القواعد الأساسيّة للّغة العربيّة

السيّد أحمد الهاشمي

القواعد الأساسيّة للّغة العربيّة

المؤلف:

السيّد أحمد الهاشمي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة المعارف للطباعة والنشر
الطبعة: ٣
ISBN: 9953-434-08-5
الصفحات: ٣٠٣

١
٢

٣
٤

القسم الأوّل :

ترجمة المؤلّف

٥
٦

المقدّمة

حياة المؤلّف

 ١٨٧٨ ـ ١٩٤٣

هو السيد أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشميّ ، والمشهور في زمانه ب «معلم البيان». ويبدو أن نسبه يرجع إلى آل البيت لنسبه الهاشميّ ، ولإضافته كلمة «السيد» على اسمه «أحمد» في جميع مؤلفاته. وهذا ما لم تذكره المراجع التي عرّفت به.

ولد أحمد في القاهرة عام ١٨٧٨ ، ونشأ نشأة علمية دينية ، كانت السبب في توجيهه إلى الأزهر الشريف ، بعد إتمام دراسته الأولى ، حتى عرف بعد تخرّجه بأنه «المعلم الأزهري».

ولقد كان شديد الاعتزاز بأزهريّته ، وثيق الصّلة بزملائه الأزهريين وأساتذته وبمن كان له فضل على تعليمه. فكان يحرص على إهداء أساتذته الأزهريين ما يطبع من مؤلفاته. وأساتذته بدورهم كانوا يحبونه ، ويشجعونه على متابعة المسيرة العلمية والتأليف والتصنيف.

وكان أحمد حريصا على تتويج كتبه بما يصل إليه من رسائل وتقريظات ، ولا سيما من أساتذته الأزهريين في الطبعات التالية من الكتب. من ذلك قوله : «كتب أستاذي المرحوم صاحب الفضيلة حسّونة النّواوي شيخ الجامع الأزهر». وقوله : «وكتب المغفور له سماحة السيد علي الببلاوي شيخ الجامع الأزهر».

وفي مقدمة كتابه «جواهر الأدب» قال : «وكتب إليّ إمام العلماء الأعلام ، وشيخ الإسلام صاحب الفضيلة ، أستاذي الأكبر المرحوم الشيخ سليم البشري شيخ جامع

٧

الأزهر». حتى إن «سعد زغلول باشا» أثنى على كتابه «جواهر الأدب» مقدرا مكانته العلمية.

نستدلّ من هذه التقريظات على أن أحمد درس على خيرة علماء زمانه في مصر. وحبّه للعلم وأهله جعله شديد الإجلال لأساتذته ، معترفا بهم وبأفضالهم عليه. فمن هؤلاء الأساتذة :

١ ـ حسّونة النواوي.

٢ ـ سليم البشري.

٣ ـ حمزة فتح الله ، المفتش الأول بوزارة المعارف العمومية. وكان حمزة يحب تلميذه أحمد كثيرا ، ولعله خدمه في أعماله الإدارية التي أوكلت إليه. فحين بدأ حمزة برسالته إليه قال : «إي بنيّ الجهبذ النّحرير ، والفذّ العبقري».

٤ ـ على أن أشهر أساتذته الذين اعترف بفضلهم عليه «الشيخ محمد عبده» ؛ فقد كان تلميذا مستجيبا له طوال حياة الشيخ ، حتى توطّدت الصداقة المثلى بين الأستاذ وتلميذه. ومثل هذه الصداقة لا يعتريها شكّ ، ولا يشوبها حسد.

فقد كان الشيخ محمد عبده يشهد له بالعلم ، ويقرّظ كتبه. ومما قاله عن كتابه «جواهر البلاغة» : «... فوجدته كتابا عظيما ، وأسلوبا حكيما يشهد لحضرة مؤلفه الفاضل بملاك الذوق السليم ، والعقل الحكيم». كما أبدى الشيخ محمد عبده رأيه في عدد من مؤلفاته.

