التفسير المنير - ج ١٦

الدكتور وهبة الزحيلي

العين الحمئة هو في مجرد رأي العين ، وإلا فهي أعظم من الدنيا وأكبر ، كما هو معروف. (وَوَجَدَ عِنْدَها) عند تلك العين الحمئة. (قَوْماً) كافرين.

(قُلْنا : يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) أي ألهمناه بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإيمان. (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) القوم بالقتل على كفرهم. (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) أي أمرا ذا حسن بالإرشاد وتعليم الشرائع ، وقيل : خيّر بين القتل والأسر.

(قالَ) أي ذو القرنين مختارا الدعوة. (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) بالشرك والإصرار على الكفر. (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) نقتله. (نُكْراً) أي منكرا فظيعا ، أو شديدا في النار. (فَلَهُ) في الدارين. (الْحُسْنى) أي الجنة ، أو المثوبة وهو مبتدأ ، خبره (فَلَهُ) وجزاء : حال أي مجزيا بها ، ومن قرأ : فله جزاء الحسنى ، فالإضافة للبيان أي المثوبة الحسنى. (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) اليسر: السهل الميسر غير الشاق ، أي نأمره بما يسهل عليه. (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) نحو المشرق. (مَطْلِعَ الشَّمْسِ) موضع طلوعها. (تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ) هم الزنج. (مِنْ دُونِها) من دون الشمس. (سِتْراً) من اللباس أو البناء أو السقف ؛ لأن أرضهم لا تتحمل الأبنية ، ولهم سروب يغيبون فيها عند طلوع الشمس ، ويظهرون عند ارتفاعها.

(كَذلِكَ) أي إن أمر ذي القرنين كما وصفنا من بلوغه المشرق والمغرب. (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) أي وقد اطلعنا علما على ما عند ذي القرنين من الآيات والجند وغيرهما ، مما يتعلق بظواهره وخفاياه ، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير. (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب ، آخذا من الجنوب إلى الشمال. (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) بين الجبلين المبني بينهما سدة ، وهما جبلا أرمينية وأذربيجان ، وقيل : جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع بلاد الترك ، من ورائهما يأجوج ومأجوج. (مِنْ دُونِهِما) أمامهما. (يَفْقَهُونَ قَوْلاً) يفهمون قولا إلا بعد بطء ، أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم.

(قالُوا) أي مترجموهم. (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) هما اسمان أعجميان لقبيلتين ، فهما ممنوعان من الصرف ، وهما قبيلتان من ولد يافث بن نوح. يأجوج : هم التتر ، ومأجوج : هم المغول ، وأصلهما من أب واحد يسمى ترك وكانوا يسكنون الجزء الشمالي من آسيا ، وتمتد بلادهم من التبت والصين إلى المحيط المتجمد الشمالي ، وتنتهي غربا ببلاد التركستان. (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أي في أرضنا بالنهب والبغي والقتل والتخريب عند خروجهم إلينا ، قيل : كانوا يخرجون في الربيع ، فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ، ولا يابسا إلا احتملوه. وقيل : كانوا يأكلون الناس ، والأصح أن يأجوج ومأجوج قوم جبارون أشداء ، يمر أوائلهم على بحيرة طبرية ، يبعثهم الله في عهد نزول عيسى ، كما جاء في صحيح مسلم وشرحه للنووي ١٨ / ٦٨.

(فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) جعلا من المال نتبرع به من أموالنا ، وقرئ : (خراجا) والخراج : ما لزم أداؤه. (سَدًّا) حاجزا ، فلا يصلون إلينا. (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي) من المال

٢١

وغيره. (خَيْرٌ) من الخرج الذي تجعلونه لي ، فلا حاجة بي إليه ، وأجعل لكم السد تبرعا. (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي بما يتقوى به على المقصود من الآلات والناس التي أطلبها منكم. (رَدْماً) أي حاجزا حصينا ، وهو أكبر من السد وأوثق.

(زُبَرَ الْحَدِيدِ) قطعه ، جمع زبرة كغرفة ، وهي القطعة العظيمة أو الكبيرة التي يبنى بها ، فبنى بها وجعل بينها الحطب والفحم. (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) أي حتى إذا جعل ما بين جانبي الجبلين من البنيان مساويا لهما في العلو ، والصدفان : واحدها صدف وهو جانب الجبل. (قالَ) للعمال. (انْفُخُوا) بالكيران في زبر الحديد التي وضعت بين الصدفين ، فنفخوا. (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ) أي الحديد. (ناراً) كالنار اشتغالا وتوهجا. (قالَ : آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) نحاسا مذابا ، أي صبّ النحاس المذاب على الحديد المحمي ، فالتصق بعضه ببعض ، وسد فجوات الحديد ، وصار جبلا صلدا وشيئا واحدا.

