التفسير المنير - ج ١٦

الدكتور وهبة الزحيلي

ولقد أحسن الجنيد حين قال : «حسنات الأبرار سيئات المقربين» فهم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم ، وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم ، فلم يخل ذلك بمناصبهم ، ولا قدح في رتبتهم ، بل قد تلافاهم ، واجتباهم وهداهم ، ومدحهم وزكّاهم واختارهم واصطفاهم ، صلوات الله على نبينا وعليهم وسلامه (١).

٦ ـ أما من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة ، فإن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم ، فيقول : تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت ، وقد قدّر الله علي ذلك. والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه ، ولوم المسيء على إساءته ، وتعديد ذنوبه عليه(٢).

٧ ـ لقد اجتبى الله تعالى آدم وهداه بعد العصيان ، فإن وقع هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب ؛ لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم ، وإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه ، لم يضر ما سلف منهم من الذنوب.

٨ ـ أمر الله تعالى آدم وزوجه حواء بالهبوط إلى دار الدنيا ، والدنيا دار تكليف وتنافس وتزاحم ومعاداة ، وسبيل التقويم والتميز : الالتزام بهداية الله ، فمن اهتدى بهداية الرسل والكتب الإلهية فقد رشد ، ولا يضل عن الصواب ، ولا يشقى في الآخرة.

ومن أعرض عن دين الله ، وتلاوة كتابه ، والعمل بما فيه ، كان له عيش ضيق مشحون بالعذاب النفسي والجسدي والعقلي ، ويحشر يوم القيامة أعمى البصر والبصيرة ، لا يدرك طريق النجاة ، ويزج به في عذاب جهنم.

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١١ / ٢٥٥.

(٢) المصدر السابق : ١١ / ٢٥٧.

٣٠١

٩ ـ لا عذر للكافر يوم القيامة بعد أن أتته الآيات والدلائل على إثبات وحدانية الله وقدرته ووجوب العمل بشرعه ، فإذا ما تركها ولم ينظر فيها ، ترك في العذاب في جهنم.

وهكذا يعاقب كل من أعرض عن القرآن ، وعن النظر في مصنوعات الله ، والتفكر فيها ، وجاوز الحد في المعصية ، ولم يصدق بآيات ربه ، علما بأن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا حال الحياة أو في القبر ، وأدوم وأثبت ؛ لأنه لا ينقطع ولا ينقضي.

الاعتبار بهلاك الأمم الماضية والصبر على أذى المشركين وعدم

الالتفات إلى متعهم وأمر الأهل بالصلاة

(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢))

الإعراب :

(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) فاعل (يَهْدِ) مقدر ، وهو المصدر ، أي : أفلم يهد لهم الهدى أو الأمر. و (كَمْ) في موضع نصب ب (أَهْلَكْنا) وهو مفعول مقدم ، أي كم قرية. و (كَمْ) خبرية. و (يَمْشُونَ) جملة حال من ضمير (لَهُمْ).

٣٠٢

(وَأَجَلٌ) معطوف بالرفع على (كَلِمَةٌ) أي : ولو لا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى ، لكان العذاب لزاما ، أي لازما لهم ، ففصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجواب لولا : وهو كان واسمها وخبرها.

(وَأَطْرافَ النَّهارِ) معطوف على محل (مِنْ آناءِ).

(زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) منصوب لثلاثة أوجه : الأول ـ بتقدير فعل دل عليه (مَتَّعْنا) الذي هو بمنزلة جعلنا فكأنه قال : وجعلنا لهم زهرة الحياة الدنيا. والثاني ـ النصب على الحال ، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين ، مثل (قُلْ : هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص ١١٢ / ١ ـ ٢] و (الْحَياةِ) بدل من (ما) في قوله (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ) أي : ولا تمدن عينيك إلى الحياة الدنيا زهرة ، أي في حال زهرتها. والثالث ـ النصب على البدل من هاء (بِهِ) على الموضع ، كما يقال : مررت به أباك.