وأوسع الشيخ محمد عبده لتلميذه صدر الصحف التي كان يتولّى تحريرها ، كي يتمكّن من نشر بعض مقالاته فيها ، غير أن موت الشيخ محمد عبده المفاجىء عام ١٩٠٥ أفقده كثيرا من التشجيع والمساندة.

ومع أن أحمد كان أزهريّا علما وروحا ، ومع أنه ظلّ على اتصاله بأساتذته ، فإنه لم يدخل الأزهر معلما ، بل فضّل سلك التعليم المدني. حيث إنه عمل مدرسا للغة العربية في عدد من المدارس القاهرية. ثم ارتقى الأمر به إلى أن أصبح مديرا لمدارس الجمعية الإسلامية. واستمر مديرا لعدد من المدارس الأهلية ، مثل «مدرسة فؤاد الأول» ، و «مدرسة ولي العهد» بشبرا. ثم عيّن مراقبا لمدارس فيكتوريا الإنجيلية.

٨

وبالنظر إلى استقامته في حياته ، ومكانته العلمية الرفيعة ، فقد أوكل إليه أمر إدارة مدرستين أهليتين للبنات.

مؤلفاته :

نشر السيد أحمد مجموعة حسنة من الكتب ، كان الطابع الغالب عليها : الأدب واللغة. ويبدو أن مصر آنئذ كانت متعطّشة إلى مثل هذه المؤلفات. لذلك وجدنا معظم مؤلفاته يعاد طبعها أكثر من عشر طبعات ، أو أكثر من عشرين طبعة. ونرجّح أن الذي ساعد على انتشار مؤلفاته كذلك عمله في التدريس والإدارة. ولعل كتابه «جواهر البلاغة» أكثر مؤلفاته سيرورة ورواجا. فحتى عام ١٩٥٤ طبع منه إحدى عشرة طبعة. وهي بمجملها تدلّ على عمقه في علوم العربية ، وقدرته وإحاطته لها.

والذي وصل إلى علمنا من مؤلفاته :

١ ـ جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع.

٢ ـ السحر الحلال في الحكم والأمثال.

٣ ـ جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب.

٤ ـ ميزان الذهب في صناعة شعر العرب (في العروض).

٥ ـ المفرد العلم في رسم القلم (في رسم الخط).

٦ ـ السعادة الأبديّة في الشريعة الإسلامية.

٧ ـ مختار الأحاديث النبوية والحكم المحمدية.

٨ ـ القواعد الأساسية للغة العربية.

٩ ـ ديوان الإنشاء ، أو أسلوب الحكيم في منهج الإنشاء القويم.

والناظر المدقّق في كتبه هذه يتّضح له أن المؤلف كان يسعى إلى وضع لبنات في معظم الاتجاهات التعليمية حول اللغة العربية. ويتضح كذلك أن المؤلف شديد الاعتزاز بما يكتب وما يصنّف. ولهذا أطلق على الثلاثة الأولى اسم «جواهر». إضافة إلى التسميات الأخرى التي تنمّ عن اعتزازه الكبير بها.

على أن السيّد أحمد لم يقتصر على الكتب في التأليف ؛ فقد كان ينشر مقالات

٩

أدبية في الصحف المصرية ، جمع بعضها في كتابه «أسلوب الحكيم».

وقد استمرّ طبع مؤلفاته بعد وفاته زمنا ، وما زال. وكان ابنه يسعى إلى إعادة نشرها إبقاء على اسم والده في الحقل الأدبي. وقد كان المؤلف يسجّل على غلاف كل كتاب يطبعه. «حقوق إعادة الطبع محفوظة لحضرة مؤلفه وولده».

وفاته :

بدأ السيّد أحمد نشاطه العلمي في التأليف بعد سن الثلاثين. وإذا علمنا أنه عمّر خمسا وستين سنة ، أدركنا أن القسم الأول من حياته مضى في تلقّي العلم ، والقسم الثاني كان حافلا بالتدريس ، والإدارة ، والتأليف.

