المحكم في أصول الفقه - ج ٢

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٢

من الفروع ، فقوّى وجوب تغسيل من شكّ في شهادته ، لأصالة عدم شهادته المحرزة لدخوله في عموم وجوب تغسيل الميت ، والعفو عن قليل الدم المشكوك كونه دم الحيض أو نحوه ، لأصالة عدم كونه منهما المحرزة لدخوله في عموم العفو عما دون الدرهم ، وعدم العفو عن الدم المشكوك كونه من القرح أو القرح ، لأصالة عدم كونه منهما المحرزة لدخوله في عموم مانعية النجاسة من الصلاة.

بل قال عند الكلام في الأخير : «بناء على ما هو الظاهر من أن نفي عنوان الخاص بالأصل يكفي في ثبوت حكم العام له». وهو صريح في مخالفته لما ذكره هنا من عدم الاكتفاء بالأصل المذكور.

نعم ، قال في وجه ذلك عند الكلام في الثاني : «وقد عرفت أن الجمع بين الخاص والعام يقتضي عرفا كون موضوع حكم العام عنوان العام الذي ليس بخاص».

وهو صريح في عدوله عن أصل مبنى المنع من التمسك بالأصل ، وبنائه على الوجه الثالث دون الرابع.

لكن لم يتضح بناء العرف على ذلك في غير ما إذا كان عنوان المخصص ثانويا بعد ما ذكرنا. كما لم يتسن لي عاجلا العثور على توضيح ذلك منه لينظر فيه.

ولا يبعد كون استيضاحه له ناشئا عما أشرنا إليه من قضاء المرتكزات الاستدلالية بالاكتفاء في ثبوت حكم العام للفرد بالأصل المحرز لعدم دخوله في عنوان الخاص ، لدعوى التلازم بينهما.

لكن الظاهر عدم التلازم بينهما ، بل يكفي الأصل المذكور حتى بناء على ما ذكرنا من عدم تعنون موضوع حكم العام بالعنوان العدمي النقيض للخاص. لأن العنوان العدمي وإن لم يكن مأخوذا في موضوع حكم العام ولا دخيلا

١٢١

في ترتبه ، إلا أن إحرازه يقتضي إحراز عدم خروج مورده عن عموم حكم العام ، بل إحراز بقائه تحته محكوما بحكمه.

إن قلت : كون المورد محكوما بحكم العام ليس مفادا للأصل المذكور ، ولا أثر لمفاده بعد فرض عدم أخذ القيد العدمي في موضوع حكمه ، بل هو لازم له ، فالتمسك به فيه لا يخرج عن الأصل المثبت.

قلت : التخصيص وإن لم يقتض تعنون موضوع العام بعنوان عدم الخاص ، إلا أنه يقتضي تحديد موضوعه بما يطابقه ، لما أشرنا إليه من أنه يكشف عن عدم كون عنوان العام تمام الموضوع الحقيقي ، بل هو مقيد بخصوصية ما ، وهذه الخصوصية وإن لم تحدد من قبل الشارع الأقدس مفهوما بعنوان صالح لأن يكون سورا للموضوع ، إلا أنها قد حدّدت من قبله مصداقا ببيان عدم خروج غير موارد عنوان الخاص عنه ، فمع إحراز أن الفرد من القسم الباقي لا الخارج بالأصل الموضوعي يحرز واجديته لحدّ الموضوع المأخوذ من قبل الشارع.

وذلك كاف في الخروج عن الأصل المثبت ، لأن المعيار فيه ليس على إحراز عنوان موضوع الحكم الدخيل فيه ، بل على إحراز مورده ، تبعا للحدّ المستفاد من الشارع الأقدس الإناطة في مقام العمل وبيان الحكم وإن كان من طريق اللازم ، كما ذكرناه في بحث الأصل المثبت.

وإلا فأخذ العنوان في الأدلة اللفظية لا ظهور له إلا في ترتب الحكم عند ترتب العنوان وتحديد مورده ، لا في دخل العنوان في الحكم ، لإمكان أن يكون العنوان ملازما لما هو الدخيل فيه ، غايته أنه قد يشعر بدخله فيما لو كان مناسبا للحكم ارتكازا. فلو لا الاكتفاء بإحراز ذلك في التعبد بالحكم والخروج عن الأصل المثبت لم يكن وجه للاكتفاء بإحراز العنوان إلا مع العلم بدخله في الحكم بمعنى دخل منشأ انتزاعه ، ومن المعلوم من المرتكزات الاستدلالية

١٢٢

خلافه.

