التفسير المنير - ج ٢٢

الدكتور وهبة الزحيلي

الإعراب :

(لِسَبَإٍ) من قرأ بالتنوين جعله منصرفا ، وقال : هو اسم بلد أو حي ، وليس فيه تأنيث ، ومن لم ينونه ، جعله غير منصرف للتعريف (العلمية) والتأنيث ، وقال : هو اسم بلدة أو قبيلة. (فِي مَسْكَنِهِمْ) من قرأ بالإفراد ففيه لغتان بفتح الكاف وكسرها ، والفتح على القياس ؛ لأن مضارعه «يسكن». والكسر على خلاف القياس ، مثل : مطلع ومغرب ومسجد ومسقط ومنبت ومجزر. ومن قرأ بالجمع جعله جمع مسكن.

(جَنَّتانِ) إما بدل من قوله (آيَةٌ) أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هي جنتان ، أو مبتدأ على تقدير : هنا جنتان ، أو هناك جنتان.

(بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) خبر مبتدأ أي هذه بلدة طيبة ، وكذلك : (وَرَبٌّ غَفُورٌ) أي وهذا رب غفور.

(لَيالِيَ وَأَيَّاماً) منصوبان على الظرف. والليالي جمع (ليلة) على خلاف القياس. وأيام جمع يوم.

(آمِنِينَ) حال.

(أُكُلٍ خَمْطٍ) من قرأ بالتنوين جعل (الخمط) عطف بيان على (الأكل) ولا يجوز أن يكون صفة ؛ لأنه اسم شجرة بعينها ، ولا بدلا ؛ لأنه ليس هو الأول ولا بعضه. ومن لم ينون أضاف (الأكل) إلى الخمط ؛ لأن الأكل هو الثمرة ، والخمط هو الشجرة ، فأضاف الثمرة إلى الشجرة ، مثل تمر نخل ، وعنب كرم.

(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا ذلِكَ) : في موضع نصب لأنه مفعول ثان ل (جَزَيْناهُمْ) والمفعول الأول : الهاء والميم ، وما : مصدرية أي بكفرهم.

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) من قرأ صدق بالتخفيف ، كان (ظَنَّهُ) إما منصوب انتصاب الظرف ، أي في ظنه ، وإما منصوب انتصاب المفعول به على الاتساع ، وإما منصوب على المصدر. ومن قرأ بالتخفيف ونصب إبليس ورفع ظنه ، جعل الظن فاعلا وإبليس مفعولا. ومن قرأ بالتشديد نصب (ظَنَّهُ) لأنه مفعول (صَدَّقَ).

البلاغة :

(يَمِينٍ وَشِمالٍ) بينهما طباق.

(وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا) بين الكلمتين الأخيرتين جناس اشتقاق.

١٦١

(صَبَّارٍ شَكُورٍ) صيغة مبالغة على وزن فعّال وفعول.

(وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) و (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) بينهما ما يسمى بمراعاة الفواصل ، من أنواع الجمال في اللفظ.

المفردات اللغوية :

(لِسَبَإٍ) اسم قبيلة من قبائل العرب العاربة في بلاد اليمن ، وتعد أصلا تفرع منها عدة فروع في جزيرة العرب. وقد سميت باسم جدّ لهم من العرب : هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. (فِي مَسْكَنِهِمْ) موضع السكنى وهو مأرب في بلاد اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام. (آيَةٌ) علامة دالة على وجود الله ووحدانيته وقدرته على إيجاد أمور عجيبة. (جَنَّتانِ) بستانان. (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) عن يمين واديهم وشماله. (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) أي قيل لهم ذلك ، والرزق : ثمار الجنتين. (وَاشْكُرُوا لَهُ) على ما رزقكم من هذه النعم في أرض سبأ ، واعملوا بطاعته ، واجتنبوا معاصيه. (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) استئناف للدلالة على موجب الشكر ، أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة ، وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور. وكون البلد طيبة : أنه ليس فيها سباخ ولا بعوضة ولا ذبابة ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ؛ لطيب هوائها.

(فَأَعْرَضُوا) انصرفوا عن شكر هذه النعم وكفروا بالله. (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) أي دمّره الله ، وفتق عليهم سد مأرب حتى انتقض ، فدخل الماء بساتينهم فغرقها ، ودفن السيل بيوتهم ، فهذا هو سيل العرم. والعرم : جمع عرمة : وهي الحجارة المركومة والمباني القائمة ، وسيل العرم : هو السيل الذي لا يطاق لقوته وشدّته. (أُكُلٍ خَمْطٍ) مرّ ، والأكل بمعنى المأكول : الثمر ، والخمط : كل شجرة مرّة ذات شوك وليس له ثمر. (وَأَثْلٍ) هو الشجر المعروف الشبيه بالطرفاء ، ولا ثمر له. (سِدْرٍ) شجر النبق له ثمر يؤكل. أهلك الله أشجارهم المثمرة ، وأنبت بدلها الأراك والطرفاء والسدر ، ووصف السدر بالقلة ؛ لأن ثمره مما يطيب أكله.

(ذلِكَ) التبديل. (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) أي بكفرانهم النعمة ، أو بكفرهم بالرسل ، إذ بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم. (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) أي لا نجازي بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في كفران النعم أو الكفر بالرسل. وقرئ : يجازي.

