التفسير المنير - ج ٢٥

الدكتور وهبة الزحيلي

٣ ـ ترغيب المؤمنين بالاستقامة المؤدية إلى الجنة ونعيمها ، وتحذير الكافرين من الانحراف أو الإعراض عن هداية الله المؤدي إلى النار وأهوالها.

٤ ـ تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما يلقاه من أذى قومه ومطاعنهم.

ما اشتملت عليه السورة :

موضوع هذه السورة كسائر السور المكية مختص بالعقيدة القائمة على الإيمان بوحدانية الله ، وصحة الرسالة النبوية ، والتصديق بالبعث والجزاء ، ومحورها الأساسي الكلام عن ظاهرة الوحي.

لذا ابتدأت بالحديث عن الوحي الذي أنزله الله على جميع الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله لتبليغ رسالته إلى الناس.

ثم عرضت لما لله من هيبة وجلال تكاد السموات تتفطر منهما ، وأن الملائكة تستغرق في تسبيحه وتمجيده ، وأنه الرقيب على أعمال المشركين ، ثم انتقلت إلى بيان كون القرآن عربيا ، وأن الإيمان بالله اختياري لا قسري.

ثم أبانت أسباب الاختلاف في الأمة المسلمة وطريق علاجها بتحكيم كتاب الله ، وأوضحت ضرورة اختلاف الشرائع الإلهية الموحى بها في الجزئيات حسبما يتفق مع مصلحة البشر ، مع اتفاقها في الأصول الاعتقادية والإصلاحية والعبادات ، ثم نددت بالمختلفين في الأديان وجعلت خلافهم بغيا وعدوانا وظلما ، فالدين واحد في أصله ، ورسالات الأنبياء تكمل بعضها بعضا ، وبينها قدر مشترك هو الإسلام ، أي الانقياد والخضوع لله عزوجل : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ...) الآية [١٣].

ثم فنّدت حجة المنكرين لرسالة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن تبين صدقها وصحتها ، وهددت باقتراب الساعة التي يستعجل بها المشركون ويشفق منها

٢١

المؤمنون ، وقرنت التفنيد والتهديد بتهويل العذاب الشديد المنتظر يوم القيامة ، وبوصف نعيم الجنان وروضاتها لتبشير المؤمنين الذين يعملون الصالحات.

وتحدثت عن مبدأين ضروريّي المعرفة لكل إنسان في الدنيا : وهما أن الرزق بيد الله ينزله بحسب المصلحة ، وأن العامل للدنيا وحدها يحرم خير الآخرة ، والعامل للآخرة يمنح خير الدنيا معها.

ثم أقامت الأدلة على وجود الله من خلق السموات والأرض وما فيهما والتصرف بهما والقدرة عليهما ، وإجراء السفن في البحار ، فكل ذلك أثر صنع الله.

وأعقبت ذلك بالإشادة بمن يعمل للآخرة ، ويجتنب الفواحش ، ويعفو عند المقدرة ، ويستحب لربه ، ويقيم الصلاة ، ويستشير أهل الخبرة والمعرفة ، وينتصر من أهل البغي والعدوان ، ويؤثّر العفو والصفح والصلح ، ويقتصر على الجزاء بالمثل ، ويصبر في المحنة.

وأردفت ذلك ببيان أهوال النار وخسارة أهلها ، وفقدانها النصر ، وتمنيهم العودة إلى الدنيا حين رؤية العذاب ، وهم أذلة صاغرون. وناسب هذا دعوة الناس جميعا إلى الاستجابة لدعوة الله والانقياد لحكمه وشرعه قبل المفاجأة بيوم القيامة الذي لا شك فيه ولا مرد له : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ ...) [٤٧].

والاستجابة تكون تلقائية اختيارية لا قهر فيها ، وما على الرسول إلا البلاغ.

ثم ختمت السورة أولا بتأكيد كون ملك السموات والأرض لله ، يهب الأولاد أو لا يهب بحسب المشيئة ، وثانيا ببيان أقسام الوحي ، وعظمة القرآن خاتم

٢٢

الكتب السماوية ، والذي هو نور الله الهادي إلى صراط مستقيم ، ليتناسق الختام مع مطلق السورة بالحديث عن هذا الكتاب العزيز : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [٥٢].

إنزال الوحي وعظمة الله ورقابته أحوال المشركين

(حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦))

الإعراب :

(كَذلِكَ يُوحِي ... اللهُ كَذلِكَ) : الكاف بمعنى المثل ، و (كَذلِكَ) مفعول مطلق ل (يُوحِي) و (اللهُ) : فاعل (يُوحِي). ومن قرأ «يوحى» كان لفظ الجلالة (اللهُ) إما مرفوع بفعل مقدر دل عليه «يوحى» كرفع كلمة (رِجالٌ) في قراءة من يقرأ (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور ٢٤ / ٣٦ ـ ٣٧] بفعل مقدر ، أي يسبحه رجال ، وإما مرفوع بالابتداء ، ويكون (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) خبرين عن الله تعالى ، ويجوز جعلهما وصفين ، و (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) الخبر ، وإما مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الله.

(أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) توالي المؤكدات وهي ألا ، وإن ، وضمير الفصل.

البلاغة :

(أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) توالي المؤكدات وهي : ألا ، وإن ، وضمير الفصل.

(الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .. الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .. بِوَكِيلٍ) صيغ مبالغة ، وسجع لطيف.

٢٣

(كَذلِكَ يُوحِي) استعمل الفعل المضارع في حقيقته بالنسبة لما ينزل من القرآن ، وفي مجازه بالنسبة لما أنزل من الكتب السابقة وما أنزل من القرآن. وهذا تشبيه للمشبه ، والمشبه به هذه السورة.

المفردات اللغوية :

(حم عسق) تقرأ هكذا بأسمائها : حا ، ميم ، عين ، سين ، قاف بإدغام السين في القاف ، وقد انفردت هذه السورة بآيتين من الحروف ، لعلهما اسمان للسورة. وهذه الحروف المقطعة كما تقدم للتنبيه على إعجاز القرآن ، ولفت النظر إلى ما تشتمل عليه السورة من عظائم الأمور (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ) أي مثل ذلك الإيحاء إلى الأنبياء السابقين من الكتب الإلهية (يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ) أي مثل ذلك الإيحاء إلى الأنبياء السابقين من الكتب الإلهية يوحي الله إليك أيها الرسول ، كما أوحي إلى من قبلك الأنبياء. وإنما ذكر الإيحاء بلفظ المضارع : (يُوحِي) لحكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي ، وكون إيحاء مثله عادة الله. (الْعَزِيزُ) أي القوي الغالب في ملكه (الْحَكِيمُ) في صنعه ، وهما صفتان.

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا (وَهُوَ الْعَلِيُ) المتعالي فوق خلقه (الْعَظِيمُ) المتفرد بالكبرياء والعظمة (يَتَفَطَّرْنَ) يتشققن والفطور : الشقوق ، وقرئ «ينفطرن» وقرئ «يتفطّرنّ». (مِنْ فَوْقِهِنَ) أي تكاد السموات يتشققن من هيبة وعظمة الله وجلاله ، الذي هو فوقهن بالألوهية والقدرة ، أو يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية بسبب وجود العرش والكرسي وصفوف الملائكة (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي والملائكة يلازمون ويداومون خضوعا لعظمة الله على عبادته وتنزيهه عما لا يليق به ، وتحميده وشكره على نعمه (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي للمؤمنين فهي عموم يراد به الخصوص ، بدليل آية أخرى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [المؤمن ٤٠ / ٧] وحكايته عنهم (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) [المؤمن ٤٠ / ٧] (أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ) لأوليائه المؤمنين (الرَّحِيمُ) بهم.

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) شركاء وأندادا وهم الأصنام (حَفِيظٌ) رقيب على أحوالهم وأعمالهم ، محص لها ، فيجازيهم عليها (وَما أَنْتَ) يا محمد (بِوَكِيلٍ) بموكل بهم تحصل المطلوب منهم وهو هدايتهم ، فما عليك إلا البلاغ فقط.

التفسير والبيان :

(حم ، عسق) هذه الحروف الهجائية السبعة المفصولة بمقطعين أو آيتين مما اختصت به هذه السورة ، والمعروف ألا يفصل بين هذه الحروف ، مثل

٢٤

(كهيعص) أول مريم و (المر) أول الرعد ، بدئ بها للدلالة على تكوين القرآن من أجزاء أمثال هذه الحروف التي تتركب منها لغة العرب بقصد الإعجاز والتنبيه إلى خطورة ما فيها من أمور.

(كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي مثل ذلك الإحياء الذي أوحي إلى سائر الأنبياء من كتب الله المنزلة ، يوحي إليك أيها الرسول في هذه السورة ، من الدعوة إلى التوحيد وإثبات النبوة ، والإيمان بالبعث أو اليوم الآخر والثواب والعقاب ، والعمل بفضائل الأخلاق ، والبعد عن رذائلها ، وإسعاد الفرد والمجتمع ، كما قال تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى ٨٧ / ١٨ ـ ١٩] وهو إشارة إلى ما تضمنته السورة من إقرار مبدأ التوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، فليس الهدف من إنزال جميع الكتب الإلهية إلا الإيمان بهذه الأمور الثلاثة.

