شرح شذور الذّهب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

شرح شذور الذّهب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير
الطبعة: ٠
ISBN: 977-277-343-0
الصفحات: ٤٩٥

فيا لقصيّ ما زوى الله عنكم

به من فعال لا تجازى وسؤدد

وكان حقه أن يقول «قالا في خيمتي أمّ معبد» أي قيّلا فيها (١) ، ويروى حلّا بدل قالا ، والتقدير [أيضا] حلّا في خيمتي ، ولكنه اضطر فأسقط «في» وأوصل الفعل بنفسه ، وكذا عملوا في قولهم «دخلت الدّار ، والمسجد» ونحو ذلك ، إلا أن التوسع مع «دخلت» مطّرد ؛ لكثرة استعمالهم إياه.

______________________________________________________

ليهن بني كعب مكان فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شائها وإنائها

فإنّكم إن تسألوا الشّاة تشهد

اللّغة : «رفيقين» تثنية رفيق ، وهو الذي يرافقك في عمل ما ، وأراد بهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورفيقه في الهجرة من مكة إلى المدينة أبا بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، «قالا» أراد نزلا في وقت القيلولة ، وهي حين يشتد الحر ، «أم معبد» امرأة من بني كعب اسمها عاتكة بنت خالد الخزاعية ، «بالبر» يروى بفتح الباء وكسرها ، فإن كسرتها فمعناه الإحسان والباء للمصاحبة ، وإن فتحت الباء جاز أن يكون البر بمعنى الإحسان أيضا كما يجوز أن يكون البر الذي هو مقابل البحر ، «ترحلا» أراد ظعنا وفارقا هذا المكان ، وتقول : ترحل القوم وارتحلوا ، «يا لقصي» أراد آل قصي بن مرة ، وهو أحد أجداده صلوات الله وسلامه عليه ، «ما زوى الله عنكم» يريد أي شيء صرفه عنكم من المجد والرفعة بسبب خلافكم عليه وإلجائكم إياه إلى الهجرة والخروج من بلدكم ، «سؤدد» بضم السين وسكون الواو مهموزة أو غير مهموزة وضم الدال المهملة بعدها أو فتحها ؛ فهذه أربع لغات ، والسؤدد : خصال الرفعة والمجد والكرم.

الإعراب : «جزى الله» فعل وفاعل ، «رب» صفة للفظ الجلالة ، وجعله قوم بدل كل من كل من لفظ الجلالة ، وهو عندنا بعيد ؛ لأن الرب ههنا مشتق بمعنى المربي ، ورب مضاف و «الناس» مضاف إليه ، «خير» مفعول به ثان لجزى ، وخير مضاف وجزاء من «جزائه» مضاف إليه ، وجزاء مضاف والضمير العائد إلى الله مضاف إليه ، «رفيقين» مفعول أول لجزى ، «قالا» قال : فعل ماض ، وألف الاثنين فاعله ، والجملة في محل نصب صفة لرفيقين ، «خيمتي» منصوب على الظرفية المكانية ، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة لأنه مثنى ، وهو مضاف و «أم» مضاف إليه ، وأم مضاف و «معبد» مضاف إليه ، «هما» ضمير منفصل مبتدأ ، «نزلا» فعل وفاعل ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، «بالبر» جار ومجرور متعلق بنزل ، «ثم» حرف عطف ، «ترحلا» فعل وفاعل ، وجملتهما في محل رفع معطوفة على جملة

__________________

(١) أي : نزلا فيها وقت القيلولة ، وهي : وقت اشتداد الحر عند منتصف النهار.

٢٦١

ثم قلت : الخامس المفعول معه ، وهو : الاسم ، الفضلة ، التّالي واو المصاحبة ، مسبوقة بفعل أو ما فيه معناه وحروفه ، ك «سرت والنّيل» و «أنا سائر والنّيل».

وأقول : الخامس من المنصوبات : المفعول معه.

وإنما جعل آخرها في الذكر لأمرين ؛ أحدهما : أنهم اختلفوا فيه ، هل هو قياسي أو سماعي؟ وغيره من المفاعيل لا يختلفون في أنه قياسي ، والثاني : أنّ العامل إنما يصل إليه بواسطة حرف ملفوظ به ، وهو الواو ، بخلاف سائر المفعولات.

وهو عبارة عما اجتمع فيه ثلاثة أمور ؛ أحدها : أن يكون اسما (١) ، والثاني : أن

______________________________________________________

الخبر ، «فأفلح» الفاء عاطفة ، أفلح : فعل ماض ، «من» اسم موصول فاعل أفلح ، مبني على السكون في محل رفع ، «أمسى» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، «رفيق» خبر أمسى ، وهو مضاف و «محمد» مضاف إليه ، وجملة أمسى واسمه وخبره لا محل لها صلة الموصول ، «يا» حرف نداء واستغاثة ، «لقصي» اللام حرف جر ، قصي : مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف نابت عنه يا ؛ أو بنفس يا ؛ على خلاف مشهور ، وجعل بعضهم يا حرف نداء ، واللام بقية آل ، منادى منصوب بالفتحة الظاهرة ، وهو مضاف ، وقصي مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة ، «ما» اسم استفهام مبتدأ مبني على السكون في محل رفع ، «زوى الله» فعل وفاعل ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، والرابط ضمير محذوف منصوب بزوى ، والتقدير : أي شيء زواه الله ، «عنكم» جار ومجرور متعلق بزوى ، «به» جار ومجرور متعلق بزوى أيضا ، «من فعال» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من «ما» الاستفهامية الواقعة مبتدأ على رأي سيبويه الذي يجيز مجيء الحال من المبتدأ ، أو حال من الضمير المنصوب بزوى العائد إلى ما ، «لا» نافية «تجازي» فعل مضارع مبني للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على فعال ، والجملة في محل جر صفة لفعال ، «وسؤدد» معطوف على فعال.

__________________

(١) ومن شرط الاسم الذي يقع مفعولا معه : أن يكون اسما صريحا ، وخرج بذلك شيئان ، الأول : الاسم المؤول من أن المصدرية والفعل المضارع نحو «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» بنصب تشرب بأن المضمرة بعد واو المعية ، فلا يسمى الاسم المؤول مفعولا معه عند الجمهور ، خلافا لبعضهم ، والثاني : الجملة ، نحو «جاء محمد والشمس طالعة» فإن جملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال ، ولا تسمى عند الجمهور مفعولا معه ، وذكر في مغني اللبيب أن الصدر الفاضل تلميذ الزمخشري يسميها مفعولا معه ، وليس بشيء.

٢٦٢

يكون واقعا بعد الواو الدالة على المصاحبة ، والثالث : أن تكون تلك الواو مسبوقة بفعل ، أو ما فيه معنى الفعل وحروفه.

وذلك كقولك : «سرت والنّيل» و «استوى الماء والخشبة» و «جاء البرد والطّيالسة» وكقول الله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [يونس ، ٧١] أي : فأجمعوا أمركم مع شركائكم ، ف (شُرَكاءَكُمْ) مفعول معه ؛ لاستيفائه الشروط الثلاثة.