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) سبأ باليمن. (وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشجر وهي قرى الشام التي يسيرون إليها للتجارة. (قُرىً ظاهِرَةً) مرتفعة على الآكام ، متواصلة من اليمن إلى الشام ، وكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى حتى يرجعوا. (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي كانت القرى على مقادير للمسافر ، بحيث يكون المقيل في قرية ، والمبيت في أخرى ، إلى انتهاء سفرهم ووصولهم إلى الشام ، دون أن يحتاجوا في الطريق إلى حمل زاد وماء. (سِيرُوا فِيها) أي وقلنا :

١٦٢

سيروا فيها. (لَيالِيَ وَأَيَّاماً) متى شئتم من ليل أو نهار. (آمِنِينَ) لا تخافون في ليل ولا في نهار.

(فَقالُوا : رَبَّنا باعِدْ) وفي قراءة : بعّد. (بَيْنَ أَسْفارِنا) إلى الشام ؛ فإنهم بطروا النعمة كبني إسرائيل ، فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وحمل الزاد. (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر وبطر النعمة. (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) لمن بعدهم في ذلك ، جمع أحدوثة : وهي ما يتحدث به على سبيل التلهي والاستغراب ، فإن الله أجابهم بتخريب القرى المتوسطة. (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) فرقناهم في البلاد غاية التفريق. (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور. (لَآياتٍ) عبرا ودلالات واضحات. (لِكُلِّ صَبَّارٍ) كثير الصبر عن المعاصي وعلى الطاعات. (شَكُورٍ) كثير الشكر على النعم.

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) أي صدق إبليس على الكفار ومنهم سبأ ظنه ، والمعنى : ظن بهم أنه إذا أغواهم اتبعوه. (فَاتَّبَعُوهُ) أي فصدق في ظنه ، أو صدّق ظنه بأن وجده صادقا. (إِلَّا فَرِيقاً) بمعنى لكن. (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي لكن فريقا هم المؤمنون لم يتبعوه ، و (مِنَ) : للبيان.

(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي لم يكن له على المتبعين تسلط واستيلاء بوسوسة واستغواء. (إِلَّا لِنَعْلَمَ) علم ظهور وانكشاف. (مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) أي لنتعرف ونتميز المؤمن بالآخرة من الشاك. (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) محافظ رقيب.

سبب النزول :

أخرج ابن أبي حاتم أن فروة بن مسيك الغطفاني رضي‌الله‌عنه قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا نبي الله ، إن سبأ قوم كان لهم في الجاهلية عز ، وإني أخشى أن يرتدوا عن الإسلام ، أفأقاتلهم؟ فقال : ما أمرت فيهم بشيء بعد ، فأنزلت هذه الآية : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) الآيات.

المناسبة :

بعد بيان حال الشاكرين لنعم الله المنيبين إليه ، وهم داود وسليمان عليهما‌السلام ، بيّن الله تعالى حال الكافرين بأنعمه ، بحكاية قصة أهل سبأ ، تحذيرا لقريش ، ووعيدا لكل من يكفر بنعم الله تعالى.

١٦٣

اضواء على سبأ وسد مأرب :

كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها ، وكانت التبابعة منهم ، وبلقيس صاحبة سليمان عليه‌السلام من جملتهم ، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وثمارهم ، وبعث الله تبارك وتعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ، ويشكروه بتوحيده وعبادته ، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى ، ثم أعرضوا عما أمروا به ، فعوقبوا بإرسال سيل العرم ، والتفرق في البلاد (١).

روى الإمام أحمد وابن أبي حاتم وابن جرير والترمذي عن ابن عباس يقول : إن رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن سبأ ما هو ، أرجل أم امرأة أم أرض؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل هو رجل ، ولد له عشرة ، فسكن اليمن منهم ستة ، والشام منهم أربعة ، فأما اليمانيون : فمذحج ، وكندة ، والأزد ، والأشعريون ، وأنمار ، وحمير ، وأما الشامية : فلخم ، وجذام ، وعاملة ، وغسّان» وإسناده حسن.

قال علماء النسب كمحمد بن إسحاق : اسم سبأ : عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وإنما سمي سبأ ؛ لأنه أول من سبأ ـ أي تفرق ـ في العرب ، وكان يقال له : الرائش ؛ لأنه أول من غنم في الغزو ، فأعطى قومه ، فسمي الرائش ، والعرب تسمي المال ريشا ورياشا.

وأرض سبأ : طيبة الثمار والهواء ، كثيرة الخيرات والبركات ، أنعم الله على أهلها بنعم كثيرة ليوحدوه ويعبدوه. والسابئيون : قوم سكنوا اليمن ، وأقاموا المدن العظام ذات الحصون والقلاع والقصور الشامخة.

واختلفوا في قحطان على ثلاثة أقوال : أحدها ـ أنه من سلالة إرم بن سام بن نوح ، والثاني ـ أنه من سلالة عابر وهو هود عليه‌السلام ، والثالث ـ أنه من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام.

