التفسير المنير - ج ٢٠

الدكتور وهبة الزحيلي

الإعراب :

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ ..) اللام في (لِيَكُونَ) يسميها البصريون لام العاقبة ، أي كان عاقبة التقاطهم العداوة والحزن ، وإن لم يكن التقاطهم له لهما. ويسميها الكوفيون لام الصيرورة ، أي صار لهم عدوا وحزنا ، وإن التقطوه لغيرهما.

(قُرَّتُ عَيْنٍ ..) إما خبر مبتدأ محذوف ، أي هو قرة عين ، وإما مبتدأ ، وخبره : (لا تَقْتُلُوهُ).

(وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) الجملة حال من الملتقطين.

(إِنْ كادَتْ) مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف أي إنها.

(بَلَغَ أَشُدَّهُ) إما جمع شدّة كنعمة وأنعم ، وإما جمع شدّ ، نحو قدّ وأقدّ ، وإما واحد مفرد ، وليس في الأسماء المفردة ما هو على وزن أفعل إلا «أصبغ» و «آجر» و «أيمن» وآنك : وهو الرصاص المذاب الخالص.

البلاغة :

(إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) عبر بالجملة الاسمية عن الفعلية : سنرده ونجعله ، للاعتناء بالبشارة ؛ لأن الجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار.

(لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) استعارة ، شبه ما ألقى في قلبها من الصبر بربط الشيء خشية ضياعه ، مستعيرا لفظ الربط للصبر.

(لا تَقْتُلُوهُ) خاطبت امرأة فرعون زوجها بصيغة الجمع بدل صيغة المفرد «لا تقتله» للتعظيم.

(وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) توافق الفواصل من المحسنات البديعية.

المفردات اللغوية :

(وَأَوْحَيْنا) وحي إلهام ، مثل (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النحل ١٦ / ٦٨] أو وحي منام. (أَنْ أَرْضِعِيهِ) ما أمكنك إخفاؤه. (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) بأن يحسّ به أحد. (الْيَمِ) البحر أي النيل. (وَلا تَخافِي) غرقه. (وَلا تَحْزَنِي) لفراقه ، والخوف : غم لتوقع مكروه في المستقبل ، والحزن : غم يحدث بسبب مكروه حصل. (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) عن قريب بحيث تأمنين

٦١

عليه. (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) بشارة بالرسالة والنبوة. فأرضعته ثلاثة أشهر ، ولما ألح فرعون في طلب المواليد وأرسل الجواسيس للبحث ، وضعته في تابوت مطلي بالقار من الداخل ، وألقته في بحر النيل ليلا. (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) الالتقاط : أخذ الشيء فجأة من غير طلب له ولا إرادة. أي التقط أعوان فرعون التابوت صبيحة الليل ، ووضعوه بين يديه ، ففتحه وأخرج موسى منه. (لِيَكُونَ لَهُمْ) في عاقبة الأمر. (عَدُوًّا) ينقض لهم جذور تدينهم. (وَحَزَناً) يزيل ملكهم ، وحزن : اسم فاعل من حزن كأحزن ، وقرئ «حزنا».

(وَهامانَ) وزير فرعون. (خاطِئِينَ) آثمين عاصين ، من الخطيئة وهي هنا الشرك ، مأخوذ من خطئ : تعمد الخطأ. أما أخطأ : فمعناه لم يصب ، بغير تعمد. (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) وقد همّ مع أعوانه بقتله. (قُرَّتُ عَيْنٍ) أي هو قرة عين ، أي مصدر فرح وسرور ، يقال : قرّت به العين ، أي فرحت وسرّت. (لا تَقْتُلُوهُ) خطاب بلفظ الجمع للتعظيم. (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع. (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) أو نتبناه ، فإنه أهل له. (هُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي والحال أنهم لا يشعرون بعاقبة أمرهم معه ، وأنهم مخطئون في التقاطه وفي طمع النفع منه.

(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) أي خاليا من العقل ، لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون عدو بني إسرائيل ، مثل قوله تعالى : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) [إبراهيم ١٤ / ٤٣] أي لا عقول فيها. (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي لتظهر بأنه ابنها. (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) بالصبر ، أي سكّناه وثبتناه. (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) المصدقين بوعد الله. وجواب (لَوْ لا) دل عليه ما قبله.

(قُصِّيهِ) اقتفي أثره وتتبعي خبره حتى تعلمي مصيره. (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) أي أبصرته عن بعد اختلاسا. (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) لا يدرون أنها أخته وأنها ترقبه. (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) قبل رده إلى أمه ، أي منعناه أن يرتضع من المرضعات ، فلم يقبل ثدي واحدة من المراضع المحضرة له. (فَقالَتْ) أخته. (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) أي يتكفلون أو يضمنون إرضاعه والقيام بشؤونه لأجلكم. (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) لا يقصرون في إرضاعه وتربيته. (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بلقائه. (وَلا تَحْزَنَ) حينئذ بفراقه. (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) لتعلم علم مشاهدة أن وعد الله برده إليها صدق. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي ولكن أكثر الناس لا يعلمون بهذا الوعد ، ولا بأن هذه أخته وهذه أمه ، فمكث عندها إلى أن فطمته ، ثم تربى عند فرعون.

