القواعد الأساسيّة للّغة العربيّة

السيّد أحمد الهاشمي

القواعد الأساسيّة للّغة العربيّة

المؤلف:

السيّد أحمد الهاشمي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة المعارف للطباعة والنشر
الطبعة: ٣
ISBN: 9953-434-08-5
الصفحات: ٣٠٣

معلوم ، تامّ ، قابل للتّفاوت (١) وللمفاضلة ، ولا تأتي الصّفة منه على وزن أفعل (٢). وإذا أريد التّعجّب ممّا لم يستوف الشّروط يؤتى بمصدره منصوبا بعد ما أشدّ أو : ما أكثر ونحوهما ، أو مجرورا بالباء الزّائدة بعد : أشدد أو : أكثر ونحوهما نحو : ما أشدّ اجتهاد سليم وأعظم بتقدّم الصّناعات بمصر.

وحكم المتعجّب منه أن يكون معرفة (٣). نحو : ما أحسن الصّدق! أو نكرة مختصّة ، نحو : أكرم برجل يجاهد في خدمة بلاده (٤).

ولا يجوز تقديم معمول فعلي التّعجب عليهما ، ولا يفصل بين فعل التّعجّب والمتعجّب منه إلّا بالظّرف ، أو المجرور بالحرف بشرط أن يتعلّق بفعل التّعجب ، أو النّداء ، نحو : ما أجمل ليلة التّمّ البدر! وما أحسن بالرّجل أن يصدق! وأعزز عليّ أبا

__________________

(١) التفاوت الزيادة والنقصان بخلاف نحو فني ومات فإنهما غير قابلين للتفاوت والمفاضلة ، أي : لا يختلفان ما يتصف بهما بخلاف العدل مثلا فليس في الناس بدرجة واحدة ، بل يتفاوت زيادة ونقصا بين طبقات العالم.

(٢) لا تبنى هاتان الصيغتان من غير الفعل إلا شذوذا كقولهم : ما أرجله فقد بنوه من الرجولية ولا فعل لها. ولا من غير الثلاثي المجرد. وشذ قولهم : ما أعطاه للدراهم! وما أولاه للمعروف! بنوهما من أعطى وأولى ، وقولهم : ما أتقاه! وما أملأ القربة ؛ وما أخصر كلامه! وما أشهره! بنوها من اتقى وامتلأ واختصر واشتهر.

وفي اختصر شذوذ آخر وهو البناء للمجهول.

ولا تبنى هاتان الصيغتان من فعل منفي لئلّا يلتبس المنفي بالمثبت ، ولا من فعل جامد لأنه لا يخرج عن صيغته ، ولا من فعل مجهول خشية التباس الفاعلية بالمفعولية. كما إذا قلت : ما أضرب زيدا تعجبا من مضروبيته. فإنّه يلتبس بكونه من الضاربية ، فإن كان الفعل لم يرد إلا مجهولا ، نحو عني بالأمر جاز التعجب به على الأصل ، فتقول : ما أعناه بأمري ولا يجوز بناؤهما من الأفعال الناقصة لأنه لا يمكن تطرقها إلى نصب المفعول به ، ولا مما لا يقبل المفاضلة نحو : مات إذ لا مزية في الموت لواحد على آخر حتى يتعجب منه ، إلا إن أريد وصف زائد عليه ، نحو : ما أفجع موته! وأفجع بموته! فيصح التعجب من الذي لا يتفاوت معناه ، ولا مما تأتي الصفة المشبهة منه على وزن أفعل ، وشذ قولهم : ما أهوجه! وما أحمقه! وما أرعنه.

(٣) نحو خضر وعرج وحور ، فإن الوصف منها أخضر ، وأعرج ، وأحور.

(٤) فإن كانت نكرة مبهمة لم يصح التعجب منه فلا يقال : ما أحسن رجلا! لعدم الفائدة.

ويجوز حذف المتعجب منه إذا كان الكلام واضحا بدونه نحو : أسمع بهم وأبصر أي وأبصر بهم.

٢٦١

اليقظان أن أراك صريعا (١)!

وتزاد كان كثيرا بين «ما» وفعل التّعجّب. نحو : ما كان أعدل عمر!

ويكثر وقوع كان غير زائدة ولا ناقصة بعد فعل التّعجّب نحو : ما أحسن ما كان البدر ليلة أمس في الماضي وما أحسن ما يكون البدر ليلة الغد ، في الاستقبال (٢).

أعرب ما يأتي

ما أوسع صدر حكيم عند وقوع الكوارث! أكرم بمروءة أهل النخوة المبادرين إلى إنقاذ من يهدّدهم الخطر! ما أجمل ما يكون اجتماعنا بالأحباب بعد طول الغياب! [الكامل] :

حجبت تحيّتها فقلت لصاحبي

ما كان أكثرها لنا وأقلها!

__________________

(١) فإن كان الظرف أو المجرور غير متعلقين بفعل التعجب بل بمفعوله لم يجز الفصل بهما فلا يقال : ما أحسن بمعروف آمرا ولا ما أحسن عندك إقامة.

(٢) واعلم أنه لما كان كل ما يرد للتعجب يرد للتفضيل أجازوا تصغير أفعل التعجب ، حملا على أفعل التفضيل كقول الشاعر [البسيط] :

يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا

من هؤليّائكنّ الضّالّ والسّمر

قيل ولم يسمع ذلك عن العرب إلا في : أحسن ، وأملح ؛ ولكن النحاة قاسوه عليه. وإما أفعل التي بصيغة الأمر فلا تصغير فيها.

وقد استخدموا للتعجب أيضا كل فعل ثلاثي مجرد على وزن «فعل» مضموم العين بالأصالة «كحسن» أو بالتحويل نحو «عرف» مما ألحقوه بأفعال المدح والذم كما مر ، وذلك بشرط أن يكون صالحا لبناء فعل التعجب منه نحو «كرم نجيب» أي ما أكرم نجيبا و «كرم بنجيب» أي أكرم بنجيب. وكذلك علم زيد وجهل عمرو وما أشبه. فما كان على هذا النحو من الأفعال ملحق بالبابين لتضمّنه المعنيين.

