القواعد الأساسيّة للّغة العربيّة

السيّد أحمد الهاشمي

القواعد الأساسيّة للّغة العربيّة

المؤلف:

السيّد أحمد الهاشمي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة المعارف للطباعة والنشر
الطبعة: ٣
ISBN: 9953-434-08-5
الصفحات: ٣٠٣

وتسمّى هذه الأفعال «بالأمثلة الخمسة» وهي كلّ فعل مضارع اتّصل به ألف الاثنين ، أو واو الجماعة (١) أو ياء المخاطبة ، نحو : ينصران ، وتنصران ، وينصرون ، وتنصرون ، وتنصرين.

المبحث العاشر : في الفعل المضارع المعتلّ الآخر (٢)

الفعل المضارع المعتلّ الآخر هو : ما آخره الف ، كيسعى ، أو واو كيسمو ، أو ياء كيرتقي. وكلّها تجزم بحذف حرف العلّة.

__________________

(١) وأما قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) فالواو لام الكلمة ، وليست ضمير الجماعة والنون نون النسوة ، والفعل في الآية مبنيّ على السكون لاتصاله بنون النّسوة التي هي فاعل ، مثل يرضعن (ووزنه يفعلن) بخلاف ، نحو : الرجال يعفون : فالواو ضمير الجماعة ، ولام الفعل محذوفة. والنون علامة الرفع. فهو مرفوع بثبوت النون : والواو فاعل (ووزنه يفعون).

(٢) الفعل المعتلّ هو : ما كان أحد أصوله حرفا من حروف العلة الثلاثة التي هي : الألف ، والواو ، والياء ، وهو خمسة أقسام :

الأول «مثال» وهو : ما كانت فاؤه حرف علّة ، نحو : وعد ـ ويسر ـ ويبس.

الثاني «أجوف» وهو : ما كانت عينه حرف علة ، نحو : قام ـ وعور ـ وغيد.

الثالث «ناقص» وهو : ما كانت لامه حرف علة ، نحو : عفى ـ وسرو ـ ورضي.

الرابع «لفيف مفروق» وهو : ما كانت فاؤه ولامه حرفي علة ، نحو : وقى ـ وولى.

الخامس «لفيف مقرون» وهو : ما كانت عينه ولامه حرفي علة ، نحو : طوى ـ وقوي ـ وحيي.

والفعل الصحيح هو : ما خلت أصوله من حروف العلة ، وأنواعه ثلاثة :

الأول : سالم وهو : ما خلا من الهمزة والتضعيف ، نحو : نصر ، ودحرج.

الثاني : مهموز ، وهو ما كان أحد أصوله همزة ، نحو : أنس ، وسأل ، وقرأ ويكون المهموز معتلا أيضا ، نحو : أتى ، ورأى ، وشاء.

الثالث : مضعّف ، وهو قسمان : مضعّف ثلاثي وهو : ما كانت عينه تماثل لامه نحو : مدّ ، شدّ ، ودّ ... ومضعّف رباعي وهو : ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس ، وعينه ولامه الثانية من جنس ، نحو : زلزل ووسوس. واعلم أنّ حرف العلة يسمّى مدّا إذا سكن بعد حركة تجانسه ، ولينا إذا سكن مطلقا ، نحو : قال يقول قولا ، وباع يبيع بيعا.

وعلى هذا فالألف دائما حرف مدّ ولين ، بخلاف الواو والياء ، وكل حرف مدّ يسمى لينا ولا عكس.

٦١

المبحث الحادي عشر : في الإعراب الظّاهر ، والمقدّر

الإعراب الظّاهر هو : ما لا يمنع من النّطق به مانع ، نحو : حضر سليم ، وقابلت سليما ، وتكلّمت مع سليم.

ويقع في الصّحيح الآخر ، نحو : يكتب خليل.

وفي شبه الصّحيح وهو : ما كان مختوما بواو ، أو ياء ساكن ما قبلهما ، كدلو ، وظبي ، فإنّ الإعراب في كلّ ذلك ظاهر.

والإعراب المقدّر هو : ما يمنع من التّلفّظ به مانع ، من تعذّر ، أو استثقال ، أو مناسبة.

فأوّلا : المقدّر للتعذّر : يقع في المعتلّ الآخر المختوم بألف مفتوح قبلها ، نحو :

يرضى الفتى ، فتقدّر عليها الحركات الثلاث (للتعذّر) (١).

وثانيا : المقدّر (٢) للثقل : ويقع في المعتلّ الآخر المختوم بواو مضموم ما قبلها ، نحو : يدعو ، ويقع أيضا في المختوم بياء بعد كسرة ، فتقدّر على الياء الضمّة والكسرة فقط (للاستثقال).

وتوضيح ذلك أنّ الحركات الثّلاث تقدّر في الاسم المعرب الّذي آخره ألف لازمة ، كالهدى والمصطفى ، ويسمّى (مقصورا) (٣).

أي ممنوعا من ظهور الحركات فيه.

__________________

(١) معنى التعذّر في الألف : أنه لا يستطاع إظهار الحركة عليها لأنها لا تقبل الحركة أصلا.

(٢) معنى الاستثقال في الواو والياء أنّ ظهور الضمة والكسرة عليهما ممكن ولكن ذلك ثقيل على اللفظ. ولذلك تقدر الضمة والكسرة عليهما. وأما الفتحة فتظهر لخفتها. وينحصر ذلك في الواو المسبوقة بضمة ، والياء المسبوقة بكسرة ، بخلاف المسبوقتين بسكون فتظهر عليهما جميع حركات الإعراب ، كدلو وظبي.

(٣) المقصور : اسم معرب ، آخره ألف لازمة وهي إما منقلبة عن واو ، أو ياء ، أو مزيدة للتأنيث ، أو للإلحاق ، نحو : العصى ، والفتى ، والصغرى ، والزفرى. وإذا نوّن المقصور حذفت ألفه لفظا لا خطا في حالة الرفع والنصب والجر ، نحو : هذا فتى اتّبع هدى. ولم يأت بأذى. وليس من المقصور مثل : يرضى لأنه فعل ، ولا مثل : على لأنه حرف ، ولا نحو : متى لأنه مبني وكذا غلاما من نحو : جاء غلاما الأمير ، لأن الألف فيه ليست بلازمة.

