شرح شذور الذّهب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

شرح شذور الذّهب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير
الطبعة: ٠
ISBN: 977-277-343-0
الصفحات: ٤٩٥

٦١ ـ لسلمى بذات الخال دار عرفتها

وأخرى بذات الجزع آياتها سطر

كأنّهما ملآن لم يتغيّرا

وقد مرّ للدّارين من بعدنا عصر

أصله «كأنهما من الآن» فحذف نون «من» لالتقائها ساكنة مع لام «الآن» (١) ولم يحركها لالتقاء الساكنين كما هو الغالب ، وأعرب «الآن» فخفضه بالكسرة.

______________________________________________________

العسر فيها حاصل يفجؤك دوران مياسير ، وقد بينا في إعراب هذا البيت خلافا للعلماء في هذه الكلمة فاحفظه يرشدك الله.

٦١ ـ هذان بيتان من الطويل ، وهما لأبي صخر الهذلي ، من قصيدته التي يقول فيها :

وإنّي لتعروني لذكراك هزّة

كما انتفض العصفور بلّله القطر

__________________

(١) لذلك نظائر في كلام العرب قداماهم ومحدثيهم ؛ فمن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة :

وتعلم أنّ لها عندنا

ذخائر ملحبّ لا تظهر

أراد «من الحب» فحذف النون.

ومنه قول القتال الكلابي :

وما أنس ملاشياء لا أنس نسوة

طوالع من حوضى وقد جنح العصر

أراد «من الأشياء» فحذف النون.

ومن ذلك قول النابغة الجعدي :

ولقد شهدت عكاظ قبل محلّها

فيها ، وكنت أعدّ ملفتيان

أراد «من الفتيان» فحذف النون.

ومن ذلك قول النابغة الجعدي في نفس القصيدة التي منها البيت السابق :

ولبست ملاسلام ثوبا واسعا

من سيب لا حرم ولا منّان

أراد «من الإسلام» فحذف النون.

ومن ذلك قول أبي الطيب المتنبي :

نحن قوم ملجنّ في زيّ ناس

فوق طير لها شخوص الجمال

أراد «من الجن» فحذف النون.

وربما حذفوا من كلمة «على» الجارة لامها والألف التي بعدها ؛ وذلك كما وقع في قول أبي السمال الأسدي ، واسمه سمعان بن هبيرة :

وللموت خير للفتى من حياته

بدارة ذلّ علبلايا يوقّر

أراد «على البلايا» فحذف الألف لالتقاء الساكنين ، ولم يكتف بهذا فحذف اللام قبلها.

١٦١

ومثال ما بني منها على الكسر «أمس» وقد مضى شرحه (١) وإنما ذكرته هناك لشبهه بمسألة حذام في اختلاف الحجازيين والتميميين فيه ، وإنما [كان] حقه أن يذكر هنا خاصة ؛ لأنه كلمة بعينها ، وليس فردا داخلا تحت قاعدة كلية.

______________________________________________________

وهذا البيت هو الشاهد (رقم ١١٠) الذي يأتي في باب المفعول لأجله ، ومن هذه القصيدة أيضا قوله :

أما والّذي أبكى وأضحك ، والّذي

أمات وأحيا ، والّذي أمره الأمر

لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى

أليفين منها لا يروعهما النّفر

فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى

وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر

ويا حبّها زدني جوى كلّ ليلة

ويا سلوة الأيّام موعدك الحشر

اللّغة : «ذات الخال» اسم مكان ، ومثله «ذات الجزع» وقوله «آياتها سطر» أي : علاماتها دارسة غير ظاهرة لم يبق منها إلا ما يشبه السطر الذي ينمقه الكاتب ، وشعراء هذيل الذين منهم أبو صخر صاحب هذا الشاهد كثيرا ما يشبهون آثار الديار بالكتابة ، ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي في مطلع قصيدة :

عرفت الدّيار كرقم الدّوا

ة يزبرها الكاتب الحميري

الإعراب : «لسلمى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، «بذات» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من دار الآتي أو من ضميره المستتر في خبره ، وذات مضاف ، و «الخال» مضاف إليه ، «دار» مبتدأ مؤخر ، «عرفتها» فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة في محل رفع صفة لدار ، «وأخرى» الواو عاطفة ، أخرى : معطوفة على دار ، أو مبتدأ أول ، «بذات» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لأخرى ، وذات مضاف و «الجزع» مضاف إليه ، «آياتها» آيات : مبتدأ ، وهو مضاف والضمير مضاف إليه ، «سطر» خبر المبتدأ الذي هو آيات ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل رفع صفة ثانية لأخرى ، أو خبر عنها إن جعلتها مبتدأ ، «كأنهما» كأن : حرف تشبيه ونصب ، والضمير العائد إلى الدارين اسمه ، «ملآن» جار ومجرور ، وأصله من الآن ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر كأن ، «لم» نافية جازمة ، «يتغيرا» فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وألف الاثنين فاعله ، والجملة في محل رفع خبر ثان لكائن ، «وقد» الواو للحال ، قد : حرف تحقيق ، «مر» فعل ماض ، «للدارين» جار ومجرور متعلق بمر ، «من بعدنا» الجار والمجرور متعلق بمر أيضا ، وبعد

__________________

(١) انظر ص ١٣٣ ، وما بعدها.

١٦٢

ومثال ما بني على الضم «حيث» وهو ظرف مكان يضاف للجملتين ، وربما أضيف لمفرد ، كقوله :

٦٢ ـ * أما ترى حيث سهيل طالعا*

وقد يفتح ، وقد يكسر ، وبعضهم يعربه ، وقرئ (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف ، ١٨٢ ، والقلم ، ٤٤] بالكسر ، فيحتمل الإعراب والبناء (١).

______________________________________________________

مضاف والضمير مضاف إليه ، «عصر» فاعل مر ، والجملة من الفعل وفاعله في محل نصب حال.

الشّاهد فيه : قوله «ملآن» حيث أعرب «الآن» فجاء به متأثرا بالعامل الذي هو حرف الجر ؛ إذ الأصل «من الآن» وقد بين المؤلف علة حذف نون من.

هذا وأول بيتي الشاهد يروى على غير الوجه الذي أنشده المؤلف ؛ فيروى هكذا :

لليلى بذات البين دار عرفتها

وأخرى بذات الجيش آياتها سطر

٦٢ ـ هذا بيت من الرجز المشطور ، وهذا الشاهد من الشواهد التي لم نطلع لها على نسبة إلى قائل معين ، وقد أنشده ابن عقيل (رقم ٣٢٢) وبعده قوله :

* نجما يضيء كالشّهاب لامعا*

اللّغة : «سهيل» نجم تنضج الفواكه عند طلوعه ، «الشهاب» الشعلة من النار.

