التفسير المنير - ج ٢٤

الدكتور وهبة الزحيلي

الإعراب :

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أَمَّا) : حرف تفصيل فيه معنى الشرط ، لذا جاءت الفاء في (فَهَدَيْناهُمْ) الذي هو خبر المبتدأ ، الذي هو (ثَمُودُ). والأصل في الفاء أن تكون مقدّمة على المبتدأ ، إلا أنهم أخروها إلى الخبر ، لئلا يلي حرف الشرط فاء الجواب ، فهي في تقدير التقديم ، لذا جاز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، مثل : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى ٩٣ / ٩ ـ ١٠] فنصب اليتيم والسائل بما بعد الفاء ، لأنها في تقدير التقديم.

ومن قرأ (ثَمُودُ) بالنصب ، نصبه بفعل مقدر ، يفسره هذا الظاهر ، تقديره : مهما يكن من شيء ، فهدينا ثمود فهديناهم. وقرئ «ثمود وثمود» بالصرف وترك الصرف ، فمن صرفه «ثمود» جعله اسم الحي ، ومن لم يصرفه «ثمود» جعله اسم القبيلة ، فلم يصرفه للتعريف والتأنيث.

(أَلَّا تَعْبُدُوا) أن : مفسرة ، لأن مجيء الرسل بالوحي فيه معنى القول ، ولا : ناهية ، أو مصدرية ولا : ناهية ، أو مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن.

البلاغة :

(فَإِنْ أَعْرَضُوا) بعد قوله : (قُلْ : أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إظهارا لعدم المبالاة بهم والاستخفاف بشأنهم ، ففي دعوتهم للإيمان خوطبوا اجتذابا لهم ، وفي حال إعراضهم عن الإيمان بعد البيان ، أهملوا.

(مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) بينهما طباق.

المفردات اللغوية :

(فَإِنْ أَعْرَضُوا) أي كفار مكة عن الإيمان بعد هذا البيان. (أَنْذَرْتُكُمْ) خوفتكم بنزول العذاب. (صاعِقَةً) عذابا شديدا يهلكهم كأنه صاعقة. (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) أي مثل العذاب الذي أهلكهم. والصاعقة في الأصل : صيحة الهلاك أو قطعة النار النازلة من السماء مع رعد شديد. (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ إِذْ) هنا : ظرف (صاعِقَةً) الثانية ، لأنها بمعنى عذاب ، أو حال منها لإضافتها ، وقد جاءهم هود وصالح داعيين إلى الإيمان بهما ، وبجميع الرسل ممن جاء.(مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي من قبلهم ومن بعدهم ، فكأن الرسل جميعا قد جاءوهم.

(أَلَّا تَعْبُدُوا) «أن» مفسرة بمعنى أي ، أو أنها مخففة من الثقيلة ، أصله : بأنه

٢٠١

لا تعبدوا ، أي بأن الشأن والحديث قولنا لكم : (أَلَّا تَعْبُدُوا). (لَوْ شاءَ رَبُّنا) مفعول شاء محذوف ، أي لو شاء ربنا إرسال الرسل. (لَأَنْزَلَ) علينا. (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) أي فإذا أنتم بشر ، ولستم بملائكة ، فإنا لا نؤمن بكم وبما جئتم به. وقوله (بِما أُرْسِلْتُمْ) ليس إقرارا منهم بالإرسال ، وإنما هو على حسب كلام الرسل ، أي في زعمكم ، وفيه تهكم ، كما قال فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء ٢٦ / ٢٧] وقولهم : (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم.

(فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي فتعظموا فيها على أهلها بغير استحقاق. (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟) أي لا أحد ، وهذا اغترار بقوتهم وعزيمتهم ، كان واحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل بيده ، ثم يجعلها حيث يشاء. (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعلموا. (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) أي قدرة ، فإنه قادر بالذات ، مقتدر على ما لا يتناهى ، قوي على ما لا يقدر عليه غيره. (وَكانُوا بِآياتِنا) المعجزات. (يَجْحَدُونَ) ينكرونها مع معرفتهم بأنها حق ، (وَكانُوا) معطوف على قوله : (فَاسْتَكْبَرُوا).

(رِيحاً صَرْصَراً) شديدة البرد ، تهلك بشدة بردها ، مأخوذ من الصرّ : وهو البرد الذي يصرّ ، أي يجمع ، أو هي شديدة الصوت في هبوبها ، من الصرير ، فهي باردة شديدة الصوت بلا مطر. (نَحِساتٍ) مشؤومات عليهم. (عَذابَ الْخِزْيِ) عذاب الذل. (أَخْزى) أشد ذلا.

(وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) بمنعه عنهم.

