لسيد المجرور بمن فيجوز جره أو نصبه ؛ لأن تابع التمييز المجرور بمن يجوز فيه مراعاة لفظه وهو ظاهر ، ويجوز فيه مراعاة معناه وهو النصب ، وعلى الوجه الأخير جاء قول الحطيئة :

٢٨٢

و «من» لا تدخل على الحال ، وإنما تدخل على التمييز.

ثم قلت : التّاسع المستثنى بليس ، أو بلا يكون ، أو بما خلا ، أو بما عدا ، مطلقا ، أو بإلّا بعد كلام تامّ موجب ، أو غير موجب وتقدّم المستثنى ، نحو : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ.)

* ومالي إلّا آل أحمد شيعة*

وغير الموجب : إن ترك فيه المستثنى منه فلا أثر فيه ل «إلّا» ، ويسمّى مفرّغا ، نحو : «ما قام إلّا زيد» ، وإن ذكر فإن كان الاستثناء متّصلا فإتباعه للمستثنى منه أرجح ، نحو : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ،) أو منقطعا فتميم تجيز إتباعه إن صحّ التّفريغ ، والمستثنى بغير وسوى مخفوض ، وبخلا وعدا وحاشا مخفوض أو منصوب ، وتعرب غير باتّفاق وسوى على الأصحّ إعراب المستثنى بإلّا.

وأقول : التاسع من المنصوبات : المستثنى.

وإنما يجب نصبه في خمس مسائل :

إحداها : أن تكون أداة الاستثناء «ليس» كقولك : قاموا ليس زيدا ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أنهر الدّم وذكر اسم الله فكلوا ، ليس السّنّ والظفر» فليس هنا بمنزلة إلّا في الاستثناء ، والمستثنى بها واجب النصب مطلقا بإجماع.

الثانية : أن تكون أداة الاستثناء «لا يكون» كقولك : قاموا لا يكون زيدا ؛ فلا يكون أيضا : بمنزلة إلا في المعنى ، والمستثنى بها واجب النصب مطلقا كما هو واجب مع ليس.

والعلة في ذلك فيهما أن المستثنى بهما خبرهما ، وسيأتي لنا أنّ كان وليس وأخواتهما يرفعن الاسم وينصبن الخبر.

______________________________________________________

طافت أمامة بالرّكبان آونة

يا حسنه من قوام ما ومنتقبا

فعطف «منتقبا» بالنصب على «قوام» وهو تمييز مجرور بمن ، مراعاة لأصله ، وموطأ مضاف ، و «الأكناف» مضاف إليه ، «رحب» صفة أخرى يجوز فيها جميع ما جاز في الصفة السابقة ، ورحب مضاف و «الذراع» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، وسكنه لأجل الوقف.

٢٨٣

فإن قلت : فأين اسمها؟

قلت : مستتر فيهما وجوبا ، وهو عائد على البعض المفهوم من الكل السابق ، وكأنه قيل : ليس بعضهم زيدا ، ولا يكون بعضهم زيدا ، ومثله قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) [النساء ، ١١] أي : فإن كانت البنات ، وذلك لأن الأولاد قد تقدم ذكرهم ، وهم شاملون للذكور والإناث ، فكأنه قيل أولا : يوصيكم الله في بنيكم وبناتكم ، ثم قيل : فإن كنّ ، وكذلك هنا (١).

الثالثة : أن تكون الأداة «ما خلا» كقولك : جاء القوم ما خلا زيدا ، وقول لبيد بن ربيعة العامري الصحابي :

١٢٢ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «من سيد» فإن دخول من في هذه العبارة يدل على أن النكرة الواقعة بعدها تمييز ، لا حال ؛ إذ كان التمييز هو الذي يكون على معنى من ، وأما الحال فهو على معنى في ؛ فيكون قول من قال إن «جارة» في البيت السابق حال باطلا.

١٢٢ ـ هذا بيت من الطويل من كلام لبيد بن ربيعة العامري ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٢٦٧) وفي القطر (رقم ١١).

__________________

(١) اعلم أولا أنه لا خلاف بين النحويين في أن المستثنى بليس ولا يكون واجب النصب ، ولا في أن هذا المنصوب خبرهما ، ولا في أن اسمهما واجب الاستتار ؛ ليكون ما بعدهما في صورة المستثنى بعد إلا ، ولأنه لو برز لكان ضميرا منفصلا فيقع بعد أداة الاستثناء ويفصل به بين الأداة الضعيفة وبين المستثنى بها ، وذلك لا يجوز ، فالإجماع منعقد على هذه الأمور الثلاثة ، والخلاف بينهم في مرجع هذا الضمير ؛ فالجمهور على أنه يعود على البعض المفهوم من كله السابق على ما بينه الشارح ، وهذا هو الصحيح ، ومن العلماء من قال : الضمير عائد على الوصف المفهوم من الفعل السابق ؛ فإذا قلت «قام القوم ليس زيدا» فتقدير الكلام : قام القوم ليس هو ـ أي القائم ـ زيدا ، وإذا قلت «أكرمت القوم ليس زيدا» فتقدير الكلام : أكرمت القوم ليس هو ـ أي المكرم ـ زيدا ؛ فالقائم اسم فاعل فهم من قام السابق ، والمكرم اسم مفعول فهم من أكرمت السابق ، وقال بعضهم : الضمير عائد على الفعل المفهوم من الكلام السابق ، والفعل في هذه العبارة هو المصدر ؛ فإذا قلت «قام القوم ليس زيدا» فتقدير الكلام : قام القوم ليس هو ـ أي الفعل ـ فعل زيد ، أي ليس القيام قيام زيد ـ وقد حذف المضاف قبل المستثنى ، وهذان الرأيان ضعيفان ؛ لهذا لم يتعرض الشارح لهما.

٢٨٤

الرابعة : أن تكون الأداة «ما عدا» كقولك : جاء القوم ما عدا زيدا ، وكقول الشاعر :

١٢٣ ـ تملّ النّدامى ما عداني ؛ فإنّني

بكلّ الّذي يهوى نديمي مولع

______________________________________________________

اللّغة : «لا محالة» لا احتيال ، والمراد لا فرار ولا مهرب من زوال كل نعيم.

الإعراب : «ألا» أداة استفتاح وتنبيه ، «كل» مبتدأ ، «شيء» مضاف إليه ، «ما» مصدرية ، «خلا» فعل ماض دال على الاستثناء ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو ، وقد بين المؤلف مرجعه ، «الله» منصوب على التعظيم ، وفي الصناعة اللفظية مفعول به لخلا ، والجملة من الفعل الذي هو خلا وفاعله ومفعول لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره ، «باطل» خبر المبتدأ ، «وكل» الواو عاطفة ، كل : مبتدأ ، «نعيم» مضاف إليه ، «لا» نافية للجنس ، «محالة» اسم لا ، مبني على الفتح في محل نصب ، وخبرها محذوف ، والتقدير : لا محالة موجودة والجملة لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره ، «زائل» خبر المبتدأ ، مرفوع بالضمة الظاهرة.

