المحكم في أصول الفقه - ج ٢

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٢

مأخوذة من أدلة لفظية قابلة للتخصيص ، بل هي عقلية وجدانية كشف ذلك عن قصور بعضها في نفسه ، وأن صيغتها بنحو القضية الكلية الشاملة للمورد في غير محله ناشئ عن اختلاط الأمر على الوجدان ، بل اللازم الرجوع للوجدان في خصوصيات الموارد والتمييز بينها ، ليتضح عموم هذه الكبريات لها أو قصورها عنها ، ولا ينبغي سوقها على أنها مسلمة الثبوت على عمومها. فضلا عن الاحتجاج بها في المورد مع ثبوت الخلاف في عموم كل منها له ، حيث أنكر جماعة الترتب على خلاف عموم الكبرى الثانية ، والتزم به بعضهم مع وحدة العقاب على خلاف عموم الاولى ، كما التزم آخرون به مع تعدد العقاب على خلاف عموم الثالثة.

هذا ، ولا ينبغي التأمل في إمكان الترتب ولزومه بعد ملاحظة ما تقدم في تقريبه وتوضيحه ، ولا أقل من جعل مفروض الكلام ثبوته والتسليم به.

كما لا ينبغي التأمل في عدم تعدد العقاب معه ، بحيث يكون عقاب عاصي التكليفين معا في المقام كعقاب عاصيهما مع عدم المزاحمة وإمكان الجمع في الامتثال ، فمثلا : لو تعرض للغرق مؤمن ومستضعف وأشرفا على الخطر ، وكان هناك شخصان أحدهما يستطيع إنقاذ أحد الغريقين لا غير سباحة ، والآخر يستطيع إنقاذهما معا بسفينة ، فتركاهما حتى غرقا ، فهل يمكن بعد الرجوع للمرتكزات العقلائية والتأمل فيها دعوى : أن عقاب الشخصين بنحو واحد ، لاشتراكهما في مخالفة تكليفين ، وإن كان التكليفان ثابتين في حق الأول بنحو الترتب وفي حق الثاني في عرض واحد.

وأيضا ، فالأمر الترتبي كما يجري في التكلفين المختلفين في الأهمية كذلك يجري في التكليفين المتساويين ، غايته أن كلا منهما مشروط بعدم امتثال الآخر ، وحينئذ لو تعرضت للغرق سفينة تحمل جماعة كثيرة يغرقون بغرقها ، وكان هنا جماعة مختلفوا الطاقة على انقاذهم ، فبعضهم يستطيع إنقاذهم

٣٤١

بأجمعهم بسفينة كبيرة ، وأخر يستطيع إنقاذهم نصفهم بسفينة متوسطة ، وثالث يستطيع إنقاذ ربعهم بسفينة صغيرة ، ورابع يستطيع إنقاذ جماعة قليلة بقارب صغير ، وخامس يستطيع إنقاذ شخصين منهم بخشبة ، وسادس يستطيع إنقاذ واحد منهم سباحة مثلا ، فهل يمكن البناء على كون عقاب الكل واحدا لو تكاسلوا وتركوهم حتى غرقوا ، لأنهم تركوا إنقاذ كل منهم مع تكليفهم بإنقاذه مطلقا أو بشرط ترك إنقاذ غيره المفروض التحقق؟!.

وهكذا ما يشبه المثالين المذكورين من الأمثلة الكثيرة التي يزيد النظر فيها والتأمل في حالها استيضاح ما ذكرنا من عدم تعدد العقاب في فرض العجز عن الجمع بين الامتثالين وإن تعددت المعصية لفعلية كل من التكليفين.

ومن هنا يتعين البناء على أن العقاب إنما يكون بقدر طاعة المكلف ، فإذا كان التكليفان المتزاحمان متساويين كان العقاب المستحق بقدر العقاب على واحد منهما ، نظير الأمر التخييري الذي لا يستحق مع ترك امتثاله بترك تمام الأطراف إلا عقاب واحد ، وإن افترقا بتعدد التكليف الفعلي والملاك في المقام ووحدتهما في الأمر التخييري على ما سبق في محله. غايته أن وحدة العقاب هناك لوحدة الغرض ، وهنا لعجز المكلف وقصوره عن استيفاء الغرضين.

وإن كانا مختلفين في الأهمية فحيث كان المرجوح مشاركا للراجح في مرتبة من الأهمية ويمتاز الراجح بمرتبة اخرى ، فبلحاظ ما به الاشتراك يلحقهما حكم المتساويين ، فلا يوجب تركهما إلا عقابا واحدا مناسبا لتلك المرتبة ، بلحاظ العجز عن استيفائهما معا ، نظير التكليف التخييري ، على ما تقدم ، وبلحاظ ما به الامتياز يكون الراجح كالواجب التعييني المستقل يستحق لأجله العقاب ، للقدرة على استيفائه بفعله.

