التفسير المنير - ج ١٥

الدكتور وهبة الزحيلي

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي لقد بينا للناس ، ورددنا البيان وكررناه على وجوه مختلفة ، وألوان متعددة ، وعبارات متنوعة ، مرة بالإيجاز ، وأخرى بالإطناب ، وذكرنا لهم الحجج والبراهين القاطعة ، وأوضحنا الحق وشرحناه ، وأتينا بالآيات والعبر ، والترغيب والترهيب ، والأوامر والنواهي ، والحكم والتشريع ، وقصص الأولين ، والجنة والنار والقيامة ، للعظة والعبرة.

فقوله (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي من كل معنى ، هو كالمثل في غرابته وحسنه ومع ذلك (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) أي فأبى أكثر الناس ، أي أهل مكة وأمثالهم إلا جحودا وإنكارا للحق ، وردا للصواب ، وبقاء على الكفر.

فقه الحياة أو الأحكام :

تبين الآيات مدى فضل الله ونعمته على نبيه بإنزال القرآن عليه وحفظه في صدره وتثبيته في المصاحف ، وانتفاع أمته به إلى يوم القيامة. وكما أن الله قادر على إنزاله ، قادر على إذهابه حتى ينساه الخلق ، ولكن لم يشأ الله ذلك رحمة منه بعباده.

ومن فضل الله على نبيه أيضا أن جعله سيد ولد آدم ، وأعطاه المقام المحمود ، كما أعطاه الكتاب العزيز.

والقرآن هو المعجزة الباقية ، والحجة الدائمة التي تحدى الله بها العرب كلهم ، فعجزوا عن الإتيان بمثله ، وهم فرسان الفصاحة ، وأئمة البلاغة والبيان ، ولم تنقصهم ثقافة الحياة بدليل المأثور عنهم في الجاهلية من الحكم والمعاني والقيم الإنسانية في النثر والخطابة والشعر.

فو الله لئن تعاونوا مع البشر قاطبة ومع الجن ، وكان بعضهم لبعض معينا ونصيرا ، كما يتعاون الشعراء على بيت شعر ، لا يستطيعون الإتيان بمثل القرآن ،

١٦١

وهذا تكذيب للكفار حين قالوا : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [الأنفال ٨ / ٣١].

فظل القرآن هو المعجزة الباقية الناطقة بأنه من عند الله تعالى ، وأنه وحي منه لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه حجة الله على خلقه إلى يوم القيامة ، فمن آمن به نجا ، ومن كفر به خسر وهلك.

وكان بيان القرآن شاملا لكل شيء من شؤون الحياة ، شافيا بلسم كل معذب ومحروم ، موضحا كل ما يحتاجه البشر من قضايا الدين والدنيا والآخرة ، مبينا الحق الأبلج ، فأبى أهل مكة وأشباههم إلا الكفر بعد بيان الحق وتمييزه من الباطل ، مع قدرتهم على طلب الحق ومعرفة الصواب.

اقتراح المشركين إنزال إحدى آيات ست

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣))

الإعراب :

(كِسَفاً) جمع كسفة ، جمع تكسير ، نحو كسرة وكسر ، وقطعة وقطع ، وسدرة وسدر.

وقرئ كسفا فهو اسم جنس كثمرة وثمر ، ودرّة ودرّ ، وبرّة وبرّ ، ونحو ذلك مما يفرق بين واحده وجمعه التاء.

(قَبِيلاً) مقابلا فهو حال من الله ، وحال الملائكة محذوفة ، لدلالتها عليها ، فإن كان بمعنى جماعة فيكون حالا من الملائكة.

١٦٢

البلاغة :

(تَفْجِيراً رَسُولاً) سجع.

المفردات اللغوية :

(فَتُفَجِّرَ) تجريها بقوة (يَنْبُوعاً) عينا ينبع منها الماء دون أن ينضب (جَنَّةٌ) بستان تغطي أشجاره الأرض (خِلالَها) وسطها (كِسَفاً) جمع كسفة ، كقطع وقطعة ، لفظا ومعنى (قَبِيلاً) مقابلة وعيانا ، والمراد رؤيتهم عيانا ، أو جماعة فيكون حالا من الملائكة.

(زُخْرُفٍ) ذهب ، وأصله : الزينة (تَرْقى) تصعد (فِي السَّماءِ) على السلم (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) لو رقيت فيها (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا) منها (كِتاباً) فيه تصديقك (قُلْ) لهم (سُبْحانَ رَبِّي) تعجب (هَلْ) ما (كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) كسائر الرسل ، فهم لم يكونوا يأتون بآية إلا بإذن الله تعالى.

