التفسير المنير - ج ١٤

الدكتور وهبة الزحيلي

والظاهر من مذهب مالك : أن الدباغ لا يطهر جلد الميتة ، ولكن يبيح الانتفاع به في الأشياء اليابسة ، ولا يصلّى عليه ، ولا يؤكل فيه. وأكثر المدنيين وأكثر أهل الحجاز والعراق على إباحة ذلك وإجازته ، للحديث المتقدم : «أيما إهاب دبغ فقد طهر».

وذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يجوز الانتفاع بجلود الميتة في شيء ، وإن دبغت ؛ لأنها كلحم الميتة ، واحتج بحديث عبد الله بن عكيم عند أبي داود : «ألا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب». وخالفه بقية الأئمة لحديث شاة ميمونة : الذي رواه عنها أبو داود والنسائي «لو أخذتم إهابها؟ فقالوا : إنها ميتة ، فقال : يطهرها الماء والقرظ».

والمشهور عند المالكية أن جلد الخنزير لا يدخل في الحديث ، ولا يتناوله العموم ، وكذلك الكلب عند الشافعي والأوزاعي وأبي ثور : لا يطهر بالدباغ إلا جلد ما يؤكل لحمه. أما جلد الكلب وما لا يؤكل لحمه فغير معهود الانتفاع به ، فلا يطهر.

٣ ـ دلت الآية الثانية على نعمة الظل والظلال : وهو كل ما يستظل به من البيوت والشجر ، وعلى نعمة الأكنان جمع كنّ : وهو الحافظ من المطر والريح وغير ذلك ، وهي المغاور والكهوف في الجبال ، يأوي إليها الناس في البراري ، ويتحصنون بها من الأمطار والسيول والأعاصير وغير ذلك.

ودلت أيضا على نعمة السرابيل أي القمص ، والدروع التي تقي الناس في الحرب.

وفي قوله تعالى : (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) دليل على اتخاذ العباد عدّة الجهاد ، ليستعينوا بها على قتال الأعداء.

ودل آخر الآية : (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) على إكمال نعم الله وأفضاله بإتمام نعمة الدين والدنيا والآخرة.

٢٠١

وكل هاتيك النعم لتكون سببا للانقياد والطاعة لله عزوجل ، شكرا على نعمه.

٤ ـ تشير الآية الثالثة إلى أن مهمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هي التبليغ ، وأما الهداية فإلى الله ، فإن أعرض الناس عن النظر والاستدلال والإيمان ، فعليهم تبعة إعراضهم.

٥ ـ الآية الرابعة صريحة في أن الكفار يعرفون أن النعم من عند الله ، ولكنهم ينكرونها بقولهم : إنهم ورثوا ذلك عن آبائهم ، أو بواسطة شفاعة الأصنام. ويعرفون نبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم يكذبونه ، ويعرفون نعم الله بأقوالهم وينكرونها بأفعالهم ، ولا يستعملونها في طلب رضوان الله تعالى.

وعيد المشركين وأحوالهم يوم القيامة

بعث الشاهد عليهم وعلى المؤمنين وعدم تخفيف العذاب ومضاعفته عليهم

وتكذيب المعبودات لهم

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)

٢٠٢

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩))

المفردات اللغوية :

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ) واذكر (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) جيل من الناس (شَهِيداً عَلَيْهِمْ) هو نبيهم يشهد لها وعليها بالإيمان والكفر يوم القيامة (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) في الاعتذار ؛ إذ لا عذر لهم ، أي إنهم يستأذنون فلا يؤذن لهم (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي الله (الَّذِينَ ظَلَمُوا) كفروا (الْعَذابَ) النار (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) العذاب (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) يمهلون ويؤخرون إذا رأوه.

(شُرَكاءَهُمْ) من الشياطين وغيرها الذين شاركوهم في الكفر بالحث عليه ، أو أوثانهم التي دعوها (نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) نعبدهم أو نطيعهم ، وهو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك ، أو التماس بأن يشطر عذابهم (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) أي قالوا لهم (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) أي أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله ، أو أنهم ما عبدوهم حقيقة ، وإنما عبدوا أهواءهم ، كقوله تعالى : (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) [القصص ٢٨ / ٦٣] (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) [مريم ١٩ / ٨٢] ولا يمتنع إنطاق الله الأصنام به.

(وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) أي استسلموا لحكمه ، بعد الاستكبار في الدنيا (وَضَلَّ عَنْهُمْ) غاب وضاع عنهم وبطل (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من أن آلهتهم ينصرونهم ويشفعون لهم ، حين كذبوهم وتبرؤوا منهم.

(وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي ومنعوا الناس عن دين الله وهو الإسلام ، والحمل على الكفر (زِدْناهُمْ عَذاباً) لصدهم (فَوْقَ الْعَذابِ) المستحق بكفرهم (يُفْسِدُونَ) بصدهم الناس عن الإيمان.