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٥٣٠

١٦٤

وأما سد مأرب : فكأن الماء يأتيهم من بين جبلين ، وتجتمع إليه أيضا سيول أمطارهم وأوديتهم ، فعمد ملوكهم الأقادم ، فبنوا بينهما سدا عظيما محكما ، حتى ارتفع الماء ، وبلغ حافة الجبلين ، فغرسوا الأشجار ، واستغلوا الثمار.

وكان هذا السد بمأرب : بلدة بينها وبين صنعاء ثلاث مراحل ، ويعرف بسد مأرب. وقد جدد بناؤه عام ١٩٨٧ م.

التفسير والبيان :

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ (١) فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ ، وَاشْكُرُوا لَهُ ، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) كان لقبيلة سبأ باليمن التي كان منها ملوك اليمن في مسكنهم : مأرب آية هي بستانان عن يمين واديهم وشماله ، وكانت مساكنهم في الوادي ، وفي البستانين جميع الثمار ، فقيل لهم : كلوا من رزق ربكم ، أي من ثمار الجنتين ، والقائل لهم نبيهم ، أو القول بلسان الحال أو الدلالة ؛ لأنهم كانوا أحقاء بأن يقال لهم ذلك. وقيل لهم أيضا : واشكروا ربكم على ما رزقكم من هذه النعم ، ووحدوه واعبدوه ، واعتدال هوائها ، وصحة مناخها ، والله المنعم عليكم بهذه النعم رب غفور لذنوبكم إن استمررتم على التوحيد والطاعة.

(فَأَعْرَضُوا ، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ، وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ ، وَأَثْلٍ ، وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) أي فأعرضوا عن توحيد الله ، وعبادته وطاعته ، وشكره على ما أنعم به عليهم ، وعدلوا إلى عبادة الشمس من دون الله ، كما حكى القرآن عن قول الهدهد لسليمان عليه‌السلام : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ، وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَها عَرْشٌ

__________________

(١) منصرف على أنه اسم حي ، وهو في الأصل اسم رجل ، كما تقدم بيانه.

١٦٥

عَظِيمٌ ، وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ، فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) [النمل ٢٧ / ٢٢ ـ ٢٤].

فأرسل الله عليهم سيل العرم ، أي المياه الكثيرة الغزيرة ، بأن تحطم سد مأرب ، فملأ الماء الوادي ، وغرّق البساتين الخضراء ثم يبست ، ودفن البيوت ، ولم يبق منهم إلا شراذم قليلة تفرقت في البلاد ، وأعطوا بدل تلك الجنان والبساتين المثمرة الأنيقة النضرة بساتين لا خير فيها ولا فائدة منها ، وإنما أشجار ذات ثمر مرّ هي الأراك ، وأثل هو الطرفاء ، والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل ، وهو شجر النبق.

قال القشيري : وأشجار البوادي لا تسمى جنة وبستانا ، ولكن لما وقعت الثانية في مقابلة الأولى أطلق لفظ الجنة ، وهو كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى ٤٢ / ٤٠].

وسبب هذا العقاب كما قال تعالى :

(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا ، وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) أي إن ذلك التبديل من الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والظلال الوارفة والأنهار الجارية إلى أشجار ذات أشواك وثمار مرة ، كان بسبب كفرهم وشركهم بالله ، وتكذيبهم الحق ، وعدولهم عنه إلى الباطل ، لقد عاقبناهم بكفرهم ، ولا يعاقب الله إلا المبالغ في كفران النعم ، والكفر بالرسل.

وبعد تعداد نعم الله على السابئيين في مساكنهم ، ذكر تعالى باقة أخرى من النعم أثناء تنقلهم في البلاد ، ومتاجرتهم مع بلاد الشام ، فقال :

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً) أي وجعلنا بين قراهم وقرى الشام التي باركنا فيها بالمياه والأشجار والخيرات الكثيرة قرى مرتفعة

١٦٦

معروفة ، متواصلة ، متقارب بعضها من بعض ، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها ، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل ماء ولا زاد ، بل حيث نزل وجد ماء وثمرا ، وهي قرى ظاهرة ، أي بينة واضحة يعرفها المسافرون ، لبنائها على هضاب عالية.

(وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي جعلناها محطات متعاقبة ذات مقادير متناسبة بحسب ما يحتاج المسافرون إليه ، فيقيلون في بلد ، ويبيتون في آخر ، إلى أن يصلوا إلى الشام.

(سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) أي وقيل لهم بلسان المقال أو الحال : سيروا في تلك القرى ليالي وأياما آمنين مما تخافون في السير ليلا ونهارا ، لا تخشون جوعا ولا عطشا ولا عدوا يهددكم.