سبب النزول :

أخرج ابن جرير عن ابن عباس : أن رؤساء قريش اجتمعوا عند الكعبة ، فقالوا : ابعثوا إلى محمد ، فكلّموه وخاصموه ، حتى تعذروا فيه ، فبعثوا إليه : إن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك ، فجاءهم سريعا ـ وكان حريصا على رشدهم ـ فقالوا :

ـ يا محمد ، إنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وسفّهت الأحلام ، وفرّقت الجماعة ، فإن كنت إنما جئت بهذا لتطلب مالا ، جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالا.

ـ وإن كنت إنما تطلب الشّرف فينا ، سوّدناك علينا.

ـ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا (١) ، بذلنا أموالنا في طلب الطّب حتى

__________________

(١) رئيا : أي تابعا من الجن.

١٦٣

نبرئك منه ، أو نعذر فيك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما بي ما تقولون ، ما جئتكم أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردّوه علي أصبر لأمر الله ، حتى يحكم الله بيني وبينكم».

فقالوا : يا محمد ، إن كنت غير قابل منا ما عرضنا ، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا ، ولا أشدّ عيشا منا ، فسل ربك يسيّر لنا هذه الجبال ، ويجري لنا أنهارا ، ويبعث من مضى من آبائنا ، حتى نسألهم أحقّ ما تقول؟ وسله أن يجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ، تغنيك عنا.

فأنزل الله : (وَقالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الآيات (١).

وفي لفظ : فأنزل عليه ما قال له عبد الله بن أبي أمية.

وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن سعيد بن جبير في قوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) : قال : نزلت في أخي أم سلمة : عبد الله بن أبي أمية ، مرسل صحيح شاهد لما قبله ، يجبر المبهم في إسناده.

المناسبة :

بعد ما تحدى الله المشركين بأن يأتوا بمثل هذا القرآن ، وبعد ما ألزمهم الحجة ، وغلبوا على أمرهم ، ببيان إعجاز القرآن ، مع ظهور معجزات أخرى غيره ، فتبين عجزهم عن ذلك ، وإعجاز القرآن ، أخذوا يتعللون ، ويقترحون آيات أخرى تعنتا وحيرة ، فطلبوا إحدى آيات ست.

__________________

(١) أسباب النزول للواحدي ١٦٨ وما بعدها ، بإيجاز وتصرف ، وأسباب النزول للسيوطي بهامش تفسير الجلالين.

١٦٤

التفسير والبيان :

بعد أن أثبت الله تعالى كون القرآن معجزا ؛ لأنه كلام الله ، فأثبت بذلك كون محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيا صادقا ، وبعد أن أخرستهم الحجة ، ولم يجدوا ردا مقنعا ، راوغ رؤساء قريش باقتراح إنزال إحدى ستة أنواع من المعجزات فقالوا :

١ ـ (وَقالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ ..) أي وقال زعماء مكة وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب وأبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وأبو البختري : لن نصدق برسالتك حتى تخرج لنا من الأرض ينبوعا يتدفق. وهو العين الجارية ، فإننا في صحراء مجدبة قاحلة من أرض الحجاز ، وذلك سهل على الله تعالى يسير.

٢ ـ (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ..) أو يكون لك بستان من نخيل وأعناب وغيرهما تتدفق فيه الأنهار تدفقا بقوة ، حتى يسقى الزرع والشجر وتخرج الأثمار.

٣ ـ (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) أو تسقط السماء علينا قطعا قطعا كما زعمت أن ربك يفعل ذلك إن شاء ، ونظيره آية أخرى : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال ٨ / ٣٢] لأنك وعدتنا أن السماء تنشق يوم القيامة ، وتتساقط أطرافها ، فعجّل ذلك في الدنيا ، وأسقطها كسفا ، أي قطعا. وهذا مشابه لما طلبه قوم شعيب إذ قالوا : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الشعراء ٢٦ / ١٨٧].

٤ ـ (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) أو تأتي بالله والملائكة معاينة ومواجهة ، فيحدثونا بأنك رسول من عند الله ، والمعنى : أو تأتي بالله قبيلا ، وبالملائكة قبلا أي بأصناف الملائكة قبيلا قبيلا. كما في قوله تعالى : (لَوْ لا أُنْزِلَ

١٦٥

عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) والقبيل : الكفيل الضامن يضمنون لنا إتيانك به ، أو الشاهد (الشهيد).

٥ ـ (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) أو أن يكون لك بيت من ذهب ، كما في قراءة ابن مسعود ، فإنك يتيم فقير.

٦ ـ (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ ..) أو أن تصعد في السماء على سلّم تضعها ، ثم ترقى عليه ، ونحن ننظر ، ثم تأتي بصك معه أربعة ملائكة يشهدون لك أن الأمر كما تقول ، أو تأتي بكتاب فيه تصديقك أنك رسول من عند الله ، ونقرؤه كعادتنا.