والذي يوحي إليك هو الله ، العزيز في ملكه ، الغالب بقهره ، الحكيم في صنعه ، يضع الأمور في موضعها الصحيح.

والمقصود بالآية تقرير المماثلة في دعوات الأنبياء إلى التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والمعاد ، والتحذير من الاغترار بالدنيا ، والترغيب في التوجه إلى الآخرة.

ومن أوصاف الموحي أيضا ما قاله تعالى :

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) أي له جميع ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا ، فهي مملوكة له ، مخلوقة منه ، متصرف فيها كما يشاء إيجادا وإعداما ، وهو المتعالي فوق خلقه ، صاحب الكبرياء والعظمة ، ليس كمثله شيء ، فليس المراد العلو في الجهة والمكان ، ولا عظمة الجثة وكبر الجسم ، لأن ذلك يقتضي كونه مؤلفا من الأجزاء والأبعاض ، وذلك ينافي قوله : (اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص ١١٢ / ١].

٢٥

والمقصود بالآية الدلالة على كمال قدرة الله ، ونفوذ تصرفه في جميع مخلوقاته.

(تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) أي تقارب السموات يتشققن من عظمة وجلال وهيبة من هو فوقها بالألوهية والقهر والقدرة ، وهذا هو الظاهر ، والأدق أن يقال : من الجهة الفوقانية التي هن فيها.

ويحتمل أن المراد : يتفطرن لكثرة ما عليهن من الملائكة ، كما في حديث أحمد والترمذي : «أطّت السماء ، وحقّ لها أن تئط ، ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك راكع أو ساجد». وقيل : إن المراد : كدن يتفطرن من قول المشركين : اتخذ الله ولدا ، كما في قوله تعالى : (وَقالُوا : اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً ، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا)(١) ، (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ، وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ ، وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مريم ١٩ / ٨٨ ـ ٩١].

(وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي والملائكة يداومون على تنزيه الله عما لا يليق به ولا يجوز عليه ، قارنين التسبيح بالتحميد وشكر النعم التي لا تحصى ، كقوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ، لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء ٢١ / ٢٠].

(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ، أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي ويطلبون المغفرة لعباد الله المؤمنين ، ثم أورد الله تعالى ما يكون طمعا في إيمان الكافر وتوبة الفاسق ، فذكر أنه سبحانه كثير المغفرة والرحمة ، وفيه إيماء إلى قبول استغفار الملائكة ، لضم الرحمة إلى المغفرة ، وإشارة إلى أن المغفرة المطلقة والرحمة المطلقة لله تعالى. قال بعض العلماء : هيّب وعظّم جل وعز في الابتداء ، وألطف وبشّر في الانتهاء (٢).

__________________

(١) إدّا : أي منكرا فظيعا.

(٢) تفسير القرطبي : ١٦ / ٥.

٢٦

ونظير الآية : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ، رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ، وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [المؤمن ٤٠ / ٧].

ثم حذر الله تعالى من الشرك قائلا :

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ، اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي إن المشركين الذين اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها من دون الله ، الله هو الرقيب على أحوالهم وأعمالهم ، يحفظها ويحصيها عليهم ليجازيهم بها ، وما أنت أيها الرسول بموكل إليك هدايتهم ومؤاخذتهم بذنوبهم ، ولست مكلفا بحملهم وقسرهم على الإيمان ، وإنما عليك البلاغ فحسب.

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يأتي :

١ ـ هناك مماثلة تامة في أصول العقيدة والأخلاق والفضائل بين رسالات الأنبياء ، فالموحى به إليهم واحد يدور حول إثبات التوحيد والنبوة والمعاد.

وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تبيان أنواع الوحي ، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : إن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يأتيني الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» قالت عائشة رضي‌الله‌عنها : فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليتفصّد عرقا.

٢ ـ لله ملك السموات والأرض ومن فيهما ، فهو كامل القدرة ، نافذ التصرف في جميع مخلوقاته ، وقد اشتملت الآيات على ثمان صفات لله تعالى وهي :

٢٧

العزيز ، الحكيم ، مالك السموات والأرض ومن فيهما ، العلي ، العظيم ، الغفور ، الرحيم ، الحفيظ.

٣ ـ تكاد السموات يتشققن من عظمة الله وجلاله فوقهن.

٤ ـ تلازم الملائكة التسبيح (أي تنزيه الله عما لا يجوز في وصفه وما لا يليق بجلاله) والتحميد ، خضوعا لما يرون من عظمة الله ، ويستغفرون للمؤمنين من الذنوب والخطايا ، والله سبحانه له المغفرة المطلقة والرحمة المطلقة.

