التفسير المنير - ج ١١

الدكتور وهبة الزحيلي

عادة الكفار المكر واللجاج والعناد وعدم الإنصاف

(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣))

الإعراب :

(إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ بَغْيُكُمْ) : مبتدأ ، و (عَلى أَنْفُسِكُمْ) : خبره.

(مَتاعَ الْحَياةِ) منصوب إما بفعل مقدر ، تقديره : تبتغون متاع الحياة الدنيا ، أو على المصدر المؤكد بفعل مقدر تقديره : تمتعوا متاع الحياة الدنيا. ويقرأ بالرفع خبرا بعد خبر لبغيكم ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو متاع الحياة الدنيا. ويقرأ بالجر على غير المشهور على البدل من الكاف والميم في (أَنْفُسِكُمْ) وتقديره : إنما بغيكم على متاع الحياة الدنيا.

(جاءَتْها) جواب (إِذا).

(دَعَوُا اللهَ ...) بدل من : (ظَنُّوا) بدل اشتمال ؛ لأن دعاءهم من لوازم ظنهم.

(لَئِنْ أَنْجَيْتَنا ..) على إرادة القول ، أو مفعول : دعوا ؛ لأنه من جملة القول. ولام (لَئِنْ) : لام القسم.

البلاغة :

(أَسْرَعُ مَكْراً) المكر : إخفاء الكيد ، وهو من الله تعالى إما الاستدراج أو الجزاء على المكر ، وتسمية عقوبة الله مكرا من باب «المشاكلة».

١٤١

(وَجَرَيْنَ بِهِمْ) فيه التفات عن الخطاب إلى الغيبة ، لزيادة التقبيح والتشنيع على الكفار ، لعدم شكرهم النعمة ، وللتعجب من حالهم والإنكار عليهم.

المفردات اللغوية :

(أَذَقْنَا) أصل الذوق : إدراك الطعم بالفم ، ويستعمل مجازا في إدراك غيره من الأشياء المعنوية كالرحمة والنعمة ، والعذاب والنقمة. (النَّاسَ) أي كفار مكة (رَحْمَةً) مطرا وخصبا وصحة وسعة (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) بؤس ، وجدب أو قحط ، ومرض (مَكْرٌ فِي آياتِنا) بالطعن فيها والاحتيال في دفعها بالاستهزاء والتكذيب (قُلِ) لهم (اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) المكر : التدبير الخفي الذي يفضي بالغير إلى مالا يتوقعه ، والمراد هنا : مجازاة أو جزاء على المكر ، أو المراد الاستدراج (إِنَّ رُسُلَنا) الحفظة الكرام الكاتبين من الملائكة.

(يُسَيِّرُكُمْ) يسخّر لكم ، أو يعطيكم أداة السير من سفينة أو دابة أو سيارة أو طائرة ونحوها ، أو يحملكم على السير ويمكنكم منه ، والتسيير بإيجاز : التمكين من الانتقال بالنفس أو بالواسطة (الْفُلْكِ) السفن أو السفينة ، جمعا أو واحدا (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) لينة ، والطيب من كل شيء : ما يوافق الغرض والمنفعة ، يقال : رزق طيب ، ونفس طيبة ، وشجرة طيبة (جاءَتْها) الضمير للفلك أو الريح الطيبة أي تلقتها (رِيحٌ عاصِفٌ) شديدة الهبوب ، تكسر كل شيء ، وذات عصف (أُحِيطَ بِهِمْ) أي أهلكوا (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الدعاء (مِنْ هذِهِ) الأهوال (الشَّاكِرِينَ) الموحدين.

(فَلَمَّا أَنْجاهُمْ) إجابة لدعائهم (إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي فاجؤوا الفساد فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه ، والبغي : الزيادة على القصد والاعتدال حتى الوقوع في الفساد والظلم ، كالشرك ، وبغير الحق أي مبطلين فيه. وأما الفساد بحق كتخريب الديار وإحراق الزروع وقطع الأشجار في حالة الحرب فهو إفساد بحق (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي ظلمكم أي وباله وإثمه عليكم (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) تمتعون فيها قليلا (مَرْجِعُكُمْ) أي بعد الموت (فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فنجازيكم.

المناسبة :

بعد أن ردّ الله تعالى على المشركين الطالبين إنزال آية كونية غير القرآن ، بأن هذا من الغيب المستأثر به الله تعالى ، ذكر جوابا آخر ، وهو أن أولئك المشركين لا يقنعون بالآيات إذا رأوها بأعينهم ؛ لأن عادتهم المكر والجحود والعناد

١٤٢

وعدم الإنصاف ، فكثيرا ما رأوا الآيات الدالة على وحدانية الله ثم يمكرون فيها ، فهم إن أصابتهم الشدة تضرعوا ، وإن جاءتهم الرحمة بطروا وكفروا.

