شرح شذور الذّهب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

شرح شذور الذّهب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير
الطبعة: ٠
ISBN: 977-277-343-0
الصفحات: ٤٩٥

ومثال النصب قول الآخر :

٣٢ ـ لا نسب اليوم ولا خلّة

اتّسع الخرق على الرّاقع

______________________________________________________

اللّغة : «الصغار» بفتح الصاد بزنة سحاب ـ الذل والمهانة والحقارة.

الإعراب : «هذا» ها : حرف تنبيه ، واسم الإشارة مبتدأ مبني على السكون في محل رفع ، «لعمركم» اللام لام الابتداء ، عمر : مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، والتقدير : لعمركم قسمي ، وعمر مضاف والكاف مضاف إليه ، والميم علامة على جمع المخاطبين ، وجملة هذا المبتدأ وخبره لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره الآتي ، «الصغار» خبر المبتدأ الذي هو اسم الإشارة ، «بعينه» الباء حرف جر ، وعين : مجرور بالباء ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال ، وقيل : الباء زائدة ، وعين تأكيد للصغار ، وعين مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى الصغار مضاف إليه ، «لا» نافية للجنس ، «أم» اسمها ، «لي» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا ، «إن» شرطية ، «كان» فعل ماض تام بمعنى حصل ، فعل الشرط «ذاك» ذا : اسم إشارة فاعل كان ، والكاف حرف خطاب ، «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد النفي ، «أب» معطوف على محل لا مع اسمها ، وهذا أحد ثلاثة أوجه في تخريج الرفع ، وستعرف الوجهين الآخرين ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها من الإعراب معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه.

الشّاهد فيه : قوله «لا أم لي ولا أب» حيث عطف قوله «أب» على ما قبله بالواو مع تكرار لا ، وجاء بالاسم الأول مبنيّا على الفتح على أن لا التي دخلت عليه عاملة عمل إن ، وجاء بالثاني مرفوعا ، وهذا المرفوع إما أن يجعل معطوفا بالواو على محل لا مع اسمها عطف مفرد على مفرد ، ومحل لا مع اسمها رفع بالابتداء ، وإما أن يجعل اسما للا الثانية على أنها عاملة عمل ليس ، وإما أن يجعل مبتدأ ولا التي قبله مهملة غير عاملة أصلا ، وعلى الوجهين الثاني والثالث تكون الواو قد عطفت جملة على جملة ، فهذه ثلاثة أوجه يخرج عليها رفع الاسم الواقع بعد لا الثانية إذا كان الاسم الواقع بعد لا الأولى مفتوحا.

٣٢ ـ هذا بيت من السريع من كلمة لأنس بن العباس بن مرداس ، وقيل : هو لأبي عامر جد العباس بن مرداس ، وقد أنشده ابن عقيل (رقم ١١١) والمؤلف في أوضحه (رقم ١٦٤).

اللّغة : «خلة» بضم الخاء وتشديد اللام ـ هي الصداقة ، وقد تطلق على الصديق نفسه.

المعنى : يقول : إنه لا ينفع فيما جرى بيننا من أسباب القطيعة نسب ولا صداقة ، لأن الخطب قد تفاقم حتى صعب رتقه.

الإعراب : «لا» نافية للجنس ، «نسب» اسم لا مبني على الفتح في محل نصب ، «اليوم» ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر لا ، «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد النفي ، «خلة» بالنصب

١٢١

وإن رفعت الاسم الأول جاز لك في الاسم الثاني وجهان : الفتح والرفع ؛ فالأول كقوله في هذا البيت :

٣٣ ـ فلا لغو ولا تأثيم فيها

وما فاهوا به أبدا مقيم

______________________________________________________

معطوف على محل اسم لا الأولى ، «اتسع» فعل ماض «الخرق» فاعله «على الراقع» جار ومجرور متعلق باتسع.

الشّاهد فيه : قوله «ولا خلة» حيث عطف قوله «خلة» بالنصب على محل اسم لا الأولى المبني على الفتح في محل نصب ، وذلك بتقدير أن «لا» الثانية زائدة لتأكيد النفي.

وقال يونس بن حبيب شيخ سيبويه : إن قوله «خلة» اسم لا الثانية وهي عاملة عمل إن ؛ فهذا الاسم مبني على الفتح في محل نصب ، وهذا التنوين ليس بتنوين التمكين ، وإنما هو تنوين الضرورة ، وعلى هذا يكون خبر لا الثانية محذوفا يدل عليه خبر لا الأولى ، وتقدير الكلام ، لا نسب اليوم ولا خلة اليوم ، وتكون الواو قد عطفت جملة على جملة ، بخلافها على التقدير الأول ، فإنها عليه قد عطفت مفردا هو ما بعد لا الثانية على مفرد هو اسم لا الأولى ، فافهم هذا كله وتدبره.

٣٣ ـ هذا بيت من الوافر من كلام أمية بن أبي الصلت ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ١٦٣) وابن عقيل (رقم ١١٣) وهكذا يروي النحاة هذا البيت ، وهو عند التحقيق ملفق من بيتين ، وصواب الإنشاد هكذا :

فلا لغو ولا تأثيم فيها

ولا حين ، ولا فيها مليم

وفيها لحم ساهرة وبحر

وما فاهوا به أبدا مقيم

اللّغة : «لغو» هو الباطل ، «تأثيم» نسبة إلى الإثم وهو الحرام وما فيه حرج ، وتقول «أثم محمد خالدا» أي : نسبه إليه ، يريد أن أهل الجنة لا يتكلمون بالباطل ، ولا ينسب بعضهم بعضا إلى الإثم ، لأنه لا يقع من أحدهم إثم حتى ينسب إليه.

الإعراب : «لا» نافية مهملة لا عمل لها ، «لغو» مبتدأ ، «ولا» الواو حرف عطف ، ولا نافية للجنس «تأثيم» اسم لا ، مبني على الفتح في محل نصب ، «فيها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وخبر لا محذوف يدل عليه خبر المبتدأ ـ والتقدير : فلا لغو فيها ولا تأثيم فيها ـ ويجوز أن يكون المذكور خبر لا ، والمحذوف هو خبر المبتدأ ، عكس الأول ، لكن الأول أولى ؛ لما عرفت مرارا من أن الحذف من الثاني لدلالة الأول على المحذوف أولى من الحذف من الأول لدلالة الثاني على المحذوف ، وعلى كل حال فجملة لا مع اسمها وخبرها معطوف على جملة المبتدأ والخبر بالواو ، «وما» الواو عاطفة : ما : اسم موصول مبتدأ ، «فاهوا»

١٢٢

والثاني كقوله تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ)(١) في قراءة من رفعهما. ولا يجوز لك إذا رفعت الأول أن تنصب الثاني.

ثم قلت : أو الكسر ، وهو خمسة : العلم المختوم بويه كسيبويه ، والجرميّ يجيز منع صرفه ، وفعال للأمر كنزال ودراك ، وبنو أسد تفتحه ، وفعال سبّا للمؤنث كفساق وخباث ، ويختضّ هذا بالنداء ، وينقاس هو ونحو نزال من كلّ فعل ثلاثيّ تامّ ، وفعال علما لمؤنّث كحذام في لغة أهل الحجاز ، وكذلك «أمس» عندهم إذا أريد به معيّن ، وأكثر بني تميم يوافقهم في نحو سفار ووبار مطلقا ، وفي أمس في الجرّ والنّصب ، ويمنع الصّرف في الباقي.