٥ ـ الله هو الذي يحفظ أعمال المشركين الذين اتخذوا أصناما من غير الله يعبدونها ، ليجازيهم بها ، وليس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بموكل على أحد في هدايته وقسره على الإيمان ، وإنما الإيمان أمر اختياري ، والرسول مجرد مبلّغ ناصح ، وليس في قدرته أن يحملهم على الإيمان.

مقاصد الوحي الإلهي

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢))

٢٨

الإعراب :

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) الكاف في (كَذلِكَ) مفعول به ، و (قُرْآناً عَرَبِيًّا) : حال منه.

(ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ذلِكُمُ) : في موضع رفع مبتدأ ، و (اللهِ): عطف بيان ، و (رَبِّي) : صفة لله ، وخبر المبتدأ : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

و (فاطِرُ السَّماواتِ ...) مرفوع إما خبر بعد خبر ، أو صفة ، أو بدل ، أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو فاطر السموات والأرض ، أي مبدعهما.

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الكاف : إما زائدة ، أي ليس مثله شيء ، أو غير زائدة والمراد بالمثل الذات ، يقال : مثلي لا يفعل هذا ، أي أنا لا أفعل هذا.

البلاغة :

(لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) مجاز مرسل ، أي لتنذر أهل مكة. وكما حذف كلمة «أهل» حذف المنذر به وهو العذاب ، أي لتنذر أهل مكة العذاب ، وهذا يقال له (احتباك) وهو حذف من كل نظير ما أثبته في الآخر.

(الْجَنَّةِ) و (السَّعِيرِ) ، (يَبْسُطُ وَيَقْدِرُ) بينهما طباق.

المفردات اللغوية :

(وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الإيحاء ، فالإشارة إلى مصدر يوحي أو إلى معنى الآية المتقدمة (لِتُنْذِرَ) تخوف به (أُمَّ الْقُرى) أي أهل أم القرى وهي مكة ، كأنها أصل للقرى التي حولها ، وقد ثبت علميا أنها فعلا في مركز قطب الدائرة الأرضية (وَمَنْ حَوْلَها) من العرب وسائر الناس (يَوْمَ الْجَمْعِ) يوم القيامة الذي تجتمع فيه الخلائق (لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه وهو جملة اعتراضية (فَرِيقٌ) منهم أي جماعة (فِي الْجَنَّةِ ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) أي النار المستعرة ، أي بعد جمعهم في الموقف يفرقون فريقين.

(أُمَّةً واحِدَةً) على دين واحد إما مهتدين أو ضالين (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي بالهداية والتوفيق إلى الطاعة (وَالظَّالِمُونَ) الكافرون (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي لا يدعمهم

٢٩

ولي يتولى أمورهم ، ولا نصير يدفع عنهم العذاب. وتغيير الجملة من فعلية إلى اسمية ، للمبالغة في الوعيد.

(أَمِ اتَّخَذُوا) بل اتخذوا ، أي أن (أَمِ) منقطعة بمعنى «بل» للانتقال من كلام إلى كلام أو من معنى إلى معنى ، والهمزة : استفهامية يراد بها الإنكار ، أي ليس المتخذون أولياء (مِنْ دُونِهِ) أي الأصنام ونحوها و (أَوْلِياءَ) نصراء أعوان (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) أي المعين الناصر للمؤمنين ، وهذا جواب شرط محذوف مثل : إن أرادوا وليا بحق ، فالله هو الولي بالحق ، لاولي سواه (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) كالتقرير لكونه حقيقا بالولاية.

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ) أي ما اختلفتم أنتم والكفار في أمر من أمور الدين أو الدنيا (فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) أي حكمه مردود إلى الله يوم القيامة ، يفصل بينكم بالإثابة والمعاقبة ، أو مفوض إلى الله يميز الحق من المبطل بالنصر في الدنيا (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) فوضت في مجامع الأمور ، ورد كيد أعداء الدين (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أرجع في المشكلات وفي كفاية شرهم.

(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خالقهما ومبدعهما لا على مثال سبق (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) من جنسكم (أَزْواجاً) نساء (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجا ، واقتصر على الأنعام للتغليب على سائر الحيوانات (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) يكثركم ، يقال : ذرأ الله الخلق : كثرهم ، و (فِيهِ) في هذا التدبير وهو جعل الأزواج للناس والأنعام ، وضمير (يَذْرَؤُكُمْ) راجع إلى المخاطبين والأنعام ، مغلبا فيه العقلاء.

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الكاف زائدة ، أي ليس مثله شيء في ذاته وصفاته (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لكل ما يسمع ويبصر ، أو يقال ويفعل.

(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ) مفاتيح خزائنها من المطر والنبات وغيرهما (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) يوسعه لمن يريد امتحانا (وَيَقْدِرُ) يضيقه لمن يريد ابتلاء.

