المحكم في أصول الفقه - ج ٢

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٢

أما إذا كان المخصص لبيا فالملقى من المولى ليس إلا العام الظاهر في إرادة العموم بتمامه ، فلا بد من اتباعه إلا فيما يعلم بعدم إرادته منه ، لأن على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه.

واليقين بعدم إرادة الخاص إنما يكون حجة فيما يعلم باضافة عليه وخروجه عن العام.

ويشكل : بأن مجرد الفرق بين المخصصين بإلقاء اللفظي من قبل المولى دون اللبي لا يصلح فارقا بعد اشتراكهما في صحة احتجاج المولى بهما على العبد ، وفي الكشف عن مراده من العام ، وأنه يقصر عن موردهما وعن تمام أفرادهما الواقعية التي يحتمل كون الفرد المشتبه منها ، حيث سبق منا ومنه أن ذلك هو المعيار في عدم حجية العام في الفرد المذكور ، وإن كان الخاص غير حجة فيه أيضا ، لعدم إحراز موضوعه.

وما ذكره في وجه التمسك بالعام في الفرد المذكور مع المخصص اللبي من أن على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه إنما ينفع لو لم ينكشف بالخاص مخالفة ظهور العام لمراده ، وقصوره عن أفراد الخاص الواقعية ، كما ذكرنا.

إلا أن يرجع إلى ما ذكرناه في التفصيل الثاني من أن ظاهر العام بدوا لما كان هو ثبوت حكمه في تمام أفراده كان مقتضاه ثبوت تمام ما يعتبر في الحكم فيها ، من دون أن يكون موضوعه مقيدا بها ، فإذا شك في ثبوت بعض ما يعتبر في الحكم في بعض الأفراد لزم البناء على ثبوته وترتب الحكم عليه ، عملا بعموم العام ، واقتصارا في الخروج عنه على ما علم بفقده لشيء مما يعتبر في الحكم.

وقد يناسبه قوله قدّس سرّه بعد ذلك : «بل يمكن أن يقال : إن قضية عمومه للمشكوك أنه ليس فردا لما علم بخروجه عن حكمه ، فيقال في مثل : لعن الله

١٠١

بني أمية قاطبة : إن فلانا وإن شك في إيمانه يجوز لعنه ، لمكان العموم ، وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا ، فينتج : انه ليس بمؤمن».

وبما تقدم يظهر حال ذلك ، وأنه لو تم يجري في المخصص اللفظي ، كالأمثلة المتقدمة ، ومنها المثال الذي ذكره ، لوضوح أن عدم جواز لعن المؤمن يستفاد بالمطابقة والالتزام من الأدلة اللفظية المتضمنة تحريم لعن غير المستحق (١) ، وسب المؤمن (٢) ، وتعييره وتأنيبه (٣) ، وإيذائه (٤) ، وإهانته (٥) ، وإذلاله واحتقاره (٦) ، والطعن عليه (٧) وغير ذلك ، مما يتضمن حرمة نفسه وعرضه.

كما أن لعن المعصوم أو أمره باللعن في حق شخص يفيد بالملازمة عدم إيمانه ، كافادة دليل المطهرية الطهارة أو نحو ذلك مما تقدم.

وحينئذ يتعين ألا يكون عدم الإيمان قيدا لموضوع العموم المذكور ـ ليكون مما نحن فيه ـ بل العموم منقح له ، فلو ثبت إيمان بعضهم كان التخصيص به بخصوصيته ، ورجع احتمال إيمان غيره إلى احتمال زيادة التخصيص المدفوع بأصالة العموم ، وخرج عن محل الكلام ، وهو الشك في مصداق الخاص المحدد المفهوم.

ولو لا ذلك لم يتجه التمسك بعموم اللعن حتى لو كان دليل حرمة لعن المؤمن لبيا ، وتم التفصيل المذكور ، لأن حرمة لعن المؤمن من الوضوح في

__________________

(١) راجع الوسائل ج ٨ باب : ١٦٠ من ابواب أحكام العشرة.

(٢) راجع الوسائل ج ٨ باب : ١٥٨ من ابواب أحكام العشرة.

(٣) راجع الوسائل ج ٨ باب : ١٥٠ من ابواب أحكام العشرة.

(٤) راجع الوسائل ج ٨ باب : ١٤٥ من ابواب أحكام العشرة.

(٥) راجع الوسائل ج ٨ باب : ١٤٦ من ابواب أحكام العشرة.

(٦) راجع الوسائل ج ٨ باب : ١٤٧ من ابواب أحكام العشرة.

(٧) راجع الوسائل ج ٨ باب : ١٥٩ من ابواب أحكام العشرة.

١٠٢

ارتكازيات المتشرعة بنحو تلحق بالتخصيص المتصل المانع من انعقاد ظهور العام في العموم ، فلا يصح التمسك معه بالعموم في مورد الشك مطلقا ، وإن كان المخصص لبيا ، كما اعترف به قدّس سرّه وأشرنا إليه في أول هذا الفصل.

ثانيها : ما حكاه بعضهم عن التقريرات من أن إلقاء المولى للخاص اللفظي كاشف عن أنه أحال معرفة أفراده وتمييزها عن بقية أفراد العام على المخاطب ، فلا يكون دخول المشكوك في الباقي تحت العام بأولى من دخوله في الخاص الخارج عنه ، وأما إذا كان الخاص لبيا فالمتكلم لم يلق لبيان حكمه إلا حجة واحدة ، وهي العام ، وظاهره أنه بصدد بيان مصاديق حكمه بنفس عنوان العام وأنه كلما يصدق عليه فهو محكوم بحكمه ، وأنه ليس في أفراده عنوان مناف لحكمه ، فيكون حجة في كل ما لم يعلم بخروجه من الأفراد.

