التفسير المنير - ج ١٩

الدكتور وهبة الزحيلي

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ غَيْرَ) إما صفة مصدر محذوف ، أي فمكث مكثا غير بعيد ، أو وصف لظرف محذوف ، أي فمكث وقتا غير بعيد.

(مِنْ سَبَإٍ) اسم مصروف للحي أو للأب ، ومن قرأ بترك الصرف جعله اسما لقبيلة أو بلدة ، فلم يصرف للتعريف والتأنيث. والصحيح أن (سَبَإٍ) اسم رجل ، كما في كتاب الترمذي.

(أَلَّا يَسْجُدُوا أَلَّا) بالتشديد ، أصلها «أن لا» وأن : في موضع نصب ، لتعلقه ب (يَهْتَدُونَ) و (لا) : زائدة. ومن قرأ بالتخفيف ، جعل (أَلَّا) للتنبيه ، وجعل (يا) حرف نداء ، والمنادي محذوف ، وتقديره : يا هؤلاء اسجدوا ، فحذف المنادي لدلالة حرف النداء عليه.

البلاغة :

(أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) فيها مراعاة فواصل الآيات. (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) تعجب.

(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) التأكيد المكرر للدلالة على العزم المشدد على الفعل.

(أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) بينهما طباق السلب.

(مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ) جناس ناقص.

(تُخْفُونَ تُعْلِنُونَ) بينهما طباق.

(أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) طباق بالمعنى ، وهو أبلغ من المطابقة باللفظ ؛ لأن الجملة الثانية اسمية ، وهي تفيد الثبوت.

المفردات اللغوية :

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) بحث عنه ، والتفقد : طلب ما فقد ، والطير : اسم جنس لكل طائر (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) تعجب من عدم رؤيته الهدهد ، ظنا منه أنه حاضر محجوب عنه لساتر أو غيره. وأم منقطعة للإضراب ، أي فلما لاح له أنه غائب ، أضرب عن ذلك وقال : بل أهو غائب ، كأنه يسأل عن صحة ما لاح له. (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) أي تعذيبا شديدا كنتف ريشه وإلقائه في الشمس ، فلا يمتنع من هوام الأرض لعجزه عن الطيران ، أو كجعله في قفص (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) بقطع حلقومه ، ليعتبر به غيره (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ببرهان بين ظاهر أو بحجة بينة على عذره.

٢٨١

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أي ظل الهدهد غائبا زمانا يسيرا ثم عاد ، والمراد الدلالة على سرعة رجوعه خوفا منه (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) اطلعت على ما لم تطلع عليه ، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، أي اطلع على حال سبأ. وفي هذا الخطاب تنبيه له على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علما بما لم يحط به ، للدلالة على محدودية العلم عند سليمان (مِنْ سَبَإٍ) اسم مدينة في اليمن ، والمراد أهلها ، سميت باسم جد لهم وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو قبيلة باليمن ، فمن جعله اسما للقبيلة منعه من الصرف ، ومن جعله اسما للحي أو الأب الأكبر ، جعله مصروفا ، ثم سميت مدينة مأرب بسبإ ، وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث مراحل (بِنَبَإٍ يَقِينٍ) خبر مهم محقق.

(امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) اسمها بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان ، وضمير (تَمْلِكُهُمْ) لسبأ أو لأهلها (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) المراد كثرة ما أوتيت مما يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدّة (وَلَها عَرْشٌ) هو سرير الملك (عَظِيمٌ) عظمه بالنسبة إليها أو إلى عروش أمثالها (يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) أي كأنهم كانوا يعبدونها (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي عبادة الشمس وغيرها من مقابيح أفعالهم (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) سبيل الحق والصواب (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) إليه. (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) أي : أن يسجدوا له ، فزيدت (لا) وأدغم فيها نون «أن» كما في آية (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد ٥٧ / ٢٩] أي ليعلم (الْخَبْءَ) المخبوء من كل شيء كالمطر والنبات وغيره من المغيبات ، و (يُخْرِجُ الْخَبْءَ) يظهره ، وهو يشمل إشراق الكواكب وإنزال الأمطار وإنبات النبات وإنشاء الأشياء وإبداعها (وَيَعْلَمُ) ما يخفون في قلوبهم (وَما تُعْلِنُونَ) بألسنتهم.

(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) هو استئناف جملة ثناء ، مشتمل على عرش الرحمن ، في مقابلة عرش بلقيس ، وبينهما بون عظيم (قالَ : سَنَنْظُرُ) أي قال سليمان للهدهد : سنتعرف (أَصَدَقْتَ) فيما أخبرتنا به (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي من هذا النوع ، والتغيير من الجملة الفعلية إلى الاسمية للمبالغة ، فالجملة الاسمية أبلغ من : «أم كذبت فيه» ولمراعاة الفواصل.