(قُلْ : سُبْحانَ رَبِّي ، هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) قل يا محمد متعجبا من اقتراحاتهم : تنزه ربي وتقدس أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته ، فهو الفعال لما يشاء ، وما أنا إلا رسول بشر كسائر الرسل أبلّغكم رسالات ربي ، وأنصح لكم ، وليس للرسل أن يأتوا بشيء إلا بما يظهره الله على أيديهم على وفق الحكمة والمصلحة ، وأمركم فيما سألتم إلى الله عزوجل ، إن شاء أجابكم وإن شاء لم يجبكم.

بل إنهم لن يؤمنوا ولو جاءت الآيات كما اقترحوا ، كما ذكر تعالى في آية أخرى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس ١٠ / ٩٦ ـ ٩٧].

فقه الحياة أو الأحكام :

إن ضعفاء العقول ومحدودي التفكير يظنون أن الإله يفعل لهم ما يريدون ، كما يحاول زعماء البشر من استرضاء الأتباع ، لتحقيق المصالح المادية وجلب المنافع ، وتسيير الأمور.

ثم إن طلبهم مقرون بالتحدي والمراوغة والتعجيز ، لا من أجل التوصل إلى

١٦٦

التصديق والإيمان ، ومعرفة حقيقة النبوة ؛ إذ لو أرادوا معرفتها بحق لأقنعهم القرآن المعجزة ولكفاهم آية على تصديق هذا النبي.

إنهم طلبوا إحدى آيات ست :

إما تفجير الينابيع (العيون الغزيرة) بكثرة من الأرض ـ أرض مكة ، وإما تملك الرياض والبساتين والحدائق الغناء تجري الأنهار وسطها ، وإما إسقاط السماء عليهم قطعا قطعا ، كما زعم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعنون قول الله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ ، أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) [سبأ ٣٤ / ٩] ، وإما الإتيان بالله والملائكة معاينة ومواجهة ، كفيلا بما تقول ، شاهدا بصحته ، وإما أن يكون لك بيت أو قصر من ذهب ، وإما الصعود في معارج السماء ، ولن نؤمن من أجل رقيك أو صعودك ، حتى تنزل علينا كتابا من السماء فيه تصديقك ، أي كتابا من الله تعالى إلى كل رجل منا ؛ كما قال تعالى : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) [المدثر ٧٤ / ٥٢].

فرد الله عليهم بالجواب الحاسم : قل يا محمد : (سُبْحانَ رَبِّي) أي تنزيها لله عزوجل عن أن يعجز عن شيء ، وعن أن يعترض عليه في فعل. وقيل : هذا كله تعجب من فرط كفرهم واقتراحاتهم.

فما أنا إلا بشر رسول أتبع ما يوحى إليّ من ربي ، ويفعل الله ما يشاء من هذه الأشياء التي ليست في قدرة البشر ، فهل سمعتم أحدا من البشر أتى بهذه الآيات؟!

والخلاصة : أن التدبير ليس إلى الناس ، وإنما التدبير إلى الله تعالى.

١٦٧

من شبهات المشركين بشرية الرسل وإنكار البعث

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠))

الإعراب :

(فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ مَلائِكَةٌ) : اسم (كانَ) المرفوع ، و (يَمْشُونَ) : جملة فعلية صفة له. و (فِي الْأَرْضِ) خبر (كانَ) ، و (مُطْمَئِنِّينَ) : حال.

(مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) مبتدأ وخبر (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) جملة حالية من (جَهَنَّمُ) ولا يجوز أن تكون صفة ؛ لأن (جَهَنَّمُ) معرفة ، والجملة لا تكون إلا نكرة ، والمعرفة لا توصف

١٦٨

بالنكرة. ويجوز ألا يكون لهذه الجملة موضع من الإعراب ، وتكون الواو العاطفة مقدّرة ، أي : وكلما خبت.

(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ) مبتدأ وخبر و (بِأَنَّهُمْ) في موضع نصب ؛ لأنه يتعلق بجزاؤهم (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ أَنْتُمْ) : مرفوع بفعل مقدر ، يفسره (تَمْلِكُونَ) أي لو تملكون ، فلما حذف الفعل ، صار الضمير المرفوع المتصل في (تَمْلِكُونَ) ضميرا منفصلا ، وهو (أَنْتُمْ) ولا يجوز أن يكون (أَنْتُمْ) مبتدأ ؛ لأن لو حرف يختص بالأفعال كإن الشرطية.

و (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) مفعول لأجله.

البلاغة :

(أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) استفهام إنكاري.

(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) التفات من الغيبة إلى التكلم ، اهتماما بأمر الحشر.

(مَنْ يَهْدِ وَمَنْ يُضْلِلْ) بينهما طباق.