وفيه : أنه إن استفيد من العام بعد الجمع بينه وبين الدليل الدال على اعتبار شىء ما في موضوع حكمه كون أفراد العام واجدة لذلك الشيء ، فلا تنافي بين العام وذلك الدليل ، ليكون مخصصا له ، بل يكون العام واردا عليه ومنقحا لموضوعه.

وحينئذ يتجه التمسك بالعام في الفرد المشكوك واجديته للأمر المعتبر في الحكم وإن كان الدال على اعتبار ذلك الشيء لفظيا ، لأن ظاهر حال المتكلم في الدليل اللفظي وإن كان هو الإحالة على المخاطب في معرفة أفراده وتمييزها ، إلا أنه يكفي المخاطب الرجوع للعام المذكور في التمييز بعد فرض نهوضه به.

على أن الإحالة على المخاطب في تشخيص موضوع الخاص إنما هو لترتيب حكمه ، لا لترتيب حكم العام ، فلا ينهض برفع اليد عن ظهور العام المفروض قطعا.

وإن لم يستفد من العام بعد الجمع ذلك ، بل لا ظهور للعام إلا في كون

١٠٣

عنوانه تمام موضوع الحكم ، كان الدليلان متنافيين ، وبعد فرض تخصيص العام بذلك الدليل يقصر عن أفراد الخاص الواقعية ، فلا يصح التمسك به فيما احتمل كونه منها وإن كان ذلك الدليل لبيا ، لما تقدم من أنه يكشف أيضا عن قصور موضوع حكم العام وتقييده بغير أفراده.

فليس معيار الفرق بين الأمرين كون الخاص لفظيا وكونه لبيا ، بل ما تقدم في التفصيل السابق.

ويأتي في الوجه الثالث تقريب عدم نهوض العام بنفي المنافي لحكمه في أفراده ، كما يأتي أن لازم ذلك عدم التمسك بالأصل الموضوعي المنقح لعنوان الخاص.

ثالثها : ما ذكره بعض المحققين قدّس سرّه من أن العام لما كان دالّا على ثبوت حكمه الفعلي لأفراده ، دون الاقتضائي ، كان دالّا بالملازمة على عدم منافاة أي عنوان تتصف به أفراده لحكمه ، وعلى عدم وجود العناوين المنافية له فيها.

وحينئذ يكون الخاص اللفظي منافيا له في الأمرين معا ، فهو يدل بالأصل على كون عنوانه منافيا لحكم العام ، ويدل تبعا على كون العنوان المذكور موجودا أو متوقعا بين الأفراد وإلا كان بيانه عبثا ، لعدم الفائدة ، وحيث فرض تقديم الخاص لزم رفع اليد به عن دلالة العام على كلا الأمرين ، فلا رافع للشك في الفرد المشتبه ، أما الخاص اللبي فهو ينافي العام في الأمر الأول ، لمشاركته للفظي في الدلالة على عدم ثبوت حكم العام مع عنوانه ، دون الثاني ، لعدم كونه ملقى من المولى ، ليكون إلقاؤه مع عدم وجوده أو توقعه عبثا منه ، بل هو حاصل بسبب إدراك المنافاة بين حكم العام وعنوان الخاص وإن لم يكن موجودا في أفراد العام. فيبقى العام حجة في الدلالة على عدم وجود المنافي لحكمه في أفراده ، فيرتفع به الشك في الفرد المشتبه ويحرز به خروجه عن الخاص ، المستلزم لثبوت حكم العام له.

١٠٤

ويشكل : بأن العام في الشرعيات حيث كان غالبا أو دائما بنحو القضية الحقيقية كان مفاده نفي منافاة كل عنوان يمكن طروؤه على أفراده لحكمه وإن لم يوجد ولا يتوقع فيها ، لأن موضوع القضية الحقيقية لما كان هو العنوان بما له من أفراد موجودة أو فرضية فمقتضى عموم العام ثبوت الحكم لأي فرد يفرض وإن اتصف بالعنوان غير المتوقع ، المستلزم لعدم منافاة العنوان المذكور لحكم العام. ولا مجال مع ذلك لدلالته على نفي العنوان المنافي لأفراده ، حيث لا منافي حتى يدل على انتفائه فيها. وإنما يثبت المنافي بالخاص الكاشف عن عدم مطابقة ظهور العام للواقع ، وأن موضوع حكمه ليس مطلق عنوانه ، بل خصوص الحصة الفاقدة لعنوان الخاص منه ، وحينئذ لا مجال للرجوع إليه في الفرد المشتبه ، لعدم احراز موضوع حكمه فيه وعدم الرافع لاشتباهه بعد ما ذكرناه من عدم نهوض العام بنفي المنافي لحكمه عن أفراده.

وأما القضية الخارجية فهي لا تدل على عدم منافاة كل عنوان لحكم العام ، بل عدم منافاة خصوص العناوين الموجودة في الأفراد ، فإذا فرض العلم بوجود العنوان الخاص ولو في فرد واحد لم يكن للعام ظهور في نفسه عن بقية الأفراد ، لا بنفسه مع قطع النظر عن الخاص ، ولا بعد الجمع بينه وبين الخاص ، لأن مقتضاه في نفسه عدم منافاة العنوان المذكور لحكمه ـ لان مقتضاه ثبوت حكمه للفرد الواجد له ـ فلا ينهض بنفيه عن بقية الأفراد ، ومقتضاه بعد الجمع قصور موضوعه عن الحصة الواجدة للعنوان من دون نظر لتعيينها.