(فَمَا اسْطاعُوا) أي يأجوج ومأجوج. (أَنْ يَظْهَرُوهُ) أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وملاسته. (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) خرقا لصلابته وسمكه. (قالَ : هذا) قال ذو القرنين : هذا السد ، أي بناؤه وتسويته. (رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) أي أثر رحمة أو نعمة على عباده ؛ لأنه مانع من خروجهم. (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) وقت وعده بقيام الساعة ، أو وقت خروج يأجوج ومأجوج من وراء السد. (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) أو دكا مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض. أطلق المصدر وأريد اسم المفعول ، ودكه : بهدمه منهم أو من غيرهم. (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) أي وكان وعد ربي بخروجهم وغيره كائنا لا محالة.

(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ) الضمير عائد إلى يأجوج ومأجوج. (يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) أي وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد ، يموجون ، بعضهم في بعض ، ويختلطون مع بعضهم لكثرتهم ، مزدحمين في البلاد. (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أي القرن لقيام الساعة أو البعث.

(فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) أي جمعنا الخلائق في مكان واحد يوم القيامة للحساب والجزاء.

المناسبة :

سبق لدينا عند بيان سبب نزول قصة أصحاب الكهف ، أن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قصة أصحاب الكهف ، وعن قصة ذي القرنين ، وعن الروح ، والمشهور أن السائلين قريش. وذو القرنين : هو الإسكندر اليوناني ، كما ذكر ابن إسحاق ، وقال وهب : هو رومي ، وهو خطأ.

٢٢

وهذه هي القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة ، وردت بعد قصة أصحاب الكهف ، وقصة صاحبي الجنة ، وقصة أمر الملائكة بالسجود لآدم وإباء إبليس.

التفسير والبيان :

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، قُلْ : سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) أي ويسألك اليهود وقريش يا محمد عن خبر ذي القرنين ، سؤال اختبار وتعنت ، فقل لهم : سأخبركم عنه خبرا مذكورا في القرآن بطريق الوحي المتلو المنزّل علي من ربي.

وقد تقدم أن كفار مكة بعثوا إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض ، وعن فتية ما يدرى ما صنعوا ، وعن الروح ، فنزلت سورة الكهف.

وذو القرنين : قيل : هو إسكندر بن فيلبس المقدوني اليوناني (١) الذي ملك الدنيا بأسرها قبل الميلاد بنحو ٣٣٠ سنة باني الإسكندرية ، وتلميذ أرسطو الفيلسوف المعلّم الأول ، حارب الفرس ، واستولى على ملك دارا وتزوج ابنته ، ثم سافر إلى الهند وحارب هناك ، ثم حكم مصر ، وإنما سمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرن الشمس من مطلعها ، وقرن الشمس من مغربها ، فغلب على أكثر البلاد شرقا وغربا ، قال الشوكاني : «وهذا مشكل ؛ لأنه كان كافرا وتلميذ أرسطو» والظاهر أنه عبد صالح أعطاه الله ملكا واسعا ، وهذا ما أشار إليه القرآن في قوله تعالى :

(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ، وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أي إنا أعطيناه ملكا عظيما ، ومكّناه فيه من جميع ما يؤتى الملوك من السلطة المطلقة المدعمة بالجنود

__________________

(١) والصحيح أنه أبو كرب الحميري ، واسمه أبو بكر بن إفريقش ، من الدولة الحميرية (من سنة ١١٥ ق. م ـ ٥٥٢ ب. م) التي يسمّى ملوكها بالتبابعة جمع تبّع. والصحيح المروي عن ابن عباس أن ذا القرنين كان ملكا صالحا ، انظر مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ٨ / ٢١٦.

٢٣

وآلات الحرب والعلم ، وأقدرناه على التصرف بحيث يصل إلى جميع أنحاء المملكة ، ومهّدنا له من الأسباب والوسائل التي تمكّنه من السيطرة وبسط النفوذ أين شاء وكيف شاء ، فملك مشارق الأرض ومغاربها ، ودانت له البلاد ، وخضعت له ملوك العرب والعجم. فقوله : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) معناه أعطيناه من كل ما يتعلق بمطلوبه طريقا يتوصل بها إلى ما يريده ، وهذه الطرق هي :

١ ـ (فَأَتْبَعَ سَبَباً ، حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي فاتّبع طريقا من الطرق التي تؤديه إلى مراده ، حتى إذا وصل نهاية الأرض من جهة المغرب التي ليس بعدها إلا البحر المحيط ، وهو بحر الظلمات أو المحيط الأطلسي ، سائرا في بلاد المغرب : تونس والجزائر ومرّاكش ، فوجد الشمس تغرب في عين كثيرة الحمأة ، أي الطين الأسود ، وهذا ما يلاحظ من غياب قرص الشمس على ساحل المحيط المختلط بالرمال والطينة السوداء.

قال الرازي : إنه ثبت بالدليل أن الأرض كرة ، وأن السماء محيطة بها ، ولا شك أن الشمس في الفلك ، وأيضا قال تعالى : (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود ، وأيضا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة ، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض؟ إذا ثبت هذا ، فنقول : تأويل قوله تعالى : (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ، ولم يبق بعده شيء من العمارات ، وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة ، وإن لم تكن كذلك في الحقيقة ، كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر ، إذا لم ير الشط ، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر ، وهذا هو التأويل الذي ذكره أبو علي الجبائي في تفسيره (١). ثم ذكر تأويلات أخرى بعيدة القبول.

