التفسير المنير - ج ١٩

الدكتور وهبة الزحيلي

وهو تصوير محبّب ، ووصف جذاب يأخذ بمجامع القلوب ، فالجنة تقرّب وتدنى للمتقين فتتعلق بها نفوسهم ويأخذهم الفرح والحبور ، وتعمهم الغبطة ، وجهنم تبرز وتكشف للكافرين الذين ضلوا عن الهدى ، وتظهر لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن ، فيبدو منها عنق ، فإذا زفرت زفرة بلغت القلوب منها الحناجر ، كما يستشعر أهل الجنة الفرح ، لعلمهم أنهم يدخلون الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.

ويقال لأهل جهنم تقريعا وتوبيخا : أين آلهتكم من الأصنام والأنداد التي كنتم تعبدونها من دون الله ، هل ينصرونكم وينجونكم من عذاب الله ، وهل ينتصرون لأنفسهم؟!

إنهم يقلبون على رؤوسهم ، ويدهورون في النار ، ويلقى بعضهم على بعض ، الآلهة المعبودة وعابدوها وجنود إبليس أجمعون ، وهم من كان من ذريته ، وكل من دعاه إلى عبادة الأصنام ونحوها فاتّبعه.

حينئذ لا يجد هؤلاء الكفرة مناصا من الإقرار بكفرهم ، ويقول الإنس والشياطين والغاوون والمعبودون المتخاصمون في جهنم : والله إننا كنا في ضلال مبين ، أي في خسار وتبار وحيرة عن الحق بينة ، إذ اتخذنا مع الله آلهة ، فعبدناها كما يعبد الإله الحق ، ونجعلها مساوية في العبادة لرب العالمين ، وهذه الآلهة لا يستطيعون الآن نصرنا ولا نصر أنفسهم ، ولقد أضلنا الشياطين الذين زينوا لنا عبادة الأصنام ، أو أسلافنا الذين قلدناهم ، قال أبو العالية وعكرمة : (الْمُجْرِمُونَ) : إبليس وابن آدم القاتل : هما أوّل من سنّ الكفر والقتل وأنواع المعاصي.

فليس لنا شفعاء يشفعون لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين ، ولا صديق مشفق علينا. قال الزمخشري رحمه‌الله : وجمع الشافع لكثرة الشافعين ، ووحّد

١٨١

الصديق لقلته ، أي أن الشفعاء يكثرون عادة عند المحنة ، وإن لم يكن هناك سبق معرفة ، وأما الصديق المخلص في وداده فقليل نادر.

ويتمنون الأماني حين لا ينفعهم التمني ، ويقولون : ولو حدث لنا رجوع إلى الدنيا ، لآمنا حتى يكون لنا شفعاء. يقولون ذلك حين تشفع الملائكة والمؤمنون. قال جابر بن عبد الله ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الرجل ليقول في الجنة : ما فعل فلان وصديقه في الجحيم؟ فلا يزال يشفع له حتى يشفّعه الله فيه ، فإذا نجا قال المشركون : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)». وقال الحسن البصري : ما اجتمع ملأ على ذكر الله ، فيهم عبد من أهل الجنة إلا شفعه الله فيهم ، وإن أهل الإيمان ليشفع بعضهم في بعض ، وهم عند الله شافعون مشفّعون.

وختمت الآيات ببيان العبرة والعظة ، فقال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ، وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي إن في المذكور من قصة إبراهيم واختصام أهل النار وحسرتهم على ضلالهم لعبرة وعظة مؤثرة ، ولم يكن أكثر قوم إبراهيم ، بل ولا أكثر الناس بمؤمنين بالله ورسله ، ولكن الله هو المنتقم الجبار الذي ينتقم من المعاندين الكفرة ، الرحيم بالناس إذ لم يعجل لهم الانتقام ، وإنما أمهلهم لعلهم يعودون إلى دائرة الحق والإيمان والتوبة.

القصة الثالثة قصة نوح عليه‌السلام مع قومه

(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ

١٨٢

إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢))

البلاغة :

(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) في قوله : (الْمُرْسَلِينَ) : مجاز مرسل ، من قبيل إطلاق الكل وإرادة البعض ، فإنه أراد بالمرسلين نوحا ، وذكره بصيغة الجمع تعظيما له ، وتنبيها على أن من كذب رسولا ، فقد كذب جميع المرسلين.

(فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) استعارة تبعية ، استعار المفتاح للحاكم ، والفتح للحكم ؛ لأنه يفتح المنغلق من الأمر ، والمعنى : احكم بيننا وبينهم بحكمك العادل.

المفردات اللغوية :

(قَوْمُ) اسم لا واحد له من لفظه ، كرهط ونفر ، يذكر ويؤنث ، وتذكيره باعتبار لفظه ، وتأنيثه باعتبار معناه (الْمُرْسَلِينَ) المراد به نوح عليه‌السلام ، عبر عنه بصيغة الجمع تعظيما له ، ولأن من كذب رسولا فقد كذب جميع المرسلين ، لاشتراكهم برسالة التوحيد ، أو لأنه لطول لبثه فيهم كأنه رسل. (أَخُوهُمْ) أي أخوة نسب أو جنس لا أخوة دين ؛ لأنه كان منهم. (أَلا تَتَّقُونَ) الله ، فتتركوا عبادة غيره. (رَسُولٌ أَمِينٌ) مشهور بالأمانة فيكم ، وأمين على تبليغ ما أرسلت به.

