التفسير المنير - ج ٢٨

الدكتور وهبة الزحيلي

المودة التي بينكم وبينهم ، والآية تدل على النهي عن موالاة الكفار بأي وجه من الوجوه.

ونظير الآية كثير ، مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ ، فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة ٥ / ٥١]. وقوله سبحانه : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران ٣ / ٢٨]. والآية الأولى تتضمن تهديدا شديدا ووعيدا أكيدا.

وسبب النهي هنا أمران :

(وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ، يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) أي إنهم كفروا بالله تعالى والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما جاءكم من القرآن والهداية الإلهية ، وأخرجوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين من مكة من أجل إيمانهم بالله ، وإخلاص عبادتهم لله تعالى ، كما جاء في آية أخرى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ، إِلَّا أَنْ يَقُولُوا : رَبُّنَا اللهُ) [الحج ٢٢ / ٤٠]. (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج ٨٥ / ٩].

ثم حرّض الله تعالى على الامتناع من الموالاة ، فقال :

أ ـ (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) أي لا تتخذوهم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي ، مبتغين رضواني عنكم ، ولا توالوا أعدائي وأعداءكم وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقا عليكم ، وسخطا لدينكم.

ب ـ (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ، وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) أي تسرون إليهم الأخبار وخطط النبي والمؤمنين بسبب المودة ، وتفعلون ذلك ، وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر ، والأعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون.

ج ـ (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي ومن يوال الأعداء

١٢١

منكم ، فقد أخطأ طريق الحق والصواب ، وحاد عن قصد السبيل التي توصل إلى الجنة والرضوان الإلهي.

ثم ذكر ثلاثة أمور أخرى تمنع الموالاة وتدل على عداوة المشركين في مكة وغيرها ، فقال :

(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً ، وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ، وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) أي إن يلقوكم يظهروا لكم ما في قلوبهم من العداوة ، ويكونوا حربا عليكم ، ويمدوا إليكم أيديهم بالضرب والقتل ، وألسنتهم بالسب والشتم ، ويتمنوا ارتدادكم وكفركم بربكم ورجوعكم إلى الكفر ، فهم يحرصون على ألا تنالوا خيرا ، فعداوتهم لكم كامنة وظاهرة ، فكيف توالون مثل هؤلاء؟!!

وهذا كما سبق تهييج على عداوتهم أيضا.

ثم ذكر الله تعالى أن رابطة الدين والإيمان أوثق وأولى وأنفع من رابطة القرابة والولاء ، فقال :

(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي لن تفيدكم يوم القيامة أقاربكم وأولادكم ، حتى توالوا الكفار لأجلهم ، كما وقع في قصة حاطب بن أبي بلتعة سبب النزول ، بل الذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار وترك موالاتهم وتوثيق عرى الإيمان وأخوة الدين. ففي الآخرة يفرّق الله بينكم ، فيدخل أهل طاعته الجنة ، وأهل معصيته النار ، والله مطلع على أعمالكم ، ومجازيكم عليها خيرا أو شرا.

والمقصود أن القرابة لا تنفع عند الله تعالى ، إن أراد الله بكم سوءا ، ولن يصل نفعهم إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله ، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم ، فقد خاب وخسر وضلّ عمله ، ولا تنفعه عند الله قرابة من أحد ، ولو

١٢٢

كان قريبا إلى من الأنبياء ، قال تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ ، فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ، وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون ٢٣ / ١٠١] وقال سبحانه : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس ٨٠ / ٣٤ ـ ٣٧] فالمودة لا تنفع في القيامة إذا لم تكن في الله لانفصال كل اتصال يومئذ ، ويجوز أن يكون الفصل بمعنى القضاء والحكم.

روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أنس : «أن رجلا قال : يا رسول الله؟ أين أبي؟ قال : في النار ، فلما قفا ، دعاه ، فقال : إن أبي وأباك في النار».

فقه الحياة أو الأحكام :

يستنبط من الآيات ما يأتي :

١ ـ تحريم موالاة الكفار ومناصرتهم ومعاونتهم بأي وجه من الوجوه ، والسورة أصل في النهي عن موالاة الكفار ، ولو في الظاهر ، مع عدم الرضا في القلب بالاعتقاد الذي هم عليه.

