التفسير المنير - ج ١٩

الدكتور وهبة الزحيلي

(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ، سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) [القمر ٥٤ / ٢٥ ـ ٢٦]. وهذا بمنزلة ما كانوا يذكرون في الأنبياء أنهم لو كانوا صادقين ، لكانوا من جنس الملائكة.

ثم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم ، وهو أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة ناقة عشراء (حامل لعشرة أشهر) صفتها كذا وكذا ، فما كان منه إلا أن أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق : لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به وليتبعنه ، فأعطوه ذلك ، فقام نبي الله صالح عليه‌السلام ، فصلى ، ثم دعا الله عزوجل أن يجيبهم إلى سؤالهم ، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عشراء ، على الصفة التي وصفوها ، فآمن بعضهم ، وكفر أكثرهم. (١)

(قالَ : هذِهِ ناقَةٌ ، لَها شِرْبٌ ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي إن النبي صالح عليه‌السلام قال مجيبا طلبهم إرسال آية تكون دليلا على صدقه : الدليل هو ناقة الله هذه ، فهي الآية والمعجزة الدالة على صدقي ، ترد ماءكم يوما ، ويوما تردونه أنتم.

(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي وإياكم أن تصيبوها بأذى من ضرب أو قتل أو غير ذلك ، فيصيبكم عذاب شديد. وقد عظم اليوم لحلول العذاب فيه ، ووصف اليوم بالعظم أبلغ من وصف العذاب ؛ لأن الوقت إذا عظم بسبب العذاب ، كان موقعه من العظم أشد.

(فَعَقَرُوها ، فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ ، فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) أي ذبحوا الناقة ، ثم ندموا على فعلهم عند معاينة العذاب ، أي حين علموا أن العذاب نازل بهم ، فنالهم

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٤٤ ، تفسير القرطبي : ١٣ / ١٣٠ ، وهذا مرويّ عن ابن عباس ، وربما كان الأمر محتاجا إلى رواية موثقة ثابتة السند ليجب علينا الاعتقاد بذلك.

٢٠١

عذاب الله وهو أن أرضهم زلزلت زلزالا شديدا ، وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت القلوب من محالها ، وأتاهم من الأمر ما لم يكونوا يحتسبون ، وأصبحوا في ديارهم جاثمين.

والذي حدث أن الناقة مكثت لديهم حينا من الزمان ، ترد الماء ، وتأكل الورق والمرعى ، وينتفعون بلبنها ، يحلبون منها ما يكفيهم شربا وريا ، فلما طال عليهم الأمد ، وحضر أشقاهم ، تمالؤوا على قتلها وعقرها. روي أن مسطعا ألجأها إلى مضيق في شعب ، فرماها بسهم ، فأصاب رجلها ، فسقطت ، ثم ضربها قدار.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ، وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي إن في ذلك المذكور من قصة صالح عليه‌السلام ، وتكذيب قومه ثمود لرسالته ، واعتدائهم على معجزة الناقة لآية وعبرة وعظة ، وأي آية أعظم من هذا؟ إنهم كذبوا رسولهم فلم يؤمنوا به ، واغتروا بما لهم ومتعتهم الدنيوية ، واعتدوا على الناقة ، فنزل بهم العذاب ، ولم يكن أكثرهم مؤمنين بالله ورسله ، وإن ربك لهو المنتقم من أعدائه ، الرحيم بأوليائه المؤمنين إن تابوا وأنابوا إليه. وهذه الخاتمة بذاتها هي خاتمة قصة نوح وهود ؛ لأن القصد منها واحد ، وهو العظة والاعتبار بحال المكذبين.

يقال : إنه ما آمن به من تلك الأمم إلا ألفان وثمان مائة رجل وامرأة.

فقه الحياة أو الأحكام :

كانت قبيلة ثمود تسكن في الحجر (١) وهي ذوات نخل وزروع ومياه ، ومبان جبلية شاهقة فخمة ، وكانوا معمّرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم ، إلا أنهم اغتروا بمالهم وجاههم ، فكذبوا رسولهم صالحا عليه‌السلام ، فقرعهم ووبخهم ، وقال : أتظنون أنكم باقون في الدنيا بلا موت؟.

__________________

(١) الحجر : واد بين المدينة والشام.

٢٠٢

وأمرهم بتقوى الله عزوجل وهي امتثال أمره واجتناب نهيه ، وحذرهم من إطاعة أمر كبرائهم ورؤسائهم الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

فاتهموه بأنه مسحور لا عقل له ، ونفوا عنه الرسالة ؛ لأنه بشر مثلهم فكيف يوحى إليه دونهم ، ويكون نبيا غيرهم؟ ثم طالبوه بالإتيان بمعجزة حسية تدل على صدقه ، فأيده الله بالناقة العظيمة التي لا مثيل لها ، فكانت تشرب ماء نهير صغير كله في يوم ، ثم تدرّ لهم الحليب ، فيحلبون منها ما شاؤوا في اليوم التالي. ولكن أبطرتهم النعمة ، وأساؤوا إلى أنفسهم ، وتواطؤوا على عقرها ، حبّا في الإساءة ذاتها ، فعقرها رجل منهم اسمه «قدار» ثم ندموا على عقرها لما أيقنوا بالعذاب ، ولكن لم ينفعهم الندم عند معاينة العذاب ، كما قال تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ : إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ...) [النساء ٤ / ١٨] فأهلكهم الله بالزلزلة والصيحة بسوء فعلهم وقبح كفرهم.