وإن فرض عدم العلم بوجود العنوان في فرد فقد يكون مقتضى العموم عدم وجود العنوان على تقدير منافاته المفروض ثبوتها بالدليل الآخر. وحينئذ يخرج ذلك الدليل عن كونه مخصصا ويخرج عن محل الكلام على ما يتضح في التفصيل الرابع إن شاء الله تعالى.

وهو غير مهم في محل الكلام ، لما ذكرناه من أن العمومات الشرعية بنحو

١٠٥

القضية الحقيقية التي ذكرنا عدم دلالة العموم معها على نفي العنوان المنافي ، بل على عدم منافاة أي عنوان يفرض.

هذا ، ولو غض النظر عن ذلك ، وسلم ما ذكره من دلالة العام على عدم وجود المنافي في أفراده ، ومنافاة الخاص اللفظي له دون اللبي ، لأشكل الاستدلال بذلك على التفصيل المذكور ..

تارة : بأن ظهور الخاص اللفظي في وجود المنافي بين أفراد العام حيث كان لدفع محذور العبث واللغوية فهو مختص بما إذا كان الخاص أخص مطلقا ، دون ما لو كان أخص من وجه ـ وفرض تقديمه على العام ـ إذ يكفي في رفع اللغوية حينئذ وجوده في الأفراد الأخر الخارجة عن العام ، فلا يعارض العام في الدلالة على عدم وجوده في أفراده ، مع عدم الفرق عندهم ظاهرا بين نوعي الخاص المذكورين في محل الكلام.

واخرى : بأن دلالة الخاص المطلق على وجود المنافي بين أفراده لما كان بمعنى وجوده فيها في الجملة ، لا في تمامها ، تعين الاقتصار فيه على المتيقن ، ولم يرفع به اليد عن حجية العام في الدلالة على عدم وجود المنافي بالإضافة إلى الفرد المشتبه لو زاد على المتيقن. ولو فرض عدم التفكيك في حجية العام بين الأفراد ، لابتنائها على الارتباطية فلا وجه لتقديم الخاص على العام في الدلالة على وجود المنافي بين أفراده ، لاستحكام التعارض بينهما حينئذ بعد امتناع الجمع العرفي بالتخصيص.

على أنه لو سلم تقديم الخاص حينئذ وسقوط الخاص رأسا عن الحجية لزم رفع اليد عن العام في الدلالة على عدم وجود المنافي بين أفراده لو علم بوجود المنافي فيها في الجملة ، ولو كان المخصص لبيا ، واختص هذا الوجه بما إذا لم يعلم بوجود عنوان الخاص اللبي أصلا في أفراد العام.

وثالثة : بأن لازم ذلك عدم الرجوع في المخصص اللبي للأصل

١٠٦

الموضوعي المنقح لكون المشتبه واجدا لعنوان الخاص ومحكوما بحكمه ، لكون الأصل المذكور محكوما للعام المفروض نهوضه بنفي عنوان الخاص في أفراده ، ولا يظن منهم البناء عليه.

رابعها : ما ذكره سيدنا الأعظم قدّس سرّه من أنه إذا كان المخصص لفظيا فحيث كان موضوع الحجية فيه مدلوله بماله من مفهوم محدود فالفرد المشتبه يحتمل كونه موضوعا للحجة على خلاف العام بسبب احتمال انطباق مفهوم الخاص وعنوانه عليه.

أما إذا كان لبيا فحيث كان المخصص فيه هو العلم امتنع حصوله في الفرد المشتبه ، للتضاد بين العلم والشك ، وبذلك يكون الفرد المشتبه معلوم الخروج عن الحجة المخالفة للعام ، فتتعين حجية العام فيه ، لانفراده فيه.

وفيه .. أولا : أنه حيث كان المفروض في محل الكلام ورود التخصيص على العنوان ، لا على الفرد ابتداء فاحتمال دخول الفرد المشتبه في موضوع الحجية في المخصص اللفظي ليس لاحتمال حجية المخصص فيه ابتداء ، بل لكون المخصص بيانا وحجة على العنوان المحتمل انطباقه على الفرد المذكور ، ومثل هذا جار في المخصص اللبي إذا كان عنوانيا.

وثانيا : أن منشأ سقوط العام عن الحجية في الفرد المشتبه ليس هو احتمال دخوله في موضوع الحجة ، إذ لا يتجه رفع اليد عن الحجة في مورد لاحتمال دخوله في حجة أخرى معارضة لها ، بل يتعين العمل بالحجة ما لم يثبت المعارض ، وانما المنشأ له هو صلوح الخاص لبيان المراد من العام عرفا ، بحيث يكشف عن قصوره عن الأفراد الواقعية للخاص ، فلا يحرز دخول الفرد المذكور في المراد الواقعي منه.

وإن شئت قلت : العام والخاص ليسا متعارضين في الأفراد ابتداء ، وإلا تعين تقديم العام في الفرد المشتبه ، بل هما متعارضان في تعيين مراد المتكلم

١٠٧

من العموم ، وحيث كان مقتضى الجمع بينهما حمل العام على ما عدا الخاص لا يحرز تحقق موضوع الحجية في الفرد المشتبه ، وذلك كما يجري في المخصص اللفظي يجري في المخصص العنواني اللبي.

وقد تحصل من جميع ما تقدم عدم تمامية التفصيل بين المخصص اللفظي واللبي.