(اذْهَبْ بِكِتابِي هذا) صورة الكتاب : من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) أي إلى بلقيس وقومها (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) انصرف أو تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه (فَانْظُرْ) تأمل وفكّر (ما ذا يَرْجِعُونَ) ما يردّون من الجواب وما ذا يقول بعضهم لبعض.

٢٨٢

المناسبة :

بعد بيان تسخير الجن والإنس والطير لسليمان عليه‌السلام ، أبان الله تعالى هنا أن سليمان تفقد طير الهدهد ، فلم يجده ، ثم حضر فأخبره عن مملكة بلقيس ، وعن عبادتهم الشمس.

التفسير والبيان :

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ، فَقالَ : ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ، أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) أي بحث سليمان عن الهدهد بين جنوده ، وكان له علم بمنطق الطير ، وكانت الطيور مسخرة له كالريح وغيرها ، فقال متعجبا : كيف لا أرى الهدهد؟ علما بأنه لم يأذن له بالغياب ، بل هو من الغائبين دون أن أعلم بغيبته. وفي العبارة قلب ، أي ما للهدهد لا أراه؟! وهو كقولك : ما لي أراك كئيبا؟ أي مالك؟.

وذكر المفسرون أن سبب بحثه عنه أنه كان يدل على مكان وجود الماء تحت الأرض ، بنقره فيها ، فيستخرج منها من طريق الجن أو الشياطين ، كما كان يرشد سليمان وجنوده إلى الحد الفاصل بين قريب الماء وبعيده أثناء السير بفلاة من الأرض.

وحين تثبّت من غيابه توعده بالعذاب إذا كان بغير عذر مقبول ، فقال تعالى : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي أنه هدده بالقتل أو بالتعذيب والعقاب الشديد كنتف ريشه إلا أن يأتي ببرهان واضح يبين عذره ، أي إن التهديد والوعيد كان بأحد أمرين إن لم يأت بالأمر الثالث وهو العذر الواضح البيّن.

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، فَقالَ : أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ ، وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) أي غاب الهدهد زمانا يسيرا ثم جاء فسأله سليمان عن سبب غيابه ، فقال

٢٨٣

لسليمان : اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك ، وجئتك من مدينة سبأ بخبر صدق متيقّن ، والأكثر على أن (سَبَإٍ) مصروف ؛ لأنه اسم بلد. وأهل سبأ : هم حمير وهم ملوك اليمن. والأكثر على أن الضمير في (فَمَكَثَ) يعود للهدهد ، ويحتمل أن يكون لسليمان ، والمعنى : بقي سليمان بعد التفقد والوعيد غير طويل ، أي غير وقت طويل.

وقد كان الهدهد ماهرا بالدفاع عن نفسه بتلطف وقدرة على اجتذاب النظر إليه وإصغاء السمع لكلامه ، وأنه كان يقوم برحلة استكشاف علمية لمملكة سبأ ومعرفة أحوال أهلها في الملك والتدين. ثم عرّف سليمان ببعض المعارف بالرغم مما أوتيه من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة ، للتنبيه على وجود العلم والمعرفة عند من هو أضعف منه ، وللإرشاد إلى ضرورة تواضع العلماء.

قال الزمخشري : وفيه دليل على بطلان قول الرافضة : أن الإمام لا يخفى عليه شيء ، ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه (١).

ومضمون خبر الهدهد ثلاثة أمور هي في هذه الآية :

(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ، وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) أي إني وجدت في بلاد سبأ مملكة عظيمة ذات مجد تملكهم امرأة هي بلقيس بنت شراحيل ، وكان أبوها

قبلها ملكا عظيم الملك ، وأعطيت من متاع الدنيا الشيء الكثير من شراء وغنى ، وملك وأبهة ، وجيش مسلح بأنواع مختلفة من معدات القتال ، وبإيجاز : أوتيت من كل شيء تحتاجه المملكة في زمانها ، ولها سرير عظيم هائل مزخرف بالذهب وأنواع الجواهر واللآلئ ، تجلس عليه ، فوصفه بالعظم أي في الهيئة ورتبة السلطان ، قال المؤرخون : وكان هذا السرير في قصر عظيم مشيد ، رفيع البناء ، محكم الصنع ، فيه ثلاث مائة طاقة من مشرقه ومثلها

__________________

(١) الكشاف : ٢ / ٤٤٨.

٢٨٤

من مغربه ، قد وضع بناؤه على أن تدخل الشمس كل يوم من طاقة ، وتغرب من مقابلتها ، فيسجدون لها صباحا ومساء. وهذا ما أشارت إليه الآية التالية المبينة عقيدتهم الدينية.

(وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ، فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) أي وجدت هذه الملكة وقومها يعبدون الشمس من غير الله ، وزيّن لهم الشيطان قبيح أعمالهم ، فصاروا يرون السيء حسنا ، ومنعهم الشيطان عن طريق الحق وعبادة الله الواحد الأحد ، فأصبحوا لا يهتدون إليه.

(أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) أي لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده ، دون ما خلق من الكواكب وغيرها ، وهو الخالق المبدع الذي يخرج إلى الوجود بعد العدم كل شيء مخبوء مغيب في السموات والأرض كالمطر والنبات والمعادن والمخلوقات ، ويعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والأفعال.

ونظير الآية في القسم الأول منها : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ ، وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [فصلت ٤١ / ٣٧]. ونظيرها في القسم الآخر : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) [الرعد ١٣ / ١٠].

(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي أنه بعد بيان الدليل على وجود الله وتوحيده ، وهو افتقار العالم إليه ، نزهه وأبان عظمته ، فذكر أنه الإله الواحد الذي لا شريك له ، ولا معبود بحق سواه ، وهو رب العرش العظيم الذي ليس في المخلوقات أعظم منه ، فكل عرش مهما عظم فهو دونه ، ومنها عرش بلقيس ، فكان الواجب إفراده بالعبادة. فوصف الهدهد عرش بلقيس بالعظم

٢٨٥

بالنسبة أو بالإضافة إلى عرش أبناء جنسها من الملوك ، ووصف عرش الله بالعظم بالنسبة إلى ما خلق من السموات والأرض.

فأجاب سليمان عليه‌السلام طير الهدهد عن دفاعه عن نفسه لتبرئة ساحته ، حين أخبره عن أهل سبأ وملكتهم فقال :

(قالَ : سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي قال سليمان : سنتعرف على مدى صحة قولك ، أصادق في إخبارك هذا ، أم أنك كاذب في مقالتك ، لتتخلص من الوعيد الذي أوعدتك به؟.

والمغايرة بين الجملتين الفعلية والاسمية في هذه الآية ، وجعل الثانية اسمية للمبالغة كما بينا ، وإفادة ثبات صفة الكذب عليه ، وأنه مداوم على الكذب لا ينفك عنه. ووسيلة الاختبار هي :

(اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ، فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) أي إن سليمان عليه‌السلام كتب كتابا إلى بلقيس وقومها ، يدعوها فيه إلى الإيمان والإسلام لله عزوجل ، وأعطاه ذلك الهدهد ، وأمره أن يلقيه إليهم ، ثم يبتعد عنهم قريبا ، ويتأمل رد الفعل ، وما يراجع بعضهم بعضا القول ، ويناقش فيه.

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يأتي :

١ ـ القائد يتفقد عادة جيشه وجنوده ، وقد فعل ذلك سليمان عليه‌السلام أثناء مسيره ومروره بوادي النمل ، فتفقد جنس الطير وجماعتها التي كانت تصحبه في سفره ، وتظله بأجنحتها. وكان سبب تفقده ما تقتضيه عادة العناية بأمر الملك ، والاهتمام بعناصر الجيش وبكل جزء منها ، كما دل ظاهر الآية. وقال

٢٨٦

عبد الله بن سلام : إنما طلب الهدهد ؛ لأنه احتاج إلى معرفة الماء على كم هو من وجه الأرض ، لأنه كان نزل في مفازة عدم فيها الماء ، وأن الهدهد كان يرى باطن الأرض وظاهرها ؛ فكان يخبر سليمان بموضع الماء ، ثم كانت الجن تخرجه في ساعة يسيرة ؛ تسلخ عنه وجه الأرض كما تسلخ الشاة.

قال القرطبي : في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته ، والمحافظة عليهم ، فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله ، فكيف بعظام الملك. ويرحم الله عمر بن الخطاب ، فإنه كان على سيرته ؛ قال : لو أن سخلة على شاطئ الفرات أخذها الذئب ، ليسأل عنها عمر (١). والخلاصة : استنبط العلماء من الآية استحباب تفقد الحاكم أحوال الرعية ، وكذلك تفقد الأصدقاء والأقارب.

٢ ـ قوله تعالى : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) دليل على أن الحدّ أي العقوبة على قدر الذنب ، لا على قدر الجسد ، ولكن يرفق بالمحدود في الزمان والصفة. وأما ذبحه فدليل على أن الله أباح له ذلك ، كما أباح ذبح البهائم والطير للأكل وغيره من المنافع.

٣ ـ قوله تعالى : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي علمت ما لم تعلمه من الأمر ، دليل على من قال : إن الأنبياء تعلم الغيب ، ودليل على أن الصغير يقول للكبير ، والمتعلم للعالم : عندي ما ليس عندك إذا تحقق ذلك وتيقنه.

٤ ـ الاعتذار الصحيح مقبول عند أهل الحق والإيمان ، فقول الهدهد : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) دفع فيه عن نفسه ما توعده من العذاب والذبح.

٥ ـ كانت بلقيس ملكة سبأ ، وكان هذا عرفا معمولا به عند القدماء ، وعند المعاصرين غير المسلمين. أما في شرعنا فقد روى البخاري من حديث ابن عباس

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٣ / ١٧٨.