ويظهر وجه ذلك بملاحظة ما ذكرناه في مبحث الأصل المثبت من أن منشأ عدم الرجوع إليه هو انصراف أدلة التعبد الظاهري إلى التعبد بالكبريات الشرعية موضوعا أو حكما ، ولا تشمل الملازمات الخارجية. وهو مختص عرفا بما إذا لم تكن الملازمة مستفادة من الشارع الأقدس في مقام تحديد الحكم وبيان مورده من دوم خصوصية للعنوان في ذلك.

وقد يتضح ما ذكرنا بملاحظة ما إذا نسخ حكم العام في مورد عنوان الخاص ، فإن استفادة تعنون الباقي بعنوان عدم الخاص بعيد جدا ، وعدم الاكتفاء بأصالة عدم الخاص لإحراز حكم العام أبعد.

وأما عدم الاكتفاء بإحراز العنوان الانتزاعي ـ وإن كان مذكورا في كلام الشارع الأقدس ـ فليس هو لعدم دخل العنوان المذكور في الحكم ، بل لسوقه في كلام الشارع لمحض الحكاية عما هو الحد للحكم من دون أن يراد به تحديد الحكم وبيان موارده.

وبما ذكرنا يتضح أنه لا فرق بين القول الثالث والرابع في مقام العمل. ومن ثم لا يهم تحقيق الحق منهما مع وضوح بطلان القولين الأولين ، وكون الثمرة المشتركة بين القولين الأخيرين ارتكازية. فلاحظ.

الأمر الثالث : قال المحقق الخراساني قدّس سرّه : «ربما يظهر من بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك في فرد لا من جهة احتمال التخصيص ، بل من جهة أخرى ، كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف ، فيستكشف صحته بعموم مثل أوفوا بالنذور فيما إذا وقع متعلقا للنذر ، بأن يقال : وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء بالنذر للعموم ، وكل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا ، للقطع بأنه لو لا صحته لما وجب الوفاء به. وربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الإحرام والصيام قبل الميقات وفي السفر إذا تعلق بهما النذر كذلك».

١٢٣

ثم تعرض لرد ذلك. وسبقه إلى ذلك في التقريرات.

وحاصل ما ينبغي أن يقال في وجه رده : أن الاستدلال بعموم الحكم الثانوي ـ كوجوب الوفاء بالنذر وبالشرط ، وإطاعة المولى والزوج والوالدين ـ فرع إحراز موضوعه ، وحيث فرض تقييده بالحكم الأولي ـ كالرجحان في الوفاء بالنذر ، وعدم مخالفة الكتاب في الوفاء بالشرط وعدم معصية الله سبحانه في إطاعة المخلوق ـ فإن كان التقييد به مستفادا من قرينة متصلة كان التمسك بالعموم مع الشك في القيد تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية من طرف العام الذي لا يصح بلا كلام. وإن كان تقييده به مستفادا من قرينة منفصلة كان التمسك به مع الشك المذكور تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص الذي سبق أن التحقيق عدم جوازه. وإذا لم يصح التمسك بعموم الحكم الثانوي : لا مجال للانتقال للازمه ، وهو الحكم الأولي المذكور.

على أنه لو صح التمسك بالعموم المذكور لم يصح إثبات اللازم المذكور إلا إذا كان لزومه عقليا ، أما إذا كان شرعيا ـ تبعا لعموم الدليل ـ مع إمكان التخلف خارجا ـ تخصيصا للعموم ـ فالتمسك به مبني على ما يأتي في الأمر الرابع من الكلام في حجية العام في عكس نقيضه ، وهكذا الحال لو دل الدليل بالخصوص على ثبوت الحكم الثانوي المذكور في مورد.

نعم ، لو كان ذلك الدليل مسوقا لبيان اللازم المذكور والكناية عنه من باب بيان اللازم ببيان الملزوم ، أو كان مستفادا منه بسبب ملازمة عرفية بينهما فلا إشكال.

هذا ، وأما ما تضمن صحة الإحرام قبل الميقات والصيام في السفر مع نذرهما كذلك فهو أجنبي عما نحن فيه ، لأن مقتضاه سببية النذر لرجحان المنذور في الفرض وإن لم يكن راجحا في نفسه ، لا كشف وجوب الوفاء بنذره عن رجحان الفعل في نفسه مع الشك في رجحانه كذلك ، كما هو المدعى في

١٢٤

المقام.

هذا ، وقد تعرض المحقق الخراساني قدّس سرّه وغيره لبيان وجه صحة نذر الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات بما لا مجال لإطالة الكلام فيه لخروجه عن محل الكلام.