المناسبة :

بعد بيان كون الله هو الرقيب على أحوال المشركين وأعمالهم ، ذكر الله تعالى توجيهات لنبيه والمؤمنين ، وهي إنزال القران بلغة العرب ليفهمه أهل مكة ومن حولها ، وقسمة الناس في الآخرة فريقين : فريق في الجنة وفريق في السعير ، وجعل الإيمان اختياريا غير قسري ولا جبري ، ورد المختلف فيه إلى الله ،

٣٠

والاستدلال على قدرته بخلق السموات والأرض ، وتصرفه فيهما وانفراده بملك خزائنهما ، وخلق الأزواج ذكورا وإناثا من الناس والأنعام وغيرها.

التفسير والبيان :

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) أي ومثل ذلك الإيحاء إلى الأنبياء السابقين بلغات أقوامهم ، أوحينا إليك قرآنا عربيا ، لتخوف به من عذاب الله وشؤون الدنيا والآخرة أهل مكة (أم القرى) ومن حولها من العرب وسائر الناس ، لأن رسالتك عامة للبشرية قاطبة ، كما قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ، بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ ٣٤ / ٢٨]. وإنما خص أهل مكة ومن حولها ، فلأنهم المخاطبون بالرسالة أولا ليكونوا حملتها إلى الناس جميعا.

وأما تأييد الآية في تنوع الرسالات على وفق لغات الأقوام والأمم ، فهو قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [إبراهيم ١٤ / ٤].

(وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) أي وتنذر به أيضا يوم القيامة الذي تجتمع الخلائق فيه ، وتقترن الأرواح بالأجساد ، والذي لا شك في وقوعه ، ثم إنهم بعد الجمع والحساب يفرّقون فريقين : فريق يدخل الجنة لإيمانه بالله ورسوله وكتابه ، والإحسان عمله في الدنيا ، وفريق آخر يزجّ به في نار جهنم المسعرة على أهلها ، لكفرهم بالله ورسوله وقرآنه.

ونظير الآية قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ، ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) [التغابن ٦٤ / ٩] أي يغبن في الكافر بتركه الإيمان ، والمؤمن بتقصيره في الإحسان وقوله سبحانه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ

٣١

النَّاسُ ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ، وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ، يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود ١١ / ١٠٣ ـ ١٠٥].

ثم أبان الله تعالى مبدأ حرية الإيمان لتسلية رسوله عما يقاسي من كفر قومه ، فقال :

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً ، وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ ، وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي لو أراد الله لجعل الناس جميعا أهل دين واحد ، إما على هدى ، وإما على ضلالة ، ولكن اختلفوا على أديان مختلفة بالمشيئة الأزلية ، وبمقتضى العلم الأزلي بما يختاره الإنسان ، فيكون إما مؤمنا وإما كافرا ، والله تعالى حكيم لا يفعل إلا ما فيه المصلحة ، فمن علم منه اختيار الهدى والدين الحق وهو الإسلام ، هداه ووفقه إليه ، فيدخله بذلك في جنته ، ومن علم منه اختيار الضلال والكفر ، أضلّه ، فيدخله بذلك في السعير ، وهؤلاء هم الظالمون الكافرون المشركون الذين ليس لهم ولي يدفع عنهم العذاب ، ولا نصير ينصرهم يوم الحساب والعقاب.

وهذه الآية تقرير للآية السابقة : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ، اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي ليس في قدرته حملهم على الإيمان ، وإنما القادر على ذلك هو الله تعالى.

والآية أيضا تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما كان يكابده ويعانيه من كفر قومه وإعراضهم عن دعوته ، وكأنه تعالى يقول له : لا تأس ولا تحزن على عدم إيمانهم ، فالهداية والضلالة تابعتان للمشيئة الإلهية ، فمن سبقت له السعادة فهو السعيد ، ومن سبقت له الشقاوة فهو الشقي. ويكون موضوع الآية مثل آية : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف ١٨ / ٦].

لهذا أمر الله نبيه بعدم الاهتمام بهم بسبب وثنيتهم وشركهم ، فقال :

٣٢

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ، فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ ، وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي بل اتخذ هؤلاء الكافرون آلهة يعبدونها من دون الله ، من الأصنام والأوثان ، زاعمين أنهم أعوان لهم ونصراء ، فإن أرادوا وليا ناصرا بحق ، فالله هو الولي الحقيق بأن يتخذوه معينا وناصرا ، لا تنبغي العبادة إلا له وحده ، فإنه الخالق الرازق الضار النافع الناصر لمن أراد ، وهو القادر على إحياء الموتى ، وهو قدير بالغ القدرة على كل شيء مقدور.

أما الأصنام وكل من عدا الله فلا تملك في الحقيقة نفعا ولا ضرا ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً ، لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج ٢٢ / ٧٣].