المفردات اللغوية :

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) أي وما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي وظهور الحق (إِلَّا أَنْ قالُوا) إلا قولهم منكرين (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) أي لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن إلا إنكارهم أن يرسل الله بشرا ، ولم يبعث ملكا.

(قُلْ) لهم جوابا لشبهتهم (لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ) بدل البشر (مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ) كما يمشي بنو آدم (مُطْمَئِنِّينَ) ساكنين فيها مقيمين (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) لتمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه ، فلم يرسل الله إلى قوم رسولا إلا من جنسهم يمكنهم مخاطبته والفهم عنه (شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) على صدقي وعلى أني رسول إليكم ، بإظهار المعجزة على وفق دعواي (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) عالما ببواطنهم وظواهرهم. وفيه تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتهديد للكفار.

(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ) يهدونهم من دونه ، والمعنى : ومن يهديه الله إلى الخير فهو المهتدي الموفق ؛ لأن نفسه ميّالة إلى ذلك ، ومن يضلله الله ويخذله ، لإعراضه عن هداية ربه ، فلن تجد له أولياء من دون الله يتولون أمره ، ويدافعون عنه.

(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) أي يسحبون عليها تجرهم الزبانية من أرجلهم إلى جهنم ، أو يمشون بها ، روى الشيخان عن أنس أنه قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف يمشون على

١٦٩

وجوههم؟ قال : «إن الذي أمشاهم على أقدامهم ، قادر على أن يمشيهم على وجوههم». وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم.

(عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) قال البيضاوي : لا يبصرون ما يقر أعينهم ، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ، ولا ينطقون بما يقبل منهم ؛ لأنهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات والعبر ، وتصاموا عن استماع الحق ، وأبوا أن ينطقوا بالصدق. ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار معطّلي القوى والحواس.

(كُلَّما خَبَتْ) سكن لهبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم (زِدْناهُمْ سَعِيراً) توقدا وتلهبا واشتعالا ، بأن تبدل جلودهم ولحومهم ، فتعود ملتهبة مستعرة «ورفاتا» ما بلي من الشيء.

(أَوَلَمْ يَرَوْا) يعلموا فهي رؤية القلب ، وهو استفهام إنكار وتوبيخ لهم على ما كانوا يستبعدونه من الإعادة بعد الإفناء (قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) فإنهم ليسوا أشد خلقا منهم ، وليست الإعادة أصعب عليه من الإبداء (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً) للموت والبعث (فَأَبَى الظَّالِمُونَ) مع وضوح الحق (إِلَّا كُفُوراً) إلا جحودا (خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) خزائن رزقه وسائر نعمه ، والمطر من أهم المصادر (لَأَمْسَكْتُمْ) لبخلتم (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) خوف نفادها بالإنفاق (قَتُوراً) بخيلا.

المناسبة :

بعد أن أنكر المشركون الآية الباقية التي هي القرآن وسائر الآيات ، وليست بدون ما اقترحوه ، بل هي أعظم ، أخبر الله تعالى عن السبب الواهي الضعيف الذي منعهم من الإيمان ، وهو استبعاد أن يبعث الله رسولا إلى الناس واحدا بشرا منهم ، ولم يكن ملكا. فهذه شبهة أخرى وهي استبعاد كون الرسل بشرا ، بعد الرد عليهم بأن وظيفة الرسل إبلاغ الناس ، وليس تلبية اقتراح الآيات ، ثم الرد على شبهتهم بأن الرسول يكون عادة من جنس المرسل إليهم.

ثم ذكر شبهة أخرى أيضا وهي إنكار البعث ، ولما أنكروا البعث ، نبّههم تعالى على عظيم قدرته وباهر حكمته ، بخلق السموات والأرض.

ولما طلب المشركون إجراء الأنهار والعيون في بلدهم لتكثر أقواتهم وتتسع عليهم ، بيّن تعالى أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله ، لبقوا على بخلهم وشحهم ، ولما أقدموا على نفع أحد.

١٧٠

التفسير والبيان :

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا ...) أي وما منع أكثر الناس ومنهم مشركو مكة أن يؤمنوا بالله ، ويتبعوا الرسل ، حين مجيء الوحي المعجز الذي يستهدف الهداية والإسعاد والنجاة إلا استغرابهم وتعجبهم من بعثة البشر رسلا ، غير متصورين كون الرسول من جنس البشر المرسل إليهم ، وأنه كان لا بد من أن يكون من الملائكة ، وهذا تحكم فاسد وتعنت باطل. والآية مثل قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) [يونس ١٠ / ٢] وقوله سبحانه : (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ، فَقالُوا : أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا)؟ [التغابن ٦٤ / ٦]. والآيات في هذا كثيرة.