٢ ـ من كثر تطلعه على عورات المسلمين والتجسس عليهم ونقل أخبارهم للأعداء ، لم يكن بذلك كافرا إذا كان فعله لغرض دنيوي ، وكان اعتقاده سليما ، كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ، ولم ينو الرّدّة عن الدّين.

٣ ـ اختلف العلماء في قتل الجاسوس ، فقال مالك والأوزاعي في شأن المعاهد والذمي : يجوز قتله ، لأنه يصير ناقضا للعهد. وقال الجمهور : لا ينتقض عهد المعاهد بذلك ، أما الذمي فرأى الحنابلة : أنه ينتقض عهده بدلالة أهل الحرب المشركين على أسرارنا. وذهب الشافعية : إلى أنه لا ينتقض عهد الذمي بالتجسس إلا إذا شرط عليه انتقاض عهده بذلك.

١٢٣

وأما الجاسوس المسلم : فقال كبار المالكية : إنه يقتل. وقال الجمهور : لا يقتل ، بل يعزّره الإمام بما يراه من ضرب وحبس ونحوهما.

ودليل الفريقين قصة حاطب ، فإن الفريق الأول قالوا : أقر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر رضي‌الله‌عنه على إرادة القتل لولا وجود المانع : وهو شهود بدر. وقال الفريق الثاني : إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقتل حاطبا ، لأنه مسلم ، وروي عن علي رضي‌الله‌عنه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتي بعين (جاسوس) للمشركين اسمه فرات بن حيّان ، فأمر به أن يقتل ، فصاح : يا معشر الأنصار ، أقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله! فأمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخلّى سبيله ، ثم قال : «إن منكم من أكله إلى إيمانه ، منهم فرات بن حيّان».

٤ ـ ذكرت الآيات خمسة أسباب لتحريم موالاة الكفار ، وهي الكفر بالله تعالى والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإخراج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين من ديارهم وأموالهم في مكة ، وعداوتهم ومجاربتهم للمؤمنين ، وقتالهم إياهم وضربهم فعلا ، وسبهم وشتمهم ، وحرصهم على كفرهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٥ ـ حذر الله تعالى من مخالفة نهيه عن موالاة الأعداء بأمرين : أولهما ـ أنه سبحانه الأعلم بما تخفي الصدور ، وما تظهر الألسن من الإقرار بالله وتوحيده. وثانيهما ـ أن من يوالي الكفار ويسرّ إليهم ويكاتبهم من المسلمين ، فقد ضل سواء السبيل ، أي أخطأ قصد الطريق.

٦ ـ قوله سبحانه : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أي بالنصيحة في الكتاب إليهم ، هو معاتبة لحاطب ، وهو يدل على فضله وكرامته ونصيحته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصدق إيمانه ، فإن المعاتبة لا تكون إلا من محبّ لحبيبه.

٧ ـ الذي يفيد الإنسان يوم القيامة هو الإيمان الصحيح والعمل الصالح ، أما الأهل والأولاد أو أصحاب القرابات أو الأنساب ، فلا ينفعون شيئا يوم

١٢٤

القيامة ، إن عصي الله عزوجل من أجل ذلك ، والله بصير بأعمال عباده ، ويجازيهم عليها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.

والله سبحانه يفرق أو يفصل بين الأقارب وغيرهم يوم القيامة ، فيدخل المؤمنين الجنة ، ويدخل الكافرين النار.

التأسي بإبراهيم عليه‌السلام والذين آمنوا معه

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧))

الإعراب :

(إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ) بدل بعض من كل في قوله : (تُلْقُونَ).

(بُرَآؤُا) جمع بريء ، نحو شريف وشرفاء ، وظريف وظرفاء ، وحذفت الهمزة الأولى تخفيفا. وقرئ برآء بكسر الباء ، جمع بريء أيضا كشراف وظراف ، وقرئ أيضا بفتح الباء على أنه مصدر دال على الجمع ، ولفظه يصلح للواحد والجمع.

١٢٥

(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ) منصوب على الاستثناء من قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) أي كائنة في سنته وأقواله ، إلا قوله لأبيه : (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ). (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) بدل اشتمال من الكاف والميم في (لَكُمْ) بإعادة الجار.

البلاغة :

(رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا ، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) تقديم ما حقه التأخير ، وهو الجار والمجرور على ما بعده لإفادة الحصر.