القصة السادسة

قصة لوط عليه‌السلام مع قومه

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ

٢٠٣

وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥))

الإعراب :

(نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) على حذف مضاف ، أي عقوبة ما يعملون من الفاحشة ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

البلاغة :

(أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ) استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ.

(قالَ مِنَ الْقالِينَ) جناس ناقص ، الأول من القول ، والثاني من القلى مصدر قلى : أبغض بغضا شديدا.

المفردات اللغوية :

(أَخُوهُمْ) الذي يعايشهم في السكن والبلد ، لا في الدين والنسب ؛ لأنه ابن أخي إبراهيم من أرض بابل (الذُّكْرانَ) الذكور (مِنَ الْعالَمِينَ) من الناس (لَكُمْ) لأجل استمتاعكم (مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي أقبالهن (عادُونَ) متجاوزون الحدود الشرعية والعقلية والفطرية السليمة من الحلال إلى الحرام (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) عن إنكارك علينا (مِنَ الْمُخْرَجِينَ) المطرودين المنفيين من بلدنا (الْقالِينَ) المبغضين لفعلكم غاية البغض أو أشد البغض (مِمَّا يَعْمَلُونَ) أي من عذاب أو عقوبة أو شؤم عملهم.

(وَأَهْلَهُ) أي أهل بيته والمتبعين له على دينه ، أخرجه الله من بينهم وقت حلول العذاب بهم (إِلَّا عَجُوزاً) هي امرأة لوط (فِي الْغابِرِينَ) الباقين في العذاب ، أصابها حجر في الطريق فأهلكها ؛ لأنها كانت مائلة إلى القوم ، راضية بفعلهم ، وقيل : كانت فيمن بقي في القرية ، فإنها لم تخرج مع لوط (دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أهلكناهم أشد إهلاك (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) قيل : أمطر الله عليهم حجارة ، فأهلكهم (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) مطرهم ، واللام فيه للجنس ، حتى يصح وقوع المضاف إليه فاعل (ساء) والمخصوص بالذم محذوف ، وهو مطرهم.

٢٠٤

المناسبة :

هذه قصة أخرى كسابقاتها للعبرة والعظة ، هي قصة لوط بن هاران بن آزر ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، بعثه الله تعالى إلى أمة عظيمة في عهد إبراهيم ، تسكن من قطاع الأردن سدوم وأعمالها التي أهلكها الله وهي عمورة وثلاثة مدن أخرى ، وجعل مكانها بلاد الغور المتاخمة لجبال بيت المقدس ، والمحاذية لبلاد وجبال الكرك والشوبك ، والمجاورة للبحر الميت «بحيرة لوط» فدعاهم إلى عبادة الله عزوجل وحده ، لا شريك له ، وأن يطيعوا رسولهم الذي بعثه الله إليهم ، ونهاهم عن معصية الله ، وارتكاب ما ابتدعوه من الفواحش ، مما لم يسبقهم إليه أحد من العالمين ، من إتيان الذكور دون الإناث.

التفسير والبيان :

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ : أَلا تَتَّقُونَ؟ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ، وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) أي إن قوم لوط كذبوا نبيهم المرسل إليهم ؛ ومن كذّب رسولا فقد كذب جميع المرسلين ، حين قال لهم لوط عليه‌السلام : ألا تتقون عذاب الله بترك معاصيه ، فإني رسول لكم مؤتمن على تبليغ رسالته ، فاتقوا الله بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه ، وأطيعوني فيما آمركم به من عبادة الله وحده ، وإتيان النساء بالزواج وما أنهاكم عنه من ارتكاب الفواحش ، ولا أطلب منكم أجرا أو جزاء على تبليغ رسالتي ، فما جزائي إلا على الله رب الإنس والجن وجميع العوالم في الأرض والسماء.

ثم وبخهم وقرعهم وأنكر عليهم ظاهرة الفحش الشنيعة قائلا : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ ، وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي كيف تقدمون على شيء شاذ جدا ، أترتكبون هذه المعصية الشنيعة؟ وهو إتيان

٢٠٥

الذكور من الناس ، وهو كناية عن وطء الرجال ، وكانوا يفعلون ذلك بالغرباء ، وسماه الله تعالى فاحشة ، فقال : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) [الأعراف ٧ / ٨٠] وتتركون إتيان نسائكم اللاتي جعلهن الله للاستمتاع الطبيعي بهن ، كما قال تعالى : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) [البقرة ٢ / ٢٢٢].