البلاغة :

(زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) تشبيه تمثيلي ، شبه متاع الحياة الدنيا ونعيمها بالزهر الجميل الذي يذبل وييبس.

المفردات اللغوية :

(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) أي أفلم يتبين لهم ـ لكفار مكة ـ العبر. (كَمْ أَهْلَكْنا) أي كثيرا إهلاكنا. (الْقُرُونِ) الأمم الماضية ، لتكذيب الرسل. (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) يسيرون فيها ، ويشاهدون آثار إهلاكهم أثناء سفرهم إلى الشام وغيرها ، فيعتبروا (لَآياتٍ) لعبرا. (لِأُولِي النُّهى) لذوي العقول.

(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) أي هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة. (لَكانَ لِزاماً) لكان الإهلاك لازما لهم في الدنيا ، لا يتأخر عنهم. (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) معطوف على (كَلِمَةٌ) أي ولولا الوعد بتأخير العذاب وأجل مسمى لأعمارهم أو لعذابهم ، وهو يوم القيامة ، أو يوم القتل في المعركة في الدنيا كبدر ، لكان العذاب لازما. ويجوز عطف (وَأَجَلٌ) على ضمير (لَكانَ) المستتر ، أي لكان الأخذ العاجل والأجل المسمى لازمين لهم.

(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) اشتغل بتنزيه الله وتعظيمه مقترنا بحمده ، أو : صلّ وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه. (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) صلاة الصبح. (وَقَبْلَ غُرُوبِها) صلاة الظهر والعصر أو العصر وحده. (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) ساعاته ، جمع إنى وإنو. (فَسَبِّحْ) صل المغرب والعشاء. (وَأَطْرافَ النَّهارِ) أي صل الظهر ؛ لأن وقتها يدخل بزوال الشمس ، فهو طرف

٣٠٣

النصف الأول وطرف النصف الثاني. (لَعَلَّكَ تَرْضى) متعلق بسبح ، أي سبّح في هذه الأوقات ، طمعا أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك.

(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي لا تطيلن نظر عينيك رغبة واستحسانا إلى ما في أيدي الآخرين من متع الدنيا ، وتتمنى أن يكون لك مثله. (أَزْواجاً) أصنافا وأشكالا. (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) زينتها وبهجتها. (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنبتليهم ونختبرهم فيه. (وَرِزْقُ رَبِّكَ) أي ما ادّخره لك في الآخرة ، أو ما رزقك من الهدى والنبوة. (خَيْرٌ) مما منحهم في الدنيا. (وَأَبْقى) أدوم لا ينقطع. (وَاصْطَبِرْ) اصبر وداوم عليه. (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) لا نكلفك أن ترزق نفسك ولا أهلك. (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) وإياهم ، ففرغ بالك لأمر الآخرة. (وَالْعاقِبَةُ) المحمودة وهي الجنة. (لِلتَّقْوى) لأهل التقوى أو لذويها.

المناسبة :

بعد أن بيّن الله تعالى حال من أعرض عن ذكر الله ، في الآخرة ، أتبعه بما هو عبرة للناس من أحوال المكذبين بالرسل في الدنيا ، كقوم عاد وثمود ، ثم أبان فضله تعالى بتأخير العذاب عن الكافرين والعصاة إلى الآخرة ، ثم أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين ، وبمداومة الصلاة والتسبيح ليلا نهارا ، ونهاه عن تمني ما عند الكفار من متع الدنيا ، ثم أمره بأن يأمر أهل بيته أو التابعين له من أمته بالصلاة ، روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أصاب أهله ضر ، أمرهم بالصلاة ، وتلا هذه الآية.

التفسير والبيان :

(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ، كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي أفلم يتبين لهؤلاء المكذبين أهل مكة بما جئتهم به يا محمد إهلاكنا كثيرا من الأمم الماضية المكذبين بالرسل قبلهم ، فبادوا ولم يبق لهم أثر ، كعاد وثمود وأصحاب الحجر وقرى قوم لوط الذين يتقلبون في ديارهم أو يمشون في مساكنهم ، ويشاهدون آثارهم المدمرة ، فإن في ذلك لعبرا وعظات

٣٠٤

توجب الاعتبار لذوي العقول الصحيحة التي تنهى أصحابها عن القبيح ، وتدرك احتمال أن يحل بهم مثل ما حل بأولئك.