(الْحَكِيمُ الْحَمِيدُ قَدِيرٌ غَفُورٌ رَحِيمٌ) صيغة مبالغة.

المفردات اللغوية :

(أُسْوَةٌ) قدوة (فِي إِبْراهِيمَ) أي بإبراهيم قولا وفعلا. (وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين. (بُرَآؤُا) أبرياء جمع بريء ، كظريف وظرفاء ، أي متبرئون مما تعملون ، فلا نعتد بكم ولا بشأن آلهتكم. (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ) من الأصنام والكواكب وغيرها. (وَبَدا) ظهر. (الْعَداوَةُ) ضد الألفة والصداقة. (وَالْبَغْضاءُ) البغض والكراهة ضد المحبة. (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) مستثنى من قوله : (أُسْوَةٌ) فليس لكم التأسي به في ذلك ، بأن تستغفروا للكفار. (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي لا أملك من عذابه وثوابه شيئا ، وقوله : (مِنْ شَيْءٍ) كنى به عن أنه لا يملك له غير الاستغفار ، وكان استغفاره له قبل أن يتبين له أنه عدو الله ، كما ذكر في سورة براءة. (تَوَكَّلْنا) فوضنا أمرنا إليك. (أَنَبْنا) رجعنا وتبنا. (الْمَصِيرُ) المرجع والمآب.

(فِتْنَةً) مفتونين معذبين بأن تسلطهم علينا ، فيفتنونا بعذاب لا نتحمله. (وَاغْفِرْ لَنا) ما فرطنا من ذنب. (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) القوي الغالب في ملكه ، الذي يحسن التدبير في صنعه. (لَقَدْ كانَ لَكُمْ) أيها المؤمنون أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو جواب قسم مقدر. (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) قدوة طيبة. وكرر لمزيد الحث على التأسي بإبراهيم. (لِمَنْ كانَ) بدل من قوله. (لَكُمْ) قال البيضاوي : فإنه يدل على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك التأسي بهم ، وإن تركه مؤذن بسوء العقيدة ، ولذلك عقبه بقوله : (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي ومن يعرض عن التأسي بإبراهيم ومن آمن معه ويعص النصيحة ، بأن يوالي الكفار ، فإن الله هو الغني عن خلقه ، المحمود على فعله ، الحامد لأهل طاعته ، وهذا وعيد يوعد به الكفرة. (يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) أي يؤمل ثواب الله ، ويخاف العقاب ، ويخشى أهوال الآخرة.

(عادَيْتُمْ) من الأقارب المشركين وغيرهم من كفار مكة وغيرها ، وتبرأتم منهم طاعة الله تعالى. (مَوَدَّةً) محبة وصلة ، بأن يهديهم للإيمان ، فيصيروا لكم أولياء وأصدقاء وأنصارا ، وهذا

١٢٦

وعد من الله ، أنجزه بالفعل ، لأنه أسلم أكثرهم وصاروا والمؤمنين عونا وسندا وأولياء. (وَاللهُ قَدِيرٌ) قادر على ذلك ، وقد فعله بعد فتح مكة. (وَاللهُ غَفُورٌ) لما فرط منكم في موالاتهم من نقل أخبار وغيره. (رَحِيمٌ) بكم إذ لم يعاجلكم بالعقوبة.

سبب النزول :

نزول الآية (٧):

(عَسَى اللهُ) : قال المفسرون : يقول الله تعالى للمؤمنين : لقد كان لكم في إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء اقتداء بهم في معاداة ذوي قراباتهم من المشركين ، فلما نزلت هذه الآية عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين في الله ، وأظهروا لهم العداوة والبراءة ، وعلم الله تعالى شدة وجد المؤمنين بذلك ، فأنزل الله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) ثم فعل ذلك بأن أسلم كثير منهم ، وصاروا لهم أولياء وإخوانا ، وخالطوهم وناكحوهم ، وتزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب. فلان لهم أبو سفيان وبلغه ذلك ، فقال : ذاك الفحل لا يقدع أنفه (١) ، أي لا يضرب أنفه ، وذلك إذا كان كريما.

