المحكم في أصول الفقه - ج ٢

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٢

وإفاداتهم وجزاهم عنا خير الجزاء.

وقد أعرضنا عن بعض ما ذكروه في المقام ، لعدم أهميته أو عدم دخله في إثبات اختصاص الواجب من المقدمة بالموصلة أو عمومه لغيرها ، الذي هو المهم في المقام ، فلا يسعنا إطالة الكلام فيه زائدا على ما سبق مما لم يسعنا الإعراض عنه لما ذكرنا. ومنه سبحانه نستمد العون والتوفيق. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ثم إن الثمرة المهمة للنزاع في المقدمة الموصلة هو ما ذكرناه في الوجه الأول للاستدلال عليها ، وأشرنا إليه عند الكلام في ثمرة القول باعتبار قصد التوصل ، من أن المقدمة لو كانت محرمة في نفسها فعلى القول باختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة يختص ارتفاع الحرمة بالفرد الموصل ، وعلى القول ترفع الحرمة حتى عن غير الموصل.

لكنهم لم يتعرضوا بوجه معتد به للثمرة المذكورة ، وإنما تعرضوا لغيرها ممّا يتعلق بمسألة الضد لا يسعنا إطالة الكلام فيها ، وربما يأتي في مسألة الضد ما يتعلق بذلك.

٢٨١
٢٨٢

المبحث الثالث

في تحديد داعوية المقدمة

حيث ذكرنا في أول الفصل أن فعلية الداعي العقلي أو نحوه نحو الشيء يستتبع فعلية الداعي المسانخ له نحو مقدمته.

فلا ينبغي التأمل في أن مقتضى ذلك تبعية الداعي التبعي نحو المقدمة للداعي الأصلي نحو ذيها سعة وضيقا ، لأنه مقتضى تبعيته له في أصل وجوده ، وحيث كانت الداعوية الأصلية نحو ذي المقدمة ملازمة للتكليف النفسي به ، وكان وجوب المقدمة غيريا ـ على القول به ـ متفرعا على الداعي التبعي المذكور لها وتابعا لها سعة وضيقا اتجه ما ذكروه من تبعية الوجوب الغيري ـ على القول به ـ للوجوب النفسي في الإطلاق والاشتراط ، فلا يعقل اشتراط أحدهما بشيء وإطلاق الآخر من جهته.

ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه.

وهم وإن ذكروا ذلك في الوجوب الغيري إلا أنه ناشئ عن كونه هو المهم عندهم في البحث عن المقدمة ، مع أنه في الحقيقة مبتن على التبعية في الإطلاق والاشتراط بين الداعويتين ، وأثر التحديد يظهر فيهما حتى بناء على المختار من عدم ثبوت الوجوب الغيري للمقدمة.

ومن ثمّ عقدنا لذلك بحثا مستقلا عن بحث الملازمة ، تابعا لأصل المقدمة ومتفرعا على داعويتها المذكورة.

هذا ، ويظهر من المعالم ما ينافي التبعية المذكورة ، حيث ذكر أنه يمكن تصحيح العبادة إذا كانت ضدا لواجب ، حيث لا تقع محرمة حتى بناء على

٢٨٣

وجوب مقدمة الواجب وأن من مقدماته ترك ضده الخاص.

وقال في تقريب ذلك : «وأيضا فحجّة القول بوجوب المقدمة ـ على تقدير تسليمها ـ إنما تنهض دليلا على الوجوب في حال كون المكلف مريدا للفعل المتوقف عليها ، كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر. وحينئذ فاللازم عدم وجوب ترك الضد الخاص في حال عدم إرادة الفعل المتوقف عليه من حيث كونه مقدمة له ...».

وظاهره اختصاص وجوب المقدمة بما إذا اريد ذوها ، مع وضوح عدم اختصاص وجوب ذيها بالحال المذكور ، وهو ينافي ما سبق من تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الإطلاق والاشتراط.

ولا مجال للبناء عليه بعد ما ذكرنا ، بل لا بد من البناء على فعلية الداعوية نحو المقدمة ووجوبها الغيري ـ لو قيل به ـ تبعا لفعلية وجوب ذيها حتى في حال عدم إرادته.

نعم ، لو جيء بالمقدمة حال عدم إرادة ذيها لم تقع موردا للداعوية ولا على صفة الوجوب بناء على ما تقدم في المبحث السابق من اختصاص الداعوية والوجوب بالمقدمة الموصلة.

إلا أن يترتب ذوها عليها ، فينكشف وقوعها موردا للداعوية وعلى صفة الوجوب ، على خلاف ما قصد بها.

وكأن هذا منه قدّس سرّه وما تقدم من شيخنا الأعظم قدّس سرّه من اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمة على صفة الوجوب ، مبنيان على اختصاص الداعوية والوجوب بالمقدمة الموصلة ، غايته أن الاختلاف مسبب عن الاشتباه في تحديد مورد الارتكاز واختلاف مؤداه.