ثم بعد هذا النبذ للكفار ، نهى الله تعالى عن منازعتهم في الدين ، فقال :

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ ، فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) أي مهما اختلفتم في شيء من جميع أمور الدين والدنيا ، فإن حكمه ومرجعه إلى الله ، فهو الحاكم فيه بكتابه وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الدنيا ، وسوف يفصل فيه يوم القيامة بحكمه ، فيظهر المحق من المبطل. والمقصود أن المؤمنين ممنوعون من الشروع مع الكفار في الخصومات والمنازعات ، كما منع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحمل الكفار على الإيمان قهرا.

والآية مثل قوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) [النساء ٤ / ٥٩].

ثم أمر الله نبيه أن يقول لهم :

(ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي ذلكم الحاكم بهذا الحكم هو الله ربي ، عليه وحده اعتمدت في جميع أموري ، لا على غيره ، وفوضته في كل شؤوني ، وأرجع إليه تائبا من الذنوب ، لا إلى غيره.

٣٣

وهذا تعريف لهم بمصدر الخير الحقيقي ودفع الضرر ، لا أصنامهم الجمادات.

وأسباب ذلك قدرته الخارقة ، فقال تعالى :

١ ـ (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خالقهما ومبدعهما من العدم ، لا على مثال سبق ، فهو الجدير بالعبادة.

٢ ـ (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ، وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي أوجد وخلق لكم من جنسكم نساء لتسكنوا إليها ، ويحدث التكاثر والتوالد ، ويستمر بقاء النوع الإنساني ، وخلق أيضا للأنعام من جنسها إناثا ، حتى تتكاثر موارد المعيشة لبني الإنسان. أو خلق من الأنعام أصنافا من الذكور والإناث ، لذا قال : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي يبثكم ويكثركم به أي بجعل الأزواج سبيلا للتكاثر. وقوله : (فِيهِ) أي في هذا التدبير ، وهو جعل الأزواج من الناس والأنعام ، فكأن هذا الجعل منبع التكاثر ومصدره.

٣ ـ ٤ ـ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي ليس مثل الله شيء في ذاته وصفاته وحكمته وقدرته وعلمه ، ومن حكمته التكاثر بالتزاوج ، وهو السميع لكل الأصوات ، البصير بالأمور ، يسمع ويبصر الأشياء كلها صغيرها وكبيرها ، ظاهرها وخفيها. وهذه الآية حجة في نفي كونه تعالى جسما مركبا من الأعضاء والأجزاء ، وحاصلا في المكان والجهة ، إذ لو كان جسما لكان مماثلا لسائر الأجسام.

والآية أيضا حجة في نفي المثل لله تعالى.

أما قوله تعالى : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) [الروم ٣٠ / ٢٧] ، فلا يعني إثبات المثل ، لأن المراد بالمثل : هو الذي يكون مساويا للشيء في تمام الحقيقة والماهية ، والمثل : هو الذي يكون مساويا للشيء في بعض الصفات الخارجة عن

٣٤

الماهية ، وإن كان مخالفا في الماهية (١).

٥ ـ (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي له سبحانه خزائن السموات والأرض أو مفاتيحهما ، يوسع الرزق لمن يشاء من خلقه ، ويضيقه على من يشاء ، وإنه تعالى عليم بكل شيء يحدث في الوجود ، من إغناء وإفقار ، وآثار ذلك على النفس والمجتمع ، لا يريد بذلك إلا إجراء الحكمة والمصلحة.

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى الحقائق التالية :

١ ـ القرآن الكريم كما هو واضح عربي مبين ، أوحى الله به إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢ ـ غاية القرآن الإنذار والتبشير ، إنذار الكفار بالنار ، وتبشير المؤمنين بالجنة. ويشمل الإنذار أيضا مخاوف وأهوال يوم القيامة الذي لا شكّ في وقوعه ، فهو كائن لا محالة ، ولكن بعلم الله ، وما أقرب حدوث القيامة إن نشبت حرب ذريّة عالمية ، فالذّرة كفيلة بالقضاء على الأخضر واليابس.

٣ ـ الناس يوم القيامة فريقان : فريق الجنة ، وفريق النار ، ولا ثالث لهما.

٤ ـ إن مكة المكرمة هي أم القرى وعاصمة المدن ، وأشرف سائر البلاد ، وهي كما أثبت العلماء الحديثون في مركز قطب الدائرة للكرة الأرضية ، وكانت أحبّ البلاد إلى قلب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أخرج الإمام أحمد والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه عن عبد الله بن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ـ وهو واقف

__________________

(١) تفسير الرازي : ٢٧ / ١٥٣.

٣٥

بالحزورة في سوق مكة ـ : «والله إنك لخير أرض الله ، وأحبّ أرض الله إلى الله ، ولو لا أني أخرجت منك ما خرجت».