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ) واذكر (شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) هو نبيهم ، فإن نبي كل أمة بعث منهم (وَجِئْنا بِكَ) يا محمد (شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) قومك أو أمتك (الْكِتابَ) القرآن (تِبْياناً) بيانا (لِكُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه الناس من أمر الشريعة (وَهُدىً) من الضلالة (وَبُشْرى) بالجنة (لِلْمُسْلِمِينَ) خاصة ، وهم الموحدون الخاضعون لله.

٢٠٣

المناسبة :

بعد أن أوضح الله تعالى حال المشركين الذين عرفوا نعمة الله ثم أنكروها ، وأبان أن أكثرهم الكافرون ، أتبعه بالوعيد ، فذكر حالهم يوم القيامة وبعض مشاهدهم من شهادة نبيهم لهم أو عليهم ، وعدم تخفيف العذاب عنهم ومضاعفته عليهم ، وتكذيب المعبودات لهم أنهم شركاء لله ، أو أنهم ما عبدوهم حقيقة ، وإنما عبدوا أهواءهم.

ثم ذكر تعالى نوعا آخر من التهديدات المانعة من المعاصي : وهو إحضار شاهد على كل أمة ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاهد على أمته ، وأن من مزاياه بيان أحكام القرآن الذي هو هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين بالجنان.

التفسير والبيان :

يخبر الله تعالى عن شأن المشركين وأحوالهم يوم القيامة ، فيقول : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً).

أي واذكر أيها الرسول لهؤلاء المشركين يوم نبعث من كل أمة شاهدا عليهم ، وهو نبيهم يشهد عليهم بما أجابوه عما بلّغهم عن الله تعالى ، إما بالإيمان وإما بالكفر والعصيان ، كما قال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء ٤ / ٤١].

(ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ثم لا يسمح للكفار بالاعتذار والدفاع عن أنفسهم ، إذ لا حجة لهم ، ولأنهم يعلمون كذبهم في الاعتذار ، كقوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات ٧٧ / ٣٥].

وإيراد (ثُمَ) يدل على أن منعهم من الكلام والاعتذار أشد عليهم من شهادة نبيهم عليهم.

٢٠٤

(وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي ولا يطلب منهم العتاب ؛ إذ لا فائدة في العتاب مع سخط الله وغضبه ، فإن الرجل يطلب العتاب من خصمه إذا كان جازما أنه إذا عاتبه ، رجع إلى صالح العمل ، والآخرة دار جزاء لا دار تكليف وعمل ، ولا أمل في الرجوع إلى الدنيا.

(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ..) أي وإذا عاين الذين أشركوا وجحدوا نبوة الأنبياء العذاب ، فلا ينجو منهم أحد ، ولا يخفف عنهم من شدته ساعة واحدة ، ولا يمهل عقابهم ولا يؤخر عنهم ، بل يؤخذون بسرعة من الموقف بلا حساب ؛ لأنه فات وقت التوبة والإنابة ، وحان وقت الجزاء على الأعمال.

ونظير الآية قوله تعالى : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ، سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ، وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ ، دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً)(١)(، لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً ، وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) [الفرقان ٢٥ / ١٢ ـ ١٤] وقوله سبحانه : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) [الكهف ١٨ / ٥٣].

ثم أخبر تعالى عن تبري آلهة المشركين منهم في وقت أحوج ما يكونون إليها ، وهذا من بقية وعيد المشركين ، فقال : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ ..).

أي إذا شاهد المشركون بالله يوم القيامة شركاءهم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله في الدنيا ، ألقوا تبعة شركهم عليها ، وقالوا : هؤلاء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم وندعوهم من دونك ، قاصدين بذلك إحالة الذنب والإثم على هؤلاء الشركاء ، وهو شأن المتخبط في عمله ، كالغريق الذي يتمسك بما تقع يده عليه.

فرد الشركاء قائلين : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ ..) أي قالت لهم الآلهة :

__________________

(١) الثبور : الهلاك.

٢٠٥

كذبتم ، ما نحن أمرناكم بعبادتنا ، كقوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً ، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) [الأحقاف ٤٦ / ٥ ـ ٦] وقوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم ١٩ / ٨١ ـ ٨٢].

(وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) أي استسلم العابد والمعبود ، وأقروا لله بالربوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد ، وذلوا واستسلموا لله جميعهم ، فلا أحد إلا سامع مطيع ، كما قال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) [السجدة ٣٢ / ١٢]. وقال : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) [مريم ١٩ / ٣٨] أي ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ. وقال : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) [طه ٢٠ / ١١١] أي خضعت وذلت واستسلمت.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي وذهب عنهم افتراؤهم بنسبة الشركاء لله ، وأنها نصراء وشفعاء لهم ، كما حكى تعالى عنهم : (وَيَقُولُونَ : هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس ١٠ / ١٨] وذلك حين كذبوهم وتبرؤوا منهم.