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) غاية نموه ، وهو مفرد جاء على وزن الجمع ، وبلوغ الأشد : من ثلاثين إلى أربعين سنة ، فإن العقل يكمل حينئذ. (وَاسْتَوى) اكتملت أو نضجت قواه الجسدية والعقلية

٦٢

ببلوغ أربعين سنة. (آتَيْناهُ حُكْماً) حكمة أي معرفة أسرار الشريعة. (وَعِلْماً) فقها في الدين. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي كما جزيناه نجزي المحسنين لأنفسهم.

التفسير والبيان :

بعد بيان منة الله على بني إسرائيل بإنقاذهم من بأس فرعون في قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) ابتدأ تعالى بذكر أوائل نعمه عليهم فقال : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) أي وألهمنا أم موسى إرضاعه ما أمكنها إخفاؤه عن العدو ، فأرضعته ثلاثة أو أربعة أشهر كما يقال.

(فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ ، فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ، وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) أي فإذا خفت عليه من القتل بسبب سماع أحد من الجيران صوته ، فألقيه في بحر النيل ، ولكن لا تخافي عليه حينئذ

من الغرق ومن الضياع ومن الوقوع في يد بعض جواسيس فرعون الذين يبحثون عن الولدان ، وغير ذلك من المخاوف ، ولا تحزني لفراقه. وهكذا طمأنها الحق تعالى عن مخاوفها وهواجسها الجديدة بعد إلقائه في البحر ، بإلقاء الأمان والسكينة في قلبها ؛ لأن عناية الله ورعايته تحوط بأنبيائه ورسله منذ بدء الحمل وفي عهد الطفولة.

وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل ، فاتخذت تابوتا ، ومهدت فيه مهدا ، فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه ، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت ، وألقته في النيل ، فذهب مع الماء واحتمله على سطحه ، حتى مرّ به على دار فرعون ، فالتقطه الجواري وذهبن به إلى امرأة فرعون آسية بنت مزاحم ، فلما كشفت عنه ، أوقع الله محبته في قلبها ، فآثرت الإبقاء عليه ، ولم تزل تكلم فرعون حتى تركه لها.

(إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي إنا سنرده عليك لتكوني أنت المرضعة له ، وسنجعله نبيا مرسلا إلى أهل مصر والشام.

٦٣

وقد جمعت هذه الآية الواحدة بين أمرين ونهيين ، وخبرين وبشارتين والأمران : هما أرضعيه وألقيه ، والنهيان : هما (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) ، والخبران : هما (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ) ، والبشارتان : في ضمن الخبرين ، وهما الرد والجعل من المرسلين.

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) أي فأخذه أهل فرعون ، لتكون عاقبة أمره أن يكون عدوا لهم بمجاهدته بمخالفة دينهم ، وموقعا لهم في الحزن بإغراقهم وزوال ملكهم.

ولام (لِيَكُونَ) لام العاقبة ، وليست لام التعليل ؛ لأنهم لم يريدوا قطعا بالتقاطه ذلك ، ولكن الله جعل دمارهم بما صنعت أيديهم ، فالتقطوه وربوه ، ليكون في نهاية أمره سببا لمأساتهم وتحقق ما توقعوه من زوال ملكهم. قال الرازي : واعلم أن التحقيق ما ذكره صاحب الكشاف وهو أن هذه اللام هي لام التعليل ، على سبيل المجاز دون الحقيقة ؛ لأن مقصود الشيء وغرضه يؤول إليه أمره ، فاستعملوا هذه اللام فيما يؤول إليه الشيء على سبيل التشبيه ، فإن اتخاذه عدوا لم يكن سبب التقاطهم له ، ولكن شبهت المحبة والتبني بالسبب الذي يؤدي إلى الفعل ، ويفعل الفعل لأجله ، كاستعارة الأسد للرجل الشجاع.

وسبب ذلك على يد موسى عليه‌السلام هو ما قاله تعالى :

(إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) أي إن هؤلاء كانوا مذنبين مجرمين ، فعاقبهم الله بأن ربّى عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم ، فهو من الخطيئة أي الإثم ، ويصح أن يكون من الخطأ فإنهم كانوا مخطئين في كل شيء ، فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم. قال الحسن البصري : معنى (كانُوا خاطِئِينَ) ليس من الخطيئة ، بل المعنى : وهم لا يشعرون أنه الذي يذهب بملكهم.

٦٤

أما جمهور المفسرين فقالوا : معناه كانوا خاطئين فيما كانوا عليه من الكفر والظلم ، فعاقبهم الله تعالى بأن ربي عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم ، كما ذكرنا.

