المحكم في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٨

الثاني ، وقد يناسبه النظر في كلماتهم في بعض فروع الفقه.

وكيف كان ، فقد يدعى أن مقتضى إطلاق الواجب في كل دليل متكفل ببيان الموضوع هو التداخل والاكتفاء في امتثال التكليف الذي بصرف الوجود ولو مع تعدد الموضوع في الخارج ، لا لكون متعلق التكليف هو صرف الوجود ، لما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) وسبق منا في التنبيه الأول لمسألة المرة والتكرار من منع ذلك ، بل لأنه مع تعلق التكليف بالماهية المعراة عن كل قيد ـ كما هو مقتضى فرض الإطلاق ـ يتعين الاكتفاء في امتثاله بصرف الوجود ، لتحققها به.

لكن يظهر من تقرير بعض مشايخنا لدرس بعض الأعاظم (قدس سره) أن الاكتفاء بصرف الوجود في امتثال التكليف بالماهية إنما هو مع وحدة الطلب المتعلق بها ، أما مع تعدده ـ كما هو مقتضى ظهور كل دليل في تحقق التكليف تبعا لوجود موضوعه بنحو الانحلال ، المستلزم لتكثره بتكثر وجوده ـ فالمتعين عدم الاكتفاء بصرف الوجود ، بل لا بد من تعدد إيجادها تبعا لتعدد التكليف الوارد عليها.

وفيه : أولا : أنه يمتنع تعدد التكليف الوارد على الماهية المعراة عن كل قيد يقتضي تعدد المتعلق ، لقيام التكليف بالاعتبار العرفي ، والعرف لا يعتبر تعدد التكليف إلا في ظرف اختلاف ما يدعو إليه ، أما مع وحدته من جميع الجهات ، فيلغو اعتبار التعدد عرفا ، غايته أن يلتزم بتأكد التكليف حينئذ.

وإليه يرجع ما سبقت الإشارة إليه من استلزام تعدد الحكم مع وحدة متعلقه اجتماع المثلين ، لأن استحالة الاجتماع في الاعتباريات فرع عدم صحة اعتبار الأمرين عرفا ، وليس هو كامتناع الاجتماع في الامور الحقيقية

٥٦١

تابعا لجهة حقيقية يدركها العقل ، ليكون امتناع الاجتماع عقليا.

ومن هنا كان الظاهر أنه مع اجتماع الوجوب والاستحباب على متعلق واحد لا يلتزم بتعدد الطلب ، بل بتأكده ، لأن ما به الاشتراك بين الطلبين لا يقبل التعدد عرفا ، بل التأكد ، وإن كان الحكمان متباينين حقيقة وليسا متماثلين.

نعم ، لا بد من كونه لزوميا ، بلحاظ كون اللزوم ما يمتاز به الوجوب ، فيثبت تبعا لتحقق مقتضي الوجوب.

وبالجملة : لا بد مع وحدة المتعلق ـ وهو الماهية المطلقة ـ من وحدة الطلب.

أما مع تعدد الطلب فلا بد من تقييد الماهية بما يوجب التعدد ، ولو بتعدد الفرد أو الدفعة ، بحيث يكون المطلوب بكل من الطلبين مقيدا بكونه غير ما يمتثل به الآخر ، وإن كان مطلقا من سائر الجهات ، فالتباين بين متعلقيهما بمحض اختلاف التحصص ، لا بلحاظ اختلاف القيود والمقارنات الخارجية.

لكن لا إشكال في كون التقييد بذلك مدفوعا بالإطلاق المذكور ، وإن مقتضى الإطلاق هو التكليف بأصل الماهية الصادقة بصرف الوجود.

وأما ما عن بعض مشايخنا من تأييد ما سبق عن شيخه بثبوت النظير له في مثل ما إذا أتلف زيد من عمر درهما ثم اقترض منه آخر ، حيث تنشغل ذمته من طبيعة الدراهم بدرهمين قد استقل كل منهما بأمره ، ومثله ما لو فات المكلف صوم يومين حيث تنشغل ذمته بتكليفين كل منهما متعلق بقضاء يوم من دون تميز لمتعلق كل من الحكمين في الموردين ، ولذا تبرأ الذمة من أحد التكليفين بفعل فرد واحد من دون حاجة إلى تمييزه.