ولعل نظر المفصلين إلى ما إذا كان العام بيانا لحال أفراده ، وأنها خارجة عما دل الدليل اللبي على منافاته لحكم العام من دون أن يكون انتفاؤه قيدا في موضوعه ، كما يناسبه بعض أمثلتهم والوجهان الثاني والثالث للاستدلال على التفصيل المذكور. مع الغافلة عن أن ذلك خارج عن محل الكلام ، حيث لا يكون الدليل اللبي مخصصا بالإضافة إلى العنوان المحتمل انطباقه على الفرد ، بل لو كان هناك تخصيص كان موضوعه الفرد بخصوصيته ، وليس العنوان إلا مرآة للأفراد ، أو جهة تعليلية للتخصيص بالإضافة إليها ، ويكون مرجع الشك في انطباقه على الفرد إلى الشك في زيادة التخصيص بالإضافة إليه ، الذي لا إشكال معه في حجية العام. كما يتضح بملاحظة ما تقدم.

الرابع : من التفصيلات في المقام : ما ذكره سيدنا الأعظم قدّس سرّه.

وبيانه ، أنه تارة : يكون العام والخاص بنحو القضية الحقيقية.

واخرى : يكونان بنحو القضية الخارجية.

وثالثة : يكون العام بنحو القضية الحقيقية والخاص بنحو القضية الخارجية.

ورابعة : بالعكس.

فلا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في الصور الثلاث الاول ، للتكاذب بين العام والخاص ، بسبب العلم بكون أفراد الخاص أفرادا للعام ، فيلزم الجمع بينهما ، وحيث فرض أن الجمع بتقديم الخاص والبناء على

١٠٨

اختصاص موضوع العلم بما عدا مورده امتنع التمسك بالعام في الفرد المشتبه ، لعدم إحراز دخوله في موضوع حكم العام وإن كان واجدا لعنوانه ، على ما تقدم مكررا.

أما في الصورة الرابعة فلا يعلم بالتكاذب بينهما لإمكان كون تمام أفراد العام الخارجية غير متصفة بعنوان الخاص ، فلا ملزم بالخروج عن ظاهر العام ، بل يجعل دليلا على عدم انطباق الخاص على أفراده.

لكن ما ذكره من عدم التكاذب في الصورة الرابعة انما يتم مع عدم العلم باتصاف بعض أفراد العام بعنوان الخاص ، أما مع العلم باتصاف بعضها به وتردده بين الأقل والأكثر فلا بد من التكاذب بين الدليلين ، فيجري فيه ما يجري في بقية الصور.

كما أن ما ذكره من التكاذب في الصور الثلاث الاول إنما يتم في الخاص المطلق مفهوما ، كما لو ورد : أكرم العلماء ، و : لا تكرم النحويين. أما في الخاص من وجه المفروض التقديم في مورد الاجتماع ـ كما لو ورد : أكرم العلماء ، و : لا تكرم الفساق ، وفرض تقديم الثاني في مورد الاجتماع وتخصيصه الأول ـ فقد لا يعلم بالتكاذب بين الدليلين ، لإمكان مباينة أفراد العام الخارجية لأفراد الخاص لو كانا معا بنحو القضية الخارجية ، وملازمة عنوان أحدهما لعدم الآخر في الخارج ـ ولو اتفاقا ـ لو كانا بنحو القضية الحقيقية ، وعدم اتصاف شيء من أفراد الخاص الخارجية بعنوان العام لو كان العام بنحو القضية الحقيقية والخاص بنحو القضية الخارجية.

ومن الظاهر عدم الفرق في محل الكلام بين الخاص المطلق والخاص من وجه المفروض التقديم على العام. وعليه يبتني دخول الصورة الرابعة في محل الكلام ، لوضوح أن الخاص فيها لما كان بنحو القضية الحقيقية الشاملة لأفراد عنوانه الفرضية يكون أعم من وجه من العام المختص بأفراد عنوانه

١٠٩

الخارجية.

ودعوى : أن ذلك خارج عن فرض العموم والخصوص حتى من وجه ، لرجوع الاحتمال المذكور إلى احتمال التباين الموردي ، الذي لا تنافي معه بين الدليلين.

مدفوعة : بأن فرض العموم والخصوص في المقام إنما هو بلحاظ مفهوم كل من العنوانين ، لا بلحاظ الخارج ، وإلا لم يتجه فرضه في الصورة الرابعة ، لأن احتمال عدم اتصاف شيء من أفراد العام الخارجية بعنوان الخاص فيها مساوق لاحتمال التباين الموردي بين الدليلين وعدم التنافي بينهما أيضا.

وبالجملة : مجرد كون القضية حقيقية أو خارجية لا يصلح بنفسه معيارا في التكاذب بين الدليلين وعدمه اللذين يبتني عليهما التفصيل المذكور.

نعم ، ذكرنا في أول التفصيل الثاني أن العام لما كان ظاهرا بدوا في ثبوت حكمه لتمام أفراده فمقتضاه ثبوت تمام ما يعتبر في الحكم في جميعها ، المستلزم لعدم التنافي بينه وبين دليل اعتبار ذلك الشيء في الحكم ، بل يكون واردا على ذلك الدليل ومحرزا لثبوت موضوعه في أفراد العام ، فإذا قال : أكرم كل من يدخل بيتي ، وقال : لا يكرم الفاسق ، يكون مقتضى الأول أن كل من يدخل بيته غير فاسق ، فلا ينافي الثاني ، بل يكون واردا عليه.

كما ذكرنا هناك أنه لا مجال للبناء على ذلك في غالب عمومات الأحكام الشرعية ونحوها من الأحكام العامة ، لوضوح غلبة عدم التلازم خارجا بين العناوين المأخوذة في عمومات الأحكام المذكورة والامور المستفاد من الأدلة الأخر دخلها في تلك الأحكام ، بل لا بد من البناء على التنافي بين الدليلين والجمع بينهما بالتخصيص أو غيره ، إلا في بعض الموارد التي ذكرنا بعض الضوابط لها في ما تقدم فراجع.