تنبيه : للتعجب صيغ أخرى كثيرة لم يبوّب لها في كتب اللغة العربية ، منها : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) ومنها في الحديث : سبحان الله إنّ المؤمن لا ينجس ، ومنها من كلام العرب : لله درّه فارسا ، ومنها من قول الأعشى [مجزور الكامل] : يا جارتا ما أنت جارة

ومنها : نحو :

يا ليت عيناها لنا وفاها!

فجارتا منادى أصله جارتي ، وما استفهامية مبتدأ. وأنت خبره. وجارة تمييز. والمعنى عظمت من جارة.

٢٦٢

[الطويل] :

جزى الله عنيّ والجزاء بفضله

ربيعة خيرا ما أعفّ وأكرما!

[البسيط] :

أكرم بقوم يزين القول فعلهم

ما أقبح الخلف بين القول والعمل!

[البسيط] :

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا

وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل!

[الطويل] :

فإن تكن الدّنيا تولّت بخيرها

فأهون بدنيا لا تدوم على حرّ!

[الطويل] :

رعى الله قلبي ما أبرّ بمن جفا

وأصبره في النائبات وأجملا!

نموذج إعراب

ما أجمل خدمة الوطن! أحسن بفوائد الاجتهاد! ما أحرى بذي العقل أن يرى صبورا!

الكلمة

إعرابها

ما

نكرة تامة بمعنى شيء مبتدأ مبنية على السكون في محل رفع.

أجمل

فعل ماض للتعجب مبني على الفتح لا محل له. والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره هو يعود إلى ما.

خدمة

مفعول به (لأجمل) منصوب بالفتحة الظاهرة. وخدمة مضاف.

الوطن

مضاف إليه مجرور بالكسرة. والجملة في محل رفع خبرها.

أحسن

فعل ماض للتعجب. جاء على صورة الأمر مبني على فتح مقدر منع من ظهوره واشتغال المحل بالسكون العارض لمجيئه على صورة الأمر.

بفوائد

الباء زائدة وفوائد فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد.

٢٦٣

الكلمة

إعرابها

الاجتهاد

مضاف إليه مجرور بالكسرة.

ما

تعجبية مبتدأ مبنية على السكون في محل رفع.

أحرى

فعل ماض للتعجب مبني على فتح مقدر على الألف منع من ظهوره التعذر والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره هو يعود إلى ما.

بذي

الباء حرف جر زائد ـ ذي مجرور بالباء وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه من الأسماء الخمسة ، والجار والمجرور متعلقان بأحرى ، وذي مضاف.

العقل

مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

أن

حرف مصدري ونصب مبني على السكون لا محل له من الأعراب.

يرى

فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بفتحة مقدرة ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود إلى ذي العقل.

صبورا

حال منصوب. وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول أحرى وجملة أحرى في محل رفع خبر ما.

المبحث الثاني عشر : في أسماء الأفعال ، والأصوات.

اسم الفعل : ما ناب عن فعله في العمل غير متأثر بالعوامل ، وغير قابل لعلامة من علامات الفعل.

والغرض منه الاختصار للمبالغة والتّوكيد.

تقسيم أسماء الأفعال من حيث الوضع

تنقسم أسماء الأفعال إلى نوعين : مرتجلة ، ومنقولة.

٢٦٤

فالمرتجلة : ما وضعت من أوّل أمرها أسماء أفعال ، كهيهات.

والمنقولة : هي ما استعملت أوّلا في غير اسم الفعل ثم نقلت إليه.

والنّقل : إمّا عن مصدر كرويد أخاك ، أي : أمهله ، أو عن ظرف وشبهه كدونك الكتاب ، أي : خذه ، وإليك عنّي ، أي : تنحّ ، وعليك نفسك فهذّبها.

وقد تكون معدولة ، نحو : نزال وحذار وهما معدولان عن انزل ، واحذر ، ودفاع عن الشّرف ، وسماع النّصح.

والمرتجل والمنقول سماعيّان ، وأمّا المعدول فهو قياسيّ يصاغ على وزن فعال من كلّ فعل ثلاثيّ ، مجرّد ، تامّ ، متصرّف. نحو : قتال وضراب ، وشذّ مجيئه من مزيد الثّلاثيّ ، نحو : دراك بمعنى أدرك ، وبدار بمعنى بادر.

تقسيم أسماء الأفعال من حيث الزمن

أسماء الأفعال السّماعيّة على ثلاثة أنواع :

١ ـ ما ورد بمعنى الماضي ، وهو :

هيهات (بعد) وبطآن (أبطأ) وسرعان ووشكان (أسرع) وشتّان (افترق).

٢ ـ وما ورد بمعنى المضارع ، وهو :

آه ، وأوّه (أتوجّع) وأفّ (أتضجّر) ووا ، وواها ، ووي (أتعجّب) أو أتلهّف. وزه ، وبخ (أستحسن) وبجل ، وقد ، وقط (يكفي).

٣ ـ وما ورد بمعنى الأمر ، وهو :

صه (اسكت) ، ومه (أكفف) ورويد (أمهل) وها ـ وهاء وهاك ، ودونك ، وعندك (خذ) وعليك نفسك وبنفسك (الزمها) وإليك عنّي (تنحّ ، وتباعد) وإليك الكتاب : (خذه) وإيه (امض في حديثك ، أو زدني منه) وحيّ على الصّلاة (أقبل عليها) وحيّهل الأمر (ائته) وعلى الأمر (أقبل عليه) وإلى الأمر (عجل إليه) وبالأمر (عجّل به) وهيّا ، وهيت (أسرع) وآمين (استجب) ومكانك (أثبت) وأمامك (تقدّم) ووراءك (تأخّر) وهلمّ (تعال).

ولا بدّ لاسم الفعل من مرفوع كالفعل غير أنّ مرفوعة المضمر يلزم الاستتار فيه مطلقا. وهو يعمل عمل الفعل الذي سمّي به لازما أو متعدّيا (غالبا) فيقال : هيهات

٢٦٥

الأمل إذا لم يسعده العمل كما يقال بعد الأمل ، وحذار الأسد كما يقال : احذر الأسد.

غير أنّه لا يتصرّف بل يكون بلفظ واحد مع الجميع. ولكن لفظ الضّمير المتّصل به تلحقه علامات التّأنيث والتّثنية والجمع ، فتقول : دونك المال ، ودونكما ، ودونكم ، ودونكنّ الخ (١).