وبعد ذكر وعيد الذين كفروا الضالين ، أتبعه بوعيد من ضم إلى كفره صد غيره عن سبيل الله ، من الضالين المضلين ، فقال : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا ..) أي الذين جحدوا النبوة وأشركوا بالله وكفروا بأنفسهم وحملوا غيرهم على الكفر ، وصدوا عن سبيل الله ، وهو الإيمان بالله ورسوله ، يضاعف الله عقابهم ، كما ضاعفوا كفرهم ، فهم في الحقيقة ازدادوا كفرا على كفر ، فاستحقوا عذابين : عذاب الكفر ، وعذاب الإضلال والإفساد ، والصد عن سبيل الله ، واتباع طريق الحق والإسلام ، كقوله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) [الأنعام ٦ / ٢٦] أي ينهون الناس عن اتباع محمد ، ويبتعدون هم منه أيضا.

٢٠٦

(بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) أي هذه الزيادة من العذاب بسبب الإفساد والصد. وهذا دليل على أن من دعا غيره إلى الكفر والضلال ، فقد عظم عذابه ، فكذلك إذا دعا إلى الدين الحق واليقين ، فقد عظم قدره عند الله تعالى.

والآية دليل على تفاوت الكفار في عذابهم ، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم ، كما قال تعالى : (قالَ : لِكُلٍّ ضِعْفٌ ، وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف ٧ / ٣٨].

ثم خصص الله تعالى بالذكر شهادة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أمته ، وهو نوع آخر من التهديد المانع من المعاصي ، فقال مخاطبا رسوله : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ..) أي واذكر أيها الرسول يوم نبعث في كل أمة (أي قرن وجماعة) نبيها يشهد عليها ، قطعا للحجة والمعذرة ، وجئنا بك شاهدا على هؤلاء أي أمتك ، بما أجابوك به عن رسالتك ، فيظهر لك الشرف الرفيع والمقام العظيم.

وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صدر سورة النساء ، فلما وصل إلى قوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء ٤ / ٤١] فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حسبك» فقال ابن مسعود رضي‌الله‌عنه : فالتفتّ ، فإذا عيناه تذرفان.

ثم أبان الله تعالى بمناسبة بيان شهادة النبي على أمته أنه أزاح علتهم فيما كلفوا ، فلم يبق لهم حجة ولا معذرة ، فقال :

(وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً ..) أي ونزلنا عليك أيها الرسول هذا القرآن تبيانا لكل شيء من العلوم والمعارف الدينية ، مما يحتاج إليه الناس في حياتهم ، وهدى للضالين ، ورحمة لمن صدّق به ، وبشرى لمن أسلم لله وجهه ، فأطاعه وأناب إليه ، بجنان الخلد والثواب العظيم.

٢٠٧

وبيان القرآن لأحكام التشريع حلاله وحرامه إما بالوحي نصا ومعنى مباشرة ، وإما بالوحي معنى وهو السنة التي فيها بيان آخر لمجمل القرآن ، كما قال تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل ١٥ / ٤٤] وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معديكرب : «إني أوتيت القرآن ومثله معه» ثم يأتي دور الاجتهاد في نطاق النصوص الشرعية ، وفي ضوء مبادئ التشريع ، وروح الشريعة العامة ، وضمن مقاصدها وأهدافها العامة. والاجتهاد يشمل كل مصادر التشريع الأخرى غير النصية من إجماع وقياس واستصلاح واستحسان وعرف وسد ذريعة واستصحاب وغير ذلك.

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يأتي :

١ ـ كل نبي شاهد على أمته بما أجابوه عن دعوته ، وليس في الآخرة مجال للاعتذار عن التقصير والدفاع عن النفس ، ولا يكلف الكفار أن يرضوا ربهم يوم القيامة ؛ لأن الآخرة ليست بدار تكليف ، ولا يتركون فيرجعوا إلى الدنيا فيتوبوا.

٢ ـ لا تخفيف لعذاب جهنم عن المشركين الظالمين ، فيدخلون فيها ، ولا يؤخرون ولا يمهلون ، وإنما يؤخذون بسرعة من الموقف بلا نقاش في الحساب ، إذ لا توبة لهم حينئذ.

٣ ـ تتبرأ الآلهة المزعومة من عبادة عابديها ، وتكذبهم بأنها لم تكن آلهة ، ولا أمرتهم بعبادتها ، فينطق الله الأصنام حتى تظهر عند ذلك فضيحة الكفار.