أما عمومات الأحكام غير العامة فقد يمكن فيها ذلك ، من دون فرق بين

١١٠

أن تكون بنحو القضية الخارجية ، كما لو قال : أكرم من في الدار ، أم الحقيقية ، كما لو قال : أكرم من اجالسه ، حيث لا مجال للبناء على تخصيصهما بمثل : لا يكرم الفاسق ، مع احتمال أن كل من في الدار ليس بفاسق ، وأنه لا يجالس الفاسق ، بل حيث لا يحرز التنافي بين العمومين المذكورين وذلك الدليل يتعين العمل بالعمومين في تمام أفرادهما ، ويكونان دليلا على عدم اتصاف شيء منها بالفسق.

غاية الأمر أن الحكم في القضية الخارجية لما لم يكن عاما بسبب انحصار موضوعه بالأفراد الموجودة فكثيرا ما يتجه فيه ما سبق ، بخلاف الحكم في القضية الحقيقية ، فإنه كثيرا ما يكون عاما فلا يتجه فيه ما سبق.

كما أنهما يفترقان فيما لو علم باتصاف بعض أفراد العام بعنوان الخاص ، الذي يعلم معه بتخصيص العام في الجملة وعدم بقائه على عمومه ، حيث لا مجال غالبا لاحتمال تخصيص العام لو كان بنحو القضية الحقيقية بالإضافة لخصوصيات الأفراد المتصفة بعنوان الخاص ، لعدم انحصارها ، بل يكون التخصيص بالإضافة لعنوان الخاص الجامع لها على ما هي عليه من الكثرة وعدم الانحصار ، فيمتنع التمسك بالعام في الفرد المشتبه ، لما تقدم.

نعم ، لو كانت الأفراد المذكورة قليلة منضبطة فالأمر كما لو كان العام بنحو القضية الخارجية المنحصرة الأفراد ، التي كثيرا ما يتجه فيها احتمال التخصيص بالإضافة لخصوصيات الأفراد ، ويكون عنوانها المنافي للحكم تعليليا ، فيتجه التمسك بالعموم في الفرد المشتبه ، لرجوع الشك فيه للشك في زيادة التخصيص.

كما أنه لو تردد الأمر بين الوجهين تعين البناء على الثاني اقتصار على المتيقن من التخصيص.

لكن كثيرا ما يستفاد التخصيص بالنحو الأول حتى مع كون العام بنحو

١١١

القضية الخارجية أو الحقيقية غير العامة ، كما لو ورد التخصيص في المثالين السابقين بلسان : لا يكرم منهم من كان فاسقا ، أو : إنما يكرم منهم العادل.

وبالجملة : لا مجال لجعل الضابط في الفرق كون العام بنحو القضية الخارجية وكونه بنحو القضية الحقيقية ، بل الضابط فيه ما تقدم في التفصيل الثاني من صلوح العام لبيان عدم ثبوت المنافي للحكم في أفراده ، المستلزم لعدم التنافي بين الدليلين ، وعدم العلم بتخصيص العام ، أو العلم بتخصيصه في الجملة ولو بخصوصيات الأفراد ، من دون أن يحرز تخصيصه بالعنوان المنافي للحكم ، فيرجع الشك في اتصاف الفرد بالعنوان المنافي للشك في أصل التخصيص أو في زيادته بالإضافة إلى الفرد بخصوصيته ، الذي يصح فيه التمسك بالعام بلا كلام ، ويخرج عن الشك في مصداق الخاص الذي هو محل الكلام في المقام.

غاية الأمر أن العام إذا كان بنحو القضية الخارجية فكثيرا ما يحرز فيه ذلك. ولعل هذا هو الذي أوهم التفصيل المذكور.

وقد تحصل من جميع ما تقدم : أنه لا يتجه التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مطلقا ، وأنه لا يصح من التفصيلات المتقدمة إلا الأولان اللذان لا يرجعان حقيقة إلى التفصيل في ذلك ، بل إلى لزوم التمسك بالعام مع الشك في أصل التخصيص أو زيادته ، الذي هو خارج عن محل الكلام. وأن التفصيلين الأخيرين لا يتجهان إلا إذا رجعا إلى أحد الأولين. فلاحظ وتأمل جيدا. ومنه سبحانه نستمد العون والتوفيق.

١١٢

وينبغي التنبيه على امور ..

الأمر الأول : حيث ظهر مما تقدم أن المتجه من التفاصيل المتقدمة هو الأول والثاني فمن الظاهر اشتراكهما في أمر واحد ، وهو كون التخصيص المعلوم أو المحتمل ليس بالإضافة للعنوان الذي يشك في ثبوته للفرد ، بل بالإضافة إلى خصوصيات الأفراد ، بحيث يرجع الشك في حال الفرد للشك في التخصيص بالإضافة إليه بخصوصيته ، الذي يكون نفيه مقتضى أصالة العموم ، لا إلى الشك في انطباق عنوان الخاص عليه.

ومن هنا كان تشخيص موضوع التخصيص وأنه العنوان أو الفرد مهما جدا ، إذ كثيرا ما يغافل عن رجوع التخصيص للفرد ويتخيل رجوعه للعنوان بسبب اطراده في أفراده.

ولا مجال لإعطاء الضوابط العامة التامة له ، إذ كثيرا ما يخضع للقرائن الخاصة غير المنضبطة ، والتي يختلف تشخيصها باختلاف الموارد والأنظار ، وكثيرا ما يلتبس الحال في موردين ..

أحدهما : ما إذا كان العنوان تعليليا ، بأن يكون هو المنشأ للتخصيص بالإضافة إلى الفرد من دون أن يكون بنفسه موردا للتخصيص.