ونظير الآية قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ، فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج ٢٢ / ٤٦] وقوله سبحانه : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) [السجدة ٣٢ / ٢٦].

ثم بيّن الله تعالى سبب تأخير العذاب عنهم ، فقال : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً ، وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أي ولولا الكلمة السابقة النافذة من الله في الأزل ، وهي وعد الله سبحانه بتأخير عذاب أمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الدار الآخرة ، لكان عقاب ذنوبهم لازما لهم ، لا ينفك عنهم بحال ، ولا يتأخر ، ولولا الأجل المسمى عندنا لكان الأخذ العاجل.

لهذا قال الله لنبيه مسليا له وآمرا له بالصبر :

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها ، وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) أي فاصبر أيها الرسول على ما يقول هؤلاء المكذبون بآيات الله ، من أنك ساحر كذاب ، أو مجنون ، أو شاعر ، ونحو ذلك من أباطيلهم ومطاعنهم ، لا تأبه بهم ، فإن لعذابهم وقتا معينا لا يتقدم ، واشتغل بتنزيه ربك وحمده وشكره وأداء الصلوات الخمس المفروضة قبل طلوع الشمس ، أي صلاة الفجر ، وقبل غروبها ، أي صلاة العصر والظهر ، ومن ساعات الليل أي صلاة العشاء والمغرب والتهجد أواخر الليل ، وفي أطراف النهار ، أي صلاة الفجر والمغرب تأكيدا لهاتين الصلاتين الواقعتين في طرفي النهار ، كالتأكيد على (الصلاة الوسطى) وهي العصر ، سبّحه رجاء أن

٣٠٥

تنال عند الله سبحانه ما ترضى به نفسك من الثواب ، كما قال تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى ٩٣ / ٥].

أخرج الإمام أحمد ومسلم عن عمارة بن رؤيبة ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها».

وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم ألا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، فافعلوا ، وقرأ هذه الآية».

وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يقول الله تعالى : يا أهل الجنة فيقولون : لبّيك ربنا وسعديك ، فيقول : هل رضيتم؟ فيقولون : ربّنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول : إني أعطيكم أفضل من ذلك ، فيقولون : وأى شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحل عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعده أبدا».

دلت الآية على أن سبيل التغلب على تكذيب المكذبين الكافرين المعاندين هو الصبر لما فيه من قوة الإرادة ، ثم التسبيح والتحميد والصلاة والتكبير باعتبارها مقوية للروح والصلة بالله تعالى ، فنزول عن النفس والجسد المتاعب والآلام والهموم.

والاستعلاء بالروح يستتبع الانصراف عن متع الحياة الدنيا ، لذا قال تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ، وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي ولا تنظر أو لا تطل النظر إلى ما عند هؤلاء المترفين من النعيم ومتع الدنيا من زينة وبهجة من مال وبناء ورياش ومراكب ، فإنما هو زهرة زائلة ، ونعمة حائلة ، لنختبرهم بذلك ، ونتعرف على من يؤدي

٣٠٦

واجب شكر النعمة ، واجعل همتك فيما عند الله ، فقد آتاك ربك خيرا مما آتاهم ، فقد يسر لك رزقك في الدنيا ، وثواب الله وما ادخر لك في الآخرة خير مما رزقهم في الدنيا على كل حال ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ، لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ، وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر ١٥ / ٨٧ ـ ٨٨] وليس المقصود بالآيتين التكاسل عن طلب الرزق ، ولكن النهي عن تمني مثل ما في يد الكفار والعصاة من حطام الدنيا ، والانشغال بها ، وترك العمل للآخرة ، بل إننا نعمل للآخرة والدنيا معا.

