التفسير المنير - ج ٢٦

الدكتور وهبة الزحيلي

بالعقاب والنار لمن عصاك. (لِتُؤْمِنُوا) الخطاب للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأمة ، وقرئ بالياء ليؤمنوا أي الناس وكذا الفعلان بعده. (وَتُعَزِّرُوهُ) تنصروه وتؤيّدوه وتقوّوه بتقوية دينه ورسوله. (وَتُوَقِّرُوهُ) تعظموه من التوقير : وهو الاحترام والتعظيم ، والضمير فيهما لله تعالى ـ وهو الأولى ـ أو لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (وَتُسَبِّحُوهُ) تنزّهوا الله عما لا يليق به من الشرك والولد ، من التسبيح ، أو تصلوا له من السّبحة : وهي صلاة التطوع. (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) غدوة وعشيا ، أي أول النهار وآخره ، أو دائما.

(يُبايِعُونَكَ) بيعة الرضوان يوم الحديبية ، بايعوه على الموت في نصرته والدفاع عنه ، أو على ألا يفرّوا من قريش ، وأصل المبايعة أو البيع : مبادلة المال بالمال ، ثم أطلق هنا على المعاهدة على الثبات في محاربة الكفار في مقابل ضمان الجنة لهم. وكانت المبايعة تحت شجرة بالحديبية (وهي قرية صغيرة بينها وبين مكة حوالي مرحلة ، وهي في حدود الحرم). (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) لأن الله هو المقصود بالبيعة ، مثل : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء ٤ / ٨٠] أي أن المقصود من بيعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وطاعته طاعة الله وامتثال أوامره ، والمراد بآية (يُبايِعُونَ اللهَ) : أي صفقتهم إنما يمضيها ويمنح الثمن فيها الله عزوجل ، وأن عقد الميثاق مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت.

(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) مؤكد معنى البيعة ، والمراد أنه تعالى مطّلع على مبايعتهم ، فيجازيهم عليها ، ونصرته إياهم أقوى وأعلى من نصرتهم إياه. واستعمال اليد هنا بمعنى الغلبة والنصرة ونعمة الهداية ، فهو مجاز ، والله تعالى منزّه عن الجوارح وعن صفات الأجسام. ويعتقد السلف بوجود يد لله تعالى ، لا كالأيدي ، لأنه ليس كمثله شيء ، وهذا أسلم ، وإن كان المجاز أولى عقلا وأحكم رأيا ، ونفوّض الأمر لله مع الإيمان بما ورد في القرآن والسّنّة الصحيحة.

(نَكَثَ) نقض العهد ، وضدّه : أوفى بالعهد ووفّى به : إذا أتّمه. (فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) يرجع وبال وضرر نقضه عليه. (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ) وفّى في مبايعته ، وقرأ الجمهور بكسر الهاء ، وقراءة حفص بضم الهاء ، لأنها هاء «هو» وهي مضمومة ، فاستصحب ذلك ، كما في «له ، وضربه». (أَجْراً عَظِيماً) هو الجنة.

قال جابر بن عبد الله : بايعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت الشجرة على الموت ، وعلى ألا نفرّ ، فما نكث أحد منّا البيعة إلا جدّ بن قيس ، وكان منافقا اختبأ تحت إبط ناقته ، ولم يثر مع القوم.

المناسبة :

بعد بيان فضائل الفتح ـ صلح الحديبية على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى أصحابه

١٦١

المؤمنين ، أعقبه ببيان خصائصهما ، فذكر وظائف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الثلاث (وفي الأحزاب : الخمس) ومدحه وأبان فائدة بعثته ليرتب عليه ذكر البيعة ، فذكر بيعة الرضوان بين النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين ، وأشاد بإخلاص المبايعين ونصرة دين الله تعالى ، وأوضح جزاء ناقض العهد ، ومن أوفى بالعهد.

التفسير والبيان :

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) أي إننا أرسلناك يا محمد رسولا شاهدا تشهد على الخلق وعلى أمتك تبليغ الرسالة ، ومبشّرا بالجنة المؤمنين المطيعين ، ومنذرا مخوّفا بالنار الكافرين العصاة.

(لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَتُعَزِّرُوهُ ، وَتُوَقِّرُوهُ ، وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أي إنا أرسلناك لتؤمنوا بالله ورسوله ـ والخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأمته ـ وتقووا وتؤيدوا الله بنصرة دينه ورسوله ، وتعظّموه ، وتنزّهوا الله عما لا يليق به من الشرك والولد والصاحبة والتّشبيه بالمخلوقات ، على الدوام ، أو في الغداة والعشي ، أي أول النهار وآخره ، والمراد صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر ، كما قال ابن عباس. والمراد بتعزير الله : تعزير دينه ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال الزمخشري : والضمائر ـ في الأفعال الثلاثة غير الأول ـ لله عزوجل ، ومن فرّق الضمائر فقد أبعد.