الإعراب : «أما» أداة استفتاح ، «ترى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «حيث» ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب ، وعامله قوله ترى ، وحيث مضاف ، و «سهيل» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، «طالعا» حال من سهيل المجرور بالإضافة ، ومجيء الحال من المضاف إليه في غير المواضع الثلاثة المحفوظة قليل ، ولكنه يقع في الشعر ، «نجما» منصوب على المدح بفعل محذوف تقديره أمدح ، «يضيء» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نجم ، والجملة في محل نصب صفة لنجم ، «كالشهاب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في قوله يضيء ، أو هو متعلق بيضيء ، «لامعا» حال من فاعل يضيء ، وهي حال مؤكدة ؛ لانفهام معناها مما قبلها.

الشّاهد فيه : قوله «حيث سهيل» فإنه أضاف حيث إلى اسم مفرد ، وذلك شاذ عند جمهرة النحاة ، وإنما يضاف حيث عندهم إلى الجملة فعلية كانت أو اسمية.

__________________

(١) فإذا قدرتها معربة كانت حيث مجرورة بمن ، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة ؛ وإذا قدرتها مبنية كانت حيث مبنية على الكسر كأمس في محل جر.

١٦٣

ثم قلت : باب ـ الاسم نكرة وهو : ما يقبل ربّ.

وأقول : ينقسم الاسم ـ بحسب التنكير والتعريف ـ إلى قسمين : نكرة وهو الأصل ، ولهذا قدّمته ، ومعرفة ، وهو الفرع ، ولهذا أخّرته.

وعلامة النكرة : أن تقبل دخول «ربّ» عليها ، نحو رجل وغلام ، تقول «ربّ رجل» و «ربّ غلام» ، وبهذا استدلّ على أن «من» و «ما» قد يقعان نكرتين ، كقوله :

٦٣ ـ ربّ من أنضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع

______________________________________________________

وقد أجاز الكسائي إضافة حيث إلى المفرد واستدل بهذا الشاهد ، وبقول الآخر.

ونطعنهم حيث الكلى بعد ضربهم

ببيض المواضي حيث ليّ العمائم

ونحوهما ؛ ومن العلماء من روى بيت الشاهد على وجه غير الذي رواه المؤلف عليه ، تبعا للكسائي : فرواه «حيث سهيل طالع» على أن قوله «سهيل» مبتدأ ، وقوله «طالع» خبره ، وحيث مضاف إلى جملة المبتدأ وخبره ، ولكن نصب المصراع الثاني يبعد هذه الرواية ، فافهم ذلك والله يرشدك.

٦٣ ـ هذا بيت من بحر الرمل ، وهو من كلام سويد بن أبي كاهل بن حارثة اليشكري من قصيدة له رواها صاحب المفضليات ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٩٣) ومطلع القصيدة قوله :

بسطت رابعة الحبل لنا

فوصلنا الحبل منها ما اتّسع

حرّة تجلو شتيتا واضحا

كشعاع البرق في الغيم سطع

اللّغة : «رابعة» اسم امرأة «الحبل» أراد المودة والمحبة ، وبسطها أراد به أنها أقامت مودتها على خير حال يأملها ؛ لأن الذي يمد لك الحبل يجري على هواك ويوافق رغبتك ، «ما اتسع» ما : هي المصدرية الظرفية ، وأراد مدة استقامة أمر ودادها ، «حرة» يريد هي حرة ، «شتيتا» أراد به ثغرا مفلج الأسنان في حسن ، «أنضجت» هو كناية عن نهاية الكمد الذي يحدثه في قلبه ، أو هو استعارة ، شبه تحسير القلب وإكماده بإنضاج اللحم الذي يؤكل.

الإعراب : «رب» حرف جر شبيه بالزائد ، «من» نكرة بمعنى إنسان مبتدأ ، مبني على السكون ، وله محلان أحدهما جر برب والثاني رفع بالابتداء ، «أنضجت» فعل وفاعل ، «غيظا» تمييز محول عن المفعول ، أو مفعول لأجله ، «قلبه» قلب : مفعول به لأنضج ، وقلب مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة في محل جر أو في محل رفع صفة لمن ، «قد» حرف تحقيق ، «تمنى» فعل ماض

١٦٤

وقوله :

٦٤ ـ لا تضيقنّ بالأمور فقد

تكشف غمّاؤها بغير احتيال

ربّما تكره النّفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال

______________________________________________________

وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، «لي» جار ومجرور متعلق بقوله تمنى ، «موتا» مفعول به لتمنى ، «لم» حرف نفي وجزم وقلب ، «يطع» فعل مضارع مبني للمجهول ، مجزوم بلم ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، وجملة «لم يطع» في محل رفع خبر المبتدأ ، وعليه تكون جملة «قد تمنى» في محل رفع أو جر صفة لمن كما قلنا من قبل ، ولا مانع من جعل جملة «قد تمنى» في محل رفع خبر من ، وجملة «لم يطع» في محل خبر ثان.

الشّاهد فيه : قوله «رب من» حيث استعمل «من» فيه نكرة ووصفها بجملة «أنضجت» أو بجملة «قد تمنى» في بعض وجوه الإعراب التي قدمنا ذكرها ، والدليل على كونها نكرة دخول «رب» عليها ، لأن رب لا تجر إلا النكرات.

ومن العلماء من يروي صدر البيت :

ربّما أنضجت غيظا قلب من

قد تمنّى لي موتا لم يطع

وعليه لا شاهد في البيت ، و «ما» في هذه الرواية حرف يكف «رب» عن جر ما بعدها ، ويجيز دخولها على الجمل.

٦٤ ـ هذا بيت من الخفيف ، وينسب هذا الشاهد إلى أمية بن أبي الصلت ، وينسب لأبي قيس اليهودي ، وينسب لابن صرمة الأنصاري ، وينسب إلى حنيف بن عمير اليشكري ، وينسب لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٩٥).

الإعراب : «لا» ناهية ، «تضيقن» تضيق : فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم بلا ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون المشددة للتوكيد ، حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب ، «بالأمور» جار ومجرور متعلق بتضيق ، «فقد» الفاء حرف دال على التعليل ، قد : حرف تحقيق ، «تكشف» فعل مضارع مبني للمجهول ، «غماؤها» غماء : نائب فاعل تكشف ، وغماء مضاف والضمير مضاف إليه ، «بغير» جار ومجرور متعلق بتكشف ، وغير مضاف ، و «احتيال» مضاف إليه ، «ربما» رب : حرف جر شبيه بالزائد ، وما : نكرة بمعنى شيء مبتدأ ، مبني على السكون في محل رفع بالابتداء ، «تكره النفوس» فعل وفاعل ، والجملة في محل رفع أو جر ، وعلى الوجهين هي صفة لما ، «من الأمر» جار ومجرور متعلق بتكره ، «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، «فرجة» مبتدأ مؤخر ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، الذي هو ما ، وقال كثيرون : هذه الجملة في محل جر صفة للأمر ؛ لأنه محلى بأل الجنسية فهو

١٦٥

فدخلت «ربّ» عليهما ، ولا تدخل إلّا على النكرات ، فعلم أن المعنى ربّ شخص أنضجت قلبه غيظا ، وربّ شيء من الأمور تكرهه النفوس.