ثم بطروا تلك النعمة ، فقال تعالى :

(فَقالُوا : رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) أي سئموا النعمة ، فتمنوا طول الأسفار والتباعد بين الديار ، وقالوا : ربنا اجعل بيننا وبين البلاد التي نسافر إليها مفاوز وقفارا ، ليركبوا فيها الرواحل ، والتزود بالزاد والماء ، إظهارا للتمايز الطبقي والتكبر والتفاخر على الفقراء والعاجزين ، كما طلب بنو إسرائيل من موسى أن يخرج الله لهم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ، مع أنهم كانوا في عيش رغيد بالمن والسلوى وما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس ، كما طلبوا أن يفصل بين القرى بمفاوز وقفار لأغراض حربية ، وهذا غاية الانتكاس على الفطرة ، والإمعان في تدمير مظاهر الحضارة والتمدن والحياة الهانئة ، لذا وصفهم الله بأنهم ظلموا أنفسهم إذ عرضوها للسخط والعذاب ، وعاقبهم الله على بطرهم النعمة وكفرهم بالله ، فقال :

(فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي جعلناهم عبرة لمن يعتبر ،

١٦٧

وحديثا للناس يسمرون به في مجالسهم ، وفرقنا شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء ، وفرقناهم في البلاد كل تفريق ، فصارت العرب تضرب بهم المثل ، فتقول : «تفرق القوم أيدي سبأ» وأيادي سبأ ، أي مذاهب سبأ وطرقها ، فنزلت الأوس والخزرج بيثرب ، وغسان آل جفنة بن عمرو بالشام ، والأزد بعمان والسّراة ، وخزاعة بتهامة ، فمزقهم الله كل ممزق ، وهدم السيل بلادهم.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي إن في هذا الذي حلّ بهؤلاء من النقمة والعذاب ، وتبديل النعمة ، وتحويل العافية ، عقوبة على ما ارتكبوه من الكفر والآثام ، لعبرة ودلالة لكل عبد صبار على المصائب ، شكور على النعم.

وفي هذا إشادة بالصبر ، روى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن : إن أصابه خير حمد ربه وشكر ، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر ، يؤجر المؤمن في كل شيء حتى اللقمة يرفعها إلى في امرأته». وروي في الصحيحين عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه : «عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله تعالى له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته سرّاء شكر ، فكان خيرا له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ، فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن».

وكان مطرّف بن الشّخير يقول : نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر.

وبعد بيان قصة سبأ وما كان من أمرهم في اتباع الهوى والشيطان ، أخبر تعالى بأنهم وأمثالهم هم ممن اتبع إبليس والهوى ، وخالفوا الرشاد والهدى ، فقال : فقال :

١٦٨

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي ظن إبليس بهؤلاء السابئيين أنه إذا أغواهم اتبعوه ، فكان كما ظن بوسوسته ، فانقادوا لإغوائه وعصوا ربهم وعبدوا الشمس من دون الله ، إلا فريقا مؤمنا منهم قاوموا وسوسة الشيطان وعصوا أمره ، وثبتوا على طاعة الله تعالى.

(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ ، وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي لم يكن لإبليس على هؤلاء القوم من حجة وبرهان لإضلالهم ، ولم يقهرهم على الكفر ، وإنما كان منه الوسوسة والتزيين ، قال الحسن البصري : والله ما ضربهم بعصا ولا أكرههم على شيء ، وما كان إلا غرورا وأماني دعاهم إليها ، فأجابوه.

ولكن ابتليناهم بوسوسته وسلطانه عليهم لنعلم علم ظهور ـ وإلا فالله بكل شيء عليم ـ أمر من يؤمن بالآخرة وقيامها ، والحساب فيها ، والجزاء بالثواب والعقاب ، ممن هو منها في شك ، فلا يؤمن بحدوثها ولا بما اشتملت عليه من ثواب وعقاب. وربك أيها الرسول محافظ ورقيب على كل شيء ، ومنه أعمال هؤلاء الكفار ، وسيجازيهم عليها يوم الآخرة.

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يأتي :

١ ـ لقد كان لقبيلة سبأ باليمن بساتين خضراء ومناظر رائعة حسناء ، وخيرات وفيرة عن يمين واديهم التي يسكنون فيها وعن شمالهم في مأرب ، وتلك علامة دالة على قدرة الله تعالى على أن لهم خالقا خلقهم ، وأن كل الخلائق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة ، لم يمكنهم ذلك ، ولم يهتدوا إلى اختلاف أجناس الثمار وألوانها وطعومها وروائحها وأزهارها ، وفي ذلك ما يدل على أنها لا تكون إلا من عالم قادر.

١٦٩

٢ ـ كان جديرا بهم أن يشكروا نعم الله وما رزقهم بالطاعة ، فضلا عن أن الرسل قالت لهم ذلك ، فهذه أي مأرب بلدة طيبة ، أي كثيرة الثمار ، معتدلة المناخ ، لطيفة الهواء ، بعيدة عن المؤذيات ، والمنعم بهذه النعم عليهم ربّ غفور يستر ذنوبهم ، فجمع الله تعالى لهم بين مغفرة ذنوبهم وطيب بلدهم ، ولم يجمع ذلك لجميع خلقه.

٣ ـ لقد خيبوا ما يظن بهم ، فأعرضوا عن أمر ربهم واتباع رسله بعد أن كانوا مسلمين ، فأرسل عليهم سيل العرم ، أي نقض سدّ مأرب ، فتدفقت المياه المدرارة الغزيرة ، فغرّقت بساتينهم ، ودفنت بيوتهم ، فيبست الأشجار المثمرة ، ونبت مكانها أشجار مرّة لا خير فيها من الخمط أي الأراك ، والأثل : وهو كما قال الفراء : شجر شبيه بالطرفاء إلا أنه أعظم منه طولا ، والسّدر وهو نوعان : نوع له ثمر عفص لا يؤكل ، وهو الذي يسمى الضّال ، ونوع ينبت على الماء وثمره النّبق ، وورقه يشبه شجر العنّاب.

