التفسير المنير - ج ٢٥

الدكتور وهبة الزحيلي

١
٢

٣
٤

اختصاص علم الساعة بالله تعالى وانتهاء أسطورة الشرك فيها

(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨))

الإعراب :

(آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) ما : نافية علّقت الفعل (آذَنَّاكَ) أي أعلمناك عن العمل. وكذلك :

(وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) ما : علقت الفعل (ظَنُّوا) عن العمل. وكأنه إذا وقع النفي بعد الظن جرى مجرى القسم ، فيكون حكمه حكم القسم.

البلاغة :

(تَحْمِلُ تَضَعُ) بينهما طباق.

المفردات اللغوية :

(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) إلى الله وحده يرجع علم الساعة ، متى تكون ، لا يعلمها إلّا هو ، والساعة : يوم القيامة. (مِنْ ثَمَراتٍ) جمع لاختلاف الأنواع ، وقرئ : من ثمرة. (أَكْمامِها) أوعيتها ، جمع كمّ ـ بكسر الكاف : وهو وعاء الثمرة ، وقد يطلق على كل ظرف لمال أو غيره ، وما في قوله : (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ) نافية ، ومن : مزيدة للاستغراق ، أي لا تخرج ثمرة إلا بعلمه تعالى. (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) ما أيضا : نافية ، أي إلا مقرونا بعلمه. (أَيْنَ شُرَكائِي؟) بزعمكم. (آذَنَّاكَ) أعلمناك وأخبرناك. (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) أي من أحد يشهد لهم بالشركة إذا تبرأنا منهم لما عاينا الحال ، فيكون السؤال عنهم للتوبيخ.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ) غاب عنهم فلا ينفعهم أو لا يرونه. (يَدْعُونَ) يعبدون. (مِنْ قَبْلُ)

٥

في الدنيا من الأصنام. (وَظَنُّوا) أيقنوا. (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) مهرب من العذاب ، وما نافية علقت الفعل. (ظَنُّوا) عن العمل ، وجملة النفي سدّت مسد المفعولين.

المناسبة :

بعد تهديد الكفار بأن جزاء كل أحد يصل إليه يوم القيامة في قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أوضح الله تعالى بأن علم هذا اليوم مختص به سبحانه ، فلا يعلمه إلا هو ، كما لا يعلم الإنسان بأمور أخرى. ثم ذكر انتهاء أسطورة الشرك في ذلك اليوم ، إذ يتيقن الناس أن الله واحد لا شريك له ، وتتبدد كل الآمال بأن الأصنام والأنداد تنفعهم.

التفسير والبيان :

(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي إن علم يوم القيامة مرده إلى الله ، لا إلى غيره ، وهذا جواب سؤال ، فكأن سائلا قال : ومتى يكون ذلك اليوم؟

ونحو الآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ، فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ، إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) [النازعات ٧٩ / ٤٢ ـ ٤٤] وقوله سبحانه : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ، لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) [الأعراف ٧ / ١٨٧] وقوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [لقمان ٣١ / ٢٤].

ولذا أجاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جبريل عليه‌السلام في حديث البخاري ومسلم عن عمر بقوله حينما سأله عن الساعة : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل».

ثم ذكر تعالى أنه مختص أيضا بغيب المستقبل ، فقال :

(وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها ، وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي ويعلم سبحانه كل ثمرة تخرج من وعائها ، ووقت ظهورها تماما ، ويعلم كل

٦

ما تحمله الحامل وما تضعه ، وزمن الحمل والوضع بدقة ، فإليه يردّ علم الساعة ، كما يرد إليه علم هذه الأمور.

ونظير مقدمة الآية : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) [الأنعام ٦ / ٥٩] ونظير القسم الثاني : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ، وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ، وَما تَزْدادُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) [الرعد ١٣ / ٨ ـ ٩] وقوله سبحانه : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ ، وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ ، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [فاطر ٣٥ / ١١].