ويستسلم العابد والمعبود لحكم الله فيهم ، ويبعث الله المعبودين من أصنام وأوثان وغيرها ، فيتّبعهم العابدون حتى يوردوهم النار. ورد في صحيح مسلم من حديث أنس : «من كان يعبد شيئا فليتّبعه ، فيتّبع من كان يعبد الشمس

٢٠٨

الشمس ، ويتّبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتّبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت» ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة ، وفيه : «فيمثّل لصاحب الصليب صليبه ، ولصاحب التصاوير تصاويره ، ولصاحب النار ناره ، فيتّبعون ما كانوا يعبدون».

٤ ـ للكفار الذين يصدون عن سبيل الله وهو سبيل الحق والإسلام عذاب مضاعف بسبب إفسادهم في الدنيا بالكفر والمعصية. ونوع زيادة العذاب موضح في الحديث التالي ، روى الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أهل النار إذا جزعوا من حرّها ، استغاثوا بضحضاح في النار ، فإذا أتوه ، تلقّاهم عقارب كأنهم البغال الدّهم ، وأفاع كأنهن البخاتيّ (١) تضربهم ، فذلك الزيادة».

٥ ـ الأنبياء ـ كما ذكرنا ـ شهود على أممهم يوم القيامة بأنهم قد بلغوهم الرسالة ، ودعوهم إلى الإيمان ، وفي كل زمان شهيد ، وإن لم يكن نبيا ، وهم أئمة الهدى خلفاء الأنبياء والعلماء حفظة شرائع الأنبياء.

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاهد على أمته والأمم الأخرى ، كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ، لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة ٢ / ١٤٣] وقال : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ، وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج ٢٢ / ٧٨].

قال القرطبي : فعلى هذا لم تكن فترة إلا وفيها من يوحّد الله ، كقس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو بن نفيل الذي قال فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يبعث أمة وحده» وسطيح (٢) ، وورقة بن نوفل الذي قال فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيته ينغمس

__________________

(١) البخاتي : جمال ضخام طوال الأعناق.

(٢) سطيح : هو كاهن بني ذئب ، كان يتكهن في الجاهلية ، واسمه ربيع بن ربيعة.

٢٠٩

في أنهار الجنة». فهؤلاء ومن كان مثلهم حجة على أهل زمانهم ، وشهيد عليهم (١).

٦ ـ القرآن الكريم تبيان لكل شيء من أصول التشريع والحلال والحرام ، والشرائع والأحكام ، ومبادئ الحياة الإنسانية ، قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام ٦ / ٣٨].

وذلك يدل على أنه لا تكليف من الله تعالى إلا ما ورد في هذا القرآن ، أي إما جملة وتفصيلا ، وإما جملة فقط. أما الأدلة الأخرى كالإجماع وخبر الواحد والقياس ، فقد دل القرآن الكريم ذاته على حجيتها ، كما هو معروف في علم أصول الفقه. وكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد مستندة إلى تبيان الكتاب ، فمن ثم كان تبيانا لكل شيء ، كما قال الزمخشري.

أجمع آية في القرآن للخير والشر والوفاء بالعهد والهداية والإضلال

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٠ / ١٦٤

٢١٠

أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤ وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦))

الإعراب :

(تَوْكِيدِها) مضاف إليه ، وهو مصدر وكّد ، ويقال : أكّد في وكّد ، والواو هي الأصل ، والهمزة بدل منها كما كانت في «أحد» وأصلها «وحد».

(أَنْكاثاً) منصوب على المصدر ، وعامله (نَقَضَتْ) لأنه بمعنى : نكثت نكثا ، أو حال.

(تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ) حال من ضمير (تَكُونُوا).

(أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) في موضع نصب على تقدير : كراهة أن تكون أمة ، أو لئلا تكون أمة. و (تَكُونَ) تامة ، و (أُمَّةٌ) فاعلها. و (هِيَ أَرْبى ..) مبتدأ وخبر ، والجملة في موضع رفع ، صفة (أُمَّةٌ). وهاء (بِهِ) تعود على العهد ، وقيل : التكاثر.

البلاغة :

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ..) مقابلة حيث جمع بين الأمر بثلاثة ، ونهى عن ثلاثة. وإيتاء ذي القربى خاص بعد عام للاهتمام به. (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) تشبيه تمثيلي ، شبّه تعالى من يعاهد ثم ينقض عهده بالمرأة التي تغزل غزلا ثم تنقضه.

٢١١

(فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) فيه استعارة القدم للرسوخ في الدين والتمكن فيه ، لكون الثبات يكون عادة بالقدم ، ثم شبه الانحراف عن الحق بزلل القدم ، وهو تشبيه المعنوي بالانزلاق الحسي بطريق الاستعارة.

(يُضِلُ وَيَهْدِي) بينهما طباق ، وكذا بين (يَنْفَدُ) و (باقٍ).