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به من توحيد الله وإطاعته. (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على تبليغه. (إِنْ أَجْرِيَ) ما ثوابي إلا على الله. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) كرره للتأكيد. (أَنُؤْمِنُ لَكَ) أنصدق لقولك. (وَاتَّبَعَكَ) وفي قراءة : وأتباعك. (الْأَرْذَلُونَ) السفلة ، الأقلون جاها ومالا ، كأهل الحرف والمهن الوضيعة من الحاكة والأساكفة ونحوهم ، جمع أرذل ، والرذالة : الخسة والدناءة. وهذا من سخافة عقولهم وقصور نظرهم على المادة وحطام الدنيا ، وإشارة إلى أن اتّباعهم ليس عن نظر وبصيرة ، وإنما هو لتوقع مال ورفعة ، لذلك قال : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي لا علم لي بأنهم عملوه إخلاصا ، أو طمعا في شيء ، وما على إلا اعتبار الظاهر.

١٨٣

(إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) أي ما حسابهم على بواطنهم إلا على الله ، فإنه المطلع عليها ، لو تعلمون ذلك ، ولكنكم تجهلون ، فتقولون ما لا تعلمون. (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي ما أنا إلا بيّن الإنذار ، وهذا كالعلة لما سبق ، فما أنا إلا رجل مبعوث لإنذار المكلفين عن الكفر والمعاصي ، سواء كانوا أعزاء أو أذلاء ، فكيف يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء؟!

(لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) عما تقول لنا. (مِنَ الْمَرْجُومِينَ) المقتولين أو المضروبين بالحجارة ، أو من المشتومين. (قالَ : رَبِّ ، إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) قال نوح ذلك ، إظهارا لسبب الدعاء عليهم وهو تكذيب الحق. (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) أي فاحكم بيني وبينهم حكما. (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي نجني من شؤم عملهم. (الْفُلْكِ) يطلق على الواحد والجمع. (الْمَشْحُونِ) المملوء بالناس والحيوان. (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) أي بعد إنجائهم. (الْباقِينَ) من قومه. (لَآيَةً) عبرة شاعت وتواترت.

المناسبة :

لما قص الله تعالى على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصة موسى وإبراهيم ، أتبعه بذكر قصة أبي البشر الثاني نوح عليه‌السلام ، ثم خبر هود ، وصالح ، ولوط وشعيب فيما يأتي بعد ، والهدف من كل ذلك واحد ، وهو تسلية رسوله فيما يلقاه من قومه ، وبيان لسنة الله في عقاب المكذبين ، فإن أقوام هؤلاء جميعا كذبوا رسلهم ، فعوقبوا ، وقومك يا محمد كمن سبقهم ، فلا تجزع ولا تحزن ولا تغتم. وقد تقدم تفصيل نبأ نوح في سورتي الأعراف وهود.

التفسير والبيان :

هذا قصص نوح عليه‌السلام مع قومه ، فهو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد أن عبدت الأصنام والأنداد ، فنهاهم عن ذلك وحذرهم من وبيل عقاب ربهم ، ومكث فيهم ألف سنة إلا خمسين ، فكذبه قومه ، واستمروا على ما هم عليه من الوثنية ، ونزّل الله تكذيبهم له منزلة تكذيب جميع المرسلين ، فقال :

(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ : أَلا تَتَّقُونَ؟) أي كذب قوم نوح رسل الله أي نوحا نفسه فيما جاءهم به من الهداية لتوحيد الله

١٨٤

وإنهاء عبادة الأصنام ، حين قال لهم نوح أخوهم : ألا تخافون الله في عبادتكم غيره؟ ألا تحذرون عقابه على كفركم به؟

وجعل تكذيب نوح تكذيبا للرسل جميعا ؛ لأن من كذب رسولا ، فقد كذب جميع الرسل. وإنما قال : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ) لأن القوم مؤنث ، وتصغيرها قويمة. وقال : (أَخُوهُمْ) لأنه كان منهم ، كما تقول العرب : يا أخا بني تميم ، أي يا واحدا منهم.

وبعد أن خوفهم نوح من سوء فعلهم ، وصف نفسه بأمرين :

الأول ـ (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) أي إني رسول من الله إليكم ، أمين فيما بعثني الله به ، أبلغكم رسالات ربي ، دون زيادة ولا نقص.

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أي خافوا عذاب الله ، وأطيعوني فيما آمركم به من توحيد الله وعبادته وطاعته. وإنما قدم الأمر بتقوى الله تعالى على الأمر بطاعته ؛ لأن تقوى الله علة لطاعته ، وهي أساس الطاعة ومبعثها ، فلو لا الخوف من الله تعالى ما أطاعه الناس.