(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) أي لكن أنتم قوم متجاوزون الحد في الظلم وفي جميع المعاصي ، ومنها هذه الفعلة الشنيعة.

وقوله : (بَلْ) إضراب ، بمعنى الانتقال من شيء إلى شيء ، لا أنه إبطال لما سبق من الإنكار عليهم وتقبيح أفعالهم. والمراد : بل أنتم أحق بأن توصفوا بالعدوان ، حيث ارتكبتم مثل هذه الفاحشة.

ولما نهاهم عن هذا الفعل القبيح توعدوه وهددوه :

(قالُوا : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) أي قال قوم لوط له : لئن لم تنته عن دعواك النبوة ، وعن الإنكار علينا فيما نأتيه من الذكور ، وهو ما جئتنا به ، لنطردنك وننفينك من هذه البلدة التي نشأت فيها ، ونبعدنك من بيننا ، كما أبعدنا من نهانا قبلك ، كما قال تعالى : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا : أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ، إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [النمل ٢٧ / ٥٦].

فأجابهم بأن إبعاده لا يمنعه من الإنكار عليهم والتبرؤ منهم لما رأى أنهم لا يرتدعون عما هم فيه ، وأنهم مستمرون على ضلالتهم ، فقال :

(إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) أي إني من المبغضين بغضا شديدا لعملكم ، فلا أرضاه ولا أحبه ، وإني بريء منكم ، وإن هددتموني وأوعدتموني بالطرد. وكونه بعض القالين يدل على أنه يبغض هذا الفعل ناس غيره ، هو بعضهم ، وقوله : (مِنَ الْقالِينَ) أبلغ من أن يقول : إني لعملكم قال.

٢٠٦

وفيه تنبيه على أن هذا الفعل موجب للبغض ، حتى يبغضه الناس.

ثم دعا الله بإنجائه من سوء فعلهم قائلا :

(رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) أي يا ربّ ، خلّصني من عقوبة ما يعملون من المعاصي ، ونجني من شؤم أعمالهم.

والخلاصة : أنهم لما توعدوه بالإخراج ، أخبرهم ببغض عملهم ، ثم دعا ربّه بالنجاة من سوء فعلهم. فأجاب الله دعاءه :

(فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) أي فنجيناه وأهل بيته ومن آمن به جميعا ليلا من عقوبة عملهم ومعاصيهم ، إلا امرأة عجوزا هي امرأته ، وكانت عجوز سوء لم تؤمن بدين لوط ، بقيت مع القوم ولم تخرج ، فهلكت ، كما قال سبحانه : (إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) [هود ١١ / ٨١] لأنها كانت راضية بسوء أفعالهم ، وتنقل إليهم الأخبار.

(ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ ، وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً ، فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) أي ثم أهلكنا القوم الآخرين الباقين الذين انغمسوا في المنكرات ، وكفروا بالله الذي خلقهم ، ولم يؤمنوا برسله ، وأنزلنا عليهم العذاب الذي عمّ جميعهم ، وأمطرنا عليهم حجارة من سجّيل منضود ، فبئس هذا المطر مطر المهلكين المنذرين بالهلاك. قال قتادة : أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم. وقال مقاتل : خسف الله بقوم لوط ، وأرسل الحجارة على من كان خارجا من القرية ، ولم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط. وقال وهب بن منبّه : أنزل الله عليهم الكبريت والنار ، أي فجر الله فيها البراكين النارية. و (الْمُنْذَرِينَ) لم يرد بهم قوما بأعيانهم ، إنما هو للجنس ، والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم.

والخلاصة : أن عقابهم كان زلزالا شديدا جعل بلادهم عاليها سافلها ، وكان

٢٠٧

مصحوبا بكبريت ونار وحجارة من السماء ، فأحرقت قراهم ، كما قال تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها ، وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [هود ١١ / ٨٢] فالعقوبة : هي الزلزال والبركان.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ، وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) وهذه هي العبرة والخاتمة التي ختمت بها القصة ، كما ختمت بها قصص الأنبياء المتقدمين ، والمعنى : إن في تلك القصة لعبرة وعظة لكل متأمل ، حيث أهلك الله العصاة الموغلين في المعصية ، وهم اللوطيون ، ونجى المؤمنين الصالحين الذين أنكروا تلك الفاحشة ، وكانت امرأة لوط من الهالكين لتواطؤها مع قومها ، ومحبتها فعلهم ، ولم تنفعها صلتها بالنبي لوط عليه‌السلام ؛ لأن لكل امرئ ما اكتسب من الإثم ، وما كان أكثر هؤلاء القوم بمؤمنين ، بل كانوا وإن ربك لهو المنتقم من أعدائه ، الرحيم بأوليائه المؤمنين التائبين.