٥٦٢

فهو كما ترى! لا يشهد بتعدد الطلب مع وحدة المطلوب وهو الماهية المطلقة ، بل بكفاية تعدد الفرد في التعدد المعتبر في المتعلق من دون حاجة إلى مميز زائد على ذلك ، وهو مما لا إشكال فيه ، كما لا إشكال في كونه نحوا من التقييد المدفوع بإطلاق الواجب ، كما ذكرنا.

وثانيا : أنه لو أمكن تعدد الطلب مع وحدة المطلوب ، وهو الماهية المطلقة فلا ملزم بتعدد الامتثال بالتكرار ، لأن كل طلب إنما يدعو إلى نقض عدمها ، الحاصل بصرف الوجود وبالفرد الواحد ، وحكم العقل بالامتثال لا يقتضي أكثر من تحقيق ما يدعو إليه الطلب.

ولذا لا إشكال في الاكتفاء به مع تعدد الطالب وصحة اعتبار تعدد التكليف عرفا ، بلحاظ اختلاف طرف النسبة الطلبية ومع ذلك يكون مقتضى إطلاق المطلوب في كل منهما الاكتفاء بصرف الوجود ، ولا يحتاج إلى التعدد إلّا مع التقييد بما يناسب تعدد الفرد ، الذي سبق أنه مدفوع بالإطلاق.

وبالجملة : الاكتفاء بصرف الوجود مع وحدة الطلب ، ولزوم تعدد الامتثال بتعدد الفعل مع تعدد الطلب ، ليس لمحض حكم العقل مع وحدة المتعلق في مقام الجعل في الموردين ، بل لاختلاف المتعلق ، فهو مع وحدة الطلب الماهية المطلقة التي يكفي في تحقيقها صرف الوجود ، ومع تعدده الماهية المقيدة بما يستلزم التعدد ، بحيث لا يتحقق الامتثال إلّا به.

ومن ذلك يظهر الإشكال فيما ذكره غير واحد في تحرير محل الكلام من أن الكلام يقع تارة : في تداخل الأسباب ، فيرجع إلى أن تعدد وجود الموضوع في الخارج هل يوجب تعدد الحكم أولا؟ والمرجع فيه ظهور الدليلين ، ومع فقده فالأصل التداخل والاقتصار في التكليف على

٥٦٣

المتيقن ، وهو الواحد.

واخرى : في تداخل المسببات ، فيرجع إلى أنه بعد فرض تعدد الحكم تبعا لتعدد الموضوع هل يلزم تعدد الفعل الممتثل به ، أو لا بل يكفى في امتثال التكاليف المتعددة فعل واحد؟ ومع الشك فالمتعين البناء على عدم التداخل ، للشك في سقوط التكاليف المتيقنة بالفعل الواحد ، بل مقتضى قاعدة الاشتغال عدمه.

ولا مجال للرجوع فيه لظهور الدليل بعد كونه من شئون الامتثال ، لا من شئون الجعل الذي يتكفل به الدليل ، كما هو الحال في المقام الأول.

وجه الإشكال : أنه بعد ما سبق من امتناع تعدد التكليف مع وحدة المتعلق ، وهو الماهية المطلقة ، وانه لا بد من تعدده معه بتقييد الماهية في كل منهما بما يقتضي التباين بين المتعلقين ويستلزم امتثال كل من التكليفين بفرد مباين لما يمتثل به الآخر ، يمتنع البناء على عدم التداخل في الأسباب مع التداخل في المسببات.

إذ مع وحدة المتعلق يتعيّن وحدة التكليف ، الراجع للتداخل في الأسباب ، فيلزم الاكتفاء في امتثاله بصرف الوجود ، ومع تعدد التكليف بتعين تعدد المكلف به وعدم الاجتزاء في الامتثال بالفرد الواحد ، بل لا بد من التعدد الراجع لعدم التداخل في المسببات.