ثم أمره الله بأن يأمر أهله بالصلاة ، فقال :

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها ، لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً ، نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) أي وأمر أيها الرسول أهل بيتك واستنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة ، واصبر أنت على فعلها وحافظ عليها ، لا نطلب منك رزقا ترزق نفسك وأهلك ولا نكلفك الطلب ، بل تفرغ للعبادة والتقوى ، فنحن نرزقك ونرزقهم : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات ٥١ / ٥٨] ، والعاقبة المحمودة ، وهي الجنة لأهل التقوى والطاعة.

فإذا أقمت الصلاة مع أهلك ، أتاك الرزق من حيث لا تحتسب ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق ٦٥ / ٢ ـ ٣]. وأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهله بالصلاة أمر للأمة قاطبة.

أخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال : كان عمر بن الخطاب يصلي من الليل ما شاء الله تعالى أن يصلي حتى إذا كان آخر الليل ، أيقظ أهله للصلاة ويقول لهم : الصلاة الصلاة ، ويتلو هذه الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني وأبو نعيم في الحلية عن

٣٠٧

عبد الله بن سلام قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق ، أمرهم بالصلاة وتلا : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ).

وروى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسدّ فقرك ، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ، ولم أسدّ فقرك».

وروى ابن ماجه عن ابن مسعود ، سمعت نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد ، كفاه الله هم دنياه ، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك».

وروى أيضا عن زيد بن ثابت ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من كانت الدنيا همه ، فرق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن كانت الآخرة نيته ، جمع له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة».

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى ما يأتي :

١ ـ يعظ الله تعالى الكفار بأن يعتبروا بأحوال الأمم الماضية الذين أهلكهم لتكذيبهم الرسل ، فلربما حل بهم من العذاب مثلما حل بالكفار قبلهم.

٢ ـ لولا الحكم السابق من الله في الأزل بتأخير عذاب أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة ، لكان العذاب لازما في الحال لمن كفر وأعرض عن آيات الله تعالى.

٣ ـ الصبر علاج حاسم على أذى الكفار المناوئين دعوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لذا أمر الله تعالى نبيه بالصبر على أقوالهم : إنه ساحر ، إنه كاهن ، إنه كذاب ، ونحو ذلك ، وألا يحفل بهم ؛ فإن لعذابهم وقتا محددا معينا لا يتقدم ولا يتأخر.

٣٠٨

٤ ـ قوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ...) يراد به في رأي الأكثرين الصلوات الخمس المفروضة ، فصلاة الصبح قبل طلوع الشمس ، وصلاة العصر قبل الغروب ، ومعها الظهر لأنها تجمع معها ، وصلاة العشاء في ساعات الليل ، وكذا صلاة المغرب. ويرى آخرون أن قوله تعالى : (وَأَطْرافَ النَّهارِ) إشارة إلى المغرب والظهر ؛ لأن الظهر في آخر طرف النهار الأول ، وأول طرف النهار الآخر ، فهي في طرفين منه ، والطرف الثالث : غروب الشمس وهو وقت المغرب.

٥ ـ إن أداء الصلوات في أوقاتها من رضوان الله ، وسبب للثواب العظيم ، وقد جعل تعالى الثواب واسعا غير محدود على فعل الصلوات ، فقال مخاطبا نبيه ، وأمته مثله : (لَعَلَّكَ تَرْضى) أي لعلك تثاب على هذه الأعمال بما ترضى به.

٦ ـ إن همّ المؤمن أصالة هو العمل للآخرة ، وأما الدنيا فهي تبع لهذا المقصد الأصلي ، على عكس الحال بالنسبة للكفار ، فلا همّ لهم إلا الدنيا ، لذا نهى الله نبيه عن تمني مثل ما لدى الكفار من زهرة الحياة الدنيا من المال والمباني والأثاث والمراكب وغيرها ، فهذا ابتلاء واختبار لهم ، ليكون جحودهم ونكرانهم نعم الله سببا لعذابهم في الآخرة.