المفردات اللغوية :

(بِالْعَدْلِ) قال ابن عطية : العدل : فعل كل مفروض من عقائد وشرائع وسير مع الناس في أداء الأمانات ، وترك الظلم ، والإنصاف وإعطاء الحق. والإحسان : فعل كل مندوب إليه (١).

وذكر البيضاوي أن العدل : التوسط في الأمور اعتقادا ، كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك ، والقول بالكسب المتوسط بين محض الجبر والقدر ، وعملا كالتعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة والترهب ، وخلقا كالجود المتوسط بين البخل والتبذير. والإحسان : إحسان الطاعات ، وهو إما بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل ، أو بحسب الكيفية ، كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان عن عمر : «الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك».

والخلاصة : إن العدل : الإنصاف ، والإحسان : إتقان الأعمال والتطوع بالزائد عن الفرائض ، ومقابلة الخير بأفضل منه ، والشر بأقل منه.

(وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) إعطاء القرابة حقهم من الصلة والبر ، وخص ذلك بالذكر اهتماما به و (الْفَحْشاءِ) كل قبيح قولا أو فعلا ، ويشمل الزنى والسرقة وشرب المسكرات والطمع ونحو ذلك من المذموم (وَالْمُنْكَرِ) ما أنكره الشرع واستقبحه العقل السليم ، كالكفر والمعاصي من الضرب الشديد والقتل وغمط حقوق الناس ، ونحو ذلك (وَالْبَغْيِ) ظلم الناس ، والاستعلاء عليهم وتجاوز الحد ، وخصه بالذكر اهتماما ، كما بدأ بالفحشاء اهتماما بها (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتعظون.

جاء في المستدرك عن ابن مسعود : وهذه أجمع آية في القرآن للخير والشر. وكانت سبب إسلام عثمان بن مظعون رضي‌الله‌عنه ، ولو لم يكن في القرآن غير هذه الآية ، لصدق عليه أنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين.

(بِعَهْدِ اللهِ) العهد : كل ما يلتزمه الإنسان باختياره ، ويدخل فيه الوعد والبيع والأيمان وغيرها (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) نقض اليمين : الحنث فيها ، والأيمان هنا : مطلق الأيمان أو أيمان

__________________

(١) البحر المحيط : ٥ / ٥٢٩

٢١٢

العهد (تَوْكِيدِها) توثيقها (كَفِيلاً) شاهدا ورقيبا بالوفاء ، حيث حلفتم به ، والجملة حال (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) في نقض الأيمان أو العهود ، وهو تهديد لهم.

(نَقَضَتْ) أفسدت أو فكت غزلها من بعد إبرام وإحكام (غَزْلَها) ما غزلته من صوف ونحوه ، وهو مصدر بمعنى المفعول (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) متعلق بنقضت ، أي من بعد إحكام له وإبرام (أَنْكاثاً) جمع نكث : وهو ما ينكث بمعنى منكوث وهو المنقوص ، أي يحل فتله وينقض بعد غزله. وهي امرأة حمقاء من مكة ، كانت تغزل طول يومها ، ثم تنقضه. (تَتَّخِذُونَ) أي لا تكونوا مثلها في اتخاذكم أيمانكم مكرا وخديعة (دَخَلاً) أي فسادا ومكرا وخديعة ، وأصل الدّخل : ما يدخل في الشيء ، وليس منه ، والمراد أن يظهر المرء الوفاء بالعهد ويبطن النقض.

(أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) أي لأن تكون جماعة (هِيَ أَرْبى) أكثر وأوفر عددا. والمناسبة : أنهم كانوا يحالفون الحلفاء ، فإذا وجدوا أكثر منهم وأعز ، نقضوا حلف أولئك ، وحالفوهم.

(إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) يختبركم الله بما أمر به من الوفاء بالعهد ، لينظر المطيع منكم والعاصي ، أو يختبركم بكون أمة أربى ، لينظر : أتفون بالعهود أم لا؟ (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) في الدنيا من أمر العهد وغيره ، بأن يعذب الناكث ويثيب الوافي (وَلَوْ شاءَ اللهُ) هذه المشيئة مشيئة اختيار على مذهب أهل السنة (أُمَّةً واحِدَةً) أهل دين واحد ، متفقين على الإسلام (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي أنه تعالى جعل ناسا للشقاوة أو الضلال وهم من لم يأخذوا بأسباب الهدى ، وكان في سابق علم الله أنهم لو تركوا وأنفسهم لما فعلوا إلا الضلال والفساد والبهتان ، وجعل ناسا آخرين للسعادة وهم من اهتدوا بآيات الله ، وعلى هذا النحو خلق الضلال والهدى ، أما الإضلال فبالخذلان لمن اختار الكفر ، عدلا ، وأما الهداية فبالتوفيق لاختيار الإيمان والدوام عليه ، فضلا.

(وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) هذا سؤال توبيخ وتبكيت يوم القيامة ، لا سؤال تفهم ، فهذا منفي في آيات أخرى ، مثل : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن ٥٥ / ٣٩].

(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) كرره تأكيدا ، وهو تصريح بالنهي عنه بعد التضمين ، تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) أي أقدامكم عن محجة الإسلام ، وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم ، فكيف بأقدام كثيرة؟! (بَعْدَ ثُبُوتِها) استقامتها عليه (السُّوءَ) العذاب في الدنيا (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي بصدودكم عن الوفاء بالعهد ، أو بصدكم غيركم عنه ؛ لأنه يستن بكم (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة.

(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي ولا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسوله عرضا يسيرا من الدنيا ، بأن تنقضوه لأجله. والمناسبة : أن قريشا كانوا يعدون بوسائل الإغراء ضعاف المسلمين

٢١٣

ويشترطون لهم على الارتداد أن يكافئوهم (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي إن ما عند الله من النصر والغنيمة في الدنيا ، والثواب في الآخرة هو خير لكم مما يعدونكم من عطاء في الدنيا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إن كنتم من أهل العلم والتمييز ، وتعلمون ذلك ، فلا تنقضوا. والخلاصة : إن هذه الآية تحذير من نقض أيمان مخصوصة ، وهي نقض عهد رسول الله على الإيمان به ، واتباع شرائعه ، طمعا في خيرات الدنيا ومغرياتها.

(ما عِنْدَكُمْ) من أعراض الدنيا وأمتعتها (يَنْفَدُ) يفنى أو ينقضي (وَما عِنْدَ اللهِ) من خزائن رحمته (باقٍ) دائم لا ينفد (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا) على الوفاء بالعهود وأذى الكفار ومشاق التكاليف (أَجْرَهُمْ) ثوابهم (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بجزاء أحسن من أعمالهم ، وقال السيوطي : أحسن بمعنى حسن هنا.

سبب النزول :

نزول الآية (٩١):

(وَأَوْفُوا) : أخرج ابن جرير عن بريدة قال : نزلت هذه الآية في بيعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأخرج ابن جرير عن مزيدة بن جابر أن الآية نزلت في بيعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان من أسلم يبايع على الإسلام ، فقال تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ ..) الآية ، فلا تحملنكم قلة محمد وأصحابه ، وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام ، وإن كان في المسلمين قلة ، وفي المشركين كثرة.

نزول الآية (٩٢):

(وَلا تَكُونُوا) : أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي حفص : كانت سعيدة الأسدية حمقاء ، تجمع الشعر والليف ، فنزلت هذه الآية : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها).

المناسبة :

بعد أن أفاض الله تعالى في وعد المتقين ووعيد الكافرين ، وأكد الترغيب والترهيب ، أتبعه بأوامر جامعة لأمهات الفضائل ، وأصول الأخلاق الاجتماعية ،

٢١٤

وأنواع التكاليف المفروضة والنوافل ، وهي العدل والإحسان والوفاء بالعهود.

أما آية (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) فهي ـ كما قال ابن مسعود ـ أجمع آية في القرآن للخير والشر ، وسأذكر الحديث كله. وقال عنها قتادة : ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ، ويستحسنوه ، إلا أمر الله به ، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدّم فيه ، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها. ولهذا جاء في الحديث الذي أخرجه الطبراني وأبو نعيم والحاكم والبيهقي عن سهل بن سعد : «إن الله يحب معالي الأخلاق ، ويكره سفسافها».

وقال الحافظ أبو يعلى في كتاب معرفة الصحابة عن علي بن عبد الملك بن عمير عن أبيه ، قال : بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأراد أن يأتيه ، فأبى قومه أن يدعوه ، وقالوا : أنت كبيرنا ، لم تكن لتخفّ إليه ، قال : فليأته من يبلّغه عني ويبلّغني عنه ، فانتدب رجلان ، فأتيا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالا له : نحن رسل أكثم بن صيفي ، وهو يسألك من أنت ، وما أنت؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما من أنا؟ فأنا محمد بن عبد الله ، وأما ما أنا فأنا عبد الله ورسوله.

قال : ثم تلا عليهم هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية. قالوا : ردّد علينا هذا القول ، فردده عليهم حتى حفظوه ، فأتيا أكثم ، فقالا : أبى أن يرفع نسبه ، فسألنا عن نسبه ، فوجدناه زاكي النسب ، وسطا في مضر ـ أي شريفا ـ وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها ، فلما سمعهن أكثم قال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن ملائمها ـ مساوئها ـ ، فكونوا في هذا الأمر رؤساء ، ولا تكونوا فيه أذنابا (١).