الأمر الرابع : لا إشكال في جواز التمسك بالعام لإثبات حكمه بعد إحراز موضوعه ، وإنما الإشكال في جواز التمسك به لإثبات حال الموضوع بعد إحراز الحكم.

وقد ذكر في التقريرات لذلك موردين :

الأول : ما لو علم بعدم جريان حكم العام في مورد معين وشك في كون خروجه عنه تخصيصا مع واجديته لعنوانه ، أو تخصصا مع عدم واجديته لعنوانه ، كما لو ورد عموم وجوب إكرام العلماء ، وعلم بعدم وجوب إكرام زيد واحتمل كونه عالما.

الثاني : ما لو علم بعدم جريان حكم العام في مورد مردد بين ما هو من أفراد العام ليلزم التخصيص ، وما هو خارج عنه فيلزم التخصص ، كما لو ورد عموم وجوب إكرام العلماء ، وورد عدم وجوب إكرام زيد ، وكان زيد مشتركا بين شخصين أحدهما عالم دون الآخر. وظاهر شيخنا الأعظم قدّس سرّه المفروغية عن حجية العام فيهما ، كما صرح به في التقريرات ، ويقتضيه ما ذكره في الرسائل ، وحكي عنه في بعض الموارد. فيبنى في الأول على أن زيدا ليس بعالم ، وفي الثاني على أن المراد بزيد هو زيد غير العالم.

بل قال في التقريرات : «وعلى ذلك جرى ديدنهم في الاستدلالات الفقهية ، كاستدلالهم على طهارة الغسالة على أنها «بأنها. ظ» لا تنجس المحل ، فإن كان نجسا غير منجس يلزم تخصيص قولنا : كل نجس منجس».

هذا ، ولا إشكال ظاهرا في أنه لا نظر للعام في نفسه إلى حال

١٢٥

الموضوعات ، بل هو متكفل بإثبات الحكم بعد الفراغ عن حال الموضوع.

وغاية ما يقال في وجه ما في التقريرات : أن ثبوت الحكم لتمام أفراد العام الذي هو مقتضى أصالة العموم ـ لشرح حال الموضوع لزم البناء عليه ، لأن العام من سنخ الأمارة التي هي حجة في لازم مؤداها ، وليس كالأصل يقصر عن ذلك. فمثلا قضية : كل عالم يجب إكرامه ، تستلزم أن كل من لا يجب إكرامه ليس بعالم ، لأنه عكس نقيضها الملازم لها في الصدق ، فيترتب عليه ما تقدم في المثالين.

لكنه يندفع بما ذكره غير واحد : من أن الدليل على حجية العموم لما كان هو سيرة أهل اللسان الارتكازية لزم الاقتصار في حجيته على مقتضاها ، والمتيقن منها الرجوع للعام في تسرية حكمه لأفراده ، لا في شرح حال الموضوع من غير هذه الجهة.

وما اشتهر من أن الأمارة حجة في لازم مؤداها ليس على إطلاقه على ما ذكرناه عند الكلام في الأصل المثبت من مباحث الاستصحاب. ولذا لا يظن منه قدّس سرّه البناء على رفع إجمال الخاص بالعام وإن كان العام حجة في مورد إجماله ، كما نبهنا عليه في أوائل هذا الفصل.

نعم ، لو كان بيان الحكم المخالف للعام في مورد مسوقا لبيان عدم ثبوت حكم العام فيه أو مستفادا منه بسبب الملازمة العرفية الذهنية بينهما من باب بيان الموضوع ببيان الحكم فلا إشكال في البناء على عدم التخصيص.

لكنه ليس لأصالة العموم في العام ، بل لظهور الدليل المفروض في نفي عنوان العام ، كما في ما تضمن عدم وجوب غسل ملاقي بعض الامور ، كالجاف والمذي ، أو عدم وجوب الوضوء أو الغسل من بعض الامور كالقبلة وخروج المذي والاحتلام من دون خروج شيء وغيرها ، فإنه ظاهر في عدم تنجس الملاقي وعدم سببية الامور المذكورة للحدث ، ولا مجال معه لاحتمال التنجس وتحقق الحدث من دون أن يجب التطهير من الخبث أو التطهر من الحدث

١٢٦

تخصيصا لعموم مانعيتهما.

ولعل هذا هو الذي أوهم صحة الاستدلال بأصالة العموم في المقام ، كما نسبه في التقريرات للأصحاب في استدلالاتهم.