ويلاحظ التسلسل المنطقي في هذه الأحكام والآيات الدالة عليها ، فقد وبخ الله تعالى الكفار على ترك الاعتبار بالأمم السابقة ، ثم توعدهم بالعذاب المؤجل ، ثم أمر نبيه باحتقار شأنهم ، والصبر على أقوالهم ، والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا ، إذ ذلك زائل عنهم ، صائر إلى خزي.

وختم ذلك بتسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله تعالى : (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا أولى ؛ لأنه يبقى والدنيا تفنى.

٧ ـ أمر الله نبيه بأن يأمر أهله بالصلاة وبالمحافظة عليها وملازمتها ،

٣٠٩

ويدخل في عموم خطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع أمته وأهل بيته على التخصيص. وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول هذه الآية يذهب كل صباح إلى بيت فاطمة وعلي رضوان الله عليهما فيقول : «الصلاة». وكان عروة بن الزبير إذا رأى شيئا من أحوال السلاطين بادر إلى منزله فدخله ، وهو يقرأ : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ..) الآية ، ثم ينادي بالصلاة : الصلاة يرحمكم الله.

٨ ـ نهى الله تعالى نبيه أن يشتغل عن الصلاة بسبب الرزق ، بل تكفل له برزقه ورزق أهله ، فكان عليه الصلاة والسلام إذا نزل بأهله ضيق ، أمرهم بالصلاة ، وقد قال الله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ ، وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات ٥١ / ٥٦ ـ ٥٨].

٩ ـ إن العاقبة الجميلة المحمودة وهي الجنة لأهل التقوى. وأما عاقبة غيرهم فهي مذمومة كالمعدومة.

اقتراح المشركين الإتيان بمعجزة أو إرسال رسول

وتهديدهم بمآل المستقبل

(وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥))

الإعراب :

(أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ) بغير تنوين مضاف إلى (ما). ومن قرأ بتنوين ، جعل (ما) في موضع نصب بدلا من (بَيِّنَةُ).

٣١٠

(مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ مَنْ) استفهامية مبتدأ ، و (أَصْحابُ الصِّراطِ) خبره. ولا يجوز أن تكون (مَنْ) اسما موصولا بمعنى الذي ؛ لأنه ليس في الكلام الذي بعدها عائد يعود إليه ، والجملة في موضع نصب ب (فَسَتَعْلَمُونَ).

البلاغة :

(فَتَرَبَّصُوا) وعيد وتهديد.

(أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) جناس اشتقاق.

المفردات اللغوية :

(وَقالُوا) أي المشركون. (لَوْ لا) هلا. (يَأْتِينا) محمد (بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) بمعجزة يقترحونها تدل على صدقه في ادعاء النبوة ، كناقة صالح ، وعصا موسى ، وإبراء عيسى الأكمه والأبرص ، فألزمهم بإتيانه بالقرآن الذي هو أم المعجزات وأعظمها وأتقنها ؛ لأن حقيقة المعجزة : اختصاص مدّعي النبوة بنوع من العلم أو العمل ، على وجه خارق للعادة ، ولا شك أن العلم أصل العمل وأعلى منه قدرا ، وأبقى أثرا ، والقرآن محقق لذلك.

ونبههم أيضا على وجه أبين من وجوه إعجاز القرآن : وهو الإخبار عن الأمم السابقة ، فقال : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية ، فإن اشتماله على خلاصة ما فيها من العقائد والأحكام الكلية ، مع أن الآتي بها أمي ، لم يرها ولم يتعلم من علمائها ، إعجاز بين ؛ وفيه إشعار بأنه كما يدل على نبوته ، برهان لما تقدمه من الكتب ، من حيث إنه معجز ، وهي ليست كذلك ، بل هي مفتقرة إلى ما يشهد بصحتها.

فقوله : (بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي بيان ما اشتملت عليه ، وأخبار الأمم الماضية التي أهلكت بتكذيب الرسل ، في القرآن.