إلّا أن يكون الاجتزاء بالفرد الواحد لإسقاط أحد التكليفين ، لا بامتثاله ، وهو خارج عن محل الكلام. مع أنه لو فرض إمكان تعدد التكليف مع وحدة المكلف به فقد سبق أن اللازم الاكتفاء في امتثال التكليفين بصرف الوجود ، ولا مجال معه لقاعدة الاشتغال بالتكليف.

٥٦٤

نعم ، قد يتجه البحث في المقامين المذكورين فيما لو كان ترتب التكليف على الموضوع بتوسط أثر يستتبع التكليف ، كما في ترتب التكليف بأسباب الطهارات على تحقق سبب الحدث ، حيث يتجه فيه الكلام.

أولا : في تعدد الحدث بتعدد سببه ، الراجع للكلام في تداخل الأسباب.

وثانيا : في لزوم تعدد المطهر ـ كالغسل ـ في فرض تعدد الحدث ، أو عدمه والاكتفاء في إزالة الأحداث المتعددة بالمطهر الواحد ، الراجع للكلام في تداخل المسببات.

لكن الثاني ـ كالأول ـ حيث كان تابعا للجعل الشرعي يتجه الرجوع فيه لأدلته ، وليس هو من شئون الامتثال ، لينحصر المرجع فيه بقاعدة الاشتغال.

ويأتي تفصيل الكلام فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ بعد الكلام في التكليف ونحوه ـ كالضمان ـ الذي هو عمدة الكلام في المقام.

هذا ، وحيث سبق أن مقتضى إطلاق متعلق الحكم هو التداخل فاللازم النظر فيما يخرج به عن الإطلاق المذكور ، فاعلم أنه حيث سبق امتناع تعدد الحكم مع وحدة متعلقه ، وهو الماهية المطلقة التي يقتضيها الإطلاق ، بل اللازم مع ذلك وحدة الحكم ، كان لازم الإطلاق المذكور استناد الحكم لأسبق الموضوعات وجودا ، أما اللاحق فهو لا يستلزم حدوث الحكم ، بل يكون خاليا عن الأثر لو لم يقبل الحكم التأكد ـ كالضمان ـ وإن كان الحكم قابلا له ـ كالتكليف ـ يكون أثر الموضوع اللاحق تأكيده ، من دون أن يستند إليه حكم حادث بحدوثه.

ومن الظاهر أن ذلك مخالف لظاهر دليل موضوعية الموضوع وسببية

٥٦٥

السبب ، لظهور القضية الشرطية والحملية الحقيقية ونحوهما مما يتضمن سببية الموضوع للحكم في ترتب الحكم على الموضوع ، بحيث يستند إليه حدوثه بعد العدم ، لا ما يعم تأكيد حكم سابق عليه ، فضلا عن عدم ترتب شيء عليه أصلا لو لم يقبل الحكم التأكيد ، كما لا إشكال ظاهرا في أن الظهور المذكور أقوى من الإطلاق المتقدم ، فيقدم عليه ، ويلتزم بتقييد المتعلق بما يستلزم التعدد ، ليمكن تعدد الحكم وتجدده بتجدد الموضوع.

وأما ما قيل : من أن الأسباب ليست أسبابا حقيقية ، بل معرفات ، فيمكن تعدد المعرّف مع وحدة المعرف.

فقد سبق عند الكلام في ظهور الشرطية في العلية أنه إن رجع لعدم موضوعيتها في الحكم فهو خلاف ظاهر الأدلة ، وإن رجع إلى كونها معرفات عن الملاكات مع موضوعيتها ، فهو لا ينافي ما ذكرناه من ظهور الكبريات الشرعية في ترتب الأحكام عليها وحدوثها بحدوثها.

على أنه لو فرض كونها معرفات فهي معرفات لحدوث الحكم مقارنا لها ، المستلزم لتعدد الحكم الحادث بتعاقبها ، ولا مجال لاحتمال كونها معرفات عن وجود الحكم في الجملة ولو سابقا عليها.