٦٢

وتقدّر الضمة والكسرة في الاسم المعرب الّذي آخره ياء لازمة مكسور ما قبلها ، كالدّاعي والمنادي ويسمّى منقوصا (١) لأنّه نقص منه بعض الحركات فتظهر الفتحة في حالة النّصب ، نحو : كلّمت القاضي.

وأمّا الفعل المضارع المعتلّ بالألف ، فتقدّر على الألف الضمّة والفتحة ، نحو : سعد يسعى إلى الاستقلال ، ولن يهوى الاستبعاد.

والفعل المضارع المعتلّ بالواو ، والياء تقدّر عليهما الضمّة فقط ، نحو : سليم يسمو إلى المعالي ، ويرتقي إليها باجتهاده.

وأمّا الفتحة فتظهر على الواو ، والياء ، نحو : لن تدنو المطالب إلّا بالعمل ، والعادل لن يواسي في حكمه (٢).

وثالثا : الإعراب المقدّر للمناسبة : يقع في الاسم المضاف إلى ياء المتكلم فتقدّر جميع حركات الإعراب على آخره منع من ظهورها اشتغال المحلّ بالكسرة المناسبة لياء المتكلم (٣) ، نحو : غلامي.

__________________

(١) المنقوص : اسم معرب ، آخره ياء لازمة مكسور ما قبلها. وهي إما : أصلية أو منقلبة عن واو ، نحو : المحامي ، والداعي.

وإذا نوّن المنقوص حذفت ياؤه لفظا وخطا في حالتي الرفع والجر ، وبقيت في حالة النصب ، نحو : أنت هاد. لكل عاص وإن كان عاتيا.

وليس من المنقوص ، نحو : يمشي ، وفي ، وظبي.

والصّحيح : اسم معرب ليس آخره ألفا لازمة ، ولا ياء لازمة مكسورا ما قبلها نحو : كتاب وقلم. ومنه الممدود وهو : اسم معرب ، آخره همزة قبلها ألف زائدة ، نحو : إنشاء ، وسماء ، وبناء ، وصحراء وليس من الممدود ، نحو : جاء ، وأولاء ، وملء وماء وهواء.

ويجوز في الشعر قصر الممدود ، ومدّ المقصور.

(٢) ملخص القول أن الرفع يقدّر في الأحرف الثلاثة ـ والجزم يحذف الأحرف الثلاثة ـ والنصب يظهر في الواو والياء. ويقدّر في الألف.

واعلم أنّه يجوز في ضرورة الشعر تقدير الفتحة على الواو والياء.

(٣) هذا إذا لم يكن المضاف إلى ياء المتكلم مقصورا أو مثنى أو جمع مذكر سالما.

فإن كان مقصورا ثبتت ألفه على حالها ، وتفتح ياء المتكلم بعدها وجوبا ، نحو : فتاي وعصاي. وبعضهم يقلب ألفه ياء ويدغمهما في ياء المتكلم ، فتقول فتيّ وعصيّ.

وإن كان مثنى مرفوعا فحكمه كحكم المقصور ، وإن كان منصوبا أو مجرورا فتدغم ياؤه في ياء المتكلم التي تفتح وجوبا نحو يا خليليّ.

٦٣

وبيان ذلك أنّ آخره : إمّا أن يكون ملتزم الكسر لمناسبة الياء إذا كان صحيح الآخر ، كما في غلامي ، أو شبيها به كما في نحو : دلوي.

وإمّا أن يكون آخره ملتزما للسكون الواجب بسبب الإدغام إذا كان معتلّ الآخر بالياء فقط ، نحو : قاضيّ.

ورابعا : يقدّر الإعراب في المحكيّ حسب ما يقتضيه طلب العامل في حكم الإعراب المفروض له. والمحكيّ هو : كلمة جملة تحكى على لفظها كقولهم : (قال : فعل ماض) فقال : كلمة محكية. مبتدأ مرفوع بالضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية ، وفعل ماض : خبر المبتدأ.

ونحو : قرأت «رأس الحكمة مخافة الله» فجملة : رأس الحكمة مخافة الله محكية ، وهي في محلّ نصب مفعول به للفعل (قرأت).

ويدخل في الجملة المحكيّة ما سمّي به من الجمل ، نحو : تأبّط شرّا وشاب قرناها.

على أنّ الكلمات المفردة المحكيّة يكون إعرابها تقديريّا.

وأمّا الجمل المحكيّة فيكون إعرابها محليّا.

وخامسا : تقدّر الحركات أيضا على ما يلتزم سكونه (١) للوقف ، نحو : جاء الرّجل ، فالرجل فاعل لجاء مرفوع بضمّة مقدّرة منع من ظهورها السّكون العارض للوقف.

__________________

وإن كان جمع مذكر سالما فإن كان مرفوعا قلبت واوه ياء وأدغمت في ياء المتكلم التي يجب فتحها نحو جاء ضاربيّ ، والأصل ضاربوي ، وإن كان منصوبا أو مجرورا أدغمت ياؤه في ياء المتكلم المفتوحة وجوبا ، نحو : رأيت ضاربيّ بشرط كسر ما قبل الياء إلا إذا كان مفتوحا فيبقى على فتحه ، نحو : مصطفيّ ـ وقس على ذلك ما يماثله.

(١) ويقدر السكون إذا اعترض دونه ما يقتضي العدول عنه كالتقاء الساكنين في نحو : لا تضرب التلميذ ، فتضرب فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه سكون مقدر منع من ظهوره التقاء الساكنين.

٦٤

المبحث الثاني عشر : في الإعراب المحلّي

الإعراب المحلّي هو : الّذي يقع في المبنيّات الّتي تقدّم ذكرها ، نحو : صدق هذا ، وصدّق ذاك ، وثق بذلك.

فمحلّ «ذا» الرّفع في الأوّل ، والنّصب في الثاني ، والجرّ في الثّالث.

والإعراب المحلّي يتعلّق بجميع الكلمة (١) ، بخلاف اللّفظي والتّقديري فإنّهما يتعلّقان بآخر الكلمة فقط ، كما سبق بيانه مستوفيا (٢).