(مِنْ قَبْلِهِ) قبل محمد الرسول. (لَقالُوا) يوم القيامة. (لَوْ لا) هلا. (آياتِكَ) المرسل بها. (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ) نهان في الدنيا بالقتل والسبي. أو في القيامة. (وَنَخْزى) نفتضح بدخول النار جهنم يوم القيامة.

(قُلْ : كُلٌ) قل لهم : كل واحد منا ومنكم. (مُتَرَبِّصٌ) منتظر ما يؤول إليه الأمر. (فَسَتَعْلَمُونَ) في القيامة. (الصِّراطِ السَّوِيِ) الطريق المستقيم. (وَمَنِ اهْتَدى) من الضلالة ، أنحن أم أنتم؟!

٣١١

المناسبة :

بعد أن أمر الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر على ما يقوله المشركون ، وأمره بأن يعدل إلى التسبيح والتحميد ، وأتبع ذلك بنهيه عن مدّ عينيه إلى ما متع به القوم ، ذكر هنا بعض أقاويلهم الباطلة ، ومنها ادعاؤهم أن القرآن ليس بحجة ولا معجزة تدل على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أوضح لهم أنهم يوم القيامة سيعترفون بأنه آية بيّنة ، وأنه لو أهلكناهم لطلبوا إرسال ، ثم هددهم وأوعدهم بما سيؤول إليه الأمر في المستقبل ، ويتميز المحق من المبطل.

التفسير والبيان :

كان المشركون يكثرون من اقتراح الآيات على النبي للتعجيز والعناد والمضايقة بسبب عدم إيمانهم ، وعدم الاكتفاء بالمعجزات التي يرونها ، فقال تعالى واصفا تعنتهم :

(وَقالُوا : لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ ، أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي وقال الكفار المشركون : هلا يأتينا محمد بآية من ربه دالة على صدقه في أنه رسول الله ، كما كان يأتي بها من قبله من الأنبياء ، من الآيات التي اقترحناها عليه؟ مثل ناقة صالح وعصا موسى ، وإحياء عيسى الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فأجابهم الله : ألم يأتهم القرآن المعجزة الباقية الخالدة ، وهو البينة والشاهد على صحة ما في الكتب المتقدمة ، كالتوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب المنزلة المشتملة على العقيدة والأحكام التشريعية ، وفيها التصريح بنبوته والتبشير به ، فإن هذه الكتب المنزلة هم معترفون بصدقها وصحتها ، وفيها ما يدفع إنكارهم لنبوته ، ويبطل تعنتاتهم وتعسفاتهم؟!

ونظير الآية قوله تعالى : (وَقالُوا : لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ، قُلْ : إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ ، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ

٣١٢

يُتْلى عَلَيْهِمْ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت ٢٩ / ٥٠ ـ ٥١].

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».

وقد ذكر هاهنا أعظم الآيات التي أعطيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القرآن وإلا فله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المعجزات ما لا يحد ولا يحصر.

وسيعترف المشركون يوم القيامة بأن القرآن آية بينة كما قال تعالى :

(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ ، لَقالُوا : رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً ، فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) أي ولو أنا أهلكنا هؤلاء المكذبين قبل بعثة هذا الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنزال هذا الكتاب العظيم ، لقالوا يوم القيامة : يا ربنا هلا كنت أرسلت إلينا رسولا في الدنيا ، حتى نتبع آياتك التي يأتي بها الرسول من قبل أن نذل بالعذاب في الدنيا ونخزى بدخول النار؟ والآية دليل على أن التكليف والعقاب لا يكون قبل مجيء الشرع.

والحق أن هؤلاء المكذبين متعنتون معاندون ، لا يؤمنون ولو جاءتهم الآيات تترى ، كما قال تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها ، قُلْ : إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ. وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ ، كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام ٦ / ١٠٩ ـ ١١٠].