فإن قلت : فإنك تقول : «ربّه رجلا» وقال الشاعر :

٦٥ ـ ربّه فتية دعوت إلى ما

يورث المجد دائبا فأجابوا

______________________________________________________

في قوة النكرة ، «كحل» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لفرجة ، وحل مضاف ، و «العقال» مضاف إليه.

الشّاهد فيه : قوله «ربما» حيث استعمل «ما» نكرة موصوفة ؛ بدليل دخول «رب» عليها ؛ لأن رب لا يكون مجرورها إلا نكرة ، ولا يجوز لك أن تزعم أن «ما» في هذا الشاهد حرف يكف رب عن جر ما بعده ، لأنه اسم ألبتة ؛ بدليل عود الضمير عليه في قوله «له» كما أنه يعود عليه ضمير منصوب بتكره ، وقد علمت أن الضمير لا يعود إلا على الاسم.

٦٥ ـ هذا بيت من الخفيف ، ولم أجد من نسب هذا الشاهد إلى قائل معين ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٢٩٣).

اللّغة : «فتية» جمع فتى ، «دائبا» ملحّا ، وهو اسم فاعل من قولهم : دأب على الأمر يدأب دأبا ـ بفتح الدال والهمزة ـ ودؤوبا ، إذا لزمه وثابر على فعله.

الإعراب : «ربه» رب : حرف جر شبيه بالزائد ، والضمير في محل جر بربّ ، وفي محل رفع بالابتداء ، «فتية» تمييز للضمير ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، «دعوت» فعل وفاعل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، «إلى» حرف جر «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بإلى ، والجار والمجرور متعلق بدعا ، «يورث» فعل مضارع ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى «ما» وهو فاعل ، «المجد» مفعول به ليورث ، والجملة من الفعل المضارع وفاعله المستتر فيه ومفعوله لا محل لها صلة الموصول ، «فأجابوا» الفاء عاطفة ، أجابوا : فعل وفاعل ، والجملة في محل رفع معطوفة بالفاء على جملة دعوت.

الشّاهد فيه : قوله «ربه فتية» حيث دخلت رب على الضمير ؛ فدل ظاهر ذلك على أن قولنا «إن رب لا تجر إلا النكرات» غير صحيح ، لأن الضمير معرفة ، بل هو أعرف المعارف ، وقد دخلت عليه رب.

وقد أجاب المؤلف عن هذا الاعتراض بأن الضمير ههنا ليس معرفة ، فضلا على أن يكون أعرف المعارف ، وإنما هو نكرة ، والدليل على ذلك أنه عائد إلى نكرة وهي قوله فتية ، والضمير إذا عاد إلى نكرة فهو نكرة.

١٦٦

والضمير معرفة ، وقد دخلت عليه ربّ ؛ فبطل القول بأنها لا تدخل إلّا على النكرات.

قلت : لا نسلم أن الضمير فيما أوردته معرفة ، بل هو نكرة ؛ وذلك لأن الضمير في المثال والبيت راجع إلى ما بعده : من قولك «رجلا» وقول الشاعر «فتية» وهما نكرتان.

وقد اختلف النحويون في الضمير الراجع إلى النكرة : هل هو نكرة أو معرفة؟ على مذاهب ثلاثة :

أحدها : أنه نكرة مطلقا.

والثاني : أنه معرفة مطلقا.

والثالث : أن النكرة التي يرجع إليها ذلك الضمير إما أن تكون واجبة التنكير أو جائزته ، فإذا كانت واجبة التنكير كما في المثال والبيت فالضمير نكرة ، وإن كانت جائزته ؛ كما في قولك «جاءني رجل فأكرمته» فالضمير معرفة ، وإنما كانت النكرة في المثال والبيت واجبة التنكير لأنها تمييز ، والتمييز لا يكون إلا نكرة ، وإنما كانت في قولك «جاءني رجل فأكرمته» جائزة التنكير لأنها فاعل ، والفاعل لا يجب أن يكون نكرة ، بل يجوز أن يكون نكرة وأن يكون معرفة ، تقول : «جاءني رجل» و «جاءني زيد».

______________________________________________________

وهذا الذي اختاره المؤلف ههنا ـ من أن الضمير في هذا الموضع نكرة لعوده على نكرة ـ ليس هو ما رجحه ابن مالك ، ولا هو مذهب البصريين الذي اعتاد العلماء أن ينصروه ، والراجح عندهم تسليم أن هذا الضمير معرفة ، وادعاء أن دخول رب على الضمير شاذ لا يقاس عليه ، وهذا هو الذي ذكره ابن مالك في الخلاصة بقوله :

وما رووا من نحو «ربّه فتى»

نزر ، كذاكها ونحوه أتى

والقول بأن الضمير الذي يعود إلى نكرة يكون نكرة ، والضمير الذي يعود إلى معرفة يكون معرفة هو قول جمهور الكوفيين.

وقد استوفى المؤلف ذكر مذاهب النحاة في هذه المسألة ـ وإن كان لم يذكر أدلة فريق منهم ـ فلا حاجة بنا إلى أن نذكر لك شيئا عنها ، وبخاصة إذا كان مبنى هذا الشرح على الإيجاز.

١٦٧

ثم قلت : ومعرفة ، وهي ستّة : أحدها المضمر ، وهو : ما دلّ على متكلّم أو مخاطب أو غائب.

وأقول : أنواع المعارف ستة :

أحدها : المضمر ، ويسمى «الضّمير» أيضا ، ويسمّيه الكوفيون : الكناية ، والمكنيّ ، وإنما بدأت به لأنه أعرف الأنواع الستة على الصحيح.

وهو عبارة : عما دل على متكلم نحو أنا ونحن ، أو مخاطب نحو أنت وأنتما ، أو غائب نحو هو وهما.

وإنما سمي مضمرا من قولهم «أضمرت الشيء» إذا سترته وأخفيته ، ومنه قولهم «أضمرت الشيء في نفسي» أو من الضّمور وهو الهزال ؛ لأنه في الغالب قليل الحروف ، ثم تلك الحروف الموضوعة له غالبها مهموسة ـ وهي التاء والكاف والهاء ـ والهمس : هو الصّوت الخفيّ.