وبعد بيان أنه مرسل ، قال الله عزوجل تشريفا وتعظيما وتكريما ليبيّن أن من بايعه فقد بايع الله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ ، يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) أي إن الذين يبايعونك أيها النّبي بيعة الرضوان بالحديبية تحت الشجرة على قتال قريش ، إنما يبايعون الله ، أي يطيعونه ويعاهدونه على امتثال أوامره ، لأنهم

١٦٢

باعوا أنفسهم من الله بالجنة ، ولأن طاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هي طاعة الله تعالى في الحقيقة.

ثم أكّد هذا المعنى بقوله : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) أي أن عقد الميثاق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كعقده مع الله سبحانه على السواء ، وأن الله هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ، وهو تعالى المبايع بواسطة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ، وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة ٩ / ١١١]. وأن نعمة الله عليهم بالهداية فوق إجابة البيعة ، كما قال تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ، قُلْ : لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ، بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) [الحجرات ٤٩ / ١٧]. والخلاصة :أن قوله : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) استئناف مؤكد للكلام السابق من أن مبايعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مبايعة لله تعالى.

(فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ ، فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي يتفرّع عن البيعة مع الله أنه من نقض العهد مع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنما وبال ذلك وضرره على الناقض نفسه ، لا يجاوزه إلى غيره.

ومن وفّى بالعهد وثبت عليه ، ونفّذ ما عاهد عليه الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في البيعة ، فسيؤتيه الله ثوابا جزيلا ، ويدخله الجنة ، كما قال تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) [الفتح ٤٨ / ١٨].

وهذه البيعة كما تقدّم هي بيعة الرّضوان التي كانت تحت شجرة سمرة بالحديبية ، وكان الصحابة رضي‌الله‌عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ على الأصح ألفا وأربع مائة ، وقيل : ثلاث مائة أو خمس مائة.

١٦٣

فقه الحياة أو الأحكام :

دلّت الآيات على ما يأتي :

١ ـ إن مهام النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المذكورة هنا هي ثلاث :

أ ـ الشهادة على الخلق وعلى أمته بالبلاغ ، فهو يشهد على الناس بأن رسولهم وأنبياءهم بلغوهم رسالة الله بما أخبره الله به في القرآن ، ويشهد على أمته بتبليغهم الرسالة الإلهية ، وقد أعلن ذلك في حجة الوداع : «اللهم قد بلّغت ، اللهم فاشهد».

ب ـ وتبشير من أطاعه بالجنة.

ج ـ وإنذار من عصاه بالنار.

والمذكور في سورة الأحزاب خمس : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ، وَمُبَشِّراً ، وَنَذِيراً ، وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ ، وَسِراجاً مُنِيراً) [٤٥ ـ ٤٦] وهذا لأن المقام في الأحزاب مقام ذكر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن أكثر السورة في ذكر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحواله ، ففصل في مهامه ، واقتصر في سورة الفتح على الثلاث المتقدمة ، ثم ذكر بعدئذ ما يدل على كونه داعيا وكونه سراجا في قوله : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ ..).

٢ ـ إن الغاية من إرسال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الوصول إلى الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونصرة دين الله ورسوله ، وتعظيم الله وإجلاله ، وتسبيحه بالقول وتنزيهه من كل قبيح على الدوام ، أو في أول النهار وآخره ، أو فعل. الصلاة التي فيها التسبيح.

٣ ـ إن الذين بايعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية على قتال قريش ومناصرته فقد بايعوا الله تعالى ، فبيعتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما هي بيعة الله تعالى ، كما قال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء ٤ / ٨٠].

١٦٤

والله تعالى مطّلع على بيعتهم ومجازيهم خيرا ، فيده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء ، ويديه في المنّة عليهم بالهداية فوق أيديهم في الطاعة ، ونعمة الله عليهم فوق ما صنعوا من البيعة ، وقوة الله ونصرته فوق قوّتهم ونصرتهم.

ومذهب السلف رضوان الله عليهم : الإيمان الظاهري بما يسمى يد الله ، مع تنزيه المولى عن مشابهة الحوادث وصفات الأجسام وإثبات الجوارح (الأعضاء) له ، ويقولون : إن معرفة حقيقة اليد هنا فرع عن معرفة حقيقة الذات ، ولن يستطيع المخلوق ذلك ، فالأولى التفويض في معرفة الحقيقة لله تعالى ، مع الإيمان الكامل بكل ما جاء في القرآن والسّنّة الثابتة. ومذهب الخلف : تأويل اليد بالقدرة أو القوة أو النصرة أو النعمة ، على طريق الاستعارة بالكناية ، كما تقدّم في البلاغة.

٤ ـ إن الناكث ناقض العهد بعد البيعة يرجع ضرر النكث والنقض عليه ، لأنه حرم نفسه الثواب وألزمها العقاب.