__________________

(١) تفسير الرازي : ٢١ / ١٦٦

٢٤

(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً ، قُلْنا : يا ذَا الْقَرْنَيْنِ : إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) أي وجد في أقصى المغرب عند تلك العين الحمئة قوما كفّارا وأمة عظيمة من بني آدم ، فقلنا له بالإلهام : أنت مخير فيهم بين أمرين : إما أن تعذبهم بالقتل إن أصروا على الكفر ، وإما أن تحسن إليهم وتصبر عليهم ، بدعوتهم إلى الحق والهدى والرشاد ، وتعليمهم الشرائع والأحكام.

(قالَ : أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) أي قال ذو القرنين لبعض حاشيته : أما من ظلم نفسه بالإصرار على الشرك ، ولم يقبل دعوتي ، فسنعذبه بالقتل في الدنيا ، ثم يرجع إلى ربه في الآخرة ، فيعذبه عذابا منكرا شنيعا في نار جهنم.

(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ، فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى ، وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) أي وأما من آمن بالله ووحدانيته وصدّق دعوتي ، وعمل عملا صالحا مما يقتضيه الإيمان ، فجزاؤه الجنة ، وسنطلب منه أمرا ذا يسر غير صعب ولا شاقّ ، ليرغب في دين الله ، ويحب فعل أوامر الله من صلاة وصيام وزكاة وخراج ونحوها ، فلا نأمره بالصعب الشاق ، ولكن بالسهل الميسر.

٢ ـ (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ، حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ، وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) أي ثم سلك طريقا آخر متجها من مغرب الشمس إلى مشرقها ، حتى إذا وصل الموضع الذي تطلع عليه الشمس أولا من معمور الأرض ، وجدها تطلع على قوم حفاة عراة ، لا شيء يسترهم من حر الشمس ، لا من اللباس ، ولا من البيوت والمباني والأشجار ، وإنما يعيشون في مفازة لا مأوى فيها ، ولا شجر ، وأكثر معيشتهم من السمك.

(كَذلِكَ ، وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) أي إن أمر ذي القرنين كما وصفنا من قبل من اتباع الأسباب ، حتى بلغ المشرق والمغرب ، وقد علمنا حين ملكناه

٢٥

ما عنده من الصلاحية لذلك الملك والاستقلال به ، ونحن مطلعون على جميع أحواله ، لا يخفى علينا منها شيء ، كما في آية أخرى : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [آل عمران ٣ / ٥] أي فهو كما وصف ، مما لا يعلمه إلا عالم الغيب والشهادة.

٣ ـ (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ، حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) أي ثم سلك طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب متجها من الشرق إلى الشمال ، حتى إذا وصل بين الجبلين بين أرمينية وأذربيجان ، وجد من ورائهما قوما من الناس لا يكادون يفهمون كلام غيرهم ، لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم ونباهتهم.

هؤلاء القوم من الصقالبة (السلاف) الذين يسكنون شرقي البحر الأسود ، في سد منيع بين جبلين قرب مدينة «باب الأبواب» أو «دربت» بجبل قوقاف ، اكتشفه السياح في القرن الحاضر.

(قالُوا : يا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أي قال سكان السد بين الجبلين ، وقد فهم كلامهم ذو القرنين بتيسير الله الأسباب التي أعطاها له : أو بواسطة الترجمان : إن يأجوج ومأجوج ـ وهما قبيلتان من الناس ـ يفسدون في أرضنا بالقتل والتخريب والظلم والغشم وسائر وجوه الإفساد.

(فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) أي فهل توافق على أن نعطيك جعلا أو ضريبة من أموالنا ، على أن تجعل بيننا وبينهم حاجزا منيعا يمنعهم من الوصول إلينا؟

ويرى المراغي ـ وليس صحيحا ـ أنهم التتر ، ومأجوج : هم المغول ، وأصلهما

٢٦

من أب واحد يسمى «ترك» وكانوا يسكنون شمال آسيا ، وتمتد بلادهم من التبت والصين إلى المحيط المتجمد الشمالي ، وغربا إلى الباكستان.

ومنهم الداهية الرحالة «تموجين» الذي لقب نفسه «جنكيز خان أي ملك العالم» الذي ظهر في أوائل القرن السابع الهجري في آسيا الوسطى ، فأخضع الصين الشمالية ، ثم أخضع بجبروته قطب الدين بن أرميلان من السلاجقة ملك خوارزم ، ثم خلفه ابنه «أقطاي» وأغار ابن أخيه «باتو» على بلاد الروس سنة ٧٢٣ ه‍ ـ ودمر بولونيا والمجر ، ثم قام مقامه «جالوك» فحارب الروم ، ثم خلفه ابن أخيه «منجو» فقام أخوه «كيلاي» بالاستيلاء على الصين ، وأخوه «هولاكو» بالاستيلاء على البلاد الإسلامية وإسقاط بغداد مقر الخلافة العباسية في عهد الخليفة المستعصم بالله ، أواسط القرن السابع الهجري ٦٥٦ ه‍ ـ.