فإن الدخيل في موضوع الحكم وإن كان هو العنوان ، تبعا لدخل منشأ انتزاعه في الملاك ، وأخذ الفرد ليس إلا لاتصافه بالعنوان ، إلا أن المتكلم قد يأخذ الفرد موردا للتخصيص دون العنوان ، لأنه ليس بصدد بيان موضوع الحكم مع إيكال تشخيصه للمخاطب ، بل بصدد تشخيص الموضوع بنفسه ـ إما لأنه مما يرجع إليه فيه ، أو لتيسر تشخيصه عليه أو لغير ذلك ـ فلا بد له من بيان مورد العنوان الدخيل في الحكم ، وهو الفرد وجعله بنفسه طرفا للتخصيص ، ولا معنى مع ذلك لأخذ العنوان ، بكون العنوان تعليليا ، كما ذكرنا.

١١٣

ومن هنا التبس الأمر على غير واحد فادعى تخصيص عموم لعن بني أمية بغير المؤمن ، وعموم إكرام الجيران بغير الأعداء ، ونحو ذلك ، مع الغافلة عن أن مورد التخصيص في ذلك هو الأفراد ، دون العناوين ، على ما تقدم توضيحه في التفصيل الثاني.

ثانيهما : ما إذا كان العنوان انتزاعيا متفرعا على ثبوت الحكم لموضوعه ، على ما أطال الكلام فيه في التقريرات ، حيث لا مجال مع ذلك لأن يكون بنفسه دخيلا في متعلق الحكم المذكور ، كعنوان الصحيح والفاسد المجزي والمشروع وغيرها مما ينتزع من مطابقة الفعل للتشريع وعدمها ، وإن غفل عن ذلك غير واحد. فقد تقدم في أوائل مبحث الصحيح والأعم التعرض لتوهم بعضهم تقييد إطلاقات التشريع بناء على الأعم بالصحيح ، وأنه يمتنع لأجل ذلك التمسك بها مع الشك في الصحة ، وتكرر نظيره من صاحب الحدائق.

وقد سبق دفعه بما ذكرناه هنا من امتناع التقييد بالصحيح ، بل مقتضى الإطلاق صحة كل ما يحتمل فساده ما لم يدل الدليل على عدم مشروعيته بخصوصيته تقييدا لإطلاق دليل المشروعية.

نعم ، يمكن أخذها قيدا في غير أدلة التشريع مما يتضمن ترتيب الآثار على المسميات ، كتقييد ما تضمن أن تزويج البنت محرم لامها بالتزويج الصحيح ـ لو قلنا بأن المسمى هو الأعم ـ لعدم لزوم محذور أخذ المتأخر في المتقدم منه ، لأن العنوان المذكور متأخر رتبة عن تشريع العقد وتنفيذه ومنتزع منه ، لا عن ترتب الآثار الأخر عليه ، كما لعله ظاهر.

ثم إنه يترتب على عدم أخذ العنوان طرفا للتخصيص أنه لا مجال لإحراز دخول الفرد في التخصيص أو خروجه عنه بالأصل المحرز للعنوان أو لعدمه ، بل لا بد من إحرازه بطريق آخر ، ولو كان هو العموم نفسه ـ لو كان صالحا لإثباته ، على ما تقدم تقريبه في بعض الموارد ـ أو كان هو الأصل المحرز المنشأ انتزاعه

١١٤

لو كان انتزاعيا. فلاحظ.

الأمر الثاني : لا يخفى أن المخصص متصلا كان أم منفصلا ..

تارة : يتضمن تحديد موضوع حكم العام بحدود مفهومية. فالمتصل كالتخصيص بالوصف في مثل قولنا : أكرم العالم العادل. والمنفصل كتخصيص قولنا : أكرم العلماء بقولنا : إنما يكرم العالم العادل.

واخرى : لا يتعرض لحكم العام ولا لتحديد موضوعه ، بل لتحديد ما يخرج عنه ويكون موضوعا لحكم الخاص.

فالمتصل كالتخصيص بالاستثناء في مثل قولنا : أكرم العلماء إلا النحويين ، حيث لا يتضمن تحديد الباقي المحكوم بحكم العام ، بل تحديد الخارج عنه ، وهو المستثنى المحكوم بحكم الخاص.

والمنفصل كتخصيص عموم قولنا : أكرم العلماء بقولنا : لا يكرم النحوي ، ولا إشكال في أن هذا القسم يوجب تعنون موضوع حكم العام بالعنوان الخاص بنحو يمنع من ظهور العام في تعنونه بعنوانه لو كان متصلا ويوجب رفع اليد عن ظهوره في ذلك لو كان منفصلا.

لكن يظهر من استدلال بعض المحققين قدّس سرّه لعدم نهوض المخصص المنفصل ببيان تعنون موضوع حكم العام على خلاف مقتضى العام عموم ذلك لهذا القسم من المنفصل ـ وإن ذكره في القسم الثاني ـ قال : «لما أشرنا إليه سابقا من أن الواقع لا ينقلب عما هو عليه ، فما هو الموضوع لحكم العام بحسب الظهور المنعقد له يستحيل أن ينقلب عما هو عليه بسبب ورود كاشف أقوى ، بل يسقط عن الحجية في القدر المزاحم. لا يقال : يكشف المخصص عن أن الموضوع الحقيقي للحكم ما عدا الخاص ، لا أنه يوجب انقلاب الظهور ، ليقال : إنه محال.