ثم يبين الله تعالى انتهاء أسطورة الشرك ، فيقول للرد على المشركين الذين دعاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى التوحيد والتبرؤ من عبادة الأصنام والأوثان في بدء السورة.

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي؟ قالُوا : آذَنَّاكَ ، ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) أي واذكر أيها الرسول يوم ينادي الله سبحانه المشركين في يوم القيامة متسائلا على سبيل التهكم والتوبيخ : أين شركائي الذين كنتم تزعمون من الأصنام وغيرها ، فادعوهم الآن فليشفعوا لكم ، أو يدفعوا عنكم العذاب؟ فيجيبون : لقد أعلمناك أو أسمعناك أن ليس أحد منا يشهد اليوم أن معك شريكا. ونفي الشهادة يراد به التبرؤ من الشركاء ، كما قال تعالى عنهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام ٦ / ٢٣].

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ ، وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي ذهبت عنهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا ، من الأصنام وغيرها ، فلم تنفعهم ، وتيقنوا وعلموا ألا مهرب لهم ولا ملجأ من عذاب الله كقوله تعالى : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ ، فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) [الكهف ١٨ / ٥٣].

وهذا وعيد وتهديد للمشركين.

٧

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى ما يأتي :

١ ـ استأثر الله تعالى بعلم الغيب مطلقا علما قطعيا يقينيا جازما ، فهو وحده العالم بوقت يوم القيامة ، وبزمان خروج الثمرة من أوعيتها أي تحول الزهرة إلى ثمرة ومعرفة نوعها ، وبلحظة حمل الأنثى ووضعها ، ونوع الحمل وخصائصه وصفاته.

أما علم المنجمين فهو علم محدود جدا ، ومن الحدس والتخمين والظن ، لا من باب العلم واليقين ، فإن العلم الذي هو الجزم واليقين مختص بالله تعالى ، وعلم هؤلاء قد يصادف الواقع ، والغالب أنه لا يتفق مع الواقع. وكذلك علم الأطباء بنوع الحمل أو تاريخ الوضع هو علم ظني ، وليس في دقة علم الله ، وليس شاملا شمول علم الله ، فالله هو المنفرد بعلم خصائص الحمل والمولود.

٢ ـ انتهاء أسطورة الشرك والتعلق بشفاعة الأصنام والأوثان في يوم القيامة ، ففي هذا اليوم يعلن المشركون أن الله واحد لا شريك له ، وأنّه لا أمل بنفع الشركاء وشفاعتهم ، وألا محيد ولا مهرب ولا فرار من عذاب النار.

لقد بدؤوا بنفي الشرك لما عاينوا القيامة ، وتبرؤوا من الأصنام وتبرأت الأصنام منهم ، ثم أدركوا ألا نفع منها ، ثم تيقنوا وعلموا أنهم واقعون حتما في عذاب النار دون إمكان الفرار أو الهرب.

وهذا منسجم مع الموضوع الأساسي للسورة وهو إثبات التوحيد ، ونبذ عبادة الأصنام ، والإقرار بيوم البعث ، فقد دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذلك كله ، كما جاء في بدء السورة : (قُلْ : إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ولكن المشركين أعرضوا عن دعوته في الدنيا ، وقالوا : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ...

٨

تبدل أحوال الإنسان وتغير أطواره

(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١))

الإعراب :

(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ دُعاءِ الْخَيْرِ) : مضاف ومضاف إليه ، والتقدير: لا يسأم الإنسان من دعائه الله بالخير ، فحذف الفاعل والمفعول به الأول ، والياء من المفعول الثاني ، وأضاف المصدر إلى المفعول الثاني. اللام في ولئن الأولى ، ولئن الثانية ، (فَلَنُنَبِّئَنَ) ، (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ) لام القسم.

البلاغة :

(الْخَيْرِ) و (الشَّرُّ) بينهما طباق.