قال قتادة : بينما شجر القوم من خير شجر إذ صيّره الله تعالى من شرّ الشجر بأعمالهم ، فأهلك أشجارهم المثمرة ، وأثبت بدلها الأراك والطّرفاء والسّدر.

٤ ـ هذا التبديل من النعمة إلى النقمة جزاء كفرهم ، ولا يعاقب بهذا إلا المبالغ في كفران النعمة والكفر بالله تعالى.

وتساءل الزمخشري والقرطبي : لم خص الله تعالى المجازاة بالكفور ، ولم يذكر أصحاب المعاصي؟ والجواب أن المراد : هو الجزاء الخاص وهو العقاب بالاستئصال والإهلاك ، وليس المراد : الجزاء العام الذي يشمل الكافر والمؤمن. هذا في الدنيا ، وأما في الآخرة فقالت عائشة رضي‌الله‌عنها : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من حوسب هلك (١) ، فقلت : يا نبي الله ، فأين قوله جلّ وعزّ : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) قال : إنما ذلك العرض ، ومن نوقش الحساب

__________________

(١) ورواه الترمذي عن أنس : «من حوسب عذب».

١٧٠

هلك» والمعنى : أن الكافر يكافأ على أعماله ويحاسب عليها ويحبط ما عمل من خير.

٥ ـ ومن النعم على أهل سبأ جعل طرقاتهم وممراتهم التجارية بين اليمن والشام مأهولة ، لا تحتاج إلى حمل ماء وزاد ، فقد جعل لهم محطات يستريحون فيها بالقيلولة والمبيت هي القرى الكثيرة على طول الطريق إلى الشام ، قيل : إنها كانت أربعة آلاف وسبع مائة قرية بورك فيها بالشجر والثمر والماء. والمسافات بين تلك القرى منتظمة ، إذ جعل بين كل قريتين نصف يوم ، حتى يكون المقيل في قرية والمبيت في قرية أخرى.

كما أن تلك الطرقات كانت آمنة غير مخوفة ليلا ونهارا ، ولا يحتاجون إلى طول السفر ، لوجود ما يحتاجون إليه. قال قتادة : كانوا يسيرون غير خائفين ولا جياع ولا ظماء ، وكانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان ، لا يحرّك بعضهم بعضا ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لا يحرّكه ، فلم يشكروا النعمة ، بل طلبوا التعب والكدّ.

٦ ـ بطروا النعمة أيضا ، وطغوا ، وسئموا الراحة ، ولم يصبروا على العافية ، فتمنوا طول الأسفار والكدح في المعيشة ، فتبددوا في الدنيا ، وتفرقوا في البلاد كل تفرق ، وجعل بينهم وبين الشام فلوات ومفاوز يركبون فيها الرواحل ، ويتزودون الأزواد ، وظلموا أنفسهم بكفرهم ، وأصبحوا مدار القصص والتحدث بأخبارهم ، وعبرة للمعتبر.

٧ ـ إن في هذا التبديل والتدمير وتغير نمط الحياة من رفاه ونعومة إلى تعب وكدّ وشظف وخشونة لعبرة ودلالة لكل صبار يصبر عن المعاصي ، شكور لنعم الله تعالى.

٨ ـ كانوا في كفرانهم النعم ، وجحودهم وجود الله وعبادتهم الشمس ،

١٧١

وإعراضهم عن طاعة الرسل ، واتباعهم أهواءهم ، كما توقع إبليس الذي سوّل له ظنه فيهم شيئا ، فصدق ظنه أنه يغويهم ، فأغواهم فاتبعوه ، إلا قوما منهم أطاعوا الله تعالى ، وآمنوا برسلهم.

٩ ـ لا سلطان لإبليس على قلوب الناس ، ولا حجة يضلهم بها ، ولا قدرة له على قهرهم على الكفر ، وإنما كان منه الدعاء والتزيين والوسواس ، وكان منهم أنهم اتبعوه بشهوة وتقليد ، وهوى نفس ، لا عن حجة ودليل ، وكان هو مجرد آية وعلامة خلقها الله لتبيين ما هو في علمه السابق.

وتوضيح ذلك : لقد سلطه الله على الناس ، كما يسلط الذباب على العيون القذرة ، والأوبئة على من أهمل النظافة ، فتكون الفريسة من لا قدرة له على المقاومة ، وينجو الأقوياء الأصحاء المجاهدون.

وهو تسليط قصد به الابتلاء والاختبار ، وإظهار الواقع ، مع أن الله يعلم بكل شيء ، وتكون النتيجة ظهور أمر المؤمن بالله وبالآخرة ، وتمييزه عن الشاك بوجود الله وبالقيامة ، وتنصب في النهاية أعمال العباد في الحافظة الإلهية ، فهو سبحانه يحفظ كل شيء على العبد حتى يجازيه عليه.

إبطال شفاعة آلهة المشركين

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣))

١٧٢

الإعراب :

(ما ذا قالَ رَبُّكُمْ ما) في موضع نصب ب (قالَ) وذا : زائدة.

(قالُوا الْحَقَ الْحَقَ) : منصوب ب (قالُوا) أيضا ، ليكون الجواب على وفق السؤال.