فإن قلت : يرد على الحدّ الذي ذكرته للمضمر الكاف من «ذلك» فإنها دالّة على المخاطب ، وليست ضميرا باتفاق البصريين ، وإنما هي حرف لا محلّ له من الإعراب.

قلت : لا نسلم أنها دالة على المخاطب ، وإنما هي دالّة على الخطاب ؛ فهي حرف دالّ على معنى ، ولا دلالة له على الذاب ألبتة ، وكذلك أيضا الياء في «إياي» والكاف في «إياك» والهاء في «إياه» ليست مضمرات ، وإنما هي ـ على الصحيح ـ حروف دالة على مجرد التكلّم والخطاب والغيبة ، والدال على المتكلم والمخاطب والغائب إنما هو «إيّا» ولكنه لما وضع مشتركا بينها وأرادوا بيان من عنوا به احتاج إلى قرينة تبيّن المعنى المراد منه.

ثم أتبعت قولي «غائب» بأن قلت :

معلوم نحو : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أو متقدّم مطلقا ، نحو : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) أو لفظا لا رتبة نحو (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) أو نية نحو : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) أو مؤخّر مطلقا في نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا)

١٦٨

______________________________________________________

و «نعم رجلا زيد» و «ربّه رجلا» و «قاما وقعد أخواك» و «ضربته زيدا» ونحو قوله :

* جزي ربّه عنّي عديّ بن حاتم* (١)

والأصحّ أن هذا ضرورة.

وأقول : لا بد للضمير من مفسّر يبيّن ما يراد به ، فإن كان لمتكلم أو مخاطب فمفسره حضور من هو له ، وان كان لغائب فمفسره نوعان : لفظ ، وغيره ، والثاني نحو (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) [القدر ، ١] أي : القرآن ، وفي ذلك شهادة له بالنّباهة وأنه غنيّ عن التفسير ، والأول نوعان : غالب ، وغيره ؛ فالغالب أن يكون متقدما ، وتقدّمه على ثلاثة أنواع : تقدّم في اللفظ والتقدير ، وإليه الإشارة بقولي «مطلقا» وذلك نحو : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس ، ٣٠] والمعنى قدرنا له منازل ، فحذف الخافض ، أو التقدير ذا منازل فحذف المضاف ، وانتصاب «ذا» إما على الحال ، أو على أنه مفعول ثان لتضمين (قدرناه) معنى صيّرناه ؛ وتقدّم في اللفظ دون التقدير ، نحو : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) [البقرة ، ١٢٤] وتقدم في التقدير دون اللفظ ، نحو : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) [طه ، ٦٧] لأنّ «إبراهيم» مفعول ؛ فهو في نية التأخير ، و «موسى» فاعل فهو في نية التقديم ، وقيل : إن فاعل «أوجس» ضمير مستتر ، وإن «موسى» بدل منه ؛ فلا دليل في الآية.

والنوع الثاني : أن يكون مؤخّرا في اللفظ والرتبة ، وهو محصور في سبعة أبواب :

أحدها : باب ضمير الشأن ، نحو : «هو ـ أو هي ـ زيد قائم» أي : الشأن والحديث أو القصة ، فإنه مفسّر بالجملة بعده ؛ فإنها نفس الحديث والقصة ، ومنه : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص ، ١] (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) [الحج ، ٤٦].

والثاني : أن يكون مخبرا عنه بمفسّره نحو : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الجاثية ، ٢٤] أي : ما الحياة إلا حياتنا الدنيا.

والثالث : الضمير في باب «نعم» نحو : «نعم رجلا زيد» و (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف ، ٥٠] فإنه مفسّر بالتمييز.

__________________

(١) سيأتي الكلام عليه بصفحة ١٧٠ وهو الشاهد ٦٦.

١٦٩

والرابع : مجرور «ربّ» نحو : «ربّه رجلا» فإنه مفسّر بالتمييز ، قطعا.

والخامس : الضمير في التنازع إذا أعملت الثاني واحتاج الأول إلى مرفوع ، نحو : «قاما وقعد أخواك» فإن الألف راجعة إلى الأخوين.

والسادس : الضمير المبدل منه ما بعده ، كقولك في ابتداء الكلام «ضربته زيدا» وقول بعضهم : «اللهمّ صلّ عليه الرّؤف الرّحيم».

والسابع : الضمير المتصل بالفاعل المقدّم العائد على المفعول المؤخر ، وهو ضرورة على الأصح ، كقوله :

٦٦ ـ جزى ربّه عنّي عديّ بن حاتم

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

فأعيد الضمير من «ربّه» إلى «عدىّ» وهو متأخر لفظا ورتبة.

______________________________________________________

٦٦ ـ هذا بيت من الطويل ، وقد اختلفوا في نسبة هذا البيت ؛ فقال قوم : هو لأبي الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم الطائي ، وقال آخرون : للنابغة ـ أي الجعدي ـ وقال قوم : لعبد الله بن همارق ، ولعله قد روى لكل واحد من هؤلاء جميعا ؛ فإنه قد روى بروايات مختلفة ، مما يجوز معه أنه قد وقع في شعر أكثر من واحد ، وقد أنشد هذا البيت المؤلف في أوضحه (رقم ٢٢٠) ، وابن عقيل (رقم ١٥٣) ، والأشموني في باب الفاعل (رقم ٢٨٠).

الإعراب : «جزى» فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف لا محل له من الإعراب ، «ربه» فاعل جزى مرفوع بالضمة الظاهرة ، ورب مضاف والضمير الموضوع للغائب العائد على عدي مضاف إليه ، «عني» جار ومجرور متعلق بجزى ، «عدي» مفعول به لجزى ، منصوب بالفتحة الظاهرة «ابن» صفة لعدي ، وصفة المنصوب منصوبة ، وابن مضاف ، و «حاتم» مضاف إليه ، «جزاء» مفعول مطلق عامله جزى ، وجزاء مضاف ، و «الكلاب» مضاف إليه «العاويات» صفة للكلاب ، «وقد» الواو واو الحال ، وقد : حرف تحقيق ، «فعل» فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب ، وسكن لأجل الوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى رب ، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب حال.

الشّاهد فيه : قوله «ربه عدي بن حاتم» حيث أعاد الضمير من الفاعل المتقدم على المفعول المتأخر ، فكان هذا الضمير عائدا على متأخر في اللفظ وفي الرتبة جميعا ؛ أما تأخره في اللفظ فظاهر ، وأما تأخره في الرتبة فلأن رتبة المفعول الذي عاد الضمير عليه أن يتأخر في الكلام عن الفاعل الذي اتصل الضمير به.

١٧٠

ثم قلت : الثاني العلم ، وهو شخصيّ إن عيّن مسمّاه مطلقا كزيد ، وجنسيّ إن دلّ بذاته على ذي الماهيّة تارة وعلى الحاضر أخرى كأسامة.