الثاني ـ (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) أي لا أطلب منكم جزاء على نصحي لكم ، بل أدخر ثواب ذلك عند الله تعالى.

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أي فقد وضح لكم صدقي ونصحي وأمانتي فيما بعثني الله به ، وائتمنني عليه. وكرر ذلك للتأكيد عليهم ، وتقريره في نفوسهم ؛ لأن التقوى والطاعة أساس الدين ، لكن جعل علة الأول كونه أمينا فيما بينهم ، وعلة الثاني حسم طمعه عنهم.

ولما لم يجدوا سبيلا للتخلص من حجته وعدم إمكان الطعن بها ، أوردوا شبهة واهية فقالوا : (قالُوا : أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ؟) أي إنهم قالوا : لا نؤمن

١٨٥

لك ولا نتبعك ، ونتأسى في ذلك بهؤلاء الأراذل السفلة في المجتمع ، فإنهم أراذلنا ، وضعاف الناس ، وفقراء القوم ، ونحن السادة أهل الجاه والثروة والنفوذ!!

وهذه شبهة في نهاية السقوط والضعف ، فإن نوحا عليه‌السلام بعث هاديا لجميع الناس ، لا فرق بين غني وفقير ، ووجيه ووضيع ، وحسيب ومغمور ، وسيد ومسود ، ولا يبحث الرسول عادة عن هويات المؤمنين ومنازلهم ، لذا قال :

(قالَ : وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي قال نوح : لا علم لي بأعمال هؤلاء وحرفهم ومهنهم ، ولا أنقب عنهم أو أبحث أو أفحص أمورهم الداخلية ، وإنما ليس لي إلا الظاهر ، فأقبل منهم تصديقهم إياي ، وأترك سرائرهم إلى الله عزوجل ، وحسابهم على ربهم ، لا علي ، كما قال :

(إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) أي إن كان لهم عمل شيء ، فما حسابهم علي ، وإنما على ربي ، فالله محاسبهم ومجازيهم عليه ، وما أنا إلا منذر ، لا محاسب ولا مجاز ، لو تشعرون ذلك بأن كنتم ذوي شعور مرهف وحس صادق وعقل واع ، ولكنكم تجهلون ، فتنساقون مع الجهل حيث سيّركم ووجهكم.

والقصد من ذلك تبديد شبهتهم ، وإنكار تسمية المؤمن رذلا ، وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسبا ، فإن الغنى غنى الدين ، والنسب نسب التقوى.

ثم ردّ على ما فهم من مطلبهم بإبعاد هؤلاء وطردهم من مجلسه ، فقال : (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي ليس من شأني ولا من مبدئي ورسالتي طرد هؤلاء الذين آمنوا بربهم واتبعوني وصدقوني ، إنما بعثت نذيرا ، فمن أطاعني واتبعني وصدقني ، كان مني وأنا منه ، سواء كان شريفا أو وضيعا ، جليلا أو حقيرا ، وإني أخوّف من كذبني ولم يقبل مني ، فمن قبل فهو القريب ، ومن رد فهو البعيد.

فلما أفحمهم بجوابه ، لم يجدوا بدا من اللجوء إلى التهديد :

١٨٦

(قالُوا : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) أي قال قوم نوح له : لئن لم تنته عن دعوتك إيانا إلى دينك ، لنرجمنك بالحجارة. وهذا تخويف منهم بالقتل بالحجارة ، فعندئذ دعا عليهم بعد اليأس من إيمانهم دعوة استجاب الله منه ، بعد أن أذن له ، فقال :

(قالَ : رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ، فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً ، وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي قال نوح : يا رب ، إن قومي كذبوني في دعوتي إياهم إلى الإيمان بك ، فاحكم بيني وبينهم حكما عدلا تنصر به أهل الحق ، وتهلك أهل الباطل والضلال ، ونجني من العذاب مع من آمن برسالتي وصدق بدعوتي ، كما جاء في آية أخرى : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر ٥٤ / ١٠].

ويلاحظ أنه ليس الغرض من هذا إخبار الله تعالى بالتكذيب ، لعلمه أن الله عالم الغيب والشهادة أعلم ، ولكنه أراد أني لا أدعوك عليهم لإيذائي ، وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك ، ولأنهم كذبوني في وحيك ورسالتك.

والمراد من هذا الحكم في قوله : (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) إنزال العقوبة عليهم ؛ لأنه قال عقبه : (وَنَجِّنِي).

فأجاب الله دعاءه فقال :

(فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ، ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) أي أنجينا نوحا ومن آمن بدعوته ، فوحد الله وأطاعه ، وهجر عبادة الأصنام ، وأنقذناهم بسفينة مملوءة بالناس والأمتعة وأجناس الحيوان. ثم أغرقنا بعد إنجائهم قومه الآخرين الذين بقوا على كفرهم ، وخالفوا أمره. روي أن الناجين كانوا ثمانين ، أربعين رجلا وأربعين امرأة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن في إنجاء المؤمنين

١٨٧

وإغراق الكافرين لعبرة وعظة لكل من صدق أو كذب بالرسل ، وإن من سنتنا دائما إنجاء الرسل وأتباعهم ، وإهلاك الذين كذبوا برسالتهم.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي وإن ربك الله لهو القوي الغالب المنتقم ممن كفر به وخالف أمره ، الرحيم بمن أطاعه وأناب إليه وتاب ، فلا يعاقبه.