وأقول : الباب الخامس من المبنيات : ما لزم البناء على الكسر ، وهو خمسة أنواع :

النوع الأول : العلم المختوم بويه كسيبويه وعمرويه ونفطويه وراهويه ونحو ذلك ؛ فليس فيهن إلا الكسر ، وهو قول سيبويه والجمهور ، وزعم أبو عمر الجرمي أنه يجوز فيهن ذلك ، والإعراب إعراب ما لا ينصرف (٢).

______________________________________________________

فعل وفاعل جملتهما لا محل لها صلة الموصول ، «به» جار ومجرور متعلق بفاه ، «أبدا» ظرف منصوب على الظرفية الزمانية ، والعامل فيه هو قوله فاهوا أو قوله مقيم الآتي ، «مقيم» خبر المبتدأ الذي هو الاسم الموصول.

__________________

(١) البقرة ، ٢٥٤ ، ورفع الاسمين فيها قراءة حمزة والكسائي ونافع وابن عامر وعاصم ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير بالفتح في الكلمتين.

(٢) من أمثلة هذا النوع : خالويه ، ودرستويه ، وخمارويه ، وحمدويه ، واللغة المشهورة فيه بناؤه على الكسر كما هو مختار سيبويه ، وسبب بنائه عنده شبهه بأسماء الأصوات ، وكان بناؤه على حركة ـ مع أن أصل البناء أن يكون على السكون ـ لسببين : أولهما قصد التخلص من التقاء الساكنين لأن الياء التي قبل الآخر ساكنة ، والسبب الثاني أن يعلم أن له أصلا في الإعراب ، وكانت الحركة التي بني عليها هي الكسرة لأن الكسر هو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.

وفي هذا النوع لغة أخرى ذكرها الجرمي ، وهي أنه يعرب إعراب ما لا ينصرف : بالضمة رفعا ، وبالفتحة نصبا وجرا ، وسبب منعه من الصرف العلمية والتركيب.

١٢٣

النوع الثاني : ما كان اسما للفعل ، وهو على وزن فعال ، وذلك مثل نزال (١) بمعنى انزل ، ودراك بمعنى أدرك ، وتراك بمعنى اترك ، وحذار بمعنى احذر ، قال الشاعر :

٣٤ ـ * حذار من أرماحنا حذار*

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «فلا لغو ولا تأثيم» حيث رفع الاسم الواقع بعد لا الأولى على أن لا مهملة ، وفتح الاسم الواقع بعد لا الثانية على أنها نافية للجنس عاملة عمل إن ، على ما أوضحناه في الإعراب ، ويجوز أن يكون رفع ما بعد لا الأولى على أن لا عاملة عمل ليس والمرفوع اسمها.

٣٤ ـ هذا بيت من الرجز المشطور من كلام أبي النجم الفضل بن قدامة العجلي ، وهو من شواهد سيبويه (ج ٢ ص ٣٧).

الإعراب : «حذار» اسم فعل أمر بمعنى احذر ، مبني على الكسر لا محل له من الإعراب ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «من» حرف جر ، «أرماحنا» أرماح : مجرور بمن ، والجار والمجرور متعلق بحذار ، وأرماح مضاف وضمير المتكلم المعظم نفسه أو المتحدث عن نفسه وغيره مضاف إليه ، مبني على السكون في محل جر ، «حذار» اسم فعل أمر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت هو فاعله ، وجملة اسم الفعل مع فاعله مؤكدة لجملة اسم الفعل السابق مع فاعله.

الشّاهد فيه : قوله «حذار» في الموضعين ، حيث بنى من مصدر الفعل الثلاثي التام الذي هو «حذر يحذر» اسما على وزن فعال ـ بفتح الفاء والعين ـ واستعمله بمعنى فعل الأمر الذي هو احذر ، وبناه على الكسر ، قال الأعلم : «الشاهد في قوله حذار ، وهو اسم لفعل الأمر الواقع موقعه ، وكان حقه السكون ؛ لأن فعل الأمر ساكن ، إلا أنه حرك لالتقاء الساكنين ، وخص بالكسر لأنه اسم مؤنث ،

__________________

(١) إنما بني هذا النوع لأنه أشبه الحرف شبها استعماليّا ، ومعنى ذلك أنها تنوب عن الفعل في الدلالة على المعنى ولا تدخل عليها العوامل فتؤثر فيها ، فهي دائما عاملة في غيرها وليست معمولة لغيرها أصلا ، ألا ترى أنك لو قلت «تراك فعل القبيح» كان تراك قائما مقام اترك في المعنى ، وكان عاملا في فاعل هو ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، وفي مفعول به ـ وهو قولك فعل القبيح ـ ولم يكن «تراك» معمولا لشيء ، ولهذا تقول في إعرابه : مبني على الكسر لا محل له من الإعراب ، والحرف هكذا في الاستعمال ينوب عن الفعل في الدلالة على المعنى وفي أنه يعمل في غيره ولا يعمل فيه غيره ، فلو قلت مثلا «كأن الفتاة بدر» كانت «كأن» دالة على معنى أشبه ، وكانت عاملة النصب في الاسم الأول ، والرفع في الاسم الثاني ولم يكن شيء ما عاملا فيها ، فلما أشبه اسم الفعل مثل نزال الحرف هذا الشبه أخذ حكمه وهو البناء ، وكان بناء هذا النوع منه على حركة تخلصا من التقاء الساكنين ، وكانت الحركة هي الكسرة لأنها الأصل في التخلص المذكور.

١٢٤

وقال الآخر :

٣٥ ـ * تراكها من إبل تراكها*

______________________________________________________

والكسرة والياء مما يخص به المؤنث كقولك : أنت تذهبين ونحوه» اه. كلامه.

ومثل هذا الشاهد مما لم يذكره المؤلف قول رؤبة بن العجاج :

* نظار كي أركبها نظار*

وقول جرير بن عطية :

نعاء أبا ليلى لكلّ طمرّة

وجرداء مثل القوس سمح حجولها

وقال الآخر :

مناعها من إبل مناعها

أما ترى الموت لدى أرباعها

٣٥ ـ هذا بيت من الرجز المشطور ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ١٢٣ ـ وج ٢ ص ٣٨) ولم ينسبه ولا نسبه الأعلم ، وبعده قوله :

* أما ترى الموت لدى أوراكها*

الإعراب : «تراكها» تراك : اسم فعل أمر بمعنى اترك ، مبني على الكسر لا محل له من الإعراب ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والضمير البارز المتصل مفعول به مبني على السكون في محل نصب ، «من إبل» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من المفعول به ، «تراكها» تراك : اسم فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والضمير البارز مفعول به ، والجملة مؤكدة للجملة السابقة ، «أما» أداة استفتاح «ترى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «الموت» مفعول به لترى ، «لدى» ظرف مكان متعلق بترى ، أو بمحذوف حال من الموت ، ولدى مضاف وأوراك من «أوراكها» مضاف إليه ، وأوراك مضاف وضمير الغائبة العائد إلى الإبل مضاف إليه ، مبني على السكون في محل جر.

الشّاهد فيه : قوله «تراكها» في الموضعين ، حيث اشتق من مصدر الفعل الثلاثي الذي هو «ترك يترك» اسما على زنة فعال ـ بفتح الفاء والعين ـ واستعمله بمعنى فعل الأمر وبناه على الكسر ، قال الأعلم : «الشاهد فيه : وضع تراكها موضع اتركها وهو اسم لفعل الأمر ، ووجب له البناء على الكسر ، لأنه مبني ، وكان حقه السكون ، وكسر لالتقاء الساكنين ، وخص بالكسر لأنه مؤنث والكسر يختص به المؤنث» اه. كلامه.