الشّاهد فيه : قوله «ما خلا الله» حيث ورد بنصب لفظ الجلالة بعد «ما خلا» ؛ فدل ذلك على أن الاسم الواقع بعد ما خلا يكون منصوبا ، وذلك لأن ما هذه مصدرية ، وما المصدرية لا يكون بعدها إلا فعل ؛ فإذا وجب أن يكون خلا في هذا الموضع فعلا وجب أن يكون ما بعده منصوبا على أنه مفعول به ، إذ إن فاعله واجب الاستتار ، فإن ذهبت إلى أن «ما» ليست مصدرية ـ بل هي زائدة ـ لم يجب حينئذ أن يكون خلا فعلا ، بل يجوز ـ على هذا ـ أن يكون خلا حرفا ؛ بسبب أن ما الزائدة لا تخص نوعا من الكلمات دون نوع ، وجاز حينئذ جر ما بعده ، وهذا هو الذي حكاه المؤلف عن الجرمي والربعي ، وذكر أنه لم يحفل بذكره في المقدمة التي هي متن شذور الذهب.

١٢٣ ـ هذا بيت من الطويل ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٢٦٨).

اللّغة : «الندامى» جمع ندمان ، وأصله الذي يجالسك على الشراب ، ثم قد يعم كل صاحب ، والنديم بمعناه ، «مولع» مغرم ، وفعله أولع ، وهو ملازم للبناء للمجهول.

الإعراب : «تمل» فعل مضارع مبني للمجهول ، «الندامى» نائب فاعل ، «ما» مصدرية ، «عداني» عدا : فعل ماض دال على الاستثناء ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو ، وقد بين المؤلف مرجعه ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، «فإنني» الفاء دالة على التعليل ، إن : حرف توكيد ونصب ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم اسم إن ، «بكل» جار ومجرور متعلق بقوله مولع في آخر البيت ، وكل مضاف ، و «الذي» مضاف إليه ، «يهوى نديمي» فعل وفاعل ، ونديم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، وجملة الفعل وفاعله لا محل لها صلة الموصول ، والعائد ضمير محذوف

٢٨٥

فالياء في موضع نصب ؛ بدليل لحاق نون الوقاية قبلها ، وحكى الجرميّ ، والرّبعيّ ، والأخفش الجرّ بعد ما خلا وما عدا ، وهو شاذ ؛ فلهذا لم أحفل بذكره في المقدمة.

فإن قلت : لم وجب عند الجمهور النصب بعد «ما خلا» و «ما عدا»؟ وما وجه الجر الذي حكاه الجرمي والرجلان؟

قلت : أما وجوب النصب فلأن «ما» الداخلة عليهما مصدرية ، و «ما» لا تدخل إلا على الجملة الفعلية ، وأما جواز الخفض فعلى تقدير «ما» زائدة لا مصدرية ، وفي ذلك شذوذ ؛ فإن المعهود في زيادة «ما» مع حرف الجر : أن لا تكون قبل الجار والمجرور ، بل بينهما ، كما في قوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون ، ٤٠] (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) [المائدة ، ١٣] (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح ، ٢٥].

وقولي «مطلقا» (١) راجع إلى المسائل الأربع ، أي : سواء تقدّم الإيجاب أو النفي أو شبهه.

الخامسة : أن تكون الأداة «إلا» وذلك في مسألتين :

إحداهما : أن تكون بعد كلام تام موجب ، ومرادي بالتام أن يكون المستثنى منه

______________________________________________________

منصوب بيهوى ، والتقدير : بكل الذي يهواه نديمي ، «مولع» خبر إن مرفوع بالضمة الظاهرة.

الشّاهد فيه : قوله «ما عداني» فإن عدا في هذا الموضع فعل.

والدليل على أن «عدا» ههنا فعل ـ وليست حرفا ـ أمران :

أولهما : سبقها بما المصدرية ، على النحو الذي قررناه في الشاهد السابق.

وثانيهما : مجيء نون الوقاية قبل ياء المتكلم ، وقد علم أن نون الوقاية لا تجيء إلا مع الأفعال ، نحو ضربني ويضربني واضربني ، فأما مع الحرف فإنها تمتنع إلا مع من وعن خاصة تقول : لي ، عليّ ، إليّ ؛ فلو أن الشاعر لحظ أن عدا حرف كهذه الحروف لقال «عداي» فلما قال «عداني» علمنا أنه اعتبره فعلا ، وهذا واضح إن شاء الله.

وإذا ثبت أن «عدا» فعل ، وكان من المسلم به أن فاعل هذا الفعل مستتر فيه وجوبا على ما سبق

__________________

(١) هو في قوله أول الباب «التاسع المستثنى بليس أو بلا يكون أو بما خلا أو بما عدا ـ مطلقا».

٢٨٦

مذكورا ، وبالإيجاب أن لا يشتمل على نفي ولا نهي ولا استفهام ، وذلك كقوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة ، ٢٤٩] وقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ) [الحجر ، ٣٠ و ٣١].

الثانية : أن يكون المستثنى مقدما على المستثنى منه ، كقول الكميت يمدح آل البيت رضي‌الله‌عنهم :

١٢٤ ـ وما لي إلّا آل أحمد شيعة

وما لي إلّا مذهب الحقّ مذهب

______________________________________________________

إيضاحه ـ كان الاسم الذي يقع بعده مفعولا ، فيكون منصوبا ، وهو المطلوب ، والاسم هنا هو ياء المتكلم ، فهي مفعول به مبني على السكون في محل نصب كما قررناه في إعراب البيت.

١٢٤ ـ هذا بيت من الطويل من كلام الكميت بن زيد الأسدي ، من قصيدة له هاشمية يمدح فيها آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومطلع هذه القصيدة قوله :

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منّي ، وذو الشّيب يلعب؟

وقد أنشد المؤلف بيت الشاهد في أوضحه (رقم ٢٦٢) وفي القطر (رقم ١٠٩) وابن عقيل (رقم ١٦٦) والأشموني (رقم ٤٤٨).

اللّغة : «طربت» الطرب : هزة تأخذ الإنسان عند حدوث أمر غريب ، «البيض» جمع بيضاء ، وأراد الحسان من النساء ، وقوله في بيت الشاهد «شيعة» هم الأنصار والأعوان ، «مذهب الحق» يروى في مكانه «مشعب الحق» والمراد الطريق الذي يعتقد أنه طريق الحق.