ثم إنه لا إشكال في البناء في المثال الثاني المتقدم على ثبوت حكم العام في الفرد الواجد لعنوانه من طرفي التردد ، فيجب إكرام زيد العالم في الفرض لأصالة العموم بعد فرض الشك في التخصيص بالإضافة إليه بسبب إجمال الدليل. بل لا يبعد ـ بعد التأمل في مرتكزات أهل اللسان ـ البناء على انتفاء على حكم العام في الطرف الآخر ، للعلم الإجمالي بانتفائه في أحد الطرفين الراجع لاستلزام ثبوته في أحدهما لانتفائه في الآخر ، فإذا دل العام على ثبوته في الطرف الواجد لعنوانه دل على انتفائه في الطرف الآخر ، للملازمة بين الأمرين ، وإن لم يكن دالا على أنه هو المراد من الدليل المفروض الإجمال ، الذي هو ملازم أيضا لثبوت حكم العام في الطرف الواجد لعنوانه ، إذ لا مانع من حجية العام في إثبات أحد اللازمين دون الآخر ، تبعا للمرتكزات التي عرفت دوران حجية العام سعة وضيقا مدارها. وبذلك ينحل العلم الإجمالي المسبب عن إجمال الدليل المذكور ، فلا يهم النظر في مقتضاه الذي يختلف باختلاف نحو الحكم الذي تضمنه من حيثية كونه إلزاميا أو غيره. فلاحظ.

١٢٧
١٢٨

الفصل الخامس

في عموم الحكم لغير المخاطبين

لا إشكال في عموم الأحكام التي تتضمنها الخطابات الشرعية لمن لم يوجد حين الخطاب ، فضلا عمن لم يحضر مجلسه من الموجودين حينه ، لما هو المعلوم من عموم الشريعة الإسلامية واستمرار أحكامها إلى يوم القيامة.

وإنما الإشكال في أن ذلك مقتضى ظهور الكلام نفسه ـ إما لعموم الخطاب به أو بدونه ـ أو مستفاد من أدلة اخرى تقتضي اشتراك الكل في الأحكام المذكورة ، كما يظهر من جملة من عباراتهم ، فقد تكرر في كلماتهم الاستدلال على العموم بالإجماع على الاشتراك.

ومن الظاهر أن محل الكلام هو الأحكام المستفادة من الأدلة اللفظية.

وأما ما يستفاد من الأدلة اللبية ، فعمومه تابع لعموم الموضوعات المأخوذة في تلك الأدلة ، إذ لا محذور في نهوض الدليل اللبي بإثبات الحكم لمن لم يوجد حين تحقق الدليل على نحو يكون حجة عليه بعد وجوده وصلوحه للتكليف ، لتمحض الدليل اللبي في الكشف ، ولا مانع من انكشاف الحكم المذكور بهذا النحو وإن لم يوجد صاحبه بعد.

إذا عرفت هذا فنقول : لا إشكال في ظهور الكلام في عموم الحكم لغير الموجودين إذا تضمن جعله على موضوعه بنحو القضية الحقيقية التي هي في قوة الشرطية من دون أن يتضمن جعل الموضوع طرفا للخطاب ، كما في قوله

١٢٩

تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) ، وقوله صلّى الله عليه وآله : «رفع عن امتي تسعة ...» (٢) وغيرهما ، ومثله في ذلك ما كان بنحو القضية الشرطية صريحا نحو قوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً)(٣).

وامتناع ثبوت الحكم لغير الموجود إنما هو بمعنى امتناع فعلية الحكم في حقه ، والدليل المذكور غير متضمن للحكم الفعلي ، بل لمجرد جعل الحكم على موضوعه وإنشائه ، بحيث لا يكون فعليا إلا بفعليته ، فكما يشمل الموجودين غير المتصفين بعنوان الموضوع إذا اتصفوا به بعد ذلك ، كذلك يشمل غير الموجودين إذا وجدوا واتصفوا به بعد ذلك.

ولا يخل بذلك توجيه الخطاب بالقضية لجماعة خاصة أو لشخص واحد كالنبي صلّى الله عليه وآله ، لأن خطابهم لمجرد الإعلام أو لطلب التبليغ ، لا لاختصاص الحكم بهم ، ولذا قد لا يكونون واجدين لموضوع الحكم.

وأما ما ورد بلسان خطاب الموضوع ، كما في كثير من آيات الأحكام والنصوص المتضمنة لخطاب السائلين أو الحاضرين بأحكامهم ، فقد يمنع العموم فيه لمن لم يحضر مجلس الخطاب من الموجودين فضلا عن غيرهم ، لامتناع الخطاب الحقيقي مع غير المواجه به.