ولا يجوز على ظاهر اللفظ أن يكون معطوفا على (أَمْرَكُمْ) لأنه حينئذ شريك له في معناه ؛ فيكون التقدير : أجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم ، وذلك لا يجوز ؛ لأن أجمع إنما يتعلق بالمعاني دون الذوات ، تقول : أجمعت رأيي ، ولا تقول : أجمعت شركائي ، وإنما قلت «على ظاهر اللفظ» لأنه يجوز أن يكون معطوفا على حذف مضاف : أي وأمر شركائكم ، ويجوز أن يكون مفعولا لفعل ثلاثي محذوف ، أي : واجمعوا شركاءكم ، بوصل الألف ، ومن قرأ (فَأَجْمِعُوا) بوصل الألف صحّ العطف على قراءته من غير إضمار ؛ لأنه من «جمع» وهو مشترك بين المعاني والذوات ، تقول : جمعت أمري ، وجمعت شركائي ، قال الله تعالى : (فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) [طه ، ٦٠] (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) [الهمزة ، ٢] ، ويجوز على هذه القراءة أن يكون مفعولا معه ، ولكن إذا أمكن العطف فهو أولى لأنه الأصل.

وليس من المفعول معه قول أبي الأسود الدؤلي (١) :

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «قالا خيمتي أم معبد» فإنه نصب «خيمتي» على معنى في : أي قالا في خيمتي أم معبد ، أي قضيا وقت القيلولة في خيمتي أم معبد ، ونصب مثل ذلك على الظرفية ضرورة وقعت في شعر بعض من يحتج بكلامهم ، ولا يجوز أن يقاس عليها ، وصحته أن يجر بفي مذكورة.

١١٤ ـ هذه أربعة أبيات من الكامل ، وهي من كلام أبي الأسود الدؤلي ، وقد أنشد البيت الرابع

__________________

(١) وذلك لأن الاسم الواقع بعد واو المعية في قوله «وتأتي مثله» اسم مؤول من أن المصدرية والفعل المضارع ، إذ التقدير : لا تنه عن خلق وأن تأتي مثله ، أي لا تنه عن خلق وإتيانك مثله ، أي مع إتيانك مثله ، وقد علمت أن الاسم المؤول لا يسمى عند الجمهور مفعولا معه.

٢٦٣

١١٤ ـ يا أيّها الرّجل المعلّم غيره

هلّا لنفسك كان ذا التّعليم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يسمع ما تقول ويشتفى

بالقول منك وينفع التّعليم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

______________________________________________________

جماعة من النحاة منهم سيبويه (ج ١ ص ٤٢٤) ونسبه للأخطل ، وذكر الأعلم في شرح شواهده أنه لأبي الأسود ، ومنهم الأشموني في باب إعراب الفعل ، والمؤلف في أوضحه (رقم ٤٩٩) وفي القطر (رقم ٢٣) وابن عقيل (رقم ٣٣٤) وقد نسبه أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال (٢ / ٢٧٩) إلى المتوكل الليثي من أبيات ذكرها ، وأنشد ابن عبد ربه في العقد (٢ / ٣٠٠ اللجنة) البيت الرابع من هذه الأبيات ونسبه إلى المتوكل الليثي أيضا ، وذكر الرابع فالثاني (٢ / ٣١١ اللجنة) غير منسوبين إلى معين ، ووجد في بعض نسخ الشرح زيادة بيتين بعد البيت الأول ، وهما قوله :

تصف الدّواء لذي السّقام وذي الضّنى

كيما يصحّ به وأنت سقيم

وأراك تلقح بالرّشاد عقولنا

أبدا ، وأنت من الرّشاد عديم

وسينشد المؤلف هذه الأبيات مرة أخرى في باب نواصب المضارع للاستشهاد على انتصاب المضارع بأن مضمرة بعد واو المعية في جواب النهي.

الإعراب : «يا» حرف نداء «أيها» أي : منادى مبني على الضم في محل نصب ، وها : حرف تنبيه ، «الرجل» نعت لأي ، مرفوع بالضمة الظاهرة ، «المعلم» نعت للرجل ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله ، لأنه اسم فاعل يعمل عمل فعله ، «غيره» غير : مفعول به للمعلم ، وغير مضاف وضمير الغائب مضاف إليه ، «هلا» أداة تحضيض ، «لنفسك» الجار والمجرور متعلق بكان ، ونفس مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، «كان» فعل ماض تام بمعنى حصل ، «ذا» اسم إشارة فاعل كان ، «التعليم» بدل من اسم الإشارة أو نعت له أو عطف بيان عليه ، ويجوز أن يكون قوله كان فعلا ناقصا واسم الإشارة اسمه ، والجار والمجرور المقدم متعلق بمحذوف خبره ، «ابدأ» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «بنفسك» الجار والمجرور متعلق بابدأ ، ونفس مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه ، «فانهها» الفاء عاطفة ، انه : فعل أمر ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت هو فاعله ، وضمير الغائبة مفعول به ، «عن غيها» الجار والمجرور متعلق بانه ، وغي مضاف وضمير الغائبة العائد إلى النفس مضاف إليه ، «فإذا» الفاء عاطفة ، إذا : ظرفية تضمنت معنى الشرط ، «انتهت» انتهى : فعل ماض ، والتاء دالة على التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى النفس ؛ والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، «فأنت» الفاء واقعة في جواب

٢٦٤

الشاهد في قوله «وتأتي مثله» فإنه ليس مفعولا معه وإن كان بعد واو بمعنى مع ـ أي : لا تنه عن خلق مع إتيانك مثله ـ لأنه ليس باسم.

ولا نحو قولك «بعتك الدار بأثاثها ، والعبد بثيابه» وقول الله سبحانه وتعالى : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) [المائدة ، ٦١] ، وقولك : جاء زيد مع عمرو ، فإن هذه الأسماء وإن كانت مصاحبة لما قبلها لكنها ليست بعد الواو ، ولا نحو قولك : مزجت عسلا وماء ، وقول الشاعر :

______________________________________________________

إذا ، أنت : ضمير منفصل مبتدأ ، «حكيم» خبر المبتدأ ، «فهناك» الفاء عاطفة ، وهنا : ظرف مكان متعلق بيسمع ، والكاف حرف خطاب ، «يسمع» فعل مضارع مبني للمجهول ، «ما» اسم موصول نائب فاعل يسمع ، مبني على السكون في محل رفع ، «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ؛ والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والرابط ضمير منصوب بتقول محذوف ، والتقدير : يسمع ما تقوله ، «ويشتفى» الواو عاطفة ، يشتفى : فعل مضارع مبني للمجهول ، «بالقول» جار ومجرور متعلق بيشتفى ؛ وهو نائب فاعله ، «منك» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من القول ، «وينفع» الواو عاطفة ، ينفع : فعل مضارع ، «التعليم» فاعله ، «لا» ناهية ، «تنه» فعل مضارع مجزوم بلا ، وعلامة جزمه حذف الألف والفتحة قبلها دليل عليها ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «عن خلق» جار ومجرور متعلق بتنهى ، و «تأتي» الواو بمعنى مع ، تأتي : فعل مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة بعد واو المعية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «مثله» مثل : مفعول به لتأتي ، ومثل مضاف وضمير الغائب العائد إلى خلق مضاف إليه ، «عار» مبتدأ ، «عليك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، «إذا» ظرفية تضمنت معنى الشرط ، «فعلت» فعل وفاعل ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، «عظيم» نعت لعار ، وهو الذي سوغ الابتداء به ، ويجوز أن يكون «عار» خبرا لمبتدأ محذوف والتقدير : هذا عار عظيم عليك ، واسم الإشارة حينئذ يعود إلى النهي عن خلق والإتيان بمثله المفهوم من قوله «لا تنه عن خلق وتأتي مثله» ولكن الوجه الذي ذكرناه أولا أولى ، وجواب إذا محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والتقدير : إذا فعلت فإنه عار عظيم عليك.