هذا كله في فرض تعاقب وجود الأسباب ، أما في فرض تقارنها فلا بد في عدم التداخل مع ما ذكرنا من ظهور دليل السببية في استقلال السبب في التأثير في المسبب ، حيث لا بد معه من تعدد المسبب ، ليستقل كل سبب بأثره ، أما لو لم يتم الظهور المذكور فمجرد ظهور الدليل في تأثير السبب وترتب المسبب عليه لا يقتضي تعدد المسبب ، لإمكان اشتراك كل من السببين في مسبب واحد يستند إليهما ويترتب عليهما ، ويلزم التداخل.

٥٦٦

وأما ما يظهر من التقريرات من أن ذلك هو مقتضى فرض كونه سببا تاما لا يتوقف ترتب المسبب عليه على انضمام غيره إليه ، وأن السبب ليس هو المركب من الأمرين.

فهو كما ترى! لأن عدم استقلال السبب بالتأثير يكون تارة : لقصور فيه ، بحيث يحتاج تأثيره إلى انضمام شيء آخر إليه واخرى : لقصور في المسبب ، لوحدته واجتماع الأسباب المتعددة عليه ، حيث لا بد من استناده لمجموعها وعدم استقلال كل واحد منها به ، وإن كان كافيا في ترتبه لو انفرد.

والمفروغية في المقام عن كون الموضوع سببا تاما إنما تنافي الأول الذي يكفي في منعه ظهور الأدلة في فعلية ترتب المسبب عليه وحدوثه بحدوثه ، دون الثاني الذي يتوقف عليه عدم التداخل في محل الكلام.

بل لا بد فيه من ظهور الأدلة ـ مضافا إلى ذلك ـ في كون المترتب فرد مستقل من الحكم ، بحيث لا يشركه في التأثير فيه سبب آخر حتى لو اجتمع معه ، ولا تلازم بين الأمرين.

فالعمدة في ذلك : أن الدليل المتكفل بسببية السبب كما يظهر في تأثيره في المسبب وترتبه عليه كذلك يظهر في استقلاله به ، لأن ذلك هو مقتضى طبع السبب التام السببية ، وإنما تشترك الأسباب التامة في مسبب واحد لعدم قابلية المسبب للتعدد المانع من تمامية مقتضاها ، كما لو ضرب الزجاج دفعة ضربتين تصلح كل منهما لكسره ، حيث لا يستقل كل منهما بالكسر في ظرف تقارنهما وإن استقل في ظرف انفراده.

وحيث كان عدم الاستقلال في مثل ذلك للمانع فهو لا ينافي ظهور

٥٦٧

الدليل في نفسه في الاستقلال بنحو يرفع به اليد عما تقدم من إطلاق المتعلق.

ثم إن تحقق موضوع المسألة ـ وهو تعدد الأسباب ـ مع تعدد أفراد سنخ واحد يبتني على أخذ الموضوع بنحو الانحلال ، بحيث يكون كل فرد موضوعا مستقلا ، لظهور دليل السببية في ذلك ، لا في كون الدخيل في الحكم هو مطلق الوجود الناقض للعدم المطلق لماهية السبب ، الذي لا يقبل التعدد والتكرار ، وهو مما يختلف باختلاف الأدلة.

إلّا أن المفروض في محل الكلام ذلك ، ولذا لو تجدد الموضوع بفرد آخر بعد امتثال الحكم المسبب عن الفرد الأول لاقتضى تجدد الحكم ولزوم الامتثال بفرد آخر بلا إشكال ظاهر ، مع أنه لو اخذ الموضوع بالنحو الآخر لم يكن الوجود اللاحق موردا للأثر حتى بعد الامتثال ، لعدم ناقضيته للعدم المطلق.

ومنه يظهر أنه لا مجال للتفصيل في التداخل وعدمه بين تعدد الموضوع من سنخ واحد ومن سنخين ، كما تقدم عن الحلي ، إذ مع أخذ الموضوع بنحو الانحلال يتعين عدم التداخل ، ومع أخذه بالنحو الآخر يخرج عن مسألة تداخل الأسباب ، ويتعين عدم تأثير الفرد اللاحق حتى بعد امتثال الحكم المسبب عن الفرد السابق ، وهو مخالف لمفروض الكلام في المقام.