٢٨٧

أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملّكوا بنت كسرى قال : «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة ، ولا خلاف فيه. ونقل عن محمد بن جرير الطبري أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية ، ولم يصح ذلك عنه ، ولعله نقل عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه ، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق ؛ ولا بأن يكتب لها منشور (أو مسطور) بأن فلانة مقدمة على الحكم ، وإنما سبيل ذلك التحكيم والاستنابة في القضية الواحدة ، بدليل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» (١). وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. وما روي عن عمر أنه قدّم امرأة على حسبة السوق لم يصح ، فلا يلتفت إليه ، وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث.

٦ ـ كانت أمة بلقيس ممن يعبد الشمس ؛ لأنهم كانوا زنادقة فيما يروى ، وقيل : كانوا مجوسا يعبدون الأنوار ، وقد زين لهم الشيطان أعمالهم أي ما هم فيه من الكفر ، وصدهم عن طريق التوحيد ، فهم لا يهتدون إلى الله وتوحيده ، وزين لهم ألا يسجدوا لله ، أو فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله ، وعلى هذا تكون (لا) زائدة ، مثل : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف ٧ / ١٢] أي أن تسجد.

وهذا دليل على أن ما ليس بسبيل التوحيد فليس بسبيل ينتفع به قطعا. ثم آمنت تلك الأمة واهتدت إلى الإقرار بنبوة سليمان ودعوته إلى التوحيد ، كما سيأتي بيانه.

٧ ـ إن الله الذي خلق فسوى ، وأخرج المخبوء في السموات والأرض كالمطر من السماء والنبات والكنوز من الأرض ، هو الذي تجب عبادته ، وهو الذي يستحق العبادة. والآية دلت على وصف الله تعالى بالقدرة والعلم ، أما القدرة :

__________________

(١) أحكام القرآن لابن العربي : ٣ / ١٨٣.

٢٨٨

فقوله : (يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو يتناول جميع أنواع الأرزاق والأموال وإخراجه من السماء بالغيث ، ومن الأرض بالنبات. وأما العلم فقوله : (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ).

٨ ـ قول الهدهد (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) وقوله (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) دليل على أنه داع إلى الخير ، وعبادة الله وحده والسجود له ، لذا نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتله ، كما روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : «نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد».

٩ ـ قوله تعالى : (أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته ، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم ، بباطن أعذارهم ؛ لأن سليمان لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه. وإنما صار صدق الهدهد عذرا ؛ لأنه أخبر بما يقتضي الجهاد ، وكان سليمان عليه‌السلام حبب إليه الجهاد. وفي الصحيح : «ليس أحد أحبّ إليه العذر من الله ، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل». وقد قبل عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه عذر النعمان بن عدي ولم يعاقبه.

لكن للإمام أن يمتحن المعتذر إذا تعلق بالأمر حكم من أحكام الشريعة ، كما فعل سليمان بالتثبت من صدق الهدهد.

١٠ ـ دلت آية : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا ...) على إرسال الكتب إلى المشركين وتبليغهم الدعوة ، ودعوتهم إلى الإسلام ، وقد كتب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كسرى وقيصر ، وإلى كل جبار ، كما دلت الآية على سرعة الهدهد في تبليغ الكتاب إليهم ، وعلى إيتائه قوة المعرفة وفهم كلامهم ، وأن الملكة فهمت الكتاب فورا بواسطة مترجم ، وعلى حسن آداب الرسل أن يتنحوا عن المرسل إليهم بعد أداء الرسالة ، للتشاور فيها.

٢٨٩

ـ ٣ ـ

جواب بلقيس على كتاب سليمان عليه‌السلام

(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧))

الإعراب :

(أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) في «أن» ثلاثة أوجه :

الأول ـ أن تكون في موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، أي بألا تعلوا عليّ.

الثاني ـ أن تكون في موضع رفع على البدل من (كِتابٌ) وتقديره : إني ألقي إلي كتاب ألا تعلوا.

الثالث ـ أن تكون مفسرة بمعنى «أي» كقوله تعالى : (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) أي امشوا ، ولا موضع لها من الإعراب.

(أَذِلَّةً ، وَهُمْ صاغِرُونَ) كل من (أَذِلَّةً) والجملة بعدها حال من الهاء والميم في (لَنُخْرِجَنَّهُمْ).

٢٩٠

المفردات اللغوية :

(قالَتْ) بلقيس لأشراف قومها (الْمَلَأُ) أشراف القوم وخاصتهم (كِتابٌ كَرِيمٌ) لكرم مضمونه أو مرسلة ، أو لأنه كان مختوما (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) أي ألا تتكبروا علي وتنقادوا للأهواء (مُسْلِمِينَ) منقادين مطيعين مستسلمين. وهذا الكتاب مع وجازته تضمن المقصود لاشتماله على البسملة الدالة على ذات الصانع وصفاته ، والنهي عن الترفع الذي هو داء المعاندين والمتكبرين ، والأمر بالإسلام الجامع لأمهات الفضائل.