وأما السد الذي أقامه ذو القرنين ، وشاهده بعض المؤرخين في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي : فهو وراء جيحون في عمالة «بلخ» واسمه «باب الحديد» قرب «ترمذ» وقد اجتازه تيمور لنك ، ومرّ به «شاه رخ» مع العالم الألماني «سيلد برجر» ووصفه المؤرخ الإسباني «كلافيجو» في رحلته سنة ١٤٠٣ م الذي الذي كان رسولا من ملك «قشتالة» بالأندلس إلى تيمورلنك ، وقال : إن سد «باب الحديد» على الطريق الموصل بين سمرقند والهند (١).

(قالَ : ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) قال ذو القرنين : ما مكنني فيه ربي ، وآتاني من سعة الملك والقدرة ووفرة المال ، خير من خرجكم ومما تجمعون ، كما قال سليمان عليه‌السلام : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ ، فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) [النمل ٢٧ / ٣٦].

__________________

(١) تفسير المراغي : ١٦ / ١٣ ـ ١٥

٢٧

ولكن ساعدوني بقوة ، أي بعمل الرجال وآلات البناء ، أجعل بينكم وبينهم سدّا منيعا وحاجزا حصينا ، ثم أوضح المراد من القوة بقوله :

(آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ، حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ، قالَ : انْفُخُوا ، حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً ، قالَ : آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) أي قدّموا لي قطع الحديد ، فلما جاؤوا بها ، أخذ يبني بها بين الجبلين ، فيضع بعضها على بعض من الأساس ، حتى إذا حاذى بالبنيان رؤوس الجبلين طولا وعرضا ، قال للعمال المساعدين : انفخوا على هذه الزّبر (القطع) بالكيران ، حتى صار كله نارا مشتعلة متوهجة ، ثم صب النحاس المذاب على الحديد المحمّى ، فصار كله كتلة متلاصقة وجبلا صلدا ، وانسدت فجوات الحديد.

(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) أي ما قدر يأجوج ومأجوج أن يصعدوا فوق السد ، لارتفاعه وملاسته ، وما استطاعوا نقبه من أسفله ، لصلابته وشدّته. وأراح الله منهم الشعوب المجاورة لفسادهم وسوئهم.

وقال ذو القرنين بعد إقامة السد المنيع الحصين :

(قالَ : هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ، فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ، وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) أي قال ذو القرنين لأهل تلك الديار : هذا السد نعمة وأثر من آثار رحمة ربي بهؤلاء القوم أو بالناس ؛ لحيلولته بين يأجوج ومأجوج وبين الفساد في الأرض ، فإذا حل أجل ربي بخروجهم من وراء السد ، جعله ربي مدكوكا منهدما ، مستويا ملصقا بالأرض ، وكان وعد ربي بخرابه وخروج يأجوج ومأجوج وبكل ما وعد به حقا ثابتا لا يتخلف ، كائنا لا محالة.

وتم فعلا خروج جنكيز خان وسلالته ، فعاثوا في الأرض فسادا في الشرق والغرب ، ودمروا معالم الحضارة الإسلامية ، وأسقطوا الخلافة العباسية سنة ٦٥٦ ه‍ ـ.

٢٨

أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : استيقظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نومه ، وهو محمر وجهه ، وهو يقول : «لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شرّ قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا ، وحلّق ، قلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم إذا كثر الخبث».

وقد اتسعت الحلقة حتى كبرت في منتصف القرن السابع الهجري ، بخروج التتر والمغول ، واجتياح البلاد الإسلامية ، وتدمير صرح الخلافة الإسلامية وإسقاطها في بغداد سنة ٦٥٦ ه‍ ـ ، كما حكى القرآن في قوله تعالى :

(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ، فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) أي وتركنا بعض الناس يوم خروج يأجوج ومأجوج يضطرب ويختلط مع بعض آخر ، فيكثر القتل ، وتفسد الزروع ، وتتلف الأموال ، كما أخبر تعالى في آية أخرى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) [الأنبياء ٢١ / ٩٦]. وذلك كله قبل قيام القيامة وقبل النفخ في الصور بزمن غير معلوم لنا. ويرى مفسرون آخرون أن معنى الآية : أنهم يضطربون ويختلطون كموج البحر يوم القيامة ، في أول أيامها. ورجح القرطبي القول بأنه تركنا يأجوج ومأجوج وقت كمال السد يموج بعضهم في بعض.

وإذا اقترب موعد القيامة نفخ في الصور ، وهي النفخة الثانية ، وجمعنا الناس جمعا بأن أحييناهم بعد تلاشي أبدانهم وصيرورتها ترابا ، وأحضرناهم إلى المحشر والحساب جميعا ، كما في آيات أخرى ، منها : (قُلْ : إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الواقعة ٥٦ / ٤٩ ـ ٥٠] ومنها : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) [الكهف ١٨ / ٤٧]. والصور كما جاء في الحديث الثابت : قرن ينفخ فيه ، والذي ينفخ فيه إسرافيل عليه‌السلام.