ومرجع ذلك إلى أن ترك امتثال المرجوح لا يزيد في العقاب الحاصل بترك امتثال الراجح غاية الأمر أن امتثال المرجوح يوجب تخفيف العقاب

٣٤٢

المستحق بعصيان الراجح ، لما فيه من استيفاء ملاكه المشارك لملاك الراجح في بعض مراتب الأهمية. والتي ذكرنا أن الحال بالإضافة إليها نظير الواجب التخييري. فيكون عقاب من اقتصر على عصيان الراجح من دون أن يبتلي بالمرجوح أو مع الابتلاء به وعصيانه أشد من عقاب من ابتلي بالمرجوح فامتثله بدلا عن الراجح.

فالعقاب في المقام كالعقاب الحاصل بترك التكليفين غير المتزاحمين إذا كان أحدهما وافيا ببعض ملاك الآخر ، كالأمر باللبن بملاك كونه شرابا وغذاء ، والأمر بالماء بملاك كونه شرابا ، حيث لا إشكال في لزوم التكليف بهما بنحو التكليف الترتبي بالضدين ، في كون الراجح مطلقا والمرجوح مقيدا بعصيان الراجح ، مع خلوهما عن إشكال التكليف بالضدين.

كما لا إشكال في أنهما لو عصيا معا لم يستحق الا عقاب واحد بقدر عقاب عصيان الراجح ، ولو عصي الراجح وامتثل المرجوح لم يستحق الا بعض ذلك العقاب بلحاظ ما لم يستوفه المرجوح من الملاك ، ولا فرق بين ذلك والمقام في كيفية الاستحقاق ارتكازا ، وإن افترقا في أن وحدة العقاب في ذلك لقصور الملاك ، وفي المقام لقصور المكلف وعجزه عن امتثال التكليفين ، كما يفترقان في كيفية الملاك للتداخل بين الملاكين في ذلك والتباين بينهما في المقام ، لأن الفرقين المذكورين كالفرق بين التكليف التخييري الأصلي والتكليفين المتزاحمين المتساوي الأهمية ، الذي عرفت أنه لا يوجب فرقا في كيفية استحقاق العقاب.

ومنه يظهر أنه لا مجال لدعوى كون الخطاب الترتبي المرجوح إرشاديا ، بلحاظ عدم استتباع مخالفته العقاب زائدا على عقاب مخالفة الراجح ، إذ يكفي في مولويته استتباع موافقته تخفيف العقاب الواحد اللازم من عصيانهما.

على أن المعيار في مولوية التكليف ليس هو استتباعه الثواب والعقاب ،

٣٤٣

بل صحة إضافة مؤداه للمولى ، بحيث تكون موافقته لحسابه ولأجله ، لصدوره بداعي جعل السبيل منه ، حيث لا يتوقف جعل السبيل على العقاب والثواب ، بل يكفي فيه لحاظ حق المولى ، المستتبع لشكره أو نحوه من دواعي الموافقة ، وذلك لا يجري في الخطابات الإرشادية.

هذا كله حال العقاب بلحاظ طبيعة الأمرين الترتبيين وبالنظر لملاكيهما. وربما تبتني الإطاعة والمعصية على خصوصيات أخر تقتضي نحوا آخر.

فقد يبتني ترك الراجح وموافقة المرجوح على الاستهانة برجحان الراجح وبأهميته شرعا ، كما لو انقذ المستضعف ، لا لأنه أيسر عليه ، بل لعدم بنائه على أهمية المؤمن وعدم اهتمامه بعظيم حقه وحرمته ، حيث قد يكون ذلك أشد من تركهما معا تكاسلا عن تحمل مشقة الإنقاذ واستصعابا له ، مع الإذعان بأهمية الإيمان وحرمة الإسلام.

كما قد يبتني تركهما معا على الاستهانة بتكليف المولى وعدم احترامه لا على تجنب مشقة الامتثال والكسل عنه ، حيث يكون البعد عن المولى والتمرد عليه بتركهما معا أشد من البعد والتمرد بترك الراجح لصعوبته وتجنب مشقته من دون أن يبتلي بالمرجوح. لكن هذا خارج عن محض الإطاعة والمعصية بما هما الذي هو محل الكلام.

وقد يظهر من جميع ما تقدم أن الالتزام بوحدة العقاب لا ينافي البناء على ثبوت الأمر الترتبي بالمرجوح وكونه مولويا ، وأنه لا وجه للمنع منه مع ذلك وبعد عدم مزاحمته للأمر بالراجح ، ولا سيما مع عدم إباء المرتكزات العرفية منه.

بل اعترف المحقق الخراساني قدّس سرّه بوقوعه في العرفيات. قال سيدنا الأعظم قدّس سرّه : «كما يقول الأب لولده : اذهب اليوم إلى المعلم ، فإن عصيت فاكتب في الدار ولا تلعب مع الصبيان. وببالي أني سمعته رحمه الله يمثل بذلك في مجلس

٣٤٤

درسه الشريف».