(وَنَأى بِجانِبِهِ) مجاز عن النفس.

(عَذابٍ غَلِيظٍ) استعارة ، استعار الغلظ لشدة العذاب.

(فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) استعارة ، شبه الدعاء بماله عرض متسع ، للإشعار بكثرته واستمراره.

المفردات اللغوية :

(لا يَسْأَمُ) لا يملّ ولا يفتر (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) طلب السعة في النعمة من المال والصحة وغيرهما (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ) الضيق من فقر وشدة ومرض ونحوها (فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) من فضل الله ورحمته. واليأس : انقطاع الرجاء من حصول الخير ، والقنوط : ظهور أثر اليأس على الإنسان من الذل والانكسار ، والقنوط : من اتصف بالقنوط ، وهو كثير اليأس من روح الله.

٩

(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ) آتيناه ، واللام : لام القسم (رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) سعة بعد شدة ، والرحمة هنا : سعة العيش والصحة ، والضراء ضيق العيش والمرض ونحوهما (هذا لِي) بعملي أي هذا ما أستحقه لما لي من العمل والجهد الحسنى الجنة والكرامة (فَلَنُنَبِّئَنَ) لنخبرن (غَلِيظٍ) شديد لا يمكنهم التخلص منه.

(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) جنس الإنسان (أَعْرَضَ) عن الشكر (وَنَأى بِجانِبِهِ) تكبر وانحرف وتباعد ، والجانب : مجاز عن النفس كالجنب في قوله تعالى : (فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر ٣٩ / ٥٦]. (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) كثير مستمر ، وهو أبلغ من الطويل ، إذ الطول قد يشمل الشيء الدقيق.

سبب النزول :

هذه الآيات نزلت في كفار ، قيل : في الوليد بن المغيرة ، وقيل : في عتبة بن ربيعة ، وكثير من المسلمين وغيرهم يتصفون بوصف أولها من دعاء الخير.

المناسبة :

بعد أن بيّن الله تعالى تبدل أحوال الكفار بين الدنيا والآخرة ، الذين كانوا في الدنيا مصرّين على إثبات الشركاء والأضداد لله ، ثم تبرؤوا عن تلك الشركاء في الآخرة ، أردفه ببيان أحوال الإنسان في جميع الأوقات ، وتغير أطواره ومناهجه ، فإن جاءه خير تعاظم ، وإن تعرض لبلاء ومحنة تصاغر وذبل ، وهذا دليل الطيش ، والحرص على جمع المال ، والجهل ، وضعف الإيمان.

التفسير والبيان :

(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ ، وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) أي لا يملّ الإنسان من دعاء ربه بالخير ، كالمال والصحة والسلطان والرفعة ونحوها ، وإن أصابه الشر من بلاء وشدة أو فقر أو مرض ، كان شديد اليأس من

١٠

روح الله ، بالغ القنوط من رحمة الله ، حتى يظن أنه لا يتهيأ له بعد هذا خير ، أو يظن عدم زوال ما به من المكروه.

والآية تصوّر طبع الإنسان ، وإن ظهر ذلك كثيرا في الكافر ، كما قال تعالى : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف ١٢ / ٨٧] وقد جعل بعض المفسرين الآية خاصة بالكافر ، وقال : هذه صفة الكافر ، بدليل الآية المتقدمة : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ ...). والظاهر إرادة الجنس ، فكثير من المسلمين يصدر منهم هذا التغير والتبدل ، كما تقدم بيانه.

ونظير الآية قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ، ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ ، إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ ، وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ : ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي ، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ، إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [هود ١١ / ٩ ـ ١١].