٢٩

فقه الحياة أو الأحكام :

يستدل بالآيات على ما يأتي :

١ ـ إن ذا القرنين أحد الملوك المؤمنين الذين ملكوا الدنيا وسيطروا على أهلها ، فقد آتاه الله ملكا واسعا ، ومنحه حكمة وهيبة وعلما نافعا ، ونحن لا نقطع بمعرفته بالذات ، ولا نؤمن إلا بالقدر الذي حكاه القرآن المجيد.

روي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة : مؤمنان وكافران ؛ فالمؤمنان : سليمان بن داود وإسكندر ، والكافران : نمروذ وبختنصّر. قال ابن إسحاق : وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت غيره ، فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها ، لا يطأ أرضا إلا سلّط على أهلها ، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق.

٢ ـ هيّأ الله تعالى لذي القرنين الأسباب التي توصله إلى مراده ، وأخبرنا عن وقائع ثلاث حدثت له في المغرب والمشرق والوسط. أما في مغرب الشمس فقد وجد قوما كافرين ، فخيّره الله بين أمرين : إما التعذيب بالقتل والإبادة جزاء كفرهم وطغيانهم ، وإما الاستبقاء والإرشاد إلى الحق والهدى وتوحيد الله ، فاختار ذو القرنين الإمهال والدعوة إلى الله ، وأقام فيهم مدة ردع فيها الظالم ، ونصر المظلوم ، وأقام العدل ، ودعا إلى الله تعالى.

وأما في المشرق فوجد قوما بدائيين يعيشون في بقعة رملية لا يستقر فيها بناء ، ولا يستترون فيها بظل شجر أو سقف بيت ، قال الحسن البصري : كانت أرضهم لا جبل فيها ولا شجر ، وكانت لا تحمل البناء ، فإذا طلعت عليهم الشمس نزلوا في الماء ، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا ، فيتراعون كما تتراعى البهائم.

وقال قتادة : لم يكن بينهم وبين الشمس ستر ، كانوا في مكان لا يستقر عليه

٣٠

بناء ، وهم يكونون في أسراب لهم ، حتى إذا زالت الشمس عنهم رجعوا إلى معايشهم وحروثهم ، يعني لا يستترون منها بكهف جبل ولا بيت يكنهم منها.

والقولان يدلان على ألا مدنية هناك ، وربما يكون منهم من يدخل في الماء ، ومنهم من يدخل في السّرب ، فلا تناقض بين قول الحسن وقتادة.

وهذا تأريخ لحال جماعة بدائية تعيش على صيد الأسماك ، دون ستر ولا مأوى ، مما يستوجب على أهل المدينة شكر النعمة العظمى على العيش بأمان وارتياح تحت ظلال الأشجار وفي ردهات المنازل.

وأما رحلة ذي القرنين إلى الشمال بين الشرق والغرب وبين السدين وهما جبلان بين أرمينية وأذربيجان ، فكانت إنقاذا لشعب مقهور مستضعف يتعرض لغارات القبائل المتوحشة ، فيفسدون في الأرض ، فبنى لهم سدا منيعا حصينا حماهم من تلك الموجات الغازية ، وأعلمهم أن بقاءه مرهون بإرادة الله. وهذا مثل فيه عبرة للدول القوية التي يجب عليها المحافظة على الشعوب الضعيفة ، والإبقاء على ثرواتها دون أخذ شيء منها ، منعا من الاسهام في إضعافها ، وأخذا بيدها نحو الأفضل ، وإغاثتها وإنقاذها من التخلف والضياع ، فإن ذا القرنين ملك الدنيا أبى أن يأخذ شيئا من أموال أولئك الأقوام ، بالرغم من بناء السد الحصين.

٣ ـ قال القرطبي : في هذه الآية (آية السد) دليل على اتخاذ السجون ، وحبس أهل الفساد فيها ، ومنعهم من التصرف لما يريدونه ، ولا يتركون وما هم عليه ، بل يوجعون ضربا ويحبسون ، أو يكفلون ويطلقون كما فعل عمر رضي‌الله‌عنه (١).

٤ ـ إن أهل الصلاح والإخلاص يحرصون على إنجاز الأعمال ابتغاء وجه الله ،

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١١ / ٥٩

٣١

دون انتظار مقابل أو عوض دنيوي من الناس ، فإن ذا القرنين الذي أيده الله قال : (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) أي ما بسطه الله تعالى لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم ، ولكن أعينوني بقوة الأبدان ، أي بالرجال وعمل الأبدان والآلة التي أبني بها السد (الردم). وهذا بداية النجاح في العمل ، فإن القوم لو جمعوا له خرجا ، لم يعنه أحد ، ولتركوه يبني ، فكان عونهم أسرع في إنجاز العمل وإنجاح المشروع.

٥ ـ تدل الآية أيضا : (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) على أن من واجب الملك أو الحاكم أن يقوم بحماية الخلق في حفظ ديارهم ، وإصلاح ثغورهم ، من أموالهم ، بشروط ثلاثة هي :

الأول ـ ألا يستأثر عليهم بشيء.

الثاني ـ أن يبدأ بأهل الحاجة فيعينهم.