وأما سبب عدم قتله فهو تشفع امرأة فرعون له ، فقال تعالى :

(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ : قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ، لا تَقْتُلُوهُ) أي قالت زوجة فرعون له : هو قرة عين لنا أي يكون لنا سلوى ، وتقرّ به عيوننا ، وتفرح به نفوسنا ، فلا تقتلوه ، لأن الله تعالى ألقى عليه المحبة ، فكان يحبه كل من شاهده عليه‌السلام ، كما قال سبحانه : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ، فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ، فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ، وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه ٢٠ / ٣٨ ـ ٣٩].

وكما هو مصدر سرور وسكن وسلوى قد يكون نافعا :

(عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي لعله يكون سببا للنفع والخير ، لما رأيت فيه من مخايل اليمن وأمارات النجابة ، أو نتخذه ولدا ونتبناه ، لما يتمتع به من الوسامة والجمال ، ولم يكن لها ولد من فرعون ، فحقق الله أملها بأن هداها به وأسكنها الجنة بسببه ، ولكن لا يشعر فرعون وقومه أن هلاكهم بسببه وعلى يده ، وأنه سيظهر على يديه من الحكمة والحجة ومعجزة النبوة ما سيكون سببا في تكذيبهم له ، مما يؤدي إلى هلاكهم ، فالله تعالى وحده عالم الغيب والشهادة ، ينصر رسله ، ويؤيد دينه ، ويخذل أعداءه ، ليكون ذلك عبرة وعظة للمؤمن والكافر.

وإذا كان الفرح غمر قلب آسية امرأة فرعون ، فإن الوساوس والهواجس ألمت بقلب أمه ، فقال تعالى :

٦٥

(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً ، إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ، لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها ، لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي أصبح فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر فارغا من كل شيء من شواغل الدنيا إلا من موسى ، كما أنه طار عقلها ، وسيطر عليها الخوف والفزع ، حين سمعت بوقوعه في يد فرعون ، وكادت من شدة حزنها وأسفها أن تظهر أنه ذهب لها ولد ، وتخبر بحالها أنها أمه ، لو لا أن الله ثبّتها وصبّرها ، لتكون من المصدقين الواثقين بوعد الله برده إليها : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).

والخلاصة : لو لا تثبيت الله قلبها وتصبيره إياها لكشفت أمرها ، وباحت بسرها ، وأظهرت أنه ابنها ، بحكم العاطفة والشفقة ، فألهمها الله أن تتعرف خبره بأخته :

(وَقالَتْ لِأُخْتِهِ : قُصِّيهِ ، فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي وقالت أم موسى لابنتها الكبيرة التي تعي ما يقال لها : تتبعي أثره ، وتعرفي خبره ، واطلبي شأنه من نواحي البلد ، فخرجت لذلك ، فهداها الله لمقرّ وجوده في بيت فرعون ، وأبصرته عن بعد أو من بعيد ، وهم لا يحسون بأنها تتعقبه ، وتتعرف حاله ، وأنها أخته.

وتتابعه عناية الله ويسوقه القدر إلى إرجاعه لمهد أمه ، فقال تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ ، فَقالَتْ : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ، وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ)؟ أي ومنعنا موسى أن يرضع ثديا غير ثدي أمه قبل رده إلى أمه وقبل مجيء أخته ، لكرامته عند الله وصيانته له أن يرتضع غير ثدي أمه ، والتحريم : استعارة للمنع ، لأن من حرم عليه الشيء فقد منعه. فقالت أخته لما رأت ارتباكهم واهتمامهم برضاعه : أتريدون أن أدلكم على أهل بيت يتكفلون بشأنه وإرضاعه وتربيته ، وهم حافظون له ، ناصحون ، يعنون بخدمته والمحافظة عليه؟

٦٦

قال ابن عباس : فلما قالت ذلك ، أخذوها وشكّوا في أمرها ، وقالوا لها : وما يدريك بنصحهم له وشفقتهم عليه؟ فقالت لهم : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في سرور الملك ، ورجاء منفعته ، أي عطائه ، فلما قالت لهم ذلك ، وخلصت من أذاهم ، ذهبوا معها إلى منزلهم ، فدخلوا به على أمه ، فأعطته ثديها ، فالتقمه ، ففرحوا بذلك فرحا شديدا ، وذهب البشير إلى امرأة الملك ، فاستدعت أم موسى ، وأحسنت إليها ، وأعطتها عطاء جزيلا ، وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة ، ولكن لكونه وافق ثديها.

ثم سألتها آسية أن تقيم عندها ، فترضعه ، فأبت عليها وقالت : إن لي بعلا وأولادا ، ولا أقدر على المقام عندك ، ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت ، فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك ، وأجرت عليها النفقة والصلات والكسا والإحسان الجزيل ، فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية قد أبدلها الله بعد خوفها أمنا ، في عز وجاه ورزق دارّ (١).