المناسبة :

بعد النهي عن موالاة الكفار والإنكار على من والاهم وتوثيق عرى الإخاء ورابطة الإيمان ، أمر الله تعالى بالتأسي بإبراهيم ومن آمن معه في التبرؤ من الكفار ، وذكر أن وجوب البغض في الله ، وإن كان أخا أو أبا أسوة بإبراهيم عليه‌السلام وأصحابه ، حيث جاهروا قومهم بالعداوة ، وصرحوا بأن سبب العداوة ليس إلا الكفر بالله ، فإذا آمنوا انقلبت العداوة موالاة ، والمناوأة مصافاة ،

__________________

(١) أسباب النزول للواحدي : ص ٢٤١

١٢٧

والمقت محبة. ثم استثنى تعالى من التأسي بأقوال إبراهيم هذا القول الذي هو الاستغفار لأبيه عن موعدة منه قبل أن يعلم أنه عدو الله.

التفسير والبيان :

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ، إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ : إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ ، وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ) يخاطب الله تعالى المؤمنين الذين أمرهم بمجانبة الكافرين والتبري منهم ، بأنه قد كانت لكم قدوة طيبة حميدة تقتدون بها في إبراهيم خليل الرحمن أبي الأنبياء والذين آمنوا معه من أتباعه حين قالوا لقومهم : إنا بريئون منكم ، لكفركم بالله ، وبريئون من كل ما تعبدون من غير الله من الأصنام والأنداد ، فقد جحدنا بما آمنتم به من الأوثان ، أو بدينكم ، أو بأفعالكم ، فإن تلك الأوثان لا تنفع شيئا ، فهي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر.

والمقصود إفهام من والى الكافرين وهو حاطب ، وكأنه تعالى يقول : أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم ، فتتبرأ من أهلك ، كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومه؟!

(وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) أي هذا دأبنا معكم ما دمتم على كفركم ، فقد ظهرت وشرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ، ما دمتم على كفركم ، فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم ، حتى تظهروا الإيمان بالله وحده ، وتوحدوا الله ، فتعبدوه وحده لا شريك له ، وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك ، وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد ، فإذا فعلتم ذلك ، صارت تلك العداوة موالاة ، والبغضاء محبة.

ثم استثنى الله تعالى شيئا لا يتأسى به بإبراهيم ، فقال :

(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ : لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ، وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي وقد كانت لكم أسوة حسنة في كل مقالات إبراهيم إلا قوله لأبيه

١٢٨

الكافر : لأستغفرن لك ، وما أدفع عنك من عذاب الله شيئا إن أشركت به ، فلا تأسوا به في هذا القول ، فتستغفروا للمشركين ، فإن استغفاره إنما كان عن موعدة وعدها إياه ، فلما تبيّن له أنه عدو لله ، تبرأ منه. والخلاصة : ليس لكم أسوة في الاستغفار للمشركين.

وقد كان بعض المؤمنين يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ، ويستغفرون لهم ، ويقولون : إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه ، فأنزل الله عزوجل : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ، وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ ، تَبَرَّأَ مِنْهُ ، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة ٩ / ١١٣ ـ ١١٤].

ثم أخبر الله تعالى عن اعتصام إبراهيم والمؤمنين معه بالله حين فارقوا قومهم وتبرؤوا منهم فقال :

(رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا ، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أي اعتمدنا عليك يا رب في جميع الأمور ، وفوضنا أمورنا إليك ، ورجعنا إليك بالتوبة من كل ذنب ، وإليك المرجع والمآب والمعاد في الدار الآخرة.

وهذا من دعاء إبراهيم وأصحابه ، ومما فيه أسوة حسنة يقتدى به فيها ، ومن تتمة دعاء قوله :

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي يا ربنا لا تجعلنا مفتونين معذبين بأيدي الكفرة ، واستر لنا ذنوبنا عن غيرك ، واعف عنها فيما بيننا وبينك ، فإنك أنت القوي الغالب القاهر ، الذي لا يغالب ، ولا يضام من لاذ بجنابك ، وذو الحكمة البالغة في أقوالك وأفعالك ، وشرعك وقدرك ، وتدبير خلقك ، وفعل ما فيه صلاحهم. قال

١٢٩

قتادة : لا تظهرهم علينا ، فيفتنونا بذلك ، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه. وقال مجاهد : معناه : لا تعذبنا بأيديهم ، ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا.