٥ ـ وإن من أوفى بعهده الذي عاهد الله تعالى عليه في البيعة ، سيمنحه الله تعالى في الآخرة ثوابا جزيلا ، ويدخله الجنة.

أحوال المتخلفين عن الحديبية

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ

١٦٥

ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧))

الإعراب :

(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ أَنْ) مخففة من الثقيلة ، أي ظننتم أنهم لا يرجعون.

(تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ تُقاتِلُونَهُمْ) : حال مقدرة ، و (يُسْلِمُونَ) : إما معطوف على (تُقاتِلُونَهُمْ) أو مستأنف ، تقديره : أو هم يسلمون. وقرئ : أو يسلموا : بتقدير أن. و «أو» بمعنى «إلا» وقيل بمعنى «حتى».

البلاغة :

بين الضر والنفع في قوله : (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) طباق.

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) إطناب بتكرار نفي الحرج والإثم عن أصحاب الأعذار للتأكيد.

١٦٦

المفردات اللغوية :

(الْمُخَلَّفُونَ) المتخلفون ، جمع مخلّف : وهو المتروك في المكان خلف الخارجين عنه ، والمراد بهم هنا قبائل حول المدينة من الأعراب هم أسلم وجهينة ومزينة وغفار وأشجع والدّيل ، استنفرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية ليخرجوا معه إلى مكة للعمرة ، فتخلفوا ، واعتذروا بالشغل في أموالهم وأهليهم ، وإنما خلفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش إن صدّوهم. (مِنَ الْأَعْرابِ) قبائل من الأعراب سكان البوادي حول المدينة. (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) عن الخروج معك ، إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالنا ، وقرئ بالتشديد (شَغَلَتْنا) للتكثير ، وهذا كذب منهم. (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) الله من التخلف أو ترك الخروج معك ، وطلب الاستغفار خبث منهم وإظهار أنهم مؤمنون عاصون ، ومصانعة من غير توبة ولا ندم.

(يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) هذا تكذيب من الله تعالى لهم في الاعتذار والاستغفار ، فهم يطلبون الاستغفار وغيره في الظاهر ، وهم كاذبون في اعتذارهم. (فَمَنْ يَمْلِكُ؟) استفهام بمعنى النفي ، أي لا أحد يمنعكم من مشيئته وقضائه ، والملك : إمساك الشيء بقوة وضبط. (ضَرًّا) بفتح الضاد وضمها ، والضر : الضرر اللاحق بالأهل والمال والنفس ، كقتل وهزيمة وهزال وسوء حال وضياع. (نَفْعاً) النفع : ما يفيد من حفظ النفس والمال والأهل. (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي كان ولم يزل متصفا بذلك ، فهو يعلم تخلفكم وقصدكم فيه ، و (بَلْ) للانتقال من غرض إلى آخر.

(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) لظنكم أن المشركين يستأصلونهم. و (يَنْقَلِبَ) يرجع ، والأهلون : العشائر وذوو القرابة ، جمع أهل ، وقد يجمع على أهلات ، مثل أرضات على أن أصله أهلة. (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) الظن السيء ، وهو الظن المذكور. (بُوراً) جمع بائر ، أي هلكى أو هالكين عند الله بهذا الظن وفساد العقيدة وسوء النية. (فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) وضع الكافرين موضع الضمير إيذانا بأن من لم يجمع بين الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو كافر مستوجب للسعير بكفره ، والسعير : نار ملتهبة شديدة ، وتنكيرها للتهويل ، أو لأنها نار مخصوصة.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يدبره كيف يشاء. (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) إذ لا وجوب عليه. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي ولم يزل متصفا بذلك ، والغفران والرحمة من ذاته ، جاء في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة : «سبقت رحمتي غضبي».

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) المذكورون. (مَغانِمَ) هي مغانم خيبر ، فإنه عليه الصلاة والسلام رجع من الحديبية في ذي الحجة ، من سنة ست ، وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم ، ثم هاجم خيبر بمن شهد الحديبية بسبب اعتداءات اليهود المتكررة ، ففتحها وغنم أموالا كثيرة ، ثم خصها بأهل

١٦٧

الحديبية. (ذَرُونا) اتركونا. (نَتَّبِعْكُمْ) لنأخذ منها. (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) ويقرأ : كلم لله ، أي يريدون أن يغيروا كلام الله ، وهو وعده لأهل الحديبية أن يعوضهم عن مغانم مكة مغانم خيبر ، فهم يريدون الشركة في المغانم دون أن ينصروا دين الله تعالى.

