التفسير المنير - ج ٢٠

الدكتور وهبة الزحيلي

المفردات اللغوية :

(إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً) هو القبطي (المصري ، الفرعوني) (أَنْ يَقْتُلُونِ) أي به (أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) أبين (رِدْءاً) معينا (يُصَدِّقُنِي) بتوضيح ما قلته ، وتقرير الحجة وإقامة الأدلة ، ومجادلة المشركين وتزييف الشبهة.

(سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) سنقويك به ونعينك به ، والعضد : ما بين المرفق إلى الكتف (سُلْطاناً) غلبة وتفوقا أو حجة قوية (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) بسوء (بَيِّناتٍ) واضحات (مُفْتَرىً) مختلق (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي كائنا في أيامهم (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) أي عالم يعلم أني محق وأنتم مبطلون والضمير في (عِنْدِهِ) عائد للرب (وَمَنْ) معطوف على (بِمَنْ) المتقدمة (عاقِبَةُ الدَّارِ) العاقبة المحمودة في الآخرة ، والمراد بالدار : الدنيا ، وعاقبتها الأصلية هي الجنة ؛ لأن الدنيا خلقت جسرا للآخرة ، والمقصود منها بالذات : هو الثواب والعقاب (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) لا يفوزون بالهدى في الدنيا وحسن العاقبة في الآخرة ، والظالمون : الكافرون.

المناسبة :

بعد أن قال الله سبحانه : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) علم موسى عليه‌السلام أنه يذهب بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه ، فطلب من الله تعالى ما يقوي قلبه ، ويزيل خوفه من فرعون ، فيرسل معه أخاه هارون وزيرا ، فأجابه الله إلى طلبه.

وكان الرسولان موسى وهارون محاجين فرعون في الربوبية بحجة ساطعة ، فلم يكن منه إلا المكابرة والعناد ، والافتراء والاتهام الزائف بأن المعجزتين سحر مختلق.

التفسير والبيان :

لما أمر الله تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون ، الذي خرج من ديار مصر فرارا منه ، وخوفا من سطوته :

١٠١

(قالَ : رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً ، فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) أي قال موسى : يا ربّ كيف أذهب إلى فرعون وقومه ، وقد قتلت منهم فرعونيا ، فأخاف إذا رأوني أن يقتلوني ثأرا منهم.

(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً ، فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) أي إن أخي هارون أفصح لسانا مني ، وأحسن بيانا بسبب ما في لساني من لثغة أو عقدة من حين الصغر حين تناولت الجمرة ، لما خيرت بينها وبين التمرة ، فوضعتها على لساني ، فحصل فيه شدة في التعبير ، فاجعل معي هارون أخي رسولا وزيرا ومعينا يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عزوجل ، ويوضح البراهين والأدلة ، ويفنّد الشبهات المثارة من قبل هؤلاء الجاحدين ، وإني أخاف أن يكذبوني في رسالتي. ونظير الآية : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه ٢٠ / ٢٧ ـ ٣٢].

فأجابه الله تعالى إلى طلبه :

(قالَ : سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ، وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً ، فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) أي قال الرب لموسى : سنقويك ونعزّز جانبك بأخيك الذي سألت أن يكون نبيا معك ، كما قال تعالى : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) [طه ٢٠ / ٣٦] (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) [مريم ١٩ / ٥٣] ونجعل لكما حجة قاهرة ، وغلبة ظاهرة على عدوكما ، فلا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما ، بسبب إبلاغكما آيات الله تعالى.

قال بعض السلف عن طلب موسى بعثة أخيه هارون : ليس أحد أعظم منّة على أخيه من موسى على هارون عليهما‌السلام ، فإنه شفع فيه ، حتى جعله الله نبيا ورسولا معه إلى فرعون وملئه ، ولهذا قال تعالى في حق موسى : (وَكانَ

١٠٢

عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) [الأحزاب ٣٣ / ٦٩]. وقال السدي : إن نبيين وآيتين أقوى من نبي واحد وآية واحدة.

(بِآياتِنا ، أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) أي اذهبا بآياتنا ، أو نجعل لكما سلطانا ، أي نسلطكما بآياتنا ، أو لا يصلون إليكما أي تمتنعون منهم بآياتنا ، أنت يا موسى وأخوك ومن آمن بكما وتبعكما في رسالتكما الغالبون بالحجة والبرهان ؛ لأن حزب الله دائما هم الغالبون.

وتعليق الآيات بالسلطان يجعل انقلاب العصا حية معجزة ، ومانعا أيضا من وصول ضرر فرعون إلى موسى وهارون عليهما‌السلام ، ولذا يجوز الوقوف على (إِلَيْكُما) ويكون في الكلام تقديم وتأخير ، كما يجوز الوصل.