فقه الحياة أو الأحكام :

إن الكفر بالله تعالى ورسله ، والشذوذ الجنسي (اللواط) وترك الاستمتاع الطبيعي الحلال من طريق الزواج بالنساء ، مدعاة للانتقام الإلهي ، والعقاب الشديد في الدنيا والآخرة.

ومهمة النبي لوط عليه‌السلام كانت صعبة جدا في علاج هذا الأمر المتأصل المستعصي في قومه ، فأنكر عليهم أشد الإيمان ، ووبّخهم أشد التوبيخ ، ووصفهم بأنهم قوم موغلون في العدوان وتجاوز حدود الله ، وأعلن بغضه الشديد لعملهم ، بالرغم من تهديدهم له بالطرد والإبعاد من بلدهم.

ولما يئس لوط عليه‌السلام من إيمان هؤلاء القوم بالله ، والتطهر من فعل الفاحشة الشنيعة ، دعا ربه بأن ينجيه وأهله من عذاب عملهم ، وألا يصيبه من عذابهم ، وهذا يتضمن الدعاء عليهم ، ولا يدعو النبي على قومه إلا بإذن من ربه.

٢٠٨

فأجاب الله دعاءه ، ونجاه وأهل بيته ومن آمن معه أجمعين من العقاب الأليم الذي أنزله بهم ، إلا امرأته العجوز بقيت في عذاب الله تعالى.

وكان العقاب الدنيوي هو الإهلاك بالخسف والحصب ، أي بالزلزال والبركان ، فأمطر الله عليهم الحجارة ، بأن خسف جبريل عليه‌السلام بقريتهم وجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها الله بالحجارة.

إن في ذلك لآية وأي آية ، والعاقل من اتعظ بغيره ، ولم يكن من قوم لوط مؤمن إلا بيت لوط وابنتاه ، والله قادر على الانتقام من أعدائه ، وهو في الوقت نفسه رحيم بأوليائه المؤمنين.

القصة السابعة

قصة شعيب عليه‌السلام مع قومه

(كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ

٢٠٩

يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١))

الإعراب :

(الْأَيْكَةِ) معرّف بالألف واللام ، ومجرور بالإضافة ، يقرأ بالهمزة وبتخفيفها ، وهو الوجه ويقرأ بلام أصلية مفردة «ليكة» بالنصب : اسم بلد ، على أنه ممنوع من الصرف للتعريف (العلمية) والتأنيث ، ووزنه «فعلة». والواقع أن أصل : «ليكة» : الأيكة ، فنقلت حركة الهمزة إلى اللام تخفيفا ثم حذفت ، فاستغني عن همزة الوصل ، وصارت الكلمة «ليكة». وكتبت هنا وفي سورة «ص» بغير ألف اتباعا للفظ.

البلاغة :

(أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) إطناب ؛ لأن وفاء الكيل نهي عن الخسران.

المفردات اللغوية :

(الْأَيْكَةِ) غيضة شجر كثير ناعم ملتف ، قرب مدين ، بعث الله إلى أهلها شعيبا عليه‌السلام ، كما بعث إلى مدين ، ولم يكن منهم نسبا ، وكان أجنبيا منهم ، ولذلك قال : (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) ولم يقل «أخوهم». جاء في الحديث : «إن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم ، وإلى أصحاب الأيكة». (أَوْفُوا الْكَيْلَ) أتموه (مِنَ الْمُخْسِرِينَ) الناقصين حقوق الناس بالتطفيف.

(بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) الميزان السوي أو العدل (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) لا تنقصوهم من حقهم شيئا (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي لا تفسدوا أشد الإفساد بالقتل والغارة وقطع الطريق ، يقال : عثا في الأرض : أفسد فيها ، و (مُفْسِدِينَ) حال مؤكدة لمعنى عاملها (وَالْجِبِلَّةَ) أي ذوي الجبلة ، أي الخلقة والطبيعة ، يقال : جبل فلان على كذا ، أي خلق ، والمراد : أنهم كانوا على خلقة عظيمة (الْأَوَّلِينَ) من تقدمهم من الخلائق (الْمُسَحَّرِينَ) المغلوبين على عقولهم بكثرة السحر.

(وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أتوا بالواو للدلالة على أنه جامع بين وصفين متنافيين للرسالة ، مبالغة في تكذيبه ، أي المسحور البشر (وَإِنْ نَظُنُّكَ إِنْ) مخففة من الثقيلة ، واسمها

٢١٠

محذوف ، أي إنه (لَمِنَ الْكاذِبِينَ) في دعواك (كِسَفاً) جمع كسفة أي قطعة (وزنا ومعنى) والمراد قطع عذاب. (الظُّلَّةِ) السحابة التي أظلتهم بعد حر شديد أصابهم ، فاجتمعوا تحتها ، ثم أمطرتهم نارا فاحترقوا جميعا.

(إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) إلى قوله (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) هي مقالة الأنبياء السابقين نفسها.