ثم إنه يتفرع على ما سبق من تبعية داعوية المقدمة ووجوبها ـ لو قيل به ـ لوجوب ذيها في الإطلاق والاشتراط الكلام المشهور في المقدمات المفوتة ،

٢٨٤

وهي التي لو لم يؤت بها قبل وقت الواجب تعذر الإتيان بها في وقته ، فيفوت الواجب ، حيث يشكل البناء على وجوبها ولزوم تهيئتها قبل الوقت بعد فعلية وجوب ذيها حينئذ ، فكيف تجب مقدمته عقلا أو شرعا ، لمنافاته لما سبق من التبعية المذكورة.

ومن هنا تصدى الأصحاب لدفع الإشكال المذكور وتوجيه وجوب المقدمة في الفرض شرعا أو عقلا بما لا ينافي ما سبق.

وقد ذكروا وجوها لا بد من التعرض لها والنظر فيها ..

الأول : ما تقدم من الفصول من الالتزام بالواجب المعلق برجوع قيد الوقت للمكلف به لا للتكليف.

وإليه يرجع ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من رجوع القيد للهيئة لا للمادة ، كما تقدم في تقسيمات الواجب. حيث يكون مقتضى ذلك فعلية الداعوية نحو المكلف النفسي قبل الوقت ـ تبعا لفعلية التكليف به ـ فيلزم حفظ القدرة عليه بفعل مقدمته المذكورة ، فتكون فعلية داعويتها قبل الوقت تابعة لفعلية داعوية ذيها.

بل لو تمّ ذلك اقتضى فعليه الداعوية للمقدمات غير المفوتة ـ وهي التي يمكن تحصيلها في الوقت ـ أيضا ، لأن فعلية الداعوية للمقدمة ـ تبعا لفعلية الداعوية لذيها ـ تقتضي السعي لتحصيلها ، غايته أنه مع تضيق وقتها تلزم المبادرة ، ومع عدمه لا تلزم ، نظير الواجب الفعلي مع سعة وقته.

هذا ، وقد سبق منا في مبحث الواجب المعلق أنه ممكن ثبوتا.

ولكنه يحتاج إلى إثبات ، وأن ما ذكره في الفصول من ظهور الدليل في رجوع التقييد بالوقت للمكلف به غير تام ، وكذا ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من لزوم رجوع جميع القيود له. فراجع.

الثاني : ما يظهر من بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه على مسلكه في التكليف

٢٨٥

المشروط من أنه فعلي قبل فعلية شرطه خارجا ، وأن المنوط بفعلية الشرط هو فعلية محركيته ، حيث التزم في المقام في دفع إشكال المقدمات المفوتة بأن المتوقف على فعلية الشرط هو محركية التكليف المشروط نحو نفس المكلف به ، وأما محركيته نحو مقدماته فهى غير موقوفة عليه ، بل تابعة لفعلية التكليف بذيها وإن لم يكن محركا نحوه ، ولازم ذلك وجوب التحرك قبل الشرط للمقدمات المفوتة مضيقا ولغير المفوتة موسعا ، نظير ما تقدم على الوجه الأول.

ويشكل ... أولا : بضعف المبنى المذكور ، على ما أوضحناه بتفصيل في مبحث استصحاب الحكم مع الشك في نسخه ، حيث ذكرنا هناك أن فعلية الحكم تابعة لفعلية شرطه على النحو الذي اخذ فيه.

وثانيا : بأن وجه تبعية الداعوية نحو المقدمة ووجوبها الغيري للداعوية نحو ذيها ووجوبه النفسي كما يقتضي بتبعيتهما لهما في الفعلية يقتضي تبعيتهما لهما في المحركية ، كما يساعده الرجوع للارتكازيات التي هي الدليل على أصل التبعية بينهما.

كيف وقد التزم قدّس سرّه ـ بناء على المبنى المذكور ـ بفعلية التكليف المشروط حتى مع عدم تحقق الشرط أصلا وإن لم يكن محركا نحو متعلقه ، فلو كانت محركيته نحو مقدمته تابعة لفعليته لا لمحركيته نحو متعلقه لزم فعلية المحركية نحو المقدمة مطلقا حتى مع العلم بعدم تحقق الشرط في حق المكلف أصلا ، وهو بديهي البطلان.

الثالث : ما ذكره بعض الأعاظم قدّس سرّه من الالتزام بوجوب المقدمة بمتمم الجعل ، بتقريب : أنه لما كان المفروض تمامية الملاك في ظرفه وفعلية تعلق الغرض بالواجب حينئذ فالعقل يحكم بوجوب حفظ القدرة بفعل المقدمة التي يكون تركها مفوتا للواجب في ظرفه ، لوجوب حفظ الغرض ، ولا يكون فوته في وقته بتفويتها في وقتها عذرا ، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، ولا

٢٨٦

يمنع من العقاب.

وحينئذ يستكشف بقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع وجوب المقدمة شرعا في ظرف القدرة عليها ، ومثل هذا الوجوب يكون متمما للجعل الأول ـ وهو جعل التكليف النفسي لذي المقدمة ـ لعدم وفاء الجعل المذكور بغرضه إلا به.