ثم أبان تعالى موقف فرعون من محاجة موسى وهارون فقال : (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ ، قالُوا : ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً ، وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي حين عرض موسى وهارون على فرعون وملئه ما آتاهما الله من المعجزات الباهرة الواضحة والدلالة القاهرة على صدقهما فيما أخبرا به عن الله عزوجل من توحيده واتباع أوامره ، قالوا : ما هذا إلا سحر مفتعل مصنوع ، مكذوب موضوع ، وما سمعنا بما تدعونا إليه من عبادة الله وحده لا شريك له في أيام الأسلاف ، وما رأينا أحدا من آبائنا على هذا الدين ، ولم نر الناس إلا يشركون مع الله آلهة أخرى.

وهذا مجرد تمسك بالتقليد الذي لا دليل على صحة العمل به. فأجابهم موسى :

(وَقالَ مُوسى : رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ ، وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي أجاب موسى فرعون وملأه بقوله : ربي الله الذي لا إله غيره الذي خلق كل شيء ويعلم غيب السموات والأرض أعلم مني ومنكم

١٠٣

بالمحق من المبطل ، وبمن جاء بالحق الداعي إلى الرشاد ، وأهله للفلاح الأعظم ، ومن الذي له العاقبة المحمودة في الدنيا بالنصر والظفر والتأييد ، وفي الآخرة بالثواب والرحمة والرضوان كقوله : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ، جَنَّاتُ عَدْنٍ) [الرعد ١٣ / ٢٢ ـ ٢٣] (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد ١٣ / ٤٢] ، وسيفصل بيني وبينكم ، إنه لا يفلح المشركون بالله عزوجل ، ولا يظفرون بالفوز والنجاة والمنافع ، بل يكونون على ضد ذلك.

وفي الآية أسلوب أدبي رفيع من الخطاب والجدل والمناظرة ، فهو لم يعلن أنه المحق وغيره المبطل الضال ، وإنما ردد ذلك ليجعل للعقل في النقاش دورا في الحكم النهائي وتغليب الأصح الأصوب ، وهذا كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمشركين : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ ٣٤ / ٢٤].

كما أن نهاية الآية زجر لهم عن العناد الذي ظهر منهم ، وإيماء بأنهم خاسرون في هذا الجدال ، وسيكون لهم الخيبة والفشل في المستقبل.

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى ما يأتي :

١ ـ ضرورة التسلح بمختلف القوى المادية والمعنوية عند لقاء العدو ، فقد طلب موسى من ربه تأييده بأخيه هارون ، ليكون له عونا ووزيرا ، ومدافعا ومبينا حجج الله وبيّناته في دعوة فرعون وقومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، فإنه إذا لم يكن له وزير ولا معين لا يكادون يفقهون عنه ، وربما تعرّض لأذى ، فيدفعه عنه.

٢ ـ إن السؤال المنطقي والدعاء المناسب للحال مستجاب متحقق ، لذا أجاب الله طلب موسى عليه‌السلام ، وقال له : سنقويك بأخيك ، ونجعل لكما حجة

١٠٤

وبرهانا ، فلا يصلون إليكما بالأذى ، وتمتنعان منهم بآياتنا ، فأنتما وأتباعكما الغالبون عليهم بآياتنا ، أي سائر المعجزات.

٣ ـ لقد أعمى فرعون وقومه إدراك الحق ، فتمسكوا بالمكابرة والعناد ، واعتصموا بتقليد الآباء والأسلاف الذي لا حجة ولا دليل عليه ، وهذا مذموم عقلا وعادة ، لذا قالوا : ما هذه المعجزات إلا سحر مكذوب مفترى ، ولم نسمع بدعوة التوحيد والتخلي عن الإشراك في التاريخ الغابر ، ولا قيمة لتلك الحجج العقلية التي أوردها موسى لإثبات توحيد الله تعالى!!.

٤ ـ لا بد من استعمال الحكمة في الإجابة والجدال والمناظرة للسلاطين والحكام الجبابرة ، كفرعون الطاغية ، توقيا من الأذى ، وتأملا في اللين ، والإذعان للحق ، لذا كان جواب موسى حكيما حين أعلن أن الله أعلم بمن جاء بالرشاد من عنده سبحانه ، ومن المستحق لدار الجزاء ، وإنه لا يظفر الظالمون أنفسهم بالشرك والكفر والمعصية بشيء عند الله وفي الآخرة.