ومثل هذا ـ غير ما قدمناه مع شرح الشاهد السابق ـ قولهم للضبع «دباب» بدال مهملة مفتوحة بعدها باء موحدة ـ أي دبى ، وكذا قول الشاعر :

١٢٥

وما أحسن قول بعضهم :

٣٦ ـ هي الدّنيا تقول بملء فيها :

حذار حذار من بطشي وفتكي

فلا يغرركم منّي ابتسام

فقولي مضحك والفعل مبكي

______________________________________________________

نعاء ابن ليلى للسّماحة والنّدى

وأيدي شمال باردات الأنامل

يريد انع ابن ليلى : أي اذكر خبر موته والفجيعة فيه للسماحة والكرم ، يريد أنه كان أهل هذين الخلقين الكريمين ، وبموته يموتان.

٣٦ ـ هذان بيتان من الوافر ، وهما مشهوران يدوران على كل لسان ، وهما من قصيدة لأبي الفرج الساوي أحد كتاب الصاحب بن عباد يرثي فيها فخر الدولة ، وقد أنشدها الثعالبي في كتابه يتيمة الدهر (٣ / ٣٣٩ بتحقيقنا) وذكر المؤلف لهما ليس على سبيل الاستدلال ، ولكن للتمثيل ؛ لأن أبا الفرج قائلهما ليس ممن يحتج بكلامه عند النحويين.

الإعراب : «هي» ضمير الشأن ، وهو مبتدأ ، مبني على الفتح في محل رفع ، «الدنيا» مبتدأ ثان ، مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ الثاني ، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول الذي هو ضمير الشأن ، «بملء» جار ومجرور متعلق بتقول ، وملء مضاف ، وفي من «فيها» مضاف إليه مجرور بالياء نيابة عن الكسرة لأنه من الأسماء الستة ، وهو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى الدنيا مضاف إليه ، «حذار» اسم فعل أمر بمعنى احذر ، مبني على الكسر لا محل له من الإعراب وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «حذار» مثل سابقه ، والجملة تأكيد للجملة السابقة ، «من بطشي» الجار والمجرور متعلق بحذار ، وبطش مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «وفتكي» معطوف بالواو على بطش ، «فلا» الفاء حرف دال على التفريع ، لا : ناهية ، «يغرركم» يغرر : فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وضمير جماعة المخاطبين مفعول به ليغرر ، «مني» جار ومجرور متعلق بيغرر ، «ابتسام» فاعل يغرر ، «فقولي» الفاء دالة على السببية ، قول : مبتدأ ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «مضحك» خبر المبتدأ ، «والفعل» الواو عاطفة ، والفعل : مبتدأ «مبك» خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر معطوفة على جملة المبتدأ والخبر السابقة.

التمثيل به : في قوله «حذار حذار» فإن كل واحد منهما اسم فعل أمر بمعنى احذر ، وهو مأخوذ من مصدر فعل ثلاثي تام ـ وهو «حذر يحذر» ـ وقد بناه على الكسر ، على نحو ما بيناه في الشواهد السابقة.

١٢٦

وبنو أسد يفتحون فعال في الأمر لمناسبة الألف والفتحة التي قبلها.

النوع الثالث : ما كان على فعال ، وهو سبّ للمؤنث ، ولا يستعمل هذا النوع إلا في النداء ، تقول : «يا خباث» بمعنى يا خبيثة ، و «يا دفار» بالدال المهملة ، بمعنى يا منتنة ، و «يا لكاع» بمعنى يا لئيمة ، ومن كلام عمر رضي‌الله‌عنه لبعض الجواري ، «أتتشبّهين بالحرائر يا لكاع» ولا يقال : جاءتني لكاع ، ولا رأيت لكاع ، ولا مررت بلكاع ، فأما قوله :

٣٧ ـ أطوّف ما أطوّف ثمّ آوى

إلى بيت قعيدته لكاع

______________________________________________________

٣٧ ـ هذا بيت من الوافر ، وقد نسبوا هذا الشاهد إلى الحطيئة ، واسمه جرول ، وهو أحد شعراء صدر الإسلام وكان بذيء اللسان فحاشا هجاء ، وقد أنشد المؤلف هذا البيت في أوضحه (رقم ٤٤٥) وقد رأيت الخطيب التبريزي نسبه في تهذيب الألفاظ (٧٣) إلى أبي الغريب النصري ، وأنشده صدره :

* أطود ما أطود ....*

و «أطود» مثل أطوف في اللفظ والمعنى.

اللّغة : «أطوف» أي : أكثر من الطواف والسير ، «آوي» أسكن ، وتقول : أوى إليه ، إذا اطمأن نحوه وسكن إليه ، ومنه قوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [سورة هود ، ٨٠].

الإعراب : «أطوف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «ما» مصدرية ، «أطوف» فعل مضارع ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا هو فاعله ، وما مع هذا الفعل في تأويل مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق والتقدير : أطوف تطويفا ، «ثم» حرف عطف ، «آوي» فعل مضارع ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا هو فاعله ، والجملة معطوفة على جملة أطوف الأول مع فاعله ، «إلى بيت» جار ومجرور متعلق بآوي ، «قعيدته» قعيدة : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة ، وهو مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى البيت مضاف إليه ، «لكاع» خبر المبتدأ مبني على الكسر في محل رفع ، وستعرف شيئا في هذا الإعراب مع بيان وجه الاستشهاد بالبيت.

الشّاهد فيه : قوله «لكاع» فإن حق هذه الكلمة وكل ما كان على وزنها مما هو سب للأنثى ألا يستعمل شيء منه إلا في النداء ، تقول : يا لكاع ، ويا دفار ، ويا خباث ، ويا فساق ، ويا دناء ، وما أشبه ذلك ، لكن الشاعر استعمل هذه الكلمة في هذا البيت بحسب الظاهر خبرا عن المبتدأ ، وذلك ما لم يجر به سنن الكلام العربي ، ولهذا كان من الناس من زعم أن خبر المبتدأ محذوف ، وقوله

١٢٧

فاستعملها في غير النداء ؛ فضرورة شاذة ، ويحتمل أن التقدير : قعيدته يقال لها : يا لكاع ؛ فيكون جاريا على القياس.

ويجوز قياسا مطردا صوغ فعال هذا وفعال السّابق ـ وهو الدال على الأمر ـ مما اجتمع فيه ثلاثة شروط ، وهي : أن يكون فعلا ، ثلاثيّا ، تامّا ؛ فيبنى من نزل نزال ، ومن ذهب ذهاب ، ومن كتب كتاب ، بمعنى انزل واذهب واكتب ، ويقال من فسق وفجر وزنا وسرق : يا فساق ، ويا فجار ، ويا زناء ، ويا سراق ، بمعنى يا فاسقة ، يا فاجرة ، يا زانية ، يا سارقة.

ولا يجوز بناء شيء منها من نحو اللصوصيّة ؛ لأنها لا فعل لها ، ولا من نحو دحرج واستخرج وانطلق ؛ لأنها زائدة على الثلاثة ، ولا من نحو كان وظل وبات وصار ؛ لأنها ناقصة لا تامة.

ولم يقع في التنزيل فعال أمرا إلا في قراءة الحسن «لا مساس» [طه ، ٩٧] بفتح الميم وكسر السين ، وهو في دخول «لا» على اسم الفعل بمنزلة قولهم للعاثر إذا دعوا عليه بأن لا ينتعش ـ أي لا يرتفع ـ «لا لعا» ، وفي معاني القرآن العظيم للفراء : ومن العرب من يقول : لا مساس ، يذهب به إلى مذهب دراك ونزال ، وفي كتاب «ليس لابن خالويه» : لا مساس مثل دراك ونزال ، وهذا من غرائب اللغة (١) ، وحمله

______________________________________________________

«لكاع» في الواقع منادى بحرف نداء محذوف ، وهذا المنادى مع الحرف المحذوف مفعول للخبر المحذوف ، وتقدير الكلام : قعيدته مقول لها : يا لكاع ؛ فهو من باب حذف العامل وإبقاء المعمول ، وله نظائر كثيرة ، وذلك كخبر المبتدأ المحذوف وجوبا إذا كان المبتدأ قد وقع بعده حال لا يصح أن يكون خبرا ، نحو «ضربي العبد مسيئا».