وفيه : أنه بعد فرض حكم العقل بوجوب حفظ الغرض وقبح تفويته يكون الحكم المذكور كافيا في محركية المكلف نحو المقدمة المفروضة التي يتوقف عليها حفظ الغرض ، لرجوعه الى استحقاق العقاب بتفويت الغرض بتركها ، ومع ذلك لا حاجة للجعل الشرعي على طبقه الذى يكون متمما للجعل الأول ، إذ ليس الغرض من الجعل المذكور إلا إحداث الداعي العقلي المفروض حدوثه في رتبة سابقة على الحكم ، فالحكم العقلي المذكور نظير حكمه بوجوب الإطاعة وقبح المعصية الذي يلغو معه الجعل الشرعي على طبقه.

وهذا وإن جرى في أصل وجوب المقدمة ـ كما سبق ـ إلا أنه كان المدعى تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها ارتكازا بلا حاجة لجعل استقلالي ، حتى قيل : إنه وجوب قهري ، كما سبق.

فإن كان المدعى ذلك في المقام رجع إلى دعوى عموم وجوب المقدمة التبعي الارتكازي للمقدمات المفوتة ، وأنه لا مانع من فعلية وجوب المقدمة وداعويتها قبل وجوب ذيها بلا حاجة إلى متمم الجعل.

وإن كان المدعى وجوب المقدمات المفوتة بجعل استقلالي لا يقتضيه وجوب ذيها أشكل بما ذكرنا من عدم الحاجة إليه مع حكم العقل المذكور ، لكفايته في المحركية.

وأما الحكم العقلي الذي يستتبع الحكم الشرعي ـ بناء على تمامية قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، وإن سبق منا المنع منها في الفصل

٢٨٧

الأول من مبحث الملازمات العقلية ـ فهو الحكم بمجرد الحسن والقبح من دون أن يرجع إلى استحقاق العقاب والثواب ، حيث لا يكفي ذلك في محركية المكلف وجريه على طبقه ما لم يستتبع حكم الشارع وجعله المستتبع للعقاب والثواب بنظر العقل ، فيجب على الشارع الجعل حفظا لمقتضى حكم العقل.

اللهم إلّا ألا يريد من وجوب حفظ الغرض عقلا وجوبه على المكلف ، بنحو يستتبع استحقاق العقاب والثواب ، بل وجوبه على الشارع ، بتقريب أنه كما يجب على الشارع حفظ الملاك الفعلي بجعل التكليف على طبقه في وقته يجب عليه حفظه بالتكليف قبل الوقت بالمقدمة التي يتوقف حفظ المكلف به في وقته بالإتيان بها حينئذ.

لكنه مخالف لظاهر كلامه جدا ـ وإن ناسب بعض فقراته ـ خصوصا مع استدلاله بقاعدة أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، لوضوح رجوعها إلى أن التفويت بالاختيار الذي هو فعل المكلف مورد للمسئولية عقلا.

على أن من الظاهر أن وجوب حفظ الملاك على الشارع بالتكليف بالمقدمة السابقة على الوقت فرع أهميته بالنحو المقتضي لذلك ، لاختلاف الملاكات في ذلك ، ولا طريق لإحراز ذلك إلا من طريق الشارع ، ومرجع ذلك إلى توقف وجوب المقدمة المفوتة على الدليل الخاص الذي هو خارج عن محل الكلام ، ولا يكفي فيه إطلاق دليل الواجب المقتضي لفعلية التكليف في الوقت مع ما هو المعلوم من توقف فعلية التكليف على القدرة ، وفرض أن وجوب حفظ القدرة بفعل المقدمة المفوتة تابع لجعل خاص غير محرز.

وهذا بخلاف ما لو تمّ حكم العقل بالوجه الأول ، لرجوعه إلى أن فعلية التكليف في الوقت مع القدرة تبعا لفعلية ملاكه ـ المفروض إحرازها بإطلاق دليله ـ كما يقتضي حكم العقل بوجوب امتثاله في وقته مع القدرة عليه ، بنحو يستتبع العقاب والثواب ، كذلك يقتضي حكمه بالنحو المذكور بوجوب حفظ

٢٨٨

القدرة عليه بفعل المقدمة المفوتة وقبح تفويته بتركها ، بلا حاجة إلى جعل شرعي ، لأنه من شئون إطاعة التكليف ولواحقها.

وأشكل من ذلك ما ذكره قدّس سرّه من أن متمم الجعل المذكور يقتضي حفظ الواجب في وقته ووجوب مقدمته المفوتة شرعا حتى لو كان وقت المقدمة سابقا على البلوغ.

إذ فيه : أن ذلك مناف لإطلاق دليل رفع القلم عن الصبي.

وأما ما ذكره قدّس سرّه من أن البلوغ إنما يكون شرطا للتكاليف الشرعية التي لم تستكشف بقاعدة يستقل العقل بها ، دون ما استكشف من استقلال العقل بحكم ، حيث يستحيل اشتراط تلك التكاليف بالبلوغ وعدم تحققها قبله ، لمنافاته للحكم الذي استقل به العقل ، كما في وجوب المعرفة في الاصول الاعتقادية قبل البلوغ ، فإن العقل يستقل به لأجل أن يكون المكلف مؤمنا في أول زمان بلوغه ، ولا يتخلف عنه في أول أزمنته بالمقدار الذي يقتضيه الفحص.