(قُلْ : كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ ، فَتَرَبَّصُوا ، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) أي قل يا محمد لهؤلاء الذين كذبوك وخالفوك واستمروا على كفرهم وعنادهم : كل واحد منا ومنكم منتظر لما يؤول إليه الأمر ، فانتظروا أنتم ، فستعلمون عن قريب في عاقبة الأمر ، من هو على الطريق الحق المستقيم ، أنحن

٣١٣

أم أنتم؟ وستعلمون من المهتدي من الضلالة ، البعيد عن الغواية ، السائر على منهج الحق والرشاد؟

وهذا كقوله تعالى : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان ٢٥ / ٤٢] وقوله سبحانه : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) [القمر ٥٤ / ٢٦].

والآية التي ختمت بها السورة مشتملة على وعيد وتهديد وزجر للكفار ، وهي مناسبة لبدء السورة المتضمن قيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغ رسالته حتى أتعب نفسه ، وما على أهل البلاغ إلا الطاعة ، فإن أطاعوا نجوا ، وإن أعرضوا هلكوا ، وسيتبين لهم الحق من الباطل ، وقد تبين لجماعات كثيرة من الكفار في التاريخ خطؤهم وسوء حالهم وعاقبة كفرهم.

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى ما يأتي :

١ ـ تكاثرت اقتراحات الكافرين من أهل مكة بأن يأتيهم محمد بآية تدل عيانا على الإيمان ، أو علامة ظاهرة حسا كالناقة والعصا ، أو آيات يقترحونها هم كما أتى الأنبياء من قبله.

٢ ـ كان الرد القرآني الحاسم عليهم أنه يكفيهم هذا القرآن العظيم المعجزة الخالدة ، وهو المهيمن على الكتب السماوية السابقة ، والمعبر عما كان فيها من عقائد وحكم وأحكام وآداب. بل إن تلك الكتب الماضية تضمنت العلامة الدالة على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما وجدوه في الكتب المتقدمة من البشارة.

٣ ـ لو أهلك الله الكفار قبل بعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزول القرآن ، لقالوا يوم القيامة : ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا ، حتى نتبع آياتك من قبل هذا الذل

٣١٤

بالعذاب في الدنيا والخزي بدخول النار؟! وكون القول يوم القيامة ؛ لأن الهالك لا يصح أن يقول ، ولذلك قال : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) وهو لا يليق إلا بعذاب الآخرة. والآية دليل على أنه لا عقاب قبل الشرع.

٤ ـ هدد الله الكفار بما ينتظرهم من العذاب وما يؤول إليه أمرهم ، فإن كان كل فريق من المؤمنين والكافرين منتظرا دوائر الزمان ولمن يكون النصر ، فسيعلم الكفار أن النصر سيكون لمن اهتدى إلى دين الحق.

٣١٥

فهرس

الجزء السادس عشر

 الموضوع

 الصفحة

تتمة قصة موسى مع الحضر....................................................... ٥

قصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج................................................ ١٨

جزاء الكفار................................................................... ٣٣

جزاء المؤمنين وسعة معلومات الله وتوحيده.......................................... ٣٩

سورة مريم...................................................................... ٤٦

تسميتها ومناسبتها لما قبلها وما اشتملت عليه السورة................................ ٤٦

فضلها........................................................................ ٤٨

دعاء زكريا عليه‌السلام................................................................ ٥١

إبتاء يحيى عليه‌السلام النبوة والحكم صبيا................................................ ٦١

قصة يحيى عليه‌السلام................................................................ ٦٢

قصة مريم...................................................................... ٦٦

١ ـ حملها بعيسى عليه‌السلام....................................................... ٦٦

٢ ـ ولادة عيسى وما اقترن بها.................................................. ٧٤

٣ ـ نبوة عيسى ونطقه وهو طفل في المهد........................................ ٨٠

أضواء على قصة عيسى عليه‌السلام.................................................... ٨٩

٣١٦

الأناجيل...................................................................... ٩١

إنجيل برنابا.................................................................... ٩٢

رسالة عيسى................................................................... ٩٢

الحواريون...................................................................... ٩٤