ومن العلم الكنية ، واللّقب ، ويؤخّر عن الاسم تابعا له مطلقا ، أو مخفوضا بإضافته إن أفردا.

وأقول : الثاني من أنواع المعارف : العلم ، وهو نوعان : علم شخص ، وعلم جنس.

فعلم الشخص عبارة عن «اسم يعيّن مسمّاه تعيينا مطلقا» أي بغير قيد.

فقولنا «اسم» جنس يشمل المعارف والنكرات ، وقولنا «يعين مسماه» فصل مخرج للنكرات ؛ لأنها لا تعين مسماها ، بخلاف المعارف فإنها كلها تعين مسماها ، أعني أنها تبين حقيقته وتجعله كأنه مشاهد حاضر للعيان ، وقولنا «بغير قيد» مخرج لما عدا العلم من المعارف ؛ فإنها إنما تعين مسمّاها بقيد ، كقولك «الرّجل» ؛ فإنه يعين مسماه بقيد الألف واللام ، وكقولك «غلامي» ؛ فإنه يعين مسماه بقيد الإضافة ، بخلاف العلم فإنه يعين مسماه بغير قيد ، ولذلك لا يختلف التعبير عن الشخص المسمّى زيدا بحضور ولا غيبة ، بخلاف التعبير عنه بأنت وهو ، وعبرت في المقدمة عن الاسم بقولي «إن عيّن مسماه» وعن نفي القيد بقولي «مطلقا» قصدا للاختصار.

وعلم الجنس عبارة عما دلّ ... إلى آخره ، وبيان ذلك أنّ قولك «أسامة أشجع من ثعالة» في قوة قولك «الأسد أشجع من الثّعلب» والألف واللام في هذا المثال لتعريف الجنس ، وأن قولك «هذا أسامة مقبلا» في قوة قولك «هذا الأسد مقبلا» والألف واللام في ذلك لتعريف الحضور ، وبقولي «بذاته» من الأسد والثعلب في المثال

______________________________________________________

وهذا التقديم شاذ عند جمهرة النحاة ، وذهب ابن جني وجماعة إلى أنه سائغ لا شذوذ فيه ووجهه عندهم أنه قد كثر في لسان العرب تقديم المفعول على الفاعل وحده تارة نحو (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) وعلى الفاعل والفعل جميعا تارة أخرى ، نحو قوله تعالى : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ ،) فلما كثر ذلك ظن أن للمفعول رتبتين ؛ إحداهما التأخر ، والثانية التقدم ، فإذا عاد عليه وهو متأخر لفظا ضمير متصل بالفاعل المتقدم ، فكأنه متأخر لفظا متقدم رتبة ، فاعرف ذلك.

١٧١

المذكور ؛ فإنهما لم يدلّا على ذي الماهية بذاتهما ، بل بدخول الألف واللام.

ثم بينت أن العلم ينقسم إلى اسم ، كما تقدم من التمثيل بزيد وأسامة ، وإلى لقب ، وهو : ما أشعر برفعة كزين العابدين أو بضعة كقفّة وبطّة ، وإلى كنية ، وهو ما بدئ بأب أو أم ، كأبي بكر وأم عمرو ، وإنه إذا اجتمع الاسم واللقب وجب تأخير اللقب.

ثم إن كانا مفردين جازت إضافة الأول إلى الثاني ، وجاز إتباع الثاني للأول في إعرابه ، وذلك ك «سعيد كرز» وإن كانا مضافين ك «عبد الله زين العابدين» أو متخالفين ك «زيد زين العابدين» وك «عبد الله كرز» تعيّن الإتباع ، وامتنعت الإضافة.

ثم قلت : الثّالث الإشارة ، وهو [ما دلّ على مسمّى ، وإشارة إليه ، ك] «ذا» و «ذان» في التّذكير ، و «ذي» و «تي» [و «تا»] و «تان» في التأنيث و «ألاء» فيهما.

وتلحقهنّ في البعد كاف خطاب حرفيّة مجردة من اللّام مطلقا ، أو مقرونة بها إلا في المثنى ، وفي الجمع في لغة من مدّه ، وهي الفصحى ، وفيما سبقته ها التّنبيه.

وأقول : الثالث من أنواع المعارف : الإشارة ، وهو : ما دلّ على مسمى وإشارة إلى ذلك المسمّى ، تقول مشيرا إلى زيد مثلا : «هذا» فتدلّ لفظة «ذا» على ذات زيد ، وعلى الإشارة لتلك الذات.

وقولي : «وهو» بالتذكير بعد قولي : «الإشارة» إنما صح على وجهين ؛ أحدهما : أن «ما» من قولي «ما دل على مسمّى» لفظه التذكير فلما كان الضمير هو نفس «ما» سرى إليه التذكير منه ، والثاني : أن تقدر قولي «الإشارة» على حذف مضاف ، والتقدير اسم الإشارة ؛ فالضمير من قولي «وهو» راجع إلى الاسم المحذوف.

وتنقسم أسماء الإشارة بحسب من هي له ستة أقسام باعتبار التقسيم العقلي ، وخمسة باعتبار الواقع ، وبيان الأول أنها إما لمفرد أو مثنى ، أو مجموع ، وكل منها إما لمذكر ، أو مؤنث ، وبيان الثاني أنهم جعلوا عبارة الجمع مشتركة بين المذكّرين والمؤنثات.

١٧٢

فللمفرد المذكر «هذا».

وللمفردة المؤنثة «هذه» و «هاتي» و «هاتا».

ولتثنية المذكّرين «هذان» رفعا ، و «هذين» جرّا ونصبا.

ولتثنية المؤنثتين «هاتان» رفعا و «هاتين» جرّا ونصبا.

ولجمع المذكر والمؤنث «هؤلاء» : بالمد في لغة الحجازيين ، وبها جاء القرآن ، وبالقصر في لغة بني تميم.

وليست «ها» من جملة اسم الإشارة ، وإنما هي حرف جيء به لتنبيه المخاطب على المشار اليه ؛ بدليل سقوطه منها : جوازا في قولك «ذا» و «ذاك» ووجوبا في قولك «ذلك» (١) ولا الكاف اسم مضمر مثلها في «غلامك» لأن ذلك يقتضي أن تكون مخفوضة بالإضافة ، وذلك ممتنع ؛ لأن أسماء الإشارة لا تضاف لأنها ملازمة للتعريف ؛ وإنما هي حرف لمجرد الخطاب لا موضع له من الإعراب ، وتلحق اسم الإشارة إذا كان للبعيد ، وأنت في اللام قبله بالخيار ، تقول : «ذاك» أو «ذلك».