فقه الحياة أو الأحكام :

الوثنية وعبادة الأصنام تقارن عادة وجود الشعوب البدائية ، فهي في الغالب عقيدتهم ، لذا كان نوح عليه‌السلام أول رسول للناس بعد ظهور هذه العقيدة. والبدائية والمادية وسخف العقل وسطحية التفكير أمور متلازمة ، لذا كان الإصرار على عبادة شيء من دون الله هو الظاهرة الشائعة ، وكانت مهمة الأنبياء المتقدمين عسيرة وصعبة.

فهذا نوح عليه‌السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين يدعوهم إلى توحيد الله والتخلي عن عبادة الأصنام ، فكذبوه وآذوه ، بالرغم من أنه أكد لهم أنه رسول أمين صادق فيما بلغهم عن الله تعالى ، وقد عرفوا أمانته وصدقه من قبل ، كمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قريش ، وبالرغم من تخويفهم من عقاب الله قائلا لهم مرة : ألا تتقون الله في عبادة الأصنام؟ ومرة : فاتقوا الله وأطيعوني أي استتروا بطاعة الله تعالى من عقابه ، وأطيعوني فيما آمركم به من الإيمان ، ولا طمع لي في مالكم ، وما جزائي إلا على رب العالمين.

ولكن تذرعوا بشبهة واهية للبقاء على عنادهم وكفرهم ، ودفعهم الغرور والاستكبار إلى الترفع عن الإيمان بسبب تصديق فئة ضعيفة برسالة نوح ، ليسوا من الوجهاء ولا من الأثرياء ، وإنما من طبقة المهنيين والحرفيين. وهذا قول الكفرة ، فإن تعلم الصناعات مما رغب به الدين ، وليست الحرفة عيبا ، وإنما هي

١٨٨

شرف وعزة ، يستغني بها الإنسان عن الآخرين ، فلا يفهمن أحد خطأ أن الدين ينتقص من قدر هؤلاء ، وإنما الذي انتقصهم هم الأغنياء المترفون.

ويؤكد ذلك جواب نوح عليه‌السلام لهم وهو : (قالَ : وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي إنني لم أكلف العلم بأعمالهم ، إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان ، والاعتبار بالإيمان ، لا بالحرف والصنائع ، وليس للحرفة أو الصنعة تأثير في ميزان الدين ، وكذلك النظر في الدعوة إلى الله إلى الظاهر ، لا إلى الباطن.

ثم أجابهم بجواب آخر : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) أي لو شعرتم أن حسابهم على ربهم ، لما عبتموهم بصنائعهم.

وجواب ثالث : (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) أي لخساسة أحوالهم وأشغالهم كما تتصورون ، وكأنهم طلبوا منه طرد الضعفاء ، كما طلبته قريش. (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) أي إن الله ما أرسلني أخص ذوي الغنى دون الفقراء ، إنما أنا رسول للناس جميعا ، أبلغكم ما أرسلت به ، فمن أطاعني فذلك السعيد عند الله ، وإن كان فقيرا.

ولما تغلب نوح عليه‌السلام على قومه بالحجة العقلية والمنطق الصريح ، لجؤوا إلى التهديد شأن كل العتاة ، فقالوا : (قالُوا : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) أي لئن لم تنته عن سب آلهتنا وعيب ديننا لنقتلنك بالحجارة ، أو لنسبنك ونشتمنك. قال الثّماليّ : كل «مرجومين» في القرآن فهو القتل إلا في مريم : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) [١٩ / ٤٦].

وبعد أن يئس من إيمانهم ، دعا عليهم بالعذاب ، طالبا حكم الله العدل فيهم ، فأنجاه ومن معه من المؤمنين في السفينة المملوءة بالناس والدواب وغير ذلك ، ثم أغرقهم الله أجمعين.

إن في ذلك لآية وأي آية ، وعبرة وعظة ، وكان أكثرهم كافرين ، والله هو القادر المنتقم من كل مكذّب بالله ورسله ، رحيم بمن آمن وأطاع.

١٨٩

وهاتان الآيتان الواردتان للعبرة والعظة هما اللتان ختمت بهما قصة إبراهيم عليه‌السلام ؛ لأنهما بيت القصيد من القصة.

القصة الرابعة

قصة هود عليه‌السلام مع قومه

(كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠))

الإعراب :

(تَعْبَثُونَ) الجملة حال من ضمير : (تَبْنُونَ).