وقد ورد في نزولها حديث حسن طويل رواه الإمام أحمد ، مفاده أنها كانت سببا في إسلام عثمان بن مظعون ، وموجزه : أن عثمان بن مظعون كان جليس

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٨٢ وما بعدها.

٢١٥

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقتا ، فقال له عثمان : ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة ، قال : وما رأيتني فعلت؟ قال : شخص بصرك إلى السماء ، ثم وضعته على يمينك ، فتحرفت عني إليه ، وتركتني ، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئا يقال لك ، قال : أو فطنت لذلك؟ أتاني رسول الله آنفا ، وأنت جالس ، قال : فما ذا قال لك؟ قال لي : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ..) الآية قال عثمان : فذلك حين استقر الإيمان في قلبي ، وأحببت محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ورواه ابن أبي حاتم من حديث عبد الحميد بن بهرام مختصرا.

وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه أنه قال : أعظم آية في كتاب الله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر الآية التي في النحل : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ). وأكثر آية في كتاب الله تفويضا : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق ٦٥ / ٢ ـ ٣]. وأشد آية في كتاب الله رجاء : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر ٣٩ / ٥٣].

وعن عكرمة : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ على الوليد بن المغيرة هذه الآية ، فقال له : يا ابن أخي ، أعد عليّ ، فأعادها عليه ، فقال له الوليد : والله إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وما هو بقول بشر.

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي‌الله‌عنه : أنه قرأ هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية ، ثم قال : إن الله عزوجل جمع لكم الخير كله ، والشر كله في آية واحدة ، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله تعالى إلا جمعه وأمر به ، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه وزجر عنه.

٢١٦

التفسير والبيان :

هذه الآيات دعائم الحياة الإسلامية وركائز المجتمع الإسلامي ، فالآية الأولى يأمر الله فيها عباده بالعدل والإنصاف بصفة مطلقة في كلّ شيء ، في التّعامل ، والقضاء والحكم ، وشؤون الدّين والدّنيا ، وسلوك الإنسان مع نفسه ومع غيره ، بل وفي الاعتقاد ، فلا يعبد بحقّ وعدل غير الله الخالق الرّازق النافع ، والآلهة المزعومة من أصنام وأوثان وكواكب وملائكة وأنبياء وأولياء وزعماء لا تستحق شيئا من العبادة والتقديس ، قال ابن عباس في آية (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) : شهادة أن لا إله إلا الله.

روى ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : دعاني عمر بن عبد العزيز فقال : صف لي العدل ، فقلت : بخ ، سألت عن أمر جسيم ، كن لصغير النّاس أبا ، ولكبيرهم ابنا ، وللمثل منهم أخا ، وللنساء كذلك ، وعاقب الناس على قدر ذنوبهم ، وعلى قدر ذنوبهم ، وعلى قدر أجسامهم ، ولا تضربنّ لغضبك سوطا واحدا ، فتكون من العادين.

ويندب الله تعالى إلى الإحسان ، والإحسان في العبادة : هو كما في حديث عمر في الصحيحين : «أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» والإحسان في الجزاء العقاب بالمثل واستيفاء الحق في القتل والجرح عن طريق القصاص (المعاملة بالمثل). والإحسان في وفاء الحقّ أو الدين : أداؤه من غير مماطلة ، أو مع الزيادة غير المشروطة المتبرع بها.

وأفضل الإحسان وأعلاه الإحسان إلى المسيء ، فقد أمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم به : «وأحسن إلى من أساء إليك تكن مسلما». وقال عيسى بن مريم عليه‌السلام : إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك.

وروى البخاري في تاريخه أن علي بن أبي طالب مرّ بقوم يتحدّثون ،

٢١٧

فقال : فيم أنتم؟ فقالوا : نتذاكر المروءة ، فقال : أو ما كفاكم الله عزوجل ذاك في كتابه إذ يقول : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) فالعدل : الإنصاف ، والإحسان : التّفضل ، فما بقي بعد هذا؟

وقال سفيان بن عيينة : العدل في هذا الموضع : هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملا ، والإحسان : أن تكون سريرته أحسن من علانيته ، والفحشاء والمنكر : أن تكون علانيته أحسن من سريرته.

ويأمر الله في هذه الآية بإيتاء ذي القربى أي بصلة الأرحام والأقارب ، بالزيارة والمودة والعطاء والتّصدق عليهم ، كما قال تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) [الإسراء ١٧ / ٢٦] ، وقد خصّه بالذّكر مع أنه داخل في الإحسان للاهتمام به والعناية بشأنه.

وبعد أن أمر تعالى بثلاثة نهى عن ثلاثة فقال : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) ، والفحشاء : الشيء المحرم كالزّنى والسّرقة وشرب المسكر وأخذ أموال النّاس بالباطل.