الشّاهد فيه : قوله «وتأتي» فإن هذه الكلمة التي هي تأتي مسبوقة بواو دالة على المعية ، ومع ذلك لا يجوز أن تسمى مفعولا معه ؛ لأنها فعل وليست باسم ، ولا يجوز عند جمهور النحاة أن يسمى الاسم المؤول من أن والفعل مفعولا معه ، لأنهم يشترطون في المفعول معه أن يكون اسما صريحا ، كما سبق لنا بيانه في مطلع الكلام على المفعول معه.

٢٦٥

١١٥ ـ علفتها تبنا وماء باردا

حتّى غدت همّالة عيناها

وقول الآخر :

______________________________________________________

١١٥ ـ هذا بيت من الرجز ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٢٥٨) وأنشد صدره ابن عقيل (رقم ١٦٥) والأشموني (رقم ٤٤١) ويروى صدره عجزا في بيت آخر من الرجز المصرع هكذا :

لمّا حططت الرّحل عنها واردا

علفتها تبنا وماء باردا

اللّغة : «علفتها» تقول : علفت الدابة ـ من باب ضرب ـ وأعلفتها بالهمزة ، إذا أطعمتها ، «تبنا» هو بكسر التاء المثناة وسكون الباء الموحدة ـ قصب الزرع بعد أن يجف ثم يداس ، «همالة» صيغة مبالغة من قولهم : هملت عين فلان ، إذا أرسلت دمعها إرسالا.

الإعراب : «علفتها» فعل وفاعل ومفعول أول ، «تبنا» مفعول ثان ، «وماء» الواو عاطفة عطفت جملة على جملة : ماء : مفعول به لفعل محذوف ، تقديره : وسقيتها ماء ، وهذه الجملة معطوفة بالواو على الجملة السابقة ، وستعرف كلاما آخر في ذلك ، «باردا» صفة لماء ، «حتى» حرف غاية وجر ، «غدت» غدا : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، «همالة» حال من فاعل غدت «عيناها» عينا : فاعل غدت ، مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى ، وعينا مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه ، وغدت مع ما بعده في تأويل مصدر مسبوك بأن محذوفة ، وهذا المصدر مجرور بحتى ، والجار والمجرور متعلق بعلف ، وتقدير الكلام : علفتها تبنا وسقيتها ماء إلى غدوها همالة عيناها.

الشّاهد فيه : قوله «وماء» ؛ فإنه لا يمكن عطفه على ما قبله ؛ لكون العامل في المعطوف عليه لا يصح تسليطه على المعطوف مع بقاء معنى هذا العامل على حاله.

وللعلماء ثلاثة آراء في تخريج هذا البيت ونحوه :

أحدها : أن قوله «وماء» لا يجوز أن يكون مفعولا معه كما لا يجوز أن يكون معطوفا على ما قبله عطف مفرد على مفرد ، بل هو مفعول لفعل محذوف يناسبه ، وهذا الوجه هو الذي ذكره المؤلف ههنا ، وهو الذي أعربنا البيت على مقتضاه ، وهو قول الفارسي والفراء وجماعة ، وإنما لم يجز عند هؤلاء جعله مفعولا معه لأن الواو التي قبله ليست بمعنى مع ، وستعرف في بيان الوجه الثاني سر عدم صلاحيتها للدلالة على معنى مع.

الوجه الثاني : أنه مفعول معه : لأنه إذا لم يصح العطف في الاسم الذي بعد الواو لمانع لفظي أو معنوي انتصب على أنه مفعول معه ، وقد ذكر هذا الوجه ابن عقيل.

فأما المؤلف في أوضحه فقد أنكر ذلك ، ووجه الإنكار أن كونه مفعولا معه يقتضي أن تكون الواو

٢٦٦

١١٦ ـ إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا

______________________________________________________

الداخلة عليه واو المعية ، وواو المعية تقتضي أن يكون ما بعدها مصاحبا لما قبلها في انصباب العامل عليهما ، ومعنى ذلك أن يكون تسلط العامل على ما قبل الواو هو وقت تسلطه على ما بعدها ، ولا شك أن ذلك منتف ههنا ، ضرورة أنه يعطيها العلف في وقت غير الوقت الذي يقدم لها فيه الماء.

والوجه الثالث : أنه معطوف على ما قبله عطف مفرد على مفرد ، ولكن بعد تضمين الفعل الذي هو قوله «علفتها» معنى يصح أن يتسلط على المعطوف والمعطوف عليه جميعا ، وهذا رأي الجرمي والمازني والمبرد وأبي عبيدة والأصمعي واليزيدي ، وتقدير الكلام عندهم : أنلتها تبنا وماء ، أو قدمت لها تبنا وماء ، أو نحو ذلك ، فافهمه والله يرشدك ويتولاك.

١١٦ ـ هذا بيت من الوافر ، وهذا البيت من كلام الراعي النميري ، من قصيدة مطلعها قوله :

أبت آيات حبّي أن تبينا

لنا خبرا ، وأبكين الحزينا

وقد استشهد بهذا الشاهد المؤلف في أوضحه (رقم ٢٥٩) والأشموني في باب المفعول معه (رقم ٤٤٢).

اللّغة : «آيات حبي» الآيات : جمع آية ، وهي العلامة ، وأراد علامات دار الحبيب وما بقي من آثارها ، وقد جرت عادتهم أن يستخبروا الرسوم ويسائلوا الأطلال ؛ إظهارا لشدة جزعهم ، «الغانيات» جمع غانية ، وهي المرأة التي استغنت بجمالها عن الزينة ، ويقال : هي التي استغنت ببيت أبيها عن أن تزف إلى الرجال ، ويقال : هي التي استغنت بزوجها عن التطلع إلى الرجال ، «برزن» ظهرن ، «زججن» رققن ودققن.

الإعراب : «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه ، «ما» زائدة ، «الغانيات» فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور ، أي : إذا ما برز الغانيات ، والجملة من الفعل المحذوف والفاعل في محل جر بإضافة إذا إليها ، «برزن» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها مفسرة ، «يوما» ظرف زمان منصوب على الظرفية عامله برز ، «وزججن» الواو حرف عطف ، زججن : فعل وفاعل ، والجملة معطوفة على جملة برز الغانيات ، «الحواجب» مفعول به لزججن ، «والعيونا» الواو حرف عطف ، العيونا : مفعول به لفعل محذوف ، والتقدير : وكحلن العيون ، وهذا الفعل مع فاعله ومفعوله جملة معطوفة بالواو على جملة زججن الحواجب ، وجواب إذا في بيت بعد بيت الشاهد وهو قوله :

أنخن جمالهنّ بذات غسل

سراة اليوم يمهدن الكدونا

الشّاهد فيه : قوله «والعيونا» فإن هذه الكلمة لا تصلح أن تكون معطوفة على ما قبلها عطف مفرد على مفرد ، لانتفاء اشتراك المعطوف ـ وهو العيون ـ مع المعطوف عليه ـ وهو الحواجب ـ في

٢٦٧

لأن الواو ليست بمعنى مع فيهن ، وإنما هي في المثال الأول لعطف مفرد على مفرد ، واستفيدت المعية من العامل ـ وهو «مزجت» ـ وفي المثالين الأخيرين لعطف جملة على جملة ، والتقدير : وسقيتها ماء ، وكحّلن العيونا ، فحذف الفعل والفاعل وبقي المفعول ، ولا جائز أن يكون [الواو] فيهما لعطف مفرد على مفرد ؛ لعدم تشارك ما قبلها وما بعدها في العامل ؛ لأن «علفت» لا يصح تسليطه على الماء ، و «زجّجن» لا يصح تسليطه على العيون ، ولا تكون للمصاحبة ؛ لانتفائها في قوله «علفتها تبنا وماء» ولعدم فائدتها في «وزجّجن الحواجب والعيونا» ؛ إذ من المعلوم لكل أحد أن العيون مصاحبة للحواجب.