تمرين عام لبيان المعربات من المبنيات

[الوافر] :

تعلّم يا فتى والعود رطب

وجسمك ليّن والطّبع قابل

فحسبك يا فتى شرفا وعزّا

سكوت الحاضرين وأنت قائل

الفرصة تمر مرّ السّحاب ، فانتهزوا فرص الخير. [الوافر] :

عرضنا أنفسا عزّت علينا

عليكم فاستخفّ بها الهوان

ولو أنّا منعناها لعزّت

ولكنّ كلّ معروض مهان

ما رأيت شيئا كثيره أخفّ من قليله إلّا العلم [الرّجز] :

من قال لا أغلط في أمر جرى

فإنّها أوّل غلطة ترى

خير المال ما أنفق في سبيل الخير. [البسيط] :

إنّ الطيور على أشكالها تقع

[الكامل] :

سقط الحمار من السّفينة في الدّجى

فبكى الرّفاق لفقده وترحّموا

__________________

(١) اعلم أن الإعراب المحلي لا يخلو من أن تظهر فيه حركات البناء ، كالضمة في حيث ومنذ ، والفتحة في أين وكيف ، والكسرة في جير وأمس.

(٢) أو تقدّر فيه حركات البناء العارض كما في اسم لا النافية للجنس ، نحو : لا فتى هنا ، وفي نحو : يا عيسى ، ويا يحيى ، فإنّ الحركة تقدر لتعذّر ظهورها ، وفي نحو : يا سيبويه تقدّر لاشتغال المحل بغيرها ، وغير ذلك مما سبق بيانه.

٦٥

حتّى إذا طلع الصّباح أتت به

نحو السفينة موجة تتقدّم

قالت خذوه كما أتاني سالما

لم أبتلعه لأنّه لا يهضم

كلامه يدخل الآذان بلا استئذان. خير المواهب العقل ، وشرّ المصائب الجهل. [مجزوء الكامل] :

لا تدّخر غير العلو

م فإنّها نعم الذّخائر

فالمرء لو ربح البقا

ء مع الجهالة كان خاسر

[الكامل] :

لا تعجبنّك أوجه مدهونة

وتظنّ أنّ الحسن بالتّلوين

فالقرد ذو قبح وإن حسّنته

والبدر لا يحتاج للتّحسين

المبحث الثالث عشر : في العامل والمعمول

أ ـ العامل في اللّغة : المؤثّر ، وفي اصطلاح النّحاة : ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب.

ب ـ المعمول في اللّغة : المتأثّر واصطلاحا : ما وجد فيه أثر العامل لفظا ، أو تقديرا ، أو محلا.

والعامل قسمان لفظيّ ، ومعنويّ

فالعامل اللّفظيّ هو : ما ينطق به «حقيقة» كلفظ «ظهر» من نحو : ظهر الحقّ ، «أو حكما» كعامل الظّرف والجارّ والمجرور من قولك : أخوك عندك ، أو في الدّار (على تقدير موجود مثلا عندك أو في الدّار).

وأنواع العوامل اللّفظيّة كثيرة : كالفعل وشبهه (من اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصّفة المشبّهة ، والمصدر) ، وكذا المضاف : فإنّه يجرّ المضاف إليه ، وكذا المبتدأ فإنّه يرفع الخبر الخ.

والعامل المعنويّ هو : ما لا يكون للّسان فيه حظ وهو نوعان :

الأول : «الابتداء» وهو : خلوّ الاسم من العوامل اللّفظيّة للإسناد ، نحو : العلم

٦٦

نافع : فالعلم مبتدأ مرفوع «بالابتداء» الّذي هو أمر (معنويّ).

الثاني : «التّجرّد» وهو : تجريد الفعل المضارع عن النّاصب والجازم ، نحو : يسافر سعد ، فيسافر فعل مضارع مرفوع لتجرّده عن الناصب والجازم ، (والتّجرد أمر معنويّ أيضا).

تطبيق إعراب قول الشاعر

قدّ هون الصّبر عندي كلّ نازلة

وليّن العزم حدّ المركب الخشن

الكلمة

إعرابها

قد هوّن

قد حرف تحقيق. هوّن فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

الصبر

فاعل مرفوع بالضمة.

عندي

عند ظرف مكان متعلق بالفعل (هوّن) منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الكسرة المناسبة لياء المتكلم ، والياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر.

كلّ نازلة

كل مفعول به منصوب بالفتحة. نازلة مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وليّن العزم

الواو حرف عطف. ليّن فعل ماض مبني على الفتح. العزم فاعل مرفوع بالضمة.

حد المركب

حد مفعول به منصوب. والمركب مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الخشن

صفة للمركب مجرور بالكسرة.

تمرين عام

استخرج ممّا يأتي المعرب والمبني ، والمفرد والمثنّى والجمع مطلقا.

قرأت في أساطير الأوّلين ، أنّ رجلا يسمّى «عيسى بن يحيى» جلس وصاحبا له في ليلة ، فأخذا بأطراف الأحاديث بينهما ، وممّا قاله عيسى لصاحبه ، بلغني : أنّ رجلا

٦٧

سلك طريقا به أفاع ، فاعترضه في الصّحراء «ابن طبق (١) وابن فترة» فأوجس في نفسه خيفة منهما ، ولم يكن معه شيء من آلات الدّفاع ، فألقى رداءه ، وخلع نعليه ، وأخذ يعدو عدو الظّليم (٢) ، فقابله أسد من أحدّ الأسود وأضراها ، يثير الثّرى ، وينثر الحصى ببراثنه ، فاشتدّ فزعه ، وبينا هو كذلك بصر بفتى وضّاء عند واد هناك ، متقلّدا سيفا ورمحا : فاستغاث به ، فأتى مسرعا. فحمل على الحيّتين فقتلهما ، وعلى الأسد فولّى هاربا ، ثم قال له بعد أن تعارفا ما الذي حملك على مفارقة وطنك منفردا؟ فأنشد : [الطويل] :

وطول مقام الماء في مستقرّه

يغيّره ريحا ولونا ومطعما

فقال عمرو : صدقت ، ولكن لا يصحّ للعاقل أن يسلك طريقا مخوفا حتّى يعدّ له ما استطاع من قوّة وسهام صائبات.

فإن الله تعالى قال : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥].

وقال الإمام علي : سل عن الرّفيق قبل الطّريق.