توفي السيّد أحمد في أواخر عام ١٩٤٣. فتسابقت الصحف المصرية إلى نعيه ، والإشادة بمكانته العلمية. ولا سيما ما صدر بتاريخ ٢٦ / ١٠ / ١٩٤٣.

المراجع عنه :

 ـ الأعلام للزركلي ١ / ٩٠.

 ـ معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ١ / ١٤٣.

 ـ معجم المطبوعات العربية والمعرّبة ص ١٨٨٧ ـ ١٨٨٨.

 ـ إيضاح المكنون : ١ / ٣٧٤ و ٢ / ٥٣٠. وهو الذي أسماه معلم البيان.

 ـ فهرسة دار الكتب المصرية : ٢ / ٦٩ ، ١٨٥. والملحق الثاني للجزء الثاني.

 ـ جريدة المقتبس : ١ / ١٥٥ ، ١٥٦ ، ٤١٢.

 ـ عدد من الصحف المصرية الصادرة بتاريخ ٢٦ / ١٠ / ١٩٤٣.

 ـ مقدمات كتبه وخواتيمها.

١٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

صرف الهمم ، نحو ربّ الأمم ، سبيل النّجاح ، وسرّ الفلاح.

نحمدك اللهمّ أنت الفاعل المختار ، لكلّ مفعول من الكائنات والآثار ، ونشكرك على مزيد نعمك ، ومضاعف جودك وكرمك.

ونصلّي ونسلّم على سيّدنا محمد مصدر الفضائل ، وعلى آله وأصحابه ومن نحا نحوهم من الأواخر والأوائل.

وبعد : فهذا كتاب «القواعد الأساسيّة ـ للّغة العربيّة» نحوت فيه ترتيب «الألفيّة» ، وجئت منها بالمبتدأ والخبر. وجمعت فيه لطائف «التّصريح» وتحف «الأشموني» وتحقيقات «الصّبّان» ونتف «الخضري» ودقائق «الرّضي» وبدائع «المغني» ومع هذا كلّه جمع إلى غزارة المادّة سهولة المأخذ ، وإلى جودة التّرتيب دقّة العبارة ، وظرف الإشارة. وإلى كثرة التّمرينات حسن الاختيار ، لينتفع به المبتدئون. ولا يستغني عنه المنتهون.

وأسأله سبحانه وتعالة أن ينفع به الطلّاب. وأن يجعله عنده زلفى وحسن مآب.

مصر في ١٨ رمضان سنة ١٣٥٤ هـ

المؤلف

 السيّد أحمد الهاشمي

١١

تمهيد

علوم اللّغة العربيّة (١) عبارة عن اثني عشر علما ـ مجموعة في قوله :

نحو ، وصرف ، عروض ، ثمّ قافية

وبعدها لغة ، قرض ، وإنشاء

__________________

(١) أفضل العلوم ما كان زينة ، وجمالا لأهلها ، وعونا على حسن أدائها ، وهو علم العربية الموصّل إلى صواب النّطق ، المقيم لزيغ اللسان ، الموجب للبراعة ، المنهج لسبل البيان بجودة الإبلاغ ، المؤدّي إلى محمود الإفصاح ، وصدق العبارة عما تجنّه النفوس ويكنّه الضمير من كرائم المعاني وشرائفها. وما الإنسان لو لا اللسان؟!.

وقد قيل : «المرء تحت لسانه. والإنسان شطران : لسان وجنان». [كما في قول الشاعر :

[الطويل] :

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده

فلم يبق إلّا صورة اللّحم والدّم

وقال عبد الحميد بن يحيى : سمعت شعبة يقول : تعلّموا العربية فإنها تزيد في العقل. وعن سليمان بن علي بن عبد الله بن عبّاس عن العباس. قال : قلت : يا رسول الله ما الجمال في الرجل؟ قال : فصاحة لسانه.