لكنه قدّس سرّه مع اعترافه به قال في توجيهه : «لا يخلو إما أن يكون الأمر بغير الأهم بعد التجاوز عن الأمر به وطلبه حقيقة ، وإما أن يكون الأمر به إرشادا إلى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة ، وأن الإتيان به يوجب استحقاق المثوبة ، فيذهب به بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الأمر بالأهم ، لا أنه أمر مولوي فعلي كالأمر به».

ويظهر حاله مما تقدم من توجيه كونه مولويا موجبا لتخفيف العقاب بنفسه ، لكونه محققا للملاك المشارك للفائت في بعض المرتبة من الأهمية ، لا من باب مقابلة الثواب للعقاب وإحباط الأول للثاني.

مضافا إلى ما أشرنا إليه من ثبوت النظير له فيما لو كان أحد الواجبين وافيا ببعض ملاك الآخر ، وليس الفرق بينهما إلا في أن تقييد المرجوح في النظير مقتضى ملاكه بطبعه ، وفي المقام مقتضى قصور قدرة المكلف عن الجمع بين الامتثالين ، وليس هو فارقا بعد كون مقتضى التقييد المذكور عدم الجمع بين الامتثالين وارتفاع التزاحم بين التكليفين على ما سبق.

وينبغي تتميم الكلام في الترتب بتنبيهات ..

التنبيه الأول : تقدم توجيه الأمر الترتبي المرجوح بأن يكون مشروطا بعصيان الراجح بنحو الشرط المتأخر. وقد يوجه أيضا بأن يكون مشروطا بالعزم على عصيانه ، لا بفعلية عصيانه وهو الذي اقتصر عليه كاشف الغطاء قدّس سرّه في محكي كلامه.

ولا يعتبر حينئذ كونه شرطا متأخرا ، بل يمكن كونه شرطا متقدما أو مقارنا ، لعدم سقوط التكليف بالعزم على العصيان ، فيجتمع التكليفان في زمان واحد.

٣٤٥

بل قد يظهر من المحقق الخراساني قدّس سرّه لزوم كونه بأحد الوجهين وامتناع كونه شرطا متأخرا. وإن كان هو غير ظاهر الوجه.

وكيف كان ، فالظاهر عدم تمامية الوجه المذكور في تقريب الترتب ..

أولا : لأن لازمه فعلية التكليف المرجوح في ظرف تحقق العزم المذكور من المكلف حتى لو وافق التكليف الراجح غفلة وبلا قصد ، ولا يمكن البناء على فعلية المرجوح مع موافقة الراجح بعد فرض تعذر الجمع بين امتثاليهما.

وثانيا : لعدم ارتفاع محذور التزاحم بين التكليفين بذلك ، إذ بعد فرض تحقق العزم على عصيان الراجح وفعلية كلا التكليفين فكل منهما يدعو لامتثاله وإن استلزم عصيان الآخر ، وحيث لم يكن امتثال الراجح رافعا لفعلية المرجوح ، لفرض عدم اشتراط المرجوح بالعصيان ، بل بالعزم عليه كان كل منهما مقتضيا لمخالفة مقتضى الآخر ، الذي هو المعيار في التزاحم بينهما.

ومجرد استناد فعلية التكليفين معا لسوء اختيار المكلف لا يكفي في دفع محذور التزاحم ، كما تقدم.

إن قلت : لما كان الراجح يدعو لامتثاله فهو يدعو تبعا لقصد امتثاله وعدم العزم على عصيانه ، الذي هو شرط فعلية المرجوح ومتمم لموضوعه ، فلا ينافي مقتضى المرجوح ، لما تقدم من أن التكليف لا يدعو لحفظ شرطه وتحصيل موضوعه.

قلت : داعوية الراجح ـ كغيره من التكاليف ـ لامتثاله إنما هي بمعنى اقتضائه الموافقة ولو من دون قصد ، بل ولو مع قصد العصيان والعزم عليه ، لا بمعنى داعويته لقصد الامتثال وعدم العزم على العصيان.

نعم ، إذا كان الراجح تعبديا فحيث يكون مقيدا ـ ولو لبّا ـ بقصد الامتثال أو نحوه ، تكون موافقته موقوفة على القصد المذكور ، فالداعوية للموافقة ترجع لداعويته ـ بالأصل ، لا تبعا ـ للقصد المذكور المنافي لقصد العصيان والعزم عليه

٣٤٦

الذي فرض كونه شرطا للمرجوح.

لكن هذا وحده لا يكفي في رفع التزاحم بين التكليفين ، لأنه بعد تحقق العزم على عصيان الراجح فالراجح وإن اقتضى عدم العزم المذكور ، إلا أن المرجوح بعد تمامية موضوعه بتحقق العزم المذكور يقتضي موافقته ولو مع عصيان الراجح ، وهو كاف في التزاحم.