٥ ـ الله قادر على جعل الناس على دين واحد وملّة واحدة ، أهل ضلالة أو أهل هدى ، ولكن يدعهم وشأنهم في اختيار أي المنهجين شاؤوا ، فأهل الهداية في الجنة ، وأهل الضلالة في النار ، وليس لهم ناصر ولا معين يدفع عنهم العذاب.

٦ ـ لقد استحبّ المشركون الكفر على الهدى ، واتّخذوا الأصنام معبودات وآلهة لهم من دون الله ، ولكنهم خابوا وخسروا وأخطئوا ، فالله هو المعبود بحقّ ، لأنّه الناصر الولي الذي لا ولي سواه ، وهو القادر على البعث ، والقادر على كلّ شيء ، وغيره عاجز لا يقدر على شيء ، وليس محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم رقيبا ولا حافظا ولا مكلفا بأن يحملهم على الإيمان شاؤوا أم أبوا.

٧ ـ لا داعي للاختلاف والتنازع بين أهل الأديان ، لأن ذلك يورث العداوة ، ويزرع الأحقاد ، ويجعل الحكم إلى السلاح ، وما على المؤمنين إلا أن يقولوا لمن خالفهم من أهل الكتاب والمشركين : الحكم إلى الله لا إليكم ، وقد حكم أن الدّين هو الإسلام لا غيره ، والشرائع إنما تتلقّى من بيان الله ، ومرجع الحكم وإزالة الخلاف : القرآن والسّنة.

وقد أمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول لقومه : ذلكم الله الذي يحيي الموتى ، ويحكم بين المختلفين هو ربّي ، عليه اعتمدت ، وإليه أرجع ، لا إلى غيره من المعبودات الأخرى.

٨ ـ احتجّ نفاة القياس بالآية : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) أي إلى النص من قرآن أو سنّة. والجواب : المراد من الآية : الرّدّ إلى بيان الله ، سواء كان البيان بالنّص أو بالقياس ، والقياس في معنى المنصوص عليه.

٣٦

٩ ـ استدلّ الله تعالى على قدرته الفائقة بأنه خالق السموات والأرض من العدم ، وخالق الزوجين الذكر والأنثى من الناس والأنعام ، وأنه ليس مثله شيء في ذاته وصفاته من عظمته وكبريائه وقدرته وملكوته ، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبّه به ، وهو الذي يملك مفاتيح السموات والأرض ويملك الخزائن ، وهو الرّازق الذي يرزق من يشاء بغير حساب ، وهو بكلّ شيء عليم. وفي الجملة : هو الموصوف بكل كمال ، المنزّه عن كل نقصان ، الخالق لكل المخلوقات ، المتصرّف في هذا الكون كله.

والمقصود من إيراد هذه الصفات بيان أن الأصنام لا تتصف بشيء منها ، فلا تكون أهلا للعبادة.

وحدة الأديان في أصولها

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤))

الإعراب :

(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) منصوب على البدل من مفعول (شَرَعَ) أو مرفوع على الاستئناف ، كأنه جواب سؤال تقديره : وما ذلك المشروع؟ أو مجرور على البدل من هاء (بِهِ).

المفردات اللغوية :

(شَرَعَ لَكُمْ) أوضح وبيّن وسنّ الشريعة. (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) أي ما أمر به نوحا. ونوح : أول أنبياء الشريعة ، واستعمل (وَصَّى) بمعنى (أمر) للاعتناء بشأن المأمور به وتأكيده ،

٣٧

أي شرع لكم من الدّين دين نوح ومحمد ومن بينهما عليهم‌السلام من أرباب الشرع ، وهو الأصل المشترك فيما بينهم ، المفسّر بقوله : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) أي حافظوا عليه ، والدّين : هو التوحيد والإيمان بما يجب تصديقه ، والطاعة في أحكام الله أي توحيد الله وطاعته ، وهو الإسلام بالمعنى العام. (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ولا تختلفوا في هذا الأصل ، أما فروع الشرع فيمكن أن تختلف ، كما قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة ٥ / ٤٨].

(كَبُرَ) عظم وشقّ عليهم. (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من التوحيد. (يَجْتَبِي إِلَيْهِ) يصطفي ويختار ، وضمير إليه عائد على ما تدعوهم إليه ، أو على الدّين. (وَيَهْدِي إِلَيْهِ) بالإرشاد والتوفيق. (مَنْ يُنِيبُ) يقبل ويرجع إلى طاعته.