وأسماء الأصوات نظير أسماء الأفعال في أنّها تدلّ على المقصود بدون مساعدة. وكلّها سماعيّة ، ولا تعمل شيئا ، وليس لها محلّ من الإعراب ، وهي نوعان :

١ ـ نوع يخاطب به ما لا يعقل من الحيوان أو صغار الآدميّين ، نحو : عدس لزجر البغل عن البطء. وهسّ للغنم. وكخ لزجر الطفل.

٢ ـ ونوع يحكى به صوت ، نحو : طق لصوت الحجر. وغاق لصوت الغراب. وقب لوقع السيف.

تمرين

بيّن أسماء الأفعال المنقولة والمرتجلة الماضوية والمضارعية والأمرية [مجزوء الكامل] :

وعليك نفسك فارعها

واكسب لها فعلا جميلا

[الكامل] :

جاورت أعدائي وجاور ربّه

شتّان بين جواره وجواري

[البسيط] :

آمين آمين لا أرضى بواحدة

حتى أبلغها ألفين آمينا

__________________

(١) للنحاة في إعراب الكاف اللاحقة لأسماء الأفعال المنقولة عن ظرف أو عن جار ومجرور أقوال ، أصحّها أن هذه الكاف حرف خطاب لا محل له من الإعراب لأنّها صارت جزءا من الكلمة. وأما في غير المنقول مثل (هاك) فهم متّفقون على أنها حرف خطاب وقد يكون اسم الفعل بمعنى المتعدي ولا ينصب المفعول به كآمين وإيه.

٢٦٦

[الكامل] :

وحذار أن ترضى مودّة من

يقلي المقلّ ويعشق المثري

نموذج إعراب

مكانك تحمدي أو تستريحي. هيهات أن يدرك الإنسان حقيقة الكائنات.

الكلمة

إعرابها

مكانك

اسم فعل أمر بمعنى اثبتي مبني على الفتح لا محل له ، والكاف حرف خطاب لا محل لها من الإعراب.

تحمدي

فعل مضارع مجزوم في جواب اسم فعل الأمر وعلامة جزمه حذف النون والياء فاعل.

أو تستريحي

أو حرف عطف وتستريحي معطوف على تحمدي.

هيهات

اسم فعل ماض بمعنى بعد مبني على الفتح لا محل له.

أن يدرك

أن حرف مصدري ونصب. ويدرك فعل مضارع منصوب بأن.

الإنسان

فاعل يدرك مرفوع بالضمة الظاهرة.

حقيقة

مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. وهو مضاف.

الكائنات

مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

٢٦٧

الباب العاشر : في نواصب الفعل المضارع

(في هذا الباب مباحث)

المبحث الأول

ينصب المضارع إذا تقدّمته إحدى النّواصب ، وهي أربعة :

١ ـ أن وهي : حرف مصدري ونصب واستقبال (١) ، نحو : أريد أن أزور الصّديق. وتدخل على الماضي ، والمضارع.

وتؤوّل مع ما بعدها بمصدر (٢).

٢ ـ لن : حرف نفي ونصب واستقبال ، نحو : لن يفلح الكاذبون.

٣ ـ إذن : حرف جواب وجزاء لكلام يقع قبله ، نحو : إذن أكرمك ، جوابا لمن

__________________

(١) تأتي (أن) مفسّرة ، وزائدة ، ومخففة. فلا تنصب الفعل ، فالمفسّرة هي المسبوقة بجملة تفيد معنى القول ، ولا تكون بلفظه ، ولم يدخل عليها حرف جر ، نحو : كتبت إليه أن سافر. والزائدة هي التالية للمّا التي معناها الحين نحو : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا ،) أو الواقعة بين الكاف ومجرورها نحو : كأن ظبية مرت بي مرور الكرام. أو الواقعة بين القسم ولو ، نحو : أقسم أن لو التقينا لفعلنا كذا. والمخففة من أنّ هي التي تقع بعد أفعال اليقين نحو : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً).

(٢) تسمّى أن مصدرية لأنها تسبك مع الفعل الواقع بعدها بمصدر. فمعنى أريد أن أزور الصديق أريد زيارته. وسميت حرف استقبال لأنها تجعل المضارع خالصا للاستقبال ، ومثلها جميع نواصب المضارع. وقد تدخل (أن) على الأمر.

و (أن) تستعلم في مقام الرجاء والطمع في حصول ما بعدها. ولذلك لا يجوز أن تقع بعد فعل بمعنى اليقين والعلم الجازم. فإن وقعت بعده ، نحو : علمت ألّا يرجع المسافر فهي مخففة من (أن) الثقيلة ، والفعل بعدها مرفوع. ويجوز أن تقع بعد الظن وشبهه ، وبعد ما لا يدل على يقين ، أو ظن.

٢٦٨

قال : أريد أن أزورك.

وهي لا تنصب المضارع إلّا بثلاثة شروط : أن تكون صدر جملتها ، وأن تكون متّصلة بالفعل ، وأن يكون ذلك الفعل مستقبلا ، كما في المثال السّابق (١).

٤ ـ كي : وهي حرف مصدري ونصب واستقبال. وهي تستعمل مع لام الجرّ التّعليليّة (مذكورة) ، نحو : جئت لكي أتعلّم أو مقدّرة ، نحو : جئت كي أتعلّم (٢).

المبحث الثاني : في امتيازات أن

اختصّت (أن) بكونها تنصب ظاهرة ، ومضمرة :

وإضمارها على نوعين : جائز ، وواجب.

فتضمر أن (جوازا) في موضعين :

الأوّل بعد لام التّعليل : وتسمّى لام كي ، نحو. تب ليغفر الله لك ، وحضرت لأقف على جليّة الخبر.

الثاني : بعد عاطف على اسم صريح (٣) ، نحو : أرضى بالفرار وأسلم ونحو :

__________________

(١) إذا قلت في الجواب : أنا إذن أكرمك بطل عمل إذن لعدم تصدّرها وإذا قلت : إذن أنا أكرمك بطل عملها للفصل بينها وبين الفعل. وإذا قلت : إذ أظنك صديقا بطل عملها لأن الفعل بمعنى الحال.