البلاغة :

(قُلِ : ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) تعجيز بدعاء الجماد الذي لا يسمع.

المفردات اللغوية :

(قُلِ) أيها الرسول للمشركين في مكة وغيرها ، وهو أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يقول لكفار قريش : هؤلاء الأصنام الذين زعمتموهم آلهة من دون الله ، ادعوهم ليكشفوا عنكم الضرّ الذي نزل بكم في سنين الجوع. (ادْعُوا) نادوا. (زَعَمْتُمْ) زعمتموهم آلهة. (مِنْ دُونِ اللهِ) غيره ، لينفعوكم بزعمكم. ثم أجاب تعالى عنهم إشعارا بتعين الجواب دون مكابرة : وهو (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أي لا يملكون وزن ذرة من خير أو شر.

(وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ) أي ليس لتلك الآلهة المزعومة من شركة ، لا خلقا ولا ملكا. (وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) أي ليس له تعالى من الآلهة من معين يعينه على تدبير أمرهما. (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ) تعالى ، فلا تنفعهم شفاعة آلهتهم كما يزعمون ، وهو رد لقولهم : إن آلهتهم تشفع عنده. (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) أذن له أن يشفع. (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) كشف عنها الفزع بالإذن فيها ، والفزع : انقباض بسبب الخوف. (قالُوا) قال بعضهم لبعض استبشارا (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ)؟ في الشفاعة. (قالُوا : الْحَقَ) قالوا : قال القول الحق ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى ، وهم المؤمنون. (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ذو العلو فوق خلقه بالقهر ، وذو الكبرياء العظيم ، ليس لملك ولا نبي أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه.

المناسبة :

بعد بيان حال الشاكرين كداود وسليمان ، وحال الكافرين كسبا وما فعله بهم حين بطروا النعمة وكذبوا الرسل ، عاد الله تعالى إلى خطاب المشركين ومناقشتهم ومطالبتهم على سبيل التهكم بهم بأن يستعينوا بآلهتهم المزعومة ليكشفوا

١٧٣

عنهم الضر ، ثم بيّن أنهم لا يملكون شيئا ولا تنفع شفاعتهم ، فكيف يعبدونهم ، وشأن المعبود تحقيق النفع للعابد؟

التفسير والبيان :

(قُلِ : ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي قل أيها النبي لهؤلاء المشركين من قريش : نادوا تلك الآلهة المزعومة كالأصنام ، والتي عبدت من دون الله ، ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم في سني الجوع ، أو يجلبوا لكم النفع.

ثم أجاب سبحانه عنهم الجواب المتعين دون مكابرة ، مبينا خطأهم ، فقال :

(لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أي إن تلك الآلهة المزعومة لا يملكون شيئا أبدا ، ولو كان وزن ذرة في السموات والأرض ، وليس لهم قدرة على خير ولا شر في أمر من الأمور ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) [فاطر ٣٥ / ١٣].

ثم نفى الله تعالى وجود الشريك والمعين له ، فقال :

(وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ ، وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) أي لا تستطيع الأصنام شيئا أصلا ، لا استقلالا ، ولا شركة في الخلق أو الملك ، فليس لله شريك ولا معين على خلق شيء ولا على حفظه ، كما قال تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ، وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) [الكهف ١٨ / ٥١] بل الخلق كلهم فقراء إليه ، عبيد لديه.

ثم نفى إمكان شفاعتهم ، فقال :

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) أي لا تنفعهم شفاعة تلك الأصنام ؛ لأنه لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال إلا لمن أذن الله له أن يشفع ، من الملائكة والنبيين ونحوهم من أهل العلم والعمل ، وهو لا يأذن للكافرين ،

١٧٤

وهؤلاء الشفعاء المأذون لهم لا يشفعون إلا لمن يستحق الشفاعة ، لا للكافرين ، كما قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة ٢ / ٢٥٥] وقال سبحانه : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) [النجم ٥٣ / ٢٦] وقال عزوجل : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ، وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء ٢١ / ٢٨] وقال عز اسمه : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ ٧٨ / ٣٨].

ومفاد هذه الآيات : أن الشفاعة تحتاج إلى إذن الله تعالى ، ولا شفاعة إلا لمن ارتضى الله ، وأن تكون أسباب الشفاعة حقا وصوابا مقبولا ، لهذا ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو سيد ولد آدم ، وأكبر شفيع عند الله تعالى حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلهم حينما يأتي ربهم لفصل القضاء ، أنه قال : «فأسجد لله تعالى ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن ، ثم يقال : يا محمد ارفع رأسك ، وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع».

وفي هذا الموقف الرهيب يتجلى مقام رفيع من العظمة الإلهية ، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي ، فسمع أهل السموات كلامه ، أرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي ، كما قال ابن مسعود رضي‌الله‌عنه ومسروق وغيرهما.

وهنا ذكر الله تعالى ما يحدث بعد انتظار الإذن بالشفاعة ، فقال :

(حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا : ما ذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا : الْحَقَّ ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) أي إن الناس والملائكة يقفون فزعين خائفين منتظرين الإذن بالشفاعة ، حتى إذا أذن للشافعين ، وأزيل الخوف والفزع عنهم ، قال بعضهم لبعض : ما ذا قال ربكم في الشفاعة؟ قالوا للذي قال : قال ربنا القول الحق ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى ، والله هو المتفرد بالعلو والكبرياء والعظمة ،

١٧٥

لا يشاركه في ذلك أحد من خلقه ، وليس لملك ولا لنبي أن يتكلم في ذلك اليوم إلا بإذنه تعالى.