لأنا نقول : ليس للموضوعية للبعث الحقيقي الموجود بوجود منشأ

١١٥

انتزاعه مقام إلا مقام تعلق البعث الإنشائي بشيء ، وجعل الداعي إلى غير ما تعلق به البعث الإنشائي محال ، لأنه مصداق جعل الداعي ، والمفروض تعلقه بهذا العنوان ، فصيرورته داعيا إلى غير ما تعلق به خلف محال ، فليس شأن المخصص إلا إخراج بعض أفراد العام وقصر الحكم على باقي الأفراد من دون أن يجعل الباقي معنونا بعنوان وجودي أو عدمي».

وكأنه يريد بذلك ـ على غموض في كلامه ـ أن البعث الحقيقي لما كان تابعا للبعث الإنشائي فموضوعه هو موضوع البعث الإنشائي المستفاد من الكلام ، وحيث كان المفروض تعلق البعث الإنشائي بعنوان العام وكان الغرض من تعلقه به داعويته له فلا مجال معه لفرض كونه داعيا إلى غيره ، لأنه خلف محال فيتعين البناء على بقائه على ما هو علة من داعويته إلى نفس عنوان العام ، كما هو مقتضى ظهوره ، فيكون عنوان العام هو الموضوع للبعث الحقيقي ، وإن لم يكن حجة في المقدار الخارج بالتخصيص ، عملا بأقوى الحجتين.

ومنه يتضح عدم الفرق بين أدلة التخصيص المنفصل وعدم اختصاص ذلك بالقسم الثاني منه بعد اشتراك القسمين في انعقاد ظهور العام في كون عنوانه تمام الموضوع.

وفيه : أن البعث الحقيقي وإن كان تابعا للبعث الإنشائي ، وكان الغرض من البعث الإنشائي جعل الداعي على طبقه ، إلا أن تبعية البعث الإنشائي لظهور العام متفرع على حجية العام في الكشف عن مراد المتكلم ، فمع فرض معارضة ظهور الخاص له في ذلك وتقديمه عليه يتعين رفع اليد عن ظهور العام في تحديد موضوع البعث الإنشائي ، فإن كان الخاص وافيا به كان هو الحجة في تعيينه ، ولا مجال معه للرجوع فيه للعام.

بل كيف يمكن الجمع بين فرض موضوعية عنوان العام لحكمه مع خروج بعض أفراده عنه ، إذ من المعلوم أن مرادهم بالموضوع ما هو كالعلة التامة

١١٦

للحكم بحيث لا ينفك عنه ، وقد تقدم منا نظير ذلك في رد نظيره الذي تقدم من بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه عند الاستدلال لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

نعم ، لو لم يكن مقتضى الجمع بين العام والخاص عدم مطابقة العام لمراد المتكلم ، بل يبقى ظهوره حجة عليه ، غايته أنه يحمل مراد المتكلم به على ضرب القاعدة الظاهرية عند عدم الدليل المخرج ، فيكون حكم العام ظاهريا لا واقعيا ، يتجه حينئذ البناء على كون عنوان العام تمام الموضوع لحكمه الظاهرى المذكور ، فيطابق ظاهره من كونه صادرا بداعي جعل الداعي ، ولا ينافيه الحكم الثابت في مورد الخاص ، لعدم التنافي بين الحكم الظاهري والواقعي.

لكن مرادهم بتعنون موضوع حكم العام هو موضوع حكمه الواقعي المستفاد بعد التخصيص ، الظاهري المذكور.

ومن هنا لا مخرج عما ذكرنا من صلوح الخاص في هذا القسم لبيان تعنون موضوع حكم العام بعنوانه بما له من حدود مفهومية.

وأما القسم الثاني فقد اختلفوا في مقتضى الجمع بينه وبين العام على أقوال واحتمالات ..

الأول : أنه يوجب تعنون موضوع حكم العام بعنوان وجودي مضاد لعنوان الخاص. ولعله المتراءى من بعض عبارات التقريرات ، كما ذكره سيدنا الأعظم قدّس سرّه.

الثاني : أنه يوجب تعنونه بكل عنوان مناف لعنوان الخاص ، كما يظهر من المحقق الخراساني قدّس سرّه. وأما حمل كلامه على أن كل عنوان مباين لعنوان الخاص لا ينافي حكم العام. فهو بعيد عن ظاهر كلامه غير مناسب للثمرة التي رتبها عليه.

الثالث : أنه يوجب تعنونه بعنوان عدمي نقيض لعنوان الخاص. وبه

١١٧

صرح بعض الأعاظم قدّس سرّه.

الرابع : أنه لا يقتضي تعنون موضوع الحكم بعنوان آخر غير عنوان العام ، بل يوجب خروج مورده عن عموم الحكم. وإليه ذهب بعض الأعيان المحققين وسيدنا الأعظم قدّس سرّهما ويناسبه ما تقدم من بعض المحققين من المحشين في القسم الأول.

لكن لا ينبغي التأمل في بطلان الأول ، لمخالفته للمرتكزات في فهم الأدلة ، لوضوح أن المدلول المطابقي للتخصيص في هذا القسم ليس إلا إخراج مورده عن حكم العام ، وهو لا يستلزم أخذ العنوان المضاد للخاص في موضوع حكم العام بنحو يكون دخيلا في ثبوته واقعا وفي التعبد به ظاهرا.

ولا سيما وأن العناوين المضادة للخاص قد تتعدد مع تلازمها ، والترجيح بينها في الموضوعية بلا مرجح ، والجمع بينها بلا فائدة ، فيمتنع للزوم اللغوية.

ومنه يظهر ضعف الثاني ، ومجرد ثبوت حكم العام مع أي عنوان يفرض لا يستلزم دخلها فيه ، كما هو الحال في جميع العناوين الملازمة لموضوع الحكم.