(لَنْ تَتَّبِعُونا) نفي في معنى النهي. (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) أي مثل ذلك قال الله من قبل استعدادهم للخروج إلى خيبر ، وقبل عودنا. (بَلْ تَحْسُدُونَنا) أي تحسدوننا أن نصيب معكم شيئا من الغنائم. (لا يَفْقَهُونَ) لا يفهمون. (إِلَّا قَلِيلاً) إلا فهما قليلا وهو فهمهم لأمور الدنيا دون الدين. ومعنى الإضراب الأول. (بَلْ تَحْسُدُونَنا) رد منهم أن يكون حكم الله ألا يتبعوهم ، وإثبات الحسد ، والثاني : (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) رد من الله تعالى لذلك ، وإثبات لجهلهم بأمور الدين.

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) كرر ذكرهم بهذا الوصف مبالغة في الذم وإشعارا بشناعة التخلف. (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي أصحاب بأس شديد أي قوة في القتال ، وهم بنو حنيفة أصحاب اليمامة ، أو غيرهم من ارتدوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو فارس والروم. ولا دليل على التعيين. (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) أي يكون أحد الأمرين : إما المقاتلة أو الإسلام ، لا غير.

(فَإِنْ تُطِيعُوا) في قتالهم (يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) هو الغنيمة في الدنيا ، والجنة في الآخرة. (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) عن الحديبية. (أَلِيماً) مؤلما ، لعظم جرمكم.

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ..) أي إثم وذنب في ترك الجهاد ، ويلاحظ أنه تعالى لما أوعد على التخلف ، نفى الحرج عن أصحاب الأعذار (الأعمى والأعرج والمريض) استثناء لهم من الوعيد.

(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فصّل الوعد وأجمل في الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته. (وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) هذا تعميم بعد تفصيل الوعد ، إذ الترهيب هنا أنفع من الترغيب.

سبب نزول الآية (١٧):

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى ..) : قال ابن عباس : لما نزلت : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ ..) الآية ، قال أهل الزّمانة : كيف بنا يا رسول الله؟ فأنزل الله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ..).

١٦٨

المناسبة :

بعد بيان حال المنافقين ، بيّن الله تعالى حال المتخلفين ، وهم قوم من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لظنهم أنه يهزم ، وقد ذكر تعالى أحوالا ثلاثا لهم : هي الاعتذار عن التخلف عن الحديبية بانشغالهم في الأموال والأهل ، وطلب المشاركة في وقعة خيبر وغنائمها ، ودعوتهم إلى قتال قوم أولي بأس شديد ، ثم استثنى تعالى أصحاب الأعذار لترك الجهاد.

التفسير والبيان :

الاعتذار عن التخلف : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ : شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا ، فَاسْتَغْفِرْ لَنا) أخبر تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أثناء عودته من الحديبية بما يعتذر به المخلفون الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم ، وتركوا السير مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرج إلى مكة معتمرا عام الحديبية ، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة وهم أسلم وجهينة ومزينة وغفار وأشجع والدّيل ، وإنما قال : (الْمُخَلَّفُونَ) لأن الله خلّفهم عن صحبة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والمخلّف : المتروك. والآية من إعجاز القرآن ، لإخباره عن الغيب ، وقد وقع الأمر مطابقا لخبر القرآن.

ولقد اعتذروا بشغلهم بالأموال والأهل ، وسألوا أن يستغفر لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ليغفر الله لهم ما وقع منهم من التخلف عنه بسبب الانشغال ، لا بسبب العصيان ومخالفة الأمر. وذلك في الحقيقة قول منهم ، لا على سبيل الاعتقاد ، بل على وجه التقية والمصانعة ، لذا رد الله عليهم وكذّبهم بقوله :

(يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) أي إنهم ليسوا صادقين في الاعتذار ، فهم يتصنعون ذلك بظواهر ألسنتهم ، أما في أعماق قلوبهم فهم يعتقدون أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحبه سينهزمون ، ويخافون من مقاتلة قريش وثقيف

١٦٩

وكنانة والقبائل المجاورة لمكة ، وهم الأحابيش ، بدليل قوله تعالى : (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً).

(قُلْ : فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً ، بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي قل أيها النبي لهم : فمن يمنعكم مما أراده الله بكم من خير أو شر؟ أي لا يقدر أحد أن يرد ما أراده الله فيكم ، وإن صانعتمونا ونافقتمونا ، سواء بإنزال ما يضركم من ضياع الأموال وهلاك الأهل ، أو بتحقيق النفع لكم من نصر وغنيمة.

بل في الحقيقة ، إن تخلفكم ليس لما زعمتم ، فإن الله خبير بجميع ما تعملونه من الأعمال ، وقد علم أن تخلفكم لم يكن للانشغال بالمال والأهل ، بل للشك والنفاق والخذلان وسوء الاعتقاد والخوف من قريش وأعوانهم وما خطر لكم من الظنون الفاسدة ، الناشئة عن عدم الثقة بالله تعالى ، ثم افتضح شأنهم ، فقال تعالى :

(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً ، وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ ، وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ ، وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أي لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاص ، بل تخلف نفاق ، وقد اعتقدتم أن العدو يقتل ويستأصل المؤمنين نهائيا ، فلا يرجع أحد منهم إلى أهله إلى الأبد ، وزين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم ، فقبلتموه ، وظننتم أن الله سبحانه لا ينصر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكنتم قوما هالكين عند الله تعالى ، وصرتم بما فعلتم لا تصلحون لشيء من الخير ، تستحقون شديد العقاب.