(الْمَلَأُ) أشراف القوم (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أشيروا علي بالرأي في هذا الأمر (قاطِعَةً أَمْراً) باتة في أمر أو مبرمة أمرا (حَتَّى تَشْهَدُونِ) أي حتى تحضروني أي بمحضركم ، وقد استعطفتهم بذلك ليظهروا إخلاصهم التام في الدفاع عنها (أُولُوا قُوَّةٍ) قدرة جسدية وعددية (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) أصحاب شدة وشجاعة ونجدة وثبات في الحرب (ما ذا تَأْمُرِينَ) أي ما ذا توجهين إيانا بأوامرك فنطيعك (أَفْسَدُوها) بالتخريب (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) مرسلو الكتاب. ويلاحظ أنها لما أحست ميلهم إلى القتال ، جنحت إلى الصلح ؛ لأن الحرب سجال ، لا يدري عاقبتها.

(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) بيان لما ترى تقديمه للمصالحة بإرسال هدية تدفع بها عن ملكها (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) من قبول الهدية أو ردها ، فإن كان ملكا قبلها ، وإن كان نبيا لم يقبلها (فَلَمَّا جاءَ) الرسول بالهدية ومعه أتباعه (فَما آتانِيَ اللهُ) من النبوة والملك (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) من الدنيا (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) لأنكم لا تهتمون إلا بزخارف الدنيا.

(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) ارجع أيها الرسول إلى بلقيس وقومها بما أتيت من الهدية (لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) لا طاقة لهم بمقاومتها (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) من بلدهم سبأ ، سميت باسم أبي قبيلتهم (أَذِلَّةً) بذهاب ما كانوا فيه من العز (وَهُمْ صاغِرُونَ) أسرى مهانون محتقرون ، إن لم يأتوا مسلمين.

المناسبة :

بعد إرسال سليمان عليه‌السلام كتابه إلى بلقيس وقومها مع الهدهد ، ذكر الله تعالى مضمون الكتاب ، وتشاور بلقيس في شأنه مع مستشاريها ، فارتأوا القتال ، وارتأت المهادنة والصلح بإرسال هدية إليه تدفع بها عن بلادها ويلات الحروب ، ولا مانع لديها من إعطائه خراجا دائما مقابل ترك القتال.

٢٩١

التفسير والبيان :

(قالَتْ : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ، إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) أي قالت بلقيس لأشراف قومها ومستشاريها وأركان دولتها ومملكتها : يا أشراف القوم ، إني ألقي إلي كتاب كريم : لأن مرسلة نبي الله سليمان ، وهو ملك كريم ، ولحسن مضمونه وجمال عباراته ، ولأنه كان مختوما ، قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه الطبراني : «كرامة الكتاب : ختمه» وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكتب إلى العجم ، فقيل له : إنهم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم ، فاتخذ لنفسه خاتما ؛ كما أن فيه عجيب أمر حامله ، وهو طائر ألقاه به إليها ، ثم تولى عنها أدبا ، وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك ، ولا سبيل لهم إلى ذلك.

ومضمون الكتاب :

(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ ، وَإِنَّهُ : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أي قرأت الكتاب على أشراف قومها ، وكان في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة شاملا أمورا ثلاثة:

١ ـ البسملة الدالة على إثبات الله ووحدانيته وقدرته ورحمته.

٢ ـ النهي عن الترفع الذي يحجب وصول الحق إلى النفوس ، والنهي عن الانقياد للأهواء.

٣ ـ الأمر بالإسلام الجامع لأصول الفضائل ، أو الأمر بالانقياد والطاعة لأمر سليمان.

قال العلماء : لم يكتب أحد : بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه‌السلام. وبه ثبت أن هذا الكتاب على وجازته جامع كل ما لا بد منه من أمور الدين والدنيا.

٢٩٢

ثم استشارتهم في شأن الرد على الكتاب ، وهذا من الحكمة والديمقراطية ونبذ الاستبداد : (قالَتْ : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ، أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ، ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) أي قالت بلقيس : يا أشراف القوم ، أشيروا عليّ في شأن هذا الكتاب الذي أرسل إلي من نبي الله سليمان عليه‌السلام ، ما كنت مبرمة أمرا ولا قاضية في شأن حاسم حتى يكون بحضوركم ومشاورتكم فيه.