الثالث ـ أن يسوّي في العطاء بينهم على قدر منازلهم.

فإذا احتاج الحاكم إلى دعم رعيته ، بذلوا أنفسهم قبل أموالهم ، ويؤخذ بقدر الحاجة من أموالهم ، وتصرف بتدبير ، فهذا ذو القرنين أبى أخذ شيء من أموال القوم ، قائلا : إن الأموال عندي والرجال عندكم ، فكان التطوع بخدمة الأبدان أولى.

وضابط الأمر : أنه لا يحل مال أحد إلا لضرورة تعرض ، فيؤخذ ذلك المال جهرا لا سرا ، وينفق بالعدل لا بالاستئثار ، وبرأي الجماعة لا بالاستبداد بالأمر (١).

٦ ـ إن الحديد والنحاس من مرتكزات الصناعة الثقيلة قديما وحديثا ، فقد كانا أداة بناء السد المنيع على يد ذي القرنين ، وهما الآن المادة الأساسية في الصناعات المختلفة الحربية والسلمية.

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١١ / ٦٠

٣٢

جزاء الكفار

(وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦))

الإعراب :

(الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ) بدل من (الكافرين).

(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فاعل (فَحَسِبَ) و (أَنْ يَتَّخِذُوا) أن وصلتها في موضع نصب ، سدت مسد مفعولي (فَحَسِبَ). و (عِبادِي) مفعول أول ليتخذوا ، و (أَوْلِياءَ) مفعول ثان.

(بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) تمييز منصوب ، وجمع التمييز ولم يفرد : إشارة إلى أنهم خسروا في أعمال متعددة ، لا في عمل واحد.

(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ) خبر لمحذوف ، أو بدل ، أو منصوب على الذم (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ) مبتدأ وخبر ، و (جَهَنَّمُ) عطف بيان للخبر.

٣٣

البلاغة :

(كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) استعارة تمثيلية ، شبه إعراضهم عن الآيات الكونية وعدم النظر فيها ، وبالتالي عدم الإيمان. بمن ألقى غطاء على عينيه ، على سبيل التمثيل.

(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) استفهام يراد به التوبيخ والتقريع.

(وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) جناس ناقص أو جناس التصحيف لتعير الشكل وبعض الحروف.

المفردات اللغوية :

(وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ) أبرزناها وأظهرناها لهم (فِي غِطاءٍ) أي غشاوة محيطة بها (عَنْ ذِكْرِي) أي القرآن ، أو الآيات الموصلة إلى ذكري بتوحيدي وتمجيدي وتعظيمي (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) أي لا يقدرون استماعا لذكري وكلامي ، بغضا له ، وصمما عن الحق ، فلا يؤمنوا به ؛ إذ لا استطاعة بهم للسمع. (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أظنوا ، والاستفهام للإنكار (أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي) أي الملائكة والمسيح عيسى وعزير (مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) أربابا ، المعنى : أظنوا أن الاتخاذ المذكور لا يغضبني ، ولا أعاقبهم عليه؟ كلا (أَعْتَدْنا) هيأنا (لِلْكافِرِينَ) من هؤلاء وغيرهم (نُزُلاً) ما يقام للنزيل ، أي هي معدة لهم كالمنزل المعد للضيف. وفيه تهكم.

(بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) جمع التمييز وهو : (أَعْمالاً) لتنوع أعمالهم (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ) بطل وضاع عملهم لكفرهم وعجبهم (وَهُمْ يَحْسَبُونَ) يظنون (يُحْسِنُونَ صُنْعاً) عملا يجازون عليه ، لعجبهم بأنفسهم واعتقادهم أنهم على الحق.

(كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) بالقرآن ، أو بدلائله الدالة فيه على التوحيد والنبوة (وَلِقائِهِ) بالبعث والحساب ، والثواب والعقاب ، أو لقاء عذابه (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) بطلت بكفرهم ، فلا يثابون عليها (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) أي لا نجعل لهم قدرا ، وإنما نزدريهم.

(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ) أي الأمر الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وغيره ، هو جزاؤهم (هُزُواً) هزؤا ، أي مهزؤا بهما.

المناسبة :

بعد أن ذكر الله تعالى أنه بنفخ الصور يوم القيام ، يقوم الناس من قبورهم ، ثم يجمعون في صعيد واحد للحساب والجزاء ، ذكر أنه حينئذ يظهر

٣٤

النار للكافرين ، وتخصيصه بالكافرين بشارة للمؤمنين ، ويظن الكافرون أن اتخاذهم معبودات من دون الله ينجيهم من عذابه ، ولكن حبطت أعمالهم وبطلت ، وصارت عديمة النفع بسبب كفرهم.

والحاصل : أن الله تعالى يخبر عما يفعله بالكفار يوم القيامة ، من عرض جهنم عليهم ، أي إبرازها وإظهارها لهم ، ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولهم ، ليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهم والحزن لهم ، ويخبر تعالى أيضا أنه لا يقام لهم وزن أو قدر ، وأن أعمالهم قد أحبطت وضاعت بسبب كفرهم.