__________________

(١) اسم الإشارة في قوله «وهذا من غرائب اللغة» يعود إلى ما ذكره عن الفراء وابن خالويه ، ووجه غرابته أن «لا» النافية دخلت على اسم الفعل ، مع أن اسم الفعل في المشهور من الاستعمال العربي لا يجوز أن يدخل عليه عامل يؤثر فيه ، وذكر العلامة اللقاني أن وجه غرابة هذا الذي نقله المؤلف عن الفراء وابن خالويه أنهما جعلا «لا» النافية مع ما بعدها اسما واحدا ؛ فزعم أنه ركب «لا» مع «مساس» ثم أراد منه الإثبات ، مع أن الأصل في العربية أن «لا» إذا دخلت على اسم صيرته منفيّا ، وههنا صارت هي والاسم بمعنى الإثبات ، ومن هنا تفهم أن اللقاني رحمه‌الله تعالى ـ يرى أن معنى قوله «لا مساس» امسسني ، بخلاف المعنى على ما ذكرناه أولا ؛ فإن المعنى عليه لا تمسسني ، وهذا هو الموافق للقراءة المشهورة (لا مساس).

١٢٨

الزّمخشري والجوهري على أنه من باب قطام ، وأنه معدول عن المصدر وهو المسّ.

النوع الرابع : ما كان على فعال ، وهو علم على مؤنث ، نحو حذام وقطام ورقاش وسجاح ـ بالسين المهملة والجيم وآخرها حاء مهملة ـ اسم للكذّابة التي ادّعت النبوة ، وكساب : اسم لكلبة ، وسكاب : اسم لفرس.

وهذه الأسماء ونحوها للعرب فيها ثلاث لغات :

إحداها : لأهل الحجاز ، وهي البناء على الكسر مطلقا (١) ، وعلى ذلك قول الشاعر :

٣٨ ـ إذا قالت حذام فصدّقوها

فإنّ القول ما قالت حذام

والثانية : لبعض بني تميم ، وهي إعرابه إعراب ما لا ينصرف مطلقا.

______________________________________________________

٣٨ ـ هذا بيت من الوافر ، وقد قيل : إنه لديسم بن طارق أحد شعراء الجاهلية ، والصواب كما في اللسان (مادة ر ق ش) أنه للجيم بن صعب والد حنيفة وعجل ، وحذام التي يذكرها في البيت هي امرأته ، والبيت قد أنشده ابن عقيل (رقم ١٦) المؤلف في أوضحه (رقم ٤٨) وفي كتابه قطر الندى (رقم ١) والأشموني في باب ما لا ينصرف.

اللّغة : «قالت» من القول ، «حذام» اسم امرأة الشاعر كما قلنا ، «صدقوها» انسبوها للصدق ، ولا تكذبوها ، ويروى في مكان هذه الكلمة «فأنصتوها» ومعناه استمعوا لها.

__________________

(١) اختلف النحاة في سبب بناء هذا النوع على الكسر في لغة الحجازيين ، فذهب سيبويه إلى أن العلة التي اقتضت بناءه هي أنه أشبه «نزال» في الصورة ، ونزال ـ كما قلنا من قبل ـ مبني لشبهه بالحرف شبها استعماليّا ، والشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه وإن لم يشبهه في كل صفاته ، وذهب أبو العباس المبرد إلى أن سبب بناء هذا النوع هو اجتماع ثلاثة أسباب فيه من أسباب المنع من الصرف ، وقد علمنا أن وجود سببين منها يقتضي منعه من الصرف ، فوجود ثالث يستدعي زيادة على المنع من الصرف والتأنيث ، والعدل عن فاعله ، فحذام اسم امرأة بعينها فهو علم على مؤنث ، وهو معدول عن حاذمة ، وهذا الذي ذهب إليه المبرد ـ وإن روج له ـ ليس مستقيما أمام النظر السليم ، فإنا وجدنا من الأسماء ما اجتمع فيه أكثر من ثلاثة أسباب من موانع الصرف ولم يبنوه ، ومن ذلك «أذربيجان» فهذا علم : مؤنث ، مركب ، أعجمي ، فيه زيادة الألف والنون ، ولم يبنه أحد ممن تكلم به ، فعلمنا أن اجتماع ثلاثة أسباب أو أكثر لا يخرج الاسم عن المنع من الصرف إلى البناء ، وقد وجدنا «حذام» وأخواته مبنيّا على الكسر عند الحجازيين ، فلا بد أن يكون للبناء سبب اقتضاه ، وهو كما ذكره سيبويه مشابهته للمبني في وزنه.

١٢٩

والثالثة : لجمهورهم ، وهي التفصيل بين أن يكون مختوما بالراء فيبنى على الكسر ، أو غير مختوم بها فيمنع الصرف ، ومثال المختوم بالراء «سفار» بالسين المهملة والفاء اسم لماء ، و «حضار» بالحاء المهملة والضاد المعجمة اسم لكوكب ، و «وبار» بالباء الموحدة اسم لقبيلة ، و «ظفار» بالظاء المعجمة والفاء اسم لبلدة ، قال الشاعر أنشده سيبويه :

٣٩ ـ متى تردن يوما سفار تجد بها

أديهم يرمي المستجيز المعوّرا

______________________________________________________

الإعراب : «إذا» ظرف للزمان المستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه ، «قالت» قال : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، «حذام» فاعل قالت ، مبني على الكسر في محل رفع ، والجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة إذا إليها ، «فصدقوها» الفاء واقعة في جواب إذا ، وما بعدها فعل أمر مبني على حذف النون ، وواو الجماعة فاعل ، وضمير الغائبة العائد إلى حذام مفعول به ، والجملة لا محل لها من الإعراب جواب إذا ، «فإن» الفاء تعليلية ، إن : حرف توكيد ونصب ، «القول» اسم إن «ما» اسم موصول : خبر إن ، مبني على السكون في محل رفع ، «قالت» قال : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، «حذام» فاعل قالت ، مبني على الكسر في محل رفع ، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف ، وتقدير الكلام : فإن القول الذي قالته حذام.

الشّاهد فيه : قوله «حذام» في الموضعين ؛ فإن الرواية فيه بكسر آخره ، وهو فاعل في الموضعين ؛ فدل ذلك على أنه مبني على الكسر ؛ إذ لو كان معربا للزم أن يرتفع بالفاعلية ظاهرا ، فلما لم يرتفع لفظا علمنا أنه مرفوع المحل ، وهذا هو البناء ، ونظير هذا البيت قول النابغة :

أتاركة تدلّلها قطام؟

رضينا بالتّحية والسّلام

فقد جاء بقوله «قطام» مكسورا مع أنه في موضع الرفع لأنه مبتدأ تقدم خبره وإما فاعل بتاركة سد مسد خبره.

ونظيره قول الحماسي :

أبيت اللّعن إن سكاب علق

نفيس لا يعار ولا يباع

فقد جاء بقوله «سكاب» مكسورا مع أنه في موضع النصب لأنه اسم إن ، وسكاب : علم على فرس معين كما قاله المؤلف.