ولا نحو «كلّ رجل وضيعته» ؛ لأنه وإن كان اسما واقعا بعد الواو التي بمعنى مع لكنها غير مسبوقة بفعل ولا ما في معناه ، ولا نحو «هذا لك وأباك» ونحوه على أن يكون «أباك» مفعولا معه منصوبا بما في «ها» من معنى أنبّه ، أو بما في «ذا» من معنى أشير ، أو بما في «لك» من معنى استقرّ ؛ لأن كلا من «ها» و «ذا» و «لك» فيه معنى الفعل دون حروفه.

بخلاف «سرت والنّيل» و «أنا سائر والنّيل» فإن العامل في الأول الفعل ، وفي الثاني الاسم الذي فيه معنى الفعل وحروفه ، قال سيبويه رحمه‌الله : «وأما نحو هذا لك

______________________________________________________

العامل ـ وهو زججن ؛ لأن التزجيج ـ الذي هو التدقيق والترقيق يكون للحواجب دون العيون ، ولا يصلح قوله «العيون» أن يكون مفعولا معه لأن الإخبار بالمعية ههنا لا يفيد شيئا ، ولذلك أوجب فيه المؤلف ـ تبعا لجماعة من النحاة ـ واحدا من أمرين ، فإما أن تضمن العامل ـ وهو زججن ـ معنى فعل آخر يصح تسليطه عليهما ، مثل جملن وحسنّ ونحوهما ، وحينئذ يكون الثاني معطوفا على الأول ، عطف مفرد على مفرد ، وقد بينا مثل هذا في الشاهد السابق ، وإما أن تجعل «العيون» مفعولا به لفعل محذوف على ما قررناه في إعراب البيت.

ومن جميع ما بينه المؤلف وبيناه في شرح هذا الشاهد والذي قبله تعلم أن للاسم الواقع بعد الواو أربع حالات ، الأولى : أن يكون بحيث يجب عطفه على ما قبل الواو ، والثانية : أن يكون بحيث يجب نصبه على أنه مفعول معه ، والثالثة : أن يكون بحيث يجوز فيه الأمران جميعا : عطفه على ما قبله ، ونصبه على أنه مفعول معه ، والرابعة : أن يكون بحيث يمتنع فيه الأمران جميعا ، ولا يعسر عليك بعد ذلك استخراج مواطن كل واحدة من هذه الحالات.

٢٦٨

وأباك فقبيح ؛ لأنك لم تذكر فعلا ولا ما في معناه» وقالوا : مراده بالقبيح الممتنع.

ثم قلت : السّادس المشبّه بالمفعول به ، نحو «زيد حسن وجهه» وسيأتي.

وأقول : السادس من المنصوبات : المشبّه بالمفعول به ، وهو المنصوب بالصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدّى إلى واحد ، وذلك في نحو قولك «زيد حسن وجهه» بنصب الوجه ، والأصل «زيد حسن وجهه» بالرفع ؛ فزيد : مبتدأ ، وحسن : خبر ، ووجهه : فاعل بحسن ، لأن الصفة تعمل عمل الفعل ، وأنت لو صرّحت بالفعل فقلت : حسن ـ بضم السين وفتح النون ـ لوجب رفع الوجه بالفاعليّة ؛ فكذلك حقّ الصفة أن يجب معها الرفع ، ولكنهم قصدوا المبالغة مع الصفة ، فحوّلوا الإسناد عن الوجه إلى ضمير مستتر في الصفة راجع إلى زيد ؛ ليقتضي ذلك أن الحسن قد عمّه بجملته ، فقيل «زيد حسن» أي هو ، ثم نصب وجهه وليس ذلك على المفعولية ؛ لأن الصفة [إنما] تتعدّى تبعا لتعدّى فعلها ، وحسن الذي هو الفعل لا يتعدّى ، فكذلك صفته التي هي فرعه ، ولا على التمييز ؛ لأنه معرفة بالإضافة إلى الضمير ، ومذهب البصريين ـ وهو الحق ـ أن التمييز لا يكون معرفة ، وإذا بطل هذان الوجهان تعيّن ما قلنا من أنه مشبّه بالمفعول به ، وذلك أنه شبّه حسن بضارب ـ في أن كلا منهما صفة تثنى وتجمع [وتذكر] وتؤنث ، وهي طالبة لما بعدها بعد استيفائها فاعلها ـ فنصب الوجه على التشبيه بعمرو في قولك : «زيد ضارب عمرا» فحسن مشبه بضارب ووجهه مشبه بعمرا ، وسيأتي الكلام على هذا الباب بأبسط من هذا إن شاء الله في موضعه.

ثم قلت : السّابع الحال ، وهو : وصف فضلة مسوق لبيان هيئة صاحبه أو تأكيده ، أو تأكيد عامله ، أو مضمون الجملة قبله ، نحو : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً) و (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) و (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) و (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً.)

و* أنا ابن دارة معروفا بها نسبي*

ويأتي من الفاعل ، ومن المفعول ، ومنهما ، مطلقا ، ومن المضاف إليه : إن كان المضاف بعضه نحو (لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) أو كبعضه نحو (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أو عاملا فيها ، نحو (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً.)

٢٦٩

وحقّها أن تكون نكرة ، منتقلة ، مشتقّة ، وأن يكون صاحبها معرفة ، أو خاصّا ، أو عامّا ، أو مؤخّرا ، وقد يتخلّفن.

وأقول : السابع من المنصوبات : الحال ، [وهو] يذكّر ويؤنث ، وهو الأفصح ، يقال : حال حسن ، وحال حسنة ، وقد يؤنث لفظها فيقال : حالة ؛ قال الشاعر :

١١٧ ـ على حالة لو أنّ في القوم حاتما

على جوده لضنّ بالماء حاتم

______________________________________________________

١١٧ ـ هذا بيت من الطويل من كلام الفرزدق يفتخر بإيثاره بالماء غيره ، وقبله :

فآثرته بالماء لمّا رأيت الّذي به

على القوم أخشى لاحقات الملاوم

وقد رواه المبرد في الكامل (١ ـ ١٣٨) وسينشده المؤلف مرة أخرى في باب البدل من هذا الكتاب ، للاستشهاد به على أنه قد يبدل الاسم الظاهر من الضمير ، على تفصيل في ذلك يذكره هناك ، ويروى «ضنت به نفس حاتم».