ثم أخبر الله تعالى عن عقاب الكفار ، فقال :

(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) أي من لم يصدّق بالله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يخلص العمل في الظاهر والباطن لله ، كما

١٧٠

صنع هؤلاء المخلفون ، فجزاؤهم ما أعده الله لهم من عذاب السعير والنار الشديدة الالتهاب جزاء الكفر.

ثم أبان تعالى مدى قدرته الشاملة لكل شيء ، فقال :

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ، وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي لله سلطة التصرف المطلق في أهل السموات والأرض ، يتصرف فيهم كيف يشاء ، لا رادّ لحكمه ، ولا معقب لقضائه ، ولا يحتاج إلى أحد من خلقه.

يغفر لمن يشاء أن يغفر له ذنوبه ، ويعذب بالنار من يريد أن يعذبه على كفره ومعصيته ، والله ما يزال غفورا لذنوب عباده التائبين ، رحيما يرحم جميع خلقه ، ويخص بمغفرته ورحمته من يشاء من عباده.

وفي هذا حث عام على الإصلاح ، وترغيب لهؤلاء المتخلفين وأمثالهم من المقصرين بالتوبة والإنابة والرجوع إلى أمر الله تعالى وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي الآية أيضا بيان واضح أنه تعالى يغفر للمبايعين بمشيئته ، ويعذب الآخرين بمشيئته ، وغفرانه ورحمته أعم وأشمل ، وأتم وأكمل ، وأن عظيم الملك يكون أجره في غاية السعة ، وعذابه وعقوبته في غاية النكال والألم.

طلب المشاركة في وقعة خيبر :

ثم أوضح الله تعالى كذب المتخلفين في ادعائهم الانشغال بالمال والأهل ، بدليل طلبهم السير مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى خيبر ، لما توقعوا من مغانم يأخذونها ، فقال :

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها : ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) أي سيقول هؤلاء الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عمرة الحديبية ، إذا انطلقتم أيها المسلمون إلى مغانم خيبر لتأخذوها وتحوزوها : اتركونا نتبعكم في

١٧١

السير ، ونشهد معكم غزو خيبر ، لأنهم علموا أن الله وعد المسلمين فتح خيبر وتخصيص من شهد الحديبية بغنائمها.

والخلاصة : أنه لو كان اعتذارهم بالانشغال صحيحا ، لما طلبوا السير مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى خيبر.

(يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) أي يريدون تبديل وعود الله لأهل الحديبية بتخصيصهم بمغانم خيبر ، فقد أمر الله رسوله ألا يسير معه إلى خيبر أحد من غير أهل الحديبية ، ووعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم ، لا يشاركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين ، فلا يقع غير ذلك شرعا ولا قدرا.

ثم صدر قرار المنع صراحة ، فقال تعالى :

(قُلْ : لَنْ تَتَّبِعُونا ، كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) أي قل لهم أيها الرسول صراحة : لن تسيروا معنا في خيبر ، وهكذا أخبرنا الله تعالى من قبل رجوعنا من الحديبية ووصولنا إلى المدينة : أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة ، ليس لغيرهم فيها نصيب. والخلاصة : وعد الله أهل الحديبية قبل سؤالكم الخروج معهم.

وهذا نحو قوله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ ، فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ ، فَقُلْ : لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ، وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ، إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ؟؟ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) [التوبة ٩ / ٨٣] (١).

ثم أخبر الله تعالى عن ردهم على ذلك بقوله :

(فَسَيَقُولُونَ : بَلْ تَحْسُدُونَنا) أي فسيقول المخلفون عند سماع هذا القول :

__________________

(١) وهذا لمجرد إيراد التشابه في الحكم ، وإن كانت هذه الآية في براءة نزلت في غزوة تبوك ، وهي متأخرة عن عمرة الحديبية.

١٧٢

بل إنكم تحسدوننا في المشاركة في الغنيمة ، والحسد لا غيره هو الذي يمنعكم من الإذن لنا في الخروج معكم.

فأجابهم الله تعالى بقوله :

(بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أي ليس الأمر كما زعموا أمر حسد منكم على أخذهم شيئا من الغنيمة ، بل لأنهم لا يفهمون إلا فهما قليلا ، والمراد : لا يفهمون شيئا من أمور الدين وهو جعل القتال لله تعالى ، وإصلاح النية له ، وصدق الإيمان به ، وإن كانوا يعلمون ويفهمون أمور الدنيا.