جاء في الحديث : «مثل الذي يعمل ويحتسب في صنعته الخير كمثل أم موسى ، ترضع ولدها ، وتأخذ أجرها».

(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ ، وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي فأرجعناه إلى أمه بعد التقاط آل فرعون له ، من أجل أن تقر عينها بابنها وتسرّ بوجوده لديها وسلامته عندها ، ولا تحزن عليه بفراقه ، ولتتيقن أن وعد الله فيما وعدها من رده إليها حق لا شك فيه حين قال لها : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ، وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فحينئذ تحققت برده إليها أنه كائن رسولا ، فعاملته في تربيته ما ينبغي له طبعا وشرعا من كمال الأخلاق.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي ولكن أكثر الناس لا يعلمون حكم الله في

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٣ / ٣٨٢.

٦٧

أفعاله وعواقبها المحمودة في الدنيا والآخرة ، فربما كان الأمر كريها إلى النفوس في الظاهر ، محمود العاقبة في الحقيقة ونفس الأمر ، كما قال تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ، وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [البقرة ٢ / ٢١٦] وقال تعالى : (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ، وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء ٤ / ١٩].

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى ، آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي ولما اكتملت قواه الجسدية والعقلية آتيناه الحكمة والعلم وفقه الدين وعلم الشريعة ، ومثل ذلك الذي فعلنا بموسى وأمه نجزي المحسنين على إحسانهم. وقد رجح الرازي أن المراد بالحكم هنا الحكمة والعلم ، لا النبوة (١).

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يأتي :

١ ـ قد يطلق الوحي على الإلهام ؛ لأن الوحي لا يكون إلا لنبي ، وقد أجمع العلماء على أن أم موسى وأم عيسى لم تكن واحدة منهما نبية ، وإنما ذلك من قبيل الإلهام ، كإلهام النحل اتخاذ البيوت.

وقد ألهم الله أم موسى بعد ولادته أن ترضعه ، فإذا خافت عليه من القتل ألقته في البحر ، دون خوف عليه من الغرق ولا حزن على فراقه ، فإن الله تكفل برده إليها وبجعله من الأنبياء المرسلين إلى أهل مصر.

٢ ـ قد يقصد الإنسان شيئا ويحدث شيء آخر ، فإن أهل فرعون التقطوا موسى الصغير ليكون لهم قرّة عين ، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا ، ولله في خلقه شؤون.

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٤ / ٢٣٢.

٦٨

٣ ـ كان إنقاذ موسى من البحر سببا في إسعاد الناس برسالته وإنزال التوراة عليه ، وهداية آسية امرأة فرعون إلى الإيمان بالله تعالى ، بعد أن أقنعت زوجها فرعون بإبقائه وعدم قتله رجاء أن يكون مصدر نفع لهم أو أن يتبنوه ، علما بأنها كانت لا تلد ، فاستوهبت موسى من فرعون ، فوهبه لها ، وكان فرعون لما رأى الرؤيا وقصها على كهنته وعلمائه ، قالوا له : إن غلاما من بني إسرائيل يفسد ملكك ؛ فأخذ بني إسرائيل بذبح الأطفال ، فرأى أنه يقطع نسلهم ، فعاد يذبح عاما ويستحيي عاما ، فولد هارون في عام الاستحياء (إبقاء الأولاد) وولد موسى في عام الذبح. يروى أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في البحر ، فأمرت بسوقه إليها وفتحه ، فرأت فيه صبيا صغيرا ، فرحمته وأحبته ، فقالت لفرعون : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ).

٤ ـ لا يشعر الناس بتدبير الله وتخطيطه ، وقد تكرر ذلك المعنى في الآيات فقال تعالى : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [٩] أي وهم لا يشعرون أن هلاكهم بسببه ، ثم كرر تعالى ذلك في الآية [١١] ثم قال : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).

٥ ـ هجمت الوساوس والمخاوف والهواجس على قلب أم موسى ، وطار عقلها لوقوع ابنها في يد فرعون عدو الإسرائيليين ، وقاربت أن تظهر أمره لو لا أن ثبّتها الله وصبّرها وملأ قلبها بالإيمان والاطمئنان والسكينة ، لتكون من المصدقين بوعد الله حين قال لها : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ).

٦ ـ كان لأخت موسى الذكية الحصيفة مريم بنت عمران كاسم مريم أم عيسى عليه‌السلام دور طيب ناجح في إقناع حاشية فرعون وامرأته بمن يقبل ثديها من النساء ، لحاجتها إلى عطاء الملك ، وطيبها وطيب رائحتها ، دون أن يشعروا أنها أخته ، لأنها كانت تمشي على ساحل البحر ، حتى رأتهم قد أخذوه ، فأرشدتهم بلباقة إلى أهل بيت يكفلونه ، وهم للملك ناصحون ، يحرصون على مسرّته ، ويطمعون في عطائه.