التفسير والبيان :

موضوع هذه الآيات الرد على الكفار الذين يطلبون الآيات الكونية ، فإذا تحققت لم يعتبروا ولم يتعظوا ، مما يدل على سوء طبع الإنسان وتأصل خلق السوء فيه ، وتنكره للأدلة العقلية والحسية ، والقواعد الخلقية أيضا التي تقتضي الوفاء بالمعروف وشكر النعمة الإلهية. وهذا المذكور في الآيات مثال لسوء الطبع والانقلاب على الفطرة.

إذا أذاق الله الناس رحمة ، ورزقهم فضلا ، من بعد ضرّاء مستهم (١) ، كالرخاء بعد الشدة ، والخصب بعد الجدب ، والمطر بعد القحط ونحو ذلك ، إذا هم يسرعون بالمفاجأة الغريبة وهي المكر في مقام الحمد والشكر ، والمراد بالمكر : الاستهزاء والتكذيب لها ، أو الطعن فيها والاحتيال في دفعها ، والتنكر لها.

وهكذا إذا رزق الله المطر ، قال الإنسان : مطرنا لأنا في فصل الأمطار ، أو لأن الكوكب الفلاني طلع ، وإذا نجا من مكروه أو شدة ، قال : نجوت صدفة ، وإذا نجح في مشروع ما ، نسب النجاح إلى تفوقه ومهارته وذكائه ، ولم يذكر توفيق الله له ، كما قال قارون : إنما أوتيته أي المال على علم عندي ، وإذا رفع الكرب بدعاء نبي ، لم يقروا له بالفضل ، كما حدث لمشركي مكة ، روي أن الله تعالى سلط القحط على أهل مكة سبع سنين ثم رحمهم ، وأنزل الأمطار النافعة على أراضيهم ، ثم نسبوا تلك المنافع الجليلة إلى الأصنام وإلى الأنواء (٢) ، وكل ذلك لمقابلة النعمة بالكفران.

__________________

(١) ذكر هذا القيد لأن الشعور بالنعمة بعد زوال البؤس والشدة أكمل وأتم وأفرح.

(٢) النوء : سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر ، وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ثلاثة عشر يوما ، ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما. وكانت العرب ـ

١٤٣

والقصة هي كما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه : «أن قريشا لما استعصوا على رسول الله صل الله عليه وسلّم ، دعا عليهم بسنين كسنيّ سيدنا يوسف ، فأصابهم قحط وجهد ، حتى أكلوا العظام والميتة من الجهد ، وحتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع ، فأنزل الله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ ، هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) [الدخان ٤٤ / ١٠ ـ ١١] فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا محمد ، إنك جئت تأمرنا بصلة الرحم ، وإن قوما ربما هلكوا ، فادع الله لهم ، فدعا لهم ، فكشف الله عنهم العذاب ، ومطروا ، فعادوا إلى حالهم ومكرهم الأول يطعنون في آيات الله ، ويعادون رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويكذّبونه».

فرد الله عليهم بقوله : (قُلِ : اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أي قل لهم يا محمد : إن الله أسرع جزاء لكم على أفعالكم قبل أن تدبروا مكائدهم لإطفاء نور الإسلام ، أو أشد استدراجا وإمهالا حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب ، وإنما هو في مهلة ، ثم يؤخذ على غرة منه.

(إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) أي إن الحفظة أو الكتبة من الملائكة الكرام يكتبون جميع ما تفعلونه وتدبرونه أو تخططون له ، ويحصونه عليكم ، ثم يعرضونه على الله عالم الغيب والشهادة ، فيجازي كلا منكم على الجليل والحقير. وفي هذا دلالة على تمام الحفظ والعناية وعدم خفاء تدبيرهم على الله تعالى ، وعلى أن عقابه واقع بهم لا محالة.

ثم ضرب الله مثلا للمشركين المعاندين على مقابلتهم النعمة بالجحود ، فقال : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ ..) أي إن الله تعالى هو الذي يمكنكم من السير والانتقال

__________________

ـ تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها ، وقيل : إلى الطالع منها ؛ لأنه في سلطانه ، والجمع أنواء.

١٤٤

بالنفس أو بالوسائط المعروفة في البر بالدواب والسيارات والقطارات وفي البحر بالسفن والمراكب ، وفي الجو فوق البر والبحر بالطائرات فوق الهواء.