وقال عبد الملك بن مروان : اللّحن في الكلام أقبح من الجذريّ في الوجه. وأوصى بعض العرب بنيه فقال : يا بنيّ أصلحوا ألسنتكم فإن الرجل تنوبه النائبة فيتجمّل فيها فيستعير من أخيه دابّته ، ومن صديقه ثوبه ، ولا يجد من يعيره لسانه. وعن نفطويه عن أحمد بن يحيى قال [البسيط] :

إما تريني وأثوابي مقاربة

ليست بخزّ ولا من حرّ كتّان

فإنّ في المجد همّاتي وفي لغتي

غلويّة ولساني غير لحّان

وقال أبو هلال العسكري : علم العربية على ما تسمع من خاصّ ما يحتاج إليه الإنسان لجماله في دنياه ، وكمال آلته في علوم دينه ، وعلى حسب تقدّم العالم فيه وتأخّره يكون رجحانه ونقصانه إذا ناظر أو صنّف.

ومعلوم أنّ من يطلب الترسل وقرض الشّعر وعمل الخطب والمقامات ، كان محتاجا لا محالة إلى التوسع في علوم اللغة العربية.

١٢

خطّ ، بيان ، معان ، مع محاضرة

والاشتقاق لها الآداب أسماء

وكلّها باحثة عن اللّفظ العربيّ من حيث ضبطه وتفسيره وتصويره وصياغته ـ إفرادا وتركيبا.

والّذي له حقّ التّقدّم من هذه العلوم المذكورة «النّحو» إذ به يعرف صواب الكلام من خطئه ويستعان بواسطته على فهم سائر العلوم [الكامل] :

النّحو يصلح من لسان الألكن

والمرء تكرمه إذا لم يلحن

وإذا طلبت من العلوم أجلّها

فأجلّها نفعا مقيم الألسن

وسبب وضع النّحو «مع أنّ النطق بالإعراب سجيّة العرب من غير تكلّف» (١) كما قيل [الطويل] :

ولست بنحويّ يلوك لسانه

ولكن سليقيّ أقول فأعرب

أنّ العرب لمّا علت كلمتهم بالإسلام ، وانتشرت رايتهم في بلاد فارس والرّوم ، وفتحوا بلادهم ، واختلطوا بهم في المصاهرة والمعاملة والتّجارة والتّعليم ، دخل في لسانهم العربيّ المبين وصمة اللّسان الأعجمي (فخفضوا المرفوع ، ورفعوا المنصوب وما إلى ذلك من كثرة اللّحن الشّنيع) حتى كاد أسلوب النّطق العربيّ يتلاشى لأسباب كثيرة.

أ ـ من ذلك ما نقل عن أبي الأسود الدّؤلي أنّ ابنته رفعت وجهها إلى السّماء ، وتأمّلت بهجة النّجوم وحسنها ، ثم قالت : ما أحسن السّماء على صورة الاستفهام.

فقال لها يا بنيّة «نجومها».

فقالت : «إنّما أردت التّعجّب».

__________________

(١) كانت العرب لعهد الجاهلية تنطق بالسليقة ، وتصوغ ألفاظها بموجب «قانون» تراعيه من أنفسها ، ويتناوله الآخر عن الأوّل ، والصغير عن الكبير من غير أن تحتاج في ذلك إلى وضع قواعد صناعية.

فلما جاء الإسلام واختلطت العرب بالأعاجم عرض لألسنتها اللحن والفساد فاستدعى الحال إلى استنباط مقاييس من كلامهم يرجع إليها في ضبط ألفاظ اللغة ـ وأوّل ما وضع في ذلك علم النحو ، وواضعه أبو الأسود الدّؤلي من بني كنانة ، بأمر الإمام عليّ كرّم الله وجهه.

١٣

فقال لها : قولي : «ما أحسن السّماء»! وافتحي فاك.