٦٩

٧ ـ إن تدبير الله الخفي الذي لا يصلح غيره في أي شيء أشد نفاذا وأنجح خطة من تدبير البشر ، فقد منع موسى الطفل من الارتضاع من قبل مجيء أمه وأخته ، ثم رده إليها ، وفاء بوعده لها ، وكان قد عطف الله قلب العدو عليه ، ولتعلم أن وعد الله حق ، أي لتعلم وقوعه ، فإنها كانت عالمة بأن رده إليها سيكون.

٨ ـ لم يؤت الله النبوة لأحد غير يحيى وعيسى عليهما‌السلام قبل بلوغ سن الأربعين الذي تكتمل فيه القوى العقلية والجسمية ، وتحقيق هذا في شأن موسى ، فإنه لما بلغ أشده ، أي غاية نموه ، ونضج وبلغ أربعين سنة آتاه الله النبوة والحكمة قبل النبوة والعلم والفقه في الدين ، يروى أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة.

وكما جزى الله موسى على طاعته وصبره على أمر ربه ، وجزى أم موسى لما استسلمت لأمر الله ، وألقت ولدها في البحر ، وصدّقت بوعد الله ، فرد ولدها إليها وهي آمنة ، ووهب له العقل والحكمة والنبوة ، كذلك يجزي كل محسن.

الخلاصة : أن هذا الفصل من قصة موسى عليه‌السلام بيان لما أنعم الله عليه في صغره من إنجائه من القتل والغرق في النيل ، وما أنعم عليه في كبره من إيتائه العلم والحكمة والنبوة والرسالة إلى بني إسرائيل والمصريين ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى ، إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ، فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ، يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي ، إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ ، فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ ..) [طه ٢٠ / ٣٧ ـ ٤٠].

٧٠

ـ ٣ ـ

قتل المصري خطأ وخروجه من مصر

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١))

الإعراب :

(هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) أراد بالجملة حكاية حال كانت فيما مضى ، كقوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف ١٨ / ١٨] فأعمل اسم الفاعل ، وإن كان للماضي ، على حكاية الحال. وقوله : (مِنْ عَدُوِّهِ) أي من أعدائه ، وعدو : يصلح للواحد والجمع.

(خائِفاً يَتَرَقَّبُ) خبر أصبح المنصوب. ويجوز أن يكون (فِي الْمَدِينَةِ) خبرها ، و (خائِفاً) حال منصوب. و (الَّذِي) مبتدأ مرفوع ، وخبره إما (يَسْتَصْرِخُهُ) وإما

٧١

(فَإِذَا) ويستصرخه في موضع نصب على الحال.

(يَسْعى) صفة رجل ، أو حال منه إذا جعل : من أقصى المدينة صفة له.

البلاغة :

(رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) استعطاف.

(جَبَّاراً لَغَوِيٌ مُبِينٌ) صيغ مبالغة على وزن فعّال وفعيل. وكذلك (الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

(إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) بينهما طباق أي بين «جبار» وهو المفسد في الأرض وبين كلمة (الْمُصْلِحِينَ).

(إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) التأكيد بإن واللام ليناسب مقتضى الحال ، ليجد موسى مخرجا.

المفردات اللغوية :

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) أي دخل موسى مصر آتيا من قصر فرعون ، وقيل : منف مدينة فرعون ، أو عين شمس من نواحي مصر. (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) أي في وقت لا يعتاد دخولها ولا يتوقعونه فيه ، قيل : كان وقت القيلولة ، أو بين العشاءين. (مِنْ شِيعَتِهِ) إسرائيلي ، أي من حزبه وجماعته الذين شايعوه وتابعوه في الدين ، وهم بنو إسرائيل. (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) قبطي ، أي من مخالفيه في الدين ، وهم القبط. (فَاسْتَغاثَهُ) طلب منه الغوث والنصرة والإعانة ، ولذلك عدّي بعلى ، وقرئ : فاستعانه. (فَوَكَزَهُ) فضرب القبطي بجمع كفه أي بيده ، وكان شديد القوة والبطش ، وقرئ : فلكزه ، أي فضرب به صدره. (فَقَضى عَلَيْهِ) قتله خطأ ، فأنهى حياته ، ولم يكن قصد قتله ، ودفنه في الرمل.

(هذا) أي قتله. (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) أي من تزيينه الذي هيج غضبي. ولا يقدح ذلك في عصمته ؛ لكونه خطأ ، وسماه ظلما ، واستغفر منه ، لاستعظام الصغائر ، بل وكان ذلك قبل النبوة في عهد الشباب ، في سن دون الثلاثين ؛ لأنه أوحي عليه في سن الأربعين بعد زواجه بابنة شعيب في مدين ، ورعيه الماشية عشر سنوات. (إِنَّهُ عَدُوٌّ) لابن آدم. (مُضِلٌ) موقع في الضلال والخطأ. (مُبِينٌ) ظاهر العداوة والإضلال.