ويجب ترك اللام في ثلاث مسائل :

إحداها : إشارة المثنّى ، نحو «ذانك» و «تانك»

والثانية : إشارة الجمع في لغة من مدّه ، تقول : «أولئك» بالمد من غير لام فإن قصرت قلت : «أولاك» أو «أولالك» (٢).

__________________

(١) ذكر المؤلف دليلا على أن «ها» ليست جزءا من اسم الإشارة في قولك «هذا ، وهذه ، وهؤلاء» وحاصل هذا الدليل أن «ها» لو كانت جزءا من اسم الإشارة كالزاي من زيد لما جاز سقوطها بغير داع في قولك : ذا ، وذانك ، وأولئك ، بل لما وجب سقوطها في نحو قولك : ذلك ، وإنما وجب سقوط الهاء في ذلك وتلك لأن اللام والكاف زائدتان ، فلو جاز مع وجودهما زيادة الهاء في أول الكلمة لكثرت الزيادات كثرة تثقل بها الكلمة ، فلما كانت «ها» تسقط بغير سبب علمنا أنها ليست جزءا من اسم الإشارة ؛ لأن جزء الكلمة لا يسقط منها إلا السبب.

(٢) جميع ما في القرآن من اسم إشارة الجمع ممدود ، كما في قوله سبحانه وتعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [سورة البقرة ، ٥] ، وذلك لأن القرآن نزل بلغة أهل الحجاز ، وهم يمدونه ، وعليه جاء قول جرير :

ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى

والعيش بعد أولئك الأيّام

ومما ورد منه مقصورا مع اللام قول الشاعر :

أولالك قومي لم يكونوا أشابة

وهل يعظ الضّلّيل إلا أولالكا؟

١٧٣

والثالثة : كل اسم إشارة تقدّم عليه حرف التنبيه ، نحو «هذاك» و «هاتاك» و «هاتيك».

ثم قلت : الرّابع الموصول ، وهو : ما افتقر إلى الوصل بجملة خبريّة أو ظرف أو مجرور تامّين أو وصف صريح ، والى عائد أو خلفه.

وأقول : الرّابع من أنواع المعارف : الموصول ، وهو عبارة عما يحتاج إلى أمرين :

أحدهما : الصّلة ، وهي واحد من أربعة أمور ؛ أحدها : الجملة ، وشرطها : أن تكون خبرية ، أي : محتملة للصدق والكذب ، تقول : «جاءني الّذي قام» و «الّذي أبوه قائم» ولا يجوز «جاء الّذي هل قام» أو «الّذي لا تضربه».

الثاني : الظرف ، والثالث : الجار والمجرور ، وشرطهما أن يكونا تامّين ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) [الأنبياء ، ١٩] ، واحترزت بالتامّين من الناقصين ، وهما اللذان لا تتم بهما الفائدة ؛ فلا يقال : «جاء الذي اليوم» ولا «جاء الذي بك» والرابع : الوصف الصريح ، أي : الخالص من غلبة الاسمية ، وهذا يكون صلة للألف واللام خاصة ، نحو «الضارب» و «المضروب» كما سيأتي.

والأمر الثاني : الضمير العائد من الصلة إلى الموصول ، نحو «جاء الذي قام أبوه» وشرطه : أن يكون مطابقا للموصول في الإفراد والتذكير وفروعهما ، وقد يخلفه الظاهر ، كقوله :

٦٧ ـ سعاد التي أضناك حبّ سعادا

وإعراضها عنك استمرّ وزادا

وحمل عليه الزّمخشريّ قول الله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ

______________________________________________________

٦٧ ـ هذا بيت من الطويل ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وقد أنشده الأشموني (رقم ٨٢).

اللّغة : «سعاد» اسم امرأة ، «أضناك» أورثك الضنى ، وهو المرض الذي كلما ظننت أنه برئ عاد ، «إعراضها» أراد به هجرانها وصدودها ، «استمر» دام واتصل ، وكلما ظننت أنها أقلعت عنه ظهر لك أنها لا تزال عليه ، «وزاد» يريد أنه لم يقف عند حد تحتمله وتقدر عليه.

١٧٤

وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام ، ١] وذلك لأنه قدّر الجملة الاسمية ـ وهي (الذين) وما بعده ـ معطوفة على الجملة الفعلية ـ وهي (خلق) وما بعده ـ على معنى أنه سبحانه خلق ما لا يقدر عليه سواه ، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء. ولو لا أن التقدير ثم الذين كفروا به يعدلون ، كما أن التقدير سعاد التي أضناك حبها للزم فساد هذا الإعراب ؛ لخلو الصلة من ضمير ، وهذا في الآية الكريمة خير منه في البيت ؛ لأن الاسم الظاهر النائب عن الضمير في البيت بلفظ الاسم الموصوف بالموصول ، وهو سعاد ، فحصل التكرار وهو في الآية بمعناه لا بلفظه ، وأجاز في الجملة وجها آخر ، وبدأ به ، وهو أن تكون معطوفة على (الْحَمْدُ

______________________________________________________

الإعراب : «سعاد» يجوز نصبه على أنه مفعول لفعل محذوف ، والتقدير : اذكر سعاد ، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هي سعاد ، أو هذه سعاد ، «التي» نعت لسعاد ، مبني على السكون في محل نصب أو رفع ، «أضناك» أضنى : فعل ماض مبني على فتح مقدر لا محل له ، والكاف ضمير المخاطب (وأراد به نفسه ، فهو يخاطب نفسه على سبيل التجريد) مفعول به مبني على الفتح في محل نصب ، «حب» فاعل أضنى ، وحب مضاف ، و «سعاد» مضاف إليه ، مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث ، «وإعراضها» الواو عاطفة ، وإعراض : مبتدأ ، وهو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى سعاد مضاف إليه ، «عنك» جار ومجرور متعلق بإعراض ، «استمر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إعراض ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، «وزاد» الواو عاطفة ، زاد : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إعراضها ، والألف للإطلاق ، والجملة في محل رفع معطوفة بالواو على جملة الخبر.

الشّاهد فيه : قوله «التي أضناك حب سعاد» حيث وضع الاسم الظاهر الذي هو قوله «سعاد» في آخر الشطر الأول ، موضع الضمير ؛ فربط به جملة الصلة ، والأصل أن يقول : سعاد التي أضناك حبها ، ووضع الاسم الظاهر في موضع الضمير في جملة الصلة بنوع خاص مما أنكره كثير من العلماء ، وذكروا أنه لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ، ومنهم المؤلف نفسه فقد ذكر في المغني أنه ضرورة لا يجوز تخريج القرآن عليه ، فافهم ذلك وتدبره.

ومثل البيت الذي استشهد به المؤلف قول الشاعر ، وهو مجنون ليلى :

فيا ربّ ليلى ، أنت في كلّ موطن

وأنت الّذي في رحمة الله أطمع

يريد «وأنت الذي في رحمته أطمع» فوضع الاسم الظاهر وهو اسم الجلالة موضع الضمير.