وكلمة (حَتَّى) وقعت غاية لشيء مفهوم ضمنا وهو أن ثم انتظارا للإذن وتوقعا وتمهلا من الراجين للشفعاء ، والشفعاء هل يؤذن لهم أو لا يؤذن؟

فقه الحياة أو الأحكام :

هذه مناقشة معلن عنها مسبقا في القرآن الكريم ، تحدث على سبيل التهكم والتوبيخ والتعجب بين الإله الخالق وبين المشركين.

يأمر الله فيها نبيه أن يقول لهؤلاء المشركين : هل عند شركائكم قدرة على شيء من النفع يحققونه لكم؟ ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لكم من دون الله لتنفعكم ، أو لتدفع عنكم ما قضاه الله تبارك وتعالى عليكم ، فإنهم لا يملكون ذلك.

إنهم لا يملكون شيئا أصلا ولو وزن ذرة في السموات والأرض ، وليس للأصنام في السموات والأرض مشاركة ، لا بالخلق ولا بالملك ، ولا بالتصرف ، وليس لله من معين يعينه على شيء من أمر السموات والأرض ومن فيهما ، بل الله المنفرد بالإيجاد والتدبير ، فهو الذي يعبد ، وعبادة غيره محال.

ولا تنفع شفاعة الملائكة وغيرهم عند الله إلا لمن أذن له ، حتى إذا وقفوا ـ أي الراجون للشفاعة والشفعاء ـ جميعا خائفين وجلين منتظرين الإذن بالشفاعة ، ثم أزيل الفزع عن قلوبهم ، تساءل الناس فيما بينهم وقالوا للملائكة : ما ذا أمر الله بالشفاعة؟ فيجيبون : إنه أذن في الشفاعة للمؤمنين لا للكافرين ، والله هو المتعالي المتكبر العظيم ، فله أن يحكم في عباده بما يريد.

وهكذا يتبين أن الله تعالى يأذن للأنبياء والملائكة في الشفاعة ، وهم على غاية الفزع من الله ، كما قال : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) ولن يكون الإذن

١٧٦

بالشفاعة لتلك الآلهة المزعومة من الأصنام وغيرها ، كما لن تكون الشفاعة إلا لمن رضي الله من المؤمنين ، لا الكافرين. وهذا بيان جلي يقطع الأطماع في الشفاعة الموهومة ، ويبدد الآمال في النجاة من غير أمر الله ورضوانه.

وقوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) دليل على : كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن ، تباشروا بذلك ، وسأل بعضهم بعضا. والمأذون لهم في الشفاعة : الملائكة وغيرهم ، في رأي جمهور المفسرين منهم الزمخشري وأبو حيان.

وقال الشوكاني في فتح القدير : هذا الفزع يكون للملائكة في كل أمر يأمر به الرب ، أخرج البخاري وأبو داود ، من حديث أبي هريرة ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله ، كأنه سلسلة على صفوان ، ينفذهم ذلك ، فإذا فزع عن قلوبهم ، قالوا : ما ذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال : الحقّ ، وهو العلي الكبير».

إقرار المشركين بأن الله هو الرازق وإعلامهم بالحاكم ووقت الحكم

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا

١٧٧

يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠))

الإعراب :

(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً إِيَّاكُمْ) ضمير منفصل منصوب معطوف على اسم «إن» و (لَعَلى هُدىً) إما خبر لقوله : (وَإِنَّا) وخبر (إِيَّاكُمْ) محذوف لدلالة الأول عليه ، أو أن يكون خبرا للثاني ، وخبر الأول محذوف لدلالة الثاني عليه. وهذا كقولهم : زيد وعمرو قائم ، إما أن يجعل قائم خبرا للأول ، ويقدر للثاني خبر ، وإما أن يجعل خبرا للثاني ، ويقدر للأول خبر.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً .. كَافَّةً) منصوب على الحال من كاف (أَرْسَلْناكَ) ولا يجوز جعلها حالا من الناس على المختار. وأصله «كاففة» اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد ، فسكن الأول وأدغم في الثاني ، فصار (كَافَّةً) وتقديره : وما أرسلناك إلا كافّا للناس. ودخلت التاء للمبالغة ، كعلّامة ونسّابة.

(لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ ..) مبتدأ مرفوع ، و (لَكُمْ) خبره ، والهاء في (عَنْهُ) عائدة على الميعاد.

البلاغة :

(قُلْ : مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) توبيخ وتبكيت.

(قُلِ : اللهُ) حذف الخبر ، لدلالة السياق عليه ، أي قل الله الخالق الرازق للعباد.

(تَسْتَأْخِرُونَ) و (تَسْتَقْدِمُونَ) بينهما طباق.

(وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) صيغة مبالغة على وزن فعّال وفعيل.