التفسير والبيان :

(وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) أي أظهرنا جهنم وأبرزناها إبرازا واضحا للكفار بالله بعد النفخة الثانية في الصور ، حتى يشاهدوا أهوالها ، يوم جمعنا لهم.

وأوصاف الكفار هي :

١ ـ التعامي وإبعاد السمع عن الحق : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي ، وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) أي إن عذاب جهنم لأولئك الذين تغافلوا وتعاموا عن قبول الهدى واتباع الحق ، ولم ينظروا في آيات الله ولم يتفكروا فيها ، حتى يتوصلوا إلى توحيد الله وتمجيده ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ ، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً ، فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف ٤٣ / ٣٦] وكانوا لا يطيقون سماع ذكر الله الذي بيّنه لهم في كتابه ، ولا يعقلون عن الله أمره ونهيه.

والخلاصة : إنهم تعاموا عن مشاهدة آي الله بالأبصار ، وأعرضوا عن الأدلة السمعية المذكورة في كتاب الله ، كما قال تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج ٢٢ / ٤٦] وقال سبحانه : (وَقالُوا : قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) [فصلت ٤١ / ٥].

٣٥

٢ ـ عبادة معبودات من دون الله : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) أي أفطن أو اعتقد الذين كفروا بي ، واتخذوا أولياء أي معبودات من دوني كالملائكة والمسيح والشياطين أن ذلك ينفعهم ، أو يدفع عنهم العذاب؟ كلا ، لا تنفعهم تلك المعبودات ، وسيظهر لهم خطؤهم ، كما قال تعالى : (كَلَّا ، سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم ١٩ / ٨٢] لذا أخبر تعالى عن عذابهم قائلا :

(إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) أي إنا أعددنا وهيأنا لهؤلاء الكافرين بالله جهنم يوم القيامة منزلا ينزلون به ، كما يعدّ النزل للضيف ، بسبب اتخاذهم أولياء (أي معبودين) من دوني ، وهذا تهكم بهم ، وتخطئة لحساباتهم.

٣ ـ الجهل والغباء : (قُلْ : هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) أي قل لهم يا محمد : هل نخبركم أيها الناس بأشد الناس خسرانا لأعمالهم وخطأ في حسابهم؟ هم الذين ضلوا في الحياة ، فعملوا أعمالا باطلة على غير شريعة مرضية مقبولة ، وأتعبوا أنفسهم فيما لا نفع فيه ، فهلكوا وضيعوا ثمار أعمالهم ، وهم قوم مخدوعون بما هم عليه ، يظنون أنهم محسنون في ذلك العمل ، منتفعون بآثاره ، مقبولون محبوبون. والآية توبيخ شديد لهم ، مفادها الموجز : قل لهؤلاء الكفرة الذين عبدوا غيري : يخيب سعيهم وآمالهم غدا ، فهم الأخسرون أعمالا.

وسبب خسارة أعمالهم هو ما قال الله تعالى :

(أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ ، فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ، فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) أي إن أولئك الأخسرين أعمالا هم الذين جحدوا آيات الله في الدنيا ، وبراهينه التكوينية والتنزيلية الدالة على توحيده ، وكفروا وكذبوا بالبعث والحساب ولقاء الله وما بعده من أمور الآخرة ، فحبطت وبطلت أعمالهم

٣٦

التي عملوها مما يظنونه حسنا ، كما قال تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ، فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان ٢٥ / ٢٣] فلا يقام وزن لأعمالهم ولا يكون لهم عندنا قدر ، ولا نعبأ بهم ، ولا ثواب على تلك الأعمال ؛ لأنها خالية من الخير.

وحينئذ يكون جزاؤهم العادل على كفرهم ومعاصيهم جهنم ؛ لقوله تعالى : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا ، وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) أي إن ذلك الوعيد والجزاء على أعمالهم الباطلة في نار جهنم إنما هو بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله ، وسخريتهم من رسل الله ومن معجزاتهم ، فإنهم استهزءوا بهم وكذبوهم أشد التكذيب. والهزء : الاستخفاف والسخرية.

فقه الحياة أو الأحكام :

يفهم من الآيات ما يلي :

١ ـ إثبات البعث والحشر ، بجمع الجن والإنس في ساحات القيامة بالنفخة الثانية في الصور.

٢ ـ إبراز جهنم إبرازا ظاهرا واضحا للكفار بعد الحشر بسبب عدم النظر في دلائل الله تعالى على وجوده ووحدانيته ، وعدم إطاقتهم سماع كلام الله تعالى ، فهم بمنزلة العمي والصمّ. وفي هذا نوع من العقاب النفساني المؤلم بسبب ما ينتابهم حينئذ من الغم والكرب العظيم.

٣ ـ يخطئ الكفار حين يظنون أن اتخاذهم معبودين من دون الله ، كعيسى وعزير والملائكة ينفعهم يوم القيامة ، وأن الله لا يعاقبهم على ذلك ، كلا ، فإن الله أعد لهم جهنم منزلا ومأوى.