٣٩ ـ هذا بيت من الطويل وهو للفرزدق ، وقد بحثت عنه في كتاب سيبويه لقول المؤلف إنه أنشده ، ولكني لم أجده ، مع أنني رأيت كلامه على هذه المسألة وعلى كلمة «سفار» بذاتها ، وقد

١٣٠

وقال الأعشى فجمع بين اللغتين التميميتين :

______________________________________________________

رواه صاحبا اللسان ومعجم البلدان هكذا :

* متى ما ترد يوما سفار تجد بها*

اللّغة : «سفار» بوزن قطام ـ منهل قبل ذي قار بين البصرة والمدينة ، وهو لبني مازن بن مالك من بني عمرو بن تميم ، «المستجيز» المستقى ، «المعور» الذي لا يسقى إذا طلب الماء.

الإعراب : «متى» اسم شرط جازم يجزم فعلين ، وهو ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب ، والعامل فيه تجد ، «تردن» ترد : فعل مضارع فعل الشرط ، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة في محل جزم بمتى ، «يوما» ظرف زمان متعلق بترد ، «سفار» مفعول به لترد ، مبني على الكسر في محل نصب ، «تجد» فعل مضارع ، وهو جواب الشرط ، مجزوم وعلامة جزمه السكون ، «بها» جار ومجرور متعلق بتجد ، «أديهم» مفعول به لتجد ، «يرمي» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أديهم ، والجملة في محل نصب صفة لأديهم ، «المستجيز» مفعول به ليرمي ، «المعور» صفة للمستجيز.

الشّاهد فيه : قوله «سفار» فإنه اسم على زنة فعال ـ بفتح الفاء ـ وهو علم على مؤنث وآخر حروفه راء مهملة ، وهو في هذا البيت مروي بكسر آخره مع أنه مفعول به ، والمفعول منصوب ، فدل ذلك على أنه مبني على الكسر ، قال سيبويه (ج ٢ ص ٤٠) : «فأما ما كان آخره راء فإن أهل الحجاز وبني تميم فيه متفقون ، ويختار بنو تميم فيه لغة الحجاز» اه ، ثم قال (ج ٢ ص ٤١) : «واعلم أن جميع ما ذكرنا في هذا الباب من فعال ما كان منه بالراء وغير ذلك : إذا كان شيء منه لمذكر ، لم ينجر أبدا ، كان المذكر في هذا بمنزلته إذا سمي بعناق ؛ لأن هذا البناء ، لا يجيء ، معدولا عن مذكر فيشبه به» اه.

ومن أمثلة هذا النوع المختومة بالراء «جعار» وهو اسم للضبع ، وقد قال الشاعر : (وهو النابغة الجعدي كما في سيبويه والأعلم ٢ / ٣٨ ، وأبو صالح عبد الله بن خازم الصحابي كما قال الشنقيطي) :

فقلت لها عيثي جعار وجرّري

بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره

فبني «جعار» على الكسر ، وهو منادى حذفت منه ياء النداء ، والأصل «يا جعار» وتقول في إعرابه : منادى مبني على ضم مقدر على آخره ، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي في محل نصب ، وقد استوت فيه لغة أهل الحجاز ، ولغة بني تميم.

ومن أمثلته التي آخرها راء «عرار» وهو اسم بقرة بعينها ، وفيها ورد قولهم في مثل من أمثالهم (هو المثل رقم ٤٣٨ في مجمع الأمثال بتحقيقنا) «باءت عرار بكحل» فقد ورد قولهم «عرار»

١٣١

٤٠ ـ ألم تروا إرما وعادا

أودى بها اللّيل والنّهار

ومرّ دهر على وبار

فهلكت جهرة وبار

بالكسر مع أنه في موضع رفع لكونه فاعلا ، فاستوت اللغتان ، وكحل ـ بفتح فسكون ـ علم على بقرة أخرى ، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث ، فجره بالفتحة نيابة عن الكسرة ، ويجوز جره بالكسرة كما هو جائز في كل علم مؤنث ثلاثي ساكن الوسط نحو دعد وجمل وهند.

٤٠ ـ هذان بيتان من مخلع البسيط ، وهما من كلام الأعشى ميمون بن قيس (انظر ديوانه المطبوع في أوربة ص ١٩٣) وثانيهما من شواهد سيبويه (ج ٢ ص ٤١) وقد أنشدهما المؤلف في أوضحه (رقم ٤٨).

اللّغة : «إرم وعاد» جماعتان عظيمتان من العرب «أودى بها» أهلكها.

الإعراب : «ألم» الهمزة للاستفهام التقريري ، لم : حرف نفي وجزم وقلب ، «تروا» فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة فاعله ، مبني على السكون في محل رفع ، «إرما» مفعول أول لترى ، «وعادا» معطوف على قوله إرما ، «أودى» فعل ماض ، «بها» جار ومجرور متعلق بأودى ، «الليل» فاعل أودى ، «والنهار» معطوف على الليل ، «ومر» الواو عاطفة ، مر : فعل ماض ، «دهر» فاعل مر ، «على وبار» جار ومجرور متعلق بمر ، «فهلكت» الفاء عاطفة ، هلك : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، «جهرة» منصوب على الظرفية عاملة هلكت ، «وبار» فاعل هلكت ، مرفوع بالضمة الظاهرة.

الشّاهد فيه : قوله «وبار» فإن هذه الكلمة قد وردت في البيت الثاني من هذين البيتين مرتين ، وهي في المرة الأولى مكسورة ، وفي المرة الثانية مرفوعة ، فيدل كسرها في المرة الأولى على أنه بناها على الكسر ؛ لكونها علما على زنة فعال ـ بفتح الفاء ـ مختوما بالراء ، ولو أنه أعربه لجاء به مفتوحا ، لأنه حينئذ يكون مجرورا بعلى وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث ، ولكنه جاء به مكسورا ، وليس في العلماء ولا في العرب من يعامله معاملة الاسم المنصرف فيجره بالكسرة ، فليس لنا بد من اعتباره مبنيّا ، وأما في المرة الثانية فقد جاء بهذه الكلمة مرفوعة بدليل أن القوافي مرفوعة كما رأيت ، والكلمة فاعل ، فدل ذلك على أنه عامل هذه الكلمة معاملة الاسم الذي لا ينصرف ، فكأن الشاعر بذلك قد استعمل في البيت اللغتين جميعا ، فإن قلت : فكيف تقول : إن الكلمة الأولى مبنية على الكسر مع أنها منونة؟ قلت : إن سلمنا أنها منونة فهذا تنوين الضرورة الذي يلحق الاسم المبني والذي لا ينصرف ، وليس تنوين الصرف ، فافهم ذلك ولا تغفل عن شيء منه.

هذا وقد ذكر المؤلف تخريجا للكلمة الثانية يخرجها عن الاستشهاد بها على هذه اللغة ، ولكن الكلمة الأولى باقية عند الجميع على الدلالة لما سيقت شاهدا له.

١٣٢

فبنى «وبار» الأول على الكسر ، وأعرب «وبار» الثاني ، وقيل : إن «وبار» الثاني ليس باسم كوبار الذي في حشو البيت ، بل الواو عاطفة ، وما بعدها فعل ماض وفاعل ، والجملة معطوفة على قوله : «هلكت» ، وقال أولا «هلكت» بالتأنيث على معنى القبيلة ، وثانيا «باروا» بالتذكير على معنى الحيّ ، وعلى هذا القول فتكتب «وباروا» بالواو والألف كما تكتب «ساروا».