فأجاب : أجل وما راء كمن سمع ، غير أنّ حكيما قال : [البسيط] :

ارحل بنفسك من أرض تضام بها

ولا تكن بفراق الأهل في حرق

من ذلّ بين أهاليه ببلدته

فالاغتراب له من أحسن الخلق

ثم قال : قد كان ما كان ، وانطلق حامدا شاكرا [الطويل] :

عليك ببرّ الوالدين كليهما

وبرّ ذوي القربى وبرّ الأباعد

__________________

(١) نوع من الأفاعي الهائلة.

(٢) ذكر النعام.

٦٨

الباب الثاني : في النكرة والمعرفة

ينقسم الاسم من حيث العموم والخصوص إلى : نكرة ، وهي الأصل ، وإلى معرفة ، وهي الفرع.

 «وفي هذا الباب مباحث»

المبحث الأول : في النكرة

النّكرة هي : كل اسم شائع في أفراد جنسه ، لا يختصّ به واحد دون غيره ، كرجل ، وامرأة ، فكلّ منهما شائع في معناه لا يختصّ به هذا الفرد دون ذاك. فإن الأول يصحّ إطلاقه على كل ذكر بالغ من بني آدم ، والثاني يصحّ إطلاقه على كل أنثى بالغة من بني آدم.

فالنكرة هي : ما لا يفهم منها معيّن ، وهي نوعان :

أحدهما : نكرة تقبل أل المفيدة للتّعريف ، نحو : كتاب ، وقلم ، فكلّ منهما صالح لدخول «أل» المعرّفة عليه ، فتقول : الكتاب والقلم.

ثانيهما : نكرة تقع موقع ما يقبل «أل» المؤثّرة للتّعريف ، وهي (ذو) (١) الّتي هي من الأسماء السّتة ، فإنّها وإن كانت غير صالحة بنفسها لدخول أل عليها ، فهي صالحة بمرادفها وهو (صاحب) فإنّك تقول فيه «الصّاحب» ولو دخلت أل على اسم ، ولم تؤثّر فيه التّعريف لم تكن معرفة ، ولم يكن الاسم نكرة ، نحو : «عبّاس» إذا قلت فيه : العبّاس.

المبحث الثاني : في المعرفة

المعرفة هي : كلّ لفظ وضعه الواضع لمعنى معيّن مشخّص أي هي اسم يدلّ

__________________

(١) ومثلها «من وما» نكرتين موصوفتين في قولك : لا يسرني من معجب بنفسه ، ونظرت إلى ما معجب لك. فإنّها واقعة موقع إنسان. وشيء ، وكذا ، اسم الفعل نحو : (صه) منوّنا فإنّه يحلّ محلّ قولك سكوتا. وكلّ ذلك البدل تدخل عليه أل.

٦٩

على شيء بعينه وهي نوعان :

الأوّل : ما لا يقبل (أل) قطعا ، ولا يقع موقع ما يقبلها ، وذلك كالأعلام ، نحو : محمّد ، وسعاد.

الثّاني : ما يقبل أل الّتي لا تفيده تعريفا ، نحو : حارث ، وعباس فإنّ أل الدّاخلة عليهما للمح الأصل بها ، وهو التّنكير المفيد للتّعميم.

وأنواع المعارف سبعة : الضّمير ، والعلم ، واسم الإشارة ، واسم الموصول ، والمعرّف بأل ، والمضاف إلى واحد منها إضافة معنويّة ، والمنادى وهي على هذا التّرتيب في الأعرفيّة (١).

المبحث الثالث : في الضمير أو المضمر

الضّمير هو : اسم لما وضع لمتكلّم ك (أنا) ، أو لمخاطب ك (أنت) أو لغائب ك (هو) أو لمخاطب تارة ، ولغائب أخرى ، وهي :

الألف ، والواو ، والنّون ، كقوما وقاما ، وقوموا ، وقاموا وقمن ويقمن ، وينقسم الضّمير إلى قسمين : بارز ومستتر.

الضمير البارز

هو الّذي له صورة في اللّفظ ، وهو نوعان : متّصل ، ومنفصل ، فالمتصل : ما لا يفتتح به النّطق ، ولا يقع بعد إلّا ، وإنّما يكون كالجزء من الكلمة السّابقة ، كياء ابني ،

__________________

(١) أعرف هذه المعارف ضمير المتكلم ، فالمخاطب ، فالغائب ، ثم العلم للمكان فللإنسان ، فلغيره من الحيوانات ، ثم اسم الإشارة للقريب ، فللمتوسط ، فللبعد. ثم الموصول المختص ، فالمشترك. ثم المعرّف بأل العهدية ، فالجنسية. ثم المضاف إلى واحد مما سبق ، ثم المنادى. لكن قال البعض إن المنادى في رتبة اسم الإشارة لأن الإقبال على المنادى كالإشارة إلى المشار إليه. كما وأنه يستثنى من قاعدة أعرف المعارف الضمير (اسم الله تعالى) فإنه وإن كان (علما) للذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد ، إلّا أنه أعرف المعارف مطلقا. ثم يليه الضمير العائد على اسم الله تعالى الأعظم ، ثم ضمائر غيره على الترتيب المذكور.

٧٠

وكاف أكرمك ، وهاء سلنيه. والمتّصل : ستّة وثلاثون ضميرا :

اثنا عشر منها في محلّ رفع ، وهي : كتبت ، كتبنا ، كتبت ، كتبت ، كتبتما ، كتبتم ، كتبتنّ ، كتب ، كتبت ، كتبا ، كتبوا ، كتبن.

واثنا عشر منها في محلّ نصب ، وهي : علّمني ، علّمنا ، علّمك ، علّمك ، علّمكما ، علّمكم ، علّمكنّ ، علّمه ، علّمها ، علّمهما ، علّمهم ، علّمهنّ.

واثنا عشر منها في محلّ جرّ (١) وهي : هذا وطني ، وطننا ، وطنك ، وطنك ، وطنكما ، وطنكم ، وطنكنّ ، وطنها ، وطنهما ، وطنهم ، وطنهنّ.