وقد حاول المحقق الخراساني قدّس سرّه دفع ذلك بأن أدوات الخطاب كضمائره وأدوات النداء ونحوها ليست موضوعة للخطاب الحقيقي ، بل الإيقاعي الإنشائي ، وإن كان بداع آخر غير التفهيم من التحسر والتأسف وغيرهما ، كما في خطاب العجماوات والجمادات وغيرها مما لا يصلح للخطاب الحقيقي.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

(٢) راجع الوسائل ج ٥ باب : ٣٠ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢ وكذا الجزء ١١.

باب : ٥٦ من ابواب جهاد النفس.

(٣) سورة الإسراء : ٣٣.

١٣٠

وكذا الحال في الخطاب بتوجيه الكلام وإن لم يكن بأدواته الخاصة. غاية الأمر أن المنصرف من الجميع إرادة الخطاب الحقيقي ، نظير ما ذكره في أدوات وصيغ المعاني الإنشائية من الاستفهام والطلب والتمني وغيرها. ولا مجال لذلك في خطابات الشارع الأقدس ، للمفروغية عن عدم اختصاص مضمونها بمن حضر مجلس الخطاب.

ويشكل : بأن الخطاب يفترق عن غيره من المعاني الإنشائية ، فإن للمعاني الإنشائية واقعا نفسيا حقيقيا مباينا لمقام الإنشاء ، فتتجه دعوى وضع الأدوات والصيغ لمحض الإنشاء والإيقاع ، إما بداعي بيان ذلك الواقع النفسي أو بداع آخر.

أما الخطاب فهو قائم بنفس الكلام ونحوه من أدوات البيان ، كالكتابة والإشارة وغيرها ، وليس له واقع وراء ذلك ، يكون هو المراد بالخطاب الحقيقي لتتجه دعوى وضع الأدوات للخطاب الإيقاعي ، وأنه تارة يكون بداعي الخطاب الحقيقي ، واخرى بداع آخر. بل ليس في المقام إلا أمر واحد ، وهو الخطاب الحقيقي الذي هو مقتضى الكلام.

ولذا قد يدعى تجريد الكلام عن معناه في مورد خطاب من لا يقبل الخطاب ، ويكون مجازا. لكنه بعيد جدا عن المرتكزات الاستعمالية والبيانية ، كما يظهر بأدنى ملاحظة لها.

ومن هنا فالظاهر أنّه اريد بخطاب من لا يقبل الخطاب خطابه حال عدم قابليته ، كخطاب الأموات والرسوم والأطلال وغيرها ، فهو مبني على ادعاء أنه صالح للخطاب بإعمال قوة التخييل.

ولذا قد ينسب إليه ما يناسب الخطاب مما هو من شأن ذي الإحساس والشعور ، كالجواب والعتاب والبكاء والضحك والفرح والحزن وغيرها.

وإن اريد به خطابه بعد قابليته للخطاب وتفهيمه حينئذ ، كخطاب الغائب

١٣١

أو غير الموجود بالكتابة والتسجيل في مقام الوصية أو نحوها ، كان مبنيا على ملاحظة الحال الذي يصلح معه للخطاب كأنه حالّ حاضر ، ولذا لا يترتب على الخطاب في القسم الأول أي أثر ويتمحض في التخييل ، أما في هذا القسم فيترتب الأثر في وقته ، لقصد التفهيم حينه بالخطاب ، كما يقصد بخطاب الحاضر القابل للخطاب.

لكن من الظاهر أن جميع ما تقدم في توجيه الخطاب في حق من هو غير قابل له مبني على عناية تحتاج إلى قرينة.

وما سبق من المحقق الخراساني قدّس سرّه من أن عموم الحكم واستمراره يصلح قرينة على ذلك. في غير محله ، لإمكان قصر الخطاب بالحكم العام على بعض المكلفين وتبليغ غيرهم به من غير طريق الخطاب المذكور ، كخطاب آخر أو الإجماع على الاشتراك في المقام أو غيرهما. بل هو المقطوع به في البيانات الخاصة الواردة في النصوص المتضمنة لخطاب الحاضرين أو السائلين بأحكامهم. ولذا قد تشتمل تبعا على بعض الخصوصيات الزائدة على الحكم مختصة بهم دون غيرهم ، حيث لا مجال مع ذلك لعموم الخطاب لغيرهم. ومن ثمّ لا يكون دالا بالمطابقة إلا على حكم المخاطب.

غاية الأمر أنه قد يستفاد عموم الحكم من الكلام بضميمة إلغاء خصوصية مورده عرفا ولو للمفروغية عن عموم أحكام الشريعة واستمرارها التي هي من سنخ القرينة الحالية المحيطة بالكلام. ولذا قد يتعدى في غير مورد الخطاب أيضا لو تضمن الكلام بيان حكم شخص خاص غير مخاطب.