النوع الخامس : «أمس» إذا أردت به معيّنا ، وهو اليوم الذي قبل يومك. وللعرب فيه حينئذ ثلاث لغات :

إحداها : البناء على الكسر مطلقا ، وهي لغة أهل الحجاز ؛ فيقولون : «ذهب أمس بما فيه» و «اعتكفت أمس» و «عجبت من أمس» بالكسر فيهن ؛ قال الشاعر :

٤١ ـ منع البقاء تقلّب الشّمس

وطلوعها من حيث لا تمسى

______________________________________________________

٤١ ـ هذان بيتان من بحر الكامل لتبع بن الأقرن ، وقيل : هما لأسقف نجران ، وقد أنشدهما المؤلف في كتابه قطر الندى (رقم ٢) وأنشد الشطر الأخير منهما في أوضحه (رقم ٤٨٤).

اللّغة : «البقاء» أراد به الخلود ، «بفصل قضائه» أراد بقضائه الفاصل : أي القاطع ؛ فالمصدر الذي هو قوله فصل بمعنى اسم الفاعل ، وإضافته لما بعده من إضافة الصفة للموصوف.

الإعراب : «منع» فعل ماض ، «البقاء» مفعول به تقدم على الفاعل ، «تقلب» فاعل منع ، وتقلب مضاف و «الشمس» مضاف إليه ، «وطلوعها» الواو عاطفة ، طلوع : معطوف على تقلب ، وطلوع مضاف وضمير الغائبة العائد إلى الشمس مضاف إليه ، «من» حرف جر «حيث» ظرف زمان مبني على الضم في محل جر بمن ، والجار والمجرور متعلق بطلوع ، «لا» حرف نفي ، «تمسي» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، والجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة حيث إليها ، «اليوم» بالرفع ؛ مبتدأ ، «أعلم» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «ما» اسم موصول مفعول به لأعلم ، «يجيء» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اليوم ، «به» جار ومجرور متعلق بيجيء ، وجملة الفعل وفاعله لا محل لها صلة ما والعائد هو الضمير المجرور محلّا بالباء ، وجملة أعلم مع فاعله ومفعوله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله اليوم ، «ومضى» الواو عاطفة ، مضى : فعل ماض ، «بفصل» جار ومجرور متعلق بمضى ، وفصل مضاف وقضاء من «قضائه» مضاف إليه ، وقضاء مضاف والهاء ضمير غائب عائد إلى أمس الآتي مضاف إليه ، «أمس» فاعل مضى مبني على الكسر في محل رفع.

١٣٣

ثم قال :

اليوم أعلم ما يجيء به

ومضى بفصل قضائه أمس

الثانية : إعرابه إعراب ما لا ينصرف مطلقا ، وهي لغة بعض بني تميم ، وعليها قوله :

٤٢ ـ لقد رأيت عجبا مذ أمسا

عجائزا مثل السّعالي خمسا

يأكلن ما في رحلهنّ همسا

لا ترك الله لهنّ ضرسا

وقد وهم الزجّاجيّ ، فزعم أن من العرب من يبني أمس على الفتح ، واستدل بهذا البيت.

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله : «مضى أمس» فإن كلمة أمس قد وردت مكسورة مع أنها فاعل لمضى ، والدليل على كسرها قوافي الأبيات السابقة ، وللدلالة على هذا روى المؤلف البيت الأول من البيتين ، فلما كانت مكسورة وهي في محل رفع علمنا أنها مبنية على الكسر ، من قبل أنه لا يمكن أن يكون الفاعل في المطرد من اللسان العربي إلا مرفوعا : إما لفظا ، وإما تقديرا وإما محلّا ، فاعرف هذا.

٤٢ ـ هذه أبيات من مشطور الرجز ، وهي من الشواهد التي لا يعلم قائلها ، وقد أنشد سيبويه البيت الأول منها (ج ٢ ص ٤٤) وقد أنشد المؤلف أول بيت في كتابه أوضح المسالك (رقم ٤٨٢) وأنشد جميع ما أنشده هنا مع زيادة في كتابه قطر الندى (رقم ٣).

اللّغة : «السعالي» جمع سعلاة ـ بكسر سين المفرد ـ وهي الغول ، وقيل : ساحرة الجن «همسا» الهمس : الخفاء وعدم الظهور ، أو هو الصوت الخفي.

الإعراب : «لقد» اللام موطئة للقسم ، قد : حرف تحقيق ، «رأيت» فعل وفاعل ، «عجبا» مفعول به ، «مذ» حرف جر «أمسا» مجرور بمذ ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه لا ينصرف للعلمية والعدل ، والجار والمجرور متعلق برأيت «عجائزا» بدل من قوله عجبا ، «مثل» صفة لعجائز ، ومثل مضاف و «السعالي» مضاف إليه ، «خمسا» صفة لعجائز ، «يأكلن» فعل وفاعل ، «ما» اسم موصول مفعول به ليأكل ، «في رحلهن» الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف تقع جملته صلة لا محل لها ، ورحل مضاف وضمير الغائبات مضاف إليه ، «همسا» مفعول مطلق عامله قوله : يأكلن ، وأصله صفة لموصوف محذوف ، أي : يأكلن أكلا همسا ، «لا» دعائية «ترك» فعل ماض ، «والله» فاعل ترك ، «لهن» جار ومجرور متعلق بترك «ضرسا» مفعول به لترك.

١٣٤

الثالثة : إعرابه إعراب ما لا ينصرف في حالة الرفع خاصة ، وبناؤه على الكسر في حالتي النصب والجرّ ، وهي لغة جمهور بني تميم ، يقولون : «ذهب أمس» فيضمونه بغير تنوين ، و «اعتكفت أمس ، وعجبت من أمس» فيكسرونه فيهما ، وهذا كله يفهم من قولي في المقدمة «ويمنع الصرف في الباقي» ، وقولي «الباقي» أردت به «أمس» في الرفع وما ليس في آخره راء من باب حذام وقطام.

وإذا أريد بأمس يوم ما من الأيام الماضية ، أو كسّر ، أو دخلته «أل» أو أضيف ـ أعرب بإجماع ، تقول : «فعلت ذلك أمسا» أي في يوم ما من الأيام الماضية ، وقال الشاعر :

٤٣ ـ مرّت بنا أوّل من أموس

تميس فينا ميسة العروس

وتقول : «ما كان أطيب أمسنا» (١) وذكر المبرد والفارسيّ وابن مالك والحريري

______________________________________________________

الشّاهد فيه : قوله «مذ أمسا» فإن كلمة أمس قد وردت في هذه الأبيات مفتوحة مع أنها مسبوقة بحرف جر ، فدل على أنها عوملت معاملة ما لا ينصرف ، فجرت بالفتحة نيابة عن الكسرة ، ولا يجوز أن تكون معربة منصرفة وهو ظاهر ، ولا أن تكون مبنية ؛ لأنها لو كانت مبنية لكسرت ، إذ ليس في العرب من يبنيه على الفتح ، خلافا لما زعمه الزجاجي.

٤٣ ـ هذا بيت من الرجز ، أو بيتان من مشطوره ، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ، وقد أنشده في اللسان عن جماعة ، ولم يعين قائله.

اللّغة : «تميس» تتبختر «ميسة العروس» الذي في اللسان «مشية العروس».

الإعراب : «مرت» مر : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، «بنا» جار ومجرور متعلق بمر ، «أول» ظرف زمان منصوب بمر ، وأصل الكلام : مرت بنا وقتا أول ، «من أموس» جار ومجرور متعلق بأول ، «تميس» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، والجملة في محل نصب حال من فاعل مرت «فينا» جار ومجرور متعلق بتميس ، «ميسة» مفعول مطلق ، وميسة مضاف و «العروس» مضاف إليه.

الشّاهد فيه : قوله «أموس» فإنه جمع أمس ، وهو معرب ، ألا تراه مجرورا بالكسرة الظاهرة بعد حرف الجر؟ وذلك لأن الجمع من خصائص الأسماء ، وخصائص الأسماء علة قادحة في البناء ، إذا وجدت منعت منه ، فافهم ذلك.