الإعراب : «على حالة» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في قوله آثر في البيت الذي أنشدناه ، «لو» حرف تعليق ، «أن» حرف توكيد ونصب «في القوم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أن تقدم على اسمه ، «حاتما» اسم أن ، وأن واسمه وخبره في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف ، والتقدير : لو ثبت كون حاتم موجودا ، وهذا الفعل وفاعله شرط لو ، «على جوده» الجار والمجرور متعلق بقوله ضن الآتي ، وعلى هنا بمعنى مع ، وجود مضاف ، وضمير الغائب مضاف إليه ، «لضن» هذه اللام واقعة في جواب لو ، ضن : فعل ماض ، «بالماء» جار ومجرور متعلق بضن ، «حاتم» فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة ، وعلى ذلك يكون في البيت إقواء ، وهو اختلاف حركات الرويّ ؛ فإنك رأيت أن الرويّ مخفوض في البيت الذي أنشدناه ، ولكن بعض الناس يرويه هكذا :

على حالة لو أنّ في القوم حاتما

على جوده ضنّت به نفس حاتم

والذي في ديوانه (ص ٨٢١) إنشاد هذا البيت هكذا :

على ساعة لو كان في القوم حاتم

على جوده ضنّت به نفس حاتم

ومن العلماء من يرويه كما رواه المؤلف ولكنه يجر «حاتم» ليتخلص من الإقواء ، وتخريج ذلك عندهم أن يكون «حاتم» بالجر بدلا من الضمير المجرور محلا بالإضافة في قوله : «جوده» ، وسيأتي في باب البدل أن ينشد المؤلف هذا البيت بجر حاتم على هذا التخريج ،

٢٧٠

وحدّه في الاصطلاح ما ذكرت (١).

فقولي «وصف» جنس يدخل تحته الحال والخبر والصفة.

وقولي «فضلة» فصل مخرج للخبر ، نحو : «زيد قائم».

وقولي : «مسوق لبيان هيئة ما هو له» مخرج لأمرين :

أحدهما : نعت الفضلة من نحو : «رأيت رجلا طويلا» و «مررت برجل طويل» فإنه وإن كان وصفا فضلة لكنه لم يسق لبيان الهيئة ، وإنما سيق لتقييد الموصوف ، وجاء بيان الهيئة ضمنا.

والثاني : بعض أمثلة التمييز (٢) ، نحو : «لله دره فارسا» فإنه وإن كان وصفا فضلة لكنه لم يسق لبيان الهيئة ، ولكنه سيق لبيان جنس المتعجب منه ، وجاء بيان الهيئة ضمنا.

وقولي «أو تأكيده ـ إلى آخره» تمّمت به ذكر أنواع الحال.

والحاصل أن الحال أربعة أقسام : مبينة للهيئة ، وهي التي لا يستفاد معناها بدون ذكرها ، ومؤكدة لعاملها ، وهي التي لو لم تذكر لأفاد عاملها معناها ، ومؤكدة لصاحبها ، وهي التي يستفاد معناها من صريح لفظ صاحبها ، ومؤكدة لمضمون الجملة ، وهي الآتية بعد جملة معقودة من اسمين معرفتين جامدين ، وهي دالة على وصف ثابت مستفاد من تلك الجملة.

______________________________________________________

ونرى في ذلك التخريج من التكلف ومخالفة الظاهر ما يمنع من الأخذ به ، والرواية إما أن تكون على ما ذكرناه من رواية الديوان والتي قبلها ، وإما على ما يذكر هؤلاء مع التزام الإقواء ، والإقواء ـ وإن يكن عيبا من عيوب القافية بحيث يجب ألا يقع في شعر الفحول من الشعراء ـ قد وقع فيه الكثيرون من فحول شعراء الجاهلية ، كالنابغة الذبياني ، والكثيرون من شعراء صدر الإسلام ، فلا داعي إلى تنزيه الفرزدق في هذه الكلمة عنه بتكلف الأمور البعيدة.

__________________

(١) أما معناه في اللغة فهو «ما عليه الإنسان من خير أو شر».

(٢) هو ما كان الاسم الفضلة المنصوب مشتقا ، نحو «فارسا» في هذا المثال ، أما ما كان الاسم المنصوب فيه جامدا نحو «لله دره رجلا» فقد خرج عن الحد من أول الأمر لأنه ليس وصفا ، وبعض النحاة يجعل «فارسا» حالا لكونه مشتقا.

٢٧١

فالمبينة للهيئة كقولك : «جاء زيد راكبا» و «أقبل عبد الله فرحا». وقول الله تعالى : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً) [القصص ، ٢١].

والمؤكدة لصاحبها كقوله تعالى : (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس ، ٩٩] : وقولك «جاء الناس قاطبة» أو «كافّة» أو «طرّا» وهذا القسم أغفل التنبيه عليه جميع النحويين ، ومثّل ابن مالك بالآية للحال المؤكدة لعاملها ، وهو سهو.

والمؤكدة لعاملها كقولك : «جاء زيد آتيا» و «عاث عمرو مفسدا» وقول الله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) [ق ، ٣١] وذلك لأن الإزلاف هو التقريب ؛ فكل مزلف قريب ، وكل قريب غير بعيد ، وقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء ، ٧٩] (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) [النمل ، ١٩] (وَلَّى مُدْبِراً) [القصص ، ٣١] (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة ، ٦٠] فإنه يقال : عثي بالكسر يعثى بالفتح إذا أفسد.

والمؤكدة لمضمون الجملة كقولك : «زيد أبوك عطوفا» وقول الشاعر :

١١٨ ـ أنا ابن دارة معروفا بها نسبى

وهل بدارة يا للنّاس من عار؟

______________________________________________________

الشّاهد فيه : الاستشهاد بهذا البيت في هذا الموضع في قوله «حالة» حيث أنث لفظ الحال بالتاء ، وهي لغة فيه.

١١٨ ـ هذا بيت من البسيط لسالم بن دارة ، وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ١٨٩) والأشموني في باب الحال (رقم ٤٩١).

اللّغة : «دارة» أكثر العلماء على أن دارة اسم أم سالم ، وبيت الشاهد يؤكده ، ومن الناس من قال : دارة لقب جده ، واسمه يربوع ، وهو سالم بن مسافع بن يربوع ، وقيل : مسافع بن عقبة بن يربوع.

الإعراب : «أنا» ضمير منفصل مبتدأ ، «ابن» خبر المبتدأ ، وابن مضاف و «دارة» مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث ، «معروفا» حال ، «بها» جار ومجرور متعلق بمعروف ، «نسبي» نسب : نائب فاعل لمعروف ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «وهل» حرف استفهام إنكاري ، «بدارة» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ،

٢٧٢

وأشرت بقولي «قبله» إلى أنه لا يجوز أن يقال «عطوفا زيد أبوك» ولا «زيد عطوفا أبوك».

ثم بينت أن الحال تارة يأتي من الفاعل ، وذلك كما [كنت] مثّلت به من قوله تعالى : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً) [القصص ، ٢١] فإن (خائفا) حال من الضمير المستتر في (خرج) العائد على موسى عليه‌السلام.

وتارة يأتي من المفعول كما [كنت] مثلت به من قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء ، ٧٩] فإن (رسولا) حال من الكاف التي هي مفعول أرسلنا.

وأنه لا يتوقف مجيء الحال من الفاعل والمفعول على شرط.