ب ـ ومن ذلك ما سمعه أيضا أبو الأسود الدّؤلي من قارئ يقرأ قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣] بجرّ رسوله ففزع من ذلك أبو الأسود ، وخاف على نضرة تلك اللغة من الذّبول ، وشبابها من الهرم ، وجمالها من التّشويه ، وكاد ينتشر هذا الشّبح المخيف مع أنّ ذلك كان في مبتدأ الدّولة العربيّة ، والقوم تزيد علاقاتهم كلّ يوم بالعجم ، فأدرك هذا الإمام «عليّ» كرّم الله وجهه ، وتلافى الأمر بأن وضع تقسيم «الكلمة» ، وأبواب «إنّ وأخواتها» والإضافة والإمالة ، والتعجّب ، والاستفهام ، وغيرها ، وقال لأبي الأسود الدّؤلي : «أنح هذا النّحو» ومنه جاء اسم هذا الفنّ ، فأخذه أبو الأسود ، وزاد عليه أبوابا أخر إلى أن حصل عنده ما فيه الكفاية.

ثم أخذه عن أبي الأسود نفر منهم : ميمون الأقرن ، ثم خلفهم جماعة ، منهم : أبو عمرو بن العلاء ، ثم بعدهم الخليل ، ثم سيبويه والكسائيّ ثم سار الناس فريقين : بصريّ وكوفيّ ، وما زالوا يتداولون ويحكمون تدوينه حتّى الآن ، فجزاهم الله أحسن الجزاء.

النحو

للنّحو «لغة» معان كثيرة ، أهمّها :

القصد والجهة ، كنحوت نحو المسجد.

والمقدار ، كعندي نحو ألف دينار.

والمثل والشّبه ، كسعد نحو سعيد (أي مثله أو شبهه).

والنّحو : في اصطلاح العلماء هو : قواعد يعرف بها أحوال أواخر الكلمات العربيّة التي حصلت بتركيب بعضها مع بعض من إعراب وبناء وما يتبعهما (١).

__________________

(١) يرى جمهرة العلماء أنّ الصرف جزء من النحو لا علم مستقلّ بذاته. وعلى هذا يقال : النحو قواعد يعرف بها صيغ الكلمات العربية وأحوالها حين إفرادها وحين تركيبها ، فمعرفة صيغ الكلمات كما يقال : اسم الفاعل من الثلاثي بزنة فاعل واسم المفعول بزنة مفعول ، إلى غير ذلك.

ومعرفة أحوالها حين الإفراد كطريق التثنية والجمع والتّصغير والنّسب.

ومعرفة الأحوال حين التركيب كرفع الاسم إذا كان فاعلا ، ونصبه إذا كان مفعولا ، وجرّه

١٤

وبمراعاة تلك الأصول يحفظ اللّسان عن الخطأ في النّطق ، ويعصم القلم عن الزّلل في الكتابة والتّحرير.

تركيب الكلمات

الكلمات المستعملة في كلّ اللّغات تتكوّن من حروفها المفردة الّتي اعتبرت أساسا لها.

ومن ذلك لغتنا العربيّة فهي أصوات محتوية على بعض الحروف الهجائية. وعددها تسعة وعشرون حرفا ، من أوّل الهمزة إلى الياء.

واللّغة فعل لسانيّ ، أو ألفاظ يأتي بها المتكلّم ليعرّف غيره ما في نفسه من المقاصد والمعاني.

وللأمم كيفيّات مخصوصة يخالف بعضها بعضا في التّعبير عمّا في ضمائرهم.

ومن هؤلاء «العرب» الذين استنبط من مقاييس كلامهم قواعد «النّحو».

__________________

إذا كان مضافا إليه ، إلى غير ذلك.

ويرى قوم أنّ النحو والصرف علمان مستقلان ؛ فيخصّون النحو بالقواعد التي يعرف بها أحوال الكلمات العربية من إعراب وبناء.

ويخصّون الصّرف بالقواعد التي يعرف بها صيغ الكلمات المفردة وأحوالها مما ليس بإعراب ولا بناء.