على أنهم أجازوا الفصل بينها وبين الفعل بلا النافية والقسم والظرف والجار والمجرور فإذا قلت في الجواب إذن لا أقصّر في إكرامك أو إذن والله أكرمك نصبت بها.

(٢) كي مثل أن تسبك مع ما بعدها بمصدر فإذا قلت : جئت لكي أتعلم فالتأويل جئت للتعلّم ، وفي نحو : يهمّني أن تنجحوا يؤوّل بمصدر فاعلا أي يهمّني نجاحكم ، ويكون المصدر مبتدأ في نحو : من العبث أن تضيعوا أوقاتكم سدى ، ومجرورا في نحو : التفت لتسمع.

وذلك حسب العوالم مع «أن» فقط دون «كي» الخاصة باللام لا غير.

وإذا لم تذكر اللام التعليلية مع كي ، ولم تقدر في النّية ، فلا تكون كي ناصبة بل يكون النصب بأن مقدرة بعدها ،. كما ستعلم.

(٣) الأحرف العاطفة المقصودة هنا هي : الواو ، والفايء ، وثم ، وأو ، كما في الأمثلة والمراد بالاسم الصريح ، الجامد غير المشتق ، والذي ليس في تأويل الفعل كالمصدر ونحوه والأفعال في الأمثلة الواردة مؤولة بمصادر معطوفة على ما قبلها فالتأويل في المثال الأول : أرضى بالفرار والسلامة ، وفي الثاني : تعبك فنيلك المجد خير لك ، وفي الثالث

٢٦٩

تعبك فتنال المجد خير لك. ونحو : يرضى الجبان بالهوان ثم يسلم. ونحو : الموت أو يبلغ المرء النّجاح أولى به. وتظهر وجوبا : إذا انحصرت بين (لام التّعليل ولا) كراهة توالي لامين ، نحو : حضرت لئلّا يقال إنّي مخلف للوعد. وكن على حذر لئلّا يصيبك الضّرر.

وتضمر (أن) وجوبا في خمسة مواضع :

١ ـ بعد (كي) إذا تجرّدت من اللّام لفظا وتقديرا ، نحو : سلني كي أجيبك.

٢ ـ بعد (حتّى) إذا كانت حرف جرّ بمعنى إلى ، لام التّعليل ، نحو : اجتهد حتّى تنجح وصم حتّى تغيب الشّمس.

ويشترط في نصب الفعل بعدها بأن مضمرة أن يكون مستقبلا (١).

٣ ـ بعد (لام الجحود) وهي لام يؤتى بها لتأكيد النّفي بعد كان النّاقصة المنفيّة بما أو : يكون النّاقصة المنفيّة بلم ، نحو : (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) [العنكبوت : ٤٠] ، (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)(٢) [النساء : ١٣٧].

٤ ـ بعد (الفاء السّببيّة ، وواو المعيّة) الواقعتين في جواب نفي ، أو طلب نحو : لم ترحم فترحم ولا أكرمك وتهينني في جواب النّفي ، ونحو : هل ترحم فترحم وزرني وأكرمك في جواب الطّلب (٣).

__________________

(١) ينصب الفعل بأن مضمرة بعد حتى إذا كانت حتّى للتعليل كما في المثال اجتهد حتى تنجح ، أو للغاية نحو : صم حتى تغيب الشمس ، وقد تكون بمعنى إلا ، كما في قول الشاعر [الكامل] :

ليس العطاء من الفضول سماحة

حتى تجود وما لديك قليل

ويشترط في الفعل الواقع بعد حتى أن يكون مستقبلا كما في الأمثلة ، أو في حكم المستقبل : وهو ما كان استقباله بالنسبة إلى ما قبله نحو : سرت حتى أدخل المدينة فإن دخول المدينة مستقبل بالنسبة إلى السير ، لا بالنسبة إلى كلام المتكلم.

فإن أريد بالفعل معنى الحال امتنع النصب ، واعتبرت حتى حرف ابتداء ، ورفع الفعل بعدها للتجرد نحو : ناموا حتى لا يستيقظون ومرض زيد حتى لا يرجونه.

(٢) يظلم ، ويغفر : في المثالين منصوبان بأن المضمرة وجوبا والفعل بعدها مؤول بمصدر مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لما قبلها. والجحود : شدّة الإنكار.

(٣) الفاء السببية : هي التي تفيد أن ما قبلها سبب لما بعدها نحو : لا تذنب فتعاقب فالذنب هو

٢٧٠

٥ ـ بعد (أو) العاطفة : إذا كانت تصلح مكانها إلّا الاستثنائيّة أو «إلى» الانتهائيّة ، نحو : اضرب المذنب أو يتوب ، أي : إلّا أن يتوب ، أو : إلى أن يتوب (١).

المبحث الثالث : في جوازم الفعل المضارع

يجزم الفعل المضارع إذا سبقته إحدى الجوازم. وهي قسمان : قسم يجزم فعلا واحدا ، وقسم يجزم فعلين.

__________________

سبب العقوبة. وواو المعية هي التي تفيد حصول ما قبلها مع ما بعدها نحو [الكامل] :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

والمراد بالنفي هنا هو النفي المحض ، أي ما لم يأت بعده ما يوجب تأويله بالإثبات أو ما ينتقض بإلّا نحو : ما تزال تجتهد فتتقدم أي أنت ثابت على الاجتهاد ، ونحو : ما أراك إلا تقوم فتكرمنا أي إنك تواصل القيام.

والمراد بالطلب هنا الطلب المحض الذي يؤدّى بإحدى الصّيغ السبعة الآتية :

 ـ أولا : الأمر بالصيغة ، أو باللام نحو : زرني فأكرمك وليوبخني الصديق فأطيعه. أما إذا كان الطلب باسم الفعل فلا ينصب الفعل معه نحو : صه فأحدّثك.

 ـ ثانيا : النهي ، نحو لا تخاطر فتسلم.

 ـ ثالثا : الاستفهام ، نحو : هل تسمع فأحدثك.

 ـ رابعا : التمني : نحو ليت لي مالا فأتصدق به.

 ـ خامسا : الترجي ، نحو : لعلك تسافر فتزورنا.

 ـ سادسا : العرض : وهو الطلب بلين نحو : ألا تزورنا فنكرمك.