وهذا دال على حسن سياستها ورشادها وحكمتها ، فإنها استعطفتهم ليعينوها على اتخاذ الرأي الأفضل والأخلص والأصوب ، فأجابوها بإظهار الاستعداد للقتال والحرب والدفاع عن المملكة :

(قالُوا : نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ ، وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) أي قال أشراف القوم : نحن أصحاب قوة جسدية وعددية ، وذوو نجدة وشجاعة وشدة وثبات في الحروب. ثم فوضوا إليها أمر إعلان الحرب ، قائلين : نحن على أتم الاستعداد من جانبنا للحرب ، وبعد هذا فالأمر إليك ، مري فينا رأيك نمتثله ونطيعه ، ولا يمكن ذكر جواب أحسن من هذا ، ففيه إظهار القوة الذاتية والعرضية ، وإظهار الطاعة لها إن أرادت السلم والمصالحة.

فناقشتهم في ذلك ، لعلمها بقوة سليمان وجنوده وجيوشه ، وما سخر له من الجن والإنس والطير ، فآثرت السلم على الحرب ، وقالت : إني أخشى أن نحاربه ، فيتغلب علينا ، ويصيبنا جميعا الهلاك والدمار. فمالت إلى المصالحة ، وتبين أنها أحزم رأيا منهم ، وأعلم بأمر سليمان ، ولهذا حكت لهم ما يفعله الملوك الأشداء :

(قالَتْ : إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها ، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً ، وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) أي قالت بلقيس لهم حين أظهروا استعدادهم لقتال سليمان : إن الملوك إذا دخلوا بلدا عنوة ، خرّبوه وأتلفوا الديار والأموال ، وأذلوا أعزة

٢٩٣

أهلها بالقتل أو الأسر ، وأهانوهم غاية الهوان ، لتتحقق لهم الغلبة والرهبة ، ويفعلون هكذا.

وقوله : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) الأقرب أنه من كلامها الذي أرادت به أن هذه عادتهم المستمرة الثابتة التي لا تتغير ؛ لأنها كانت في بيت الملك القديم ، فسمعت نحو ذلك ورأت.

وهذا تحذير لقومها من محاربة سليمان ومجيئه إليهم ودخوله بلادهم ، وبعد أن استبعدت فكرة الحرب ، لجأت إلى الوسائل الودية ومنها المسالمة والمصالحة ، واقترحت إرسال هدية إليه ، وكان ذلك هو الرأي السديد.

(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ، فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) أي وإني ألجأ إلى هذه التجربة وهي بعث هدية إليه ، تليق بمثله ، وأختبر أمره ، أهو نبي أم ملك؟ وأنظر ما ذا يكون جوابه بعدئذ ، فلعله يقبل ذلك منا ويكف عنا ، أو يفرض علينا خراجا نرسله إليه في كل عام ، فنأمن جانبه ، ويترك قتالنا ومحاربتنا.

قال قتادة رحمه‌الله : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها ، علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه ابن عساكر عن أبي هريرة وهو حسن : «تهادوا تحابوا ، وتصافحوا يذهب الغل عنكم».

وقال ابن عباس وغيره : قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك ، فقاتلوه ، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه.

وكانت الهدية عظيمة مشتملة على ذهب وجواهر ولآلئ وغير ذلك ، قال ابن كثير : والصحيح أنها أرسلت إليه بآنية من ذهب ، فما ذا كان موقف سليمان من الهدية؟ :

٢٩٤

(فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ ، قالَ : أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ ، فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ ، بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) أي لما جاء الرسول ومعه أتباعه بالهدية إلى سليمان ، لم ينظر إليها ، وأعرض عنها ، وقال منكرا عليهم : أتمدونني بمال؟ أي أتصانعونني بمال لأترككم على شرككم وملككم؟ إن الله تعالى أعطاني خيرا كثيرا مما أعطاكم وهو النبوة ، والملك الواسع العريض ، والمال الوفير ، فلا حاجة لي بهديتكم ، وإنما أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف وتفرحون بها ، وأما أنا فلست طالبا للدنيا الزائلة ، وإنما أطالبكم بالدخول في دين الله وترك عبادة الشمس ، ولا أقبل منكم إلا الإسلام أو السيف.

(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها ، وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً ، وَهُمْ صاغِرُونَ) أي ارجع أيها المبعوث إليهم بهديتهم ، فإنا سنأتينهم بجنود لا طاقة لهم بقتالهم ، ولنخرجنهم من بلدتهم أذلة ، وهم مهانون مدحورون ، إن لم يأتوا مسلمين منقادين لله رب العالمين.

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى ما يأتي :

١ ـ أدب الخطاب وخصوصا في مجال الدعوة إلى الله تعالى في مكاتبات الملوك ورؤساء الدول مطلوب شرعا ، لذا وصفت بلقيس كتاب سليمان عليه‌السلام بأنه كتاب كريم ، لما تضمن من لين القول والموعظة في الدعوة إلى عبادة الله عزوجل ، وحسن الاستعطاف والاستلطاف من غير أن يتضمن سبّا ولا لعنا ، ويؤيده قول الله عزوجل إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل ١٦ / ١٢٥] وقوله لموسى وهارون : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه ٢٠ / ٤٤].