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) أي بينا لهم طريق الهدى والحق ، بإرسال الرسل وبيان الحجج والأدلة. (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) أي فاختاروا الضلالة والكفر على الإيمان. (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) صاعقة من السماء فأهلكتهم ، والهون : المهين أو الذل. (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من اختيار الضلالة.

المناسبة :

بعد بيان إعراض عبدة الأوثان عن الإيمان بالله بالرغم من الأدلة الدالة على وجوده وتوحيده وقدرته من خلق السموات والأرض ، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن ينذرهم بعذاب شديد مماثل للعذاب الذي نزل بعاد وثمود من قبلهم ، مع بيان سبب العذاب النازل بكل قبيلة على حدة.

٢٠٢

التفسير والبيان :

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ : أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق : إن أعرضتم عن الإيمان بالله وبرسالتي ، ولم تتدبروا وتتفكروا في هذه المخلوقات الكونية العظيمة ، فإني أخوفكم بعذاب شديد قاتل في الحال مشابه لعذاب الأمم الماضية المكذبين بالرسل ، كعاد وثمود ونحوهما ممن فعل فعلهما.

(إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) عذبوا بعد أن جاءتهم الرسل المتقدمون الذين بلغتهم رسالاتهم وكلامهم والرسل المتأخرون الذين رأوهم بأنفسهم ، وأمروهم بعبادة الله وحده ، فكذبوهم وأدبروا عنهم ، وتذرعوا بأن الرسل ملائكة لا بشر كما قال تعالى :

(قالُوا : لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ، فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) أي قالوا لرسلهم : لو شاء ربنا إرسال الرسل لأرسل إلينا ملائكة ، ولم يرسل إلينا بشرا من جنسنا لا فضل لهم علينا ، فإنا بما أرسلتم به أيها البشر ـ في زعمكم ـ كافرون منكرون ، فلا نتبعكم وأنتم بشر مثلنا.

ولا بأس من إعادة قصة عتبة هنا برواية أخرى مفيدة لمعرفة مدى تأثير القرآن وهذه الآيات بالذات في النفوس إذا تجردت عن الأهواء والعصبيات ، أخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : «قال أبو جهل والملأ من قريش : قد التبس علينا أمر محمد ، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر ، فكلّمه ، ثم أتانا ببيان من أمره. فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت السحر والكهانة والشعر ، وعلمت من ذلك علما ، وما يخفى عليّ إن كان كذلك ، فأتاه ، فقال : يا محمد ، أنت خير أم هاشم ، أنت خير أم عبد المطلب؟ فلم يجبه ، قال : لم تشتم آلهتنا وتضللنا؟ إن كنت تريد

٢٠٣

الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسنا ، وإن تك بك الباءة (الميل للنساء) زوجناك عشر نسوة تختارهن ، أيّ بنات من شئت من قريش ، وإن كان المال مرادك جمعنا لك ما تستغني به ، ورسول الله ساكت ، فلما فرغ ، قال صلى الله عليه وآله وسلم :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، حم ، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ـ إلى قوله ـ (فَإِنْ أَعْرَضُوا ، فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) ، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم ، فرجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش ، فلما احتبس عنهم قالوا : لا نرى عتبة إلا قد صبأ ، فانطلقوا إليه ، وقالوا : يا عتبة ، ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت ، فغضب وأقسم لا يكلم محمدا أبدا ، ثم قال : والله لقد كلمته ، فأجابني بشيء ما هو بشعر ولا سحر ولا كهانة ، ولما بلغ (صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) أمسكت بفيه ، وناشدته الرحم ، ولقد علمت أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فخفت أن ينزل بكم العذاب».

ثم بدأ الله تعالى بتفصيل ما حصل من قوم عاد وثمود ، بعد الإجمال ، فقال : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَقالُوا : مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟) أي فأما قوم عاد فتكبروا عن الإيمان بالله وتصديق رسله ، واستعلوا على من في الأرض بغير استحقاق ، وبغوا وعتوا وعصوا ربهم ، وقالوا : لا أحد أقوى منا ، حتى يقهرنا ، وقد كانوا ذوي أجسام طوال وقوة شديدة ، فاغتروا بأجسامهم حين تهددهم هود عليه‌السلام بالعذاب ، ومرادهم بهذا القول أنهم قادرون على دفع ما ينزل بهم من العذاب.

فرد الله عليهم موبخا ، فقال :

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً؟ وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) أي أو لم يعلموا ويتفكروا فيمن يبارزون بالعداوة؟ فإنه العظيم الذي

٢٠٤

خلق الأشياء وما فيها من القوى ، وإن بطشه لشديد ، فهو قادر على أن ينزل بهم من أنواع عقابه ما شاء بقوله : (كُنْ فَيَكُونُ) وهم يعرفون مدى أحقية آياتنا وثبوتها ، ولكنهم يجحدون بها ويعصون الرسل ، وينكرون معجزاتهم والأدلة الدامغة التي هي حجة عليهم.