وحينئذ لا بد في تحديد الموضوع من الاقتصار في الخصوصيات الملغية على المقدار المتيقن إلغاؤه عند العرف ، بلحاظ القرائن المقالية والحالية ، ومنها المناسبات الارتكازية ، دون ما لم يستظهر إلغاؤه ، ولا ضابط لذلك.

لكن ذلك غير عموم الخطاب لغير من يحضر مجلسه أو يوجه له بأحد

١٣٢

الوجوه المتقدمة التي عرفت احتياجها للقرينة.

نعم ، قد يتجه ذلك في الخطابات القرآنية الموجهة للعناوين كالناس والمؤمنين والعباد ، وذلك لما هو المعلوم من عدم خطابه تعالى لهم في مجلس خاص وبنحو المشافهة ، ليمكن حمله على ظاهره من دون تنزيل ولا عناية ، وإنما هو منزل على النبي صلّى الله عليه وآله للتبليغ به ، فلا بد أن يكون المخاطب به كل من أريد تبليغه سواء كان موجودا أو صالحا للتبليغ حين التنزيل أم لا ، لأنه صلّى الله عليه وآله مرسل للكل ، كل في وقته.

ويتعين حمله على ما سبق منا من تنزيل حال الصلوح للتبليغ والخطاب منزلة الحال الحاضر.

ومثله في ذلك ما يوجه في الكتب ونحوها للعامة ، نظير كتب الأئمة عليه السّلام إلى شيعتهم ، وكتب الامراء لرعاياهم ، من طريق الولاة أو الرسل.

وأما ما تضمن في القرآن المجيد خطاب النبي صلّى الله عليه وآله بضمير الجمع نحو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)(١) ، فالخطاب فيه وإن اختص به صلّى الله عليه وآله ، إلا أن موضوع الحكم المبين بالدليل يعم جميع المسلمين حتى غير الموجودين حين الخطاب ، لوضع أدوات الخطاب بالجمع لما يعم خطاب الواحد وإرادة غيره معه في الحكم ، وحيث لا معين لمقدار الجمع ، وكان خطابه صلّى الله عليه وآله بلحاظ كونه مبلغا لغيره ، ينصرف لعموم من وظيفته صلّى الله عليه وآله تبليغه بالأحكام وإن لم يكن موجودا.

نعم ، ما تضمّن خطابه صلّى الله عليه وآله بشخصه بضمير المفرد نحو قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)(٢) ، يجري فيه ما سبق في الخطابات التي تضمنتها النصوص من أن مدلولها المطابقي خصوص حكم المخاطب ، ويكون التعميم

__________________

(١) سورة الطلاق : ١.

(٢) سورة الضحى : ٩.

١٣٣

لغيره بإلغاء خصوصية المورد ، أو بقرينة حالية أو مقالية تقضي بأن مبنى خطابه على ارادة تفهيم غيره ، من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة).

١٣٤

الفصل السادس

في تعقيب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده

قد وقع الكلام بينهم في أن تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده يمنع من البناء على عموم حكمه فيقتصر فيه على خصوص الأفراد المرادة بالضمير ، أو لا ، بل يبقى العام على عمومه.

والظاهر أن محل الكلام ما إذا كان حكم العام مباينا لحكم الضمير ، ليتجه احتمال التفكيك بينهما في العموم والخصوص ، دون ما لو كان الحكم واحدا ، كما في قولنا : أثم أعداء زيد بشتمهم له ، حيث لا إشكال ظاهرا في اختصاص حكم العام ، وهو الإثم بمن شتم زيدا ، دون غيرهم من أعدائه ، وإن أمكن إثمهم أيضا لا من جهة الشتم الذي هو حكم آخر لم يتضمنه العام.

إذا عرفت هذا ، فالظاهر التفصيل بين أن يكون اختصاص حكم الضمير ببعض الأفراد مقتضى قرينة متصلة ، وأن يكون مقتضى دليل منفصل.

فالأول : نحو قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١) ، فإن الإيلاء وإن كان هو الحلف على ترك الوطء ، فلا يمنع من عموم النساء للمتمتع بها ، إلّا أن قوله : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) مختص بمن يشرع طلاقهن ، وهن الدائمات.

وفي مثل ذلك يتعين التوقف عن عموم حكم العام ، فلا يبنى على عموم

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٦ ، ٢٢٧.