حتى إذا كنتم راكبين في الفلك (السفينة أو السفن) وجرت بكم في البحر بسبب ريح طيبة مواتية للاتجاه في جهة السير ، وفرحتم بما تحقق لكم من راحة وقطع مسافة ، ثم جاءت تلك السفن ريح عاصفة شديدة قوية ، فاضطرب البحر ، وتلاطمت بالأمواج العالية من مختلف الجهات ، وظننتم أي اعتقدتم أنكم هالكون لا محالة بسبب إحاطة الموج ، فلم تجدوا ملجأ إلا الله ، فدعوتموه مخلصين له الدعاء والعبادة والتضرع ، ولم تتجهوا إلى آلهتكم من الأوثان ، وقلتم : لئن أنجانا الله من هذه المخاطر الجسيمة ، لنكونن من جماعة الشاكرين النعمة ، الموحدين الله ، ثم بعد النجاة عدتم إلى الكفر ، كما قال تعالى في الآية السابقة : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ ، دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً ، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ ، مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) [يونس ١٠ / ١٢].

وقال هنا : (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ ...) أي فلما نجاهم من تلك الورطة ، عادوا فجأة إلى سيرتهم الأولى من البغي وإلحاق الظلم بالنفس وبالآخرين ، وكأن شيئا لم يكن ، كقوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ، ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ، وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) [الإسراء ١٧ / ٦٧].

ثم خاطب الله الناس البغاة الذين لم يعتبروا ونكثوا العهد مع الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي إنما وبال هذا البغي وجزاؤه وإثمه على أنفسكم في الدنيا والآخرة ولا تضرون به أحدا غيركم ، أما في الدنيا فأنتم تتمتعون به متاعا زائلا لا قرار له ، وأقله توبيخ الضمير والوجدان ، أو المعاملة بالمثل ، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد والبخاري: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا ، مع ما يدّخر له في الآخرة ، من البغي وقطيعة

١٤٥

الرحم» وفي حديث آخر رواه الترمذي عن عائشة : «أسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم ، وأسرع الشر عقابا البغي وقطيعة الرحم» «ثنتان يعجلهما الله في الدنيا : البغي وعقوق الوالدين».

وأما في الآخرة فالجزاء المحقق على البغي في النار ، وهذا ما أفاده قوله تعالى : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ ...) أي إن مصيركم ومآلكم إلينا يوم القيامة ، يوم الفصل والجزاء ، فنخبركم بجميع أعمالكم ، ونوفيكم إياها ، ونجازيكم عليها الجزاء الأوفى المناسب ، بسبب ما كنتم تعملون ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه. وفي هذا تهديد كاف ووعيد شاف.

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى ما يلي :

١ ـ إن مقابلة النعمة الإلهية بالجحود والإنكار ، والتكذيب بآيات الله ، مرصود رصدا تاما عند الله ، والملائكة الحفظة تدون كل شيء ، ثم يحاسب الله تعالى كل إنسان على ما قدم وأخر.

٢ ـ إن الفضل في إنقاذ الإنسان ونجاته من ألوان المخاطر والشدائد والأهوال هو لله تعالى وحده.

٣ ـ دلت هذه الآية على ركوب البحر مطلقا ، وأكدت السنة ذلك ، مثل حديث أنس في قصة أم حرام ، الذي يدل على جواز ركوبه في الجهاد. ودلت هذه الآية أيضا على أن سير العباد في البحر من الله تعالى وتوفيقه.

٤ ـ الكفار شأنهم نكث العهد وعدم الوفاء بالوعد ، فبالرغم مما قد يتعرضون له من مخاطر الغرق ، تراهم ينسون ذلك ، ويعودون إلى الفساد في الأرض بالمعاصي ، والبغي : الفساد والشرك ، وهو أشنع أنواع الظلم.

١٤٦

٥ ـ البغي من منكرات المعاصي ، قال ابن عباس : لو بغى جبل على جبل ، لاندك الباغي. والبغي يغلب استعماله في غير الحق ، ولا يكون بحق غالبا ، ولكن قد يكون بحق كحال تنفيذ القصاص ، وحالة الضرورات الحربية وما يتطلبه الجهاد لتحقيق الغلبة والنصر.

٦ ـ عاقبة البغي يتحمل وزرها الباغي نفسه ، سواء في الدنيا بالعقاب العاجل أو الآجل ، أو في الآخرة.

مثل الحياة الدنيا في سرعة زوالها وفنائها

(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤))

الإعراب :

(وَازَّيَّنَتْ) فعل ماض ، أصله : تزينت ، فأدغمت التاء في الزاي بعد قلبها زايا ، وقلبت التاء زايا ولم تقلب الزاي تاء ؛ لأن فيها زيادة صوت وهي من حروف الصفير. (فَجَعَلْناها حَصِيداً) مفعول به أول وثان.

(كَأَنْ) مخففة من الثقيلة ، أي كأنها.

البلاغة :

(أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) استعارة ، شبه الأرض حينما تتزين بالنبات والأعشاب والأزهار ، بالعروس المزينة بالحلي والثياب ، ثم حذف المشبه به وأشير إلى شيء من لوازمه وهو الزخرف على سبيل الاستعارة المكنية.

(أَتاها أَمْرُنا) كناية عن العذاب والدمار.