ـ ٧ ـ

محاجة فرعون في ربوبية الله تعالى وعاقبة عناده مع قومه

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً

١٠٥

يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣))

الإعراب :

(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَوْمَ) منصوب من أربعة أوجه : إما لأنه مفعول به توسعا ، كأنه قال : وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ولعنة يوم القيامة ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وإما معطوف بالنصب على موضع الجار والمجرور وهو : (فِي هذِهِ الدُّنْيا) وإما منصوب بما دل عليه قوله : (مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول ، وإما منصوب على الظرف بالمقبوحين ، أي وهم من المقبوحين يوم القيامة.

(بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً) كلها منصوبات على الحال من (الْكِتابَ).

البلاغة :

(فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) قال الزمخشري (٢ / ٤٧٧) : ولم يقل : اطبخ لي الآجرّ ، لأنه أول من عمل الآجرّ ، فهو يعلمه الصنعة ، ولأن هذه العبارة أحسن طباقا لفصاحة القرآن وعلوّ طبقته وأشبه بكلام الجبابرة. وأمر هامان ـ وهو وزيره ورديفه بالإيقاد على الطين ـ منادى باسمه بيا في وسط الكلام : دليل التعظيم والتجبر.

(بَصائِرَ لِلنَّاسِ) تشبيه بليغ ، حذفت فيه أداة الشبه ووجه الشبه ، أي أعطيناه التوراة كأنها أنوار لقلوب الناس.

المفردات اللغوية :

(هامانُ) وزير فرعون (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) فاصنع لي الآجرّ أي الطوب ، قال عمر رضي‌الله‌عنه حين سافر إلى الشام ورأى القصور المشيدة بالآجرّ : ما علمت أن أحدا بنى بالآجر

١٠٦

غير فرعون (صَرْحاً) قصرا عاليا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) أصعد وأرتقي ، ثم أنظر إليه وأوقف عليه ، كأنه توهم أنه لو كان ، لكان جسما في السماء يمكن الترقي إليه (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) في ادعائه إلها آخر وأنه رسول.

(فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (بِغَيْرِ الْحَقِ) بغير استحقاق (لا يُرْجَعُونَ) بالنشور (فَنَبَذْناهُمْ) طرحناهم (فِي الْيَمِ) في البحر المالح ، فغرقوا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) حين صاروا إلى الهلاك. وقوله : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) قال البيضاوي : فيه تفخيم لشأن الآخذ ، واستحقار للمأخوذين ، كأنه أخذهم مع كثرتهم في كف ، وطرحهم في اليم.

(أَئِمَّةً) قادة ، قدوة للضلال (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) يدعون إلى موجبات النار من الكفر والمعاصي (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) بدفع العذاب عنهم (لَعْنَةً) طردا عن الرحمة ، وخزيا (الْمَقْبُوحِينَ) المطرودين المبعدين المخزيين.

(الْكِتابَ) هنا التوراة (الْقُرُونَ الْأُولى) قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط (بَصائِرَ لِلنَّاسِ) أنوار للقلوب في عصرهم ، تبصر بها الحقائق ، وتميز بين الحق والباطل (وَهُدىً) إلى الشرائع التي هي سبيل الله تعالى (وَرَحْمَةً) لمن آمن به ؛ لأنهم لو عملوا بالتوراة لنالوا رحمة الله (يَتَذَكَّرُونَ) يتعظون بما في ذلك الكتاب من المواعظ.

المناسبة :

قوبل موسى وهارون في دعوتهما القوية إلى توحيد الله تعالى بكفرين عظيمين :

الأول ـ (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أي نفي إله غيره ، وادعاء ألوهية نفسه.

والثاني : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ ، فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى ، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي محاولة الصعود والارتقاء إلى السماء لرؤية إله موسى. وكل من الأمرين جهل وعتو وطغيان واستكبار ، فكانت عاقبته الغرق في الدنيا ، والطرد من رحمة الله في الآخرة.

وفي مقابل هذا الكفر آتى الله موسى التوراة نورا وهدى ورحمة.

١٠٧

التفسير والبيان :

(وَقالَ فِرْعَوْنُ : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ، ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أي وقال فرعون الطاغية الجبار ملك مصر : يا أيها القوم ، لم أعلم بوجود إله غيري ، أي إن إله موسى غير موجود ، وإنما أنا الإله ، كما قال تعالى في آية أخرى حاكيا عنه : (فَحَشَرَ فَنادى ، فَقالَ : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ، فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) [النازعات ٧٩ / ٢٣ ـ ٢٦]. دعا قومه إلى الاعتراف بألوهيته ، فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم ، كما قال تعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [الزخرف ٤٣ / ٥٤].

وليس قصده من ادعاء الألوهية كما أبان الرازي (١) كونه خالقا السموات والأرض ، وإنما وجوب تعظيمه وعبادته ، أي عبادة الملك صاحب السلطة والنفوذ المطلق والانقياد التام لأوامره. وهذا من إغراءات الحكم والسلطان ، وغرور الملك والعظمة.

(فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ ، فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي فاصنع لي يا هامان الوزير آجرّا ، تبني لي به قصرا عاليا جدا ، شامخا في الفضاء حتى أصعد به وأرتقي إلى السماء ، فأشاهد إله موسى الذي يعبده ، توهما منه أنه جسم كالأجسام المادية الأخرى. وإني لأعتقد أنه كاذب في قوله : إن هناك ربا آخر غيري ، كما في آية أخرى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ : يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ، أَسْبابَ السَّماواتِ ، فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى ، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً ، وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ، وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) [غافر ٤٠ / ٣٦ ـ ٣٧].

وقد أراد فرعون بادعاء الألوهية وبناء أعلى صرح في زمانه التلبيس

__________________

(١) تفسيره المعروف بالتفسير الكبير : ٢٤ / ٢٥٣.

١٠٨

والترويج على الناس ، والإظهار لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون. ثم ذكر الله تعالى سبب غروره وعناده فقال :

(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) أي لقد طغى فرعون وقومه وأتباعه وتجبروا ، وأكثروا في الأرض الفساد ، واعتقدوا أنه لا قيامة ولا معاد ، ولا حساب ولا عقاب ، وكل من توهم ذلك هان عليه الطغيان والاستكبار والاستعلاء في الأرض ، ولم يعلموا أن الله رقيب عليهم ومجازيهم بما يستحقون ، لذا أبان تعالى عقابهم العاجل في الدنيا بعد تهديدهم بعقاب الآخرة فقال :

(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ ، فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ ، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) أي أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة ، فلم يبق منهم أحد ، فانظر أيها المتأمل في قدرة الله وعظمته وآياته كيف كان مصير هؤلاء الظالمين الذي ظلموا أنفسهم ، وكفروا بربهم ، وادعى كبيرهم الألوهية من دون الله.

ثم ذكر الله تعالى ما يوجب مضاعفة عذابهم فقال :

(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) أي وجعلنا فرعون وأشراف قومه قادة ضلال في تكذيب الرسل وإنكار وجود الإله الصانع ، فلم يكتفوا بضلال أنفسهم ، بل قاموا بإضلال غيرهم ، فاستحقوا جزاءين : جزاء الضلال والإضلال ، ولا أمل لهم في النجاة ونصرة الشفعاء ، فهم يوم القيامة لا نصير ولا شفيع لهم ينصرهم من بأس الله ويدفع عنهم عذاب الله ، فاجتمع عليهم خزي الدنيا وذل الآخرة ، كما قال :

(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً ، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) أي وألزمناهم بصفة دائمة في الدنيا لعنة وخزيا وغضبا على ألسنة المؤمنين والأنبياء المرسلين ، كما أنهم يوم القيامة من المطرودين المبعدين عن رحمة الله ، كما قال تعالى :

١٠٩

(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ ، بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) [هود ١١ / ٩٩].

وأما موسى وجند الإيمان بعد إغراق فرعون وقومه ، فلهم نور التوراة :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى ، بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي لقد أنعم الله على عبده ورسوله موسى الكليم عليه‌السلام بإنزال التوراة بعد ما أهلك فرعون وقومه ومن تقدمهم من قوم نوح وهود وصالح ولوط ، ليكون ذلك الكتاب مصدر إشعاع للحياة وأنوارا للقلوب ، يميز به بين الحق والباطل ، وهداية من الضلال والعمى ، ورحمة لمن آمن به ، وإرشادا إلى العمل الصالح ، لعل الناس يتذكرون به ويتعظون ، ويهتدون بسببه.

روى ابن جرير وابن أبي حاتم والبزار عن أبي سعيد الخدري مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد ما أنزلت التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية الذين مسخوا قردة بعد موسى ، ثم قرأ : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) الآية».

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يلي :

١ ـ نفي فرعون ألوهية الله عزوجل وادعاؤه الألوهية ، قال ابن عباس : كان بين قوله : (وَقالَ فِرْعَوْنُ : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) وبين قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) أربعون سنة ، وكذب عدو الله ، بل علم أن له ثمّ ربّا هو خالقه وخالق قومه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ؟ لَيَقُولُنَّ اللهُ).

٢ ـ بناء أعلى صرح شامخ للصعود إلى الله ورؤيته ، فخاب وضل وخسر.

٣ ـ تعاظم فرعون وجنوده عن الإيمان بموسى ظلما وعدوانا دون أن تكون

١١٠

لهم حجة تدفع ما جاء به موسى ، وتوهموا أنه لا معاد ولا بعث. ويقابل الاستكبار بالباطل الاستكبار بالحق الذي هو لله تعالى ، فهو المتكبر في الحقيقة ، المبالغ في كبرياء الشأن ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما حكى عن ربه فيما رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحة عن أبي هريرة وابن عباس : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار ، ولا أبالي».