١٧٥

اللهِ) والمعنى أنه سبحانه حقيق بالحمد على ما خلق ؛ لأنه ما خلقه إلا نعمة ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون فيكفرون نعمته.

ثم قلت : وهو «الذي» و «التي» وتثنيتهما ، وجمعهما و «الألى» و «الذين» و «اللّاتي» و «اللّائي» وما بمعناهنّ ، وهو «من» للعالم ، و «ما» لغيره ، و «ذو» عند طيّئ ، و «ذا» بعد ما أو من الاستفهاميّتين إن لم تلغ ، و «أيّ» و «أل» في نحو الضّارب والمضروب.

وأقول : لما فرغت من حدّ الموصول شرعت في سرد المشهور من ألفاظه :

والحاصل أنها تنقسم إلى ستة أقسام ؛ لأنها إما لمفرد ، أو مثنى ، أو مجموع ، وكل من الثلاثة إما لمذكر ، أو لمؤنث.

فللمفرد المذكر «الذي» وتستعمل للعاقل وغيره ؛ فالأول نحو (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) [الزمر ، ٣٣] ، والثاني نحو : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء ، ١٠٢] ولك في يائه وجهان : الإثبات ، والحذف ؛ فعلى الإثبات تكون إما خفيفة فتكون ساكنة ، وإما شديدة فتكون إما مكسورة ، أو جارية بوجوه الإعراب ، وعلى الحذف فيكون الحرف الذي قبلها إما مكسورا كما كان قبل الحذف ، وإما ساكنا.

وللمفرد المؤنث «التي» وتستعمل للعاقلة وغيرها ؛ فالأول نحو : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) [المجادلة ، ١] و «قد» هنا للتوقع ؛ لأنها كانت تتوقع سماع شكواها وإنزال الوحي في شأنها و «في» للسببية أو الظرفية ، على حذف مضاف : أي في شأنه ، والثاني نحو : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة ، ١٤٢] أي : سيقول اليهود ما صرف المسلمين عن التوجّه إلى بيت المقدس ، ولك في ياء «التي» من اللغات الخمس ما لك في ياء «الذي».

ولمثنى المذكر «اللّذان» رفعا ، و «اللّذين» جرّا ونصبا.

ولمثنى المؤنث «اللّتان» رفعا ، و «اللّتين» جرّا ونصبا.

ولك فيهنّ تشديد النون ، وحذفها ، والأصل التخفيف والثبوت.

١٧٦

ولجمع المذكر «الألى» بالقصر والمد (١) ، و «الذين» بالياء مطلقا ، أو بالواو رفعا.

ولجمع المؤنث «اللّائي» و «اللّاتي» بإثبات الياء وحذفها فيهما ، وقد قرئ والئى يئسن [الطلاق ، ٤] بالوجهين ، ولم يقرأ في السبعة (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) [النساء ، ١٥] إلا بالياء ؛ لأنه أخف من «اللائي» ؛ لكونه بغير همزة.

ومن الموصولات موصولات عامة في المفرد المذكر وفروعه ، وهي :

«من» وأصل وضعها لمن يعقل ، نحو : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى) [الرعد ، ١٩].

و «ما» لما لا يعقل نحو : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [النحل ، ٩٦].

و «ذو» في لغة طيئ ، يقولون : «جاءني ذو قام».

و «ذا» بشرطين ؛ أحدهما : أن يتقدم عليها «ما» الاستفهامية ، نحو : (ما ذا أَنْزَلَ

__________________

(١) من شواهد المد قول الشاعر (وهو الشاهد رقم ٥٩ الذي سبق ذكره) :

أبى الله للشمّ الألاء كأنّهم

سيوف أجاد القين يوما صقالها

ومن شواهد القصر قول الآخر :

نحن الألى فاجمع جمو

عك ثمّ وجّههم إلينا

يريد نحن الأولى عرفوا بالشجاعة وقهر الأعداء ، هذا في جمع المذكر العاقل ، وقد تستعمل هذه الكلمة في جمع المذكر غير العاقل ، ومن ذلك قول الشاعر :

تهيّجني للوصل أيّامنا الألى

مررن علينا والزّمان وريق

وربما استعملت هذه الكلمة في جمع المؤنث العاقل ، ومنه قول مجنون ليلى :

محا حبّها حبّ الألى كنّ قبلها

وحلّت مكانا لم يكن حلّ من قبل

ومثله قول الآخر :

فأمّا الألى يسكنّ غور تهامة

فكلّ فتاة تترك الحجل أقصما

وقد تستعمل في جمع المؤنث غير العاقل ، ومنه قول الشاعر :

وتبلي الألى يستلئمون على الألى

تراهنّ يوم الرّوع كالحدإ القبل

الشاهد في قوله «على الألى تراهن ـ إلخ» فإنه عنى بذلك الأفراس التي يركبها الذين يستلئمون : أي يلبسون اللأمة ، وهي ـ بفتح اللام وسكون الهمزة ـ أداة الحرب.

١٧٧

رَبُّكُمْ) [النحل ، الآيتان : ٢٤ ـ ٣٠] أي : ما الذي أنزل ربكم؟ أو «من» الاستفهامية ، نحو : «من ذا لقيت؟» وقول الشاعر :

٦٨ ـ وقصيدة تأتي الملوك غريبة

قد قلتها ليقال من ذا قالها؟

______________________________________________________

٦٨ ـ هذا بيت من الكامل من كلام أبي بصير الأعشى ميمون بن جندل ، صناجة العرب في الجاهلية ، وأسيرهم شعرا ، من قصيدة مطلعها :

رحلت سميّة غدوة أجمالها

غضبى عليك ، فما تقول بدالها؟

ورواية صدر الشاهد في ديوانه (ص ٢٣ طبع فيينا ١٩٣٧) هكذا :

* وغريبة تأتي الملوك حكيمة*

وقد أنشد المؤلف هذا الشاهد كما أنشده هنا في قطر الندى (رقم ٢٢).

اللّغة : «قصيدة» هي في الأصل فعلية من القصد بمعنى مفعولة ، وهي في اصطلاح علماء العروض عبارة عن جملة من الأبيات أقلها سبعة ـ وقيل عشرة ـ سميت بذلك لأن قائلها يقصدها بالتجويد والإتقان ، «غريبة» يريد أنها نادرة منقطعة النظير.

المعنى : إن كثيرا من القصائد النادرة المثال قد صنعته صناعة عجيبة ، وأحكمت صنعته ، فيقول من تقرع أبياتها سمعه : من قائل هذا الشعر البديع؟!