ثم أجابهم الله تعالى منبها على لطفه ورحمته بعباده ، وعلى منطق الأمور ، فقال : (قُلْ : لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ ..) أي قل لهم يا محمد : إن مقتضى الحكمة ومنطق الأشياء والرحمة بالناس أن يبعث إليهم الرسول من جنسهم ، ليناقشهم ويخاطبهم ، ويفقهوا عنه ويفهموا منه ، فليس إرسال الرسول لمجرد إلقاء الموحى به إليه ، ولو كان الرسول ملكا لما استطاعوا مواجهته ، ولا الأخذ عنه ، فإن الشيء يألف لجنسه ، ويأنس به ، فطبيعة الملك لا تصلح للاجتماع بالبشر ، وعقد حوار معه حول أحكام التشريع وتبيان أصول العقيدة ، وأداء الرسالة ، كما قال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً ، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) [الأنعام ٦ / ٩].

بل إن إرسال الرسول من البشر نعمة وحكمة ومنّة عظمي ، لذا قال تعالى : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ ، يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا ، وَيُزَكِّيكُمْ ، وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ، وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة ٢ / ١٥١] وقال سبحانه : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [آل عمران ٣ / ١٦٤] وقال عزوجل : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة ٩ / ١٢٨].

١٧١

والخلاصة في معنى الآية : إنه لو كان في الأرض ملائكة يمشون عليها مطمئنين فيها ، كما أنتم أيها البشر فيها ، لنزلّنا عليهم من عالم السماء رسولا من جنسهم ، وأنتم البشر رسولكم منكم ، لكن يمكن أن يكون البشر رسولا لغير البشر ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول إلى الإنس والجن ؛ لأنه يمكنهم تلقي الوحي عنه وفهم الخطاب منه. وأما تلقي النبي الوحي من جبريل عليه‌السلام فهذا يتطلب استعدادا خاصا لا يتهيأ لغير نبي أو رسول.

ثم أرشد الحق تعالى إلى حجة أخرى هي :

(قُلْ : كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي إن القول الفصل بيني وبينكم ، وإقامة الحجة الدامغة عليكم أن الله شاهد علي وعليكم ، وحكم بيني وبينكم ، عالم بما جئتكم به ، فلو كنت كاذبا لانتقم مني أشد الانتقام ، كما قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة ٦٩ / ٤٤ ـ ٤٦] وقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [الأنعام ٦ / ٢١].

(إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي إن الله سبحانه عليم بأحوال عباده ، يعلم ظواهرهم وبواطنهم ، وخبير بمن يستحق الهداية ، ممن يستحق الضلالة ، مطلع على ما في قلوبهم ، فهم لا يذكرون هذه الشبهات إلا حسدا وحبا للزعامة ، وإعراضا عن قبول الحق. وفي ذلك تهديد ووعيد ، وإيناس للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يلقاه من صدود قومه وعنادهم.

ثم يخبر الله تعالى عن تصرفه في خلقه ونفوذ حكمه ، وأنه لا معقب له ، فقال : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ..) أي من يهده الله للإيمان فهو المهتدي إلى الحق ، ومن يضلل الله ، فلن تجد لهم أنصارا يهدونهم من دون الله إلى الحق والصواب.

والمقصود إيناس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن سبق لهم حكم الله بالإيمان والهداية ،

١٧٢

لعلمه السابق بأنهم صائرون لذلك لميل نفوسهم إلى الحق ، وجب أن يصيروا مؤمنين ؛ لأن علم الله لا يتغير ، ومن سبق لهم حكم الله بالضلال والجهل ، لما علم الله منهم سوء الاختيار ، والإصرار على الغواية والضلال ، استحال أن ينقلبوا عن ذلك الضلال ، كما قال تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [الكهف ١٨ / ١٧].

ولا يقصد بوجود العلم والحكم السابق إجبار البشر على الإيمان والكفر ، فإن الإنسان مختار في حدود ما اختاره الله له ، أي إن الإنسان ، وهو يختار بمشيئته فإنه في الحقيقة التي لا يعلمها لا يختار إلا ما اختاره الله له ، فلا مشيئة للإنسان ولا لشيء إلا ما يشاؤه الله. وهذه المشيئة الكلية والشاملة لله في كل شيء كفلت للإنسان حرية الاختيار بقين الأمرين ، كفلت مشيئة الله في عدله ورحمته أن يكون له «الخيار» بين الهدى والأمن مع الله ، أو الضلال والشك ، كما بيّن تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ : إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الدهر ٧٦ / ٣] (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد ٩٠ / ١٠].