__________________

(١) ما : تعجبية مبتدأ ، مبني على السكون في محل رفع ، كان : زائدة فلا محل لها من الإعراب ، أطيب : فعل

١٣٥

أن «أمس» يصغّر فيعرب عند الجميع ، كما يعرب إذا كسّر ، ونصّ سيبويه على أنه لا يصغّر وقوفا منه على السماع ، والأولون اعتمدوا على القياس ، ويشهد لهم وقوع التكسير ؛ فإن التكسير والتصغير أخوان ، وقال الشاعر :

٤٤ ـ فإنّي وقفت اليوم والأمس قبله

ببابك حتّى كادت الشّمس تغرب

______________________________________________________

٤٤ ـ هذا بيت من الطويل ، وهو من كلام نصيب بن رباح الأموي بالولاء.

الإعراب : «إني» إن : حرف توكيد ونصب ، وياء المتكلم اسمه ، مبني على السكون في محل نصب ، «وقفت» فعل وفاعل ، والجملة في محل رفع خبر إن ، «اليوم» ظرف زمان منصوب على الظرفية ، والعامل فيه وقفت ، «والأمس» معطوف على الظرف السابق ، ويروى بالنصب على أنه معرب منصوب على الظرفية بالفتحة الظاهرة ، ويروى بالجر فإما أن تقدره مبنيّا على الكسر في محل نصب ، وإما أن تقدره منصوبا بفتحة مقدرة على آخره منع ظهورها اشتغال المحل بحركة التوهم ، فكأن الشاعر بعد أن قال «وقفت اليوم» توهم أنه قد أدخل «في» على الظرف لأنها مما يكثر دخولها في مثل هذا الكلام فقال «وقفت في اليوم» فجر الأمس بالعطف على اليوم المجرور ، وذلك كما تقول : «ليس محمد قائما ولا قاعد» فتجر قولك «قاعد» على توهم أنك قد قلت «ليس محمد بقائم ولا قاعد» ، وقول الشاعر «ببابك» الجار والمجرور متعلق بوقفت ، وباب مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، «حتى» حرف غاية وجر ، «كادت» كاد : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث ، «الشمس» اسم كاد ، «تغرب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الشمس ، والجملة في محل نصب خبر كاد.

الشّاهد فيه : قوله «الأمس» فإن الظرف في اللفظ قد دخلت عليه «أل» ، وليس في العرب من يبنيه في هذه الحال ، وذلك لأن أل من خصائص الأسماء ؛ فوجودها في الكلمة مبعد من شبهها بالحرف الذي هو علة البناء ، ولكن الرواية قد وردت فيه بالنصب ولا إشكال فيها ، ووردت كذلك بالكسر وهي محل إشكال وقد خرجها العلماء على أحد وجهين ؛ الأول : البناء ، وذكروا أن محل وجوب الإعراب إذا كانت أل معرفة ، وهي هنا ليست معرفة ، بل هي عندهم في هذا البيت زائدة ، والوجه الثاني تقدير أنه معرب وإنما جره بالتوهم ، وقد بيناه في الإعراب.

__________________

ماض دال على التعجب ، مبني على الفتح لا محل له من الإعراب ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود إلى ما التعجبية ، أمس : مفعول به لأطيب ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، وأمس مضاف والضمير مضاف إليه ، وجملة فعل التعجب وفاعله ومفعوله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو ما.

١٣٦

روى هذا البيت بفتح «أمس» على أنه ظرف معرب لدخول أل عليه ، ويروى أيضا بالكسر ، وتوجيهه : إما على البناء ، وتقدير «أل» زائدة ، أو على الإعراب على أنه قدّر دخول «في» على اليوم ، ثم عطف عليه عطف التوهم.

وقال الله تعالى : (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس ، ٢٤] الكسرة فيه كسرة إعراب لوجود أل ، وفي الآية إيجاز ومجاز ، وتقديرهما فجعلنا زرعها في استئصاله كالزرع المحصود فكأن زرعها لم يلبث بالأمس ، فحذف مضافان واسم كأن ، وموصوف اسم المفعول ، وأقيم فعيل مقام مفعول ، لأنه أبلغ منه ، ولهذا لا يقال لمن جرح في أنملته «جريح» ويقال له : مجروح (١).

ثم قلت : أو الضّمّ وهو : ما قطع لفظا لا معنى عن الإضافة من الظروف المبهمة كقبل وبعد وأوّل ، وأسماء الجهات ، وألحق بها «عل» المعرفة ، ولا تضاف ، و «غير» إذا حذف ما تضاف إليه وذلك بعد ليس ، ك «قبضت عشرة ليس غير» فيمن ضمّ ولم ينوّن ، و «أىّ» الموصولة إذا أضيفت وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا ، نحو : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) وبعضهم يعربها مطلقا.

وأقول : الباب السادس من المبنيات : ما لزم الضّمّ ، وهو أربعة أنواع :

النوع الأول : ما قطع عن الإضافة لفظا لا معنى من الظروف المبهمة ، كقبل وبعد وأول ، وأسماء الجهات نحو : قدّام وأمام وخلف ، وأخواتها ، كقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم ، الآية ٤] في قراءة السبعة بالضم ، وقدّره ابن يعيش على أن الأصل من قبل كل شيء ومن بعده ، انتهى ، وهذا المعنى حق ، إلا أن الأنسب للمقام أن يقدر [من قبل الغلب و] من بعده ، فحذف المضاف إليه لفظا

__________________

(١) أصل الكلام : فجعلنا زرعها كالزرع المحصود فكأن زرعها لم يلبث ـ أي لم يوجد بالأمس ، فحدث في الكلام إيجاز ـ أي اختصار ، وهذا الاختصار قد حدث بحذف أربعة أشياء : الأول المضاف الذي هو زرع في قولنا «فجعلنا زرعها» فصار «فجعلناها» الثاني المضاف إليه الذي هو زرع في قولنا «فكأن زرعها» والثالث هو اسم كأن ؛ لأن اسم كأن في الآية الكريمة ضمير الشأن ، والرابع الموصوف وهو الزرع في قولنا «كالزرع المحصود» ، فيصير تقدير الكلام بعد ذلك : فجعلناها محصودا ، فحدث مجاز بثلاثة أشياء : بوضع حصيد موضع محصود لقصد المبالغة ؛ لأن دلالة فعيل أقوى من دلالة مفعول ، وبإيقاع حصيد على الأرض ومن حقه أن يوقع على الزرع ، وبإسناد «تغن» إلى ضمير الأرض ومن حقه أن يسند للزرع أيضا.

١٣٧

ونوي معناه ، فاستحقّ البناء على الضّمّ ، ومثله قول الحماسي :

٤٥ ـ لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل

على أيّنا تعدو المنيّة أوّل

وقال الآخر :

٤٦ ـ إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن

لقاؤك إلّا من وراء وراء

وقولي «لفظا» احتراز من أن يقطع عنها لفظا ومعنى ؛ فإنها حينئذ تبقى على إعرابها ، وذلك كقولك «ابدأ بذا أوّلا» إذا أردت ابدأ به متقدما ، ولم تتعرض للتقدم

______________________________________________________

٤٥ ـ هذا بيت من الطويل من كلمة لمعن بن أوس مذكورة في أمالي القالي (ج ١ ص ٢١٨) وفي ديوان الحماسة لأبي تمام (ج ٢ ص ٧) وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٣٤٨) وفي قطر الندى (رقم ٦).