ومن هذا يتّضح أنّ النحو يبحث عن الكلمات وهي مركّبة جملا ، فيبيّن ما يجب أن تكون عليه أواخرها من رفع أو نصب أو جرّ أو جزم ، أو بقاء على حالة واحدة.

وأمّا الصرف فيبحث عن الكلمات وهي مفردة ، فيبيّن ما لأحرفها من أصالة وزيادة ، وصحّة ، وإعلال ، وما يطرأ عليها من التغييرات.

١٥

مقدمة

في الكلمة وأنواعها

الكلمة هي : اللّفظ المفرد الدّالّ على معنى (١).

وتطلق الكلمة إطلاقا لغويّا مرادا بها «الكلام» نحو (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) كلمة التّوحيد.

وبالاستقراء وتتبّع مفردات اللّغة وجد أنّ أنواع الكلمة ثلاثة : اسم ، وفعل ، وحرف (٢) :

__________________

(١) «أي لفظ مفرد عيّنه الواضع لمعنى بحيث متى ذكر ذلك اللفظ فهم منه المعنى الذي عيّن هو له ، وفهمه منه هو دلالته عليه».

والمراد بالمفرد هنا هو ما يتلفظ به مرّة واحدة وإن دلّ على متعدّد كرجل ورجال.

(٢) وذلك لأن من أنواع الكلمة ما يصح أن يكون ركنا للإسناد. وهذا منه ما يصح أن يسند ويسند إليه باعتبار دلالته على الحدث والذّات معا ، أو الذات فقط وهو (الاسم) نحو سليم وفاهم. ومن هنا يتبين لك أن الاسم هو الركن للكلام ، به يقوم ، وعليه يعتمد ، لأنه لا ينعقد بدونه.

ومنه ما يصح أن يسند فقط باعتبار دلالته على الحدث دون الذّات وهو (الفعل) نحو فهم ، ويفهم ، وافهم.

ومنه ما لا يصح أن يكون ركنا للإسناد لخلوه من ذلك وهو (الحرف) فإنه رابط بين الاسم والفعل فلا يسند ولا يسند إليه.

وبهذا يتبين لك انحصار (الكلمة) في هذه الأقسام الثلاثة ، ودليل الحصر أن الواقع ثلاث : ذات ، وحدث ، ورابطة للحدث بالذات. فالذات الاسم ، والحدث الفعل ، والرابطة الحرف ؛ ولا يختص انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب لأن دليل الانحصار عقلي ، والأمور العقلية لا تختلف باختلاف اللغات.

١٦

ومن هذه الأنواع الثّلاثة يتركب الكلام ، والكلم ، ونحوهما.

الكلام وما يتركّب منه

الكلام : عند النّحويين (١) هو اللّفظ (٢) المركّب المفيد (٣) بالوضع (٤) العربي فائدة يحسن السّكوت عليها.

وأقلّ ما يتركّب الكلام (٥).

من اسمين حقيقة ، نحو : الدّين المعاملة.

١ ـ أو من اسمين حكما ، نحو : الصّدق منج ، (فإن الوصف مع ضميره في حكم المفرد).

٢ ـ أو من ثلاثة أسماء (٦) ، نحو : العدل أساس الملك.

٣ ـ أو من فعل واسم نحو : ظهر الحقّ ، ومنه نحو : (استقم) ، فإنّه مركّب من فعل الأمر المنطوق به ، ومن ضمير المخاطب المقدّر بأنت ، ومنه أيضا ، نحو : «يا جميل» فإنه كلام على تقدير الفعل المحذوف الذي هو «أنادي» النّائب عن حرف النّداء.

__________________

(١) والكلام عند اللغويين هو القول وما كان مكتفيا بنفسه في أداء المراد منه.

(٢) المراد باللفظ : الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية تحقيقا كمحمّد ، أو تقديرا كالضمائر المستترة.

ومعنى اللفظ : الطّرح والرمي ، يقال لفظت كذا بمعنى رميته.