والمنفصل : ما يبتدأ به ، ويقع بعد إلّا في الاختيار ، كأنا ، ونحن وهو أربعة وعشرون ضميرا :

اثنا عشر : منهما مختّصة بالرّفع ، وهي : أنا ، ونحن ، وأنت ، وأنت ، وأنتما ، وأنتم ، وأنتنّ ، وهو ، وهي ، وهما ، وهم ، وهنّ.

واثنا عشر منها مختصّة بالنّصب ، وهي : «إيّاي (٢) ، وإيّانا ، وإيّاك ، وإيّاك ، وإيّاكما ، وإيّاكم ، وإيّاكنّ ، وإيّاه ، وإيّاها ، وإيّاهما ، وإيّاهم ، وإيّاهنّ.

__________________

(١) ظهر من هذا أنّ الضمير المتصل ينقسم بحسب إعرابه المحليّ إلى ثلاثة أقسام :

أ ـ ما يختصّ بالرفع وهو خمسة : الألف كقاما ، والواو كقاموا ، والنون كقمن. وياء المخاطبة كقومي. والتّاء مجرّدة كقمت ، أو متّصلة بما كقمتما ، أو بالميم كقمتم. أو بالنون المشددة كقمتنّ.

ب ـ ما هو مشترك بين محلّي النّصب والجرّ ، وهو ثلاثة : ياء المتكلم ، نحو : ربّي أكرمني ، وهاء الغائب ، نحو : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) وكاف المخاطب ، نحو : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) سواء أكانت الكاف مجرّدة ، أو متصلة بما ، أو الميم أو النون المشدّدة ، على نحو ما تقدم.

ج ـ ما هو مشترك بين الرفع ، والنصب ، والجر ، وهو (نا) نحو : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ).

(٢) واعلم أنّ الضّمير هو لفظة (إيّا) وأن اللّواحق لها حروف تكلّم وخطاب وغيبة.

تنبيه : الضمير المنفصل لا يكون في محل جر أصلا ، وأمّا نحو : ما أنا كأنت ولا أنت كأنا ، فخلاف الأصل ، فقد وضع ضمير الرفع موضع ضمير الجر بالنّيابة.

٧١

الضمير المستتر

الضّمير المستتر : هو الّذي ليس له صورة في اللّفظ ، كالضّمير الملحوظ في نحو : افهم درسك.

وينقسم المستتر إلى قسمين : مستتر وجوبا ، ومستتر جوازا.

ألمستتر وجوبا

هو الّذي لا يخلفه ظاهر ، ولا ضمير منفصل ، ومواضعه عشرة :

١ ـ مرفوع أمر الواحد ، نحو : ذاكر ، واجتهد.

٢ ـ مرفوع المضارع المبدوء بتاء خطاب الواحد ، نحو : أنت تفهم.

٣ ـ مرفوع المضارع المبدوء بهمزة المتكلّم ، نحو : أفهم.

٤ ـ مرفوع المضارع المبدوء بالنّون ، نحو : نفهم.

٥ ـ مرفوع أفعال الاستثناء وهي خلا ، وعدا ، وحاشا ، وليس. ولا يكون نحو : نجحوا ما عدا سليما ، أوما خلاه. وفازوا لا يكون محمودا وامتثلوا ليس سليما.

٦ ـ مرفوع أفعل في التّعجّب ، نحو : ما أحسن الصّدق!

٧ ـ مرفوع أفعل التّفضيل ، نحو : هم أحسن اجتهادا.

٨ ـ مرفوع اسم الفعل غير الماضي ، كأوّه ، ونزال.

٩ ـ مرفوع الصفات المحضة ، نحو : جاء رجل فاضل ، والعدل ممدوح ، والإنصاف عظيم.

١٠ ـ مرفوع متعلّق الظّرف ، نحو : الأمر إليك ، والمجد بين برديك.

المستتر جوازا.

هو الّذي يخلفه الظّاهر ، أو الضّمير المنفصل ، ومواضعه أربعة :

١ ـ مرفوع فعل الغائب ، نحو : خليل نجح.

٢ ـ مرفوع فعل الغائبة ، نحو : سعاد نجحت.

٣ ـ مرفوع الصّفات المحضة ، نحو : كامل فاهم ، والدّرس مفهوم.

٤ ـ مرفوع اسم الفعل الماضي ، نحو : شتّان ، وهيهات.

٧٢

الضمير المتصل هو الأصل

متى أمكن اتّصال الضّمير لا يعدل إلى انفصاله (١) وذلك لاختصار المتّصل غالبا. فلهذا كان المتّصل هو الأصل ، فلا يصحّ العدول عنه إلى المنفصل ، إلّا لدواع وأسباب كثيرة.

وأشهر الدواعي الموجبة لفصل الضمائر هي :

١ ـ إرادة الحصر ، كما إذا تقدّم الضّمير على عامله ، نحو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) [الفاتحة ٥] أو تأخّر ووقع محصورا بإلّا ، أو بإنّما ، نحو : لا نعبد إلّا إيّاه ، وإنّما المعبود هو.

٢ ـ كون عامله محذوفا ، كما في التّحذير ، نحو : إيّاك والكذب.

٣ ـ كون عامله معنويا (وهو الابتداء) نحو : أنا متأدّب.

٤ ـ كون عامله حرف نفي ، نحو : ما أنا مهملا في دروسي.

٥ ـ فصله من عامله بمتبوع له ، نحو : يخرجون الرّسول وإيّاكم.

٦ ـ فصله من عامله بلفظة (إمّا) نحو : ليسبق في الحفظ إمّا أنا وإمّا أنت.

٧ ـ وقوع الضّمير مفعولا معه ، نحو : سرت وإيّاك.

جواز فصل الضمائر مع إمكان الوصل

يستثنى من قاعدة (متى أمكن اتّصال الضّمير لا يعدل عنه إلى انفصاله) ثلاث مسائل ، يجوز فيها الانفصال مع إمكان الاتصال ، وهي :

 ـ أوّلا : إذا كان الضّمير المقدّم منصوبا أعرف (٢) من الضّمير المؤخّر ، نحو : الدّرهم أعطيتكه ، أو أعطيتك إيّاه. والكتاب منحتك إيّاه ، أو منحتكه ، والقلم معطيكه ، أو معطيك إيّاه.

__________________

(١) وذلك ، نحو قمت ، وأكرمتك ، فلا يقال : قام أنا ، ولا أكرمت إياك لأن التاء أخصر من أنا ، والكاف أخصر من إيّاك.