الإعراب : «وقصيدة» الواو واو رب ، قصيدة : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد ، «تأتي» فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على قصيدة «الملوك» مفعول به لتأتي ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله في محل رفع صفة لقصيدة ، باعتبار محله لأنه مبتدأ ، أو في محل جر صفة له باعتبار اللفظ ، «غريبة» صفة أيضا لقصيدة فهي مرفوعة أو مجرورة ، «قد» حرف تحقيق ، «قلتها» فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، «ليقال» اللام لام التعليل ، يقال : فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن مضمرة جوازا بعد اللام ، «من» اسم استفهام مبتدأ ، مبني على السكون في محل رفع ، «ذا» اسم موصول بمعنى الذي خبر المبتدأ مبني على السكون في محل رفع ، «قالها» قال : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذا ، والضمير المتصل البارز مفعول به مبني على السكون في محل نصب ، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها صلة الموصول ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع نائب فاعل يقال ، أي أن هذه الجملة هي مقول القول.

الشّاهد فيه : قوله «من ذا قالها» فإنه استعمل «ذا» اسما موصولا بمعنى الذي ، بعد «من»

١٧٨

أي : من الذي قالها ، وهذا الشرط خالف فيه الكوفيون ؛ فلم يشترطوه ، واستدلوا بقوله :

٦٩ ـ * نجوت وهذا تحملين طليق*

______________________________________________________

الاستفهامية ، وجاء لهذا الاسم الموصول بصلة هي جملة «قالها» وعائد هو الضمير المستتر في قال ، على ما بيناه في الإعراب.

٦٩ ـ هذا عجز بيت من الطويل ، وصدره قوله :

* عدس ما لعبّاد عليك إمارة*

وهذا البيت من كلمة ليزيد بن مفرغ الحميري ، يقولها بعد أن خرج من سجن عبيد الله بن زياد والي سجستان في عهد معاوية بن أبي سفيان ، وقد أنشد المؤلف هذا الشاهد الذي هو عجز البيت في كتابه أوضح المسالك في باب الموصول (رقم ٥٥). وأنشد صدره في باب أسماء الأفعال والأصوات منه ، وأنشد البيت كله في كتابه قطر الندى (رقم ٣٣).

اللّغة : «عدس» اسم صوت يزجر به الفرس ، «عباد» هو عباد بن زياد ، «نجوت» يروى في مكانه «أمنت» أي صرت في مكان تأمنين فيه.

الإعراب : «عدس» اسم صوت ، مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، «ما» نافية ، «لعباد» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، «عليك» جار ومجرور متعلق بقوله إمارة ، أو بمحذوف حال منه ، أو بما تعلق به الجار والمجرور السابق ، «إمارة» مبتدأ مؤخر ، «أمنت» فعل وفاعل ، «وهذا» الواو واو الحال ، هذا : اسم موصول بمعنى الذي مبتدأ ، «تحملين» فعل مضارع ، مرفوع بثبوت النون ، وياء المخاطبة فاعله ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد ضمير منصوب بتحملين محذوف ، والتقدير تحملينه ، «طليق» خبر المبتدأ الذي هو الاسم الموصول ، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب ، وهذا الإعراب هو إعراب الكوفيين للبيت ، وستعرف ما في هذا الإعراب.

الشّاهد فيه : قوله «هذا تحملين طليق» فإن الكوفيين زعموا : أن «هذا» اسم موصول والجملة بعده صلة ، والعائد إليه محذوف ، على نحو ما ذكره المؤلف وقررناه في إعراب البيت.

ولم يرتض البصريون ذلك ، وذهبوا إلى أن «هذا» اسم إشارة مبتدأ ، و «طليق» خبره ، وجملة «تحملين» في محل نصب حال من الضمير المستتر في الخبر العائد إلى المبتدأ ، وتقدير الكلام : وهذا طليق (هو) حال كونه محمولا لك.

ومن هنا يظهر لك أن الكوفيين لا يشترطون لاعتبار «ذا» اسما موصولا تقدم ما أو من الاستفهاميتين ، ولا خلوه من حرف التنبيه ، وأما البصريون فإنهم يشترطون ذلك كله.

١٧٩

فزعموا أن التقدير : والذي تحملينه طليق ، ف «ذا» موصول مبتدأ ، و «تحملين» صلة ، والعائد محذوف ، و «طليق» خبر.

الشرط الثاني : أن لا تكون «ذا» ملغاة ، وإلغاؤها بأن تركّب مع «ما» فيصيرا اسما واحدا ؛ فتقول : «ماذا صنعت» وينزّل «ماذا» بمنزلة قولك : أيّ شيء ، فتكون مفعولا مقدّما ، فإن قدرت «ما» مبتدأ و «ذا» خبرا ، فهي موصولة ؛ لأنها لم تلغ.

ومنها : «أيّ» كقوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ)(١) أي : الذي هو أشد ، وقد تقدم الكلام فيها.

ومنها : «أل» الداخلة على اسم الفاعل ، ك «الضّارب» أو اسم المفعول ك «المضروب» ، هذا قول الفارسي وابن السراج وأكثر المتأخرين ، وزعم المازنيّ أنها موصول حرفيّ ، ويرده أنها لا تؤول بالمصدر ، وأن الضمير يعود عليها ، وزعم أبو الحسن الأخفش أنها حرف تعريف ، ويرده أن هذا الوصف يمتنع تقديم معموله ، ويجوز عطف الفعل عليه ، كقوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً* فَأَثَرْنَ) [العاديات ، ٣ و ٤] فعطف «أثرن» على «المغيرات» لأن التقدير : فاللاتي أغرن فأثرن ، و (المغيرات) مفعلات من الغارة ، و (صبحا) ظرف زمان ، كانوا يغيرون على أعدائهم في الصباح ؛ لأنهم حينئذ يصيبونهم وهم غافلون لا يعلمون ، ويقال : إنها كانت سريّة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بني كنانة فأبطأ عليه خبرها ، فجاء به الوحي إليه ، والنّقع : الغبار ، أو الصوت ، من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما لم يكن نقع أو لقلقة» (٢) أي : فهيجن بالمغار عليهم صياحا وجلبة (٣).

ثم قلت : الخامس المحلّى بأل العهدية كجاء القاضي ، ونحو : (فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ) الآية ، أو الجنسيّة نحو : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) ونحو : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) ونحو : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.)

__________________

(١) مريم ، ٦٩ ، وقد تقدم الكلام على هذه الكلمة في ١٤٣.

(٢) اللقلقة ـ بفتح اللامين بينهما قاف ساكنة ـ هي شدة الصوت.

(٣) الجلبة ـ بفتح الجيم واللام والباء جميعا ـ اختلاط الأصوات وشدتها ، وإنما يكون ذلك عند الاضطراب وكثرة أصحاب الصوت.

١٨٠