فهو كما ترى! لوضوح أن حكم العقل المذكور. إن اريد به حكمه في حق المكلف بوجوب حفظ غرض المولى في وقته ، المستفاد من فعلية تكليفه حينئذ ، فهو متفرع على التكليف الشرعي المذكور وفي طوله ، وراجع لاستحقاق العقاب على مخالفته ، فمع حكم الشارع نفسه برفع القلم عن الصبي لا مجال لحكم العقل المذكور ، إذ مع تفريط الصبي في المقدمة فالعقاب على فوت الواجب في وقته إن كان بلحاظ تفريطه حال صباه فهو مخالف لرفع القلم عن الصبي ، وإن كان بلحاظ تركه للواجب بعد البلوغ فالمفروض تعذره في حقه.

ومرجع ذلك إلى أن مقتضى الجمع بين إطلاق دليل الحكم المقتضي لفعليته في الوقت وإطلاق حديث رفع القلم توقف فعلية الحكم في الوقت على قدرة المكلف بعد بلوغه على حفظه ، بأن تتحقق المقدمة في الفرض قبل البلوغ ، لعدم تمامية ملاكه بنحو يقتضي الإلزام إلا حينئذ ، لا عموم فعليته تبعا

٢٨٩

لتمامية ملاكه الملزم بالنحو المقتضي لوجوب المقدمة قبل البلوغ.

وإن اريد به حكمه في حق الشارع بوجوب حفظ الغرض والملاك بتشريع وجوب المقدمة المفوتة ، فهو متفرع على أهمية الملاك بالنحو المذكور ، ومقتضى إطلاق حديث رفع القلم عن الصبي عدم أهميته بهذا النحو.

وبعبارة اخرى : لما كان عموم رفع القلم عن الصبي حاكما على إطلاقات التكاليف الأولية ـ ومنها وجوب المعرفة والإيمان ـ فهو كما يقتضي عدم فعليتها في حق الصبي واختصاصها بالبالغ كذلك يقتضي عدم فعليتها في حق البالغ بالنحو الملزم للصبي بالمحافظة عليها بفعل المقدمات المفوتة ، بل تختص فعليتها في حقه بما إذا كان قادرا على حفظها بعد بلوغه ، بأن تحققت منه المقدمة المفوتة في الفرض حال الصبى ، من دون ان يكون مكلفا بها أو مسئولا عنها حينئذ.

ونظير دليل رفع القلم عن الصبي سائر أدلة الرفع الثانوية ، كرفع الحرج والضرر والإكراه لو فرض انطباق عناوينها على المقدمات المفوتة دون الواجب في وقته ، حيث لا إشكال ظاهرا في أن مقتضى حكومتها على عمومات التكاليف الأولية قصور التكاليف الأولية عن اقتضاء حفظ القدرة عليها بفعل المقدمات المذكورة ، بل اختصاص فعليتها بما إذا كانت مقدورة من دون أن تستلزم الوقوع ولو من حيثية المقدمة المفوتة في ما ينافي دليل الرفع كالحرج والضرر ونحوهما.

ولا يختص ذلك بالمقدمات المفوتة ، بل يجري في غيرها أيضا إذا كان ارتفاع الصبا أو الإكراه أن نحوهما من عناوين الرفع في آخر الوقت ، بنحو لو لم يأت بالمقدمة في الوقت حال الصبا أو الإكراه مثلا لتعذر الواجب بعده ، كل ذلك لإطلاق أدلة الرفع.

وأما ما اشتهر من امتناع رفع اليد عن حكم العقل بحكم الشرع أو غيره.

٢٩٠

فهو مختص بالمستقلات العقلية ، كحكم العقل بحسن بعض بعض الامور أو قبحها ، وبمثل امتناع اجتماع النقيضين.

وأما أحكامه المتفرعة على أحكام الشارع والتابعة للملاكات المدركة له فلا بد من البناء على سلطان الشارع عليها تبعا لسلطانه على حكمه بتخصيصه ، بل تخصيصه لحكمه إنما يستلزم قصورها موضوعا وتخصصا في مورد التخصيص ، لا تخصيصها ، ليدفع بامتناع تخصيص الحكم العقلي ، كما يظهر منه قدّس سرّه في المقام.

نعم ، لما كان عموم رفع القلم ونحوه شرعيا أمكن تخصيصه في بعض الموارد. إلا أنه يحتاج إلى دليل خاص ، وهو خارج عن محل الكلام.

ثم إنه قد حكى في التقريرات عن المحقق التقي في حاشيته على المعالم أن المقدمات المفوتة واجبة بوجوب أصلي وإن كانت الحكمة الباعثة على تعلق الطلب بها تحصيل ملاك الواجب في الوقت بلحاظ أنها توصل للواجب المذكور ، حيث يكون بسببها مقدورا عليه قابلا لأن يكلف به.

ولا يخفى رجوع ذلك إلى الوجه الثاني الذي ذكرناه في تعقيب كلام بعض الأعاظم قدّس سرّه. غايته أنه لم يصرح باستكشافه بطريق العقل.

فإن كان مراده ذلك بالتقريب المتقدم اتجه عليه ما سبق من توقفه على أهمية ملاك التكليف الموقت ، ولا بد في إحرازها من دليل خاص.

وإن كان مراده مجرد توجيهه في ظرف وقوعه لم ينفع في إثبات وقوعه واحتاج للدليل الخاص.