وخرج باللفظ : الإشارة ، والكتابة ، والعقد بنحو الأصابع الدالة على أعداد مخصوصة والنّصب. أي العلامات المنصوبة كالمحراب وغيرها ، فإنّها ليست بكلام عند النحويين.

(٣) المراد بالمفيد ما أفاد فائدة تامة يحسن سكوت كلّ من المتكلم والسامع عليها ، نحو : الدين المعاملة ، وخرج به غير المفيد ، نحو : إن حضر سرور.

(٤) بالوضع أي بالقصد ، وهو : أن يقصد المتكلم بما يلفظ به مما وضعته العرب إفادة السامع ؛ فهذه قيود أربعة متى وجدت وجد الكلام النحويّ. وحيث انتفت كلها أو انتفى واحد منها انتفى الكلام النحوي.

(٥) تركيب الكلام هو : ضمّ كلمة إلى أخرى بحيث ينعقد بنيهما الإسناد المستقلّ. وهو الذي يفيد أن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى أو منفيّ عنها ، نحو : العلم نافع ، وما الجهل نافعا.

(٦) وقد يتركب من نوع الاسم أكثر من ذلك.

١٧

٤ ـ أو من فعل واسمين ، نحو : كان الله غفورا.

٥ ـ أو من فعل وثلاثة أسماء ، نحو : علمت الله واحدا.

٦ ـ أو من فعل وأربعة أسماء ، نحو : أريت جميلا البدر طالعا.

٧ ـ أو من اسم وجملة. الحقّ يعلو ، الظّلم آخره ندم.

٨ ـ أو من جملتين : نحو : إن ترد السّلامة ، فاسلك سبيل الاستقامة.

ولا يمكن أن يأتي كلام مفيدا من الأحرف وحدها ، ولا من الأحرف والأفعال فقط.

الكلم

الكلم : هو اللّفظ المركّب من ثلاث كلمات فأكثر سواء أفاد ، نحو : العلم يرقّي الإنسان.

أو لم يفد ، نحو : لو ارتقى الإنسان ، إذا كنت راقيا.

الجملة والقول

الجملة : هي مركّب إسناديّ (١) أفاد فائدة وإن لم تكن مقصودة كفعل الشرط. نحو : إن قام ، وجملة الصلة ، نحو : الّذي قام أبوه (٢).

والقول : ما ينطق به سواء أكان كلمة أم كلاما أم كلما أم جملة. فهو أعمّ من الكلمة : لشموله المفرد والمركب.

وأعمّ من الكلام ؛ لشموله المفيد وغيره.

__________________

(١) فالتركيب الواقع صلة الموصول ، أو نعتا ، أو حالا ، أو خبرا ، أو مضافا إليه ، يسمى جملة فقط لاشتماله على مطلق الإسناد.

(٢) تنقسم الجملة إلى نوعين :

الأول اسمية : إن بدئت باسم حقيقة ، نحو : الوطن عزيز.

أو حكما ، نحو : إنّ العدل قوام الملك.

الثاني فعلية : إن صدّرت بفعل حقيقة ، نحو : جاء الحقّ.

أو حكما ، نحو : ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار.

١٨

وأعمّ من الكلم ، لشموله المركب من كلمتين أو أكثر.

وأعمّ من الجملة ، لشموله المقصود ، وغير المقصود مفيدا أو غير مفيد ؛ فمتى وجد واحد منها وجد ، وقد يوجد هو دونها ، نحو : كتاب محمّد وخمسة عشر ، وبعلبكّ ، وحضرموت ، وجاد الحقّ.

والمعتبر عند النّحويين هو «الكلام» لاشتماله على المسند إليه والمسند.