فهو كما لو وجب بنحو الإطلاق إراقة الماء بعيدا عن المسجد ، ووجب غسل المسجد به مشروطا بكونه في المسجد ، حيث يتزاحمان حين كونه في المسجد وإن كان الأول يقتضي رفع شرط الثاني لداعويته لإخراج الماء من المسجد مقدمة لإراقته بعيدا عنه. فتأمل جيدا.

التنبيه الثاني : الكلام المتقدم في الترتب يختص بما إذا كان التزاحم بين التكليفين لمجرد التضاد وتعذر الجمع بين الامتثالين ، دون ما إذا كان منشؤه مقدمية مخالفة أحد التكليفين لامتثال الآخر ، كحرمة العبور في الأرض المغصوبة ووجوب إنقاذ الغريق لو توقف إنقاذه على عبورها ، وكوجوب تطهير المسجد وحرمة قتل المؤمن لو توقف التطهير على قتله.

ومنه التزاحم في الضدين بناء على مقدمية ترك أحد الضدين لفعل الآخر. حيث يشكل التكليف الترتبي المرجوح ،

أما إذا كان ترك موافقة التكليف المرجوح مقدمة لموافقة التكليف الراجح ، كالمثال الأول ، فلأنه حيث تقدم اختصاص الداعوية الغيرية بالمقدمة الموصلة ، فالتكليف المرجوح بالإضافة لغير الموصل فعلي مطلقا ، سواء امتثل الراجح أم لم يمتثل ، وبالإضافة للموصل غير فعلي مطلقا ، لأن فرض إيصاله ملازم لفرض امتثال الراجح الذي لا موضوع معه للترتب.

ولو فرض عموم الداعوية الغيرية لغير الموصل ففرض فعلية الراجح

٣٤٧

ملازم داعويته لمخالفة المرجوح ، فيمتنع معها فعلية المرجوح مطلقا ولو بنحو الترتب بملاك امتناع اجتماع الأمر والنهي في متعلق واحد ، مع غض النظر عن التزاحم.

وأما إذا كان ترك موافقة الراجح مقدمة لموافقة التكليف المرجوح ـ كالمثال الثاني ـ فلأن فعلية المرجوح ولو بنحو الترتب تستلزم داعويته لمخالفة الراجح التي يمتنع فرضها مع فرض فعلية الراجح وإطلاقه بملاك امتناع اجتماع الأمر والنهي. وإنما تتجه فعليته بعد سقوط الراجح بالعصيان ، لعدم المانع.

نعم ، لو كان التكليفان متساويين فلا مانع من الترتب بالنحو الآتي في المتساويين ، الراجح لتقييد كل منهما بمخالفة الآخر ، حيث لا يكون كل منهما فعليا في ظرف موافقة الآخر ليدعو لترك موافقة الآخر ، ويمتنع معه فعلية الآخر ، كما لعله ظاهر.

التنبيه الثالث : ما سبق في تقريب الأمر الترتبي كما يجري في التكليفين المختلفي الأهمية كذلك يجري في التكليفين المتساويين في الأهمية ، غايته أن كلا منهما يكون مشروطا بمخالفة الآخر ، نظير ما سبق في الوجه الثالث في بيان حقيقة الوجوب التخييري ، وإنما سبق هناك رده لارتكاز وحدة التكليف تبعا لوحدة الغرض ، ولا مانع من البناء عليه في المقام مع تعدد التكليف تبعا لتعدد الغرض ، وإن امتنع إطلاق فعلية التكليفين معا بسبب التزاحم الاتفاقي بينهما ، كما يمتنع إطلاق أحدهما ، لعدم المرجح.

ودعوى : أن الجمع لا ينحصر بالترتب بالنحو المذكور ، بل يمكن انقلاب التكليفين التعيينيين إلى تكليف تخييري واحد بكلا الطرفين.

مدفوعة : مضافا إلى ارتكاز تبعية التكليف للغرض في الوحدة والتعدد ،

٣٤٨

فمع فرض تعدد الغرض في المقام لا مجال للبناء على وحدة التكليف. فتأمل ـ بأن التزاحم لا يختص بالأمرين ، ليمكن انقلابهما إلى أمر تخييري بالطرفين ، بل يجري في تزاحم النهيين ، وتزاحم الأمر والنهي ، وفرض التخيير حينئذ يحتاج إلى عناية أشد من عناية تقييد كل من التكليفين بالنحو الذي ذكرنا ، فلا وجه للخروج عنه بعد مطابقته للارتكاز.

لكن ذكر بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه أن الترتب بالوجه المتقدم في التكليفين المختلفي الأهمية ، إلا أنه ممتنع في التكليفين المتساويين فيها ، لأن تقييد كل منهما بمعصية الآخر مستلزم لتأخر كل منهما رتبة عن الآخر ، لأخذه في موضوعه ، وهو ممتنع عقلا ، فيتعين الجمع بينهما بوجه آخر مع إبقاء كل منهما على إطلاقه.