ثم أكد الله تعالى الحث على التأسي بإبراهيم والمؤمنين معه ، فقال :

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي لقد كان لكم في إبراهيم والذين معه قدوة حسنة ، وهذه الأسوة إنما تكون لمن يطمع في الخير والثواب من الله في الدنيا والآخرة ، ويتأمل النجاة في اليوم الآخر ، وهذا تهييج إلى الإيمان لكل مؤمن بالله وبالمعاد. ومن يعرض عما أمر الله تعالى به ، ويوال أعداء الله ، ويوادهم ، فإنه لا يضر إلا نفسه ، فإن الله هو الغني عن خلقه ، الذي قد كمل في غناه ، المحمود من خلقه في جميع أقواله وأفعاله ، لا إله غيره ، ولا رب سواه. والحميد : إما بمعنى الحامد أي يحمد الخلق ويشكرهم حيث يجزيهم بالكثير من الثواب عن القليل من الأعمال ، أو بمعنى المحمود ، أي الذي يستحق الحمد من خلقه بما أنعم عليهم.

ونظير الآية قوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ، فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [إبراهيم ١٤ / ٨].

ثم أخبر الله عن أموره العجيبة في تحول الكافرين إلى مؤمنين ، فقال :

(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ، وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي ربما أسلم أعداؤكم ، وصاروا من أهل دينكم ، فتحولت العداوة إلى مودة ، والبغضاء إلى محبة ، والفرقة والمخالفة إلى ألفة ، والله قادر على كل شيء ، وغفور لمن أخطأ ، فوادّهم ، رحيم بهم فلم يعذبهم بعد التوبة ، ويقبلهم ليدخلهم في مغفرته ورحمته. وكلمة (عَسَى) لرجاء حصول ما بعدها ، لكن إذا صدرت من الله ، كان ما بعدها واجب الوقوع.

١٣٠

وقد أسلم أكثر العرب بعد فتح مكة ، وحسن إسلامهم ، وانعقدت مودة قوية بينهم وبين من تقدمهم في الإسلام ، وجاهدوا وقاموا بالأفعال المقرّبة إلى الله تعالى ، وتزوّج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وترك أبو سفيان بعد إسلامه يوم الفتح ما كان عليه من العداوة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : أوّل من قاتل أهل الردة على إقامة دين الله أبو سفيان بن حرب ، فيه نزلت هذه الآية : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ ...).

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يأتي :

١ ـ جعل الله إبراهيم الخليل عليه‌السلام أسوة حسنة وقدوة عالية للمؤمنين في التبرؤ من الكفار ، فعلى من آمن بالله ورسوله الاقتداء به إلا في استغفاره لأبيه ، فلا يتأسون به في الاستغفار للمشركين ، فإن استغفاره كان عن موعدة منه له.

٢ ـ صرح إبراهيم ومن آمن معه بسبب البراءة من الكفار وهو كفرهم بالله وإيمانهم بالأوثان ، وستظل العداوة والبغضاء قائمة في القلوب على الدوام بين المؤمنين وغيرهم ما دام هؤلاء الكفار على كفرهم ، حتى يعلنوا إيمانهم بالله وحده لا شريك له ، فحينئذ تنقلب المعاداة موالاة.

٣ ـ قوله تعالى : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ : لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) يدل على تفضيل نبينا عليه الصلاة والسلام على سائر الأنبياء ، لأن الله حين أمرنا بالاقتداء به أمرنا أمرا مطلقا في قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر ٥٩ / ٧] وحين أمرنا بالاقتداء بإبراهيم عليه‌السلام ، استثنى بعض أفعاله.

١٣١

٤ ـ علّم الله المؤمنين أيضا أن يقولوا ما كان يدعو به إبراهيم عليه‌السلام ومن معه : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي تبرؤوا من الكفار وتوكلوا على الله ، وقولوا : اعتمدنا عليك يا رب ، ورجعنا إليك تائبين ، ولك الرجوع في الآخرة ، ولا تظهر أو لا تسلط عدونا علينا ، فيظنوا أنهم على حق ، فيفتتنوا بذلك ، واغفر لنا ما فرط من الذنوب ، فإنك القوي الغالب الذي لا يغالب ، الحكيم في تدبير خلقه وتحقيق مصالحهم.

٥ ـ أكد الله تعالى الحث على التأسي بإبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء ، مرة أخرى في الآيات ، في التبرؤ من الكفار. ثم حذر من المخالفة ، وهدد المعرضين المستكبرين عن حكم الله ، فذكر أن من يتول عن الإسلام وقبول هذه المواعظ ، فإنه لن يضر إلا نفسه ، والله غني عن خلقه ، لم يتعبدهم لحاجته إليهم ، محمود في نفسه وصفاته ومن خلقه.