على أنه ذكر أن التكليف المذكور يستتبع العقاب ، وان عدّه غيريا محل تأمل ، بل لا يبعد كونه نفسيا. وظاهره أن مخالفته تقتضي العقاب عليها ، لا على فوت الواجب الموقت المسبب عنها. وهو مخالف للمرتكزات العقلائية التي هي المرجع في العقاب والثواب ، بل الظاهر أن ترك المقدمات المفوتة كترك

٢٩١

بقية المقدمات لا يكون مردا للعقاب إلا بلحاظ أدائه لترك ذي المقدمة الذي هو مورد الملاك والغرض الأصلي.

ومن ثمّ يكون كلام بعض الأعاظم قدّس سرّه من هذه الجهة أقرب للمرتكزات.

الرابع : ما ذكره سيدنا الأعظم قدّس سرّه من أن تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الإطلاق والاشتراط وإن كان مسلما ـ لما سبق من تبعية وجوبها لوجوبه وأنه في طوله ـ إلا أن ذلك إنما يقتضي إناطة وجوب المقدمة بما انيط به وجوب ذيها من دون أن يستلزم اتفاقهما في نحو الإناطة ، بل يمكن أن يكون الشرط الواحد دخيلا في وجوب ذي المقدمة بنحو الشرط المتقدم أو المقارن ، وفي وجوب نفس المقدمة بنحو الشرط المتأخر ، ولا ملزم باتحاد نحو الإناطة في الوجوبين.

ولا يخفى أن نحو النسبة بين الوجوب النفسي والغيري تابع لجهات ارتكازية غير خاضعة للتصرف الشرعي ، فإذا أمكن اختلاف نحو الإناطة فيهما بالوجه المذكور فلا وجه لاختصاص ذلك بالمقدمات المفوتة ، بل يجري في غيرها أيضا.

غايته أن الواجب خصوص ما يترتب عليه الغرض ، وهو التوصل لذي المقدمة ، فإن اختص بما قبل وقت الواجب اختص الوجوب به ، وكانت المقدمة مفوتة ، وإن عمّه وغيره ممّا يكون بعد الوقت كان الواجب هو الأعم ، ويكون وجوبه من قبل الوقت موسعا ، كما هو الحال في كثير من المقدمات ، وإن اختص بما يكون في الوقت اختص الوجوب به ، كما قد يختص بما يكون بعد الوقت ، كشروط الواجب المتأخرة عنه ، كغسل المستحاضة الليلي الذي قيل بأنه شرط في صحة الصوم الواقع منها في النهار.

هذا ، وقد اقتصر قدّس سرّه في مبحث شروط البراءة الشرعية من حقائقه وكتاب

٢٩٢

الصوم من مستمسكه (١) في تقريب هذا الوجه على ما تقدم.

وحينئذ يشكل : بأن تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الإطلاق والاشتراط تبتني ـ كما تقدم ـ على تبعية الداعوية نحو المقدمة للداعوية نحو ذيها ، بلحاظ أن حدوث الداعي العقلي أو غيره نحو الشيء يستتبع حدوث الداعي المسانخ له نحو مقدمته.

ومقتضى ذلك التقارن بين الداعويتين وعدم انفكاك إحداهما عن الاخرى خارجا ، وذلك كما يقتضي إناطة كل منهما بما يناط به الآخر يقتضي اتفاقهما في نحو الإناطة.

ودعوى : أن كيفية إناطة التكليف بالشرط تابعة لنحو دخل الشرط في فعلية غرضه ، وحيث كان غرض التكليف بالمقدمة هو تحصيل ذيها وترتبه عليها ، فإذا كان ترتبه موقوفا على سبق المقدمة على الشرط تعين وجوبها قبله ، وإن كان وجوب ذيها لا حقا له ، لأن دخله في غرضه وملاكه يقتضي ذلك.

مدفوعة : بأن ذلك إنما يفي بتوجيه كون المقدمة الواجبة هي المقدمة السابقة على الشرط ، لأنها هي التي تفي بالغرض المقتضي لوجوبها ، دون غيرها ، ولا ينهض بتوجيه سبق وجوبها عليه مع عدم فعلية وجوب ذيها.

لكنه قدّس سرّه دفع الإشكال المذكور في أوائل فصل الوضوءات المستحبة من مستمسكة ، بأن الشرط للأمر النفسي ليس هو الوجود الخارجي للأمر المنوط به ، كي لا يكون فعليا قبله ويمتنع فعلية الأمر الغيري ، بل الوجود الذهني له ، فقبل تحقق الشرط خارجا يكون الأمر النفسي حاصلا ، لكنه منوط بالشرط ، فلا مانع من أن يكون مثل هذا الأمر المنوط بالشرط مستتبعا لأمر غيري منوط أيضا

__________________

(١) ذكر ذلك في شرح المسألة الثالثة والستين من فصل ما يجب الامساك عنه في الصوم من المفطرات.

٢٩٣

بذلك الشرط ، لكن على نحو آخر من الإناطة.

وهو مبتن على ما تقدم من بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه من فعلية الواجب المشروط ولو مع عدم فعلية شرطه ، وأن المنوط بفعلية وجود الشرط خارجا هو فعلية محركيته.