المناسبة :

هذا آخر القصص السبع المذكورة في هذه السورة باختصار ، تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما يلقاه من إعراض قومه ، فيغتم ويحزن ، وتهديدا للمكذبين به ، وإعلاما باطراد نزول العذاب على تكذيب الأمم بعد إنذار الرسل به ، واقتراحهم له استهزاء وعدم مبالاة به.

وهي قصة شعيب عليه‌السلام مع قومه أهل مدين : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) ومع أهل الأيكة ، وهم قوم كانوا أصحاب غيضة وشجر وزرع وثمر ، بعثه الله إليهم ، لإصلاح الوضع الاجتماعي المتردي فيهم ، وهو بخس الكيل والميزان وتطفيفه ، والإفساد الشديد في الأرض ، فنصحهم بإيفاء الكيل والميزان ، وألا يعثوا في الأرض مفسدين ، فكذبوه ، فأهلكهم الله بعذاب يوم الظلة.

التفسير والبيان :

(كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ، وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) أي كذب أصحاب الغيضة وهي الشجر الكثير الملتفّ ، وكانت قرب مدين ، وقال ابن كثير : «أصحاب الأيكة : هم أصحاب مدين على الصحيح» (١). كذبوا رسولهم الذي بعث إليهم ، وهو شعيب عليه‌السلام.

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٤٥.

٢١١

كذبوه حين قال لهم شعيب : ألا تتقون عذاب الله؟! بالإيمان به وبرسوله وبالامتناع عن معاصيه. ولم يقل «أخوهم شعيب» لأنه كما يرى الزمخشري والبيضاوي والرازي لم يكن منهم نسبا. ورأى ابن كثير أنه تعالى قطع نسب الأخوة بينه وبينهم ، للمعنى الذي نسب إليهم وهو عبادة الأيكة وهي شجرة ، وإن كان أخاهم نسبا.

وحثهم بإخلاص على اتباع رسالته مطمئنا لهم بصراحة أنه رسول إليهم مرسل من عند الله ، أمين على تبليغ الرسالة بكاملها ، فاتقوا الله وخافوه بامتثال أمره واجتناب نهيه ، وأطيعوني فيما آمركم به وأنهاكم عنه ، وما أطلب منكم أجرا وجزاء ماديا أو معنويا كجاه أو سلطان أو رياسة على تبليغي الرسالة ، فما جزائي إلا على الله الذي أرسلني إليكم.

نصحهم بهذه النصائح الأساسية في رسالته ، ثم أمرهم بأشياء قائلا :

١ ـ إيفاء الكيل والميزان : (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) أي إذا بعتم فأتموا الكيل والميزان ، ولا تكونوا ممن ينتقص الناس حقوقهم ، وإذا اشتريتم فلا تزيدوا في الوزن والكيل طمعا بأموال الناس ، كما لو بعتم ، أي أن الواجب يقتضي المساواة في الأخذ والعطاء ، فخذوا كما تعطون ، وأعطوا كما تأخذون.

(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي وزنوا بالميزان العادل السوي ، ونظير الآية قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ، أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) [المطففين ٨٣ / ١ ـ ٤] فهذا نهي عن التطفيف في الكيل والوزن ، يشمل المساواة في الأخذ والعطاء والبيع والشراء.

ثم نهاهم عن الظلم والبخس نهيا عاما في كل حق فقال :

٢١٢

٢ ـ عدم إنقاص الحقوق : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي ولا تنقصوهم أموالهم أو حقوقهم في أي شيء مكيل أو موزون ، مذروع أو معدود ، فشمل كل المقادير ، وأوجب العدل في المقاييس عامة ، كيلا أو وزنا أو مساحة أو قدرا ، كذلك شمل حقوقهم الأدبية والمعنوية كالحفاظ على الكرامة والعرض ، قال الرازي : وهذا عام في كل حق يثبت لأحد ألا يهضم ، وفي كل ملك ألا يغصب مالكه ، ولا يتصرف فيه إلا بإذنه تصرفا شرعيا. ثم نهاهم عن الإفساد في الأرض بجميع أنواعه فقال :

٣ ـ عدم الإفساد : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي ولا تفسدوا أشد الإفساد في الأرض كقطع الطريق والغارة والنهب والسلب والقتل وإهلاك الزرع وغير ذلك من أنواع الفساد التي كانوا يفعلونها.

٤ ـ تقوى الله : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) أي وخافوا بأس الله الذي تفضل عليكم بخلقكم وخلق من تقدمهم من ذوي الخلقة المتقدمين ، من آبائهم الذين انحدروا منهم وكانوا في الظاهر سبب وجودهم وخلقهم ، ومنهم أصحاب البأس والقوة والمال كقوم هود وقوم صالح. وهذا كما قال موسى عليه‌السلام سابقا : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء ٢٦ / ٢٦].

فأجابوه بالطعن في رسالته من ناحيتين ، ثم بالاستخفاف بالوعيد والتهديد. أما الطعن فهو :

١ ـ (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أي ما أنت إلا رجل مسحور مغلوب على عقله ، فلا يسمع لقولك ، ولا يؤبه لنصحك. وهذا مثلما أجابت به ثمود رسولها ، تشابهت قلوبهم ، واتفقت منازع الكفر فيهم.