(٢) إمّا إذا كان الضّمير المقدّم منصوبا غير أعرف ؛ نحو : الكتاب أعطاه إياي أو إيّاك ، فيجب الفصل.

٧٣

«جاز الفصل ، مع إمكان الوصل».

 ـ ثانيا : إذا اتّحد الضّميران في الغيبة ، واختلف (١) لفظهما إفرادا وتثنية وجمعا ، أو تذكيرا وتأنيثا نحو : بنيت الدّار لأبنائي وأسكنتهموها أو أسكنتهم إيّاها «جاز أيضا الانفصال ، مع إمكان الاتّصال».

ثالثا : إذا كان الضّمير منصوبا خبرا (لكان أو إحدى أخواتها) ، نحو : الصّديق كنته ، أو كنت إيّاه ـ «جاز أيضا الانفصال ـ مع إمكان الاتصال».

واعلم أنّ ضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب ، وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب (٢).

__________________

(١) أمّا إذا تساوت واتحدت رتبة الضميرين لفظا بأن يكونا لمتكلم أو لمخاطب أو لغائب ، كقول الأسير لمن أطلقه : ملكتني إيّاي ـ وكقول السيد لعبده : ملّكتك إيّاك. وكقولك عن غائب : الكتاب ملّكته إيّاه ـ فيجب فيه أيضا الفصل.

(٢) وإنما كان ضمير الغائب أحطّ مرتبة في التعريف من أخويه (المتكلم والمخاطب) لأنه لم يوضع معرفة بنفسه ، بل بسبب مرجعه ، ولهذا لا بدّ له من مرجع في الكلام ليفهم معناه.

واعلم أنه سبق أن الضمائر ثلاثة أقسام : ما يجب اتصاله ، وما يجب انفصاله ، وما يجوز فيه الأمران ، وأن الجائز اتصاله وانفصاله هو خبر باب كان أو إحدى أخواتها ، وثاني مفعولي باب أعطى وباب ظن غالبا سواء أكانت أفعالا أو أسماء.

وجميع الضمائر متصلة ومنفصلة مبنية لا يظهر فيها الإعراب.

ويختصّ الاستتار بضمير الرفع.

١٢ فائدة

الأولى : ياء المتكلّم يجوز فيها السكون كثيرا ، والفتح قليلا نحو : عيل صبري لفقري ويختار فتحها إذا ولتها همزة وصل ، نحو : لي الأمر. ويجب فتحها إذا كان ما قبلها ألفا نحو : مولاي ، أو ياء ، نحو بنيّ ـ وقاضيّ.

الثانية : كاف الخطاب : تفتح للمخاطب ، وتكسر للمخاطبة ، وتضم لما عداهما.

الثالثة : هاء الغائب تفتح للغائبة ، وتضم لغيرها ، إلا إذا سبقتها كسرة ، أو ياء ساكنة فتكسر نحو اجتمعت به وبأخيه.

الرابعة : ميم الجمع ساكنة إلا إذا جاء بعدها ساكن فإن كان ما قبلها مضموما ضمّت نحو : عليكم السّلام ، وإن كان مكسورا كسرت نحو : بهم النجاة.

الخامسة : نون الإناث تكون (ضميرا) متى خفّفت كذهبن ، ويذهبن ، وتكون (علامة جمع المؤنث) متى شدّدت نحو : أكرمهنّ. وهي مفتوحة في الحالتين.

السادسة : الألف الزائدة بعد واو جمع الذكور نحو : قاموا ، وقوموا ، تحذف إذا اتّصل

٧٤

تمرين

بيّن نوع استتار الضمائر التي في الأفعال الآتية.

أتكلّم قليلا وأعمل كثيرا. وأتقدّم ما وجدت التّقدم عزما. وأتقهقر ما رأيت التّقهقر حزما ـ الحكمة ضالّة المؤمن ؛ فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق ـ من استبدّ برأيه هلك ؛ ومن شاور الرجال شاركها في عقولها (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) [طه : ١٤] [الوافر] :

ولو أنّا إذا متنا تركنا

لكان الموت راحة كل حيّ

ولكنّا إذا متنا بعثنا

ونسأل بعده عن كلّ شيّ

إياه نسأل أن يلهمنا ما فيه الرشاد ويهدينا طريق السداد. يجب أن نهتم للمستقبل

__________________

بضمير. نحو اضبطوهم ، وضبطوهم.

السابعة : ضمائر التكلم والخطاب وخاصة بالعقلاء ، وضمائر الغيبة مشتركة بين العقلاء وغيرهم ، إلا الواو ـ وهم ـ فمختصان بالذكور العقلاء.

الثامنة : ضمائر الرفع المنفصلة هي ما وضعت للتكلم ، والغيبة برمتها ، نحو : أنا وهو.

وأما ضمائر الرفع للخطاب وضمائر النصب المنفصلة فليست كذلك ، بل الضمير في الأولى هو «أن» بفتح الهمزة. وفي الثانية هو «إيّا» بكسرها ، وما يليهما حروف تدل على المعاني المقصودة بهما كالخطاب ، والتثنية ، والجمع.

التاسعة : أجازوا تسكين هاء هو ، وهي. بعد الواو والفاء كثيرا نحو : وهو الغفور وهي القاضية. وبعد اللام قليلا نحو : إن هذا لهو الحق.

العاشرة : قد ينزل أحيانا ما لا يعقل منزلة من يعقل فيستعمل له ما يستعمل للعاقل نحو : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ).

ويجوز أن يستعمل ضمير الإناث العاقلات لجماعة ما لا يعقل من المؤنث فيقال : (الشجرات أثمرن).

الحادية عشرة : إذا اعتبرت (عدا وخلا وحاشا) أفعالا ـ يجب إلحاقها بنون الوقاية في حالة اتصالها بياء المتكلم ، نحو : حضر التلاميذ ما عداني.

وإذا اعتبرت أفعال الاستثناء المذكورة حروف جر ، امتنع إلحاقها بنون الوقاية لعدم الخوف من الكسر.