وحاصله : أن الطلب إن كان ممكن الامتثال ولم يبتل بالمزاحم كان طلبا تاما مقتضيا حصول المطلوب على كل حال ومن جميع الجهات ، أما إذا ابتلي بالمزاحم فهو طلب ناقص لا يقتضي حصول المطلوب من تمام الجهات ، بل من غير جهة المزاحم وبنحو لا يمنع منه ، فكل من الطبين في المقام وإن كان مطلقا لا تقييد فيه ، إلا أنه ناقص إنما يقتضي وجود المطلوب من غير جهة المزاحم.

وحينئذ يمكن جريان ذلك في مختلفي الأهمية ، فيلتزم بإطلاق كل منهما مع كون طلب الراجح تاما لا نقص فيه ، وطلب المرجوح ناقصا يقتضي وجوده من غير جهة المهم وبنحو لا يمنع منه ، لعدم الفرق عرفا بين المقامين ، ولا موجب لالتزام تقييد طلب المهم وإن كان ممكنا.

ويندفع ما ذكره في وجه امتناع الترتب بين المتساويين في الأهمية بأنه لا يلزم في الترتب كون شرط أحد التكليفين عصيان الآخر بعنوانه ، ليلزم تأخره عنه رتبة ، بل يكفي كون الشرط ترك متعلقه إن كان أمرا وفعله إن كان نهيا الذي

٣٤٩

يتحقق به العصيان ، على ما تقدم توضيحه عند الكلام في الاختلاف الترتبي بين الأمرين الترتبيين في دفع الإيراد الأول من إيرادي المحقق الخراساني قدّس سرّه على الترتب. فراجع.

كما أن ما ذكره من تقريب كون الطلب في كل منهما ناقصا مبني على تعقل نقص الطلب الذي تقدم منه قدّس سرّه في مبحث الواجب التخييري تقريبه بالإضافة إلى تمام أطراف التخيير. وتقدم منا المنع من ذلك.

والحمد لله رب العالمين.

٣٥٠

٣٥١
٣٥٢

الفصل الخامس

في اجتماع الأمر والنهي

وقع الكلام بينهم في إمكان اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد وامتناعه.

والظاهر أن محل الكلام اجتماعهما مع تعدد الجهة في ما يكون مجمعا للجهتين ، مع المفروغية عن امتناع اجتماعهما في الواحد من جهة واحدة وبعنوان واحد.

فمرجع النزاع إلى أن تعدد الجهة والعنوان لكل من الأمر والنهي هل يكفي في تعدد متعلقهما ولو مع اجتماع الجهتين والعنوانين في وجود خارجي واحد ، فيكون الوجود المذكور مجمعا لهما تبعا لتعدد عنوانه ، أو لا بد معه من تعدد الوجود الخارجي ، ومع وحدته لا يكفي تعدد الجهة في إمكان اجتماع الأمر والنهي ، بل لا بد من قصور أحدهما أو كليهما عن المجمع.

كل ذلك بعد الفراغ عن دخل العنوان في الحكم وعدم سوقه لمحض الحكاية عن الأفراد بذواتها ، إما لظهور الدليل في ذلك أو للعلم به من دليل خارجي.

ومن هنا كانت المسألة عقلية يبحث فيها عن كيفية ورود الحكم على العنوان وكيفية دخله فيه ، الذي يستقل به العقل بعد استفادة أصل دخله من دليل الحكم اللفظي أو غيره وربما يأتي لذلك مزيد توضيح.

كما لا ينبغي التأمل في كون المسألة اصولية بعد تحريرها لأجل استنباط

٣٥٣

الأحكام الفرعية ووقوع نتيجتها في طريق استنباطها ، وهي أحكام موارد الاجتماع ، وما يترتب عليها من إمكان امتثال الأمر بها وعدمه على ما يتضح بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

ولا ينافي في ذلك واجديتها لجهات أخر تقتضي عدها في غير مسائل الاصول ، لأنه لا يعتبر في المسألة الاصولية تمحضها في غرض الاستنباط وعدم ترتب غرض آخر عليها ، بل يكفي تحريرها لأجل الاستنباط وصلوحها لأن يترتب عليها.

هذا ، وكلامهم في المسألة في غاية الاضطراب والتشويش ، لاختلافهم في تحديد موضوع النزاع والمعيار فيه ثبوتا ، وعدم إيضاح جملة منهم لكيفية تشخيصه إثباتا ، كما اختلفوا في مباني المسألة ومقدمات الاستدلال فيها.

ومن هنا يضيق الوقت ولا ينشرح الصدر لاستيعاب كلماتهم والنظر فيها ، بل ينبغي الاقتصار على ما يخص الثمرة المهمة للمسألة ، وهي حكم مورد الاجتماع بنحو يمكن الامتثال به ويصح مع الالتفات للحرمة أو مع الغافلة عنها أو الجهل بها.

وتحديد مباني الكلام في ترتبها يكون بذكر أمور مقدمة للكلام في المطلوب.