ثم ذكر الله تعالى خصالا ثلاثا أقبح مما سبق ، فقال :

١ ـ (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ : هذا لِي) أي ولئن آتيناه خيرا بتفريج كربه من بعد شدة أصابته ، كغنى بعد فقر ، وصحة أو عافية بعد مرض ، وجاه بعد ذل ، ليقولن : هذا شيء أستحقه على الله لرضاه بعملي وجهدي وخبرتي ، متناسبا فضل الله وإحسانه ، جاهلا أن الله يبتلي عباده بالخير والشر ، ليتبين له الشاكر من الجاحد ، والصابر من الجزع. وهذا دليل على أن ذلك اليائس القانط لو عاودته النعمة ، لعاد إلى الجحود والكفر.

٢ ـ (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أي وما أعتقد أن القيامة ستقوم ، كما يخبرنا به الأنبياء ، فلا رجعة ولا حساب ولا عقاب على ذنب في الدنيا. ولأجل أنه رزق نعمة يبطر ويفخر ويكفر ، كما قال تعالى : (كَلَّا ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق ٩٦ / ٦ ـ ٧].

١١

والشك في البعث لا يكون إلا من الكافرين أو المنافقين المظهرين الإسلام المبطنين الكفر.

٣ ـ (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) أي ولئن كان ثمّ معاد على فرض صدق الأنبياء بما أخبروا به من حصول البعث والنشور ، فليحسنن إلى ربي كما أحسن إلي في هذه الدار ، والحسنى الكرامة والجنة. واللام فيها للتأكيد. والآية تدل على تيقن الكافر بوصول الثواب إليه من وجوه خمسة : الأول ـ كلمة إن تفيد التأكيد ، الثاني ـ تقديم كلمة لي يفيد التأكيد ، الثالث ـ قوله (عِنْدَهُ) يدل على أن الخيرات حاضرة مهيأة عنده ، الرابع ـ لام (لَلْحُسْنى) للتأكيد ، الخامس ـ (لَلْحُسْنى) تفيد الكمال في الحسنى.

والمعنى : لقد ظن أنه استحق خير الآخرة بما أوتيه من خير الدنيا ، وتمنى على الله عزوجل ، مع إساءته العمل وعدم اليقين ، وهذا غالب على الكافر.

فأجيب بمفاجأة نقيض ما يظن ، فقال الله تعالى مهددا من كان هذا اعتقاده : (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا ، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي فلنخبرن هؤلاء يوم القيامة بما عملوا من المعاصي ، ولنجازينهم بعذاب شديد كثير لا يمكنهم التخلص منه وهو عذاب جهنم.

ثم أكد الله تعالى تردد الإنسان فعلا كتردده قولا في آية (لا يَسْأَمُ) فقال : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ ، وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) أي وإذا رزقنا الإنسان ـ من حيث هو إنسان ـ رزقا حسنا ، وأمددناه بنعمة من النعم كالصحة والولد والمال ، أعرض عن الشكر والطاعة ، واستكبر عن الانقياد لأوامر الله عزوجل ، وإذا تبدل الحال وأصيب بشر ، أي بلاء وجهد أو فقر أو مرض ، أطال السؤال والدعاء ، والتضرع إلى الله والاستغاثة به أن يكشف ما به من شدة.

١٢

وهذا دليل الانتهازية وحب المصلحة أو المنفعة ، إذ يتعرف الإنسان على الله وقت الشدة ، وينساه حال الرخاء ، ويستغيث به عند النقمة ، ويتركه عند النعمة ، وهذا يشبه تماما حال المشركين ، وهو صنيع الكافرين والمترددين في الإسلام.

ونظير الآية قوله سبحانه : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ ، دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً ، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ ، مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ ، كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [يونس ١٠ / ١٢] وقوله عزوجل : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ، ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ : إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الزّمر ٣٩ / ٤٩].

فقه الحياة أو الأحكام :

لقد وصف الله الإنسان بأوصاف تبين حقيقته وطبعه ، وهي :

١ ـ الطمع واليأس : فلا يمل الإنسان من طلب الخير والزيادة ، والخير هنا : المال والصحة والسلطان والعز ، وهذا دليل على حبه المال والدنيا والمادة ، وإذا أصيب بشرّ كالفقر والمرض ، يئس من روح الله ، وقنط من رحمته ، وهذا برهان على عدم الإيمان بالله والكفر به ، فاليأس والإيمان لا يجتمعان في قلب واحد.