١٤٧

المفردات اللغوية :

(مَثَلُ) صفة عجيبة تشبه المثل في الغرابة ، و (مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) : أي حالها العجيبة في سرعة انقضائها وذهاب نعيمها ، بعد إقبالها واغترار الناس بها (كَماءٍ) مطر (فَاخْتَلَطَ بِهِ) أي فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ) من الزروع والقبول وغيرها (وَالْأَنْعامُ) من الحشيش (زُخْرُفَها) بهجتها من النبات ، والزخرف : كمال حسن الشيء (وَازَّيَّنَتْ) بالزهر وغيره من النباتات ، أي صارت ذات زينة (أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) متمكنون من حصدها وتحصيل ثمارها وجني غلتها (أَتاها أَمْرُنا) قضاؤنا أو عذابنا ، فاجتاح زرعها (فَجَعَلْناها) جعلنا زرعها (حَصِيداً) كالمحصود أو المقطوع بالمناجل لا شيء فيها (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ) أي كأن لم يغن زرعها ، أي لم يلبث فلم تكن عامرة ، يقال : غني بالمكان : أقام به وعمره. (بِالْأَمْسِ) فيما قبله ، وهو مثل في الوقت القريب ، والمراد هنا زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعد ما كان غضا (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فإنهم المنتفعون به.

المناسبة :

ذكر الله تعالى في الآية السابقة : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) ولما كان سبب بغي الناس هو حرصهم على الدنيا وإفراطهم في التمتع بنعيمها ، أتبعه بهذا المثل العجيب لمن يبغي في الأرض ويغتر بالدنيا ، ويعرض عن الآخرة ، فكأن الدنيا أرض سقيت ماء ، فأنبتت وأزهرت وأثمرت ، وحان وقت الحصاد ، ثم لم تلبث أن أصابتها فجأة جائحة ، فاستأصلتها.

وقد تكرر هذا التشبيه والمثل في القرآن كثيرا ، كقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ، ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً ، وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ ، وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [الحديد ٥٧ / ٢٠].

١٤٨

التفسير والبيان :

هذا مثل ضربه الله تعالى للحياة الدنيا في سرعة انقضائها وزوال بهجتها ونعيمها ، وهو أن صفة الحياة الدنيا العجيبة كالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بماء المطر المنزل من السماء ، فإذا هطل على الأرض أنبت نباتات شتى تشابكت واختلط بعضها ببعض ، منها ما يأكله الناس من زروع وحبوب وثمار ، على اختلاف أنواعها وأصنافها ، ومنها ما تأكله الأنعام من أقوات ومراع وغير ذلك. وقوله : (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) أي اختلط بالماء نبات الأرض.

حتى إذا اكتمل نمو النبات وازدهر ، و (أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) أي حسنها وزينتها الفانية ، (وَازَّيَّنَتْ) بأبهى أنواع الزينة ، أي تزينت وحسنت بما خرج في رباها ووهادها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان وحبوب وثمار ، (وَظَنَ) أي أيقن أهلها الذين زرعوها وغرسوها ، أنهم متمكنون قادرون من جذاذها وحصادها والانتفاع بها ، فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة ، فأيبست أوراقها وأتلفت ثمارها. ويلاحظ أنه أخبر عن الأرض وأراد النبات إذ كان مفهوما ، وهو منها.

وهو معنى قوله : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً ..) أي نزل بها قضاؤنا المقدر لهلاكها ليلا أو نهارا ، فجعلناها كالأرض المحصودة ، يابسة بعد الخضرة والنضارة ، كأن لم تنبت ، وكأنها ما كانت حينا قبل ذلك ، وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن ، كما قال تعالى : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأعراف ٧ / ٩٧ ـ ٩٨] وقال تعالى إخبارا عن المهلكين : (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) [هود ١١ / ٦٧ ـ ٦٨] وجاء في الحديث الذي أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أنس : «يؤتي بأنعم أهل الدنيا ، فيغمس في النار غمسة ، فيقال له : هل رأيت خيرا

١٤٩

قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول : لا ، ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا ، فيغمس في النعيم غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول : لا».

ثم قال تعالى : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي كهذا المثل المبين الذي يوضح حال الدنيا وسرعة زوالها ، نبين الحجج والأدلة الدالة على إثبات التوحيد والجزاء وكل ما فيه صلاح الناس في معاشهم ومعادهم ، لقوم يتفكرون في آيات الله أي يستعملون تفكيرهم وعقولهم في الاتعاظ والاعتبار بهذا المثل في زوال الدنيا عن أهلها زوالا سريعا ، مع اغترارهم بها ، وتمكنهم من خيراتها ، فإن من طبعها الهرب ممن طلبها ، والطلب لمن هرب منها.

وتشبيه الدنيا بنبات الأرض كثير في كتاب الله ، مثل الآية السابقة في سورة الحديد ، ومثل آية الكهف : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ ، وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) [٤٥] وآية الزمر : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ، فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) [٢١].