الإعراب : «ما» نافية «لي» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، «إلا» أداة استثناء ، «آل» مستثنى تقدم على المستثنى منه منصوب بالفتحة الظاهرة ، وآل مضاف و «أحمد» مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل ، «شيعة» مبتدأ مؤخر ، وهذا هو المستثنى منه ، «وما» الواو عاطفة ، ما : نافية ، «لي» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، «إلا» أداة استثناء «مذهب» مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة ، ومذهب مضاف و «الحق» مضاف إليه «مذهب» مبتدأ مؤخر ، وهو المستثنى منه.

الشّاهد فيه : قوله «إلا آل أحمد» وقوله «إلا مذهب الحق» حيث نصب المستثنى في الموضعين ؛ لأنه متقدم على المستثنى منه ، وأصل نظم البيت : وما لي شيعة إلا آل أحمد ، وما لي مذهب إلا مذهب الحق.

وإنما لم يجز فيه إلا النصب على الاستثناء في هذا الموضع لأنه لو جاز فيه شيء آخر غير النصب على الاستثناء لكان هذا الشيء الآخر هو أن يكون بدلا من المستثنى منه ، ولا يجوز أن يتقدم البدل

٢٨٧

ولما انتهيت إلى هنا استطردت في بقية أنواع المستثنى ، وإن كان بعض ذلك ليس من المنصوبات ألبتة ، وبعضه متردّد بين باب المنصوبات وغيرها ؛ فذكرت أن الكلام إذا كان غير إيجاب ـ وهو النفي والنهي والاستفهام ـ.

فإن كان المستثنى منه محذوفا فلا عمل ل «إلّا» ، وإنما يكون العمل لما قبلها ، ومن ثمّ سمّوه استثناء مفرّغا ؛ لأن ما قبلها قد تفرّغ للعمل فيما بعدها ، ولم يشغله عنه شيء ، تقول : ما قام إلا زيد ، فترفع زيدا على الفاعلية ، وما رأيت إلا زيدا ، فتنصبه على المفعولية ، وما مررت إلا بزيد ، فتخفضه بالباء ، كما تفعل بهنّ لو لم تذكر إلّا.

وإن كان المستثنى منه مذكورا ؛ فإما أن يكون الاستثناء متصلا ـ وهو أن يكون [المستثنى] داخلا في جنس المستثنى منه ـ أو منقطعا ـ وهو أن يكون غير داخل ـ.

فإن كان متصلا جاز في المستثنى وجهان : أحدهما ـ وهو الراجح ـ أن يعرب بإعراب المستثنى منه ، على أن يكون بدلا منه بدل بعض من كل ؛ والثاني : النصب على أصل الاستثناء ، وهو عربيّ جيد ، مثال ذلك في النفي قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) [النور ، ٦] أجمعت السبعة على رفع (أنفسهم) ، وقال تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء ، ٦٦] قرأ السبعة إلا ابن عامر برفع (قليل) على أنه بدل من الواو في (فعلوه) كأنه قيل ما فعله إلا قليل منهم ، وقرأ ابن عامر وحده (إلا قليلا) بالنصب ، ومثاله في النهي قوله تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [هود ، ٨١] قريء بالرفع والنصب ومثاله في الاستفهام قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر ، ٥٦] أجمعت السبعة على الإبدال من الضمير المستتر في (يقنط) ولو قرئ (الضالين) بالنصب على الاستثناء لم يمتنع ، ولكن القراءة سنّة متبعة.

وإن كان منقطعا فالحجازيون يوجبون نصبه ، وهي اللغة العليا ، ولهذا أجمعت

______________________________________________________

على المبدل منه ؛ لأنه تابع والتابع لا يكون إلا متأخرا عن المتبوع ، وحيث لم يجز في المستثنى المقدم على المستثنى منه أن يكون بدلا لم يبق إلا النصب على الاستثناء ؛ إذ ليس لنا في المستثنى من وجوه الإعراب إلا النصب على الاستثناء أو الإتباع ، ويكون الإتباع حين نجيزه على البدلية ، وكون إتباعه

٢٨٨

السبعة على النصب في قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء ، ١٥٧] ، وقوله تعالى : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى * إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) [الليل ، ١٩ ، ٢٠] ولو أبدل مما قبله لقرئ برفع (إِلَّا اتِّباعَ) و (إِلَّا ابْتِغاءَ) ؛ لأن كلا منهما في موضع رفع : إما على أنه فاعل بالجار والمجرور المعتمد على النفي ، وإما على أنه مبتدأ تقدم خبره عليه ، والتميميون يجيزون الإبدال ، ويختارون النصب ، قال الشاعر :

١٢٥ ـ وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس

فأبدل اليعافير والعيس من أنيس ، وليس من جنسه.

______________________________________________________

على البدلية هو مذهب البصريين ، وهو الحق ، ولهذا لم يذكر الشارح غيره ، وقد ذهب الكوفيون إلى أنه معطوف على المستثنى منه ، وإلا عندهم في بعض المواضع قد تكون حرف عطف.

١٢٥ ـ هذا البيت من أرجوزة لعامر بن الحارث المعروف بجران العود ، وهكذا يرويه النحاة من سيبويه إلى اليوم ، ولكن الرواية في ديوانه هكذا :

قد ندع المنزل يا لميس

يعتسّ فيه السّبع الجروس

الذّئب أو ذو لبد هموس

بسابسا ، ليس به أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس

وبقر ملمّع كنوس

والبيت الشاهد من أبيات سيبويه (ج ١ ص ١٢٣ و ٣٦٥) وقد رواه المؤلف في أوضحه (رقم ٢٦١).

اللّغة : «لميس» اسم امرأة ، «يعتسّ» يطلب ما يأكل فيذهب ويجيء بغية الوصول لغرضه ، ومنه العسس ـ بفتح العين والسين المهملتين ـ وهم حراس الليل ، سموا بذلك لكثرة ما يذهبون ويجيئون ، «الجروس» ـ بفتح الجيم ـ المصوت ، «ذو لبد» يعني به الأسد ولبده : شعره الذي بين كتفيه «هموس» خفيف الوطء ، «بسابسا» جمع بسبس ، وهو القفر ، «اليعافير» جمع يعفور ـ بفتح الياء أو ضمها ـ وهو الظبي الأعفر : أي الذي لونه لون العفر وهو التراب ، «العيس» الإبل ، «ملمع» فيها لمع بياض وسواد ، «كنوس» أي : داخلة في كنسها ، والكنس ـ بضمتين ـ جمع كناس ، مثل كتاب وكتب ، وهو بيت الظبي في الشجر.