 ـ سابعا : التحضيض : وهو الطلب بشدة نحو : هلا تدرس فتستفيد.

(١) إنّ تقدير إلا أو إلى مكان «أو» هو تقدير يلاحظ فيه المعنى. فتكون أو ، وحتى ، بمعنى إلى إذا كان ما قبلها ينقضي شيئا فشيئا. وبمعنى إلّا إذا كان ينقضي دفعة واحدة. وبمعنى لام التعليل إذا كان علة لما قبلها. وأما التقدير الإعرابي المرتب على اللفظ فهو أن يقدر قبل «أو» مصدر يعطف عليه المصدر المسبوك بعدها من أن المضمرة والفعل المنصوب بها ، لئلا يلزم عطف الاسم على الفعل ، فيكون المعنى :

ليكن ضرب منك للمذنب أو توبة منه ومثل هذا يجري أيضا مع الفاء السببية وواو المعية في ما تقدم ذكره.

ولا تضمر (أن) ناصبة في غير هذه المواضع إلا شذوذا ، كقولهم : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أو لضرورة الشعر ، ونحو ذلك.

٢٧١

والأدوات الّتي تجزم فعلا واحدا أربع ، وهي :

لم ، ولمّا ، ولام الأمر ، ولا النّاهية.

١ و ٢ ـ لم ولمّا للنّفي ، وتقلبان زمان المضارع إلى الماضي ، نحو : لم يجىء نجيب ، وقطفت الثّمر ولمّا ينضج أي : ما جاء وما نضج ، ولذلك يسمّيان : حرفي نفي وجزم وقلب.

غير أنّ المنفيّ (بلم) يحتمل استمرار نفيه إلى زمان الحال ، وانقطاعه قبله.

والمنفيّ (بلمّا) يلزم استمرار نفيه إلى الحال ، وتختصّ بالمتوقّع الحصول غالبا في المستقبل ، فيجوز أن يقال : لم يقم سليم ثمّ قام ، ولا يجوز أن يقال : لمّا يقم ثم قام (١).

٣ ـ لام الأمر يطلب بها حصول الفعل ، نحو : لينتبه الغافلون.

٤ ـ ولا النّاهية : يطلب بها ترك حصول الفعل ، نحو : لا تكذب وهما يخلّصان زمان المضارع إلى الاستقبال (٢).

والأدوات الّتي تجزم فعلين اثنتا عشرة. وهي :

١ ـ إن ، نحو : إن تعجل تندم (٣).

__________________

(١) تنفرد (لم) بجواز وقوعها بعد أداة شرط نحو : إن لم تجتهد تندم. ولا يجوز وقوع لما بعدها. وتنفرد (لمّا) بجواز حذف مجزومها. نحو قاربت القاهرة ولمّا.

أي ولما أدخلها ولا يجوز ذلك في مجزوم (لم) إلا في الضرورة.

و «لما» الدّاخلة على الفعل الماضي ليست نافية جازمة ، بل هي ظرف بمعنى «حين» نحو : لمّا طلع القمر اهتديت. ومن الخطأ إدخالها على المضارع إذا أريد بها معنى «حين» لأنها لا تسبق المضارع إلا إذا كانت نافية جازمة.

(٢) لام الأمر مكسورة ، إلّا إذا وقعت بعد الواو ، والفاء فالأكثر تسكينها نحو : فليحي الصادق وليسقط المنافق. وقد تسكن على قلّة بعد «ثم» وأكثر ما تدخل هذه اللّام على مضارع الغائب ، نحو : ليعمل كلّ وطنيّ على رفعة وطنه. ويكثر أن تدخل على مضارع المتكلم والمخاطب المبني للمجهول ، نحو : إن قلت خيرا فلا جاز ولتطاعوا أيها الكرام. ويقلّ في المبني للمعلوم. ولا الناهية يكثر دخولها على فعل الغائب والمخاطب مطلقا وأما دخولها على فعل المتكلم فكثير في المبني للمجهول وقليل في غيره نحو : ولتحمل خطاياكم وبذلك فليفرحوا.

(٣) تعتبر «إن» أم الباب. وغيرها مما يجزم فعلين إنما يجزمهما لتضمنّه معناها فنحو : من يزرني

٢٧٢

٢ ـ إذ ما ، نحو : إذ ما تكسل تخسر. إذ ما تتأدّب تمدح.

٣ ـ من ، نحو : من يفعل سوءا يجز به. من يؤخّر عمله يندم.

٤ ـ ما ، نحو : ما تزرع تحصد. ما تنجز من عمل ينفعك.

٥ ـ مهما ، نحو : مهما تفعل في الصّغر تجده في الكبر.

٦ ـ أيّ ، نحو : أيّا تكرم أكرم. أيّ تلميذ يجتهد يتقدّم.

٧ ـ كيفما ، نحو : كيفما تجلس أجلس (١).

٨ ـ متى ، نحو : متى تقم نذهب.

٩ ـ أينما ، نحو : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨].

١٠ ـ أيّان ، نحو : أيّان تعمل تنجح أيّان تطع الله يساعدك.

١١ ـ أنّى ، نحو : أنّى تقم تلق خيرا ، أنّى يجلس العالم يحترم.

١٢ ـ حيثما ، نحو : حيثما تستقم يقدّر لك الله نجاحا (٢).

__________________

أكرمه ، بمعنى : إن يزرني أحد أكرمه.

(١) «كيفما» تقتضي فعلين متفقي اللفظ والمعنى كما رأيت ، فلا يقال : كيفما تنظم العقد أنظم القصيدة لاختلاف معنى الفعلين. ولا كيفما تجلس أقعد لاختلاف لفظ الفعلين ، وإن اتفق معناهما.