ثم ذكر الله تعالى نوع عقابهم ، فقال :

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ ، لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى ، وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) أي فأرسلنا عليهم ريحا شديدة البرد وشديدة الصوت تحرق وتدمر ما أتت عليه في فترة أيام مشؤومات متتابعات ، كما قال تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة ٦٩ / ٧].

وغاية ذلك العذاب أن نذيقهم عذاب الذل والهوان في الدنيا بسبب استكبارهم ، وإن عذاب الآخرة أشد إهانة وإذلالا من عذاب الدنيا ، وهم لا يجدون ناصرا ينصرهم ولا دافعا يدفع عنهم العذاب ، لا في الآخرة ولا في الدنيا.

ثم فصل تعالى جناية ثمود ، فقال :

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) أي وأما قبيلة ثمود ، فبيّنا لهم طريق الحق والهدى والنجاة ، بإرسال الرسل إليهم ، وبيان الأدلة الكونية من مخلوقات الله على توحيدنا ، فاختاروا الكفر على الإيمان ، وآثروا العصيان على الطاعة ، وكذبوا رسولهم ، وعقروا ناقة الله التي هي دليل صدق نبيهم.

فكان عذابهم ما أخبر عنه تعالى :

(فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي فبعثنا عليهم

٢٠٥

صيحة ورجفة وعذابا مهينا بسبب كسبهم وهو التكذيب والجحود. وقوله : (صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) أي داهية العذاب الهوان.

(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) أي وأنقذنا من العذاب صالحا عليه‌السلام ومن معه من المؤمنين برسالته ، المتقين ربهم بإقامة فرائضه وترك معاصيه ، لم يمسهم سوء ، ولا نالهم من ذلك ضرر ولا مكروه.

فقه الحياة أو الأحكام :

يؤخذ من الآيات ما يأتي :

١ ـ إن الإصرار على الكفر سبب لعذاب الدنيا والآخرة ، فلما أصر كفار قريش على الكفر والجهل ، لم يبق علاج في حقهم إلا إنزال العذاب عليهم ، ولكن الله برحمته أراد إنذارهم أولا وتخويفكم هلاكا مثل هلاك عاد وثمود.

٢ ـ لم يترك الله سبيلا لثني كفار عاد وثمود عن كفرهم ، فأرسل إليهم كما أرسل إلى من قبلهم رسلا يدعونهم إلى عبادة الله وحده ، فتذرعوا بأن الرسول ينبغي أن يكون من الملائكة ، والله قادر على إنزال ملائكة بدل الرسل ، وأضافوا بأنهم كافرون بما جاء به الرسل من الإنذار والتبشير.

٣ ـ كان من جناية عاد أنهم تكبروا في الأرض على عباد الله : هود ومن آمن معه ، بغير حق ولا موجب للتكبر ، واغتروا بأجسامهم حين تهدّدهم هود عليه‌السلام بالعذاب. ولكنهم قوم حمقى فإن الله أقدر منهم وأقوى ، فلم يتفكروا في ذلك ، وكفروا بالمعجزات. وتضمن استكبارهم أمرين :

الأول ـ إظهار الكبر وعدم الالتفات إلى الغير.

والثاني ـ الاستعلاء على الغير.

٤ ـ تدل الآية على إثبات القدرة والقوة لله تعالى ، كما قال : (إِنَّ اللهَ هُوَ

٢٠٦

الرَّزَّاقُ ، ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات ٥١ / ٥٨] وقدرة العبد متناهية محدودة ، وقدرة الله لا نهاية لها وغير محدودة. فقوله تعالى : (أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) ليس المراد به المفاضلة أو النسبة التفضيلية ، وإنما هو على منوال قولنا : (الله أكبر) فلا يراد بالتفضيل معناه المعروف ، فهو كما يقولون : ليس على بابه.

٥ ـ عذّب الله في الدنيا قبيلة عاد بإرسال ريح باردة شديدة البرد ، وشديدة الصوت والهبوب ، في مدى سبعة أيام مشؤومات متتابعات ، وسيكون عذابهم يوم القيامة في النار أشد وأعظم من عذاب الدنيا ، ولا يجدون ناصرا ينصرهم من العذاب.

٦ ـ لقد بيّن الحق تعالى لقبيلة ثمود الهدى والضلال ، فاختاروا الكفر على الإيمان ، والمعصية على الطاعة ، والضلالة على الرشد ، فأرسل الله عليهم قارعة صاعقة مدمرة محرقة هي الصيحة والرجفة والذل والهوان بسبب تكذيبهم صالحا عليه‌السلام وعقرهم الناقة.