ثم قالوا له : إنك مثلنا بشر ، فما الذي فضّلك علينا ، وجعلك نبيا ورسولا دوننا؟!. وأتوا بالواو في قولهم (وَما) للتعبير عن قصدهم معنيين كلاهما مناف

٢١٣

للرسالة في تقديرهم : السحر والبشرية. وإذا تركت الواو فلم يقصدوا إلا معنى واحدا ، وهو كونه مسحرا ، ثم قرروا كونه بشرا مثلهم.

٢ ـ (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) أي ويغلب على ظننا أنك ممن تعمد الكذب فيما يقول ، ولست ممن أرسلك الله إلينا.

وأما الاستخفاف بالتهديد فهو :

(فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي إن كنت صادقا في تهديدك ووعيدك بأننا سنعذب ، فأنزل علينا قطعا من السحاب فيها نوازل العذاب. وما كان طلبهم ذلك إلا لتصميمهم على الجحود والتكذيب والعناد واستبعادهم وقوع العذاب. وبعبارة أخرى : إن كنت صادقا أنك نبي ، فادع الله أن يسقط علينا كسفا من السماء. والسماء : السحاب أو المظلة.

وهذا شبيه بما قالت قريش للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما أخبر الله عنهم في قوله تعالى : (وَقالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى أن قالوا : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً ، أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) [الإسراء : ١٧ / ٩٠ ـ ٩٢] وقوله سبحانه : (وَإِذْ قالُوا : اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال ٨ / ٣٢].

وهم بهذا ظنوا أنه إذا لم يقع العذاب ظهر كذبه ، فأجابهم شعيب عليه‌السلام : (قالَ : رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي قال شعيب : الله ربي أعلم بعملكم ، فيجازيكم عليه ، إما عاجلا وإما آجلا ، وأما أنا فلا قدرة لي على إنزال العذاب ، فإن كنتم تستحقون ذلك جازاكم به ، وهو غير ظالم لكم.

وهذا دليل على أنه لم يدع عليهم ، بل فوض الأمر في التعذيب إلى الله تعالى ، فلما استمروا في التكذيب أنزل الله عليهم العذاب على ما اقترحوا من عذاب يوم الظّلّة ، فقال تعالى :

٢١٤

(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ، إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي فلما أصروا على التكذيب واستمروا عليه ، جوزوا بعذاب الظلة وهو أنهم أصيبوا بحر عظيم ، أخذ بأنفاسهم ، لا ينفعهم ظل ولا ماء ، فاضطروا إلى الخروج إلى البرية ، فأظلتهم سحابة ، وجدوا لها بردا ونسيما ، فاجتمعوا تحتها ، فأمطرت عليهم نارا ، فاحترقوا جميعا. وهذا كما حكى الله تعالى بقوله : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا : سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور ٥٢ / ٤٤].

إن ذلك العذاب عذاب شديد الهول ، عظيم الوقع ، أدى إلى الإفناء :

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ، وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) أي في تلك القصة البليغة لعبرة وعظة يا أهل مكة وغيركم من الكفار ، تلك العبرة الدالة بوضوح على صدق الرسل ، ومجيء العذاب بتوقيت الله ، وما كان أكثر قوم شعيب بمؤمنين.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي وإن الله ربك يا محمد لهو القادر على الانتقام من الكافرين ، الرحيم بعبادة المؤمنين.

وهذه هي الخاتمة بذاتها التي ختمت بها القصص السبع المذكورة في هذه السورة للدلالة على وجوب استنباط العظة والعبرة من كل قصة ، وكلها دليل قاطع على أن القرآن كلام الله الذي يخبر وحده عن الغيب : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [يوسف ١٢ / ١١١].

فقه الحياة أو الأحكام :

تكرر في المناسبة والتفسير بيان الهدف العام من هذه القصة وغيرها من القصص السابقة ، وكان مجموعها في هذه السورة سبعا ، فإن الله تعالى أنزل في قرآنه هذه القصص تسلية لرسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإزالة للحزن عن قلبه ، بسبب صدود الناس عن دعوته ، وهي تسرية دائمة لكل داعية مخلص ، حتى لا ييأس

٢١٥

ولا يعجز ، ولا يلين ولا يقف عن السير في دعوته ، فيستمر ثابت الخطا ، ماضي العزم ، رافع الرأس معتزا بما يقوم به.

والخلاصة : أن السبب في تشابه بداية هذه القصص وآخرها : هو التأكيد وتقرير المعاني في النفوس وتثبيتها في الصدور.

وفهم من هذه القصص أن الله هو الذي أنزل العذاب على المكذبين لرسله ، وأنه إنما أنزله عليهم جزاء وفاقا على كفرهم ، لا ظلما ولا تشفيا ولا ثارا ، وإنما لإرساء معالم الحق ، وتوطيد صرح العدل بين الخلائق.