وأما الثالث فقد استدل عليه بعض الأعاظم قدّس سرّه بأنه حيث كان الإهمال في موضوع الحكم ممتنعا فموضوع حكم العام بالإضافة إلى عنوان الخاص إن كان ملحوظا بشرط شيء أو لا بشرط لزم التناقض والتهافت بين حكم العام وحكم الخاص ، فتعين لحاظه بشرط لا ، وهو المدعى ، لرجوعه إلى تقييد موضوعه بعدم عنوان الخاص.

وقد يجاب عن ذلك : بإمكان اشتمال ذات المطلق المحفوظة في أفراد عنوان العام على ملاك مقتض لحكمه ، مع اشتمال الواجد منها لعنوان الخاص على ملاك مقتض لحكم الخاص أيضا ، ومع أقوائية الثاني يثبت حكم الخاص للمقيد بما هو مقيد ، وإن كانت الذات المحفوظة فيه بما هي هي مشتملة على

١١٨

الملاك المقتضي لحكم العام. ومن هنا لا مانع من كون تمام موضوع حكم العام هو عنوانه مع ثبوت حكم الخاص لمورده.

لكنه كما ترى! فإن ذلك إنما يتم في العناوين الثانوية التي لا يكون موضوع الحكم وملاكه قاصرا عن موردها ، بل يكون طروها مانعا من فعلية الحكم مع تمامية مقتضبة ، وموردها خارج عن المتيقن من باب التخصيص وداخل في التزاحم الملاكي.

على أنه انما يقتضي إطلاق موضوع حكم العام الاقتضائي ، لا الفعلي الذي هو محل الكلام ، وإلا فعموم موضوع الحكم الفعلي لا يجتمع مع التخصيص. بل لا بد في مثل ذلك من الالتزام بأخذ عدم عنوان الخاص في موضوع حكم العام ، لأن عنوان الخاص لما كان من سنخ الرافع أو المانع كان عدمه متمما لموضوع الحكم ، كما يكون عدم المانع متمما للعلة في التكوينيات ، كما لا يخفى.

ويختص الإشكال بما إذا كان عنوان العام قاصرا عن الاقتضاء في مورد الخاص ، الذي هو المتيقن من باب التخصيص.

والذي ينبغي أن يقال : أنه لا إشكال في أن التخصيص يكشف عن عدم إطلاق موضوع حكم العام واختصاصه بفاقد القيد ، إلا أنه لا يستلزم أخذ عنوان نقيض الخاص قيدا في موضوع الحكم ، بحيث يكون سورا له ودخيلا فيه ، بل يمكن كون قصر الحكم عنه بنتيجة التقييد. فما هو الدخيل في موضوع حكم العام في مورد فقد عنوان الخاص ليس إلّا عنوان العام وإن لم يكن صالحا للتاثير في مورد عنوان الخاص. وليس ذلك لأخذ عنوان عدم الخاص متمما لموضوع حكم العام ، بل هو محض لازم مقارن مع كون تمام الموضوع في مورده المأخوذ من الشارع هو عنوان العام لا غير.

وحينئذ لا ملزم باستفادة تقييد موضوع حكم العام بعدم عنوان الخاص

١١٩

بعد أن لم يكن مفاد التخصيص المطابقي ولا الالتزامي إلا خروج مورد الخاص عن حكم العام وقصور ، عنوان العام عن تأثير حكمه في مورده ، بل يتعين اختصاص الموضوع العنواني بعنوان العام ، وإن لم يكن تمام الموضوع الحقيقي الذي هو بمنزلة العلة التامة يدور الحكم مداره وجودا وعدما ، لفرض قصوره في مورد الخاص. ولا يبعد رجوع ما ذكره سيدنا الأعظم قدّس سرّه لذلك.

بقي الكلام في ثمرة الأقوال في المقام ، وهي تظهر في التمسك بالاصول الموضوعية لإحراز حكم العام في الفرد المشتبه ، لوضوح أنه لا بد في ترتب الحكم الذى تضمنه الدليل عملا من إحراز موضوع حكمه ، ولا ينفع فيه إحراز غيره من العناوين ، وإن كان لازما للموضوع إلا بناء على الأصل المثبت.

وحينئذ يلزم في ترتيب حكم العام في المقام على الأول إحراز العنوان الوجودي المضاد للخاص ، وعلى الثالث إحراز العنوان العدمي ، وعلى الثالث يكفي إحراز أي عنوان مناف له وجوديا كان أو عدميا.

وهذا كله واضح ، إنما الإشكال على القول الرابع ، فقد صرح بعض الأعيان المحققين وسيدنا الأعظم قدّس سرّهما بامتناع التمسك بالأصل الموضوعي وجوديا كان أو عدميا ، وأن الأصل العدمي وإن كان ينفع في نفي حكم الخاص إلا أنه لا يقتضي إثبات حكم.

نعم ، لو لم يتضمن العام حكما ، بل مجرد نفي حكم الخاص ـ كما لو قيل : لا يجب إكرام العالم إلا العادل ـ لزم ترتبه ، كما نبه له سيدنا الأعظم قدّس سرّه.

لكن يصعب البناء على ذلك بالنظر للمرتكزات الاستدلالية ، فإذا قيل : يجب صلة كل فقير ، ثم ورد : يستحب صلة الفقير المكفي المئونة. فالتوقف عن وجوب صلة زيد مع استصحاب عدم كونه مكفي المئونة بعيد جدا ، ولا يظن منهما ولا من غيرهما البناء على ذلك في نظائره من الفقه.

بل قد جرى سيدنا الأعظم قدّس سرّه في مستمسكه على خلاف ذلك في جملة

١٢٠