فيرجع ما ذكره قدّس سرّه إلى أن كلا من الوجوب النفسي والغيري فعلي قبل تحقق الشرط ، والمنوط بوجود الشرط خارجا هو محركيتهما ، غايته أن اختلافهما في الإناطة بالوجه المتقدم منه قدّس سرّه يقتضي كون محركية الوجوب النفسي نحو ذي المقدمة مقارنة أو متأخرة عن وجود الشرط ، لأنه بالإضافة إليها شرط مقارن أو متقدم ، ومحركية الوجوب الغيري نحو المقدمة سابقة على وجود الشرط ، لأنه بالإضافة إليها شرط متأخر.

ولا فرق بينه وبين ما تقدم من بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه في الوجه الثاني ، إلا أن مقتضى هذا الوجه تبعية محركية الأمر الغيري نحو المقدمة لمحركية الأمر النفسي نحو ذيها في الاشتراط والاناطة وإن اختلف نحوهما ، بخلاف ذلك الوجه ، حيث يظهر منه عدم إناطة المحركية نحو مقدمة الواجب المشروط بالشرط أصلا.

ولذا تقدم الإيراد عليه بأن لازمه فعليه محركية الواجب المشروط نحو مقدمته حتى مع العلم بعدم وجود الشرط أصلا ، ولا يرد ذلك على هذا الوجه.

نعم ، يرد عليه ـ مضافا إلى ما تقدم من ضعف المبنى المذكور في الواجب المشروط من فعليته ولو مع عدم تحقق الشرط ـ أن الجهة الارتكازية القاضية بتبعية الداعوية نحو المقدمة ووجوبها الغيري للداعوية نحو ذيها ووجوبه النفسي كما تقتضي التقارن بين الداعويتين والوجوبين المذكورين ـ على ما تقدم ـ تقتضي التقارن بين محركيتيهما ، حيث تكون محركية الداعوية والوجوب الغيري في طول محركية الداعوية والوجوب النفسي ، ولا نتعقل

٢٩٤

انفكاكها عنها.

وأما ما قد يظهر منه قدّس سرّه في مبحث شروط البراءة من حقائقه من تقريب إمكان انفكاكها عنها بأنه لا ريب في أن الوجوب المطلق إذا كان لمتعلقه مقدمات لا يصلح للمحركية إلا بعد فعل المقدمات ، والوجوب الغيري له فعلية المحركية إلى تلك المقدمات ، فإذا جاز اختلافهما في هذا المقدار جاز اختلافهما في غيره.

فهو كما ترى! لوضوح أن محركية الوجوب الغيري في الوقت للمقدمة فرع محركية الوجوب النفسي لذيها وفي طولها ، لأن الإتيان به إنما يكون من طريقها ، والإتيان بها جري للإتيان به وشروع في امتثال أمره ، الذي هو فرع محركيته ، فلا انفكاك بين محركيتيهما.

ولا وجه مع ذلك لقياسه بالمقام المفروض فيه فعلية المحركية نحو المقدمة ، مع عدم محركية ذيها ، لكون المحركية لها سابقة على وجود الشرط والمحركية لذيها لا حقة له ، لاختلاف نحو إناطتهما به.

ومن هنا كان الظاهر عدم تمامية ما ذكره قدّس سرّه في دفع الإشكال وإن حاول تتميمه في كلماته المتفرقة المشار إليها. فلاحظ.

الخامس : ما ذكره بعض المعاصرين في اصوله متمما به الوجه الذي نسبه لشيخه بعض المحققين قدّس سرّه الذي لا مجال لإطالة الكلام فيه ، لعدم دخله في دفع الإشكال ، وإنما يتكفل بحله المتمم المذكور.

وحاصله : أن الأمر بالواجب قبل وقته وإن لم يكن فعليا إلا ان عدم فعليته ليس لدخل الوقت في مصلحة الواجب وملاكه ، بل للمانع ، بلحاظ استلزام البعث للانبعاث ، فمع امتناع البعث نحو الواجب ، لعدم حضور وقته يمتنع البعث نحوه ، وإن تمّ ملاكه ، وحيث كان المانع مفقودا في المقدمة ، لفرض حضور وقتها فيمكن الانبعاث نحوها تعين فعلية البعث نحوها وثبوت الأمر

٢٩٥

بها. من دون أن ينافي كبرى تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الإطلاق والاشتراط ، لأن الكبرى المذكورة إنما تمنع من فعلية وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها في ظرف عدم تمامية ملاك وجوب ذيها ، لا مع تمامية ملاكه ووجود المانع من فعلية البعث نحوه.

ومرجع ما ذكره قدّس سرّه إلى أن وجوب المقدمة لا يتبع وجوب ذيها في الإطلاق والاشتراط ، وإنما يتبع تمامية ملاك وجوبه فيهما وإن لم يكن وجوبه فعليا لمانع خارجي ، كعدم حضور وقته.