المفردات اللغوية :

(كَذَّبَتْ عادٌ) أنثه باعتبار القبيلة ، وهو في الأصل اسم أبي القبيلة الأكبر ، ويعبر عن القبيلة عادة باسم الأب ، أو ببني فلان. (رِيعٍ) مكان مرتفع (آيَةً) علامة أو علما بارزا

١٩٠

للمارة (تَعْبَثُونَ) تفعلون ما لا فائدة فيه أصلا ، كاللعب (مَصانِعَ) مجامع الماء ومآخذه ، وقيل : قصورا مشيدة وحصونا (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) أي كأنكم تخلدون فيها لا تموتون ، ولعل هنا : للتشبيه (وَإِذا بَطَشْتُمْ) بضرب أو قتل ، والبطش : الأخذ بالعنف (جَبَّارِينَ) متسلطين عاتين بلا رأفة ولا شفقة ، ولا قصد تأديب (فَاتَّقُوا اللهَ) بترك هذه الأشياء (وَأَطِيعُونِ) فيما أدعوكم إليه ؛ فإنه أنفع لكم.

(أَمَدَّكُمْ) أنعم عليكم أو سخر لكم (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) كرره للتأكيد والتنبيه على دوام الإمداد ، والوعيد على تركه بالانقطاع (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) في الدنيا والآخرة ، فإنه كما قدر على الإنعام ، قدر على الانتقام (سَواءٌ عَلَيْنا) مستو عندنا (أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) أصلا ، أي لا نرعوي لوعظك عما نحن عليه. والوعظ : كلام لطيف يلين القلب بذكر الوعد والوعيد.

(إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) أي ما هذا الذي خوفتنا به إلا خلق المتقدمين وكذب الأولين وعادتهم وطبيعتهم ونحن بهم مقتدون ، فلا حساب ولا بعث ، والمراد : عادتهم في اعتقاد ألا بعث (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) على ما نحن عليه (فَكَذَّبُوهُ) بالعذاب (فَأَهْلَكْناهُمْ) بسبب التكذيب في الدنيا بريح صرصر.

المناسبة :

هذه قصة أخرى للعظة والعبرة ، هي قصة هود عليه‌السلام الذي دعا قومه إلى توحيد الله وطاعته ، وحذرهم من عقابه ، وهم في الزمان بعد قوم نوح ، كما قال تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ، وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) [الأعراف ٧ / ٦٩] وكانوا يسكنون الأحقاف : وهي جبال الرمل قرب حضرموت في بلاد اليمن. وكانوا أولي طول مديد وبأس وشدة ، ورخاء ونعيم ، بسبب كثرة الأرزاق والأموال والأنهار والزروع والثمار ، لكنهم مع ذلك كانوا يعبدون غير الله تعالى ، وكذبوا نبيهم هودا عليه‌السلام ، فأهلكهم.

التفسير والبيان :

(كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ : أَلا تَتَّقُونَ ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ، وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ

١٩١

الْعالَمِينَ) أي كذبت قبيلة عاد رسالة الرسل المرسلين من عند الله ، حين قال لهم هود عليه‌السلام : ألا تتقون الله ، وتخافون عذابه ، إني لكم رسول أمين على رسالتي التي هي من عند الله ، فاتقوا الله فيما أمر ونهى ، وأطيعوني فيما آمركم وأنهاكم عنه ، يصلح حالكم ، وتسعدون في دنياكم وأخراكم ، ولا أطلب منكم على تبليغ رسالتي أجرا ولا مالا ، ولا أبتغي بذلك سلطانا ولا جاها ، إن أجري وجزائي إلا على ربي لو علمتم ذلك ، ولكنهم كذبوه وآذوه.

وهذه المقالة بعينها جاءت على لسان نوح وهود وصالح ولوط وشعيب للتنبيه على وحدة رسالة الأنبياء الداعية إلى توحيد الله وطاعته ، وترك عبادة ما سواه.

ثم تكلم معهم هود عليه‌السلام على ثلاثة أمور :

١ ـ (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) أي أتعمرون في كل مكان مرتفع بنيانا محكما هائلا باهرا ، يكون علامة على القوة والعزة والغنى تفاخرا ، وإنما تفعلون ذلك عبثا لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة ، لا للحاجة إليه ، لذا أنكر عليهم ؛ لأنه تضييع للزمان ، وإتعاب الأبدان في غير فائدة ، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة.

٢ ـ (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) أي وتتخذون قصورا مشيدة وحصونا ، لكي تقيموا فيها أبدا ، كأنكم مخلدون في الدنيا ، أو ترجون الخلد في الدنيا ، مع أنكم زائلون عنها ، كما زال من كان قبلكم. وقيل : المصانع : مآخذ الماء.

روى ابن أبي حاتم رحمه‌الله أن أبا الدرداء رضي‌الله‌عنه ، لما رأى ما أحدث المسلمون في غوطة دمشق من البنيان ونصب الشجر ، قام في مسجدهم ، فنادى : يا أهل دمشق ، فاجتمعوا إليه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ألا تستحيون ،

١٩٢

ألا تستحيون؟ تجمعون ما لا تأكلون ، وتبنون ما لا تسكنون ، وتأملون ما لا تدركون ، إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون ، ويبنون فيوثّقون ، ويأملون فيطيلون ، فأصبح أملهم غرورا ، وأصبح جمعهم بورا ، وأصبحت مساكنهم قبورا ، ألا إن عادا ملكت ما بين عدن وعمّان خيلا وركابا ، فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين؟!