ويلاحظ أن جميع الأنبياء متفقون على أصول الرسالات من الدعوة إلى توحيد الله ، واحترام الفضائل ومحاربة الرذائل ، ثم يقوم كل واحد منهم بمعالجة الظواهر المرضية ، والأوضاع الشاذة عند قومه ، فهذا هود عليه‌السلام ينكر على قومه العبث بالبناء ، والطمع في الدنيا كأنهم مخلدون ، والبطش بطش الجبارين وغير ذلك من النزعات المعنوية المغالية ؛ وهذا صالح عليه‌السلام ينكر على قومه إقامة البيوت في الجبال بطرين أشرين مستكبرين ، حريصين على الملذات الحسية المادية ؛ وهذا لوط عليه‌السلام يستنكر الفاحشة الشنيعة وهي إتيان الذكور في أدبارهم ، وترك إتيان النساء الأزواج في أقبالهن ؛ وهذا شعيب ينكر على قومه الظلم الاجتماعي بسرقة أموال الناس وإهدار حقوقهم بتطفيف الكيل والميزان ، فيأمرهم بإيفاء الكيل والوزن كاملا غير زائد ولا ناقص ، وبألا يبخسوا الناس أشياءهم ، وألا يعثوا في الأرض فسادا ، وأن يتقوا الله الذي خلقهم وخلق آباءهم العظام الأولين. ومن أنعم بهذه النعم كان هو المستحق للعبادة ، لكنهم قوم ظالمون كافرون بالقيم والأخلاق الاجتماعية ، مستصغرون وعيد الرسل ، مستخفون بنصحهم ووعظهم.

وإنما كان جواب هؤلاء الرسل واحدا على صيغة واحدة : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) لأنهم متفقون على الأمر بالتقوى ، والطاعة والإخلاص في العبادة ،

٢١٦

والامتناع عن أخذ الأجر على تبليغ الرسالة.

واتفق هؤلاء الرسل على الترفع عن مقابلة إساءة أقوامهم لهم واتهاماتهم الباطلة ، والصبر على الدعوة ، وتفويض الأمر الحازم الحاسم بإنزال العذاب وغيره إلى الله عزوجل ، ليبقوا في مرتبة البشرية التي ظنها الكفرة نقصا ، وهي في الحقيقة عنوان العبودية لله عزوجل.

وأما صفة عذاب قوم شعيب وإهلاكهم ، فإن الله أبانها في ثلاثة مواطن ، كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق ، ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة ، فأصبحوا في دارهم جاثمين ؛ لأنهم قالوا : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا ، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [٨٨] فأرجفوا نبي الله ومن اتبعه ، فأخذتهم الرجفة.

وفي سورة هود قال : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) [٦٧] ولأنهم استهزءوا بنبي الله في قولهم : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا ، أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا ، إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [٨٧] قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء ، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم ، فقال : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) الآية.

وهاهنا قالوا : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) الآية على وجه التعنت والعناد ، فناسب أن يحقق عليهم ما استبعدوا وقوعه : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ، إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) قال عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنه : إن الله سلّط عليهم الحر سبعة أيام ، حتى ما يظلهم منه شيء ، ثم إن الله تعالى أنشأ لهم سحابة ، فانطلق إليها أحدهم ، فاستظل بها ، فأصاب تحتها بردا وراحة ، فأعلم بذلك قومه ، فأتوها جميعا ، فاستظلوا تحتها ، فأججت عليهم نارا (١).

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٤٦.

٢١٧

إنزال القرآن من عند الله لإنذار المشركين وبشارة المؤمنين

(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢))

الإعراب :

(بِلِسانٍ عَرَبِيٍ) متعلق بنزل ، ويجوز أن يتعلق بالمنذرين ، أي لتكون من المنذرين بلغة العرب.

(أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ أَنْ يَعْلَمَهُ) اسم يكن ، و (آيَةً) خبر مقدم ، و (لَهُمْ) متعلق بحال ، والتقدير : أولم يكن لهم علم بني إسرائيل آية لهم. و (يَكُنْ) يقرأ بالياء والتاء. وعلى قراءة التاء تكون : آية خبر : تكن ، والتاء لتأنيث القصة ، و (أَنْ يَعْلَمَهُ) في موضع رفع مبتدأ ، و (لَهُمْ) خبر مقدم ، والتقدير : أولم تكن القصة علم بني إسرائيل آية لهم.

(الْأَعْجَمِينَ) جمع أعجمي ، وهو من لا يتكلم بالعربية ، أصله : أعجمين ، فاستثقلوا

٢١٨

اجتماع الأمثال ، فحذفوا الياء الثانية من ياءي النسب ، ثم حذفوا الياء الأولى لالتقاء الساكنين ، مثل حذفهم ياءي النسب في «الأشعرين ومقتدين والياسين».