(قالَ) موسى نادما. (ظَلَمْتُ نَفْسِي) بقتله. (فَاغْفِرْ لِي) فاستر ذنبي. (فَغَفَرَ لَهُ) باستغفاره. (الْغَفُورُ) لذنوب عباده. (الرَّحِيمُ) بهم. (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) أي بحق

٧٢

إنعامك علي بالمغفرة اعصمني فهو استعطاف ، أو هو قسم محذوف الجواب ، أي أقسم بإنعامك علي بالمغفرة وغيرها لأتوبن. (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) أي فلن أكون معينا لمن أجرم بعد هذه إن عصمتني.

(خائِفاً يَتَرَقَّبُ) ينتظر ما يناله من أذى أي استقادة أو قود (قصاص). (اسْتَنْصَرَهُ) طلب نصره وعونه. (يَسْتَصْرِخُهُ) يستغيث به على قبطي آخر. (لَغَوِيٌ) ضال. (مُبِينٌ) بيّن الغواية. (فَلَمَّا أَنْ) زائدة. (يَبْطِشَ) يضرب بسطوة وقوة وصولة. (بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) لموسى والمستغيث به. (قالَ) القبطي المصري ، أو قال الإسرائيلي المستغيث ؛ لأنه سماه غويا ، فظن أنه يبطش به. (إِنْ تُرِيدُ) ما تريد. (جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) تتطاول على الناس ولا تنظر العواقب. (مِنَ الْمُصْلِحِينَ) يبغون الإصلاح بين الناس ، فتدفع التخاصم بالتي هي أحسن. ولما قال هذا سمع القبطي ، وانتشر الحديث وبلغ الخبر إلى فرعون وملئه ، فعلم أن القاتل موسى ، فأخبر فرعون بذلك ، فأمر فرعون الذبّاحين بقتل موسى ، فهموا بقتله.

(وَجاءَ رَجُلٌ) هو مؤمن آل فرعون. (أَقْصَى الْمَدِينَةِ) آخرها أو من أبعد جهاتها. (يَسْعى) يسرع في مشيه من طريق أقرب من طريقهم. (إِنَّ الْمَلَأَ) أشراف قوم فرعون. (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) يتشاورون فيك ، وسميت المشاورة ائتمارا ، لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر به. (فَاخْرُجْ) من المدينة. (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) في الأمر بالخروج. واللام للبيان ، وليس صلة للناصحين لأن معمول الصلة لا يتقدم الموصول. (يَتَرَقَّبُ) يتلفّت يمنة ويسرة.

المناسبة :

بعد بيان ما أنعم الله به على موسى عليه‌السلام من إنجائه صغيرا من الذبح على يد فرعون ، وإيتائه الحكمة والعلم كبيرا تهيئة للنبوة ، ذكر ما أنعم به عليه من الخروج آمنا من مصر بعد قتله قبطيا مصريا ، كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى بلاد مدين.

التفسير والبيان :

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) أي ودخل موسى المدينة التي كان يسكنها فرعون ، وهي قرية على بعد فرسخين من مصر ، هي ـ كما قال

٧٣

الضحاك ـ عين شمس ، وذلك في وقت لا يتوقع دخوله فيها ، وهو إما وقت القيلولة في نصف النهار وقت الظهيرة والناس نيام ، أو ما بين المغرب والعشاء.

(فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ ، هذا مِنْ شِيعَتِهِ ، وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ ، فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ، فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ، قالَ : هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) أي فوجد موسى في تلك المدينة رجلين يتضاربان ويتنازعان ، أحدهما إسرائيلي من حزبه وجماعته ، والآخر قبطي مصري مخالف لموسى في العقيدة والدين ، وهو طباخ فرعون ، كان قد طلب منه أن يحمل حطبا للمطبخ فأبى ، فطلب الإسرائيلي من موسى النجدة والعون على عدوه القبطي ، فضربه موسى بيده ، فقضي عليه ، أي كان الضرب مفضيا إلى الموت ، وواراه التراب ، دون أن يعلم بذلك أحد إلا الرجل العبراني الذي نصره موسى.

ثم ندم موسى على ما فعل ، فقال : هذا الحادث من تزيين الشيطان وإغرائه.

(إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) أي إن الشيطان عدو للإنسان ، مضل له أي موقع له في الضلال والخطأ ، بيّن العداوة والإضلال ، ثم تاب من فعله فقال : (قالَ : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) أي قال موسى : يا رب ، إني ظلمت نفسي بهذا الفعل ، وهو قتل نفس بريئة ، فاستر لي ذنبي ، ولا تؤاخذني بما جنت يدي ، فإني أتوب إليك ، وأندم على فعلي.

وقد عدّ ذلك ذنبا ، لأن القتل لا يحل أصلا ، وذلك معروف من شرائع الأنبياء المتقدمين. قال النقاش : لم يقتله عن عمد مريدا للقتل ، وإنما وكزه وكزة يريد بها دفع ظلمه ، وإن هذا كان قبل النبوة.