وإلى أنها تجيء من المضاف إليه ، وأن ذلك يتوقف على واحد من ثلاثة أمور :

أحدها : أن يكون المضاف بعضا من المضاف إليه ، كما في قوله تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) [الحجرات ، ١٢] فميتا : حال من الأخ ، وهو مخفوض بإضافة اللحم إليه ، والمضاف بعضه ، وقوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجر ، ٤٧].

والثاني : أن يكون المضاف كبعض من المضاف إليه في صحة حذفه والاستغناء عنه بالمضاف إليه ، وذلك كقوله تعالى : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [البقرة ، ١٣٥] ف (حَنِيفاً) حال من (إِبْراهِيمَ) وهو مخفوض بإضافة الملة إليه ، وليست الملة بعضه ، ولكنها كبعضه في صحة الإسقاط والاستغناء به عنها ، ألا ترى أنه لو قيل : اتبعوا إبراهيم حنيفا ؛ صحّ ـ كما أنه لو قيل : أيحب أحدكم أن يأكل أخاه ميتا ، ونزعنا ما فيهم من غل إخوانا ـ كان صحيحا.

______________________________________________________

«يا» حرف نداء «للناس» اللام لام الاستغاثة ، وهي حرف جر ، الناس : مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلق بالفعل الذي نابت عنه يا ، أو بنفس يا ، على الخلاف المشهور ، وجملة الاستغاثة معترضة بين المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب ، «من» حرف جر زائد ، «عار» مبتدأ مؤخر ، مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

الشّاهد فيه : قوله «معروفا» فإن هذه الكلمة حال أكدت مضمون الجملة التي قبلها.

٢٧٣

الثالث : أن يكون المضاف عاملا في الحال ، كما في قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) [يونس ، ٤] ف (جميعا) حال من الكاف والميم المخفوضة بإضافة المرجع ، والمرجع هو العامل في الحال ، وصحّ له أن يعمل لأن المعنى عليه مع أنه مصدر ؛ فهو بمنزلة الفعل ، ألا ترى أنه لو قيل : إليه ترجعون جميعا ، كان العامل الفعل الذي المصدر بمعناه.

ثم بيّنت أن للحال أحكاما أربعة ، وأن تلك الأربعة ربما تخلفت.

فالأول : الانتقال ؛ ونعني به أن لا يكون وصفا ثابتا لازما ، وذلك كقولك : «جاء زيد ضاحكا» ألا ترى أن الضحك يزايل زيدا ، ولا يلازمه ، هذا هو الأصل ، وربما جاءت دالة على وصف ثابت ، كقول الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) [الأنعام ، ١١٤] أي : مبينا ، وقول العرب «خلق الله الزّرافة يديها أطول من رجليها» فالزرافة ـ بفتح الزاي ـ مفعول لخلق ، ويديها بدل منها [بدل] بعض من كلّ ، وأطول : حال من الزرافة ، ومن رجليها : متعلق بأطول.

وقد عاب بعض الجهال ما جزمت به من فتح الزاي ، وقال : فيها الفتح والضم فبينت له أن هذه اللفظة ذكرها أبو منصور موهوب بن الجواليقي في كتابه فيما تغلط فيه العامة ، فقال في باب ما جاء مفتوحا والعامة تضمه ما نصه : وهي الزرافة ـ بفتح الزاي ـ هذه الدابة التي جمعت فيها خلق شتى ، مأخوذة من قولهم للجمع من الناس «زرافة» بالفتح ، وهو الوجه ، والعامة تضمها ، انتهى كلامه ، واللغات الشاذّة لا تحصى ، وإنما يعمل على ما عليه الفصحاء الموثوق بلغتهم.

الثاني : الاشتقاق ، وهو : أن تكون وصفا مأخوذا من مصدر كما قدمناه من الأمثلة ، وربما جاءت اسما جامدا كقوله تعالى : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ) [النساء ، ٧١] فثبات : حال من الواو في (انفروا) وهو جامد ، لكنه في تأويل المشتق ، أي : متفرقين ، بدليل قوله تعالى : (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) [النساء ، ٧١] ، وقد اشتملت هذه الآية على مجيء الحال جامدة وعلى مجيئها مشتقة.

الثالث : أن تكون نكرة ، كجميع ما قدمناه من الأمثلة ، وقد تأتي بلفظ المعرف

٢٧٤

بالألف واللام ، كقولهم : «ادخلوا الأوّل فالأوّل» و «أرسلها العراك» (١) ، و «جاؤوا الجمّاء الغفير» (٢) أي : جميعا ، وأل في ذلك كله زائدة ، وقد تأتي بلفظ المعرّف بالإضافة ، كقولهم : «اجتهد وحدك» أي : منفردا ، و «جاؤوا قضّهم بقضيضهم» (٣) : أي جميعا (٤).

وقد تأتي بلفظ المعرف بالعلميّة ، كقولهم : «جاءت الخيل بداد» أي : متبدّدة

__________________

(١) وقعت هذه الكلمة قطعة في بيت من الوافر ، وهو قول لبيد بن ربيعة العامري :

فأرسلها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغص الدّخال

يصف هذا الشاعر حمار وحش ألجأ أتنه إلى أن ترد الماء مجتمعة يدفع بعضها بعضا ؛ فالضمير المستتر في «أرسلها» للحمار ، والبارز للأتن ، والعراك : أي معتركة يدفع بعضها بعضا ، ولم يذدها : أي لم يمنعها عن ذلك الاعتراك ، ونغص الدخال : أي تنغصها من مداخلة بعضها في بعض بسبب ازدحامها على الماء طلبا للشرب ، ومحل الاستشهاد قوله : «العراك» فإنه مصدر مقترن بأل ، ففيه شيئان كل واحد منهما خلاف الأصل في الحال ، الأول كونه مصدرا مع أن الأصل أن تكون الحال وصفا ، والثاني كونه معرفة بدخول الألف واللام عليه مع أن الأصل في الحال أن تكون نكرة.

(٢) يقال : جاء القوم الجماء الغفير ، ويقال أيضا : جاؤوا جماء غفيرا ، بالتنكير في الصفة والموصوف جميعا ، ويقال أيضا : جاؤوا جماء الغفير ، بالإضافة ، ويقال أيضا : جاؤوا جم الغفير ، بالإضافة أيضا : ويقال أيضا : جاؤوا الجم الغفير ، بالوصف ، والجماء ـ بفتح الجيم وتشديد الميم ـ وصف من الجموم ، وهو الكثرة ، ومنه قوله سبحانه : (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر ، ٢٠] ، وإنما أنثوا الجماء لأنه في الأصل وصف لمؤنث ، كان أصل الكلام : جاء القوم الجماعة الجماء ، والغفير : فعيل بمعنى فاعل من الغفر ، وهو الستر ، وصفت الجماعة الكثيرة من الناس بذلك لأنهم يسترون وجه الأرض ، وكان حق الكلام أن يقال : جاؤوا الجماعة الغفيرة ، لأن فعيلا إذا كان بمعنى فاعل تلحقه تاء التأنيث إذا كان الموصوف به مؤنثا ، إلا أنهم ربما حذفوا التاء تشبيها لفعيل بمعنى فاعل بفعيل بمعنى مفعول في عدم لحاق التاء مع المؤنث ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في بعض التخريجات ، وكما قالوا : ريح خريق.