٧ ـ جرت سنة الله عدلا وفضلا ورحمة على إنجاء المؤمنين ، فقد نجّى الله تعالى صالحا عليه‌السلام ومن آمن به ، وميّزهم عن الكفار ، فلم يحلّ بهم ما حلّ بالكفار ، وهذا كعادة القرآن في قرن الوعد بالوعيد.

والعبرة من إيراد قصة عاد وثمود : العظة والعبرة والتخويف والتحذير ، وتهديد مكذبي الرسل ، والإخبار بأنه تعالى يفعل بمؤمني قوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكفارهم ما فعل بعاد وثمود ، وكل ذلك بقصد التخويف للإقلاع عن موجبات العذاب. أما في الواقع فإن مثل ذلك العذاب لا يقع في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال ٨ / ٣٣] وجاء في الأحاديث الصحيحة : أن الله تعالى رفع عن هذه الأمة هذه الأنواع من الآفات الشاملة.

٢٠٧

كيفية عقوبة الكفار في الآخرة

(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥))

الإعراب :

(وَيَوْمَ يُحْشَرُ .. يَوْمَ) : منصوب بفعل دل عليه. (يُوزَعُونَ) وتقديره : يساق الناس يوم يحشر ، أو منصوب بتقدير : اذكر.

(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) أن وصلتها : في موضع نصب ، بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره : وما كنتم تستترون عن أن يشهد عليكم ، فحذف «عن» فاتصل الفعل به.

(وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ ذلِكُمْ) : مبتدأ ، و (ظَنُّكُمُ) : خبره ، و (أَرْداكُمْ) : خبر ثان.

٢٠٨

البلاغة :

(ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) بينهما طباق.

المفردات اللغوية :

(وَيَوْمَ يُحْشَرُ) أي واذكر حين يجمع ، فعل مبني للمجهول أو للفاعل وهو الله تعالى ، وقرئ : (نحشر أعداء). (يُوزَعُونَ) يساقون بعد أن يحبس أولهم ليلحق آخرهم لئلا يتفرقوا ، من وزعته : كففته ، والمراد : كثرة أهل النار. (حَتَّى إِذا ما حَتَّى) غاية لقوله : (يُوزَعُونَ) و (ما) صلة زائدة لتأكيد ارتباط المجيء بشهادة الأعضاء ، واتصال الشهادة بالحضور. (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بأن ينطقها الله فعلا ، أو تظهر عليها آثار تدل على ما اقترف بها ، فتنطق بلسان الحال.

(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ : لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا؟) سؤال توبيخ أو تعجب ، والجلود : الجلود المعروفة ، وقيل : هي الجوارح أو الفروج. (قالُوا : أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) أي ما نطقنا باختيارنا ، بل أنطقنا الله الذي أراد نطق كل شيء ، ولو كان النطق مؤوّلا بدلالة الحال ، بقي الشيء عاما في الموجودات الممكنة. (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يحتمل أن يكون من تمام كلام الجلود ، وأن يكون استئنافا من كلام الله تعالى ، كالذي بعده. والمعنى : إن القادر على إنشائكم ابتداء ، وإعادتكم بعد الموت أحياء ، قادر على إنطاق جلودكم وأعضائكم.

(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ..) أي ما كنتم تتسترون وتستخفون عند ارتكاب الفواحش من أن تشهد عليكم أعضاؤكم ، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم ، لأنكم لم توقنوا بالبعث. وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يشعر في كل حال بوجود رقيب عليه. (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) ظننتم ألا يعلم الله بكم ، فلذلك اجترأتم على المعاصي. (ذلِكُمْ) إشارة إلى ظنهم هذا. (أَرْداكُمْ) أهلككم. (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) إذ جعلتم ما هو سبب للسعادة سببا للشقاوة.

(فَإِنْ يَصْبِرُوا) على العذاب. (فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) مأوى. (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) يطلبوا العتبى ، أي الرضا. (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) المرضيين المجابين إلى ما يطلبون ، أي المقبولين عتابهم ، يقال : استعتبته فأعتبني ، أي استرضيته فأرضاني ، وأعتبني فلان : إذا عاد إلى مسرتي راجعا عن الإساءة. (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) هيأنا لهم ويسرنا شياطين الإنس والجن ، يستولون عليهم. (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الدنيا واتباع الشهوات. (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الآخرة ، بقولهم : لا بعث ولا حساب. (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ثبت ووجب عليهم القول بالعذاب ، وهو : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ..) الآية [هود ١١ / ١١٩] وهو القضاء المحتم. (فِي أُمَمٍ) في جملة أمم. (قَدْ

٢٠٩

خَلَتْ) هلكت. (مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) وهم الذين عملوا مثل عملهم. (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) تعليل لاستحقاقهم العذاب.