٦ ـ كان نزول هذه الآيات سببا في معاداة المسلمين أقرباءهم من المشركين ، ولما علم الله شدة وجد المسلمين وحرجهم في ذلك ، نزل قوله تعالى كما بينا : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) أي بأن يسلم الكافر ، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة ، وخالطهم المسلمون ، كأبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام. وتزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان التي كانت متزوجة بعبد الله بن جحش ، وكانت هي وزوجها من مهاجرة الحبشة ، إلا أن زوجها تنصر ، ومات على النصرانية ، وبقيت هي على دينها ، فبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى النجاشي ، فخطبها ، وأمهرها النجاشي من عنده أربع مائة دينار. وفي الحديث : «أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون

١٣٢

حبيبك يوما ما» (١).

فقوله تعالى : (عَسَى اللهُ ..) وعد من الله تعالى ، والله سبحانه قادر على تقليب القلوب ، وتغيير الأحوال ، وتسهيل أسباب المودة ، والله غفور لعباده رحيم بهم إذا تابوا وأسلموا ورجعوا إلى دينه وشرعه ومواعظه ، وهو سبحانه الذي ألّف بين القلوب بعد العداوة والقساوة ، فأصبحت مجتمعة متفرقة ، كما قال تعالى ممتنا على الأنصار : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ، فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) [آل عمران ٣ / ١٠٣] وكذا قال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألم أجدكم ضلّالا ، فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألّفكم الله بي»؟ وقال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال ٨ / ٦٣].

علاقة المسلمين بغيرهم

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩))

__________________

(١) رواه الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة ، والطبراني عن عبد الله بن عمرو ، والدار قطني في الإفراد وابن عدي والبيهقي في الشعب عن علي ، والبخاري في الأدب المفرد والبيهقي عن علي موقوفا ، وهو حديث حسن.

١٣٣

الإعراب :

(أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) : في موضع جر على البدل من (الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ) بدل الاشتمال.

وكذلك قوله تعالى : (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بدل الاشتمال أيضا. وقيل : هما منصوبان على المفعول لأجله.

(وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) عدّاه ب (إلى) حملا على معنى «تحسنوا» فكأنه قال : تحسنوا إليهم.

البلاغة :

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) و (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ ...) بينهما طباق السلب.

المفردات اللغوية :

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ ..) من الكفار ، أي لا ينهاكم عن مبرّة هؤلاء : لأن قوله : (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) بدل من (الَّذِينَ) ، أي أن تفعلوا البر والخير لهم. (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) تقضوا إليهم بالقسط ، أي تحكموا بينهم بالعدل. (الْمُقْسِطِينَ) العادلين.

(وَظاهَرُوا) ساعدوا أو عاونوا ، كمشركي مكة ، فإن بعضهم سعوا في إخراج المؤمنين من مكة ، وبعضهم أعانوا المخرجين. (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) أن تتخذوهم أولياء أي أنصارا وأعوانا لكم. (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي ومن يتخذهم أولياء ، فأولئك هم الظالمون أنفسهم ، لوضعهم الولاية في غير موضعها.

سبب النزول :

نزول الآية (٨):

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ ..) : أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي‌الله‌عنهما قالت : «قدمت أمي ، وهي مشركة في عهد قريش ، إذ عاهدوا ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها؟ قال : نعم ، صلي أمّك» فأنزل الله فيها : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ).

١٣٤

وأخرج أحمد والبزّار والحاكم وصححه وآخرون عن عبد الله بن الزبير قال : قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا ـ صناب (١) وأقط وسمن ، وهي مشركة ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها ، حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبرته ، فأمرها أن تقبل هداياها وتدخلها منزلها ، فأنزل الله : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) الآية.

المناسبة :

بعد النهي عن موالاة الكافرين ، والحث على القطيعة بالتأسي بإبراهيم ومن معه ، ثم تهوين الأمر على المؤمنين بإخبارهم أن الله قادر على تغيير أوضاع المشركين من الكفر إلى الإيمان ، رخّص الله تعالى في صلة الذين لم يقاتلوا المؤمنين من الكفار ، ولم يخرجوهم من ديارهم ، ولم يعاونوا على إخراجهم.