(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) أي ونجمعهم يوم القيامة في موقف الحساب بعد الخروج من القبور ، مسحوبين على وجوههم ، كما قال تعالى : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) [القمر ٥٤ / ٤٨] عميا لا يبصرون ، بكما لا ينطقون ، صمّا لا يسمعون ، أي أنهم كما كانوا في الدنيا معطلين هذه الحواس عن الانتفاع الحقيقي بها ، وإن كانوا في الظاهر مبصرين ناطقين سامعين ، فهم في الآخرة لا يبصرون طريق النجاة الذي يقر أعينهم ، ولا ينطقون بما يقبل منهم ، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ، كما قال تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى ، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسراء ١٧ / ٧٢] قال ابن كثير : وهذا يكون في حال دون حال ، جزاء لهم كما كانوا في الدنيا ، بكما وعميا وصما عن الحق ، فجوزوا في محشرهم بذلك.

١٧٣

أخرج الشيخان وأحمد عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه أنه قال : «قيل : يا رسول الله ، كيف يحشر الناس على وجوههم؟ قال : الذي أمشاهم على أرجلهم ، قادر على أن يمشيهم على وجوههم».

وأخرج الترمذي : «إن الناس يكونون ثلاثة أصناف في الحشر : مشاة ، وركبانا ، وعلى وجوههم» وفي معناه أخرج الإمام أحمد عن حذيفة بن أسيد ، قال : قام أبو ذر فقال : يا بني غفار ، قولوا ولا تحلفوا ، فإن الصادق المصدوق حدثني : أن الناس يحشرون على ثلاثة أفواج : فوج راكبين طاعمين كاسين ، وفوج يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار».

(مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ، كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) أي منقلبهم ومصيرهم إلى جهنم ، كلما سكن لهيبها زدناهم لهبا ووهجا وجمرا ، بأن تأكل جلودهم ولحومهم وتفنيها ، فيسكن لهبها ، ثم يبدلون غيرها ، فترجع ملتهبة مستعرة ، ويتكرر الإفناء والإعادة ، ليزيد ذلك في تحسرهم على تكذيبهم بالبعث ، كما قال تعالى : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ ٧٨ / ٣٠].

وعلة تعذيبهم ما قال تعالى : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا ..) أي إن ذلك الجزاء والعقاب الذي جازيناهم به من البعث عميا وبكما وصمّا هو جزاؤهم الذي يستحقونه على كفرهم بالله تعالى ، وتكذيبهم آياته أي أدلته وحجته على وجوده ووحدانيته وعلى البعث ، وعلى قولهم منكرين وقوع البعث : أإذا كنا عظاما نخرة ورفاتا بالية وترابا منتشرا ، نعود خلقا جديدا آخر؟ أبعد ما صرنا إلى ما صرنا إليه من البلى والهلاك ، والتفرق والذهاب في أنحاء الأرض ، نعاد مرة ثانية؟

فنبههم الله على قدرته على البعث بأنه خلق السموات والأرض ، فقال :

١٧٤

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ..) أي ألم يعلموا ويتدبروا أن الذي أبدع خلق السموات والأرض على غير مثال سبق ، قادر على أن يخلق أمثالهم ، ويعيد أبدانهم ، وينشئهم نشأة أخرى ، كما بدأهم ، فقدرته على إعادتهم أسهل من ذلك : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر ٤٠ / ٥٧] ، (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) [النازعات ٧٩ / ٢٧] فدل هذا على أن خلق الإنسان أو إعادته أهون وأيسر من خلق السموات والأرض ، وأن الإعادة أهون عليه من الابتداء.

لكن للبعث والقيامة أو الموت وقتا محددا ، فقال تعالى : (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) أي وجعل لإعادتهم وإقامتهم من قبورهم أجلا معينا ، ومدة مقدرة ، لا بدّ من انقضائها ، وبعد مضي تلك المدة تكون القيامة أمرا محتما لا شكّ فيه.

(فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) أي وبالرغم من إقامة تلك الحجة الدامغة عليهم أبى الكافرون الظالمون أنفسهم إلا تماديا في باطلهم وضلالهم ، وجحودا للثابت الصحيح ، وإنكارا للبعث.

وسبب عدم إجابتهم لمطالبهم من القصور والجنات والعيون هو الشح ، فقال الله تعالى : (قُلْ : لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ..) أي قل لهم يا محمد : لو أنكم ملكتم التصرف في خزائن أرزاق الله لبقيتم على الشح والبخل ، ولأمسكتم عن الإنفاق ، أي الفقر ، كما قال ابن عباس ، أي خشية الزوال والذهاب والنفاد والفراغ ، مع أنها لا تفرغ ولا تنفذ أبدا ؛ لأن هذا من طباعكم وسجاياكم.

(وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) أي بخيلا منوعا ، كما قال سبحانه : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ ، فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) [النساء ٤ / ٥٣]. أي لو أن لهم نصيبا في ملك الله تعالى ، لما أعطوا أحدا شيئا ، ولا مقدار نقير ، وهو الخيط في

١٧٥

شق النواة ، وقال الله تعالى أيضا : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ، إِلَّا الْمُصَلِّينَ) [المعارج ٧٠ / ١٩ ـ ٢٢].

والآية دليل واضح على شح الإنسان وكرم الله تعالى وجوده وإحسانه ، جاء في الصحيحين : «يد الله ملأى ، لا يغيضها نفقة ، سحّاء ، الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يده».

فقه الحياة أو الأحكام :

يفهم من الآيات ما يأتي :

١ ـ إن كفار قريش قوم متكبرون معاندون ، فقالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مثلنا ، فلا يلزمنا الانقياد لك ، وغفلوا عن القرآن المعجزة الذي يثبت صدقه في رسالته.

وادعاؤهم أن الرسول لا يصلح أن يكون بشرا : ادعاء مردود عليهم ؛ لأن أداء الرسالة وما تقتضيه من إقناع ونقاش ، ومراعاة لموجب الحكمة والمصلحة أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم.

فالملك إنما يرسل إلى الملائكة ؛ لأنه لو أرسل الله تعالى ملكا إلى بني آدم لم يقدروا أن يروه على الهيئة التي خلق عليها ، وإنما أقدر الأنبياء على رؤيته ، وخلق فيهم ما يقدرون به ؛ ليكون ذلك آية لهم ومعجزة.

٢ ـ كفى بالله شاهدا ومصدقا يشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله ، يروى أن كفار قريش قالوا حين سمعوا قوله تعالى : (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء ١٧ / ٩٣] : فمن يشهد لك أنك رسول الله؟ فنزل (قُلْ : كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً).

١٧٦

٣ ـ لو شاء الله أن يهدي الكفار لاهتدوا ، فإن لم يهتدوا ، فإن لم يهتدوا بهدي الله تعالى ، لا يهديهم أحد.

٤ ـ يحشر الكفار يوم القيامة على وجوههم ، وفيه وجهان :

أحدهما ـ أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم ، كما يقول العرب : قدم القوم على وجوههم : إذا أسرعوا.

والثاني ـ أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم ، كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه ، قال القرطبي : وهذا هو الصحيح ؛ لحديث أنس المتقدم. فإنهم يحشرون عميا عما يسرّهم ، بكما عن التكلم بحجة مقبولة ، صما عما ينفعهم ، وهذا يدل على أن حواسهم باقية على ما كانت عليه. وقيل : إنهم يحشرون على الصفة التي وصفهم الله بها ، ليكون ذلك زيادة في عذابهم ، ثم يخلق ذلك لهم في النار ، فأبصروا ؛ لقوله تعالى : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) [الكهف ١٨ / ٥٣] ، وتكلموا ؛ لقوله تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان ٢٥ / ١٣] ، وسمعوا ؛ لقوله تعالى : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الفرقان ٢٥ / ١٢].

٥ ـ مأوى الكفار ومستقرهم ومقامهم جهنم ، كلما سكنت نارها ، زادها الله نارا تلتهب ، وسكون التهابها من غير نقصان في آلامهم ولا تخفيف عنهم.

٦ ـ ذلك العذاب جزاء كفرهم بآيات الله تعالى وحججه الدالة على وجوده وتوحيده ، وجزاء جحودهم وإنكارهم البعث إنكار تعجب من إعادة ما بلي من العظام ، وتفتت من الجسد ، وزالت معالمه ، وغفلوا عن أن الله هو الذي خلقهم أول مرة ، والإعادة أهون عليه من الابتداء ، كما قال الله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء ٢١ / ١٠٤] ، (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ، ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم ٣٠ / ٢٧].

١٧٧

ومع كل هذه الدلائل أبى المشركون الظالمون إلا جحودا بأجل القيامة وبآيات الله تعالى.

٧ ـ لو وسّع الله الرزق على العباد لبخلوا أيضا ، فإن قوله تعالى : (قُلْ : لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) أي خزائن الأرزاق والنعم (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) من البخل ، هو جواب قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء ١٧ / ٩٠] حتى نتوسع في المعيشة ، والمعنى : لو توسعتم لبخلتم أيضا ، وكان الإنسان قتورا أي بخيلا مضيّقا ، والآية على الصحيح عامة في المشركين وغيرهم.

الآيات التسع لموسى عليه‌السلام وصفة إنزال القرآن

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا

١٧٨

إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩))

الإعراب :

(تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ بَيِّناتٍ) إما وصف مجرور لآيات ، أو وصف منصوب لتسع.