الإعراب : «وبلدة» الواو واو رب ، بلدة : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، «ليس» فعل ماض ناقص ، «بها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليس تقدم على اسمه ، «أنيس» اسم ليس ، والجملة من ليس واسمه وخبره

٢٨٩

وذكرت أيضا أن المستثنى بغير وسوى مخفوض دائما ، لأنهما ملازمان للإضافة لما بعدهما ، فكل اسم يقع بعدهما فهما مضافان إليه ، فلذلك يلزمه الخفض.

وأن المستثنى بخلا وعدا وحاشا يجوز فيه الخفض والنصب ؛ فالخفض على أن يقدّرن حروف جرّ ، والنصب على أن يقدرن أفعالا استتر فاعلهن ، والمستثنى مفعول ، هذا هو الصحيح ، ولم يجوّز سيبويه في المستثنى بعدا غير النصب ؛ لأنه يرى أنها لا تكون إلا فعلا ، ولا في المستثنى بحاشا غير الجر ؛ لأنه يرى أنها لا تكون إلا حرفا.

ثم قلت : والبواقي خبر كان وأخواتها ، وخبر كاد وأخواتها ، ويجب كونه مضارعا مؤخّرا عنها ، رافعا لضمير أسمائها ، مجرّدا من «أن» بعد أفعال الشّروع ، ومقرونا بها بعد حرى واخلولق ، وندر تجرّد خبر عسى وأوشك ، واقتران خبر كاد وكرب ، وربّما رفع السّببيّ بخبر عسى ؛ ففي قوله :

* وما ذا عسى الحجّاج يبلغ جهده*

فيمن رفع «جهده» شذوذان ، وخبر ما حمل على ليس ، واسم إنّ وأخواتها.

وأقول : العاشر من المنصوبات : خبر «كان» وأخواتها ، نحو (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) [الفرقان ، ٥٤] (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [آل عمران ، ١٠٣] (لَيْسُوا سَواءً) [آل عمران ، ١١٣] (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) [مريم ، ٣].

الحادي عشر : خبر كاد وأخواتها ، وقد تقدم في باب المرفوعات أن خبرهن لا يكون إلا فعلا مضارعا ، وذكرت هنا أنه ينقسم ـ باعتبار اقترانه بأن وتجرّده منها ـ أربعة أقسام :

______________________________________________________

صفة لبلدة ، وخبر المبتدأ ـ على هذه الرواية ـ محذوف ، وتقدير الكلام : سكنتها ، أو جبتها ، «إلا» أداة استثناء ، «اليعافير» بدل من أنيس ، «وإلا» الواو عاطفة ، إلا : أداة استثناء «العيس» معطوف على اليعافير ؛ فهو بدل أيضا من أنيس.

الشّاهد فيه : قوله «إلا اليعافير وإلا العيس» حيث رفع اليعافير والعيس على أنهما بدلان من قوله «أنيس» : مع أنهما ليسا من جنس الأنيس أي الذي يؤنس به.

لكن الذي ذهب إليه سيبويه أنه ينبغي إما التوسع في المستثنى منه ـ وهو الأنيس ههنا ـ حتى

٢٩٠

أحدها : ما يجب اقترانه بها (١) ، وهو حرى واخلولق ، تقول : «حرى زيد أن يفعل» و «اخلولقت السماء أن تمطر» ولا أعرف من ذكر «حرى» من النحويين غير ابن مالك ، وتوهّم أبو حيّان أنه وهم فيها ، وإنما هي حرى بالتنوين اسما لا فعلا ، وأبو حيان هو الواهم ، بل ذكرها أصحاب كتب الأفعال من اللّغويين ، كالسّرقسطيّ ، وابن طريف ، وأنشدوا عليها شعرا ، وهو قول الأعشى :

١٢٦ ـ إن يقل هنّ من بني عبد شمس

فحرى أن يكون ذاك ، وكانا

______________________________________________________

يعم المستثنى وغيره ؛ فيصبح استثناء متصلا ، فكأنه قال : ليس بها شيء إلا اليعافير وإلا العيس ، أو يتوسع في المستثنى حتى يجعل من جنس الأنيس : أي ما يؤنس به ، فيكون الاستثناء متصلا أيضا ، والمقصود أنه يجعل هذا ونحوه من نوع الاستثناء المتصل : إما بالتجوز في المستثنى منه ، وإما بالتجوز في المستثنى ، وهذا ميل إلى استبعاد مجيء المستثنى المنقطع فافهم ذلك وتدبره ، والله يعصمك.

١٢٦ ـ هذا بيت من الخفيف ، وقد نسبه المؤلف إلى الأعشى ، والظاهر أنه يريد الأعشى ميمون تبعا لجماعة ، والبيت ليس مما ثبت روايته عن الأعشى ، ولذلك لا تجده في ديوانه الذي شرحه أبو العباس ثعلب.

الإعراب : «إن» شرطية ، «يقل» فعل مضارع مجزوم فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، «هن» ضمير منفصل مبتدأ ، «من بني» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ خبره في محل نصب مقول القول ، وبني مضاف و «عبد» مضاف إليه ، وعبد

__________________

(١) ههنا أمران ؛ الأول : أن تعرف لماذا كان خبر هذين الفعلين واجب الاقتران بأن المصدرية ، وجواب ذلك أن نقول لك : إن هذين الفعلين يدلان على رجاء المتكلم وقوع خبرهما ، والفعل المرجو ـ وهو هنا الخبر ـ لا يكون حصوله في زمن التكلم ، وإلا لما ترجى المتكلم حصوله ، وإنما يتراخى حصوله عن وقت الكلام ، والأصل في الفعل المضارع كونه صالحا للحال وللاستقبال ؛ فاحتيج إلى أن تقترن به أن المصدرية التي تمحضه للاستقبال ؛ لكي يتطابق زمنه مع زمن وقوعه بالنظر إلى كونه مرجو الحصول.