فقه الحياة أو الأحكام :

أفادت الآية أن الحياة الدنيا سريعة الزوال والانقضاء ، وأن معيشة الناس والأنعام تعتمد على خيرات الأرض ، وأن الإنسان عاجز ضعيف أمام قدرة الله وسلطانه ، وأن مراد الله وأمره بشيء كالعذاب والهلاك هو النافذ ، وأنه تعالى يبين الآيات والأمثال لمن يستخدم تفكيره وعقله فيها ، فإن عاقبة هذه الحياة الدنيا كعاقبة هذا النبات الذي تعلقت الآمال بالانتفاع به ، فحين عظم الرجاء بالمنفعة وقع اليأس منها.

والمقصود من الآية ألا يعتمد المرء على نعيم الدنيا بنحو دائم ، وألا يغتر

١٥٠

بزخارفها ، وينسى ما يجب عليه نحو الآخرة ، فيكون هو الخاسر خسارة كبري لا تعوض ، إذ إنه يكون من الذين خسروا الدنيا والآخرة ، وهو معنى قوله تعالى : (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام ٦ / ٤٤].

الترغيب في الجنة ووصف حال المحسنين والمسيئين في الآخرة

(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧))

الإعراب :

(وَالَّذِينَ كَسَبُوا الَّذِينَ) مبتدأ ، وخبره : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ) ، على تقدير : وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة.

(وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) معطوف على (كَسَبُوا) وجاز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ؛ لأنها جملة مبينة للأول ، وليست أجنبية عنه.

(بِمِثْلِها) الباء زائدة ، وتقديره : وجزاء سيئة سيئة مثلها ، كما في آية أخرى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى ٤٢ / ٤٠].

(قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) جمع قطعة ، ومظلما حال من الليل ، وليس وصفا لقطع لأنه كان يقال : مظلمة. ومن قرأ بإسكان الطاء ، جاز أن يكون (مُظْلِماً) وصفا لقوله: قطعا ، وجاز أن يكون حالا من (اللَّيْلِ).

البلاغة :

(أَحْسَنُوا الْحُسْنى) بينهما جناس اشتقاق.

١٥١

(كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ) تشبيه مرسل مجمل.

المفردات اللغوية :

(وَاللهُ يَدْعُوا) إلى الإيمان الموصّل إلى الجنة (دارِ السَّلامِ) أي السلامة وهي الجنة ، وتخصيص الجنة بهذا الاسم للتنبيه على ذلك (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته بالتوفيق (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) دين الإسلام. وفي تعميم الدعوة بقوله : (يَدْعُوا) وتخصيص الهداية بالمشيئة دليل على أن الأمر غير الإرادة ، وأن المصر على الضلالة لم يرد الله رشده.

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) بالإيمان (الْحُسْنى) المثوبة الحسنى وهي الجنة (وَزِيادَةٌ) ما يزيد على المثوبة تفضلا ، وهي النظر إلى الله تعالى ، كما في حديث مسلم وقيل : الزيادة : الفضل أو تضعيف الحسنات إلى عشر أمثالها. ودليل التفضل قوله تعالى : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء ٤ / ١٧٣ وغيرها]. (وَلا يَرْهَقُ) يغشى (قَتَرٌ) غبرة فيها سواد (وَلا ذِلَّةٌ) كآبة وهوان ، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار ، أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال (خالِدُونَ) دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها ، بخلاف الدنيا وزخارفها.

(وَالَّذِينَ كَسَبُوا) عطف على الذين أحسنوا ، أي وللذين كسبوا السيئات أي عملوا الشرك (بِمِثْلِها) أي أن يجازى سيئة بسيئة مثلها لا يزاد عليها (مِنْ عاصِمٍ مِنَ) زائدة ، و (عاصِمٍ) : مانع يعصمهم من سخط الله ومن جهة الله ومن عنده ، بخلاف المؤمنين الذين لهم مانع يعصمهم (أُغْشِيَتْ) ألبست (قِطَعاً) جزءا (مُظْلِماً) لفرط سوادها وظلمتها. (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) أي أولئك الكفار ، فالآية في الكفار ، لاشتمال السيئات على الكفر أو الشرك ، ولأن الذين أحسنوا يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة ، فلا يتناولهم قسيمه.

المناسبة :

بعد أن نفّر الله تعالى الغافلين عن الميل إلى الدنيا بالمثل السابق ، رغبهم في الآخرة ، ووصف حال المحسنين والمسيئين فيها. ووجه الترغيب في الآخرة : ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «مثلي ومثلكم شبه سيد ، بنى دارا ، ووضع مائدة ، وأرسل داعيا ، فمن أجاب الداعي ، دخل الدار ، وأكل من المائدة ، ورضي عنه السيد. ومن لم يجب لم يدخل ولم يأكل ولم يرض عنه السيد ، فالله

١٥٢

السيد ، والدار : دار الإسلام ، والمائدة : الجنة ، والداعي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١). وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان بحيث يسمع كل الخلائق ، إلا الثقلين ، أيها الناس ، هلموا إلى ربكم ، والله يدعو إلى دار السلام»(٢).