(ما أَغْنى عَنْهُمْ ما) إما استفهامية في موضع نصب ب (أَغْنى) وإما نافية ، و (ما) «الثانية» في موضع رفع ب (أَغْنى).

(ذِكْرى) إما منصوب على المصدر ، أي ذكّرنا ذكرى ، وإما منصوب على الحال ، وإما مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : إنذارنا ذكرى.

البلاغة :

(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) التأكيد بإن واللام لدفع شبهة المتشككين في صحة نزول القرآن.

(أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) الاستفهام للتوبيخ والتبكيت.

(يَعْلَمَهُ عُلَماءُ) جناس اشتقاق.

(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) مجاز مرسل ، أي من أهل قرية ، من إطلاق المحل وإرادة الحال.

المفردات اللغوية :

(الرُّوحُ الْأَمِينُ) هو جبريل عليه‌السلام ، فإنه أمين على وحي الله تعالى (عَلى قَلْبِكَ) على روحك ؛ لأنه مركز الإدراك والتكليف دون الجسد (مِنَ الْمُنْذِرِينَ) عما يؤدي إلى عذاب من فعل أو ترك (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) واضح المعنى ، لئلا يقولوا : ما نصنع بما لا نفهمه؟ وقوله : (مِنَ الْمُنْذِرِينَ) معناه من الذين أنذروا بلغة العرب ، وهم خمسة : هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام ، إذا تعلق قوله (بِلِسانٍ) بالمنذرين. وأما إذا تعلق بنزل فمعناه نزله باللسان العربي لينذر به ؛ لأنه لو نزله باللسان الأعجمي لقالوا له : ما نصنع بما لا نفهمه؟ فيتعذر الإنذار به ، فتنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك ؛ لأنك تفهمه ويفهمه قومك.

(وَإِنَّهُ) أي القرآن المنزل على محمد (لَفِي زُبُرِ) كتب جمع زبور (الْأَوَّلِينَ) كالتوراة والإنجيل (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً) أي أولم يكن لكفار مكة دليلا وبرهانا على صحة القرآن ، أو نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن يعلمه علماء بني إسرائيل» أن يعرفه هؤلاء العلماء ، كعبد الله بن سلام وأصحابه ممن آمنوا ، فإنهم يخبرون بذلك ، بما هو مذكور في كتبهم.

(فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) قرأه محمد عليه‌السلام على كفار مكة (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) ما صدقوا به

٢١٩

أنفة من اتباعه ، ولفرط عنادهم واستكبارهم (كَذلِكَ سَلَكْناهُ) أدخلناه ، أي مثل إدخالنا التكذيب به أدخلنا التكذيب به في قلوب المجرمين أي كفار مكة بقراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وضمير أدخلناه عائد للكفر المدلول عليه بقوله : (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) وهو يدل على أن الكفر بخلق الله تعالى ، وقيل : يعود الضمير للقرآن ، أي أدخلناه في قلوبهم ، فعرفوا معانيه وإعجازه ، ثم لم يؤمنوا به عنادا. (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) الملجئ إلى الإيمان.

(بَغْتَةً) فجأة في الدنيا والآخرة (لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه (مُنْظَرُونَ) مؤخرون لنؤمن به ، ويقولون ذلك تحسرا وتأسفا (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ)؟ فيقولون : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال ٨ / ٣٢] ، (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) [الأعراف ٧ / ٧٠ وهود ١١ / ٣٢ والأحقاف ٤٦ / ٢٢](أَفَرَأَيْتَ) أخبرني (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) من العذاب (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما) استفهامية بمعنى أي شيء ، أو نافية ، أي لم يغن عنهم تمتعهم المتطاول في دفع العذاب أو تخفيفه.

(لَها مُنْذِرُونَ) رسل تنذر أهلها إلزاما للحجة (ذِكْرى) تذكرة وعظة لهم (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) في إهلاكهم بعد إنذارهم. وهو رد لقول المشركين (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ) أي بالقرآن (الشَّياطِينُ) كما زعم المشركون أنه من قبيل ما تلقي الشياطين على الكهنة (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) أي ما يتيسر ولا يتسنى ولا يصح لهم أن يتنزلوا به (وَما يَسْتَطِيعُونَ) أي ما يقدرون على ذلك (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ) لكلام الملائكة (لَمَعْزُولُونَ) أي لممنوعون بالشهب ؛ لأن نفوسهم خبيثة شريرة بالذات لا تقبل ذلك.

سبب النزول :

نزول الآية (٢٠٥)

(أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ ...) : أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جهضم قال : «رئي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كأنه متحير ، فسألوه عن ذلك ، فقال : ولم ، ورأيت عدوي يكون من أمتي بعد؟ فنزلت : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ، ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ، ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) فطابت نفسه».

المناسبة :

بعد أن ذكر الله تعالى قصص الأنبياء تسلية لرسوله ، ووعدا له بالفوز

٢٢٠