٤ ـ بالرغم من أن فرعون وقومه كانوا عارفين بوجود إله هو الله تعالى ، كما تبين ، إلا أنهم كانوا ينكرون البعث : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) فلأجل ذلك تمردوا وطغوا.

٥ ـ كان عقابهم في الدنيا الإغراق في البحر المالح وهو البحر الأحمر ، في صبيحة يوم واحد ، بل في دقائق معدودة ، وإلزامهم اللعن أي البعد عن الخير ، وفي الآخرة هم من المطرودين ، المبعدين عن رحمة الله ، الممقوتين.

٦ ـ لهم عقاب مضاعف ؛ إذ كانوا في ضلال وأئمة ضلال ودعاة إلى عمل أهل النار ، وزعماء كفر ، يدعون الناس إلى الكفر ويتبعونهم فيه ، فيكون عليهم وزرهم ووزر من اتبعهم حتى يكون عقابهم أشد وأكثر ، جاء في الحديث النبوي الذي رواه مالك وأحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة وجرير بن عبد الله البجلي : «من سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سنّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

٧ ـ البقاء للأصلح ، فقد نجى الله موسى وقومه ، وأنزل عليه التوراة منارا للحق وتبصرا به ، وهدى من الضلالة إلى الرشاد ، ورحمة للمؤمنين بها ، لعل الناس يتعظون ويرجعون إلى ربهم من قريب ، ويذكرون هذه النعمة ، فيؤمنوا في الدنيا ، ويثقوا بثواب الله في الآخرة. قال يحيى بن سلّام : هو أول كتاب ـ يعني التوراة ـ نزلت فيه الفرائض والحدود والأحكام.

١١١

وكان إنزال التوراة بعد إهلاك القرون الأولى (الأمم الماضية المكذبة) مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط ، وقيل : من بعد إغراق فرعون وقومه وخسف الأرض بقارون ، ولعل ذلك إشعار بشدة الحاجة إليها ، فإن إهلاك القرون الأولى دليل على اندراس معالم شرائعها ، وحاجة الناس إلى تشريع جديد ينظم لهم شؤون حياتهم.

الحاجة إلى إرسال الرسل وبعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧))

الإعراب :

(تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) خبر ثان ل (كُنْتَ).

(وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ رَحْمَةً) : إما منصوب على المصدر ، وإما مفعول لأجله ، أي ولكن فعل ذلك لأجل الرحمة ، وإما خبر كان مقدرة ، أي ولكن كان رحمة من ربك.

البلاغة :

(أَنْشَأْنا قُرُوناً) مجاز عقلي ، أريد به : أمما في تلك الأزمنة ، والعلاقة زمانية.

(تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) جناس اشتقاق. وقوله : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) حذف منه الجواب لدلالة السياق عليه ، أي ولو لا خشية وقوع المصيبة بهم ما أرسلناك يا محمد رسولا إليهم ، فهو إيجاز بالحذف.

١١٢

(بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) مجاز مرسل ، من قبيل إطلاق الجزء وإرادة الكل ، أريد به بما كسبوا ؛ لأن أكثر الأعمال تزاول بالأيدي.

المفردات اللغوية :

(وَما كُنْتَ) الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي ما كنت حاضرا (بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) أي بجانب الجبل أو الوادي أو المكان الغربي من موسى حين المناجاة ، فإنه كان في شق الغرب من مقام موسى (إِذْ قَضَيْنا) أوحينا (إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) أي أمر الرسالة إلى فرعون وقومه ، والمعنى : كلفناه وعهدنا إليه بالرسالة أمرا ونهيا (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) الحاضرين لما حدث ، فتعلمه وتخبر به.

(أَنْشَأْنا قُرُوناً) أوجدنا أمما مختلفة من بعد موسى (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي بعد الأمد وطال عمرهم ، فنسوا العهود ، وحرّفت الأخبار ، وتغيرت الشرائع ، واندرست العلوم ، وانقطع الوحي. وحذف المستدرك بعد (لكِنَّا) وأقام سببه مقامه وتقديره : فجئنا بك رسولا ، وأوحينا إليك خبر موسى وغيره (ثاوِياً) مقيما ، يقال : ثوى بالمكان يثوي به : أقام (أَهْلِ مَدْيَنَ) قوم شعيب (تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) تقرأ عليهم آياتنا التي فيها قصتهم ، فتخبر بها بعد معرفتها (كُنَّا مُرْسِلِينَ) إياك ومخبرين لك بها ، أي أرسلناك بالرسالة المتضمنة أخبار المتقدمين.