لكنه ـ لو تم ـ لا يفي بدفع الإشكال ، إذ هو ـ مع ابتنائه على عدم دخل الوقت في ملاك الواجب ، وهو يحتاج للإثبات بعد فرض قصور إطلاق الأمر عن إثبات فعليته قبل الوقت ، لامتناعها ـ إنما يدفع الإشكال في المقدمات التي يمكن الإتيان بها بعد تمامية ملاك الواجب النفسي قبل فعليه وجوبه ، ولا يمكن الاتيان بها بعد فعلية وجوبه ، دون المقدمات التي لا يمكن الإتيان بها إلا قبل تمامية ملاك الواجب النفسي ، لعدم تمامية موضوعه ، كما لو علم بتعذر شراء الدواء للمريض إلا قبل مرضه أو تعذر شراء الطعام للضيف إلا قبل مجيئه ، مع العلم بأنه سوف يتحقق المرض وسوف يأتي الضيف.

فلعل الأولى توجيه وجوب المقدمات المفوتة بما ذكره غير واحد ...

وحاصله : أن العقل كما يحكم بوجوب امتثال التكليف الفعلي في وقته يحكم بكونه منشأ للمسئولية على المكلف قبل وقته بنحو يقبح منه تعجيز نفسه عن امتثاله ، لقبح تفويت غرض المولى الفعلي في وقته ، والعجز إنما يكون عذرا عقلا إذا لم يستند للمكلف. فللتكليف والغرض قبل الوقت نحو من الداعوية العقلية تقتضي حفظ القدرة عليه ، كما يكونان في الوقت موضوعين الداعوية العقلية للامتثال.

ويكفي في استيضاح ما ذكرنا الرجوع للمرتكزات العقلية والعقلائية في

٢٩٦

التكاليف الشرعية العرفية.

وعليه تبتني منجزية العلم الاجمالي في التدريجات فإن طرف العلم الإجمالي المتأخر لو لم يكن مستتبعا لنحو من الداعوية لم يصلح العلم الإجمالي للتنجيز ، بل يكون كما لو خرج بعض أطراف العلم الاجمالي عن الابتلاء ، على ما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

هذا ، ولا مجال للاستشهاد بذلك على فعلية التكليف قبل الوقت ، على مسلك صاحب الفصول وشيخنا الأعظم قدّس سرّه في الواجب المعلق والمشروط ، أو على مسلك بعض الأعيان المحققين وسيدنا الأعظم قدّس سرّه المشار إليه آنفا في الواجب المشروط. لعدم الملزم بانحصار الداعوية العقلية لحفظ المكلف به ومورد الغرض بحال فعلية التكليف.

كيف والجهة المذكورة تجري حتى مع العلم بعدم توجه صاحب التكليف والغرض لحدوثهما في الوقت اللاحق ، فلو علم زيد من حال صديقه ـ مثلا ـ أنه سوف يتعلق غرضه وطلبه بفعل شيء ما ، لم يحسن منه بمقتضى حقوق الصداقة بينهما تعجيز نفسه عن ذلك الشيء وإن كان الصديق حال التعجيز غافلا عن تعلق غرضه في المستقبل بذلك الشيء ، بل كان معتقدا عدم تعلق غرضه به فيما بعد جهلا بحدوث الحاجة له أو بتبدل نظره ، من باب تبدل الاجتهاد أو الذوق.

حيث لا مجال مع ذلك لتوهم سبق وجود تكليف معلق أو مشروط منه ، كي يدعى أن له نحوا من الفعلية وأن الداعوية العقلية لعدم التعجيز ناشئة منها.

ومنه يظهر أن الداعوية لفعل المقدمة قبل الوقت ليست أصلية نفسية ـ كما تقدم عن المحقق التقي ـ ولا متفرعة على الداعوية لامتثال التكليف النفسي ، تبعا لفعليته قبل الوقت ـ لتبتني على الواجب المعلق أو ما يرجع إليه من دعوى رجوع القيد للمادة ، أو على فعلية التكليف المشروط قبل الوجود

٢٩٧

الخارجي لشرطه ـ او مع البناء على فعليته بعد الوقت ـ ليلزم عدم تقارن الدّاعويتين ـ بل هي متفرعة على داعوية التكليف والغرض الفعلي المتأخر لحفظه قبل وقته ، وكونه منشأ للمسئولية بالوجه المتقدم ، فالداعويتان متقارنتان مع تفرع داعوية المقدمة على الداعوية النفسية وعدم استقلالها عنها.

وبالجملة : لا ريب في ثبوت الداعوية العقلية بالوجه المذكور المستلزم لمنع العقل من تعجيز العبد نفسه قبل وقته عن امتثاله بعده ، واستتباع ذلك ثبوت الداعي العقلي نحو المقدمة بنحو يقتضي حفظ التكليف والغرض بفعلها ، واستحقاق العقاب مع العجز عن الامتثال بتركها ، وإن كان العجز المذكور مانعا من توجه التكليف في الوقت ، لامتناع تكليف العاجز وتوجيه الخطاب إليه.

فليس العقاب في المقام على مخالفة التكليف بعد ثبوته ، بل على التفريط فيه وتفويت ملاكه ، كما صرح بذلك في التقريرات ـ مدعيا أنه قد يظهر من بعضهم ـ وعبر عنه بالمعصية الحكمية ، في مقابل المعصية الحقيقية التي هي عبارة عن مخالفة التكليف بعد ثبوته.