وهذا دليل على أن محاولتهم نقض حكم الله تعالى ، واتهام المؤمنين بالحسد صادر عن جهل وقلة تدبر ووعي ، وإنهم قوم ماديون لا يعرفون إلا الدنيا.

وقد دعوتهم إلى القتال باستثناء أصحاب الأعذار إن كانوا صادقين في طلب المشاركة مع المؤمنين.

ثم أبان الله تعالى أن ميدان القتال متسع ما يزال مفتوحا إن أرادوا إثبات إخلاصهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذين آمنوا ، فقال :

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ : سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) أي قل أيها النبي لهؤلاء المخلفين من الأعراب إن أرادوا الانتماء إلى الصف الإسلامي بحق وصدق : ستندبون إلى قتال قوم أولي شدة وصلابة ونجدة ، تخيرونهم بين أحد أمرين : إما المقاتلة أو الإسلام لا ثالث لهما ، وهذا حكم الكفار الذين لا عهد بينهم وبين المسلمين بعقد الجزية ونحوها ، ويشمل مشركي العرب والمرتدين وغير العرب.

أما المفسرون فذكروا أربعة أقوال في تعيين أولئك القوم وهي :

أ ـ هوازن وغطفان يوم حنين ، وكان قتالهم بعد فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة.

١٧٣

ب ـ ثقيف.

ج ـ بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة ، وكان قتالهم بعد ذلك أيام أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه. وأكثر المفسرين على أن القوم هم بنو حنيفة وأهل الردة الذين حاربهم أبو بكر ، لأنه تعالى قال : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) ومشركو العرب والمرتدون هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، ومن عداهم من مشركي العجم وأهل الكتاب والمجوس تقبل منهم الجزية عند أبي حنيفة. وأما الشافعي فعنده لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس دون مشركي العجم والعرب.

د ـ أهل فارس والروم وأهل الأوثان.

قال ابن جرير : إنه لم يقم دليل من نقل ولا من عقل على تعيين هؤلاء القوم ، فلندع الأمر على إجماله دون حاجة إلى التعيين.

ثم وعدهم الله تعالى بالثواب إن أطاعوا ، وأوعدهم بالعذاب إن عصوا ، فقال : (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً ، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ ، يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي فإن تستجيبوا ، وتنفروا في الجهاد ، وتؤدوا ما عليكم ، يعطكم الله ثوابا حسنا ، وهو الغنيمة في الدنيا ، والجنة في الآخرة.

وإن تعرضوا كما أعرضتم من قبل زمن الحديبية ، حيث دعيتم فتخلفتم ، يعذبكم عذابا شديدا مؤلما بالقتل والأسر والقهر في الدنيا ، وبعذاب النار في الآخرة ، لعظم جرمكم.

ثم استثنى الله تعالى أصحاب الأعذار من فرضية الجهاد ومن الوعيد على التخلف ، فقال :

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) أي ليس على هؤلاء المعذورين بهذه الأعذار وهي العمى والعرج المستمر

١٧٤

والمرض المزمن ، أو الطارئ أياما حتى يبرأ إثم وذنب في التخلف عن الجهاد ، لعدم استطاعتهم. وقدم الأعمى على الأعرج ، لأن عذره دائم مستمر.

قال مقاتل : هم أهل الزمانة الذين تخلفوا عن الحديبية ، وقد عذرهم.

ثم رغّب سبحانه وتعالى في الجهاد وطاعة الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال :

(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ، يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) أي يطع الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإخلاص ، فيجاهد مع المؤمنين لإعلاء كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه ، يدخله الله في الآخرة جنات تجري من تحت قصورها الأنهار تتدفق عذوبة وتتلألأ بياضا ، ومن يعرض عن الطاعة ، ويعص الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيتخلف عن القتال ، يعذبه الله عذابا شديد الألم ، في الدنيا بالمذلة ، وفي الآخرة بالنار.

وبالرغم من أن طاعة كل واحد من الله والرسول طاعة الآخر ، فإنه جمع بينهما بيانا لطاعة الله غير المرئي وغير المسموع كلامه ، فقال : طاعته عزوجل في طاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكلامه سبحانه يسمع من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فقه الحياة أو الأحكام :

يفهم من الآيات الإخبار عن أحوال ثلاث للمتخلفين :

الحال الأولى ـ اعتذارهم بالأموال والأهل : وهذا يدل على الأمور التالية :

١ ـ إن اعتذار جماعة من الأعراب كانوا حول المدينة كان بعذر سطحي واه هو الانشغال بالأموال والأهل ، أي ليس لهم من يقوم بهم ، بعد أن استنفرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخرجوا معه حذرا من قريش ، وأحرم بعمرة وساق معه الهدي (شاة ونحوها) ليعلم الناس أنه لا يريد حربا ، فتثاقلوا عنه واعتلوا بالشغل ، فنزلت الآية في شأنهم ، وسموا بالمخلّفين أي المتروكين.