١٣٥

حكم الإيلاء في الآية للمتمتع بها ، لأن ذلك من القرائن المحيطة بالكلام المانعة من انعقاد الظهور في عمومه. وجميع ما ذكر في كلماتهم في وجه عدم رفع اليد عن العموم ولزوم التصرف في الضمير لو تم إنما يتوجه مع انعقاد الظهور في العموم وبلوغه مرتبة الحجية.

والثاني : نحو قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ... (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ ...)(١) ، فإن ظاهر الصدر عموم العدة للمطلقات ، وظاهر الذيل المشتمل الضمير جواز الرجوع بكل مطلقة ذات عدة. وتخصيصه ببعض الأقسام إنما استفيد من أدلة أخرى خارجة عن الكلام.

والفرق بينه وبين الآية الاولى أنه وارد لتشريع الرجعة ، فيكون ظاهرا في عموم تشريعها للمطلقات بمقتضى إسناده لضمير هن. أما الآية الاولى فهي غير واردة لتشريع ، لتكون ظاهرة في عموم تشريعها للمؤالي منهن ، بل لبيان أن الطلاق يحل مشكلة الإيلاء عملا بعد الفراغ عن تشريعه ، فلا يكون لها ظهور في عموم تشريعه.

وكيف كان ، ففي هذا القسم حيث لا إشكال في انعقاد الظهور في عموم حكم العام ـ كثبوت العدة للمطلقة في الآية ـ الذي هو حجة في نفسه ، لا ملزم برفع اليد عنه بالدليل الخارج المتضمن تخصيص حكم الضمير ، لعدم التلازم بينهما ، فلا مجال للبناء عليه والخروج عن أصالة العموم.

إن قلت : لما كان ظاهر الكلام التطابق بين الضمير ومرجعه فبعد قيام الدليل الخارج على اختصاص حكم الضمير ببعض أفراد العام يدور الأمر بين التصرف في العام بحمله على خصوص الأفراد الباقية المحكومة بحكم الضمير ، والتصرف في الضمير بالبناء على عدم التطابق بينه وبين مرجعه من باب الاستخدام ، أو على التوسع في إسناد الحكم عليه على عمومه مع ثبوت

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٨.

١٣٦

حكمه لبعض أفراده ، وليس التصرف في الضمير بأحد الوجهين بأولى من التصرف في العام بالتخصيص ، بل لعل الثاني أولى. ولا أقل من التوقف عن عموم العام بعد عدم المرجح.

ودعوى : أن التصرف في عموم المرجع تصرف في الضمير أيضا ، والتصرف في الضمير لا يستلزم التصرف في عموم المرجع ، فالتصرف في الضمير معلوم على كل حال ، ولا تجري فيه أصالة الضمير ، والتصرف في العام مشكوك ، فتجري فيه أصالة الظهور.

مدفوعة : بأن مقتضى الظهور في الضمير ليس هو حمله على ما يظهر من مرجعه مطلقا ، بل حمله على ما يراد من مرجعه ، فإذا فرض كون المراد بمرجعه بعض الأفراد ، فإرادة خصوصها بالضمير لا تنافي ظهوره ، بل هي على طبق أصالة الظهور فيه ، وإنما يكون إرادة خصوصها منافية لظهوره إذا اريد من مرجعه العموم الذي هو على طبق ظهوره. ومن ثم لا يكون في المقام إلا تصرف واحد في الضمير أو في المرجع.

وأما ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه من عدم نهوض أصالة الظهور في الضمير بمعارضة أصالة الظهور في العموم ، لأن أصالة الظهور إنما تكون حجة في تعيين المراد ، لا في تعيين كيفية الاستعمال مع العلم بالمراد ، والمفروض في المقام العلم بالمراد من الضمير وهو الخصوص ، والشك في المراد بالمرجع ، فلا تجري أصالة الظهور في الضمير لتعيين كيفية الاستعمال لتعارض أصالة الظهور في المرجع لتعيين المراد به وحمله على العموم.

فيشكل : بأن ذلك إنما يتم مع تعدد الكلام ، وأما مع وحدته ولزوم التصرف فيه تبعا للقرينة الخارجية ـ وهي في المقام القرينة الدالة على تخصيص حكم الضمير ـ فلا بد من ملاحظة جميع خصوصيات الكلام في مقام التصرف فيه ، وتنزيله على مقتضي القرينة.