التفسير والبيان :

بعد أن ذكر الله تعالى الدنيا وسرعة زوالها ، رغب في الجنة ودعا إليها ، فقال : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) أي والله يدعو إلى الإيمان والعمل الصالح المؤديين إلى الجنة ، وسماها دار السلام لسلامتها عن الآفات والشوائب والنقائص والأكدار.

ودعاؤه إلى دار السلام وأمره بالإيمان عام لكل الناس. ويهدي من يشاء أي يوفقهم إلى الطريق المستقيم الموصل إلى الجنة ، وهو دين الإسلام : عقائده وأخلاقه وأحكامه ؛ لأنه الطريق الذي لا عوج فيه ولا التواء. والهداية خاصة بالمشيئة ، على عكس الأمر بالإيمان.

ومن المعلوم أن الهداية نوعان : هداية دلالة وإرشاد ، وهي عامة لجميع الناس ، وهي الدعوة إلى الإيمان والإسلام ، وهداية توفيق وهي خاصة بمن يشاء الله من عباده إلى طريق الاستقامة ، ومعناها التوفيق والعون.

والسبب في تلك الدعوة إلى الإسلام مصلحة المدعوين ؛ لأن للذين أحسنوا العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح المثوبة الحسنى في الدار الآخرة ، كقوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [الرحمن ٥٥ / ٦٠] ولهم أيضا زيادة :

__________________

(١) حديث مرسل عن أبي قلابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاء متصلا رواه ابن جرير عن جابر بن عبد الله.

(٢) رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

١٥٣

وهي تضعيف ثواب الأعمال الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة على ذلك أيضا ، والزيادة التي هي أعظم من جميع ما أعطوه هي النظر إلى وجه الله الكريم ، بدليل ما روى أحمد ومسلم وجماعة من الأئمة عن صهيب رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلا هذه الآية : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) وقال : «إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد ، يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا ، يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : وما هو؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبّيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ قال : فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم».

وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري يحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي ، يا أهل الجنة ـ بصوت يسمع أولهم وآخرهم ـ إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، فالحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الرحمنعزوجل».

ونظير الآية قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا ، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم ٥٣ / ٣١].

(وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) أي ولا يغشى وجوههم شيء مما يغشى وجوه الكفرة من الغبرة التي فيها سواد ، والهوان والصغار ، أي لا يحصل لهم إهانة في الباطن ولا في الظاهر ، بل هم كما قال تعالى في حقهم : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ ، وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) [الدهر ٧٦ / ١١] أي نضرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم. والصفة الأولى (القتر) هي المذكورة في قوله تعالى : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) [عبس ٨٠ / ٤٠ ـ ٤١] والصفة الثانية (الذلة) هي قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ، عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) [الغاشية ٨٨ / ٢ ـ ٣].

١٥٤

أولئك المتصفون بهذه الصفات هم أهل الجنة لا غيرهم ، وهم المقيمون الماكثون فيها أبدا ، لا زوال فيها ، ولا انقراض لنعيمها.

ولما أخبر تعالى عن حال السعداء ، عطف بذكر حال الأشقياء ، كما هو الشأن الغالب في الموازنة والمقارنة في الأسلوب القرآني ، وشأنه تعالى مع الفريق الأول الفضل والإحسان ، ومع الفريق الثاني المعاملة بالعدل.

فللذين اقترفوا السيئات والمعاصي في الدنيا ومنها الكفر والشرك والظلم الجزاء العادل وهو المجازاة على السيئة بمثلها ، لا زيادة عليها كقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الأنعام ٦ / ١٦٠] ، وتغشاهم أي تعتريهم وتعلوهم ذلّة من فضيحة معاصيهم وخوفهم منها ، كما قال تعالى : (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) [الشورى ٤٢ / ٤٥] وقال : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) [إبراهيم ١٤ / ٤٢ ـ ٤٣].

ثم قال : (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي ليس لهم مانع ولا واق يقيهم العذاب ، أي لا يعصمهم أحد من سخط الله وعذابه ، كما قال تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار ٨٢ / ١٩] وقال تعالى : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ : أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ كَلَّا لا وَزَرَ ، إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) [القيامة ٧٥ / ١٠ ـ ١٢].

(كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ ..) أي ألبست وجوههم أجزاء أو أغشية من سواد الليل المظلم ؛ لفرط سوادها وظلمتها ، كقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ؟ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ ، فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [آل عمران ٣ / ١٠٦ ـ ١٠٧] وقوله سبحانه : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ، ضاحِكَةٌ

١٥٥

مُسْتَبْشِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ، أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) [عبس ٨٠ / ٣٨ ـ ٤٢].

(أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ ..) أي أولئك المتصفون بتلك الصفات هم لا غيرهم أصحاب النار ، هم فيها خالدون ، دائمون فيها ، لا يزحزحون عنها.

فقه الحياة أو الأحكام :

هذه الآيات صريحة في الدعوة إلى السعادة الأبدية ، والخلود في الجنان ، من طريق الإيمان والعمل الصالح.

وهي موضحة معالم الطريق ، معلنة أن الله لا يدعوكم إلى جمع الدنيا ، بل يدعوكم إلى الطاعة : طاعة أحكامه ، لتصيروا إلى دار السلام ، أي إلى الجنة. قال قتادة والحسن : السلام : هو الله ، وداره الجنة. وسميت الجنة دار السلام ؛ لأن من دخلها سلم من الآفات.

وقد عمّ بقوله (يَدْعُوا) جميع الناس بالدعوة إلى دائرة الإيمان ، إظهارا لحجّته ، وخص بالهداية من شاء من عباده استغناء عن خلقه ، وتمييزا بين الأمر والإرادة ، فهناك دعوة عامة دعا فيها جميع الخلق إلى دار السلام ، وهداية خاصة مغايرة لتلك الدعوة العامة ، مشتملة على التوفيق الإلهي.

والصراط المستقيم واحد سواء قلنا : إنه كتاب الله ، أو الإسلام.

وللذين أحسنوا العمل في الدنيا المثوبة الحسنى وهي الجنة ، والزيادة فضلا من الله وهي تضعيف الحسنات ، والنظر إلى وجه الله الكريم ، والشعور بالسعادة الظاهرية والباطنية ، فلا غشاوة لغبار مع سواد في محشرهم إلى الله ، ولا مذلة ولا إهانة.

وللمسيئين الذين أشركوا بالله شريكا آخر ، وكفروا بنعمته ، فلم يقابلوها

١٥٦

بالإيمان والإحسان عقاب مماثل لسيئاتهم دون زيادة ، أخذا بالعدل ، ويغشاهم الهوان والخزي والذل والعار ، ولا عاصم لهم ، ولا مانع يمنعهم من عذاب الله ، وجوههم مسودّة (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ) في حال ظلمته.

جعلنا الله من أهل جنته بفضله ورحمته ، وحمانا من عذاب أهل النار ، تكرما وإحسانا وإنعاما ، وهدانا إلى سواء السبيل.

وقد أثبت أهل السنة بهذه الآية وما وضحها من السنة جواز رؤية الله تعالى في الآخرة ، وأكد ذلك قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة ٧٥ / ٢٢ ـ ٢٣] فأثبت لأهل الجنة أمرين : أحدهما ـ نضرة الوجوه ، والثاني ـ النظر إلى الله تعالى.

حشر الخلائق وتبرؤ الشركاء من المشركين ومن عبادتهم

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠))

الإعراب :

(جَمِيعاً) نصب على الحال ، أي نحشر الكل حال اجتماعهم.

(مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ مَكانَكُمْ) : اسم فعل لا لزموا ، كما أن «مه» اسم لا كفف ، و«صه» اسم لا سكت. وفتحة النون فتحة بناء لقيامه مقام فعل الأمر. وقال الرازي والسيوطي : منصوب بإضمار : الزموا.

١٥٧

و (أَنْتُمْ) : توكيد لضمير (مَكانَكُمْ) المستتر ، و (شُرَكاؤُكُمْ) : معطوف عليه لوجود التوكيد ، كقوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة ٢ / ٣٥ والأعراف ٧ / ١٩].

(فَزَيَّلْنا) من زيّلت الشيء من الشيء : إذا نحيته. ولا يجوز أن يكون من زال يزول ؛ لأنه يلزم فيه الواو ، فيقال : زوّلنا.

(ما كُنْتُمْ إِيَّانا ما) : نافية ، و (إِيَّانا) مفعول به مقدم لتعبدون ، وقدم مراعاة لفواصل الآيات.

(إِنْ) مخففة من الثقيلة ، أي إنا كنا ، واللام في (لَغافِلِينَ) هي الفارقة بينها وبين النافية.

المفردات اللغوية :

(نَحْشُرُهُمْ) أي الخلق وهم فريقا المحسنين والمسيئين المذكورين في الآية السابقة ، والحشر : الجمع من كل جانب إلى موقف واحد (مَكانَكُمْ) أي الزموا مكانكم حتى تنظروا ما يفعل بكم ، وقد سد مسد قوله : «الزموا» ويراد بذلك التهديد والوعيد. (وَشُرَكاؤُكُمْ) أي الأصنام (فَزَيَّلْنا) فرقنا وميزنا وقطعنا ما بينهم من صلات (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) مجاز عن براءة ما عبدوه من عبادتهم ، فإنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم الآمرة بالإشراك (إِنْ كُنَّا) أي تقول الملائكة والمسيح ومن عبدوه من دونه من أولي العقل ، وقيل : الأصنام ينطقها الله عزوجل ، فتشافههم بذلك ، مكان الشفاعة التي زعموها لهم ، وعلقوا بها أطماعهم بقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر ٣٩ / ٣] (وَيَقُولُونَ : هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس ١٠ / ١٨].