هذا ، ومن جميع ما تقدم يظهر أن البحث في المسألة من مباحث الألفاظ ، المبتنية ثبوتا على تشخيص الظهور ، فالتداخل يبتني على ظهور الواجب في الإطلاق ، كما أن عدمه يبتني على ظهور دليل السببية في السببية المطلقة بالنحو المقتضي لكون المترتب على وجود الموضوع هو الحكم المستقل مطلقا وكان مسبوقا بوجود مثله تبعا لوجود موضوع سابق ، وفي أخذ الموضوع بنحو الانحلال.

٥٦٨

ولا مجال مع ذلك لما في التقريرات من أن النزاع في هذه المسألة إنما يؤول إلى النزاع في اقتضاء معنى السببية عند التعدد تعدد المسببات ، وإن لم يكن ذلك المعنى مدلولا عليه بدلالة لفظية ، كما إذا قام الإجماع على سببية أمرين لوجوب شيء ، ولا يبتني على تحقيق مفاد الإطلاق.

إذ فيه : أن السببية تختلف باختلاف الموارد ، والقطع بثبوتها في الجملة لا يكفي في البناء على التداخل أو عدمه بل لا بد في البناء على أحد الأمرين من الرجوع لظواهر الأدلة ، فما لم يتم ظهور دليل السببية في السببية المطلقة وفي أخذ الموضوع بنحو الانحلال لا مجال للبناء على عدم التداخل ، بل يتعين البناء على التداخل عملا بإطلاق الواجب.

هذا ، ولو لم يكن للواجب إطلاق حينئذ كان مقتضى الأصل التداخل ، لوضوح أن مقتضى أصل البراءة الاقتصار في التكليف على المتيقن ، وهو التكليف الواحد الذي يكفي في امتثاله الفرد الواحد.

ولا مجال معه لقاعدة الاشتغال ، لأن الشك في الفراغ ليس للشك في امتثال تكليف معلوم ، بل للشك في ثبوت التكليف الزائد.

ودعوى : أن المقام يبتني على الكلام في مسألة الأقل الأكثر الارتباطيين ، لأن تعدد التكليف لما كان مستلزما لتقييد المكلف به بما يقتضي التعدد يكون احتماله مستلزما للشك في تقييد المكلف به الذي هو موضوع تلك المسألة.

مدفوعة : بأن الشك في التقييد إنما يكون موضوعا للمسألة المذكورة إذا كان التقييد المحتمل ناشئا من دخل القيد في الغرض الذي هو منشأ للتكليف المتيقن ، دون مثل المقام مما كان منشأ التقييد تعدد الغرض المستتبع لتعدد التكليف والمكلف به ، من دون أن يؤخذ في أحد التكليفين أو كليهما

٥٦٩

خصوصية زائدة على الماهية دخيلة في الغرض ، فيكون الفرد الواحد محققا لأحد الغرضين قطعا حتى لو كان التكليف متعددا.

ومنه يظهر أنه في مورد عدم التداخل يكون الإتيان بفرد واحد موجبا لسقوط أحد التكليفين ، لأنه وإن لم يكن امتثالا لأحد التكليفين بخصوصه ، لعدم المرجع له بعد صلوح الفرد المذكور لأن يقع امتثالا لكل منهما ، إلّا أن عدم دخل الخصوصية في الغرض وعدم التميز بين موضوعي الغرضين ثبوتا بأكثر من تعدد الوجود مستلزم لسقوط أحد الغرضين بالإتيان بأحد الفردين قهرا ، المستلزم لسقوط أحد التكليفين وبقاء التكليف بفرد واحد كما يتضح بالقياس على الإرادة التكوينية المتعلقة بالوجود المتعدد بنحو الانحلال دون الارتباطية.

واعتبار قصد خصوص أحد الأمرين في امتثاله محتاج إلى دليل خاص دال على دخل القصد المذكور في ترتب غرضه ، والإطلاق والأصل يدفعان ذلك.