١٣٧

وبعبارة اخرى : ليس التعارض في المقام بين أصالة الظهور في المرجع وأصالة الظهور في العام ، ليتجه ما تقدم من حجية أصالة الظهور في تعيين المراد دون كيفية الاستعمال ، بل بين الكلام الظاهر في عموم حكمي الضمير ومرجعه معا والقرينة الخارجية الدالة على تخصيص حكم الضمير ، وبعد فرض تقديم القرينة يتعين التصرف في الكلام وتنزيله بمجموعه على ما يناسبها ، وليس التصرف فيه بتخصيص حكم الضمير وحده مع استلزامه التصرف فيه بأحد الوجهين المتقدمين بأولى من التصرف فيه بتخصيص كلا الحكمين وحمل المرجع على خلاف ظاهره الذي لا يستلزم التصرف في الضمير. بل لعل الثاني أولى ، كما تقدم.

قلت : إنما يتم ذلك لو كان مرجع الجمع بين العام والخاص بالتخصيص إلى حمل العام على كونه مستعملا في بعض أفراده ، حيث يلزم مع تخصيص حكم الضمير دون حكم مرجعه التصرف في الضمير بالوجه المتقدم ، وقد سبق أن الجمع بينهما لا يبتني على ذلك ، بل على مجرد رفع اليد عن ظهور العام في إرادة العموم لمورد الخاص تقديما لأقوى الحجتين في الكشف عن مراد المتكلم ، وإن أمكن أن يكون العام مستعملا في العموم لضرب القاعدة التي يرجع إليها عند عدم المخرج عنها ، أو مع قرينة متصلة على الخصوص قد خفيت علينا.

ومن الظاهر أن ذلك يقتضي الاقتصار في المقام على مورد المزاحمة ، وهو حكم الضمير دون حكم مرجعه. بل لا مخرج فيه عن ظهور العام في العموم المفروض انعقاده وحجيته في نفسه.

وأما ما يظهر من التقريرات من الإشكال في ذلك : بأن الضمير ليس من صيغ العموم ليدعى أنه هو المعارض لدليل التخصيص ، ويلزم الاقتصار في التخصيص عليه ، بل هو من سنخ الكنايات ، فتارة يكون كناية عن جماعة

١٣٨

محصورة وأخرى عن غيرها ، والمعارض للتخصيص هو المرجع.

فيندفع : بأن الضمير وإن لم يكن من صيغ العموم اصطلاحا إلا أنه كالعام في إمكان الحكم عليه وإرادة الخاص منه بقرينة متصلة حالية أو مقالية ـ كالاستثناء والشرط ـ أو منفصلة مع وروده لضرب القاعدة أو غير ذلك مما تقدم عند الجمع بين العام والخاص. ومن ثمّ لا مانع من معارضة دليل التخصيص له وتحكيمه عليه وحده.

تنبيه :

ما ذكرناه في معيار التفصيل يجري في جميع موارد اشتمال الكلام على عمومات متعددة ثبت التخصيص في بعضها بقرينة متصلة أو منفصلة واحتمل سريانه لجميعها. ومنه الجمل أو المفردات المتعددة المتعقبة باستثناء واحد ، كما في قولنا : أكرم العلماء وأكرم الأشراف إلا الفساق منهم ، وقولنا : أكرم العلماء والأشراف إلا الفساق ، وقولنا : أكرم العلماء وأضفهم إلا الفساق ، وقولنا : أكرم العلماء وجالس الأشراف إلا الفساق ، ونحوها.

فيتوقف عن العموم في الأمثلة المذكورة بالإضافة إلى غير الأخير المتيقن التخصيص ، لأن التخصيص المذكور من سنخ القرائن المتصلة المانعة من انعقاد الظهور في العموم في بقية المتعلقات والجمل.

نعم ، لا يبعد أقربية الرجوع للأخير وحده مع اتحاد متعلق الحكم وتكراره لفظا ، كما في المثال الأول ، ليكون فائدة التكرار اللفظي وعدم الاكتفاء بعطف المفرد استقلال الجملة الأخيرة بمتعلقها ـ وهو الاستثناء ـ وانفرادها به.

كما لا يبعد أقربية الرجوع للكل مع تعاطف المفردات ـ كما في المثال الثاني ـ أو الجمل المتضمنة لتكرار الموضوع بوجه تبعي وهو الضمير ـ كما في المثال الثالث ـ لاحتياج الاستثناء من المفرد والجملة المذكورة لعناية وكلفة.

١٣٩

لكن في بلوغ ذلك حدّ الظهور النوعي الحجة إشكال ، بل قد يكون من سنخ النكت البلاغية التي لا توجب إلا الإشعار.

وقد أطالوا الكلام في ذلك بما لا مجال لمتابعتهم فيه بعد ما ذكرناه من المعيار للظهور النوعي المتبع لو لا القرائن الخاصة التي لا تنضبط ، بل توكل لنظر الفقيه عند النظر في الأدلة.

١٤٠