٣ ـ (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) أي إنكم مع ذلك السرف والحرص ، تعاملون غيركم معاملة الجبارين ؛ لأنكم قوم قساة غلاظ عتاة متجبرون.

والخلاصة : أن اتخاذ الأبنية العالية يدل على حب العلو ، واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء ، والجبارية تدل على حب التفرد بالعلو ، فهم أحبوا العلو وبقاء العلو والتفرد بالعلو ، وهذه صفات الإله ، وهي ممتنعة الوصف للعبد ، فدل ذلك على حب الدنيا ، والخروج عن حد العبودية ، والحوم حول ادعاء الربوبية.

وفي هذا تنبيه على أن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، وعنوان كل كفر ومعصية ، لذا قال :

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أي فاحذروا عقاب الله ، واعبدوا ربكم ، وأطيعوا رسولكم ، فذلك أدوم لكم وأنفع ، إذ لا خلود لأحد في هذه الدنيا.

ثم ذكّرهم نعم الله عليهم تفصيلا ، فقال :

(وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أي اتقوا عقاب الله الذي أمدكم بنعم وفيرة ، ورزقكم أنواع الحيوانات المأكولة والأولاد الكثيرة ، والبساتين الغنّاء والأنهار العذبة الفياضة ، فاجعلوا مقابل هذه النعم عبادة الله الذي أنعم بها.

١٩٣

(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي إني أخشى عليكم إن كذبتم وخالفتم وأصررتم على الكفر عذاب يوم شديد الأهوال.

وقد دل هذا على أنه دعاهم إلى الإيمان بالله بالحسنى وبالترغيب والترهيب ، والتخويف والبيان ، بما هو النهاية في ذلك ، فكان جوابهم :

(قالُوا : سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) أي يستوي عندنا وعظك لنا وتحذيرك إيانا ، وعدم وعظك أصلا ، فإنا لا نرجع عما نحن عليه ، كقوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ ، وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) [هود ١١ / ٥٣]. وقال الله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة ٢ / ٦]. وذريعتهم في عدم إيمانهم هي :

(إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ، وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) أي ما جئت به اختلاق الأولين وافتراؤهم وكذبهم ، كما قالوا : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أو ما هذا الدين الذي نحن عليه إلا دين الأولين من الآباء والأجداد ، ونحن تابعون لهم ، سالكون سبيلهم ، نعيش كما عاشوا ، ونموت كما ماتوا ، ولا بعث ولا معاد ، ولا ثواب ولا عقاب ولا حساب ، ولا جنة ولا نار ، وما نحن بمعذّبين أبدا ؛ لأنه ليس الأمر كما تقول.

(فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ) أي فكانت النتيجة أنهم كذبوا هودا عليه‌السلام فيما أتى به ، واستمروا على تكذيبه ومخالفته وعناده ، فأهلكهم الله بريح صرصر عاتية ، أي ريح شديدة الهبوب ذات برد شديد جدا ، فكان سبب إهلاكهم من جنس عملهم ، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره ، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة ، كما قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) [الفجر ٨٩ / ٦ ـ ٧] وهم عاد الأولى ، كما قال تعالى : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) [النجم ٥٣ / ٥٠] وهم من نسل إرم بن سام بن نوح ، وذات العماد : الذين كانوا

١٩٤

يسكنون العمد ، وليست إرم بلدا. وقال تعالى : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَقالُوا : مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ، وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) [فصلت ٤١ / ١٥]. وقد حصبت الريح كل شيء لهم كما قال تعالى : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) [الأحقاف ٤٦ / ٢٥].

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي إن في إهلاك عاد بسبب تكذيبها رسولها لعبرة لكل الأقوام فيما أتيتهم به من رسالة الله ، وما كان أكثر هؤلاء المهلكين بمؤمنين في سابق علمنا ، وإن ربك لهو المنتقم من أعدائه ، الرحيم بالمؤمنين من عباده إن تابوا وأصلحوا.

فقه الحياة أو الأحكام :

تبين من هذه القصة ما يلي :

١ ـ لقد كان موقف هود عليه‌السلام من قومه موقف الحكيم الحليم المتلطف بهم ، فبالرغم من أنهم وصفوه بالسفاهة والجنون ، ترفّع عن اتهامهم ، واكتفى بالقول : (قالَ : يا قَوْمِ ، لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ ، وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الأعراف ٧ / ٦٧].

٢ ـ إن أسلوب الداعية يجب أن يكون لطيفا دون تنفير ، فقد سلك هود عليه‌السلام هذا الأسلوب ، فذكّر قومه بالنعم التي أنعم الله بها عليهم ، وحثهم على شكرها ، والإيمان بالله المنعم كفاء ما أنعم ، فهو الذي يجب أن يعبد ويشكر ولا يكفر.