٢٩٥

والوصف بالكريم في الكتاب غاية الوصف ؛ بدليل قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة ٥٦ / ٧٧].

٢ ـ كانت عادة المتقدمين في المكاتبة أو المراسلة أن يبدءوا بأنفسهم من فلان إلى فلان ، وسار السلف الصالح من أمتنا على هذا المنهج معاملة بالمثل ، قال ابن سيرين ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أهل فارس إذا كتبوا بدؤوا بعظمائهم ، فلا يبدأ الرجل إلا بنفسه» وقال أنس : ما كان أحد أعظم حرمة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان أصحابه إذا كتبوا بدؤوا بأنفسهم.

لكن لو بدأ الكاتب بالمكتوب إليه جاز ؛ لأن الأمة اجتمعت عليه وفعلوه لمصلحة رأوها في ذلك ، فالأحسن في زماننا ومن عدة قرون أيضا أن يبدأ الكاتب بالمكتوب إليه ، ثم بنفسه ، لأن البداية بنفسه تعدّ منه استخفافا بالمكتوب إليه ، وتكبرا عليه.

٣ ـ إذا كانت التحية واردة في رسالة ينبغي على المرسل إليه أن يرد الجواب ؛ لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر ، وروي عن ابن عباس أنه كان يرى رد الكتاب واجبا كما يرى رد السلام.

٤ ـ اتفق العلماء على البدء بالبسملة : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في أول الكتب والرسائل ، وعلى ختمها ؛ لأنه أبعد من الريبة ، وجاء في الحديث المتقدم : «كرامة الكتاب ختمه» واصطنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاتما ، ونقش على فصه : «لا إله إلا الله محمد رسول الله».

٥ ـ كان مضمون كتاب سليمان مع وجازته مشتملا على المقصود وهو إثبات وجود الله وصفاته الحسنى ، والنهي عن الانقياد للهوى والنفس والترفع والتكبر ، والأمر بالإسلام والطاعة ، بأن يأتوه منقادين طائعين مؤمنين.

٢٩٦

والبسملة في هذا الموضع آية قرآنية بإجماع العلماء ، فيكفر منكرها هنا.

٦ ـ المشاورة أمر مطلوب في كل شيء عام أو خاص ما لم يكن سرا ؛ لأنها تحقق نفعا ملحوظا للتوصل إلى أفضل الآراء وأصوبها ، وخصوصا في الحروب والمصالحات وقضايا الأمة العامة ، فإنه ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكثر الناس مشاورة ، قال الله له: (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران ٣ / ١٥٩] إما استعانة بالآراء ، وإما مداراة للأولياء ، ومدح الله تعالى الفضلاء بقوله : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) [الشورى ٤٢ / ٣٨].

والمشاورة نهج قديم ، وبخاصة في الحرب ، فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس قبل إسلامها : (قالَتْ : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) قالت ذلك لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم ، وحزمهم في أمرهم ، ومدى طاعتهم لها. وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده ، وربما كان في استبدادها مكمن الخطر والضعف والسقوط في النهاية.

وقد نجحت في هذه المشاورة ، فسلّموا الأمر إلى نظرها ، مع ما أظهروا لها من القوة والبأس والشدة : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) ثم وجّهتهم إلى مراعاة قوة الملوك وشدة بأسهم ، حماية لهم وحفظا لبلادهم ، وأن من عادتهم الإفساد والتخريب ، والتدمير والإهلاك ، والإذلال والإخراج من البلاد ، وكذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا.

٧ ـ كان من حسن نظر الملكة بلقيس وتدبيرها اختبار أمر سليمان بإرسال هدية عظيمة إليه ، فإن كان نبيا لم يقبلها ولم يرض إلا اتباعهم على دينه ، وإن كان ملكا قبل الهدية ، وللهدية تأثير في كسب المودة والمحبة ، واستلال الحقد والضغينة ، وإنهاء الخصومة والمشاحنة.

٢٩٧

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه البخاري عن عائشة يقبل الهدية ويثيب عليها ، ولا يقبل الصدقة ، وكذلك كان سليمان عليه‌السلام وسائر الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. وإنما جعلت بلقيس قبول الهدية أو ردها علامة على ما في نفسها ؛ لأنه قال لها في كتابه : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) وهذا لا تقبل فيه فدية ، ولا يؤخذ عنه هدية ، وإنما هي رشوة وبيع الحق بالباطل ، وهي الرشوة التي لا تحل. وأما الهدية المطلقة للتحبب والتواصل فإنها جائزة ؛ لأنها تورث المودة ، وتذهب العداوة ، روى مالك عن عطاء الخراساني قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تصافحوا يذهب الغلّ ، وتهادوا تحابّوا ، وتذهب الشحناء» وعن ابن شهاب الزهري قال : بلغنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تهادوا بينكم ، فإن الهدية تذهب السّخيمة». وروى البزار عن أنس بإسناد ضعيف : «تهادوا ، فإن الهدية تسلّ السخيمة».