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ، وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) الباء في (بِالْحَقِ) في الموضعين : إما متعلقة بالفعلين على جهة التعدي ، وإما أن الأولى حال من هاء (أَنْزَلْناهُ) والثانية حال من ضمير (نَزَلَ).

(وَقُرْآناً) إما منصوب بفعل مقدر ، وتفسيره (فَرَقْناهُ) أي فرقنا قرآنا فرقناه ، أو معطوف على قوله : (مُبَشِّراً وَنَذِيراً) على تقدير : وصاحب قرآن ، ثم حذف المضاف ، فيكون (فَرَقْناهُ) وصفا لقرآن. و (عَلى مُكْثٍ) : حال ، أي متمهلا مترفّقا.

البلاغة :

(مُبَشِّراً وَنَذِيراً) بينهما طباق.

(مَسْحُوراً مَثْبُوراً) بينهما جناس ناقص لتغير بعض الحروف.

(إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) بينهما مقابلة ، وفيهما سجع.

المفردات اللغوية :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) أي والله لقد أعطينا موسى تسع آيات واضحات الدلالة على نبوته ، وصحة ما جاء به من عند الله ، وهي العصا ، واليد البيضاء ، والطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، وهذه سبع باتفاق ، وأما الثنتان فقيل : انفلاق البحر ، والسنون ، وقيل : انفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل ، وقيل : انفلاق البحر ، وحل عقدة لسان موسى. وهما مرويان عن ابن عباس ، وقيل عن مجاهد وآخرين : السنون ، ونقص الثمرات. وقيل بغير ذلك كما ذكرنا في سورة الأعراف.

خمس منها ذكرت في سورة الأعراف : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ ، وَالضَّفادِعَ ، وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) [١٣٣] والباقي متفرقات.

١٧٩

وقيل : المراد بالآيات : الأحكام ، أخرج أحمد والبيهقي والطبراني والنسائي وابن ماجه : «أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبي فنسأله ، فأتياه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألاه عن قول الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) فقال : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة ، وأنتم يا يهود عليكم خاصة ألا تعدوا في السبت ، فقبّلا يده ورجله ، وقالا : نشهد إنك نبي ، قال : فما يمنعكما أن تسلما؟ قال : إن داود دعا ألا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود» قال الشهاب الخفاجي : وهذا هو التفسير الذي عليه المعوّل في الآية.

(فَسْئَلْ) يا محمد. (بَنِي إِسْرائِيلَ) عنه سؤال تقرير للمشركين على صدقك ، أو : فقلنا له : اسأل. (مَسْحُوراً) سحرت ، فأصبحت متخبط العقل مخبولا. (هؤُلاءِ) الآيات. (بَصائِرَ) بينات واضحات وعبرا ، ولكنك تعاند. (مَثْبُوراً) هالكا ، أو مصروفا عن الخير ، مطبوعا على الشر. (فَأَرادَ) فرعون. (أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) أن يخرج موسى وقومه وينفيهم من الأرض : أرض مصر ، أو الأرض مطلقا بالقتل والاستئصال.

(اسْكُنُوا الْأَرْضَ) التي أراد أن يستفزكم منها. (وَعْدُ الْآخِرَةِ) أي الساعة أو الدار الآخرة يعني قيام القيامة. (لَفِيفاً) جميعا أنتم وهم ، واللفيف : الجمع العظيم المختلط من الطائعين والعصاة وغيرهم. (فَرَقْناهُ) نزلناه مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة. (مُكْثٍ) مهل وتؤدة وتأن ليفهموه. (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) شيئا بعد شيء على حسب المصالح والحوادث.

(قُلْ) لكفار مكة. (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) تهديد لهم ووعيد. (مِنْ قَبْلِهِ) قبل نزوله ، وهم مؤمنو أهل الكتاب. (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر الله ، وشكرا لإنجازه وعده في تلك الكتب ببعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فترة من الرسل وإنزاله القرآن عليه. والمعنى : إن لم تؤمنوا به ، فقد آمن به من هو خير منكم ، وهم العلماء الذين قرءوا الكتب السابقة ، وعرفوا حقيقة الوحي ، وأمارات النبوة ، وتمكنوا من التمييز بين الحق والمبطل ، أو رأوا نعتك وصفة ما أنزل إليك في تلك الكتب. فالخرور : السقوط بسرعة ، والأذقان جمع ذقن : وهو مجتمع اللحيين.

(سُبْحانَ رَبِّنا) تنزيها له عن خلف الوعد. (سُبْحانَ) مخففة من الثقيلة. (كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) بإنزال القرآن وبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) عطف بزيادة صفة. (وَيَزِيدُهُمْ) القرآن. (خُشُوعاً) تواضعا لله.

المناسبة :

بعد أن حكى الله تعالى عن قريش تعنتهم في اقتراحهم وعنادهم للرسول

١٨٠