(٢) يستعملون الجزم «بإذا» أيضا في الشعر كقول الشاعر [الكامل] :

وإذا تصبك من الحوادث نكبة

فاصبر فكل غيابة فستنجلي

وكل هذه الأدوات أسماء ما عدا إن فهي حرف. واختلف في «إذ ما» فعدّها بعض النحاة اسما ، وعدّها بعضهم حرفا. وأما إعراب هذه الأسماء فإن ما دلّ منها على مكان أو زمان نحو : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) ومتى تقم نذهب فهو ظرف. وأما غيره فإن كان مجردا نحو : من يطلب يجد فهو مبتدأ ، وإلا فهو مفعول ، نحو : من تضرب أضرب وكيفما تكون في موضع نصب على الحال من فاعل فعل الشرط نحو : كيفما تكن يكن أبناؤك. وأما أيّ فتكون بحسب ما تضاف إليه فإن أضيفت إلى مكان أو زمان كانت ظرفا ، نحو : أيّ يوم تذهب أذهب وإن أضيفت إلى مصدر كانت مفعولا مطلقا ، نحو : أي سير تسر أتبعك وإن أضيفت إلى غير الظرف والمصدر فحكمها حكم من فقد تكون مبتدأ نحو : أيّ رجل يجدّ يسد أو مفعولا به نحو : أيّ كتاب تقرأ تستفد ونحو ذلك.

وأسماء الشرط لها صدر الكلام ، فلا يعمل فيها ما قبلها إلّا إذا كان حرف جرّ أو مضافا فإن عمل فيها غير ذلك بطل عملها ، وخرجت عن الشرطية نحو : إنّ من يطلب يجد.

٢٧٣

وأوّل الفعلين الواقعين بعد هذه الأدوات يدعى (شرطا) ويسمّى الثّاني جوابا وجزاء. ويجب في الشّرط أن يكون فعلا خبريّا (١) متصرّفا غير مقترن بقد أو لن ، أو ما النّافية ، أو السّين ، أو سوف.

والأصل في جواب الشّرط أن يكون صالحا لأن يحلّ محلّ الشّرط. ومتى لم يصلح الجواب لأن يحلّ محلّ الشّرط ، وجب اقترانه بالفاء لتربطه بالشّرط. وتسمّى هذه الفاء فاء الجواب ، أو فاء الجزاء. ويكون جواب الشّرط هو الجملة ، لا الفعل وحده.

وفعل الشّرط وجوابه إمّا مضارعان أو ماضيان أو مختلفان.

ويجوز رفع المضارع الواقع جوابا إذا كان الشّرط ماضيا ولو في المعنى ، نحو : إن زرتني أكرمك أو أكرمك وإن لم تزرني أغضب ، أو أغضب (٢).

ويجب ربط جواب الشّرط بالفاء في سبعة مواضع :

١ ـ إذا كان جملة اسميّة ، نحو : إن تعف فالعفو من شيم الكرام.

٢ ـ إذا كان فعلا جامدا ، نحو : من يزرني فلست أقصّر في إكرامه.

٣ ـ إذا كان فعلا طلبيّا ، نحو : من سألك فأجبه.

٤ ـ إذا كان منفيّا بما ، أو لن ، نحو : من يأت إليّ فما أردّه خائبا ، أو : فلن أردّه خائبا.

٥ ـ إذا كان مقرونا بقد ، أو السّين ، أو سوف ، نحو : من مدحك بما ليس فيك فقد ذمّك. وإن أسأت فستندم أو فسوف تندم.

٦ ـ إذا كان مصدّرا بربّ ، أو كأنّما ، نحو : إن تجىء فربّما أجيء ، ومن خالف

__________________

وبعض هذه الأدوات لا يجزم إلّا ملحقا بما وهو : حيث وإذ. وبعضها لا تلحقه ما وهو : من وما ومهما وأنّى وبعضها يجوز فيه الأمران وهو : إن وأيّ ومتى وأيّان وأين وكيف وكل هذه الأدوات مبنية إلا «أيا» فهي معربة.

(١) المراد بالفعل الخبريّ : ما ليس أمرا ، ولا نهيا ، ولا مسبوقا بأداة من أدوات الطلب. وإذا وقع اسم بعد إحدى أدوات الشرط فهناك فعل مقدّر محذوف.

(٢) يكون رفع المضارع في مثل هذه الحالة على أنه خبر لمبتدأ محذوف. والجملة جواب الشرط. أما إذا كان الجواب والشرط مضارعين فيجب فيهما الجزم ، وإذا كانا ماضيين كانا في محل جزم.

٢٧٤

إحدى فرائض الدّين فكأنّما خالفها جميعا.

٧ ـ إذا كان مصدّرا بأداة شرط ، نحو : من يزرك فإن كان حسن السّيرة فأكرمه (١).

وقد تربط الجملة الاسميّة بإذا الفجائيّة ، كما تربط بالفاء وذلك إذا كانت أداة الشّرط إن أو إذا وكانت جملة الجواب خبريّة ، موجبة ، غير مقترنة بناسخ ، نحو : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم : ٣٦].

وإذا كان الجواب صالحا لأن يكون شرطا فلا حاجة إلى ربطه بالفاء ، إلّا إذا كان مضارعا مثبتا ، أو منفيّا بلا ، فيجوز أن يربط به ، وألّا يربط ، نحو : إن تعودوا نعد ، ونحو : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٥] ونحو : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) [الجن : ١٣].

وإذا وقع فعل مضارع مقرون بعاطف بعد جواب شرط جازم ، جاز فيه الجزم بالعطف على الجواب ، والرّفع على أنّه جملة مستأنفة ، والنّصب بأن مقدرّة وجوبا ، نحو : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٨٤].

وإذا وقع المضارع المقرون بعاطف بين فعل الشّرط وجوابه جاز فيه الجزم (وهو الأكثر) وجاز النّصب فقط ، نحو : إن تستقم وتجتهد (بالسكون والفتح) أكرمك.

وإذا وقع المضارع جوابا بعد الطّلب يجزم بإن مضمرة ، نحو : تعلّم تفز والتقدير : تعلّم وإن تتعلّم تفز (٢).

__________________

(١) قد يقدّر ما يقتضي الربط بالفاء كالمبتدأ مع المضارع. وحينئذ يجب ربطه بالفاء نحو : إن تزرني فأكرمك بالرفع ، أي فأنا أكرمك. وكذلك تقدر قد مع الماضي فيربط الجواب بالفاء مع حذفها نحو : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ.)

وقد تحذف هذه الفاء نحو : إن جاء صاحبها وإلا استمتع بها وذلك نادر.