نعم ، لو اختص امتثال أحد التكليفين بأثر ـ كما في من عليه صوم يوم من سنته وأخر من السنة السابقة ، حيث يكون أثر قضاء الأول قبل مجيء رمضان اللاحق عدم ثبوت الفدية ـ يتعين توقف ترتب الأثر المذكور على سقوط خصوص أمره إما بقصد امتثاله بالفرد الأول ، أو بالإتيان بالفردين الموجب لحصول كلا الغرضين وسقوط كلا الأمرين ، فتأمل جيدا.

بقي في المقام امور :

الأول : إذا كان الحكم غير قابل للتعدد لوحدة متعلقه ، فإن لم يقبل التأكيد فلا إشكال في استناده لأسبق الأسباب ، واحدا كان أو متعددا ، من

٥٧٠

دون أثر للاحق.

وإن كان قابلا له لم يبعد البناء عليه ، لأنه بعد تعذر البناء على مقتضى ظهور دليل سببيته في ترتب حكم مستقل عليه لم يبعد التنزل إلى تاثيره تأكيد الحكم الواحد ، كما هو مقتضى طبع السببية في مثل ذلك وهو أقرب عرفا من رفع اليد عن ظهور الدليل في تأثير المتأخر رأسا تخصيصا لعموم السببية.

بل لا ينبغي التأمل في تعينه مع تقارن السببين ، لأن اشتراك المتقارنين في المسبب الواحد ليس إلّا لأنه مقتضى طبع السببية ، وهي تقتضي التأكيد مع قابلية المسبب له.

الثاني : ما تقدم إنما هو مع اتحاد متعلق التكليف المسبب عن الأسباب المتعددة مفهوما ومصداقا ، أما إذا اختلف المتعلق مفهوما ولو بلحاظ اختلاف القيود المأخوذة في الماهية الواحدة ، فإن كان المتعلقان متباينين موردا ، كما لو كان الواجب في أحدهما الصدقة بدرهم ، وفي الآخر الصدقة بديا نار فلا إشكال في عدم التداخل.

وإن كانا متصادقين موردا في الجملة فالنسبة بينهما تكون تارة : العموم من وجه ، كما لو كان الواجب في أحدهما إكرام العالم في الآخر ضيافة الهاشمي ، حيث يجتمعان في إكرام عالم هاشمي بالضيافة.

وأخرى : العموم المطلق ، كما لو كان الواجب في أحدهما عتق مطلق الرقبة ، وفي الآخر عتق خصوص المؤمنة.

وثالثة : التساوي ، كما لو كان الواجب في أحدهما لبس الخاتم وفي الآخر لبسه ، مع فرض كون الاختلاف بينهما معنويا ، لتعلق كل من الغرضين بإحدى الخصوصيتين ، فتكون هي مورد التكليف دون الاخرى ، وإن كانت

٥٧١

ملازمة لها ، لا لفظيا محضا راجعا إلى سوق إحداهما في الدليل كناية عن الاخرى ، وإلا لم يكن بين الواجبين اختلاف مفهومي ، وخرج عما نحن فيه ودخل فيما سبق.

أما في الاولى فالظاهر أنه لا مانع من التداخل ، بمعنى إمكان امتثال كلا الأمرين بفرد واحد من مورد الاجتماع ، عملا بإطلاق الواجب في كل منهما ، ولا ينهض إطلاق دليل السببية بالخروج عنه ، إذ لا مانع من تأثير كل سبب لحكمه المستقل بعد اختلاف متعلقي الحكمين مفهوما وموردا.

ومجرد اجتماع العنوانين في بعض الأفراد لا يمنع من إطلاق كل منهما بنحو يشمل محل الاجتماع ، لوجود الأثر المصحح للتكليف بكل منهما على إطلاقه ، بلحاظ إمكان الامتثال بالفرد الذي به الافتراق ، ولا ملزم بالتقييد في كل منهما بما إذا لم يمتثل به الآخر ، لإمكان وفاء المجمع بكلا الغرضين الموجب لسقوط كلا الأمرين وتحقق امتثالهما به.