الثانية عشرة : إنّ الفعل الناقص كدعا ورمى ، لا يخشى معه المحذور الذي جيء بالنون لأجله وهو (الكسر) إذ لا تظهر الكسرة في مثل (دعاني ورماني) وإنما ألحقوه بغيره من الصحيح الآخر طردا للباب على نظام واحد.

٧٥

اهتماما لا يحرمنا لذة الحاضر ؛ لأنه ليس من الحكمة أن نشقى اليوم مخافة أن نشقى غدا. كلّ شيء يرخص إذا كثر خلا الأدب فإنّه إذا كثر غلا. من اقتصد في الغنى والفقر فقد استعدّ لنوائب الدهر. لا تكونّنّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان إنك كنت بنا بصيرا [الكامل] :

شرّقت منتزحا وقومي غرّبوا

شتّان بين مشرّق ومغرّب

المبحث الرابع : في ياء المتكلّم مع نون الوقاية

إذا سبق ياء المتكلم (فعل أو اسم فعل) ـ أو (من أو عن) وجب الإتيان بنون تسمّى نون الوقاية «لتقي وتحفظ الفعل الصّحيح الآخر ممّا لا يدخله وهو (الكسر) الشّبيه بالجرّ.

ولتقي أيضا ما بني على الأصل وهو (السكون) نحو : والدي أدّبني ، وعلّمني. وزدني يا ربّ علما. ولا تنقل هذا الخبر عنّي. ولا ينال اليأس منّي.

وإذا سبق ياء المتكلم إنّ أو إحدى أخواتها ، أو لدن ، أو قد أو قطّ ، جاز ذكر نون الوقاية ، وجاز حذفها ، نحو : إنّي. وإنّني. ولدّني ولدنّي. وقدي وقدني. وقطي وقطني ـ غير أنّ الأكثر الحذف في لعلّ ، والإثبات في ليت ، ولدن ، وقط ، وقد ، نحو : ليتني أنال رضا الناس ـ ولك من لدنّي صادق الودّ.

تمرين على ياء المتكلم مع نون الوقاية

ليتني أزورك فتحسن إليّ. هم يكافئونني إذا أحسنت الخدمة لهم ـ ذهب إخواني للرياضة ما خلاني ـ اجتهدت لعلي أظفر بضالّتي ـ دعاني إلى الحديث ما رأيتموني عليه من الصراحة. إنّ الذين لم ينصروني على عدوّي لا يحبونني ـ ما عساني أقول وقد سمعتم منّي كثيرا ولم تأخذوا عنّي إلا قليلا ـ قدني ما قلته إلى الآن. لقد ورد إليكم من لدني رسائل كثيرة على أنّني لم أفز بجواب عليها ، كأنني غريب عنكم ولكنّي أعذركم فإذا تكرمتم بشيء فإني أقول قطني وحسبي.

٧٦

المبحث الخامس : في العلم

العلم هو : ما وضع لمسمّى معيّن بدون احتياج إلى قرينة خارجة عن ذات لفظه ، نحو : جعفر ، وغضنفر ، وزينب ، وشاة ، ومصر.

تقسيم العلم باعتبار الوضع

ينقسم العلم باعتبار الوضع إلى ثلاثة أنواع : اسم ، وكنية ، ولقب.

فالاسم : ما وضع أوّلا ليدلّ على الذات نحو : عمر ، وعثمان.

والكنية : هي كلّ مركّب إضافيّ صدره أب ، أو أمّ ، أو ابن ، أو بنت ، نحو : أبو البشر ، وأمّ المؤمنين ، وابن مالك ، وبنت النّعمان.

واللّقب : ما يراد به مدح مسماه ، أو ذمّه. نحو : جمال الدّين ، وسيف الدّولة ، والنّاقص ، والحمّار.

تقسيم العلم باعتبار الاستعمال

ينقسم العلم باعتبار الاستعمال إلى نوعين :

مرتجل : وهو ما وضع من أوّل الأمر علما ، ولم يستعمل في شيء آخر قبل علميّته ، كعمر ، وسعاد.

ومنقول : وهو ما نقل من شيء سبق استعماله فيه قبل العلميّة.

والنّقل إمّا عن مصدر ، كفضل ، أو عن اسم جنس ، كأسد. أو عن فعل : كيحيى وأحمد : أو عن صفة كمحرز ، ومحمد ، وسعيد ، وحمّاد ، أو عن مركّب : كجاد المولى ، وسيبويه.

«والأعلام المنقولة أكثر من المرتجلة».

واعلم أنّه إذا اجتمع الاسم واللّقب يقدّم الاسم ، ويؤخّر اللّقب لأنّه كالنّعت له ، نحو : هارون الرّشيد ـ إلّا إذا اشتهر اللّقب اشتهارا تامّا فيجوز العكس ، نحو (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) [النساء : ١٧١].

وأمّا الكنية فلا ترتيب لها معهما ، فيجوز تقديمها وتأخيرها. غير أنّ الأشهر تقديمها عليهما جميعا ، فيقال : أبو حفص عمر الفاروق ـ وأبو الطّيّب أحمد المتنبّي ؛

٧٧

وذلك لأنّ المراد بالكنية الدّلالة على الذّات دون الصفّة بخلاف اللّقب ، كما تقدّم.

تقسيم العلم باعتبار اللفظ

ينقسم العلم باعتبار اللّفظ إلى نوعين : مفرد ، ومركب.

فالمفرد ، نحو : سعد ، وحكمه أن يعرب على حسب العوامل.

إلّا إذا كان (ممنوعا من الصّرف) فيجرّ بالفتحة ، نحو : أحمد.

أو كان على وزن «فعال» نحو : حذام. فيبنى على الكسر.

والمركّب ، (إن كان إضافيا) نحو : نور الدّين ، فحكمه أن يعرب (صدره) على حسب العوامل ، ويجرّ (عجزه) بالمضاف دائما.

والمركّب (إن كان مزجيّا) ، نحو : بعلبكّ ، فحكمه أن يمنع من الصّرف. إلّا إذا كان مختوما بويه ، سيبويه. فيبنى على الكسر.

والمركّب (إن كان إسناديّا) نحو : جاد الحقّ ، وتأبّط شرّا فحكمه أن يبقى على حاله قبل العلميّة. ويحكى على حالته الأصلية وتقدّر على آخره حركات الإعراب (١).

ينقسم العلم إلى علم شخصي ، وهو : اسم يختصّ بواحد دون غيره من أفراد جنسه.