(٢) الطلب هنا يشمل جميع أنواعه المذكورة في باب النواصب ، نحو : تعلّم تفز في الأمر ، لا تكسل تسد في النهي ، أين بيتك أزرك في الاستفهام ألا تزورنا نكرمك في العرض ، هلا تجتهد تنجح في التحضيض ، ليت لي مالا أتصدّق به في التمني ، لعلك تحسن إلى الفقراء تؤجر في التّرجي.

والأمر : لا يشترط فيه هنا أن يكون بلفظ الفعل ليصح الجزم بعده بل يجوز أن يكون الجزم

٢٧٥

ويحذف فعل الشّرط بعد إن المدغمة في لا ، نحو : تكلّم بخير وإلّا فاسكت أي وإن لا تتكلّم بخير فاسكت.

ويحذف جواب الشّرط إذا دلّ عليه دليل. ويشترط في ذلك أن يكون الشّرط ماضيا لفظا ، نحو : أنت فائز إن اجتهدت ، أو معنى ، نحو : ستندم إن لم تجتهد (١).

وقد يحذف الشّرط والجواب معا ، ويبقى شيء من متعلّقاتهما نحو : من سلّم عليك فسلّم عليه ، وإلّا فلا أي ومن لم يسلّم عليك فلا تسلّم عليه.

وشرط الجزم بعد النّهي صحّة المعنى بتقدير دخول (إن) قبل (لا) وبعد غير النهي صحّة المعنى بتقدير (إن) فقط كما في الأمثلة السّابقة ، فلا جزم في : لا تدن من السّفيه يؤذيك ، ولا في : اجتهد ترسب في الامتحان.

__________________

لوقوعه في جواب اسم الفعل نحو : صه عن القبيح تكرم أو جلمة خبرية لفظا يراد بها الطلب نحو : رزقني الله مالا أتصدق به وهذا بعكس ما سبق في النواصب.

ولا يجزم بعد الطلب إلا إذا قصد الجزاء ، بأن يقصد أنّ الفعل مسبب عن الطلب نحو : لا تدن من الأسد تسلم فإن عدم الدنوّ من الأسد سبب للسلامة ، وأما إذا قلت : لا تدن من الأسد تهلك فلا تجزم تهلك بل ترفعه لأنّ عدم الدنوّ من الأسد ليس سببا للهلاك.

والشرط المقدر بعد الطلب الجامد يؤخذ من لفظ مرادفعه المشتق فيكون التقدير في قولك صه أحدثك ، اسكت وإن تسكت أحدّثك.

(١) إنما يعتاض عن جواب الشرط في مثل ذلك بالجملة التي تقدمته ، فيقدر له مثلها ولكنه لا يجوز التصريح بالمقدّر لامتناع الجمع بين العوض والمعوض عنه.

ثم إنه إذا اجتمع الشرط والقسم وكل منهما يقتضي جوابا كان الجواب للسابق وكان جواب المتأخر محذوفا لدلالة جواب الأول عليه ، فإن قلت : إن قمت والله أقم فأقم جواب الشرط وجواب القسم محذوف لدلالة جواب الشرط عليه. وإن قلت : والله إن قمت لأقومنّ فأقومن جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ، ما لم يتقدم عليهما ما يحتاج إلى خبر. فإن تقدم عليهما ما يحتاج إلى خبر ، جاز أن يكون الجواب للسابق أو للاحق.

وقد تستعمل إن بعد واو الحال لمجرد الوصل والربط فتستغني عن الجواب نحو : زيد وإن كثر ماله بخيل ويقال لها حينئذ إن الوصليّة.

٢٧٦

المبحث الرابع : في أحكام الفعل مع نوني التوكيد الخفيفة والثقيلة

يؤكّد الفعل المستقبل بنون خفيفة ساكنة وتسمّى الخفيفة أو بنون مشدّدة مفتوحة وتسمّى الثّقيلة ، نحو : اجتهدنّ ولا تكسلن (١).

أ ـ متى لحقت الفعل نون التّوكيد يبنى آخره معها على الفتح وإذا كانت قد

__________________

(١) يجوز إدخال نون التوكيد على الأمر بدون شرط. وعلى المضارع بشرط أن يكون واقعا في سياق قسم نحو : وحياتك لأحفظنّ عهدك أو طلب كالاستفهام نحو : هل تكتبن؟ والنهي نحو : لا تكذبنّ والترجي نحو : لعلك ترضينّ ، والعرض أي الطلب بلين نحو : ألا تنزلنّ عندنا ، والتحضيض أي الطلب بشدة نحو : هلّا ترجعنّ عن عزمك ، والتمني نحو : ليتك تفعلنّ. أمّ توكيد المضارع الواقع في جواب القسم فهو واجب إذا كان مثبتا متصلا باللام ، غير منفصل عنها نحو : والله لأفعلن. فإذا كان منفصلا عنها فلا يؤكد ولذلك لا يقال : والله لفي غد أذهبن ، وهو قليل في جواب المنفي مطلقا ، أي في جواب القسم نحو : والله لا أرحلنّ وفي غيره نحو : مثلك لا يبخلنّ ، وأما في بقيّة المواضع المذكورة آنفا فيجوز استعماله وتركه. ونونا التوكيد تفيدان توكيد الحدث المطلوب فعله ، أو تركه.

أسباب ونتائج

١ ـ تحذف علامة الرّفع حركة كانت أو حرفا عند إسناد الفعل لنوني التوكيد.

٢ ـ تحذف واو الجماعة وياء المخاطبة إلا إذا كان الفعل معتلا بالألف فإنهما تبقيان وتحرّك واو الجماعة بالضّم ، وياء المخاطبة بالكسر.

٣ ـ تحذف لام الناقص عند إسناده إلى واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة فقط.

٤ ـ عند تأكيد الفعل المسند إلى نون النسوة يؤتى بألف فارقة بين نون النسوة ونون التوكيد.

٥ ـ الفعل المسند إلى ألف الاثنين لا يحذف منه شيء عند توكيده سواء أكان صحيحا أم معتلا سوى نون الرفع.

٦ ـ ما قبل النون يفتح سواء أكان الفعل صحيحا أم معتلا مضارعا أم أمرا أسند إلى المتكلم أو غيره. ويستثنى من ذلك المسند إلى ياء المخاطبة فإنّ ما قبل النون يكسر. والمسند إلى واو الجماعة فإنّ ما قبلها يضمّ.