روى مسلم عن سالم بن عبد الله أنه قال : يا أهل العراق! ما أسألكم عن الصغيرة ، وأركبكم للكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول : سمعت

٧٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الفتنة تجيء من هاهنا ـ وأومأ بيده نحو المشرق ـ من حيث يطلع قرنا الشيطان ، وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض ، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ ، فقال الله عزوجل : (وَقَتَلْتَ نَفْساً ، فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ ، وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً)».

(فَغَفَرَ لَهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي فعفا عنه وقبل توبته ، إنه تعالى الستار لذنوب عباده المنيبين إليه ، الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد التوبة والإنابة ، فشكر موسى ربه :

(قالَ : رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ، فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) أي قال موسى : يا رب اعصمني من الخطأ بحق ما أنعمت علي من المعرفة والحكمة والتوحيد ، ومن الجاه والعز والنعمة ، فلن أكون إن عصمتني معينا لمن ظلم وأجرم وأشرك. أو أقسم بإنعامك علي بهذه النعم الكثيرة لأتوبن ، ولن أناصر المشركين.

قال القشيري : ولم يقل لما أنعمت علي من المغفرة ؛ لأن هذا قبل الوحي ، وما كان عالما بأن الله غفر له ذلك القتل.

وذكر الماوردي وغيره أن الإنعام بالمغفرة أو الهداية. قال القرطبي : (فَغَفَرَ لَهُ) يدل على المغفرة ، والله أعلم.

وأراد بمظاهرة المجرمين : إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته ، وتكثير سواده ، حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد ، وكان يسمى ابن فرعون ؛ وإما بمظاهرة من أدّت مظاهرته إلى الجرم والإثم ، كمظاهرة الإسرائيلي المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له قتله.

ونظير الآية قوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ، فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود ١١ / ١١٣].

٧٥

(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ ، فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ، قالَ لَهُ مُوسى : إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي فصار موسى بعد حادثة قتل القبطي المصري خائفا من أن يظهر أنه هو القاتل ، فيطلب به ، وصار يتلفت ويتوقع أن يقتل بسبب جنايته ، فسار في بعض الطرق متخفيا مستترا ، فإذا ذلك الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس على المصري ، يطلب منه العون والغوث على مصري آخر ، فقال له موسى : إنك ظاهر الغواية ، كثير الفساد والشر والضلال.

(فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما ، قالَ : يا مُوسى : أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) أي فلما أراد موسى زجر عدوهما وهو القبطي ، قال له مستنكرا مستهجنا : أتريد الإقدام على قتلي كما قتلت نفسا البارحة ، وقد كان عرف القصة من الإسرائيلي ، قال الرازي : والظاهر هذا الوجه ؛ لأنه تعالى قال : (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما ، قالَ : يا مُوسى) فهذا القول إذن منه ، لا من غيره ، وأيضا فقوله : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) لا يليق إلا بأن يكون قولا للكافر.

وقال بعضهم : لما خاطب موسى الإسرائيلي بأنه غوي مبين ، ورآه على غضب ، ظن ـ لما همّ بالبطش ـ أنه يريده ؛ لخوره وضعفه وذلته ، فقال هذا القول ، وصار ذلك سببا لظهور القتل ومزيد الخوف ؛ لأنه لم يكن يعلم بحادثة الأمس غير هذا العبري ، فلما سمعها ذلك القبطي ، نقلها إلى فرعون ، فاشتد حنقه وعزم على قتل موسى.

(إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ ، وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) أي ما تريد يا موسى إلا أن تكون قتّالا بطاشا ، مستعليا ، كثير الأذى في الأرض ، دون أن تنظر في العواقب ، ولا تريد أن تكون من أهل

٧٦

الإصلاح الذين يفصلون في خصومات الناس بالحسنى والحكمة ، ولو كان أحد الخصوم من ذوي القربى أو العشيرة الواحدة.

(وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ : يا مُوسى ، إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) أي وجاء رجل مؤمن من آل فرعون ، يخفي إيمانه عن الناس ، من أبعد مكان في المدينة ، يسرع ليخبر موسى بما دبره القوم من سوء له ، وقال : يا موسى ، إن فرعون وأشراف دولته يتشاورون فيك ، ويدبرون مؤامرة لقتلك ، فاخرج بسرعة من البلد ، إني لك ناصح أمين. ووصف بالرجولة لسلوكه طريقا أقرب من طريق المبعوثين وراء موسى.

(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) أي فخرج موسى من مدينة فرعون خائفا على نفسه يتلفّت ، ويترقب متابعة أحد له.

(قالَ : رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي قال موسى في هذه المحنة الشديدة : رب نجني من هؤلاء الظالمين : فرعون وملئه ، فاستجاب الله دعاه ونجاه ووصل إلى مدين ، كما قال تعالى : (وَقَتَلْتَ نَفْساً ، فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ ، وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [طه ٢٠ / ٤٠].

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يأتي :

١ ـ وقوع حادثة قتل خطأ غير عمد من موسى عليه‌السلام.