(بِجانِبِ الطُّورِ) جبل الطور (إِذْ نادَيْنا) حين نادينا موسى أن خذ الكتاب بقوة (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي ولكن علمناك وأرسلناك رحمة من ربك (لِتُنْذِرَ قَوْماً) هم أهل مكة وغيرهم (يَتَذَكَّرُونَ) يتعظون (لَوْ لا) الأولى امتناعية (مُصِيبَةٌ) عقوبة أو عذاب في الدنيا والآخرة (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بما كسبوا من الكفر والمعاصي (لَوْ لا أَرْسَلْتَ) أي هلا ، وهي تحضيضية ، تفيد الحث على حدوث ما بعدها (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) المرسل بها ، وجواب لو لا محذوف ، أي لو لا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم ، لما أرسلناك رسولا. والمراد أن إرسال النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكل رسول قبله كان لقطع أعذار الناس ، وإبطال احتجاجهم بعدم الاعلام والتبليغ.

المناسبة :

بعد أن قص الله تعالى قصة موسى وهارون مع فرعون وقومه وما تضمنه من غرائب الأحداث والعبر ، وأوحى الله تعالى بجميع تلك الأخبار إلى نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذكّره بإنعامه عليه بذلك وبما خصه من المغيبات التي لا يعلمها ، لا هو ولا قومه ، وأبان الحاجة إلى رسالته ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد

١١٣

الرسل. وكل ذلك برهان على أن القرآن وحي من عند الله ، وعلى نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حيث أخبر بالغيوب الماضية وهو رجل أمي لا يقرأ شيئا من الكتب.

التفسير والبيان :

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ ، وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي وما كنت يا محمد حاضرا بجانب المكان أو الجبل الغربي ـ غرب موقف موسى حين كلم الله موسى ، وأوحى إليه أمر الرسالة ، وأعطاه ألواح التوراة ، وألزمه العهد ، وما كنت من الحاضرين لذلك ، فتعلمه وتخبر به.

ولكنا أعلمناك بخبره ليكون برهانا على نبوتك ، إذ تخبر بأخبار الماضين كأنها واقعة أمامك ، وأنت أمي لا تقرأ ولا تكتب ، مما يدل على كون ذلك الإخبار بوحي من عند الله تعالى ، ثم بين سبب ذلك الإخبار :

(وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي والسبب الداعي إلى الإخبار عن الماضين وإنزال الوحي مجددا في القرآن الكريم وجود أمم كثيرة من بعد موسى ، بعد بها الأمد ، وطال عليها العهد ، فاندرست العلوم ، وتغيرت الشرائع ، ونسي الناس حجج الله عليهم وما أوحاه إلى الأنبياء المتقدمين ، فجئنا بك يا محمد رسولا تجدد العهد الإلهي ، وتبين للناس رسالة الله إليهم ، كما قال سبحانه : (يا أَهْلَ الْكِتابِ ، قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا : ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ ، فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة ٥ / ١٩].

والآية تنبيه على المعجزة ، إذ الإخبار عن قصة مضى عليها مئات السنوات ، دون مشاهدة ولا حضور لأحداثها ، دليل واضح على نبوة المخبر ، وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وتلا ذلك مؤيدات أخرى مشابهة :

١١٤

١ ـ (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا ، وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) أي وما كنت مقيما بين قوم شعيب في مدين ، تقرأ عليهم آياتنا المنزلة ، حين أخبرت عن النبي شعيب عليه‌السلام وما قال لقومه وما ردوا عليه ، ولكن ـ ذات الجلالة ـ نحن أوحينا إليك ذلك ، وأرسلناك للناس رسولا ، وأيدناك بهذه الآيات المعجزات ، لتكون برهانا على صحة نبوتك وصدق رسالتك ، ولو لا خبر الوحي ما علمت بذلك ولا أخبرت أحدا بشيء.

٢ ـ (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا ، وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي وما كنت يا محمد أيضا بجانب جبل الطور حين مناداة موسى وتكليمه ومناجاته ، حتى تعرف تفاصيل الخبر وتحدث بين الناس. وهذا شبيه بقوله المتقدم : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) ولكنه ورد بصيغة أخرى أخص مما سبق وهو النداء ، أي مناداة موسى عليه‌السلام ليلة المناجاة وتكليمه (١).

ولكن علمناك وأخبرناك وأنزلنا عليك القرآن المتضمن تلك الأخبار وغيرها ، وأرسلناك رحمة مهداة منه بك وبالعباد المرسل إليهم ، لتنذر قوما هم العرب لم ينذروا قبل ، بأس الله وعذابه إن لم يؤمنوا به ، وظلموا على وثنيتهم وضلالهم ، لعلهم يهتدون بما جئتهم به من الله عزوجل ، فيصيروا من أهل السعادة.