٧ ـ كل موضع وقعت فيه نون التوكيد الثقيلة جاز فيه وقوع الخفيفة إلّا بعد الألف فلا تقع إلا الثقيلة لئلّا تتصادم الخفيفة الساكنة مع الألف الساكنة قبلها.

٨ ـ تحذف نون الرّفع في غير المجزوم لأجل توالي الأمثال.

أسئلة : أجب عمّا يأتي : ١ ـ ما هو الفعل الذي يمتنع توكيده؟

٢ ـ متى يجب توكيد المضارع ومتى يجوز ومتى يمتنع؟

٢٧٧

حذفت عينه ، أو لامه بسبب السّكون ردّت إليه لزوال سبب الحذف ، نحو : قولنّ الحقّ ، ولا تخشينّ.

ب ـ إذا كان آخر الفعل متّصلا بواو الجماعة أو ياء المخاطبة ، تحذف نون الإعراب إذا وجدت كراهة لتوالي الأمثال ـ النّونات الزّائدات ـ ثمّ تحذف الواو والياء بسبب التقاء السّاكنين ، وتبقى لام الفعل على حركتها ، نحو : لا تضربنّ أصلها لا تضربوننّ ولا تذهبنّ أصلها لا تذهبيننّ. أمّا إذا كان الفعل من النّاقص ، وكانت عينه مفتوحة وحذفت لامه بسبب الإعلال فتثبت معه واو الجمع مضمومة وياء المخاطبة مكسورة ، نحو : اخشونّ ولا ترضينّ لأنهما إذا حذفتا لا تدلّ الحركة عليهما ، وبحذفهما يحصل التباس.

ج ـ إذا كان الفعل متّصلا بألف الاثنين ولحقته نون التّوكيد تحذف نون الإعراب إذا وجدت وتكسر نون التّوكيد تشبيها لها بنون المثنّى ، ولا تحذف الألف خوفا من الالتباس ، نحو : لا تضربان أصلها لا تضرباننّ.

د ـ إذا كان الفعل متّصلا بنون الإناث يفصل بين النّونين بألف ، وتكسر نون التّوكيد ، فيقال لا تذهبنانّ.

__________________

 ـ ٣ ـ ما هي الحالة التي يمتنع فيها الإتيان بنون التوكيد الخفيفة؟

٤ ـ متى تثبت واو الجماعة وياء المخاطبة مع الفعل المؤكد ومتى تحذفان؟

٥ ـ ما هي التغيرات التي تحدث في الفعل المؤكد ، وما الذي يحذف منه؟

٦ ـ متى تكسر نون التوكيد؟.

٢٧٨

ويتّضح من النّتائج الآتية ما يحذف من الفعل

المؤكد وحكم ما قبل النون ، بمراجعة هذا الجدول

الأفعال

مضارع وأمر للمخاطب

مضارع وأمر للمخاطبة

مضارع وأمر للاثنين أو الاثنتين

لجماعة الذكور

لجماعة النسوة مع نون الإناث ونون التوكيد

تفهم

تفهمنّ

تفهمنّ

تفهمانّ

تفهمنّ

تفهمنانّ

افهمنّ

افهمن

افهمانّ

افهمُنَّ

افهمنانّ

تردّ

تردّنّ ، ردّنّ

تردّن ، ردّن

تردّانّ ، ردّانّ

تردّنّ

ردّن

ترددنان

ردّنانّ

تقرأ

تقرأنّ

اقرأنّ

تقرئنّ

اقرئنّ

تقرأانّ

اقرأانّ

تقرؤن

اقرؤن

تقرأنانّ

اقرأنانّ

تثق

تثقنّ ، ثقنّ

ثتثقنّ ، ثقنّ

تثقانّ ، ثقانّ

تثقنّ ، ثقنّ

تثقنانّ ،

ثقنانّ

تسيح

تسيحنّ ،

سيحنّ

تسيحنّ ،

سيحنّ

تسيحانّ ،

سيحانّ

تسيحنّ ،

سيحنّ

تسحنان ،

سحنانّ

تدعو

تدعونّ ،

ادعونّ

تدعنّ ،

ادعنّ

تدعوانّ ،

ادعوانّ

تدعنّ ،

ادعنّ

تدعونانّ ،

ادعونانّ

تنسى

تنسينّ ،

انسينّ

تنسينّ ،

انسينّ

تنسيانّ ،

انسيانّ

تنسون ،

انسون

تنسينانّ ،

انسينانّ

تنوي

تنوينّ ،

انوينّ

تنونّ ، انونّ

تنويانّ ،

انويانّ

تنونّ ، انونّ

تنوينانّ ،

انوينانّ

٢٧٩

والملخص : أنّ الاسم لا يؤكد أبدا ، أما الأفعال فيعلم حكمها من هذا الجدول

الماضي

الأمر

المضارع

واجب التأكيد (١)

ممتنع التأكيد

جائز التأكيد

لا يؤكد مطلقا لأن زمن حصوله قد فات ـ وما فات لا يعاد.

يجوز توكيده مطلقا بحسب مقتضى الحال نحو.

افهمنّ ما أقول.

بشروط أربعة ١ ـ إذا وقع في جواب قسم ٢ ـ ولم يفصل من لام القسم بفاصل ٣ ـ وكان مثبتا ٤ ـ مستقبلا نحو. تالله لأشتغلنّ بإخلاص.

إذا وقع في جواب قسم وفقد شرطا من الشروط السّابقة بأن فصل من اللام نحو لسوف ترى عاقبة إهمالك ، أو كان للحال نحو تالله لأمكث هنا وكذا إذا وقع في غير الجواب ولم يكن أمرا ولا نهيا ولا استفهاما ولا واقعا شرطا لأن مزيدا معها ما نحو ربّما يشرب علي.

إذا لم يكن واجب التوكيد ولا ممتنعه ومن ذلك ما إذا كان شرطا لإن المدغمة في ما نحو إما تنظرنّ مستغيثا فساعده.

أو وقع بعد أداة طلب ، أو بعد لا النافية نحو لا تهملنّ في عملك. هل تجيدنّ الحفظ لا ينبغينّ أن تهمل.

__________________

(١) ويجب حينئذ توكيده بلام القسم والنون معا عند البصريين. وخلوه من إحداهما شاذ.

٢٨٠