٤ ـ إن أشد الناس خسارة يوم القيامة هم الذين ضل سعيهم في الدنيا ، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا في عبادة من سوى الله ، فهم الأخسرون أعمالا ، روى

٣٧

البخاري عن مصعب قال : سألت أبي : (قُلْ : هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) أهم الحرورية؟ قال : لا ، هم اليهود والنصارى. أما اليهود فكذبوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما النصارى فكفروا بالجنة ، فقالوا : لا طعام فيها ولا شراب ، والحرورية (أي الخوارج) الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ، وكان سعد يسميهم الفاسقين. والحقيقة أن الآية تشمل جميع أهل الضلال سواء من أهل الكتاب أو من المشركين.

٥ ـ في هذه الآية : (قُلْ : هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ..) دلالة على أن من الناس من يعمل العمل ، وهو يظن أنه محسن ، وقد حبط سعيه ، والذي يوجب إحباط السعي : إما فساد الاعتقاد أو المراءاة.

٦ ـ إن سبب خسارة أعمال أهل الضلال هو الكفر بآيات الله وبالبعث ، وهذا يشمل مشركي مكة عبدة الأوثان ، وأهل الكتاب أيضا ؛ لأن إيمان هؤلاء بالبعث مشوّة غير صحيح.

٧ ـ إن عقاب هؤلاء الضالين على أعمالهم الباطلة ثلاثة أنواع : إحباط الأعمال ، وإهدار

الكرامة والاعتبار ، والعذاب في نار جهنم ، فلا ثواب على أعمالهم ولا نفع فيها ، ولا يقيم الله عزوجل لهم وزنا ، ويصلون جهنم ، قال عبيد بن عمير : يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشّروب ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة. وهذا في حكم المرفوع ، وقد ثبت معناه في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة ، لا يزن عند الله جناح بعوضة ، اقرؤوا إن شئتم : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً)». والمعنى : أنهم لا ثواب لهم ، وأعمالهم مقابلة بالعذاب ، فلا حسنة لهم توزن في موازين القيامة ، ومن لا حسنة له فهو في النار.

٣٨

٨ ـ كرر الله تعالى ذكر سبب العذاب لهؤلاء الكفار للتأكيد ، فأخبر بأن جزاءهم جهنم بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله وتكذيبهم رسل الله ، وإنكارهم معجزات الأنبياء.

جزاء المؤمنين وسعة معلومات الله وتوحيده

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠))

الإعراب :

(خالِدِينَ فِيها) حال.

(لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً حِوَلاً) مفعول (لا يَبْغُونَ) أي لا يطلبون ولا يتمنون عنها متحولا.

(وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً مَدَداً) تمييز.

(أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أن : المكفوفة بما : باقية على مصدريتها ، والمعنى : يوحى إلي وحدانية الإله.

المفردات اللغوية :

(كانَتْ لَهُمْ) فيما سبق من علم الله وحكمه ووعده (الْفِرْدَوْسِ) أعلى درجات الجنان وأوسطها ، والإضافة إليه للبيان ، وأصله : البستان الذي يجمع أشجار الفاكهة (نُزُلاً) منزلا (لا يَبْغُونَ) لا يطلبون (حِوَلاً) تحولا إلى غيرها ؛ إذ لا يجدون أطيب منها ، حتى تنازعهم إليه أنفسهم (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً) أي لو كان ماء البحر ما يكتب به من الحبر ، وأصله : ما يمدّ به

٣٩

الشيء ، كالحبر للدواة (لِكَلِماتِ رَبِّي) لكلمات علمه وحكمته ومعلوماته غير المتناهية ، بأن تكتب به (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) في كتابتها (تَنْفَدَ) تفرغ (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ) أي بمثل البحر (مَدَداً) زيادة فيه ، لنفد ، ولم تفرغ هي.

(أَنَا بَشَرٌ) آدمي (يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) يأمل ويطمع حسن لقائه بالبعث والجزاء.

والرجاء : تأمل شيء سارّ في المستقبل ، و (لِقاءَ رَبِّهِ) هو البعث وتوابعه. (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) يرتضيه الله (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ) أي بأن يرائي في عبادته ، أو يطلب منه أجرا.

سبب النزول :

نزول الآية (١٠٩):

(قُلْ : لَوْ كانَ الْبَحْرُ) : أخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، فسألوه ، فنزلت : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ، قُلِ : الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). وقالت اليهود : أوتينا علما كثيرا ، أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة ، فقد أوتي خيرا كثيرا ، فنزلت : (قُلْ : لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) الآية.

نزول الآية (١١٠):

(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا) : أخرج ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص عن طاوس قال : قال رجل : يا رسول الله ، إني أقف أريد وجه الله ، وأحب أن يرى موطني ، فلم يرد عليه شيئا ، حتى نزلت هذه الآية : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ، فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) خبر مرسل ، وأخرجه الحاكم في المستدرك موصولا عن طاوس عن ابن عباس ، وصححه على شرط الشيخين (البخاري ومسلم).

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان رجل من المسلمين يقاتل ، وهو يحب أن يرى مكانه ، فأنزل الله : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) الآية.

٤٠