سبب النزول :

نزول الآية (٢٢):

(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) : أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه قال : «كنت مستترا بأستار الكعبة ، فجاء ثلاثة نفر : قرشيّ وختناه (١) ثقفيّان ـ أو ثقفيّ وختناه قرشيان ـ كثير شحم بطونهم ، قليل فقه قلوبهم ، فتكلموا بكلام لم أسمعه ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر : إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه ، وإذا لم نرفعه لم يسمعه ، فقال الآخر : إن سمع منه شيئا سمعه كلّه ـ قال ـ : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأنزل الله عزوجل : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) إلى قوله : (مِنَ الْخاسِرِينَ).

المناسبة :

بعد أن بيّن الله تعالى كيفية عقوبة أولئك الكفار الجاحدين في الدنيا ، أردفه ببيان كيفية عقوبتهم في الآخرة ، ليكون ذلك أتم في الزجر والتحذير. ثم ذكر تعالى بقوله : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ ..) سبب بقائهم في الكفر. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم؟ قلت : معناه : أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر ، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين ، والدليل عليه : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً ، فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف ٤٣ / ٣٦] (٢).

__________________

(١) الختن : الصهر ، والثقفي : عبد ياليل ، وختناه : ربيعة وصفوان بن أمية.

(٢) الكشاف : ٣ / ٧٠

٢١٠

التفسير والبيان :

(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ ، فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي واذكر أيها الرسول لقومك قريش حال الكفار يوم القيامة ليرتدعوا وينزجروا حين يساقون جميعا إلى النار بعنف ، بعد إيقاف أولهم ليلحق بهم آخرهم كيلا يتفرقوا ، وليتلاحقوا ويجتمعوا ، فتجمع الزبانية أولهم على آخرهم ، كما قال تعالى : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) [مريم ١٩ / ٨٦].

وأعداء الله تعالى : كل من كذب رسله واستكبر عن عبادته. وفي الآية إشارة إلى جموع الكفار وكثرتهم وإهانتهم في سوقهم.

(حَتَّى إِذا ما جاؤُها ، شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي يوزعون إلى أن يصلوا إلى النار ويقفوا عليها ، فيسألون عما أجرموا ، فإذا أنكروا تشهد عليهم جوارحهم بما اقترفت من الشرك والمعاصي وما عملوا في الدنيا ، بأن ينطقها الله بما كتمت الألسن كما أنطق الشجرة ، بأن يخلق فيها كلاما ، والجلود : هي جلودهم المعروفة ، وقيل : المراد بالجلود : الجوارح (الأعضاء) وشهادة الجلود : بالملامسة للحرام وما أشبه ذلك مما يفضي إليها من المحرّمات. واقتصر من الحواس الخمس على ثلاث منها وهي السمع والبصر واللمس ، فإن آلة اللمس : هي الجلد ، باعتبارها وسائل قوية للعصيان. أما الذوق فهو داخل في اللمس ، وأما الشم فهو حسّ ضعيف في الإنسان ، وليس لله فيه تكليف ولا أمر ولا نهي. وقوله (سَمْعُهُمْ) مفرد مضاف فيعم ، ويصبح نظير جمع الأبصار والجلود.

فيحدث التعجب من الإنسان ، كما حكى تعالى :

(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ : لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا : أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) أي يقول هؤلاء على جهة اللوم والمؤاخذة لأعضائهم وجلودهم حين شهدوا

٢١١

عليهم : (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا)؟ فتجيبهم الأعضاء معتذرين : لقد أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء من مخلوقاته ، فإنه كما أنطق الألسن في الدنيا ، فكذلك أنطقنا في الآخرة ، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح ، كما قال تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ ، وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [يس ٣٦ / ٦٥].

(وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي من قدر على خلقكم وإنشائكم في ابتداء الأمر ، قدر على إعادتكم ورجوعكم إليه ، فإليه المصير بعد الموت ، فيحاسب ويجازي كل نفس بما كسبت. وهذا إما تتمة كلام الجلود ، أو من كلام الله تعالى.

أخرج مسلم في صحيحة والبزار وغيرهما عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال : «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فضحك ، فقال : هل تدرون ممّا أضحك؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : من مخاطبة العبد ربه ، يقول ـ أي العبد لربه ـ : ألم تجرني من الظلم (١)؟ قال : يقول : بلى ، قال : فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني ، قال : يقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا ، وبالكرام الكاتبين شهودا ، قال : فيختم على فيه (فمه) فيقال لأركانه : انطقي ، فتنطق بأعماله ، قال : ثم يخلّى بينه وبين الكلام ، قال : فيقول : بعدا لكنّ وسحقا ، فعنكنّ كنت أناضل».

(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) هذا إما من كلام الجلود أو من كلام الله سبحانه كسابقه أو من كلام الملائكة ، أي ما كنتم تتسترون وتستخفون حين فعل الأعمال القبيحة ومباشرتكم الفواحش ، حذرا أو مخافة من شهادة الجوارح عليكم ، بل كنتم تجاهرون بالكفر والمعاصي.