٢ ـ فساد الاعتقاد والقول : إذا عادت النعمة والعزة لليائس القنوط ، أتى بالأباطيل الموقعة في الكفر والبعد عن الله ، وهي ثلاثة أنواع :

الأول ـ ادعاؤه أحقية النعمة ، وأنها أتته بجهده وعمله ، لا بفضل الله وإحسانه.

الثاني ـ إنكاره الساعة أي يوم القيامة والبعث والنشور.

١٣

الثالث ـ تمني الأماني بلا عمل ، فيحسب أن له الجنة والكرامة مع سوء وضعه.

٣ ـ استحقاق العذاب : أقسم الله قسما غليظا لا حنث فيه أنه سيجزي الكافرين بما عملوا من المعاصي ، وأنه سيذيقهم العذاب الشديد.

٤ ـ سوء الأفعال : ترى الإنسان حال النعمة يترفع عن الانقياد إلى الحق ، ويتكبر على أنبياء الله ، وإذا أصيب بمكروه ، أكثر في الدعاء ، وهذا يدل على أن الكافر يعرف ربه في البلاء ، ولا يعرفه في الرخاء.

ضرورة التأمل في الآيات والأنفس :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))

الإعراب :

(مَنْ أَضَلُ) من : استفهامية في موضع رفع بالابتداء ، و (أَضَلُ) : الخبر ، والجملة منهما سدّت مسدّ مفعولي (أَرَأَيْتُمْ). وقرئ «أريتم» بحذف الهمزة الثانية للتخفيف.

(حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ أَنَّهُ الْحَقُ) : في موضع رفع فاعل (يَتَبَيَّنَ). وهاء (أَنَّهُ) إما لله تعالى ، أو للقرآن ، أن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والظاهر الثاني.

(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ) الباء زائدة ولا تزاد في الفاعل إلّا مع كفى ، ومفعول (يَكْفِ) محذوف تقديره : أو لم يكفك ربّك. و (أَنَّهُ) إما في موضع جر على البدل من ربك على اللفظ ، أو في موضع رفع على البدل من ربك على الموضع ، أو في موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، أي لأنه على كل شيء شهيد.

١٤

البلاغة :

(أَرَأَيْتُمْ) فيها مجازان : مجاز استعمال رأى بمعنى أبصر في الإخبار ، لأن الرؤية طريق للعلم بالشيء ، والعلم به طريق إلى الإخبار عنه ، فاستعملت صيغة طلب الرؤية في طلب الإخبار بجامع مطلق الطلب. ومجاز استعمال الهمزة التي هي لطلب الرؤية في طلب الإخبار.

المفردات اللغوية :

(أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (إِنْ كانَ) القرآن (ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) من غير نظر واتباع دليل (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي لا أحد أضل منكم أي أكثر ضلالا ممن هو في خلاف كبير بعيد عن الحق. وقد أوقع هذه الجملة : (مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ) موقع (منكم) لبيان حالهم ، وتوضيح مزيد ضلالهم. والمعنى : إذا كفرتم بالقرآن فليس هناك في الدنيا أكثر ضلالا منكم يا قريش بسبب مخالفتكم الشديدة المغرقة في البعد عن الحق.