قال القرطبي : وعلى الجملة : فقد ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقبل الهدية ، وفيه الأسوة الحسنة.

أما سليمان عليه‌السلام فإنه رد هدية بلقيس ؛ لأنها كانت بدلا عن السكوت عن الحق وعن الدعوة إلى الإسلام والإيمان ، وواجب الرسل التبليغ دون أجر ، ودون مهادنة أو مساومة ؛ لأن غرضهم إرضاء الله ، ونشر العقيدة والفضيلة والإخلاص في عبادة الله تعالى. لذا انضم إلى رده الهدية إنذارهم بالحرب والقتال بجيوش لا طاقة لهم على مقاومتها ، وتهديدهم بالإخراج من أرضهم أذلة قد سلبوا ملكهم وعزمهم ، مهانين محتقرين إن لم يسلموا.

وقد حقق الإنذار الغاية منه ، فجاءت بلقيس مع حاشيتها وجنودها مسلمين منقادين طائعين ، كما أبانت الآيات التالية.

٢٩٨

ـ ٤ ـ

إسلام بلقيس وولاؤها وزيارتها لسليمان عليه‌السلام

(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤))

الإعراب :

(عِفْرِيتٌ) : التاء فيه زائدة ، ووزنه فعليت ، كغزويت ، أي قصير ، والعفريت : القوي النافذ ، وجمعه عفاريت.

(وَصَدَّها ما كانَتْ ..) ما : إما فاعل «صد» وإما منصوب بصد ، بتقدير حذف حرف الجر ، وفاعل (صَدَّها) ضمير وهو الله ، أي صدها الله عما كانت تعبد ، أي عن عبادتها. وإنها بالكسر على الابتداء ، وبالفتح : إما بدل مرفوع من (ما) إذا كانت فاعلا ، وإما منصوب بتقدير حذف حرف الجر ، أي لأنها كانت.

٢٩٩

(وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ مَعَ) إما ظرف ، وإما حرف وبنيت على الفتح لأنها قد تكون ظرفا أحيانا ، وكانت الحركة فتحة لأنها أخف الحركات ، فإن سكنت العين فهو حرف لا غير.

البلاغة :

(تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) و (أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) فيهما جناس الاشتقاق.

(كَأَنَّهُ هُوَ) تشبيه مرسل مجمل ، أي كأنه عرشي في الهيئة.

(قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) استعارة ، استعار رجوع الطرف للسرعة في الإتيان بالعرش ، مشبها السرعة بالتقاء الجفنين الذي هو ارتداد الطرف. ومثله (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَتَهْتَدِي لا يَهْتَدُونَ) بينهما طباق السلب.

المفردات اللغوية :

(أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) العرش : سرير الملك ، أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله به من العجائب الدالة على عظيم القدرة ، وصدقه في دعوى النبوة ، ويختبر عقلها بعد التمويه على العرش ، فينظر أتعرفه أم تنكره (مُسْلِمِينَ) منقادين طائعين (عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ) خبيث مارد قوي شديد (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) مجلسك للقضاء ، وكان من الغداة إلى نصف النهار (عَلَيْهِ) على حمله (لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) لقادر مؤتمن على ما فيه من الجواهر وغيرها ، لا أنقص منه شيئا ولا أبدّله. قال سليمان : أريد أسرع من ذلك (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) المنزل هو آصف بن برخيا وزيره ، كان صديقا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وهو المشهور. وقيل : إنه الخضر عليه‌السلام ، وقيل : هو جبريل عليه‌السلام ، وقيل : هو ملك أيد الله تعالى به سليمان ، وقيل : إنه سليمان نفسه ، قال الرازي : وهو الأقرب.

(قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) أي قبل أن يرجع إليك بصرك إذا نظرت به إلى شيء ، و (يَرْتَدَّ) يرجع ، والطرف : تحريك الأجفان ، والمراد بذلك السرعة العظيمة على سبيل الاستعارة ، كما يقال : آتيك به مثل لمح البصر ، أو قبل أن تغمض عينك ، ويراد الإسراع الشديد في الإحضار (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) ساكنا حاصلا بين يديه (قالَ : هذا) أي الإتيان لي به (فَضْلِ) تفضل وإحسان (لِيَبْلُوَنِي) ليختبرني (أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) أي أشكر بأن أراه فضلا من الله بلا حول مني ولا قوة ، وأقوم بحقه ، أم أجحد الفضل بنسبته إلي ، وأقصر في أداء واجب الشكر (يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأجلها ؛ لأن ثواب شكره له (وَمَنْ كَفَرَ) النعمة فلم يشكرها (غَنِيٌ) عن شكره (كَرِيمٌ) بالتفضل والإنعام عليه ثانيا.

٣٠٠