وبعبارة أخرى : قد سبق أن محذور اجتماع المثلين مع تعدد التكليف بالماهية الواحدة راجع إلى عدم اعتبار العرف تعدد التكليف من إلّا في ظرف تعدد ما يدعو إليه كل منهما ، ولا مجال لذلك في المقام بعد اختلاف ما يدعو إليه كل منهما في الجملة وانطباقه على ما لا ينطبق عليه الآخر ، وإن تطابقا في بعض الأفراد ، لأن تطابقهما فيه وإن اقتضى دعوة كل منهما إلى وجوده ، إلّا أن كلا منهما إنما يدعو إليه بنحو البدلية بينه وبين ما به الافتراق من كل من المتعلقين ، فاختلاف نحو داعويتهما إليه باختلاف طرف البدلية.

نعم ، لو كان كلا التكليفين استغراقيا انحلاليا اتجه امتناع تعدد الحكم فيه ، لداعوية كل منهما إليه عينا ، ولا أثر لانضمام غيره إليه في داعوية

٥٧٢

التكليف له ، فاتحد نحو الداعوية.

ولأجل ذلك لا يبعد البناء على التداخل في الثانية أيضا ، لأن الأخص وإن كان مدعوا إليه بكل من التكليفين ، إلّا أن التكليف الوارد عليه يدعو إليه عينا ، والتكليف الوارد على العام يدعو إليه بنحو التخيير والبدلية ، فاختلف نحو داعويتهما إليه ، فلا يلغو التكليف بكل منهما على إطلاقه ، ليتعين تقييد كل منهما بما يباين الآخر المستلزم لعدم التداخل ـ محافظة على تعدد التكليف الذي هو مقتضى إطلاق دليل السببية.

ومما تقدم في هاتين الصورتين يظهر أن مقتضى القاعدة البناء على التداخل لو كان التكليفان تخييريين مشتركين في بعض الأطراف وينفرد كل منهما بطرف ، أو كان أحدهما تخييريا والآخر تعيينيا متعلقا بأحد أطراف التخيير ، كما لو خير في أحدهما بين العتق والصدقة ، وألزم في الآخر بالعتق ، أو خير بينه وبين الصوم.

بل يتعين ذلك في جميع موارد اختلاف نحو تعلق الحكم بالمتعلق الواحد ، ككونه مطلوبا استقلاليا في أحدهما وضمنيا في الآخر ، وغير ذلك.

وأما الثالثة فقد يمنع التداخل فيها ، لامتناع تعدد التكليف بالعنوانين مع التلازم بينهما خارجا ؛ للغويته ، بسبب كفاية امتثال أحدهما في تحقق متعلق الآخر ، بل لا بد في تعدد التكليفين الذي هو مقتضى إطلاق دليل السببية من تقييد متعلق كل منهما بما يقتضى تعدد الامتثال ، كما في صورة اتحاد متعلقي التكليفين مفهوما.

لكنه يشكل : بأن التلازم بين الواجبين لا يمنع من تعدد التكليف بهما عرفا ، لأن كلا منهما إنما يدعو إلى متعلقه ذاتا وإلى لازمه تبعا ، فاختلف

٥٧٣

سنخ الداعوية ، بل ليست الداعوية التبعية داعوية حقيقية.

وفائدة تعدد التكليف تبعا لتعدد الملاك تعدد ما يستتبعه من إحداث الداعي العقلي والعقاب والثواب ، فيكون أدعى للامتثال ، كتأكيد التكليف الواحد. ولذا يصح عرفا نسبة التكليف إلى كل منهما ، لا إلى خصوص أحدهما ، لعدم المرجح ، ولا إلى قدر مشترك بينهما ، لعدم إدراك العرف له.

وإنما الممتنع هو اختلاف المتلازمين في الحكم الفعلي ، إذ مع تعذر الجمع بينهما ، لكون كل منهما اقتضائيا على خلاف مقتضى الآخر يلغو جعلهما معا ، بل قد يستلزم التكليف بما لا يطاق ، كما لو كان أحدهما وجوبيا والآخر تحريميا ومع إمكان الجمع بينهما لكون أحدهما اقتضائيا دون الآخر يلغو جعل غير الاقتضائي ، لعدم صلوحه لمزاحمة غير الاقتضائي.