(هُنالِكَ) في ذلك اليوم أو في ذلك المقام (تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) تختبر ما قدمت من عمل ، فتعاين نفعه وضرره ، و (أَسْلَفَتْ) : قدمت و (رُدُّوا إِلَى اللهِ) إلى جزائه إياهم بما أسلفوا (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ربهم ومتولي أمرهم على الحقيقة ، لا ما اتخذوه مولى : والحق : الثابت الدائم (وَضَلَ) غاب أو ذهب وضاع عنهم (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) عليه من الشركاء.

المناسبة :

بعد أن أبان الله تعالى مصير المحسنين والمسيئين يوم القيامة ، أعقبه بذكر يوم الجزاء الذي يتم فيه حشرهم ، فيحشر العابد والمعبود ، ثم يتبرأ المعبود من العابد ، ويتبين له أنه ما فعل ذلك بعلمه وإرادته. والمقصود نفي الشفاعة ، فإن

١٥٨

القوم كانوا يقولون : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس ١٠ / ١٨] فبين الله تعالى أنهم لا يشفعون لهؤلاء الكفار ، بل يتبرءون منهم ، وهو يدل على نهاية الخزي والنكال في حق الكفار.

التفسير والبيان :

هذا مشهد فاصل من مشاهد يوم القيامة ، تصفّى فيه علاقة الشرك بين المشركين وآلهتهم المزعومة ، فيقول الله لنبيه : واذكر أيها الرسول يوم نحشرهم أي نجمع أهل الأرض كلهم من جن وإنس وبرّ وفاجر ، وفيهم الفريقان المذكوران سابقا وهم المحسنون والمسيئون كما قال تعالى : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) [الكهف ١٨ / ٤٧].

(ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي الذين اتخذوا مع الله شريكا : الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم ، لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم ، كقوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات ٣٧ / ٢٤] وفي هذا وعيد وتوبيخ أمام الخلائق.

(فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي فرقنا بين الشركاء والمشركين ، وقطعنا ما كان بينهم في الدنيا من صلات وروابط.

وتبرأ الشركاء من عابديهم : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ : ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) أي وقال الشركاء لعابديهم : ما كنتم تخصوننا بالعبادة ، إنما كنتم تعبدون الشياطين حيث أمروكم أن تتخذوا لله أندادا ، فأطعتموهم. وفي هذا أيضا تهديد ووعيد ، وأنه تتبدد حينئذ آمال المشركين في شفاعة الشركاء.

والشركاء : إما الملائكة وعيسى المسيح ونحوهم ممن عبدوا من دون الله ، أو الأصنام التي ينطقها الله عزوجل ، فتكلمهم بذلك ، والأولى أن المراد بالشركاء : كل من عبد من دون الله تعالى ، من صنم وشمس وقمر وملك وإنسي وجني.

١٥٩

(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) أي كفى بالله شاهدا وحكما بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ، ولا أمرناكم بها ، ولا رضينا منكم بذلك. وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين ، وتهديد في حق العابدين.

(إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) أي إننا كنا في غفلة تامة عن عبادتكم ، لا نعلم بها ، ولا ننظر إليها ، ولا نرضى عنها ، وقال القرطبي. ما كنا عن عبادتكم إلا غافلين لا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ؛ لأنا كنا جمادا لا روح فينا ؛ أي أنه جعل (إِنْ) هنا نافية ، والحق أنها مخففة من الثقلية بدليل دخول اللام على : غافلين.

(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) أي هنالك في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتذوق وتعلم ما قدمت من العمل من خير وشر ، فتعرف كيف هو ، أقبيح أم حسن؟ كما يختبر الرجل الشيء ويتعرفه ، ليتبين حاله؟ كما في قوله تعالى : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [الطارق ٨٦ / ٩].

(وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) أي وأرجعوا إلى الله ، ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل ، الحق الثابت الدائم ، ففصلها ، وأدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، دون تلك الشركاء والأنداد.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي وذهب عن المشركين افتراؤهم وما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه ، ويتخذون تلك الأنداد آلهة مزعومة ، ولم يبق لهم نصير ولا شفيع ، والأمر كله يومئذ لله تعالى. فهذا تنبيه على زوال ما يدعون أن أولئك الشركاء شفعاء ، وأن عبادتهم تقرّب إلى الله تعالى.

١٦٠