٣ ـ إن التجبر أو العتو أو الطغيان لا يأتي بخير ، وكل من ظن أن جبروته يحقق له كل ما يريد فهو غرّ جاهل ، فهؤلاء قبيلة عاد الأولى توافرت لهم القوة البدنية الفائقة ، والطول المديد ، والنعمة السابغة ، من الأموال والبساتين

١٩٥

والأنهار ، والحصون المشيدة والمباني الضخمة والزروع والثمار ، ولكنهم لما طغوا وبغوا ، وعاملوا الناس معاملة الجبابرة ، وأصروا على كفرهم وعنادهم ، عاقبهم الله بما هو أشد من جبروتهم ، وأرسل عليهم ريحا باردة عاتية ، فدمرت كل شيء لهم ؛ إذ أين قوة البشر من قوة الله وقدرته؟!

٤ ـ إذا استولى الكفر والعناد والكبرياء على قلب الإنسان ، لم يبق أمل في نفوذ هداية الله إليه ، ولم يعد يحسّ فيه بتقوى الله ، ولا يقدّر وجوب طاعته : (قالُوا : سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ).

٥ ـ يعتمد عبدة الأوثان في اعتقادهم وعبادتهم على ما توارثوه عن الأسلاف ، ويسيطر الفكر المادي على أذهانهم ، فينظرون إلى الحياة نظرة المتمتع المترفه فيها ، ثم يرتحل عنها : حياة ثم موت ، ولا بعث.

٦ ـ يرى المتأمل كيف أهلك الله من كذّب رسوله ، فليحذر الناس في كل زمان ومكان من عصيان الرسل وتكذيبهم ، ولكن مع الأسف لا يتعظ أكثر الناس بهذا ، ويبقون في كفرهم وعدم إيمانهم ، ويهملون النظر إلى قدرة الله القادر على الانتقام من كل أحد.

القصة الخامسة قصة صالح عليه‌السلام مع قومه

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩)

١٩٦

فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩))

الإعراب :

(فارِهِينَ) حال من واو (تَنْحِتُونَ).

(هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ شِرْبٌ) مرفوع بالظرف ، على مذهب سيبويه والأخفش ؛ لأنه قد جرى وصفا على النكرة ، والظرف إذا وقع وصفا ارتفع به ما بعده ، كالفعل.

البلاغة :

(وَأَطِيعُونِ) استعار الطاعة التي هي انقياد الآمر لامتثال الأمر.

(يُفْسِدُونَ وَلا يُصْلِحُونَ) بينهما طباق.

(الْمُرْسَلِينَ تَتَّقُونَ أَمِينٌ أَطِيعُونِ الْعالَمِينَ عُيُونٍ ...) توافق الفواصل مراعاة لرؤوس الآيات ، وكذلك (هَضِيمٌ مَعْلُومٍ عَظِيمٍ الرَّحِيمُ).

(إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) مبالغة ؛ لأن المسحّر مبالغة عن المسحور.

المفردات اللغوية :

(إِنْ أَجْرِيَ) ما أجري (أَتُتْرَكُونَ) إما إنكار لأن يتركوا مخلدين في نعيمهم ، وإما تذكير بالنعمة في تخلية الله إياهم (فِي ما هاهُنا) من الخيرات والنعيم (طَلْعُها) أول ما يطلع من ثمر النخل ، وما يأتي بعده يسمى خلالا ، ثم بلحا ، ثم بسرا ، ثم رطبا ، ثم تمرا (هَضِيمٌ) نضيج لطيف

١٩٧

لين (وَتَنْحِتُونَ) النحت : النّجر والبري والتسوية (فارِهِينَ) بطرين ، من الفره : وهو شدة الفرح ، أو حاذقين بنحتها من الفراهة : وهي النشاط ، فإن الحاذق يعمل بنشاط وطيب قلب ، وقرئ : فرهين ، أي بطرين وهو أبلغ (وَأَطِيعُونِ) فيما أمرتكم به (الْمُسْرِفِينَ) العاصين (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي (وَلا يُصْلِحُونَ) بطاعة الله ، وأتى به لبيان أن فسادهم فساد خالص ليس معه شيء من الصلاح. (الْمُسَحَّرِينَ) المغلوب على عقولهم بكثرة السحر (مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك الرسالة (شِرْبٌ) نصيب من الماء (عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) عظم اليوم لعظم ما يحل فيه ، وهو أبلغ من تعظيم العذاب (فَعَقَرُوها) رموها بسهم ثم قتلوها ، وأسند العقر إلى كلهم ؛ لأن عاقرها إنما عقر برضاهم ، ولذلك عذبوا جميعا (نادِمِينَ) على عقرها خوفا من حلول العذاب ، لا توبة من ذنوبهم ، أو عند حلول العذاب ، ولذلك لم ينفعهم (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) الموعود به ، فهلكوا.

(وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) قال البيضاوي : في نفي الإيمان عن أكثرهم في هذا المعرض إيماء بأنه لو آمن أكثرهم أو شطرهم ، لما أخذوا بالعذاب ، وإن قريشا إنما عصموا من مثله ببركة من آمن منهم.

المناسبة :

لما قص الله على رسوله قصة هود عليه‌السلام وعاد ، أتبعه بقصة صالح عليه‌السلام وثمود ، وقد كانوا عربا مثل عاد ، يسكنون مدينة الحجر التي بين وادي القرى والشام أي على طريق المدينة ، ومساكنهم معروفة مشهورة ، كانت قريش في رحلة الصيف يمرون عليها ، وهم ذاهبون إلى الشام ، ومرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهم حين أراد غزو الشام ، فوصل إلى تبوك ليتأهب لذلك. وكانوا بعد عاد وقبل الخليل عليه‌السلام.

دعاهم نبيهم صالح إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن يطيعوه فيما بلّغهم من الرسالة ، فأبوا عليه وكذّبوه وخالفوه ، فأخذهم عذاب الزلزلة ، فزلزلت بهم الأرض ، ولم تبق منهم أحدا ، كما قال تعالى : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) [الحاقة ٦٩ / ٥].

١٩٨

التفسير والبيان :

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ. وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) قد عرفنا أن هذه المقالة مشابهة لما سبقها من مقالة نوح وهود عليهما‌السلام.

والمعنى : أن قبيلة ثمود كذبت برسالة نبيهم صالح عليه‌السلام حين قال لهم : ألا تتقون عقاب الله ، فتؤمنوا به وتوحدوه وتعبدوه ، وتطيعوني فيما بلغتكم من الرسالة ، فإني رسول من عند الله تعالى ، أمين على رسالته التي أرسلها معي إليكم ، ولا أطلب على نصحي وتبليغي عوضا ولا جزاء ، فما جزائي إلا على الله الذي أرسلني ، وهو يتولاني في الدنيا والآخرة.

ثم وعظهم ، وحذرهم نقم الله أن تحل بهم ، وذكّرهم بأنعم الله عليهم فيما رزقهم من الطيبات ، وفجّر لهم العيون والأنهار ، وأنبت لهم الزروع والثمرات ، وجعلهم في أمن من المحذورات ، فقال مخاطبا لهم بأمور ثلاثة :

١ ـ (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ)؟ أي أتظنون أنكم في الدنيا مخلّدون في النعيم ، وأنكم تتركون في دياركم آمنين ، متمتعين في الجنات والعيون ، والنخيل ذات الرطب الهضيم اللين اللطيف ، والزروع والثمار ، وتطمعون في ذلك ، وتظنون ألا دار للجزاء على الأعمال؟ لا يعقل أن تبقوا على الشرك والكفر ، وأنتم ترفلون في هذه النعم ، وتتمتعون بهذه الخيرات.

وقوله : (فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) أي في الذي استقر في هذا المكان من النعيم ، ثم فصّله وفسره بقوله : (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ...) إلخ ، فهو تفصيل بعد إجمال.

١٩٩

٢ ـ (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أي وتتخذون بيوتا في الجبال حاذقين في نحتها وبنائها ، بطرين فرحين أشرين بها ، متنافسين في عمارتها ، من غير حاجة إلى السكنى فيها. فاتقوا الله حق التقوى ، وأقبلوا على ما ينفعكم في الدنيا والآخرة ، من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم.

ويلاحظ أن الغالب على قوم هود الذين تقدم وصفهم هو اللذات المعنوية وهي طلب الاستعلاء والبقاء والتفرد والتجبر ، والغالب على قوم صالح هو اللذات الحسية المادية ، وهي طلب المأكول والمشروب والمساكن الطيبة الحصينة.

٣ ـ (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) أي ولا تطيعوا أمر الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي وارتكاب الخطايا والترف والمجون ، وهم كبراؤهم ورؤساؤهم الدعاة لهم إلى الشرك والكفر ومخالفة الحق ، وهم الرهط التسعة في أرض ثمود المشار إليهم في آية أخرى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ ، يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ، وَلا يُصْلِحُونَ) [النمل ٢٧ / ٤٩]. وإنما قال (وَلا يُصْلِحُونَ) بعد قوله (يُفْسِدُونَ) لبيان أن فسادهم خالص ، ليس معه شيء من الصلاح ، على عكس حال بعض المفسدين المخلوطة أعمالهم ببعض الصلاح.

فأجابوا نبيهم صالحا عليه‌السلام حين دعاهم إلى عبادة ربهم عزوجل بقولهم : (قالُوا : إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أي قال قومه : ثمود ، الذي يغلب على الظن أنك أصبحت من المغلوب على عقولهم بكثرة السحر ، وصرت من المسحورين ، أي إنك في قولك هذا مسحور لا عقل لك ، فلا يسمع لرأيك ولا لنصحك.

(ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ، فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي إنك بشر مثلنا ، فكيف أوحي إليك دوننا ، وتكون نبيا لنا؟ كما قالوا في آية أخرى :

٢٠٠