١٧٥

وأحسوا بضعف موقفهم ، فقالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) يعني فنحن مع إقامة العذر معترفون بالإساءة ، فاستغفر لنا واعف عنا في أمر الخروج.

وهذا إن قبل مع الناس فلا يقبل مع الله تعالى المطلع على حقائق الأمور ، لذا دل هذا الموقف على قصور النظر ، فضلا عن سوء الاعتقاد والجهل.

٢ ـ لقد فضحهم الله تعالى أيضا ، وكذبهم بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، وهذا هو النفاق المحض ، فهم قوم منافقون ، ينطبق عليهم العذاب المذكور في الآية السابقة : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ ..) [٦].

٣ ـ وردّ الله تعالى عليهم أيضا حين ظنوا أن التخلف عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدفع عنهم الضّر ، ويعجل لهم النفع. والضّر : اسم لما ينال الإنسان من الهزال وسوء الحال. والنفع : ضد الضر.

ومضمون الرد بإيجاز : لن يستطيع أحد دفع ما أراده الله في عباده من خير أو شر.

٤ ـ وزيّف الله تعالى مدّعاهم ، وافتضح شأنهم ، وأبان سوء ظنهم حين قالوا : إن محمدا وأصحابه أكلة رأس (١) لا يرجعون ، وزعموا أن الرسول والمؤمنين سيقتلون ويستأصلون ، ولن يعودوا إلى أهليهم أبدا ، لأنهم قالوا : أهل مكة يقاتلون عن باب المدينة ، فكيف يكون حالهم إذا دخل المسلمون بلادهم ، وأحاطوا بهم؟!

وزيّن الشيطان النفاق في قلوبهم ، وظنوا ظنا سيئا أن الله تعالى لا ينصر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبذلك جمعوا بين النفاق وسوء الظن وسوء التقدير.

__________________

(١) أي هم قليل يشبعهم رأس واحد.

١٧٦

لكل هذا أخبر الله تعالى عن حكمه فيهم وهو أنهم قوم بور ، أي هلكى فاسدون لا يصلحون لشيء من الخير.

٥ ـ ثم أوعدهم الله تعالى بعذاب السعير ، وأبان أنهم كفروا بالنفاق.

٦ ـ وأخبر تعالى عن قدرته الفائقة بتصرفه في أهل السموات والأرض ، وأنه غني عن عباده ، وإنما ابتلاهم بالتكليف بالجهاد وغيره ليثيب من آمن ، ويعاقب من كفر وعصى.

الحال الثانية ـ طلب المسير إلى خيبر : وهذا يشير إلى ما يأتي :

١ ـ إنهم قوم أغبياء جهلة كذبة : فكيف اعتذروا سابقا بالانشغال بالأموال والأهل ، والآن يطلبون المشاركة في السير إلى خيبر؟!

٢ ـ إنهم قوم ماديون : يفرون من مواطن الخوف والخطر واحتمال القتال ، ويحرصون على أخذ غنائم الحرب حينما يحسون بضعف الأعداء وهم يهود خيبر.

٣ ـ إنهم قوم كفرة : يريدون أن يغيروا كلام الله وحكمه ، وقدره ووعده الذي وعد لأهل الحديبية ، لأن الله تعالى جعل لهم غنائم خيبر ، عوضا عن فتح مكة إذا رجعوا من الحديبية على صلح.

٤ ـ إنهم جماعة يستحقون النبذ والعزل المدني : لذا حكم الله تعالى بمنعهم من الخروج مع المسلمين إلى خيبر.

٥ ـ إنهم مرضى القلوب لانطوائها على الحقد والحسد ، ومن حقد على الآخرين أو حسدهم ظن أن الآخرين مثله ، لذا حاولوا اتهام المسلمين زورا وبهتانا بأنهم يحسدونهم على أخذ شيء من الغنائم. وربما فهموا ذلك من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن خرجتم لم أمنعكم ، إلا أنه لا سهم لكم» فقالوا : هذا حسد ،

١٧٧

فقال المسلمون : قد أخبرنا الله في الحديبية بما سيقولونه ، وهو قوله تعالى : (فَسَيَقُولُونَ : بَلْ تَحْسُدُونَنا).

٦ ـ إنهم قوم لا يفهمون : فلا يعلمون من الدين شيئا أو قليلا بسبب ترك القتال ، وإن كانوا يعلمون أمور الدنيا.

الحال الثالثة ـ حقل التجربة بالمعارك القادمة : وهذا يدل على ما يأتي :

١ ـ أخبر تعالى زيادة في تكذيبهم وافتضاح أمرهم أن ميدان القتال مفتوح ، فإن كانوا مسلمين صادقين فليجربوا أنفسهم في ملاقاة أقوام ذوي بأس شديد ، ومراس ونجدة.