وأما الأمر الثاني فهو : أن المصدر الذي ينسبك من الفعل المضارع وأن المصدرية اسم حدث ، وأسماء هذين الفعلين قد تكون أسماء من أسماء الذوات ، كالمثالين اللذين مثل بهما المؤلف ؛ فينتج عن ذلك أن يقع الاسم الدالّ على الحدث خبرا عن اسم دالّ على ذات ، وقد سبق للمؤلف أن بين أن ذلك لا يصح إلا على تأويل ، ونحن نجيب على ذلك بأن الكلام ههنا على تأويل ، وذلك بواحد من ثلاثة أوجه : أولها أن نقدر مضافا هو اسم معنى قبل اسم هذين الفعلين ؛ فنحو «حرى زيد أن يفعل» يصير تأويله : حرى أمر زيد الفعل ، وثانيهما أن نقدر مضافا هو اسم ذات قبل الخبر ، فيصير تأويل هذا المثال : حرى زيد صاحب الفعل. والثالث : ألا نقدر مضافا لا قبل الاسم ولا قبل الخبر ؛ ولكن نقصد المبالغة ؛ فكأنك بالغت في زيد حتى جعلته نفس الفعل ، وبالغت في السماء حتى جعلته نفس الإمطار.

٢٩١

القسم الثاني : ما الغالب اقترانه بها ، وهو عسى وأوشك (١) ، مثال ذكر «أن» قول الله تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) [الإسراء ، ٨] ، وقول الشاعر :

١٢٧ ـ ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا

إذا قيل هاتوا ـ أن يملّوا فيمنعوا

______________________________________________________

مضاف و «شمس» مضاف إليه ، «فحرى» الفاء واقعة في جواب الشرط ، حرى : فعل ماض ناقص «أن» حرف مصدري ونصب ، «يكون» فعل مضارع تام منصوب بأن ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله ، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر حرى «ذاك» ذا : اسم إشارة اسم حرى ، مبني على السكون في محل رفع ، والكاف حرف خطاب ، «وكانا» الواو عاطفة ، وكان : فعل ماض تام ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والألف للإطلاق.

الشّاهد فيه : قوله «حرى أن يكون ذاك» حيث استعمل حرى فعلا دالّا على الرجاء ، وجاء بخبره مضارعا مقرونا بأن ، والمؤلف يرد بهذا على من أنكر ثبوت هذا الفعل.

ويقول أبو رجاء عفا الله عنه : إن في دلالة هذا البيت مقالا ؛ فإنه لم يثبت في ديوان الأعشى الذي رواه وشرحه أبو العباس ثعلب ، وأيضا فبعد تسليم ثبوته لا يكون نصّا فيما زعمه المؤلف ؛ لجواز أن يكون «حرى» اسما منونا أيضا ، وهو خبر مقدم ، و «أن يكون» في تأويل مصدر هو مبتدأ مؤخر ، فإن قلت : فالرواية عند هؤلاء بغير تنوين ، قلت : لا يبعد أن يكون حذف التنوين على نية الوقف كما يقولون ، والحاصل أن النفس غير مطمئنة إلى الاستدلال بهذا البيت.

١٢٧ ـ هذا بيت من الطويل ، وهو من الشواهد التي لم أقف لها على نسبة إلى قائل معين ، وقد ذكره المؤلف في أوضحه (رقم ١٢٣) وابن عقيل (رقم ٩٠) وأنشده ثعلب في أماليه (٢ / ٣٦٥) ولم ينسبه ، والأشموني (رقم ٢٣٨) ، وقبل بيت الشاهد قوله :

__________________

(١) الذي ذكره المؤلف ـ من أن الغالب في المضارع الواقع خبرا لعسى أن يقترن بأن المصدرية ، وغير الغالب أن يتجرد منها ـ هو مذهب سيبويه ، وهو الذي اختاره العلامة ابن مالك في الألفية ، وذهب جمهور البصريين إلى أن تجرد المضارع الواقع خبرا لعسى من أن المصدرية خاص بضرورة الشعر ، وهذا المذهب هو الموافق للقياس ، وهو الذي ينطبق على التعليل الذي ذكرناه في وجوب اقتران خبر حرى واخلولق بأن المصدرية ؛ فإن عسى فعل دال على الرجاء مثلهما ، وأما أوشك فلكونها تأتي أحيانا للدلالة على الرجاء فتكون مثل عسى ، وأحيانا تأتي للدلالة على مقاربة حصول الخبر ـ وهذا المعنى الثاني هو الذي ذكره المؤلف فيها ـ لم تصر بمنزلة فعل الرجاء حتى يتعين في خبرها أن يقترن بأن المصدرية ، ولو أنه لوحظ فيها أحد المعنيين بخصوصه لما كان ذلك حكمها ؛ فلو لوحظ دلالتها على المقاربة لترجح تجرد خبرها من أن المصدرية ككرب وكاد الآتيين ، ولو لوحظ دلالتها على الرجاء وحده لوجب اقتران خبرها بأن كحرى.

٢٩٢

ومثال تركها قول الشاعر :

١٢٨ ـ عسى فرج يأتي به الله ؛ إنّه

له كلّ يوم في خليقته أمر

______________________________________________________

أبا مالك لا تسأل النّاس ، والتمس

بكفّيك فضل الله ، والله أوسع

اللّغة : «يملّوا» يعتريهم الملل والسأم ويضجروا من إعطاء التراب الذي هو أتفه الأشياء وأحقرها ، فكيف لو أنك طلبت إليهم شيئا ذا خطر؟ ويروى «ويمنعوا».

المعنى : إن من طبع الناس إنهم لو سئلوا أن يعطوا أتفه الأشياء وأهونها خطرا وأقلها قيمة لما استجابوا للسائل ، بل إنهم يمنعون السائل ويملّون السؤال.

الإعراب : «لو» شرطية غير جازمة ، «سئل» فعل ماض مبني للمجهول ، «الناس» نائب فاعل ، وهو المفعول الأول لسئل ، «التراب» مفعول به ثان لسئل ، «لأوشكوا» اللام واقعة في جواب لو ، أوشك : فعل ماض ناقص ، وواو الجماعة اسمه ، «إذا» ظرفية تضمنت معنى الشرط ، «قيل» فعل ماض مبني للمجهول ، «هاتوا» فعل أمر وفاعله ، والجملة في محل رفع مقول قيل ، وجملة قيل مع نائب فاعله في محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب إذا محذوف تدل عليه جملة أوشك واسمه وخبره ، وجملة الشرط مع فعل الشرط وجوابه لا محل لها من الإعراب معترضة بين أوشك مع مرفوعه وبين خبره «أن» مصدرية ، «يملّوا» فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة فاعله ، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب خبر أوشك ، وأصل نظام البيت هكذا : لو سئل الناس التراب لأوشكوا أن يملّوا ويمنعوا إذا قيل هاتوا أوشكوا أن يملّوا ويمنعوا ، «فيمنعوا» فعل مضارع معطوف على السابق بالفاء ، وواو الجماعة فاعله.

الشّاهد فيه : قوله «لأوشكوا أن يملّوا» حيث أتى بخبر أوشك فعلا مضارعا مقترنا بأن المصدرية على ما هو الغالب في خبر هذا الفعل.