__________________

(١) هذه رواية مسلم ، ورواية البزار : «يقول : أي ربي ، أليس وعدتني ألا تظلمني»؟.

٢١٢

ولما كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفي من جوارحه عند مباشرة المعصية ، كان معنى الاستخفاء هنا ترك المعصية ، خوفا من هذه الشهادة.

(وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) أي ولكنكم ظننتم ظنا مخطئا أن الله حال ارتكابكم المعاصي لا يعلم كثيرا مما تعملون من المعاصي ، فاجترأتم على فعلها.

وفي الآية إيماء إلى أنه ينبغي للمؤمن أن يفكر دائما بوجود رقيب عليه.

(وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ ، فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي إن ظنكم بأن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ، وهو ظن فاسد ، جرّأكم على المعصية ، فتسارعتم فيها ، وذلك أهلككم وطرحكم في النار ، فصرتم من الخاسرين ، إذ جعلتم ما هو سبب للسعادة سببا للشقاوة.

أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن بالله الظن ، فإن قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله ، فقال الله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).

(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ ، وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) أي فإن يصبروا لم ينفعهم الصبر ، أو لم يصبروا ، هم في النار ، لا محيد لهم عنها ، ولا خروج لهم منها ، فهي مأواهم ومحل استقرارهم ، وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا أعذارا عن ذنوبهم ، فما لهم أعذار ، ولا يقبل منهم الاعتذار والاسترضاء ، لأنهم فارقوا الدنيا التي هي دار العمل والتكليف ، قال عليه الصلاة والسلام فيما ذكره ابن الأثير وغيره عن ابن عباس : «ولا بعد الموت من مستعتب» أي ليس بعد الموت من معذرة أو استرضاء ، لأن الآخرة دار جزاء ، لا دار عمل.

ثم أبان الله تعالى سبب بقائهم في الكفر ، فقال :

٢١٣

(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ ، فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي وسلّطنا عليهم قرناء من شياطين الإنس والجن ، فحسّنوا لهم أعمالهم في الماضي والمستقبل ، وزيّنوا لهم ما بين أيديهم من أمور الدنيا وشهواتها ، وأغروهم بالمعاصي ، وزينوا لهم ما خلفهم من أمور الآخرة ، فقالوا : لا بعث ولا حساب ، ولا جنة ولا نار ، فلم يروا أنفسهم إلا محسنين ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ ، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف ٤٣ / ٣٦ ـ ٣٧].

(وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) أي وثبت لهم العذاب في جملة أمم كافرة مضت على الكفر قبلهم ، فعلوا كفعلهم من الجن والإنس ، فوجب لهم العذاب نفسه ، وإنهم كانوا وإياهم متساوين في الخسارة والدمار ، بتكذيبهم وسوء أفعالهم ، ولم يربحوا شيئا.

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى الأحكام التالية :

١ ـ يجمع الكافرون جمعا واحدا يوم القيامة ، فيحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ، ثم يساقون ويدفعون جميعا إلى جهنم.

٢ ـ إذا جاؤوا إلى النار شهدت عليهم جوارحهم وأسماعهم وأبصارهم وجلودهم ، وهي الجلود المعروفة بأعيانها في قول أكثر المفسرين. وكيفية الشهادة : أنه تعالى يخلق الفهم والقدرة والنطق فيها ، فتشهد كما يشهد الرجل على ما يعرفه ، وهذا هو الظاهر المناسب للآية بعدها ، وقيل : أن يظهر على تلك الأعضاء أمارات وأحوال تدل على صدور تلك الأعمال من الإنسان.

٣ ـ يتعجب الكفار من شهادة أعضائهم عليهم ، فيسألونهم : لم شهدتم علينا ، وإنما كنا نجادل عنكم؟ فيجيبون : أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ،

٢١٤

فالذي قدر على إحيائكم في المرة الأولى في الدنيا ثم إعادتكم أحياء في الآخرة ، قادر على أن ينطق الجلود وغيرها من الأعضاء.

٤ ـ يجيبون أيضا : ما كنتم تستخفون من أنفسكم ، حذرا من شهادة الجوارح عليكم ، لأن الإنسان لا يمكنه أن يخفي من نفسه عمله ، فيكون الاستخفاء بمعنى ترك المعصية.

ولقد ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا من أعمالكم ، فجادلتم على ذلك ، حتى شهدت عليكم جوارحكم بأعمالكم. وكما تكون الشهادة بالشر والسوء تكون بالخير.

ذكر أبو نعيم الحافظ عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «ليس من يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادى فيه : يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وأنا فيما تعمل غدا عليك شهيد ، فاعمل فيّ خيرا أشهد لك به غدا ، فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا ، ويقول الليل مثل ذلك».