(٣) القض في الأصل : مصدر بمعنى الكسر ، والمراد به ههنا معنى اسم الفاعل ، والباء في قولهم «بقضيضهم» بمعنى مع ، فيصير حل العبارة : جاؤوا قاضهم مع قضيضهم : أي كاسرهم مع مكسورهم ، ولو رفعت «قضهم» لجاز أن يكون بدلا من واو الجماعة في «جاؤوا» أو مبتدأ خبره الجار والمجرور ، والجملة حال.

(٤) أشار المؤلف بقوله «أي جميعا» في هذا الموضع وفي الموضع السابق وغيره مما ذكره من التأويل بنكرة إلى أنه يختار أن الحال إذا وقعت في كلام العرب معرفة فهي على التأويل بنكرة ، وهذا مذهب جمهور البصريين الذين يوجبون أن تكون الحال نكرة ، وفي المسألة قولان آخران : أحدهما قول يونس بن حبيب شيخ سيبويه وجمهور البغداديين ، وحاصله أنه يجوز مجيء الحال معرفة مطلقا ، نعني سواء أكانت في معنى الشرط أم لم تكن ، وثانيهما وهو قول جمهور الكوفيين ، وحاصله أنه يجوز مجيء الحال معرفة إذا كانت بمعنى الشرط ، نحو قولك : محمد الراكب أوجه منه الماشي ـ بنصب كل من الراكب والماشي ـ وهو بمعنى إذا ركب وإذا مشى.

٢٧٥

فإن بداد في الأصل علم على جنس التبدّد ، كما أن فجار علم للفجرة.

الرابع : أن لا يكون صاحبها نكرة محضة ، كما تقدم من الأمثلة ؛ وقد تأتي كذلك كما روى سيبويه من قولهم «عليه مائة بيضا» وقال الشاعر ؛ وهو عنترة العبسي :

١١٩ ـ فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم

فحلوبة : لتمييز العدد ، وسودا : إما حال من العدد ، أو من حلوبة ، أو صفة ، وعلى هذين الوجهين ففيه حمل على المعنى ؛ لأن حلوبة بمعنى حلائب ، فلهذا صح أن يحمل عليها سودا ، والوجه الأول أحسن (١).

______________________________________________________

١١٩ ـ هذا بيت من الكامل من معلقة عنترة بن شداد العبسي التي مطلعها :

هل غادر الشّعراء من متردّم؟

أم هل عرفت الدّار بعد توهّم؟

اللّغة والرّواية : «حلوبة» أي محلوبة ، وهو في الأصل صفة لموصوف محذوف ، والحلوبة تستعمل بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع ، ويروى في مكانه «خلية» ، والخلية أن يعطف على الحوار ثلاث نياق ، ثم يتخلى الراعي بواحدة منهن ، فتلك هي الخلية ، «سودا» يروى بالرفع وبالنصب ، وسنبين وجه الروايتين ، «كخافية» للطائر أربع خواف ، وهن من ريش الجناح مما يلي الظهر ، «الأسحم» الأسود.

الإعراب : «فيها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدر ، «اثنتان» مبتدأ مؤخر ، «وأربعون» معطوف عليه ، «حلوبة» تمييز ، «سودا» من رواه بالنصب فهو يحتمل ثلاثة أوجه ؛ الأول : أن يكون صفة لحلوبة ، الثاني : أن يكون حالا من العدد ، الثالث : أن يكون حالا من حلوبة ، ومن رواه بالرفع فهو نعت لقوله اثنتان وأربعون ، قال التبريزي : «فإن قيل : كيف جاز أن

__________________

(١) اعلم أن حلوبة على زنة فعولة ، وأنها بمعنى مفعولة ، وأن الأصل في فعول بمعنى مفعول أن يذكر إذا كان الموصوف به مذكرا ، ويؤنث إذا كان الموصوف به مؤنثا ، ويثنى إذا كان الموصوف به مثنى ، ويجمع إذا كان الموصوف به جمعا ، واعلم أن الحال وصف لصاحبه كالخبر والنعت ، ومتى علمت هذا سهل عليك أن تفهم السر في كون الوجه الأول أحسن الوجوه الثلاثة ، وبيانه أن «سودا» جمع ، فلو جعلته حالا من اسم العدد لكان فيه ما يشبه وصف الجمع بالجمع ، وهو صحيح بلا حاجة إلى تأويل ، ولو جعلت «سودا» حالا من حلوبة أو وصفا له لكان فيه وصف ما هو جمع لفظا ؛ فلا بد له من التأويل ؛ لأن التطابق بين الوصف والموصوف ضروري ؛ ولهذا كان من اللازم أن نقول : إن الحلوبة بمعنى الحلائب ، نعني أنه إذا كان في اللفظ مفردا فهو في المعنى جمع ؛ لأن العدد الذي هو اثنتان وأربعون ملحوظ فيه.

٢٧٦

وفي الحديث : «صلّى رسول الله جالسا وصلّى وراءه رجال قياما» فجالسا : حال من المعرفة ، وقياما : حال من النكرة المحضة (١).

وإنما الغالب ـ إذا كان صاحب الحال نكرة ـ أن تكون عامة أو خاصة ، أو مؤخرة عن الحال.

فالأول كقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) [الشعراء ، ٢٠٨] ؛ فإن الجملة التي بعد (إلا) حال من (قرية) وهي نكرة عامة ؛ لأنها في سياق النفي.

والثاني نحو : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) [الدخان ، ٤ ، ٥] ؛ ف (أمرا) ـ إذا أعرب حالا ـ فصاحب الحال إما المضاف فالمسوغ أنه عام أو خاص ، أما الأول : فمن جهة أنه أحد صيغ العموم ، وأما الثاني : فمن جهة الإضافة ، وأما المضاف إليه فالمسوغ أنه خاص ؛ لوصفه بحكيم ، وقرأ بعض السلف : ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدقا [البقرة ، ٨٩] بالنصب ؛ فجعله الزّمخشري حالا من (كتاب) لوصفه بالظرف ، وليس ما ذكر بلازم ، لجواز أن يكون حالا من الضمير المستتر في الظرف.

والثالث كقوله :

٧ ـ * لميّة موحشا طلل* (٢)

فهذه المواضع ونحوها مجيء الحال فيها نكرة قياسيّ ، كما أن الابتداء بالنكرة

______________________________________________________

ينعتهما وأحدهما معطوف على صاحبه؟ قيل : لأنهما قد اجتمعا ، فصار بمنزلة قولك : جاءني زيد وعمرو الظريفان» اه. كلامه «كخافية» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لسود ، وخافية مضاف ، و «الغراب» مضاف إليه ، «الأسحم» نعت للغراب.

__________________

(١) روى البخاري في كتاب الصلاة ، في باب ترجمته «إنما جعل الإمام ليؤتم به» حديثا عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها ، أنها قالت : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته وهو شاك ، فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما ، وفي هذه العبارة أيضا دليل لما ساق المؤلف الحديث للاستدلال به.

(٢) قد سبق شرح هذا البيت (ص ٤٨) فارجع إليه هناك تجد أننا قد استوفينا الكلام عليه بما لا يحتاج معه إلى إعادة شيء في هذا الموضع.

٢٧٧

في نظائرها قياسيّ ، وقد مضى ذلك في باب المبتدأ (١) ، فقس عليه هنا.

ثم قلت : الثّامن التّمييز ، وهو : اسم ، نكرة ، فضلة ، يرفع إبهام اسم ، أو إجمال نسبة.