التفسير والبيان :

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي لا يمنعكم الله من البرّ والإحسان وفعل الخير إلى الكفار الذين سالموكم ولم يقاتلوكم في الدين كالنساء والضعفة منهم ، كصلة الرحم ، ونفع الجار ، والضيافة ، ولم يخرجوكم من دياركم ، ولا يمنعكم أيضا من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم ، بأداء مالهم من الحق ، كالوفاء لهم بالوعد ، وأداء الأمانة ، وإيفاء أثمان المشتريات كاملة غير منقوصة ، إن الله يحب العادلين ، ويرضى عنهم ، ويمقت الظالمين ويعاقبهم.

والمقصود بالآية أن الله سبحانه لا ينهى عن برّ أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال ، وعلى ألا يعينوا عليهم ، ولا ينهى عن

__________________

(١) صناب : صباغ يتخذ من الخردل والزبيب.

١٣٥

معاملتهم بالعدل ، مثل خزاعة ، وغيرهم الذين عاهدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ترك القتال.

ثم حدد الله تعالى موضع النهي في المعاملات ، فقال :

(إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ، وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي إنما ينهاكم الله عن موالاة هؤلاء الذين عادوكم ، وهم صناديد الكفر من قريش وأشباههم ممن هم حرب على المسلمين ، وعاونوا الذين قاتلوكم وأخرجوكم على ذلك ، وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم ، ينهاكم الله عن اتخاذهم أولياء وأنصارا لكم ، ويأمركم بمعاداتهم.

ثم أكد الوعيد على موالاتهم ، فأبان أن من يتولهم ويناصرهم ، فأولئك الذين ظلموا أنفسهم ، لأنهم تولوا من يستحق العداوة ، لكونه عدوا لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولكتابه.

ونظير الآية قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ ، فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة ٥ / ٥١].

فقه الحياة أو الأحكام :

أبانت الآيتان أن للكفار من المسلمين موقفين : إما المسالمة وإما المعاداة. وحددتا علاقة المسلمين بغيرهم في تلك الحالتين.

١ ـ فيجوز برّهم وفعل الخير لهم ، والحكم بينهم وبين غيرهم بالعدل إذا لم يقاتلوا في الدين أو الدنيا ، ولم يخرجوا المؤمنين من ديارهم ، ولم يعينوا على إخراجهم ، فإن الله يحب العادلين ويأمر بالعدل مع جميع الناس ، والعدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل.

١٣٦

وهؤلاء هم أهل العهد الذين عاهدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ترك القتال ، والمظاهرة (المعاونة) في العداوة ، وهم خزاعة ، كانوا عاهدوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ألا يقاتلوه ولا يخرجوه ، فأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبر والوفاء إلى مدة أجلهم.

قال قتادة : كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ، ثم نسخ ، نسختها آية : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة ٩ / ٥].

وقال أكثر أهل التأويل : هي محكمة غير منسوخة ، بدليل إباحة صلة أسماء أمّها ، كما تقدم (١).

واستدل بهذه الآية بعض العلماء على وجوب نفقة الابن المسلم على أبيه الكافر ، وأجيب بأن الإذن في الشيء أو ترك النهي عنه ، لا يدل على وجوبه ، وإنما يدل على الإباحة فقط.

٢ ـ ولا يجوز اتخاذ الأولياء والأنصار والأحباب من الذين قاتلوا المسلمين على الدين ، وأخرجوهم من ديارهم ، وعاونوا على إخراجهم ، وهم مشركو أهل مكة ، ومن يفعل ذلك بأن يواليهم ، فأولئك هم الظلمة المستحقون للعقاب الشديد.

والخلاصة : لا ينهى الله عن مبرة الفريق الأول ، وإنما ينهى عن تولي الفريق الثاني.

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٨ / ٥٩

١٣٧

حكم المهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١))

الإعراب :

(أَنْ تَنْكِحُوهُنَ فَإِنْ) : في موضع نصب بتقدير حذف حرف جر ، وتقديره : في أن تنكحوهن. و (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) إما استئناف ، أو حال من الحكم ، على حذف الضمير ، أي يحكمه الله ، أو على جعل «الحكم» حاكما على المبالغة.

البلاغة :

(اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) جملة اعتراضية للإشارة إلى آن التعامل مع الناس يكون بحسب الظاهر ، فللإنسان الظاهر ، والله يتولى السرائر.

(لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) فيهما ما يسمى في علم البديع بالعكس والتبديل.

المفردات اللغوية :

(مُهاجِراتٍ) من بلاد الكفار إلى ديار الإسلام. (فَامْتَحِنُوهُنَ) فاختبروهن للتأكد من مطابقة ألسنتهن لما في قلوبهن من الإيمان. (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) الله هو العالم بالحقائق ، المطلع على ما في القلوب. (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) تأكدتم من إيمانهن ، وظننتم ظنا غالبا بالحلف وظهور

١٣٨

الأمارات ، فقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحلّفهن على أنهن ما خرجن إلا رغبة في الإسلام ، لا بغضا لأزواجهن الكفار ، ولا عشقا لرجال من المسلمين. وإنما سمّي الظن الغالب علما إيذانا بأنه كالعلم في وجوب العمل به.

(فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) تردوهن إلى أزواجهن الكفرة. (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) التكرار للمطابقة والمبالغة. (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) أعطوا الكفار ما دفعوا لأزواجهن من المهور. (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) لا إثم ولا حرج عليكم في الزواج بهن ، فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار. (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) مهورهن ، وقد شرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذانا بأن ما أعطي لأزواجهن من تعويض لا يغني عن المهر الواجب للمرأة تكريما لها عند زواجها بأي رجل. (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) أي ما تعتصم به الكافرات من عقد وسبب ، جمع عصمة ، والمراد نهي المؤمنين عن نكاح المشركات ، سواء الباقيات على الشرك بعد إسلام الزوج ، أو المرتدات اللاحقات بالمشركين ، فالمراد بالعصمة : عقد النكاح. و (الْكَوافِرِ) : جمع كافرة. وقرئ «ولا تمسّكوا» بالتشديد.

(وَسْئَلُوا) اطلبوا. (ما أَنْفَقْتُمْ) اطلبوا ما قدمتم من المهور لنسائكم اللاحقات بالكفار حال الارتداد ، ممن تزوجن من الكفار. (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) وليطلبوا ما أنفقوا على المهاجرات من مهور أزواجهم ، فإنهم يؤتونه. (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ) أي جميع ما ذكر في الآية هو شرع الله. (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) يقضي بينكم. (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) بالغ العلم ، يشرع ما تقتضيه حكمته.

(وَإِنْ فاتَكُمْ) أي وإن سبقكم وانفلت منكم. (شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) أحد من أزواجكم. (إِلَى الْكُفَّارِ) مرتدات. (فَعاقَبْتُمْ) أي فجاءت عقبتكم أي نوبتكم من أداء المهر ، والمراد أنكم غنمتم مغانم القتال أو الحرب بسبب الغلبة والنصر لكم. (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) أي أعطوهم من الغنيمة مهور أزواجهم ، بدل الفائت عليهم من جهة الكفار. (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي خافوا الله الذي آمنتم به ، فإن الإيمان به يقتضي التقوى منه.

سبب النزول :

نزول الآية (١٠):

(إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) : أخرج الشيخان عن المسور ومروان بن الحكم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية ،

١٣٩

جاءه نساء من المؤمنات ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) إلى قوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ).

وأخرج الواحدي عن ابن عباس قال : إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة ، رده إليهم ، ومن أتى من أهل مكة من أصحابه فهو لهم ، وكتبوا بذلك الكتاب وختموه ، فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية ، فأقبل زوجها وكان كافرا ، فقال : يا محمد ، ردّ علي امرأتي ، فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

وقيل : جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وقيل : نزلت في أميمة بنت بشر امرأة أبي حسان الدحداحة. وقيل : نزلت في امرأة تسمى سعيدة كانت تحت صيفي بن الراهب ، وهو مشرك من أهل مكة جاءت زمن الهدنة ، فقالوا : ردها علينا ، فنزلت.

وأخرج ابن منيع عن ابن عباس قال : أسلم عمر بن الخطاب ، فتأخرت امرأته في المشركين ، فأنزل الله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ).

نزول الآية (١١):

(وَإِنْ فاتَكُمْ ..) أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ) الآية ، نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان ارتدت ، فتزوجها رجل ثقفي ، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها.

__________________

(١) أسباب النزول للواحدي ص ٢٤١

١٤٠