٥ ـ وإن ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا من أعمالكم هو الذي أهلككم ، فأرداكم النار ، قال قتادة : «الظن هنا بمعنى العلم» والظن هنا قبيح فاسد. والظن الفاسد : هو أن يظن بالله تعالى أنه يعزب عن علمه بعض هذه الأحوال.

وقال قتادة أيضا : الظن نوعان : ظن منج وظن مرد ، فالمنجي : قوله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [الحاقة ٦٩ / ٢٠] وقوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة ٢ / ٤٦]. وأما الظن المردي : فهو قوله : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ).

وقال العلماء : الظن قسمان :

أ ـ حسن : وهو أن يظن بالله عزوجل الرحمة والفضل والإحسان ، قال الله تعالى في الحديث القدسي فيما أخرجه مسلم والحاكم عن أنس : «أنا عند ظن عبدي بي».

٢١٥

ب ـ قبيح : وهو أن يظن أن الله لا يعلم بعض الأفعال.

وقال الحسن البصري : إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة ، ويقول أحدهم : إني أحسن الظن بربي ، وقد كذب ، ولو أحسن الظن لأحسن العمل ، وتلا قول الله : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ ، فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).

٦ ـ سواء صبر الكفار على العذاب أم لم يصبروا ، فالنار مثواهم ومأواهم ومستقرّهم ، وإن أرادوا الاعتذار عن كفرهم واسترضاء ربهم ، لم يجابوا إلى طلبهم.

٧ ـ سلّط الله على الكفار قرناء من الجن والشياطين ، ومن الإنس أيضا ، فحسّنوا وزينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا حتى آثروها على الآخرة ، وزينوا وحسنوا لهم ما بعد مماتهم ، ودعوهم إلى التكذيب بأمور الآخرة ، ووجب عليهم من العذاب ما وجب على الأمم الذين من قبلهم الذين كفروا ككفرهم ، وخسروا أعمالهم في الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.

وهذا يدل على أن الله تعالى يريد الكفر من الكافر ، لكن لم يأمره به ولم يرضه له ، وحذره منه ومن الإصرار عليه. والإرادة للدلالة على أنه لا يقع شيء في الكون من دون إرادة الله ، وإلا كان وقوع الشيء قهرا وعجزا ، والله لا يقهر ولا يغلب.

٢١٦

الصد عن سماع القرآن الكريم

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩))

الإعراب :

(ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ ذلِكَ جَزاءُ) : مبتدأ وخبر ، و (النَّارُ) : إما بدل من (جَزاءُ) أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو النار ، وتكون هذه الجملة بيانا للجملة الأولى ، أو مبتدأ وخبره : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ).

(جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا جَزاءُ) منصوب على المصدر بفعله ، أي يجازون جزاء.

المفردات اللغوية :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إذا قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن. (وَالْغَوْا فِيهِ) عارضوه بالكلام اللغو الذي لا معنى له ، وارفعوا أصواتكم بذلك في زمن قراءته لتشوشوا على القارئ. وقرئ بضم الغين والمعنى واحد ، يقال : لغي يلغى ، ولغا يلغو وألغى : إذا هذى. (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) تغلبونه على قراءته ، فيسكت عن القراءة.

(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) المراد بهم هؤلاء القائلون وعامة الكفار. (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي لنجازينهم بسيئات أعمالهم أو أعمالهم السيئة ، أو المراد لنجازينهم بأقبح جزاء عملهم. (ذلِكَ جَزاءُ ..) أي ذلك العذاب الشديد وأسوأ الجزاء هو جزاء أعداء الله الذين كذبوا رسله واستكبروا عن عبادته. (دارُ الْخُلْدِ) دار الإقامة المستمرة التي لا انتقال فيها. (بِآياتِنا) القرآن. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي وهم في النار. (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي إبليس وقابيل اللذان منّا الكفر والقتل. (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) ندوسهما بالأقدام في النار انتقاما منهما. (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) الأذلين المهانين.

٢١٧

المناسبة :

بعد بيان الوعيد الشديد للكفار في الدنيا والآخرة ، وبيان سببه الذي أوقعهم في الكفر وأبقاهم فيه ، ذكر الله تعالى موقفا معاديا آخر لهم ، وهو صد الناس عن سماع القرآن والتشويش عند قراءته ، لينصرفوا عنه ، وهم أنفسهم عند الوقوع في العذاب الشديد يطلبون الانتقام ممن صيّرهم إلى هذا المصير المشؤوم.

التفسير والبيان :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ ، وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أي وقال بعض الكفار لبعض : لا تنصتو لسماع هذا القرآن عند تلاوته أو لا تطيعوه ولا تنقادوا لأوامره ، وعارضوه باللغو الذي لا معنى له ، من إنشاد الأشعار ، ورفع الأصوات والتصفيق والتصفير ، والتخليط بالخرافات ، حتى تشوشوا على القارئ ، ولكي تغلبوه على قراءته ، فيسكت.

وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مكة يجهر بتلاوة القرآن لإسماعه الكفار لعلهم يؤمنون به ، فكانت قريش يوصي بعضهم بعضا بالتصفيق والتصفير وإنشاد الشعر. قال ابن عباس : قال أبو جهل إذا قرأ محمد ، فصيحوا في وجهه حتى لا يدري ما يقول. وهذا دليل على تكذيب مشركي قريش بالقرآن وكفرهم ، مثل كفر قوم هود وصالح وغيرهم.

وبعد بيان ذلك هدّدهم الله تعالى بالعذاب الشديد ، فقال :

(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً ، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي فلنجازين جميع الكفار بعذاب شديد ، ومنهم كفار قريش في مقابلة معاداتهم لسماع القرآن ، ومحاولة صد الناس عن استماعه ، ولنجازينهم في الآخرة جزاء أقبح أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، وهو الشرك ، ونهمل ما عملوا من

٢١٨

محاسن الأعمال ، كصلة الرحم ، وإكرام الضيف ، لأن ذلك باطل لا أجر لهم فيه مع حالة الكفر.

وهذا وعيد شديد لجميع الكفار ، وتعريض بمن لا يخشع ولا يتدبر حين سماع القرآن ، فقد أمر الله عباده المؤمنين بالاستماع للقرآن والإنصات له ، فقال : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ، فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف ٧ / ٢٠٤].

ثم ذكر الله تعالى صفة ذلك العذاب قائلا :

(ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ ، لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ ، جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) أي ذلك الجزاء لأقبح أعمال الكفار وهو دخول النار ، هو جزاء أعداء الله الذين كذبوا رسله ، واستكبروا عن عبادته ، لهم في النار دار الإقامة المستمرة التي لا انقطاع لها ، ويجزون ذلك جزاء بسبب جحدهم أن القرآن من عند الله تعالى ، وإنكارهم صحة آياته وسلامتها.

ثم بيّن الله تعالى ما يطلبه الكفار من الانتقام ممن أضلوهم عند الوقوع في العذاب الشديد ، فقال :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا ، لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) أي طلب الكفار من ربهم أن يريهم من أضلهم من فريقي شياطين الجن والإنس الذين كانوا يزينون لهم الكفر والمعاصي ، لكي يدوسوهم بأقدامهم ، تشفيا وانتقاما منهم ، وليكون الفريقان من الأذلين المهانين ، في الدرك الأسفل من النار ، أشد عذابا منهم ، فأجابهم تعالى في موضع آخر : (لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف ٧ / ٣٨]. والشياطين: إما جني وإنسي ، قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام ٦ / ١١٢] وقال سبحانه : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس ١١٤ / ٦].

٢١٩

وقيل : هما إبليس وقابيل ، لأنهما سنّا الكفر والقتل بغير حق ، ويشهد لهذا القول الحديث المرفوع عند الترمذي : «ما من مسلم يقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من ذنبه ، لأنه أول من سنّ القتل» وقال علي رضي‌الله‌عنه : هما ابن آدم الذي قتل أخاه ، وإبليس ، أي لأنهما هما اللذان سنّا المعصية.

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يلي :

١ ـ لم يترك كفار قريش سبيلا لمعارضة القرآن بالباطل ، بعد أن عجزوا عن معارضته بالحق ، فلجئوا إلى الغوغائية والتخليط في الكلام والتصفيق والتصفير عند سماع القرآن ، وهذا شأن الجهلة والسفلة أمام صيحة الحق في كل زمان يستخدمون أسلوب اللغو في طمس الحقائق ، واللغو : ما لا يعلم له حقيقة ولا تحصيل.

٢ ـ كان جزاؤهم بسبب كفرهم وتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أن يذوقوا في الآخرة العذاب الشديد الذي يتوالى فلا ينقطع ، ويحيط بهم في جميع أجزائهم ، وأن يجزوا في الآخرة جزاء أقبح أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، وأسوأ الأعمال : الشرك.

٣ ـ ذلك العذاب الشديد وهو النار هو جزاء جميع الكفار أعداء الله الذين كذبوا الرسل واستكبروا عن عبادة الله تعالى.

٤ ـ طلب الكفار وهم في النار أن يريهم الله من أضلهم من الجن والإنس ، ليدوسوهم تحت أقدامهم في جهنم ، وليكونوا من الأذلين المهانين ، وفي الدرك الأسفل من النار ، تشفيا وانتقاما منهم ، ومرادهم أن يضعّف الله عذاب من كان سبب ضلالتهم من الجن والإنس. وهذا مطابق لما قضى به الله من مضاعفة عذاب

٢٢٠