اللّغة : «لعمرك» بفتح العين ليس غير ـ كلمة يستعملها العرب في اليمين بمعنى وحياتك ، ومنه قوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) فإذا لم يكن استعمالها في اليمين فتحوا العين أو ضموها ، ومعناها حياتك ، «أوجل» يحتمل أن يكون فعلا مضارعا بمعنى أخاف ، وأن يكون أفعل تفضيل بمعنى أشد خوفا ، «تعدو» بالعين المهملة : أي تسطو ، ومنهم من يرويه بالغين المعجمة ، وأصل معناه تجيء وقت الغداة «المنية» الموت.

الإعراب : «لعمرك» اللام لام الابتداء ، عمر : مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، وعمر مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، «ما» نافية ، «أدري» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «وإني» الواو واو الحال ، إن : حرف توكيد ونصب ، وياء المتكلم اسمه «لأوجل» اللام هي اللام المزحلقة ، وأوجل : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة في محل رفع خبر إن ، «على» حرف جر ، «أينا» أي : مجرور بعلى ، والجار والمجرور متعلق بتعدو الآتي ، وأي مضاف والضمير مضاف إليه «تعدو» فعل مضارع ، «المنية» فاعل تعدو ، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب بأدري ، «أول» ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب ، والعامل فيه تعدو.

الشّاهد فيه : قوله «أول» فإن الرواية في هذه الكلمة بالضم على البناء ؛ إذ لو أعربها لجاء بها منصوبة ، وسبب بنائها أن الشاعر حذف لفظ المضاف إليه ونوى معناه.

٤٦ ـ هذا بيت من الطويل ، وقد أنشده المؤلف في كتابه «قطر الندى» (رقم ٧) ، ونسبه أبو العباس المبرد في الكامل (١ ـ ٣٨) إلى عتي بن مالك العقيلي ؛ وحكى روايته عن الفراء.

١٣٨

على ما ذا ، وكقول الشاعر :

٤٧ ـ فساغ لي الشّراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الفرات

______________________________________________________

الإعراب : «إذا» ظرف للزمان المستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه ، «أنا» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والجملة من الفعل المحذوف ونائب فاعله في محل جر بإضافة إذا إليها ، وتقدير الكلام : إذ لم أومن (أنا) ، «لم» نافية جازمة ، «أومن» فعل مضارع مبني للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة لا محل لها مفسرة ، «عليك» جار ومجرور متعلق بقوله أومن ، «ولم» الواو عاطفة ، لم : حرف نفي وجزم وقلب ، «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، «لقاؤك» لقاء : اسم يكن ، ولقاء مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، «إلا» أداة حصر لا محل لها من الإعراب ، «من» حرف جر ، «وراء» ظرف مكان مبني على الضم في محل جر بمن ، «وراء» تأكيد للأول ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر يكن.

الشّاهد فيه : قوله «من وراء» فإن وراء ظرف مبهم ، وهو في البيت مروي بالضم مع تقدم حرف الجر عليه ، فدل ذلك على أنه مبني على الضم ، إذ لو كان معربا لجيء به مجرورا بالكسرة الظاهرة كما يقتضيه حرف الجر إذا دخل على اسم معرب منصرف ، والذي سبب بناء هذا اللفظ حذف لفظ المضاف إليه ونية معناه.

ومثل هذا البيت قول طرفة بن العبد البكري :

ثمّ تفري اللّجم من تعدائها

فهي من تحت مشيحات الحزم

وكذلك قول رجل من بني تميم :

لعن الإله تعلّة بن مسافر

لعنا يشنّ عليه من قدّام

قال أبو العباس المبرد (الكامل ١ / ٣٧) : «فهذا الضرب مما وقع معرفة على غير جهة التعريف ، وجهة التعريف أن يكون معرفا بنفسه كزيد وعمرو ، أو يكون معرفا بالألف واللام ، أو بالإضافة ؛ فهذه جهة التعريف ، وهذا الضرب إنما هو معرف بالمعنى ؛ فلذلك بني طردا للباب» اه.

٤٧ ـ هذا بيت من الوافر ، وقد نسب العيني هذا البيت لعبد الله بن يعرب ، والصواب أنه ليزيد بن الصعق ، وأن صحة روايته هكذا :

فساغ لي الشراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم

وقد أنشده ابن عقيل على ما رويناه (رقم ٢٣٢) وقد أنشده المؤلف كما هنا في قطر الندى (رقم ٥) وأنشد صدره في أوضحه (رقم ٣٤٥) وأنشده الأشموني في باب الإضافة كما أنشده المؤلف هنا (رقم ٦٤٣).

١٣٩

وقول الآخر :

٤٨ ـ ونحن قتلنا الأسد أسد خفيّة

فما شربوا بعدا على لذّة خمرا

______________________________________________________

الإعراب : «ساغ» فعل ماض ، «لي» جار ومجرور متعلق بساغ ، «الشراب» فاعل ساغ ، «وكنت» الواو واو الحال ، وكان : فعل ماض ناقص ، وتاء المتكلم اسمه ، «قبلا» ظرف زمان متعلق بكان ، «أكاد» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، «أغص» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، وجملة الفعل وفاعله في محل نصب خبر كاد ، والجملة من كاد واسمه وخبره في محل نصب خبر كان ، وجملة كان واسمه وخبره في محل نصب حال ، «بالماء» جار ومجرور متعلق بقوله أغص ، «الفرات» أو «الحميم» نعت للماء ، ونعت المجرور مجرور.

الشّاهد فيه : قوله «قبلا» فإن الرواية في هذه الكلمة قد جاءت بالنصب مع التنوين وذلك لأن الشاعر قطع هذه الكلمة عن الإضافة في اللفظ ولم ينو المضاف إليه لا لفظه ولا معناه ، ولو أنه نوى المضاف إليه لما نونه ؛ لأن المنويّ كالثابت.

٤٨ ـ هذا بيت من الطويل ، وقد نسبوا هذا البيت لبعض بني عقيل ، ولم يعينوه ، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٢٤٦) وأنشده الأشموني في باب الإضافة (رقم ٦٤٤) ، وصواب الرواية :

* ونحن قتلنا الأسد أسد شنوءة*

اللّغة : «خفية» بفتح الخاء وكسر الفاء وتشديد الياء ـ أجمة في سواد الكوفة تنسب إليها الأسود ، وأراد في البيت الشاهد تشبيه أعدائه الذين قتلهم بالأسود ، ليزعم نفسه أنه من أعاظم الفرسان وصناديد الشجعان ، كذا قيل لتصحيح هذه الرواية ، غير أن الصواب في الرواية «أسد شنوءة» بفتح الهمزة من أسد شنوءة : وهو حي من اليمن.

المعنى : لقد أنزلنا بهؤلاء القوم من القتل والفتك ما جعلهم يهجرون اللذائذ ولا يقربون شهوات النفوس ، ولو أنهم شربوا خمرا يوما لما وجدوا لها طعما ولا ذاقوا لها لذة ؛ لأن الألم لا يزال يحز في نفوسهم.

الإعراب : «نحن» ضمير منفصل مبتدأ ، «قتلنا» فعل وفاعل ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، «الأسد» مفعول به ، «أسد» بدل من الأسد وأسد مضاف و «خفية» أو «شنوءة» مضاف إليه ، «فما» الفاء عاطفة ، ما : نافية ، «شربوا» فعل وفاعل ، «بعدا» ظرف زمان منصوب على الظرفية ، والعامل فيه شرب ، «على لذة» جار ومجرور متعلق بشرب أيضا ، «خمرا» مفعول به لشربوا.

الشّاهد فيه : قوله «بعدا» فإن هذه الكلمة قد وردت في هذا البيت معربة منصوبة مع التنوين ، فدل تنوينها على أن الشاعر قد قطعها عن الإضافة فلم ينو المضاف إليه بتة لا لفظه ولا معناه ، من قبل أنه

١٤٠