الأمر الأول : لا إشكال في تضاد الأحكام التكليفية الخمسة بمعنى امتناع اجتماع أكثر من حكم واحد منها في موضوع واحد. إلا أن الكلام وقع بينهم في وجه التضاد. وينبغي التعرض لذلك ، لابتناء تحديد مورد التضاد سعة وضيقا عليه.

فنقول : من البديهي امتناع اجتماع البعث والزجر الحقيقيين بالإضافة إلى شيء واحد ، لتقومهما بالانبعاث والانزجار نحوه ، وهما حركتان خارجيتان متنافيتان.

٣٥٤

لكن هذا وحده لا ينفع في ما نحن فيه ، لعدم اقتضاء الوجوب أو الحرمة والاستحباب والكراهة البعث والزجر الحقيقيين ، بل يقتضيان الاعتباريين أو الإنشائيين ، وحينئذ لا بد من النظر في وجه التضاد بينهما مع ما هو المعلوم من أن الاعتبار والإنشاء خفيف المئونة.

وقد يستدل لذلك بوجوه ..

أولها : ما يظهر من الفصول وقد يستفاد من التقريرات من أن منشأ تضادها وتنافيها هو تضاد منشأ انتزاعها ، وهو المحبوبية والمبغوضية والإرادة والكراهة.

ويندفع بما تقدم في مقدمة علم الاصول عند الكلام في حقيقة الأحكام التكليفية من عدم انتزاعها من المحبوبية والمبغوضية والإرادة والكراهة ، وأن الإرادة والكراهة التشريعتين اللتين اشتهر انتزاع الأحكام التكليفية منها مباينتان للارادة والكراهة والمحبوبية والمبغوضية سنخا. وتضاد الإرادة والكراهة التشريعيتين محل الكلام ومحتاج لبيان آخر غير ما تقدم.

ثانيها : ما ذكره سيدنا الأعظم قدّس سرّه من أن منشأ التضاد بين الأحكام هو تضاد ملاكاتها ، فملاك وجوب الشيء كونه ذا مصلحة بلا مزاحم وملاك حرمته كونه ذا مفسدة بلا مزاحم.

قال قدّس سرّه : «فلو فرض محالا كون الشيء الواحد ذا مصلحة بلا مزاحم وذا مفسدة كذلك لا بد أن تتعلق به الإرادة والكراهة معا ، والأمر والنهي كذلك ... ومنه يظهر حال بقية الأحكام التكليفية ، فإن التنافي بين الجميع لذلك ، فنسبة التنافي إليها إنما هي بالعرض ، أما ما هو مورد التنافي أولا وبالذات فهو الملاكات لا غير. ولذلك يظهر الفرق بين اجتماع الوجوب والحرمة في موضوع واحد وبين التكليف بالمحال ، فإن الثاني لا قصور في ملاكه ، فلو ثبت كان بملاك ، وإنما القصور في القدرة عليه لا غير ، والأول يمتنع ، لعدم الملاك حتى لو فرض محالا

٣٥٥

ثبوت القدرة على الامتثال ...».

وفيه .. أولا : أن ذلك ـ كما أشار إليه في آخر كلامه ـ مبني على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها ، ولا يتم بناء على عدم تبعيتها للمصالح والمفاسد مطلقا ، أو على تبعيتها للمصالح في أنفسها ، لا في متعلقاتها ، مع أن الظاهر عدم ابتناء تضاد الأحكام على شيء من ذلك ، بل هو ثابت مطلقا ، كما أنه مسلم عند الكل حتى من لم يقل بابتنائها على ذلك.

وثانيا : أن هذا مختص بالأحكام الصادرة من المولى الحكيم الذي تبتني أحكامه على ملاحظة الملاكات ، دون أحكام غيره ممن لا يتقيد في أحكامه بذلك ، مع أن امتناع صدور الحكمين منه ظاهر ، بحيث لو فرض خطابه بالحكمين معا ، لحمل على عدم القصد لأحدهما ، أو العدول عنه ونسخه بالآخر ، أو لغوية خطابه ، بحيث لا ينتزع منه الحكم ، ولا ينتزع منه بنظر العقلاء الحكمان معا.

وثالثا : أن مقتضي الوجوب مثلا هو المصلحة الملزمة ، والمفسدة الملزمة من سنخ المانع من تأثير المقتضي ، كما أن مقتضي الحرمة هو المفسدة الملزمة والمصلحة من سنخ المانع وحيث لا يراد بملاك الحكم المقتضي وحده ، بل مع عدم المانع لزم امتناع الاجتماع حتى مع تعدد الموضوع إذا فرض امتناع امتثال الحكمين خارجا ، لأن ذلك يكفي في التمانع بين المقتضيين المستلزم لعدم تمامية ملاكي الحكمين معا ، بل يكفي في عدم تمامية ملاك الحكم الواحد تعذر امتثاله ، لأن التعذر من سنخ المانع من فعلية تأثير المقتضي في الحكم ، فيكون عدم جعل الحكم لعدم الملاك أيضا.