١٢٨ ـ هذا بيت من الطويل ، وقد نسبوا هذا البيت لمحمد بن إسماعيل ، وذكروا قبله بيتين ، وهما قوله :

عليك إذا ضاقت أمورك والتوت

بصبر ؛ فإنّ الضّيق مفتاحه الصّبر

ولا تشكون إلّا إلى الله وحده

فمن عنده تأتي الفوائد واليسر

والبيت من شواهد ابن عقيل (رقم ٨٨).

الإعراب : «عسى» فعل ماض ناقص ، «فرج» اسم عسى ، «يأتي» فعل مضارع ، «به» جار ومجرور متعلق بيأتي ، «الله» فاعل يأتي ، والجملة خبر عسى ، «إنه» إن : حرف توكيد ونصب ، والضمير اسمه ، «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، «كل» ظرف زمان ، منصوب

٢٩٣

وقول الآخر :

١٢٩ ـ يوشك من فرّ من منيّته

في بعض غرّاته يوافقها

القسم الثالث : يترجح تجرّد خبره من «أن» وهو فعلان : كاد ، وكرب ، مثال التجرد منها قوله تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة ، ٧١] ، وقول الشاعر :

______________________________________________________

على الظرفية متعلق بمحذوف حال إما من أمر الآتي وإما من ضميره المستتر في الجار والمجرور ، وكل مضاف ، و «يوم» مضاف إليه ، «في خليقته» الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال أيضا صاحبه هو صاحب الحال السابق ، وخليقة مضاف والضمير مضاف إليه ، «أمر» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن.

الشّاهد فيه : قوله «عسى فرج يأتي به الله» حيث أتى بخبر عسى فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية ، وذلك نادر في خبر هذا الفعل ، وفي البيت كلام لا تتسع له هذه العجالة.

ومثله قول الشاعر : وأنشده أبو العباس المبرد في الكامل (١ / ٣٩٣) :

عسى فارج الكرب عن يوسف

يسخّر لي ربّة المحمل

وقول جميل صاحب بثينة (ديوانه ١٢٨) :

وقالت : ترفّق في مقالة ناصح

عسى الدّهر يوما بعد نأي يساعف

١٢٩ ـ هذا بيت من المنسرح ، وقد نسب جماعة ـ منهم أبو العباس المبرد في الكامل (١ / ٤٤) ـ هذا البيت لأمية بن أبي الصلب أحد شعراء الجاهلية ، وزعم صاعد أن البيت لرجل من الخوارج ، ولم يسمه ، وقد نسبه أبو الحسن في تعليقاته على كامل المبرد (١ / ٤٤) إلى رجل من الخوارج قتله الحجاج بن يوسف الثقفي ، وذكر أن ذلك هو الصحيح عن الأصمعي (وانظر الكامل : ١ ، ٤٤ ، ٢٠١) وذكر معه ثلاثة أبيات ، والبيت من شواهد ابن عقيل (رقم ٩١) وهو من أبيات سيبويه (ج ١ ص ٤٨٩) وأنشده المؤلف في أوضحه (رقم ١٢٥) ، وقد وجدت بيت الشاهد في ديوان شعر أمية بن أبي الصلت ، وقبله ـ وهو كلام تظهر فيه روح أمية ويتفق مع المعاني التي كان يطرقها كثيرا :

باتت همومي تسري طوارقها

أكفّ عيني والدّمع سابقها

ورغبة النّاس في الحياة ، وإن

عاشت طويلا فالموت لاحقها

قد أنبئت أنّها تعود كما

كان بديئا بالأمس خالقها

وأنّ ما جمّعت وأعجبها

من عيشها مرّة مفارقها

٢٩٤

١٣٠ ـ كرب القلب من جواه يذوب

حين قال الوشاة هند غضوب

______________________________________________________

اللّغة : «غراته» بكسر الغين ـ جمع غرة ، وهي الغفلة ، «منيته» هي الموت.

المعنى : إن الذي يفر من الموت في الحرب لقريب الوقوع بين براثنه في بعض غفلاته.

الإعراب : «يوشك» فعل مضارع ناقص ، «من» اسم موصول اسم يوشك ، مبني على السكون في محل رفع ، «فر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة لا محل لها صلة ، «من منيته» الجار والمجرور متعلق بفر ، ومنية مضاف والضمير مضاف إليه ، «في بعض» جار ومجرور متعلق بيوافق الآتي ، وبعض مضاف وغرات من «غراته» مضاف إليه ، وغرات مضاف والضمير مضاف إليه ، «يوافقها» يوافق : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، وضمير المؤنث العائد إلى المنية مفعول به ، والجملة في محل نصب خبر يوشك.

الشّاهد فيه : قوله «يوشك من فر ... يوافقها» حيث أتى بخبر يوشك الذي هو مضارع أوشك فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية ، وذلك نادر في خبر هذا الفعل.

١٣٠ ـ هذا بيت من الخفيف ، وقد نسبه قوم إلى رجل من طيئ ، ولم يعينوه ، وقال الأخفش : إنه للكلحبة اليربوعي أحد فرسان بني تميم وشعرائهم المجيدين ، وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ٩٢) ، وأنشده المؤلف في أوضحه (رقم ١٢٦) والأشموني (رقم ٢٩٢).

اللّغة : «جواه» الجوى : شدة الوجد ، «الوشاة» جمع واش ، وهو النمام الساعي بالإفساد بين الأحبة ، والذي يستخرج أحاديث المحبين بلطف ، ويروى في مكانه «العذول» وهو فعول بمعنى فاعل ، ونظيره صبور وغدور وخؤون ولجوج وشكور ، قال الشاعر :

ولن يمنع النّفس اللّجوج عن الهوى

من النّاس إلّا واحد الفضل كامله

الإعراب : «كرب» فعل ماض ناقص ، «القلب» اسمه ، «من جواه» الجار والمجرور متعلق بيذوب ، وجوى مضاف وضمير الغائب العائد إلى القلب مضاف إليه ، «يذوب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القلب ، والجملة في محل نصب خبر كرب ، «حين» ظرف زمان منصوب على الظرفية ، والعامل فيه قوله يذوب أو قوله كرب ، «قال الوشاة» فعل وفاعل ، والجملة في محل جر بإضافة حين إليها ، «هند» مبتدأ «غضوب» خبره ، والجملة في محل نصب مقول القول.

الشّاهد فيه : قوله «كرب القلب يذوب» حيث جاء الشاعر بخبر كرب جملة فعلية فعلها مضارع مجرد من «أن» المصدرية.