والمنكر : ما قبّحه الشّرع والعقل ، وظهر من الفواحش من فاعلها ، كالقتل والضرب بغير حق ، وازدراء الناس وغمطهم حقوقهم ، قال تعالى : (قُلْ : إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) [الأعراف ٧ / ٣٣].

والبغي : ظلم النّاس والاعتداء عليهم ؛ جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن أبي بكرة : «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدّنيا ، مع ما يدّخر لصاحبه في الآخرة ، من البغي ، وقطيعة الرّحم».

والخلاصة : العدل : أداء الواجب ، والإحسان : الزيادة فيه ، والفحشاء والمنكر والبغي : تجاوز حدود الشّرع والعقل.

٢١٨

(يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي يأمركم بما يأمركم به من الخير ، وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشّر ، لتتعظوا وتتذكروا وتعملوا بما فيه مرضاة الله تعالى ، فقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ليس المراد منه التّرجي والتّمني ، فإن ذلك محال على الله تعالى ، فوجب أن يكون معناه : أنه تعالى يعظكم لإرادة أن تتذكّروا طاعته ، وهو يدلّ على أنه تعالى يريد الإيمان من الكلّ.

وبعد أن ذكر الله تعالى كلّ المأمورات والمنهيات في الآية الأولى على سبيل الإجمال ، خصص بعضها بالذّكر ، فبدأ بالأمر بالوفاء بالعهد ، فقال تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ ..) أي ووفوا بالعهود والمواثيق ، وحافظوا على الأيمان المؤكدة ، وعهد الله : كلّ ما يجب الوفاء به ، من تطبيق أحكام الإسلام ، وكلّ عهد يلتزمه الإنسان باختياره ، والوعد من العهد ، كما قال ابن عباس.

ثم أكّد الله تعالى ضرورة الوفاء بالعهد بقوله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ..) أي واحذروا نقض العهود وأيمان البيعة على الإسلام بعد توثيقها باسم الله. وأكّد ووكّد لغتان فصيحتان. والمراد بالأيمان هنا : هي الدّاخلة في العهود والمواثيق ، أي أيمان العهد أو الأحلاف المعقودة ، لا الأيمان التي هي واردة على حثّ أو منع. روى أحمد ومسلم عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية ، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدّة» يعني في نصرة الحق والقيام به ، والمعنى : أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه ، فإن في التّمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه.

وهذا مثل حلف الفضول الذي ذكره ابن إسحاق فقال : اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان لشرفه ونسبه ، فتعاقدوا وتعاهدوا ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه ، حتى تردّ عليه مظلمته. فسمّت

٢١٩

قريش ذلك الحلف حلف الفضول ، أي حلف الفضائل. (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) أي شهيدا.

ثمّ جعل الله تعالى نفسه رقيبا على العهود لتأكيد احترامها : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) أي إنه مطّلع ومراقب كلّ ما تفعلونه في العهود ، من البرّ بها أو النّقض لها ، ومحص ذلك عليكم ، ومجازيكم على أفعالكم ، ثوابا ورضا في حال البرّ والوفاء ، وعقابا وسخطا في حال النّقض والعبث والإخلال بأحكام المعاهدة. وهذا وعد للطائع ، ووعيد وتهديد للمخالف الذي ينقض عهده بعد توكيده.

ثم أكّد الله تعالى حرمة العهد مرّة ثالثة فقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ ...) أي ولا تكونوا في نقض العهود والمواثيق كالتي نقضت غزلها بعد إبرامه. قال عبد الله بن كثير والسّدّي : هذه امرأة خرقاء كانت بمكّة ، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه. واسمها : ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة.

أو هو مثل لمن نقض عهده بعد توكيده كما قال مجاهد وغيره ، فمن نقض العهد كان كمن نقض الغزل بعد فتله وإبرامه ، فهو ليس من فعل العقلاء ، وإنما في زمرة الحمقى. والأنكاث : الأنقاض.

(تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ..) أي تجعلون أيمانكم على الوفاء بالعهد خديعة ومكرا وتغريرا بالطرف الآخر ، من أجل أن تكون جماعة أقوى وأكثر عددا وعدّة من جماعة أخرى ، بل عليكم الوفاء بالعهود والحفاظ عليها.

فقوله تعالى : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) معناه أنكم تحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ، ليطمئنوا إليكم ، فإذا أمكنكم الغدر بهم ، غدرتم ، فنهى الله عن ذلك ، لينبّه بالأدنى على الأعلى ، أي إذا نهاكم عن الغدر في هذه الحالة ، فلأن ينهى عنه مع التّمكن والقدرة بطريق الأولى. وأربى : أكثر.

٢٢٠