٢ ـ ندم موسى عليه‌السلام على ذلك الوكز (الضرب بجمع الكف مجموعا كعقد ثلاثة وسبعين) ونسب الفعل إلى الشيطان ، وقال : رب ، إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي ، فغفر له ، وحمله ندمه على الخضوع لربه والاستغفار من ذنبه ، قال قتادة : عرف والله المخرج فاستغفر ؛ ثم لم يزل عليه‌السلام يعدّد ذلك

٧٧

على نفسه ، مع علمه بأنه قد غفر له ، حتى إنه في القيامة يقول : إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها. وكان ذلك القتل قبل النبوة ، كما عرفنا.

والقتل الخطأ ذنب ، بدليل إيجاب الكفارة عليه في شرعنا ، ولأنه لا يخلو عن إهمال أو تقصير أو تجاوز الحدود المألوفة ، قال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ، وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء ٤ / ٩٢].

٣ ـ كان من توابع توبة موسى عليه‌السلام من فعله أنه أقسم بما أنعم الله عليه ألا يظاهر ولا يعاون مجرما.

ويصح أن يكون قوله : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) استعطافا كأنه قال : رب اعصمني بحق ما أنعمت علي من المغفرة أو غيرها من النعم كالمعرفة والحكمة والتوحيد ، فلن أكون إن عصمتني ظهيرا (معينا) للمجرمين.

٤ ـ دلت آية (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) على أنه لا يجوز معاونة الظلمة والفسقة. قال عطاء : فلا يحل لأحد أن يعين ظالما ، ولا يكتب له ، ولا يصحبه ، وأنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين. وفي الحديث : «ينادي مناد يوم القيامة : أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة ، حتى من لاق لهم دواة ، أو برى لهم قلما؟ فيجمعون في تابوت من حديد ، فيرمى به في جهنم». وفي حديث آخر رواه الديلمي عن معاذ : «من مشى مع ظالم فقد أجرم» ويروى أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته ، ثبّت الله قدميه على الصراط يوم القيامة يوم تزلّ فيه الأقدام ، ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه ، أزلّ الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام».

٥ ـ دل قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً) على أن الخوف غريزة

٧٨

في النفس البشرية ، وإن كان المرء قويا كموسى عليه‌السلام ، كما أن الخوف لا ينافي المعرفة بالله ولا التوكل عليه ، وهو أيضا سبيل الأمان. وكان خوفه من الملاحقة والطلب ، فقد يؤخذ غرّة على حين غفلة.

٦ ـ يوصف الشرير بأنه غوي (خائب) مبين ، ويوصف القاتل بأنه جبار ، أي قتّال ، قال عكرمة والشعبي : لا يكون الإنسان جبارا حتى يقتل نفسين بغير حق. والجبار : الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل بظلم ، لا ينظر في العواقب ، ولا يدفع بالتي هي أحسن.

٧ ـ إن الإيمان رابطة وثيقة بين المؤمنين ، لذا بادر مؤمن آل فرعون وهو حزقيل بن صبور ، ابن عم فرعون إلى إخبار موسى عليه‌السلام بمكيدة فرعون وملئه له ، وأنهم يتشاورون في قتله بالقبطي الذي قتله بالأمس ، ونصحه بالخروج مسرعا من مدينة فرعون أو من مصر.

٨ ـ شأن المؤمن دائما أن يلجأ إلى الله تعالى ، فقد خرج موسى عليه‌السلام من مصر ، خائفا يترقب الطلب ، قائلا : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

فنجاه الله ووصل إلى بلاد مدين.

ـ ٤ ـ

ذهاب موسى عليه‌السلام إلى أرض مدين

وزواجه بابنة شعيب عليه‌السلام

(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ

٧٩

الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))

الإعراب :

(حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ يُصْدِرَ) بالضم : مضارع فعل رباعي ، والمفعول محذوف ، أي حتى يصدر الرعاء إبلهم ومواشيهم. وقرئ بالفتح على أنه مضارع فعل ثلاثي.

(أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا إِحْداهُما) مصدرية ، أي أجر سقيك لنا ، وليست موصولة ؛ لأنها لو كانت موصولة ، كان المعنيّ بها الماء ، والأجر على السقي أو العمل لا على الماء أو العين.

(تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) جملة فعلية في موضع نصب على الحال من (إِحْداهُما) وعامله جاءت و (عَلَى اسْتِحْياءٍ) في موضع نصب على الحال من ضمير (تَمْشِي) وعامله (تَمْشِي).

(عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) أي تأجرني نفسك في ثماني سنوات ، و (ثَمانِيَ) منصوب على الظرف.

(أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) أي : منصوب ب (قَضَيْتُ) وما : زائدة ، و (الْأَجَلَيْنِ) مجرور بالإضافة ، وتقديره : أيّ الأجلين قضيت ، و (قَضَيْتُ) مجزوم

٨٠