٢٩٥

ومثال الاقتران بها قول الشاعر :

١٣١ ـ كادت النّفس أن تفيض عليه

مذ ثوى حشو ريطة وبرود

وقوله :

١٣٢ ـ سقاهاذوو الأحلام سجلا على الظّما

وقد كربت أعناقها أن تقطّعا

______________________________________________________

١٣١ ـ هذا بيت من الخفيف ، وهو من كلمة لمحمد بن مناذر ، أحد شعراء البصرة ، يرثي فيها رجلا اسمه عبد الحميد ، وقبل بيت الشاهد قوله :

إنّ عبد الحميد يوم توفّي

هدّ ركنا ما كان بالمهدود

ليت شعري وهل درى حاملوه

ما على النّعش من عفاف وجود

وأنشد ابن قتيبة البيت الشاهد في أدب الكاتب (ص ٣١٤ بتحقيقنا) ونسبه ابن السيد البطليوسي لأبي زبيد الطائي يرثي اللجلاج الحارثي ، وقد أنشد هذا البيت أيضا ابن عقيل (رقم ٨٩) والمؤلف في أوضحه (رقم ١٣٧) والأشموني (رقم ٢٣٥).

اللّغة : «تفيض» من قولهم : فاضت نفس فلان ، ويروى «تفيظ» بالظاء ، وكل العلماء يجيز لك أن تقول : فاظت نفس فلان ، إلا الأصمعي فإنه أبى إلا أن تقول : فاظ فلان ، من غير أن تذكر لفظ النفس ، أو تقول : فاضت نفس فلان ، بالضاد ، «مذ ثوى» أي أقام ، ويروى في مكانه «إذ غدا» ، وقوله «ريطة» هو بفتح الراء المهملة وسكون الياء المثناة ـ الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ، «برود» جمع برد ـ بضم الباء وسكون الراء وآخره دال مهملة ـ وهو الثوب ، وأراد هنا الأكفان التي يلف فيها الميت.

الإعراب : «كادت» كاد : فعل ماض ناقص ، والتاء علامة التأنيث ، «النفس» اسم كاد ، «أن» حرف مصدري ونصب ، «تفيض» فعل مضارع منصوب بأن ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى النفس ، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب خبر كاد ، «عليه» جار ومجرور متعلق بتفيض ، «إذ» ظرف للزمان الماضي متعلق بقوله تفيض ، مبني على السكون في محل نصب ، «ثوى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها ، ومن رواه «مذ ثوى» فمذ كذلك ظرف ، والجملة في محل جر بالإضافة ، «حشو» حال من فاعل ثوى ، وحشو مضاف و «ريطة» مضاف إليه ، «وبرود» معطوف على ريطة.

الشّاهد فيه : قوله : «كادت النفس أن تفيض» حيث أتى بخبر كاد فعلا مضارعا مقترنا بأن ، وهذا نادر في خبر ذلك الفعل.

١٣٢ ـ هذا بيت من الطويل من كلمة لأبي زيد الأسلمي ، يهجو فيها إبراهيم بن هشام

٢٩٦

«تقطّع» فعل مضارع ، وأصله تتقطع فحذف إحدى التاءين ، ولم يذكر سيبويه في خبر «كرب» إلا التجرد.

القسم الرابع : ما يمتنع اقتران خبره بأن ، وهو أفعال الشّروع : طفق ، وجعل ، وأخذ ، وعلق ، وأنشأ ، وهبّ ، وهلهل ، قال الله تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ)

[الأعراف ، ٢٢ وطه ، ١٢١].

وقال الشاعر :

٨٧ ـ وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني

ثوبي ، فأنهض نهض الشّارب السّكر (١)

______________________________________________________

ابن إسماعيل بن هشام بن المغيرة والي المدينة ، وكان قد مدحه قبل ، فلم ترقه مدحته فلم يعطه ، وزاد على ذلك أن أمر به فعذب بالسياط ، وأول هذه الكلمة قوله :

مدحت عروقا للنّدى مصّت الثّرى

حديثا ، فلم تهمم بأن تترعرعا

وقد روى أبو العباس المبرد هذه الأبيات ، وذكر كلمة أبي زيد ، وفيها بيت الشاهد (انظر الكامل ج ١ ص ١٠٩) والبيت الشاهد قد أنشده ابن عقيل (رقم ٩٣) والمؤلف في أوضحه (رقم ١٣٨) والأشموني (رقم ٢٤١).

اللّغة : «عروقا» العروق : جمع عرق ـ بكسر فسكون ـ وأصله عرق الشجرة الضارب في الأرض ، «مصت الثرى حديثا» أراد أنها ذاقت طعم الغنى حديثا ، والثرى في الأصل : التراب ، فأما الغنى فهو الثراء ـ ممدودا ـ وعبر بالثرى لمناسبة العروق ، «لم تهمم» تقول : هم فلان بأمر كذا ، إذا اعتزم أن يفعله وصمم على ذلك ، «بأن تترعرعا» بأن تنمو وتزيد ، يريد أنها لم تكن على استعداد لذلك لضآلة أصلها ، «ذوو الأحلام» أي : أصحاب العقول ، ويروى في مكانه «ذوو الأرحام» وهم الأقارب من جهة النساء ويعني بذوي الأرحام هشام بن عبد الملك بن مروان الخليفة ، وكان إبراهيم بن هشام الذي قيل فيه هذا البيت خاله ، «سجلا» ـ بفتح السين وسكون الجيم ـ الدلو العظيمة المملوءة ماء ، وقيل : هو ملؤها.

الإعراب : «سقاها» سقى : فعل ماض ، وضمير الغائبة العائد إلى العروق في البيت الذي أنشدناه مفعول به أول ، «ذوو» فاعل سقى ، مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم ، وذوو مضاف و «الأحلام»

__________________

(١) قد سبق الكلام على هذا الشاهد بما لا تحتاج معه إلى إعادة شيء من القول عليه (فانظره في أثناء الكلام على المرفوعات فيما مضى من هذا الكتاب).

٢٩٧

وقال الشاعر :

١٣٣ ـ فأخذت أسأل والرّسوم تجيبني

وفي الاعتبار إجابة وسؤال

وقال الآخر :

١٣٤ ـ * أراك علقت تظلم من أجرنا*

______________________________________________________

مضاف إليه ، «سجلا» مفعول ثان لسقى ، «على الظما» جار ومجرور متعلق بسقى ، «وقد» الواو واو الحال ، قد : حرف تحقيق ، «كربت» كرب : فعل ماض ناقص ، والتاء علامة التأنيث ، «أعناقها» أعناق : اسم كرب ، وأعناق مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه ، «أن» حرف مصدري ونصب ، «تقطعا» فعل مضارع منصوب بأن ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الأعناق ، والألف للإطلاق ، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب خبر كرب.