والثابت تاريخيا أنه لم يأت إلى العرب رسول بعد إسماعيل عليه‌السلام ، وأما رسالة موسى وعيسى فكانت خاصة ببني إسرائيل فقط.

__________________

(١) الظاهر أن الله تعالى كلم موسى مرتين : مرة حين البعثة ، ومرة حين اختار سبعين رجلا من شيوخ بني إسرائيل للميقات ليظهروا توبتهم من عبادة العجل ، ولما كلمه الله وهم يسمعون كلام الله تمردوا وعصوا وقالوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً.

١١٥

ثم صرح الله تعالى بسبب إرسال النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال :

(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ، فَيَقُولُوا : رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ ، وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي ولو لا قول الناس ومنهم العرب إذا أصابتهم مصيبة العذاب على كفرهم : ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا يبين لنا صحة الاعتقاد أو التوحيد ، ونظامك الشرعي للحياة ، فنؤمن بك ربا واحدا ، ونعمل بشريعتك ، ما أرسلناك للناس رسولا.

ولكنا بعثناك رسولا نذيرا تقيم عليهم الحجة ، وتبلغهم رسالة ربهم في العقيدة والأخلاق ودستور الحياة ، وتقطع عذرهم وتبطل حجتهم بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير ، كما قال تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ، وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء ٤ / ١٦٥] وقال سبحانه : (أَنْ تَقُولُوا : إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا ، وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا : لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ ، فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ ..) [الأنعام ٦ / ١٥٦ ـ ١٥٧]. وهذا كله من رحمة الله بعباده ألا يعذب إنسانا إلا بعد بيان ، ولا يعاقب إلا بعد تكليف وإرسال رسول.

فقه الحياة أو الأحكام :

تضمنت الآيات موضوعين :

الأول ـ إقامة بعض الأدلة على كون القرآن موحى به من عند الله وعلى صحة نبوة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وهي الإخبار عن أحوال الأنبياء المتقدمين وقصصهم مع أقوامهم. وخص بالذكر قصتين : هما أولا ـ مناجاة الله موسى وتكليمه في جبل الطور في المكان الغربي من موقف موسى في الوادي المقدس طوى ، حيث

١١٦

بعثه رسولا ، وأنزل عليه ألواح التوراة ، وثانيا ـ قصة شعيب مع قومه أهل مدين.

ولو لا الإخبار القرآني بذلك ، ما علم بالخبر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقومه العرب ومنهم أهل مكة ، وإنما فعل تعالى ذلك رحمة منه برسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعباده ، لينذرهم بها ، وينذر العرب الذين لم يشاهدوا تلك الأخبار.

الثاني ـ بيان الحكمة من إرسال النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل وكل الرسل : وهي تبليغ شريعة الله ووحيه ، وتصحيح العقيدة ، وإعلان كلمة التوحيد ، حتى لا يبقى لهم عذر بالجهل بالأحكام أو الاعتقاد بعد بلوغ خبر الرسل لهم ، وإكمال البيان ، وقد حكم الله بأنه لا يعاقب عبدا إلا بعد إكمال البيان وإقامة الحجة وبعثة الرسل.

وهذا يدل على مبلغ الحاجة الداعية إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية.

تكذيب أهل مكة بالقرآن وبرسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١))

١١٧

البلاغة :

(لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى لَوْ لا) هنا : أي هلا للتحضيض ، لا لامتناع الوجود.

(قُلْ : فَأْتُوا بِكِتابٍ) يراد بالأمر هنا التعجيز.

المفردات اللغوية :

(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) أي الأمر الحق وهو القرآن المنزل على محمد الرسول المؤيد بالمعجزات. (لَوْ لا أُوتِيَ) هلا. (مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) من الآيات كاليد البيضاء والعصا وغيرهما والكتاب جملة واحدة. (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) أي أولم يكفر أمثالهم من بني جنسهم في الرأي والمذهب ، وهم كفرة زمان موسى ، وكان فرعون عربيا من أبناء عاد. (قالُوا : سِحْرانِ) أي القرآن والتوراة ، وقرئ : ساحران ، أي موسى وهارون أو موسى ومحمد. (تَظاهَرا) تعاونا وتناصرا. (وَقالُوا : إِنَّا بِكُلٍ) أي من النبيين والكتابين. (كافِرُونَ) جاحدون.