وبعبارة اخرى : كما يكون اشتمال نفس موضوع المصلحة على المفسدة المزاحمة مانعا من تأثير المصلحة في الوجوب ، كذلك يكون التلازم بين موضوع المصلحة وموضوع المفسدة ، وتعذر موضوع المصلحة وحده مانعين

٣٥٦

من تأثيرها فيه ، ولا فرق بينهما في عدم تمامية العلة التامة التي هي المراد بملاك الحكم ، فلا وجه للفرق بين المقامين بأن الامتناع في الأول بملاك امتناع الضدين لامتناع تمامية الملاكين وفي الثاني بملاك امتناع التكليف بغير المقدور مع تمامية الملاك.

ورابعا : بأن ظاهره عدم التضاد بين الإرادة والكراهة ذاتا ، بل بالعرض بسبب التضاد بين الملاكين ، وهو خلاف المرتكزات القطعية ، ولذا لا إشكال في امتناع اجتماعهما حتى في مثل الجنون لو تحقق منه الالتفات للموضوع مع عدم ملاحظة للملاك قطعا.

بل الإرادة كيف نفساني خاص بالإضافة للمتعلق لا يجتمع مع الكراهة التي هي كيف آخر بالإضافة له ، والتنافر بينهما ذاتي ومن ثم اخذ مفروغا عنه في الوجه الأول.

وما يظهر من بعض المحققين قدّس سرّه من عدم التضاد بينهما إما مخالف للبداهة أو أنه يريد من التضاد تنافرا خاصا لا مطلق التنافي المستلزم لامتناع الاجتماع الذي هو محل الكلام في المقام. وقد أطلنا الكلام فيه في شرحنا لكفاية الاصول ، ولا مجال للتعرض له في المقام.

ومما ذكرنا يظهر أن البناء من سيدنا الأعظم قدّس سرّه على عدم تضاد الأحكام التكليفية ذاتا ـ بل بالعرض تبعا للتضاد بين الملاكات ـ لا يناسب مبناه في حقيقة الأحكام التكليفية من انتزاعها من الإرادة والكراهة التشريعيتين اللتين هما بنظره من سنخ الإرادة والكراهة التكوينيتين.

ثالثها : أن الأحكام التكليفية وإن كانت من سنخ الامور الاعتبارية ـ بناء على ما سبق منا في حقيقة الإرادة والكراهة التشريعيتين ، لأن جعل السبيل من سنخ الاعتبار ـ والامور الاعتبارية قائمة بنفس المعتبر وتابعة لجعله الذي هو خفيف المئونة ، إلا أن مصحح اعتبارها بنظر العقلاء هو تميزها بآثارها ، بحيث

٣٥٧

يكون ترتبها عليها نوعا ملحوظا في مقام جعلها ، كالزوجية المناسبة للاستمتاع ، والطهارة المناسبة للمباشرة ، والنجاسة المناسبة للتوقّي الاجتناب والحرية المناسبة للاستقلال في التصرف ، والرقبة المناسبة للتحجير فيه وتبعيته للمالك ، ونحو ذلك.

ولو لا ملاحظة الآثار النوعية وترتبها على الأمر المعتبر لكان الاعتبار لغوا لا يكون بنظر العقلاء منشأ لتحقق الأمر المعتبر ، كاعتبار النجاسة للهواء والزوجية للماء والحرية للتراب المفروض عدم قابليتها للآثار المناسبة لهذه الامور.

ولا ينافي ذلك اختلاف أفراد العنوان الاعتباري في الآثار المناسبة ورفع بعضها في بعض الموارد ، كحرمة وطء الزوجة حال الحيض أو مع الظهار أو الإيلاء ، وجواز شرب النجس للضرورة وعدم تنجس ماء الاستنجاء أو ملاقيه ـ مع ملاقات أحدهما للنجس ـ وعدم جواز التطهير بماء الاستنجاء بناء على طهارته وعدم استقلال الصبي بالتصرف مع حريته وغير ذلك إذ ليس المدعى كون ترتب تمام الآثار المناسبة فعلا مقوما للعناوين الاعتبارية ، بحيث لو تخلف بعضها أو تمامها في بعض الأحوال لا يصح الاعتبار المذكور ، بل المدعى أن شأنية ترتب الآثار المذكورة مصحح للاعتبار ، وإن لم تترتب لمانع أو ترتب بعضها واختلفت أفرادها فيها. ولذا احتيج ترتب الآثار للجعل المستقل عن جعل العناوين الاعتبارية ، ولم يكف جعلها عن جعل الآثار ، كما لا يكفي جعل الآثار عن جعلها ، إلا بناء على انتزاع الأحكام الوضعية من الأحكام التكليفية ، الذي لا مجال للبناء عليه ، على ما تقدم في مقدمة علم الاصول.