الشّاهد فيه : قوله «كربت أعناقها أن تقطع» حيث جاء الشاعر بخبر كرب فعلا مضارعا مقترنا بأن المصدرية ، وهذا نادر في خبر هذا الفعل.

١٣٣ ـ هذا بيت من الكامل ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين.

الإعراب : «أخذت» أخذ : فعل ماض دال على الشروع في الخبر ، والتاء ضمير المتكلم اسمه ، «أسأل» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة في محل نصب خبر أخذ ، «والرسوم» الواو عاطفة أو حالية ، والرسوم : مبتدأ ، «تجيبني» تجيب : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الرسوم والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال إن جعلت الواو حالية ، ولا محل لها من الإعراب إن جعلت الواو عاطفة ؛ لأن الجملة المعطوف عليها لا محل لها ، والأحسن أن تجعل الواو حالية ؛ لأن الجملتين لم يتوافقا من جهة الفعلية والاسمية ، «وفي الاعتبار» الواو للاستئناف ، وما بعدها جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «إجابة» مبتدأ مؤخر ، «وسؤال» معطوف عليه.

الشّاهد فيه : قوله «أخذت أسأل» حيث أتى بخبر الفعل الدالّ على الشروع ـ وهو أخذ ـ فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية ، وذلك واجب في خبر هذا الفعل وأخواته.

١٣٤ ـ هذا الشاهد صدر بيت من الوافر ، وعجزه قوله :

* وظلم الجار إذلال المجير*

وهذا البيت من شواهد الأشموني (رقم ٢٤٣) وقد شرحناه هناك شرحا وافيا.

اللّغة : «علقت» أخذت وشرعت ، «تظلم» تجاوز الحد وتعتدي ، «أجرنا» قصد به معنى

٢٩٨

وقال :

١٣٥ ـ * أنشأت أعرب عمّا كان مكنونا*

وقال :

٨٨ ـ * هببت ألوم القلب في طاعة الهوى* (١)

وقال :

٨٩ ـ وطئنا ديار المعتدين فهلهلت

نفوسهم قبل الإماتة تزهق (٢)

النوع الثاني عشر : خبر ما حمل على ليس ، وهو أربعة :

______________________________________________________

حميناه وجعلناه بمنزلة جارنا الذي تلاصق داره دارنا في تعظيم حقه والانتصار له.

الإعراب : «أراك» أرى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والكاف ضمير المخاطب مفعول أول لأرى ، «علقت» علق : فعل ماض ناقص ، وتاء المخاطب اسمه ، «تظلم» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة من الفعل الذي هو تظلم وفاعله في محل نصب خبر علق ، والجملة من علق واسمه وخبره في محل نصب مفعول ثان لأرى ، «من» اسم موصول مفعول به لتظلم ، مبني على السكون في محل نصب ، «أجرنا» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها صلة للموصول ، والعائد ضمير منصوب بأجار محذوف ، والتقدير : تظلم من أجرناه ، «وظلم» الواو للاستئناف ، ظلم : مبتدأ ، وظلم مضاف و «الجار» مضاف إليه ، «إذلال» خبر المبتدأ ، وإذلال مضاف و «المجير» مضاف إليه.

الشّاهد فيه : قوله «علقت تظلم» حيث جاء بخبر علق الدال على الشروع في الخبر فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية ، وذلك واجب في خبر هذا الفعل وأخواته.

١٣٥ ـ هذا عجز بيت من البسيط ، وصدره قوله :

* لمّا تبيّن مين الكاشحين لكم*

ولم أعثر على نسبته إلى قائل معين.

__________________

(١) قد سبق القول على هذا الشاهد بما لا تحتاج معه إلى إعادة شيء من الكلام عليه ، فارجع إليه في أثناء باب المرفوعات الماضي من هذا الكتاب.

(٢) قد سبق القول على هذا الشاهد بما لا نرى معه حاجة إلى تكرار القول عليه ؛ فانظره في أثناء باب المرفوعات من هذا الكتاب.

٢٩٩

أحدها : «لات» كقوله تعالى : (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص ، ٣].

والثاني : «ما» كقوله تعالى : (ما هذا بَشَراً) [يوسف ، ٣١].

والثالث : «لا» كقول الشاعر :

٩٢ ـ تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا

ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (١)

والرابع : «إن» النافية كقول الشاعر :

١٣٦ ـ إن هو مستوليا على أحد

إلّا على أضعف المجانين

______________________________________________________

اللّغة : «تبين» ظهر بعد ما كان في طي الخفاء ، «مين» بفتح الميم وسكون الياء المثناة التحتية ـ هو الكذب ، ومنه قول الشاعر :

وقدّدت الأديم لراهشيه

وألفى قولها كذبا ومينا

«الكاشحين» المبغضين واحدهم كاشح ، «أنشأت» شرعت ، «أعرب» أظهر ، «مكنونا» مستورا خافيا.

الإعراب : «لما» ظرف بمعنى حين مبني على السكون في محل نصب ، والعامل فيه أنشأ الآتي ، «تبين» فعل ماض «مين» فاعل تبين ، ومين مضاف و «الكاشحين» مضاف إليه ، «لكم» جار ومجرور متعلق بالكاشحين ، واللام للتقوية ، أو متعلق بتبين وهو أظهر ، وجملة تبين مع فاعله في محل جر بإضافة لما الحينية إليها ، «أنشأت» أنشأ : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير المتكلم اسمه ، «أعرب» فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة من الفعل الذي هو أعرب وفاعله في محل نصب خبر أنشأ ، «عما» عن : حرف جر ، وما : اسم موصول مجرور محلا بعن ، والجار والمجرور متعلق بأعرب ، «كان» فعل ماض ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، «مكنونا» خبر كان ، وجملة كان واسمه وخبره لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

الشّاهد فيه : قوله «أنشأت أعرب» حيث أتى بخبر أنشأ ـ الذي هو فعل ماض ناقص دالّ على الشروع في الخبر ـ فعلا مضارعا مجردا من أن المصدرية ، وذلك واجب في هذا الفعل وسائر أخواته.

١٣٦ ـ هذا بيت من المنسرح ، ويكثر استشهاد النحاة بهذا البيت ولم ينسبه أحد إلى قائل

__________________

(١) وهذا الشاهد أيضا قد مضى قولنا في شرحه وبيان مكان الاستشهاد منه ؛ فارجع إليه في أثناء باب المرفوعات الماضي من هذا الكتاب.

٣٠٠