فالأوّل بعد العدد الأحد عشر فما فوقها إلى المائة ، و «كم» الاستفهاميّة ، نحو «كم عبدا ملكت» ، وبعد المقادير ، ك «رطل زيتا» وك «شبر أرضا» و «قفيز برّا» وشبههنّ ، من نحو : (مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً) و «نحى سمنا» و «مثلها زبدا» و «موضع راحة سحابا» وبعد فرعه نحو «خاتم حديدا».

والثّاني إما محوّل عن الفاعل ، نحو (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أو عن المفعول ، نحو (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) أو عن غيرهما ، نحو (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) أو غير محوّل ، نحو «لله درّه فارسا».

وأقول : الثامن من المنصوبات : التمييز.

وهو والتفسير والتبيين ألفاظ مترادفة لغة واصطلاحا ، وهو في اللغة بمعنى فصل الشيء عن غيره ، قال الله تعالى : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) [يس ، ٥٩] أي : انفصلوا من المؤمنين (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) [الملك ، ٨] أي ينفصل بعضها من بعض.

وهو في الاصطلاح مختص بما اجتمع فيه ثلاثة أمور ، وهي المذكورة في المقدمة.

وفهم مما ذكرته في حدّي الحال والتمييز أن التمييز وإن أشبه الحال : في كونه منصوبا ، فضلة ، مبينا لإبهام ، إلا أنه يفارقه في أمرين (٢) :

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «سودا» على رواية النصب في بعض تخريجاتها ؛ فإنه حال صاحبه نكرة محضة ، وهو قوله حلوبة ، وذلك ـ كما لا يخفى عليك بعد الذي ذكرناه في إعراب البيت ، وبعد ما ذكره المؤلف ـ أحد ثلاثة أوجه في تخريج هذه الكلمة على هذه الرواية.

__________________

(١) ارجع إلى ذلك في صفحة ٢١١ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٢) يتفق الحال والتمييز في خمسة أمور ، وهي : كون كل منهما اسما ، نكرة ، فضلة ، مبينّا ، منصوبا ، ويفترقان في خمسة أمور إجمالا ، الأول أن الحال تبين الهيئة ، والتمييز يبين إبهام ذات أو نسبة ، والثاني أن الحال

٢٧٨

أحدهما : أن الحال إنما يكون وصفا إما بالفعل أو بالقوة ، وأما التمييز فإنه يكون بالأسماء الجامدة كثيرا ، نحو «عشرون درهما» و «رطل زيتا» وبالصفات المشتقة قليلا ، كقولهم : «لله درّه فارسا» و «لله درّه راكبا».

الثاني : أن الحال لبيان الهيئات ، والتمييز يكون تارة لبيان الذّوات ، وتارة لبيان جهة النسبة.

وقسّمت كلّا من هذين النوعين أربعة أقسام :

فأما أقسام التمييز المبين للذات فأحدها : أن يقع بعد الأعداد ، وقسمت العدد إلى قسمين : صريح ، وكناية.

فالصريح الأحد عشر فما فوقها إلى المائة ، تقول : «عندي أحد عشر عبدا» و «تسعة وتسعون درهما» وقال الله تعالى : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [يوسف ، ٤] (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) [المائدة ، ١٢] (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف ، ١٤٢] (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت ، ١٤] (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة ، ٤] (ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) [الحاقة ، ٢٢] (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور ، ٤] (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) [ص ، ٢٣] ، وفي الحديث «إن لله تسعة وتسعين اسما» وأردت بقولي «إلى المائة» عدم دخول الغاية في المغيّا ، وهو أحد احتمالي حرف الغاية.

والكناية هي «كم» الاستفهامية ، تقول : كم عبدا ملكت؟ فكم مفعول مقدم ، وعبدا : تمييز واجب النصب والإفراد ، وزعم الكوفي أنه يجوز جمعه فتقول : كم عبيدا ملكت ، وهذا لم يسمع ، ولا قياس يقتضيه ، ويجوز لك جر تمييز كم الاستفهامية ؛ وذلك مشروط بأمرين ؛ أحدهما : أن يدخل عليها حرف جر ، والثاني : أن يكون تمييزها إلى جانبها ، كقولك : بكم درهم اشتريت؟ وعلى كم شيخ

__________________

يجيء اسما صريحا ويجيء ظرفا أو جارا ومجرورا ويجيء جملة ، أما التمييز فلا يكون إلا اسما صريحا ، والثالث أن معنى الكلام قد يكون باطلا بدون الحال ، أما التمييز فلا يكون بهذه المنزلة ، والرابع أن الأصل في الحال أن يكون مشتقا والأصل في التمييز أن يكون جامدا ، والخامس أن الحال قد يكون مؤكدا لعامله أو لصاحبه والتمييز لا يكون مؤكدا.

٢٧٩

اشتغلت؟ والجر حينئذ عند جمهور النحويين بمن مضمرة ، والتقدير : بكم من درهم؟ وعلى كم من شيخ ، وزعم الزّجاج أنه بالإضافة.

القسم الثاني : أن يقع بعد المقادير وقسّمتها على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما يدل على الوزن ، كقولك : رطل زيتا ، ومنوان سمنا ، والمنوان : تثنية منّا ، وهو لغة في المنّ (١) وقيل في تثنيته : منوان ؛ كما يقال في تثنية عصا : عصوان ، الثاني : ما يدل على مساحة ؛ كقولك : شبر أرضا ، وجريب نخلا ، وقولهم : ما في السماء موضع راحة سحابا ، الثالث : ما يدل على الكيل ، كقولهم : قفيز برّا ، وصاع تمرا.

القسم الثالث : أن يقع بعد شبه هذه الأشياء ، وذكرت لذلك أربعة أمثلة.

أحدها : قول الله تعالى : (مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً) [الزلزلة ، ٧] فهذا بعد شبه الوزن ، وليس به حقيقة ؛ لأن مثقال الذرة ليس اسما لشيء يوزن به في عرفنا.

الثاني قولهم : عندي نحى سمنا ، ، والنّحى ـ بكسر النون وإسكان الحاء المهملة وبعدها ياء خفيفة ـ اسم لوعاء السمن ، وهذا يعد شبه الكيل ، وليس به حقيقة ، لأن النحى ليس مما يكال به السمن ويعرف به مقداره ، إنما هو اسم لوعائه فيكون صغيرا وكبيرا ، ومثله قولهم : وطب لبنا ، والوطب ـ بفتح الواو وسكون الطاء وبالباء الموحدة ـ اسم لوعاء اللبن ، وقولهم : سقاء ماء ، وزقّ خمرا ، وراقود خلّا.

الثالث : ما في السماء موضع راحة سحابا ، فسحابا : واقع بعد «موضع راحة» وهو شبيه بالمساحة.

والرابع : قولهم : على التّمرة مثلها زبدا ، فزبدا : واقع بعد «مثل» وهي شبيهة إن شئت بالوزن ، وإن شئت بالمساحة.

القسم الرابع : أن يقع بعد ما هو متفرع منه ، كقولهم : هذا خاتم حديدا ، وذلك لأن الحديد هو الأصل ، والخاتم مشتق منه ؛ فهو فرعه ، وكذلك «باب ساجا» و «جبّة خزّا» ونحو ذلك.

وأما أقسام التمييز المبين لجهة النسبة فأربعة :

__________________

(١) انظر ص ٢١٢ من هذا الكتاب.

٢٨٠