(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) سنطلعهم على عظمة آياتنا وصدقها في أقطار السماء والأرض ، وسيتبين لهم في المستقبل واقع ما أخبرناهم بهم من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية ، وما يحققه المسلمون من فتوحات في أرجاء الدنيا على وجه خارق للعادة. و (الْآفاقِ) نواحي الأرض والسموات (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) من إبداع الصنع وعظمة التركيب وما حل بأهل مكة (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) حتى يظهر لهم أن القرآن هو الحق الثابت المنزّل من الله المشتمل على نظام الدنيا الأصلح ، ومعرفة حقائق الآخرة من البعث والحساب والعقاب (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ) أي أولم تحصل الكفاية بربك ، أو أو لم يكفهم في أنه حق وفي صدقك أن ربك على كل شيء شهيد ، أي لا يغيب عنه شيء ما. والمعنى : إن هذا الموعود به من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه ، فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل من المطّلع المهيمن على كل شيء ، حاضره وغائبه ، فيكفيهم ذلك دليلا على أنه حق وأنه من عند الله. وقوله : (شَهِيدٌ) أي شاهد على كل ما يفعله الخلق.

(مِرْيَةٍ) شك (مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) أي من البعث بعد الموت (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) أي إنه تعالى عالم بكل الأشياء مجملها وتفصيلها ، وعالم بمقدارها ، فيجازيهم بكفرهم.

١٥

المناسبة :

بعد بيان وعيد المشركين ، على الشرك ، ورجوعهم عنه في يوم القيامة ، وإظهار تبدل أحوال الإنسان ، بالتعاظم عند القوة ، والتصاغر والذل عند الضعف ، أوجب الله تعالى التأمل والتفكر في آيات الله وفي الأنفس ، ليعلموا أن القرآن حق منزّل من عند الله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.

التفسير والبيان :

(قُلْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ ، مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين بالقرآن : أخبروني عن حالكم ما ذا أنتم فاعلون ، إن كان هذا القرآن من عند الله حقا ، ثم كذبتم به ولم تقبلوه ولا عملتم بما فيه ، أفلا تكونون أعداء للحق والصواب؟ بل لا أحد أضلّ منكم لشدة عداوتكم ، وإمعانكم في الكفر والعناد ومجانبة الحق ومخالفته.

ثم دعاهم إلى التأمل والتفكر في الآيات والأنفس ، فقال :

(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) أي سنظهر لهم دلالات صدق القرآن ، وعلامات كونه من عند الله في أقطار السموات والأرض المشتملة على خلق الشمس والقمر والنجوم ، وتعاقب الليل والنهار ، وأحداث الكون الرهيبة من الأعاصير والبراكين والصواعق ، وعظمة الجبال والبحار ، وإبداع صنع النباتات والأشجار ، وما يحدث في الأرض من فتوحات كبري على أيدي المسلمين في أرجاء الأرض المحيطة بمكة والجزيرة العربية. وهذا الإخبار عن الغيب معجزة.

وسنظهر صدق القرآن وأنه منزل من عند الله أيضا في خلق أنفس البشر ، وما فيها من إبداع الصنعة ، وعظمة التركيب : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)

١٦

[الذاريات ٥١ / ٢١] ، وفي مصائر الناس وتبدل أحوال أهل مكة العتاة من سادة متكبرين إلى أذلة صاغرين.

كل ذلك ليعرفوا من هذه الوقائع والأحداث والخلائق ويتبينوا بجلاء أن القرآن ومنزله ومن أنزل عليه حق وصدق لا شك فيه.

وإذا لم ينظروا ويتأملوا ، فتكفي شهادة الله بأن القرآن حق ، فقال تعالى :

(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)؟ أي كفى بالله شاهدا على أفعال عباده وأقوالهم ، من الكفار وغيرهم ، وكفى به شاهدا على أن القرآن منزل من عنده.

ثم أوضح الله تعالى سبب عنادهم وإصرارهم على كفرهم ، فقال :

(أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ ، أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ). ألا أيها المخاطب ، إن كفار قريش وأمثالهم في شك من البعث والحساب والثواب والعقاب ، ألا أيها الإنسان ، إن الله قد أحاط علمه بجميع المعلومات ، وأحاطت قدرته بجميع المقدورات ، فهو محيط بكل شيء علما وقدرة ، والمخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته ، وفي مرصد علمه ، وهو المتصرف فيها كلها بحكمة ، وسيجازي الكفار وغيرهم على أعمالهم ، فما لهم يشكون في البعث والنشور ، وقد علموا أن الله خلقهم أول مرة؟!