معجزات عيسى................................................................ ٩٤

وفاة المسيح.................................................................... ٩٤

الثالوث عند النصارى........................................................... ٩٥

قصة إبراهيم عليه‌السلام أو مناقشة لأبيه في عبادة الأصنام.............................. ١٠١

إسحاق عليه‌السلام................................................................ ١٠٤

يعقوب عليه‌السلام................................................................. ١٠٤

قصة موسى عليه‌السلام............................................................. ١١٣

أضواء على قصة إسماعيل الذبيح................................................ ١١٧

إسماعيل وأمه هاجر في مكة.................................................... ١١٩

بناء البيت................................................................... ١٢٠

حياة إسماعيل وأولاده.......................................................... ١٢٠

قصة إدريس وأولاده........................................................... ١٢٠

جملة صفات الأنبياء عليهم السلام.............................................. ١٢٦

صفات خلف الأنبياء وجزاءهم وصفات النابين ومستحقي الجنة..................... ١٢٩

تنزل الوحي بأمر الله تعالى...................................................... ١٣٦

شبه المشركين في إنكار البعث.................................................. ١٤١

شبهة أخرى للمشركين بحسن الحال في الدنيا...................................... ١٤٨

مقالة المشركين في البعث والحشر استهزاء وطعنا.................................... ١٥٥

٣١٧

الرد على عباد الأصنام بصيرورتهم لهم أعداء واتخاذهم الشياطين أولياء............. ١٥٨

الرد على من نسب الولد إلى الله تعالى........................................ ١٦٥

محبة المؤمنين وتيسير الذكر المبين وإهلاك المجرمين................................ ١٦٩

سورة طه.................................................................. ١٧٤

التسمية ومناسبتها لما قبلها وما اشتملت عليه السورة............................ ١٧٤

القرآن سبب السعادة....................................................... ١٧٦

إسلام عمر................................................................ ١٨٢

قصة موسى عليه‌السلام.......................................................... ١٨٥

١ ـ تكليم ربه إياه أو مناجاة موسى وابتداء الوحي إليه في الوادي المقدس........... ١٨٥

٢ ـ انقلاب عصا موسى حية (المعجزة الأولى).................................. ١٩٥

٣ ـ اليد البيضاء (المعجزة الثانية)............................................. ٢٠٠

٤ ـ نعم الله الثمان على موسى قبل النبوة...................................... ٢٠٦

٥ ـ التوجيهات لموسى وهارون في دعوة فرعون.................................. ٢١٣

٦ ـ الحوار بين فرعون وموسى حول الربوبية..................................... ٢٢٠

٧ ـ اتهام موسى بالسحر..................................................... ٢٣٩

٨ ـ جمع فرعون السحرة وتحذير موسى لهم..................................... ٢٣٣

٩ ـ جمع فرعون السحرة وإعلان إيمانهم بالله تعالى............................... ٢٣٨

١٠ ـ إغراق فرعون وجنوده في البحر ونعم الله على بني إسرائيل................... ٢٥٣

١١ ـ تكليم الله موسى في الميقات وفتنة السامري بصناعة العجل إلها.............. ٢٥٩

١٢ ـ معاتبة موسى لهارون على تأليه العجل والقأئه في البحر وتوحيد.............. ٣٦٧

الإله الحق

لعبرة من القصص القرآن وجزاء المعرض عن القرآن................................ ٢٧٨

أحوال الأرض والجبال والناس يوم القيامة......................................... ٢٨٣

٣١٨

عربية القرآن ووعده التعجل بقراءته قبل إتمام الوحي............................... ٢٨٨

قصة آدم في الجنة وإخراجه منها وإلزامه بالهداية الربانية............................. ٢٩٢

الاعتبار بهلاك الأمم الماضية والصبر على أذى المشركين وعدم الالتفات.............. ٣٠٢

إلى متعهم وأمر الأهل بالصلاة

اقتراح المشركين الإتيان بمعجزة أو إرسال رسول وتهديدهم مجال المستقبل............... ٣١٠

٣١٩