(وَما تَفَرَّقُوا) أي أهل الأديان في الدّين ، بأن وحّد بعض ، وكفر بعض. (الْعِلْمُ) اليقين بالتوحيد أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها. (بَغْياً) أي ظلما وتجاوزا للحدّ من الكافرين. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بالإمهال وتأخير الجزاء. (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو يوم القيامة. (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بتعذيب الكافرين المبطلين في الدنيا ، حين افترقوا. (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي أهل الكتاب (اليهود والنصارى) الذين كانوا في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) لفي حيرة من أمرهم وكتابهم الذي لم يؤمنوا بحقيقته. (مُرِيبٍ) مقلق موقع في الرّيبة ، شديد الرّيب والشكّ.

المناسبة :

بعد أن عظّم الله تعالى وحيه إلى نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ ...) وبعد أن عدّد تعالى نعمه على الناس ، فصّل أمر الوحي ، وذكر نعمته العامة وهو ما شرع لهم من العقيدة المتفق عليها من توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وبكتبه وباليوم الآخر والجزاء فيه ، وذكر أن المشركين يشقّ عليهم دعوتهم إلى التوحيد وترك الأوثان ، وأنهم ما اختلفوا إلا بعد قيام الحجة عليهم ، وهم متأثرون ببواعث البغي والعدوان والحسد ، وأنه لو لا القضاء الإلهي السابق بإمهالهم وتأخير عذابهم ، لعجلت لهم العقوبة في الدنيا.

٣٨

التفسير والبيان :

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) أي بيّن وأوضح لكم من الدّين أيها المسلمون ما أمر به وشرع لنوح أول الرّسل بعد آدم عليهما‌السلام من التوحيد وأصول الشرائع التي لم يختلف فيها الرّسل وتوافقت عليها الكتب ، وما أوحى به إلى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاتم النّبيين من القرآن وشرائع الإسلام ونبذ الشرك ، وما أمر به إبراهيم وموسى وعيسى مما تطابقت عليه الشرائع ، أن حافظوا على الدّين (وهو توحيد الله والإيمان به ، وطاعة رسله وقبول شرائعه) ولا تختلفوا في هذه الأصول التشريعية ، فإن هذه الأصول لا ينبغي ولا يصح الخلاف في مثلها.

والخلاصة : شرعنا لكم في هذه الشريعة ما اتفقت عليه الشرائع والأديان كلها في أصول العقيدة من الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر والملائكة ، وأصول العبادة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وطاعة الله ، قال مجاهد : «لم يبعث الله نبيّا قط إلّا وصّاه بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإقرار لله بالطاعة ، فذلك دينه الذي شرع لهم». وكذا أصول الأخلاق وأسس الفضائل كالصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وصلة الرحم ، وتحريم الزنى والسرقة والاعتداء على الأموال والنفوس. ووصّى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم‌السلام بالائتلاف والجماعة. ونهاهم عن الافتراق والاختلاف.

وأساس الدين الذي جاءت به الرّسل كلّهم : هو عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال عزوجل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء ٢١ / ٢٥]. وجاء في الحديث الثابت الذي أخرجه

٣٩

أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي هريرة : «الأنبياء أولاد علات (١) ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد» أي أن القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له. أما اختلاف الأديان في الشعائر الفرعية وأنواع العبادات وتفاصيلها ومناهجها المختلفة من شريعة إلى أخرى ، فهذا لا شيء فيه ، وإنما اقتضاه التّطور ومراعاة الحاجات والمصالح ، كما قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة ٥ / ٤٨].

وهذه الآية انتظمت ذكر الرّسل الخمسة أولي العزم : وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصّلاة والسّلام. وإنّما خصّهم بالذّكر ، لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة.

(كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) أي عظم وشقّ على المشركين دعوتهم إلى توحيد الإله ورفض الأصنام والأوثان ، وأنكروا واشتدّ عليهم : أن لا إله إلا الله وحده ، وأبى الله إلا أن ينصرها.

(اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) أي إن الله يختار لتوحيده والدّخول في دينه من يشاء من عباده ، ويوفّق لدينه وعبادته من يرجع إلى طاعته ويقبل إلى عبادته. وهذا يبيّن فضل الله على عبادة المؤمنين أنه هداهم لدينه ، بعد أنّ أمرهم بالتّمسك بالدّين القديم الذي أجمع عليه الرّسل.

وسبب التّفرق في الدّين بالرغم من وحدته ، هو ما قال تعالى :

(وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي ما تفرّق أتباع الأديان في اتّباع الحقّ إلّا بعد قيام الحجة عليهم ، وبعد ما علموا أن الفرقة ضلالة ، وما حملهم على ذلك إلا العناد والمشاقة والبغي بينهم بطلب الرّياسة ، وشدّة الحمية ، والحفاظ على مراكز النّفوذ والمكاسب المادية.

__________________

(١) بنو العلّات : هم الإخوة والأخوات لأب.

٤٠