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يأتي :

١ ـ بما أن القرآن نزل بلغة العرب ، وهم أدرى الناس به وبصحته ، فلا أحد أضل منهم في الإعراض عنه ، لفرط الشقاق والعداوة.

١٧

٢ ـ أقام الله تعالى أدلة وعلامات كثيرة على وحدانيته وقدرته ، منها آيات الآفاق والأنفس ، وآيات الآفاق : هي الآيات الفلكية والكوكبية ، وآيات الليل والنهار ، وآيات الأضواء والظلمات ، وآيات عالم العناصر الأربعة (الماء والتراب والهواء والنار) وكذا فتح البلاد المحيطة بمكة.

وآيات الأنفس : كيفية تكون الأجنة في ظلمات الأرحام ، وتخلق الأعضاء العجيبة ، والتركيبات والخواص الغريبة ، وكذا فتح مقر الشرك مكة.

فإبداع الكون سمائه وأرضه ، وإبداع خلق الإنسان وما يطرأ على البلاد من تغيرات الفتوح والممالك والسلاطين ، وعلى الناس من تبدل من عزة إلى ذلة وبالعكس ، دليل على وجود الله المتصرف في مخلوقاته ، المهيمن على عباده ، المدبر لكل شيء يحدث في الوجود.

٣ ـ كفى بالله شاهدا على أنه خلق الدلائل على الأشياء ، وعلى أفعال وأقوال عباده ، وكفى به شاهدا على أن القرآن من عند الله ، كما قال تعالى : (قُلْ : أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ : اللهُ) [الأنعام ٦ / ١٩] وقال سبحانه : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ ، أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) [النساء ٤ / ١٦٦].

والمقصود : ألم تكفهم هذه الدلائل الكثيرة التي أوضحها الله تعالى وقررها في هذه السورة وغيرها من سور القرآن الدالة على التوحيد والتنزيه والعدل والنبوة؟!

٤ ـ إن مشركي مكة وأمثالهم في شك عظيم وشبهة شديدة من البعث والقيامة ، ولكن الله تعالى عالم بكل شيء ، فيعلم بواطن هؤلاء الكفار وظواهرهم ، ويجازي كل أحد على فعله بحسب ما يليق به ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.

١٨

والخلاصة : أن سبب الكفر والشرك هو إنكار يوم القيامة ، وحجب الأنظار عن التأمل في آيات الكون والأنفس ، ولكن الزمن كفيل ببيان صدق الآيات ، وأن الكفار مخطئون فيما اعتقدوا.

١٩

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الشورى

مكيّة ، وهي ثلاث وخمسون آية.

تسميّتها :

سميت (سورة الشورى) لوصف المؤمنين فيها بالتشاور في أمورهم : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) [٣٨] ولأن الشورى في الإسلام قاعدة النظام السياسي والاجتماعي بل والخاص في الحياة ، لما لها من مكانة ، وأهمية بالغة في تحقيق المصلحة والغاية الناجحة ، ولأن الاستبداد يؤدي دائما إلى أوخم العواقب :

رأي الجماعة لا تشقى البلاد به* على الدوام ورأي الفرد يشقيها (١)

مناسبتها لما قبلها :

تظهر مناسبة هذه السورة لما قبلها فيما يلي :

١ ـ وصف الكتاب العزيز ، وتأكيد نزول الوحي به على قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإثبات الساعة (يوم القيامة).

٢ ـ مناقشة عقائد الكفار وتهديدهم ووعيدهم ، وإثبات وجود الله ووحدانيته وحكمته وقدرته بالأدلة الكونية المشاهدة ، وبالمخلوقات الأرضية الصناعية وغيرها.

__________________

(١) للشاعر المرحوم حافظ إبراهيم.

٢٠