وإلى علم جنسي (٢) ، وهو : ما وضع للجنس برمّته ، بقطع النّظر عن أفراده.

__________________

(١) إذا كان الاسم واللقب مفردين وجب إضافة الاسم إلى اللقب ، نحو : سعد زغلول : ومحمد فريد. ومصطفى كمال (وجاز إتباع الأول للثاني). وإن كانا مركبين أو أحدهما مركبا والآخر مفردا ، أو كان في أحدهما (أل) امتنعت الإضافة ووجب الإتباع ، نحو : عبد الله سيف الدولة ـ ومحمد جمال الدين وسيف الإسلام جلال وهارون الرشيد ، والمهدي يعقوب.

(٢) اعلم أن علم الجنس موضوع لحقيقة الجنس الحاضرة في الذّهن. فهو يشبه (علم الشخصي) في جميع أحكامه اللفظية فيصحّ الابتداء به ، وتنصب النكرة بعده على الحال ، ويمنع من الصّرف إذا وجد فيه مع العلمية علة أخرى ، كالتأنيث في (أسامة) للأسد. ووزن الفعل في (ابن آوى) ولا يضاف ، ولا تدخل عليه أداة التعريف ولا ينعت بالنكرة ، كما هو الحال في الأعلام الشخصية.

والعلم الجنسي ، يشبه أيضا النكرة في المعنى من حيث إنه لا يخصّ واحدا بعينه فكل أسد يصدق عليه أسامة ، وكل عقرب يصدق عليها (أمّ عريط) وكيسان للغدر وشعوب للموت ،

٧٨

ومسمّاه يكون للأعيان العقلاء مثل (فرعون) علما لكلّ ملك من ملوك مصر ، أو لغير الأعيان ، كأسامة لجنس الأسد. وثعالة للثّعلب ـ وقد يكون مسمّاه للمعاني ـ كبرّة : لجنس البرّ ـ وفجار : لجنس الفجور والعلم الجنسيّ مقصور على السّماع ،

__________________

وهيّان بن بيّان ، لمن لا يعرف هو ولا أبوه ، وسبحان للتسبيح.

واعلم أيضا أن (أل) تدخل على الأعلام الدالة على مشتركين في اسم واحد إذا ثنيت أو جمعت ، لأن هذه الأعلام تصير عندئذ نكرات ، فيقال : جاء العمران وحضر المحمدون.

وتزاد أل على بعض الأعلام المنقولة للمح معنى الأصل الذي نقلت عنه كالفضل والعباس.

واعلم أيضا أنه تسقط العلمية عن العلم في واحد من ثلاثة أمور :

الأول : إذا وقع العلم مضافا نحو : هو حاتم عصره ، وسحبان زمانه. والثاني : إذا قصدت تثنيته أو جمعه ، ومن ثم تدخل عليه أداة التعريف نحو الفراعنة ، والمحمدان ، والفاطمات ، والمحمدون ، ونحوها.

الثالث : إذا دخلت (ربّ) عليه نحو ربّ سليم لقيته ، أي رب رجل كسليم لأن ربّ خاصة بالنكرات.

إعراب الأمثلة السابقة حضر تأبّط شرّا ـ رأيت تأبّط شرّا ـ نظرت إلى تأبّط شرّا.

الكلمة

إعرابها

حضر تأبّط شرا

فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب

فاعل مبني على الضم المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الحكاية

رأيت

رأى فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم ، والتاء فاعل مبنية على الضم في محل رفع

تأبط شرا

مفعول مبني على فتح مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الحكاية

نظرت إلى

نظر فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم. والتاء فاعل إلى : حرف جر مبني على اسكون لا محل لها من الإعراب

تأبط شرا

مجرور بإلى مبني على كسر مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الحكاية ويجوز أن يعرب (تأبط شرا إعرابا تقديريا) فنقول في حالة الرفع مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية. ونقول في حالة النصب منصوب بفتحة مقدرة ، إلى آخره وتقول في حالة الجر مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة ، إلى آخره

٧٩

وهو يكون اسما ، كما مرّ وكنية (كأبي جعدة) للذّئب و (أمّ عامر) للضّبع ، و (أبي أيّوب) للجمل ، و (أمّ قشعم) للموت. ويكون لقبا (كالأخطل) للهرّ. و (ذي النّاب) للكلب ، و (ذي القرنين) للبقر والضأن.

١ ـ تمرين

بيّن أنواع العلم الشخصي والجنسي فيما يأتي.

القاهرة ـ أنشأها القائد جوهر الذي فتح مصر سنة ٩٦٩ م ، وسمّاها (القاهرة) تفاؤلا بمرور كوكب من (المريخ) على خط زوالها وقتئذ. وكان العرب يسمون هذا الكوكب (القاهرة).

أنشأ صلاح الدين يوسف الأيوبي (القلعة) على سفح جبل المقطم.

جامع محمد علي ـ بدئ ببنائه في أيام محمد علي باشا ، وانتهى في عهد سعيد باشا.

سمّيت الأزبكية بهذا الاسم نسبة للأمير أزبك الذي فاز على الأتراك لتأييد السلطان قايد باي.

خان الخليلي بناها السلطان الأشرف خليل في آخر القرن الثالث عشر من الميلاد.

مقياس النيل أنشأه سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي سنة ٧١٦ للميلاد.

يقال : فلان أجوع من ذؤالة ، وأعطش من سعالة ، وأجبن من ضبّ ، وأحمق من هبنقة ، وأول من نطق بالعربية يعرب بن قحطان من أعاظم ملوك العرب.

٢ ـ تمرين : بيّن الاسم واللقب والكنية في الأمثلة الآتية

عمر بن الخطاب أول من سمّي بأمير المؤمنين.

هو أفرغ من فؤاد أم موسى ، هو أقوى من ذاكرة أبي العلاء. أنشأ المنصورة محمد الكامل بن العادل استعاة بها عن دمياط التي استولى عليها الصليبيون وقتئذ. ابن خلدون هو محمد بن خلدون الحضرمي. صاحب الأغاني أبو الفرج الأصبهاني علي بن الحسين القرشي الأموي ، وجدّه مروان آخر خلفاء بني أمية.

٨٠