٢ ـ فتح الله تعالى باب الأمل أمامهم ، وأفادهم بأنهم إن أطاعوا أمر الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجاهدوا بحق يعطهم الغنيمة والنصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة ، وإن أعرضوا في المستقبل عن الجهاد كما أعرضوا في الماضي عام الحديبية ، يعذبهم بعذاب مؤلم موجع وهو عذاب النار.

وقد استدل بعض المفسرين بآية : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) على صحة إمامة أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما ، لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة ، وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم.

واستدلوا بآية (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) على حكم من لا تؤخذ منهم الجزية ، وهم مشركو العرب والمرتدون ، فالخيار مقيد فيهم بأمرين : إما المقاتلة وإما الإسلام ، لا ثالث لهما.

واستدل الفقهاء بآية (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ..) على إعفاء أصحاب الأعذار من فريضة الجهاد ، وهم الأعمى والأعرج عرجا دائما ، والمريض المزمن أو المريض مرضا مؤقتا يمنع من الخروج من المنزل إلى أن يبرأ. واقتصر النص القرآني

١٧٨

على الأصناف الثلاثة ، لأن العذر إما بسبب اختلال القوة أو إخلال في عضو ، فيقاس عليهما ما في معناهما ، كالفقر الذي يمنع من إحضار السلاح حال التطوع بالجهاد ودون تقديمه من الدولة ، والاشتغال بذوي الحاجة والضعف كطفل ومريض ، ونحو ذلك مما يعرف في الفقه. وقد ضبط الفقهاء الأعذار المانعة من الجهاد بأن المانع إما عجز حسي أو عجز حكمي.

فمن الأول : الصغر والجنون والأنوثة والمرض المانع من الركوب للقتال ، والعرج البيّن ، وفقد الصبر ، وعدم وجدان السلاح وآلات القتال.

ومن الثاني : الرق والدّين الحالّ بلا إذن رب الدين ، وعدم إذن أحد الأبوين المسلمين.

ودل قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ..) على الحث على الجهاد والترهيب من ترك القتال ، فإن من أطاع الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجاهد في سبيل الله ، أدخله الله جنات تجري من تحتها الأنهار ، ومن أعرض عن المشاركة في الجهاد ، عذّبه عذابا شديد الألم ، لعظم جرمه ، وإساءته للمجتمع الإسلامي.

فإن الجهاد سبيل لدحر العدوان ، وطرد المعتدين ، والتخلص من أذاهم ، وهو طريق العزة والكرامة ، وصون الاستقلال ، وحماية حرمات البلاد والأوطان ، والحفاظ على كيان الأمة ، ولو لاه لذابت الأمم ، وزالت الأديان والقيم ، وانصهرت الجماعات ، ولحق الذل والهوان والاستعباد بالشعوب إلى الأبد ، أو إلى أن تصحو وتستيقظ من رقادها وسباتها ، وتنفض الذل عن هاماتها.

لذا جعله الله فريضة على المؤمنين ، وإن كان مكروها على النفس ، ليعلم الصادق في إيمانه ، الصابر على تحمل مشاق التكاليف ، واختبار أعمال الناس حسنات أو سيئات ، فيجازيهم بها.

١٧٩

وهو ذروة سنام الإسلام ، وسبيل إلى جنان الخلد ، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، وهم في درجة الأنبياء والصدّيقين ، وحسن أولئك رفيقا.

جزاء أهل بيعة الرضوان

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩))

البلاغة :

(إِذْ يُبايِعُونَكَ) التعبير بصيغة المضارع المفيد للحال عن الماضي لاستحضار صورة المبايعة.

المفردات اللغوية :

(رَضِيَ) الرضى : ما يقابل السخط (عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) أهل الحديبية ، ورضي‌الله‌عنهم لمبايعتهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان عددهم على الأصح ألفا وأربع مائة (إِذْ يُبايِعُونَكَ) يبايعون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن يقاتلوا قريشا ، ولا يفرّون منهم ، ولا يخشون الموت (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) هي سمرة (وهي شجرة الطلح أو السنط) (وَأَثابَهُمْ) كافأهم على عملهم.

(فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) علم الله ما في قلوبهم من الصدق والوفاء وإخلاص البيعة (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ) الطمأنينة والأمن وسكون النفس بالتشجيع أو الصلح (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) جازاهم على بيعة الرضوان بفتح خيبر ، بعد انصرافهم من الحديبية.

(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً) أي وأثابهم أيضا مغانم خيبر يأخذونها ، وكانت خيبر ذات بساتين نخيل ومزارع ، قسمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أهل الحديبية المقاتلة ، فأعطى الفارس سهمين ، والراجل سهما (عَزِيزاً حَكِيماً) أي كان الله وما يزال غالبا قويا ، مراعيا مقتضى الحكمة في تدبير خلقه.

سبب النزول :

أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال :

١٨٠