أجب عن الأسئلة الآتية

ما هي علوم اللغة العربية ، وعمّ تبحث عنه؟ ما الذي له حقّ التقدّم من هذه العلوم؟ ما هو النحو؟ وما سبب وضعه؟ ومن الواضع له؟ كيف استنبط هذا العلم؟ ممّ تتركب الكلمات؟ ما هي اللغة؟ ما هي الكلمة وأنواعها؟ ما هو الكلام وما يتركب منه؟ ما هو الكلم والكلمة والجملة والقول؟ ما هو المعتبر منها عند النحاة؟

تمرين (١)

بيّن الكلمة والكلام والكلم والجملة والقول فيما يأتي.

إذا تكلّم أحدكم فليجتهد أن تكون الألفاظ عذبة لا يملّ سماعها ، وأن تكون المدلولات صحيحة يمكن وقوعها ، فليس كلّ لفظ مقبولا ، ولا كلّ مدلول معقولا ، وأن يراعى الاعتدال في المقال ، فإنّ الإطناب قد يكون مملّا ، كما أنّ الإيجاز قد يكون مخلّا. إن يكن الكلام من فضّة فإنّ السكوت من ذهب. ولا تهرف بما لا تعرف [الكامل] :

وزن الكلام إذا نطقت فإنّما

يبدي عقول ذوي العقول المنطق

تمرين (٢)

بيّن الكلام والكلم والاثنين معا ، وميّز الجملة والقول ممّا يلي :

المعاشرة الرّديّة تفسد الأخلاق الجيّدة ، إضاعة اللغة تسليم للذّات ، إذا صنعت المعروف ، من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ، احذروا من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه. خالق الناس بخلق حسن ، من أسرع في العمل [الوافر] :

١٩

ألا يا مستعير الكتب دعني

فإنّ إعارتي للكتب عار

فمحبوبي بذي الدنيا كتابي

فهل يا صاح محبوب يعار

اتّبع الحق وإن عزّ عليك ، الدّين النّصيحة. غرّك السّراب فتقطّعت بك الأسباب. من قعد به أدبه لم يرفعه حسبه [الكامل] :

إنّ الأكابر يحكمون على الورى

وعلى الأكابر تحكم العلماء

[الطويل] :

ومن فاته التعليم وقت شبابه

فكبّر عليه أربعا لوفاته

تعريف الاسم وعلاماته المميّزة له عن الفعل والحرف

الاسم «عند اللّغويين» ما دلّ على مسمّى.

و «عند النّحويين» ما يدلّ على معنى مستقلّ بالفهم غير مقترن وضعا بزمن من الأزمان الثلاثة ؛ (الماضي والمستقبل والحال) (١).

وعلامات الاسم كثيرة ، وأشهرها خمسة ، منها أربعة لفظية : وهي

__________________

(١) بهذا التعريف لا يخرج عن الاسمية ما يأتي :

 ـ أولا : ما يدل على معنى مقترن بالزمان التزاما لا بحسب الوضع كما في اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والمصدر ، والصفة المشبهة ، واسم التفضيل ، وأمثلة المبالغة ، نحو : فاهم ، ومفهوم فقد عرضت عليه الدلالة على الزمان لمشاركته الفعل المقترن بالزمان (فهم ويفهم وافهم).

 ـ ثانيا : اسم الفعل كلفظة (شتّان) التي بمعنى (افترق) الذي هو فعل ماض عرضت عليه الدلالة على الزمان من هذا الفعل الذي هو بمعناه ، فتكون الدلالة الوضعية لمسماه لا له.

 ـ ثالثا : ما يدلّ على نفس الزمان مطابقة ، لا على معنى مقترن به ، نحو : أمس ، واليوم ، والآن ، من ظروف الزمان.

 ـ رابعا : ما يدلّ على معنى مقترن بمطلق زمن لا بزمن مخصوص من الأزمنة الثلاثة السابقة ، وذلك :

كلفظة (الصّبوح) وهو الشّرب أوّل النهار.

ولفظة (الغبوق) هو الشّرب آخر النّهار.

ولفظة (القيل) وهو الشّرب وسط النهار.

فمعناها مقترن بمطلق زمن ، لا يقيد كونه ماضيا ولا حالا ولا استقبالا.

٢٠