وإن كان ذلك لا يناسب مبناه من رجوع الشرط للمادة والواجب ، لا للوجوب ، وما صرح به في المقام من أن الوجوب فعلي قبل تحقق الشرط ، لأن لازم ذلك كون التعجيز معصية حقيقة ومخالفة للتكليف بعد ثبوته ، كالتعجيز عن المقدمة بعد دخول الوقت.

وهو أمر راجع لاضطراب مبناه في الواجب المشروط ، لا لعدم تمامية ما ذكره وأوضحناه هنا.

نعم ، في كفاية ذلك في ثبوت الوجوب الغيري للمقدمة لمحض ملازمة وجوب الشيء لوجوب مقدمته ـ لو تمت ـ إشكال ، بل منع ، لأن المسئولية بالواجب والداعوية لحفظه وعدم جواز التعجيز عنه قبل الوقت ليست شرعية لتستتبع الداعوية الشرعية للمقدمة ، بل عقلية محضة تابعة لثبوت التكليف

٢٩٨

الشرعي وفعلية الغرض في وقته ، فلا يتحقق معها موضوع الملازمة المدعاة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها.

وأما دعوى : لزوم الجعل الشرعي على طبق الداعوية العقلية. فيظهر حالها مما تقدم في دفع الوجه الثالث الذي سبق من بعض الأعاظم قدّس سرّه.

نعم ، قد يدعى أن الجهة الارتكازية المقتضية لوجوب المقدمة شرعا تبعا لوجوب ذيها لو تمّت تقتضي أيضا وجوب المقدمة شرعا في المقام قياسا على الإرادة التكوينية.

لكن حيث تقدم ثبوت الداعوية ، العقلية في المقام في مورد عدم توجه صاحب الغرض والتكليف قبل الوقت لهما ، بل اعتقاده بعدمهما المستلزم لعدم طلبه للمقدمة المفوتة لو نبّه إليها ، فلا مجال لدعوى عموم وجوب المقدمات المفوتة غيريا تبعا لعموم الداعوية العقلية المدعاة لها ، غاية ما يدعى ثبوت الوجوب الغيري في صورة توجه صاحب الغرض والتكليف لحدوثهما في وقتهما.

وإن كان تحقيق ذلك غير مهم ، خصوصا بعد ما سبق من عدم ثبوت ملازمة وجوب المقدمة لوجوب ذيها رأسا ، وعدم الأثر له عملا لو ثبت ، وإنما المهم لزوم الإتيان بالمقدمات المفوتة مطلقا وعدم جواز التفريط بها عقلا ، بنحو يستتبع العقاب على فوت الواجب معه ، وهو ما يتكفل به الوجه الذي ذكرناه.

ثم إن ما ذكرنا لا يختص بالمقدمات المفوتة ، بل يجري في نظيرها ، وهو شرط الواجب المتأخر ، كغسل المستحاضة الليلي الذي قيل بتوقف صحة صوم اليوم السابق عليه ، حيث لا معنى للتكليف بالواجب بعد فعله وخروج وقته ، لتجب مقدمته المذكورة تبعا لوجوبه ، بل يجب عقلا الإتيان بها محافظة على تمامية الواجب المأتي به في الوقت ، ليكون به امتثال الأمر السابق واستيفاء

٢٩٩

غرضه الفعلي في وقته.

كما يجرى أيضا في المقدمة الموسعة القابلة للتحصيل في الوقت وخارجه ، كالوضوء للصلاة ، فلا مانع من البناء على داعوية العقل لها قبل الوقت بنحو السعة ، فيتخير المكلف بين المبادرة إليها وتأخيرها بعد دخول الوقت ، وإن لم يتسن الإتيان بها بداعي الوجوب الغيري لو فرض عدم ثبوته والظاهر كفاية الداعوية المذكورة في مقربية المقدمة قبل الوقت لو قصد التوصل بها لامتثال أمر ذيها في وقته واستيفاء غرضه ، وإن لم يقصد بها امتثال أمرها ، لعدم توقف المقربية على قصد الأمر.

فإذا كانت المقدمة عبادة وكان المعتبر فيها مطلق التقرب دون المقيد بحال فعلية أمر ذيها اتجه صحتها ، ولأجله يتعين صحة الإتيان بالوضوء والغسل قبل الوقت للتهيؤ لامتثال أمر الصلاة في وقتها ، بلا حاجة إلى قصد أمر آخر بها ، كالأمر بالكون على الطهارة أو غيره ، على ما أوضحناه في مباحث نية الوضوء من شرح منهاج الصالحين ، وتقدم في التنبيه الثاني من تنبيهات مبحث التعبدي والتوصلى ما ينفع في المقام. فلاحظ.

تنبيه :

ما ذكرناه من عدم جواز التعجيز عن امتثال التكليف في وقته موقوف على تمامية ملاكه وفعلية غرضه على تقدير التعجيز ، لعدم أخذ القدرة عليه جزءاً من الموضوع ، وإن توقف عليها فعلية الخطاب ، لقبح خطاب العاجز ، كما هو مقتضى إطلاق الخطاب بالتكليف معلقا على الشرط أو الوقت ، على ما أوضحناه في أوائل مبحث التعارض عند الكلام في الفرق بينه وبين التزاحم وبيان حقيقة التزاحم.

أما لو كانت فعلية القدرة عليه في الوقت دخيلة في ملاكه ومأخوذة في

٣٠٠