إذا عرفت هذا فتضاد الامور الاعتبارية إنما يكون بلحاظ تنافي آثارها النوعية عرفا ، بحيث يدرك العرف امتناع اجتماع السنخين ، كما في تضاد الطهارة والنجاسة والحرية والرقية ونحوها مما لا منشأ للتضاد عرفا إلا تنافي

٣٥٨

الآثار النوعية ، حيث لا يصح بنظر العقلاء اعتبار كلا الأمرين في الموضوع الواحد ، بل يكون بينهما بسبب ذلك كمال المعاندة والمنافرة ، وإن كان الاعتبار في نفسه خفيف المئونة ولا يلزم من جعل الحكمين معا التكليف بغير المقدور ، لعدم ابتناء الأحكام الوضعية على العمل إلا بضميمة أحكامها التكليفية التى يمكن جعلها مع تضاد الحكمين الوضعيين بنحو لا يلزم منه التكليف بغير المقدور بإثبات بعض آثار كل من الحكمين.

وإنما يصح اعتبار كلا الأمرين في الموضوع الواحد مع عدم تنافي آثارهما النوعية عرفا ، كالنجاسة والملكية ، وكزوجية المرأة وحريتها.

ومن هنا يتضح الوجه في تضاد الأحكام التكليفية ، لأن مصحح جعلها اقتضاؤها بنظر العقل نحوا من العمل ، وحيث كانت متنافية بطبعها في نحو الاقتضاء ، كانت متضادة عرفا بحيث لا يصح اعتبارها في الموضوع الواحد بنظرهم.

بل حيث كانت متقومة بالاقتضاء المذكور بنحو تقتضي فعلية التأثير في إحداث الداعي للعمل كانت تابعة لفعلية الاقتضاء المذكور ، لا لشأنيته ـ كما تقدم في بقية الاعتباريات بالإضافة إلى آثارها المناسبة ـ فيمتنع اعتبارها مع عدمه مطلقا حتى لو كان مسبّبا عن تعذر امتثال الحكم اتفاقا في الموضوع الواحد أو أحد الموضوعين بسبب التزاحم ، لا من جهة قبح التكليف بما لا يطاق بملاك الظلم ، بل من جهة اللغوية كما تقدم من بعض الأعاظم قدّس سرّه عند الكلام في ثمرة مسالة الضد.

غايته أن الامتناع المذكور لا يوجب التضاد إلا بالإضافة إلى الحكمين في الموضوع الواحد لاختصاص التضاد اصطلاحا بتنافي العارضين لذاتيهما في الموضوع الواحد. ومن هنا صح دعوى التضاد بين الأحكام التكليفية.

ومن ذلك يظهر أن تنافي الحكمين ليس تابعا للتضاد بين أمرين حقيقيين

٣٥٩

كالإرادة والكراهة أو الملاكين ـ كما هو مبنى الوجهين السابقين ـ بل للتنافي بينهما بأنفسهما ، إما على نحو التنافي بين سائر الأحكام الوضعية والأمور الاعتبارية المتضادة ، أو للتنافي بين أنحاء اقتضائها للعمل ، الذي هو المقوم لها والمصحح لجعلها.

وأما ما ذكره بعض المحققين قدّس سرّه في وجه منع التضاد من إمكان اجتماع الحكمين في موضوع واحد ولو من موالي متعددين ، حيث يكشف عن عدم تضاد الحكمين بحسب حقيقتهما ، وخصوصيات الموالي من المقومات الفردية التي لا تكون دخيلة في التضاد ، لأنه من شئون الحقائق والطبائع ، لا من شئون الأفراد.

ففيه : أن خصوصية المولى وإن كانت من المقومات الفردية إلا أنه مانع من دخل الخصوصيات الفردية في امتناع الاجتماع الناشئ عن التضاد ـ بالمعنى الراجع لامتناع الاجتماع الذي هو محل الكلام ـ إذا كانت الخصوصيات الفردية مقومة للموضوع ، ولذا يمتنع اجتماع الضدين في الموضوع الواحد ، لا مطلقا ،

وفى المقام حيث كان الحكم التكليفي نحو إضافة قائمة بالمكلّف والمكلّف والمكلف به فهو متقوم بالأطراف المذكورة ، وهي الموضوع له ، فالتضاد بين الأحكام إنما يقتضي امتناع اجتماعها مع وحدة الموضوع بانحفاظ الأطراف الثلاثة ، لا مع تعدده باختلاف بعضها ، كما هو الحال في سائر الامور الإضافية كالابوة والبنوة اللذين يمتنع اجتماعهما في الشخص الواحد بالإضافة إلى شخص واحد ، وإن أمكن اجتماعهما فيه بالإضافة إلى شخصين. إلا أن يريد من التضاد تنافرا خاصا خارجا عن محل الكلام.

وبالجملة : التضاد بين الأحكام التكليفية بالمعنى الراجع لامتناع اجتماع أكثر من حكم واحد في الموضوع الواحد لذاتيهما من البديهيات المستغنية عن الاستدلال والاستدلال على منعه ملحق بالشبهة في مقابل البديهة ، وإنما الكلام

٣٦٠