المفردات اللغوية :

(قُلْ : مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يريد به تقرير قول السابق : لا يملكون ، والرزق من السموات : المطر ، ومن الأرض : النبات. (قُلِ : اللهُ) أي لا جواب سواه ، وفيه إشعار بأنهم إن سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الإلزام ، فهم مقرّون به بقلوبهم. (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) أي أحد الفريقين. (لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي إما في حال هدى أو في ضلال

١٧٨

واضح. وهذا بعد ما تقدم من التقرير البليغ الدال على من هو على الهدى ، ومن هو في الضلال. وهذا الإبهام أبلغ من التصريح ؛ لأنه في صورة الإنصاف المسكت للخصم ، وهو تلطف بهم في الدعوة إلى الإيمان إذا وفقوا له.

(أَجْرَمْنا) أذنبنا ، أو وقعنا في الجرم ، وهو الذنب. (وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) لأنا بريئون منكم. (يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة. (ثُمَّ يَفْتَحُ) أي يحكم ، والفتاح : الحاكم ؛ لأنه يفتح طريق الحق ويظهره ، وبعد الحكم يدخل تعالى أهل الحق والإيمان الجنة ، وأهل الباطل والكفر النار. (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) الحاكم بالحق. (الْعَلِيمُ) بما يحكم به وبما يتعلق بحكمه وقضائه من المصالح.

(قُلْ : أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) أي أعلموني بالدليل وجه الشركة في استحقاق العبادة ، وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم ، زيادة في تبكيتهم. (كَلَّا) كلمة للزجر عن كلام أو فعل صدر من المخاطب ، والمراد هنا : ردع لهم عن اعتقاد شريك لله تعالى. (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الموصوف بالغلبة وكمال القدرة ، والحكمة الباهرة في تدبيره لخلقه ، فلا يكون له شريك في ملكه.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) أي وما أرسلناك إلا للناس جميعا عربهم وعجمهم ، و (كَافَّةً) مانعا لهم ، من الكف وهو المنع عن الكفر ودعوتهم إلى الإسلام ، أو جامعا لهم بالإنذار والإبلاغ ، من الكف بمعنى الجمع ، والتاء للمبالغة ، والمعنى على الأول : إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم ؛ لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد ، وعلى الثاني : إلا جامعا للناس في الإبلاغ والإنذار ، وهو حال من الكاف ، ولا يجوز جعله حالا من (لِلنَّاسِ) لأن تقدم حال المجرور عليه ممنوع كتقدم المجرور على الجار. (بَشِيراً وَنَذِيراً) مبشرا للمؤمنين بالجنة ، ومنذرا للكافرين بالعذاب. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك ، فيحملهم جهلهم على مخالفتك ، فهم لا يعلمون ما عند الله وما لهم من النفع في إرسال الرسل.

(وَيَقُولُونَ : مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي ويقول المشركون من فرط جهلهم : متى يكون هذا الوعد بالعذاب الذي تعدوننا به يا محمد وصحبه ، وهو قيام الساعة ، أخبرونا به إن كنتم صادقين فيه. والخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين. (مِيعادُ يَوْمٍ) وعد يوم أو زمان وعد ، وهو يوم البعث أو القيامة. (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) أي هذا الميعاد المضروب لكم لا تتأخرون عنه ولا تتقدمون عليه ، بل يكون لا محالة في الوقت الذي قدّر الله وقوعه فيه. وهو جواب تهديد جاء مطابقا لما قصدوه بسؤالهم من التعنت والإنكار.

١٧٩

المناسبة :

بعد بيان أن الأصنام ونحوها من الآلهة المزعومة لا يملكون شيئا في الكون ، أبان الله تعالى أن المشركين يعترفون بأن الرازق من السماء والأرض بما ينزل من المطر وينبت من الزرع ويوجد من المعادن هو الله ، فيلزمهم أن يعتقدوا بأنه لا إله غيره ، وأن المحق واحد من الفريقين وغيره مبطل ، والمحق هم المؤمنون لقيام الدليل على التوحيد ، وأن يعلموا أن الله هو الحاكم بالحق يوم القيامة ، وأنه هو الخالق الرازق ، أما الشركاء فلا يخلقون ولا يرزقون.

التفسير والبيان :

(قُلْ : مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، قُلِ : اللهُ) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين عبدة الأوثان والأصنام على سبيل التوبيخ والتبكيت : من الرازق لكم من السموات بإنزال المطر ، ومن الأرض بالنبات والمعادن ونحوها؟ قل لهم : هو الله الذي يرزقكم ، إن لم يجيبوا ، بل لا جواب لهم سواه ، وقد أجابوا فعلا في آيات أخرى بأنه هو الله ، قال تعالى : (قُلْ : مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ ، وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ، وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ؟ فَسَيَقُولُونَ : اللهُ ، فَقُلْ : أَفَلا تَتَّقُونَ) [يونس ١٠ / ٣١].

وإذا اعترفتم بأن الله هو الرازق ، فلم تعبدون سواه ممن لا يقدر على الرزق؟ كما قال تعالى تبكيتا وتعنيفا لهم : (قُلْ : مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؟ قُلِ : اللهُ ، قُلْ : أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ، لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) [الرعد ١٣ / ١٦].

ثم دعاهم الله تعالى إلى الإيمان بالله بطريق التلطف ، بعد هذا الإلزام القائم مقام الاعتراف والإقرار ، فقال :

١٨٠