(هُوَ أَهْدى مِنْهُما) من الكتابين ، وهو يؤيد أن المراد بالساحرين : موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. (صادِقِينَ) في قولكم : إنا ساحران مختلفان ، ويراد بذلك الإلزام والتبكيت. (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أي لدعائك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى ، فحذف المفعول للعلم به ، ولأن فعل الاستجابة يعدّى بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي ، فإذا عدّي إليه حذف الدعاء غالبا ، والمراد : فإن لم يفعلوا ما كلفتهم به. (يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) في كفرهم ، إذ لو اتبعوا حجة لأتوا بها. (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ ..) استفهام بمعنى النفي. (بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) في موضع الحال للتأكيد ، أو التقييد ، فإن هوى النفس قد يوافق الحق. (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى. (وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) أي أتبعنا بعضه بعضا في الإنزال ليتصل التذكير ، فنزل القرآن منجما مفرقا يتصل بعضه ببعض ، ويتبع نزول الكتب المتقدمة. (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتعظون فيؤمنوا ويطيعوا.

المناسبة :

بعد أن حكى الله تعالى عن كفار مكة وغيرهم أنهم عند الخوف من المصيبة

١١٨

قالوا : هلا أرسلت إلينا رسولا ، فنتّبع آياتك ، بيّن أنه بعد إرسال الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهل مكة قالوا : لو لا أوتي مثل ما أوتي موسى من قبل ، فكفروا وكذبوا بالقرآن وبرسالة محمد ، وتعلقوا بشبهة قبل البعثة ، وبعد البعثة ، مما يدل على أنه لا قصد لهم سوى الزيغ والعناد ، لذا طلبوا معجزات مادية كمعجزات موسى كاليد والعصا ، وقد كفر أمثالهم المعاندون قبلهم بما جاء به موسى من المعجزات ، ووصفوه بالسحر ، فإن استطاعوا الإتيان بكتاب آخر غير كتابي موسى ومحمد ، فليأتوا به ، وما أنزل القرآن منجما إلا لتجديد الذكرى والعبرة.

التفسير والبيان :

(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا : لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) أي حينما جاء الحق من عند الله وهو القرآن المنزل على رسول الله ، قال أهل مكة الذين لم يأتهم رسول من قبل ، على وجه التعنت والعناد والتمادي في الكفر والجهل والضلال : هلا أوتي محمد مثلما أوتي موسى قبله من المعجزات والآيات الكثيرة مثل العصا واليد وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسلوى وانفجار الماء من الحجر ، ونحو ذلك من الآيات الباهرة التي أجراها الله على يدي موسى حجة وبرهانا له على فرعون وقومه وبني إسرائيل.

ولكن هذا مجرد عناد ومكابرة وتهرب من الإيمان :

(أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) أي أولم يكفر أمثالهم من البشر المعاندين بما أوتي موسى من تلك الآيات العظيمة ، وهم الذين كفروا في زمان موسى بما جاء به ، فهذا شأن المكابرين المعاندين دائما.

(قالُوا : سِحْرانِ تَظاهَرا ، وَقالُوا : إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ) أي قال هؤلاء القوم المشركون في مكة : القرآن والتوراة سحران ، ومحمد وموسى ساحران ، تعاونا على التدجيل والتضليل ، وصدّق كلّ منهما الآخر ، وإنا بكلّ منهما

١١٩

كافرون ، لا نصدق بما جاءا به.

فتحداهم الله بأن يأتوا بكتاب آخر أهدى للبشر :

(قُلْ : فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي قل يا محمد لقومك : ائتوا بكتاب آخر من عند الله أصلح لهداية البشر من التوراة والقرآن ، وأكثر نفعا وهداية ، لكي أتبعه مع غيري ، إن كنتم صادقين فيما تقولون أو تدّعون ، وتدافعون به الحق ، وتعارضون به من الباطل. وهذا تنبيه على عجزهم عن الإتيان بمثل القرآن.

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) أي فإن لم يجيبوك عما قلت لهم ولم يتبعوا الحق ، ولم يفعلوا ما كلفتهم به من الإيمان بالقرآن وبرسالتك ، فاعلم أنهم في عقائدهم الباطلة يتبعون أهواءهم بلا دليل ولا حجة ، فهم جماعة أهواء.

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً) أي وليس هناك أشد ضلالا عن طريق الهدى والرشاد ممن سار مع هواه ، وانقاد لشهواته بغير حجة مأخوذة من كتاب الله ، ولم يقم له دليل صائب عن الله ، وهذا دليل على بطلان أو فساد التقليد في العقائد ، وأنه لا بدّ من الحجة والاستدلال.

(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي إن الله لا يوفق للحق والرشاد الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان ، وتكذيب الرسل ، واتّباع الأهواء. وهذا عام يتناول كل كافر.

وأما حكمة إنزال القرآن منجما فهي :

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي ولقد أتبعنا بعض القرآن بعضا في النزول لقريش ، حسبما تقتضي الحكمة ، وتدل عليه المصلحة ، ويلائم كل

١٢٠