نعم ، قد يتجه ما ذكر من امتناع تعدد التكليف لو كان ما ينطبق عليه العنوانان في الخارج أمرا واحدا ، لا أمرين متلازمين ، كما لو وجب إكرام أصغر أولاد زيد ، وأكبر أولاد هند ، واتحدا في الخارج ، حيث يتجه لزوم وحدة التكليف ونسبته للذات التي هي مجمع العنوانين ، ويتوقف تعدد التكليف على التقييد بما يقتضى تعدد الامتثال المستلزم لعدم التداخل.

وقد تحصل من جميع ما تقدم : أن مقتضى إطلاق المتعلق في الأقسام الثلاثة التداخل ، وإطلاق دليل السببية لا ينهض بالخروج عنه في الأولين ، لأن اجتماع العنوانين في بعض الأفراد لا يمنع من تعدد الحكمين ، وكذا في الثالث لو كان ما ينطبق عليه العنوانان متلازمين في الخارج من دون أن يتحدا ، لعدم المحذور في تعدد حكم المتلازمين.

فلا بد في البناء على عدم التداخل فيها من قرينة أخرى مخرجة عن

٥٧٤

مقتضى إطلاق المتعلق ، ولا ضابط لذلك ، بل يوكل للفقه.

نعم ، كثيرا ما تقوم القرينة على كون الواجبات المسبب وجوبها عن الأسباب المختلفة ماهيات شرعية متباينة في أنفسها ، نظير تباين صلاتي الظهر والعصر ، وحجة الاسلام وغيرها ، وأقسام الكفارات ، وإن اشتركت في الأجزاء والشرائط ، وليس تباينها لمجرد تعدد الأمر بها أو اختلاف سبب الأمر ولازم ذلك عدم انطباقها على فرد واحد في الخارج ليمكن أن يمتثل به أوامرها المتعددة.

وهذا أمر خارج عن محل الكلام ، لأن الكلام في مفاد نفس القضية المتكفلة ببيان موضوعية الموضوع للتكليف مع قطع النظر عن القرائن الخارجية.

الثالث : أشرنا آنفا إلى أن محل الكلام في التداخل وعدمه ما إذا كان التكليف مسببا عن الموضوع بالمباشرة ، دون ما إذا كان مسببا عنه بتوسط أثره ، كما في أسباب الخبث والحدث بالإضافة إلى وجوب التطهير بالغسل أو الوضوء والغسل ، لوضوح أن موضوع التطهير هو الخبث والحدث المسببان عن أسبابهما المعهودة ، لا نفس حدوث تلك الأسباب.

وحينئذ نقول : إذا ورد : من بال فليتوضأ ، ومن نام فليتوضأ ، فمقتضى إطلاق المأمور به هو الاكتفاء بوضوء واحد بحدوث كل من السببين ، ولا ينهض إطلاق دليل السببية برفع اليد عن مقتضى الإطلاق المذكور ، لأن سببية كل من النوم والبول لوجوب الوضوء لما كان بتوسط سببيتهما للحدث فمقتضى إطلاق سببيتهما إنما هو تعدد الحدث المسبب عن كل منهما ، وحيث لا مانع من رفع الحدث الواحد للاحداث المتعددة فلا ملزم بالخروج

٥٧٥

عن إطلاق الوضوء في الدليلين المقتضي للتداخل.

ودعوى : أن ذلك إنما يتجه لو لم يتضمن الدليلان إلّا بيان السببية ، كما لو قيل : من بال فالوضوء رافع لحدثه ، ومن نام فالوضوء رافع لحدثه ، أما إذا تضمن الأمر بالوضوء بسبب الحدث فيجري ما سبق في وجه عدم التداخل ، لأنه لو لم يكن الوضوء الواجب بكل منهما ما يباين الآخر ، بل مطلق ماهيته لم يكن الحدث الثاني موجبا لحدوث الأمر المستقل بالوضوء ، لما سبق من امتناع تعدد الأمر مع وحدة المتعلق ، بل غايته تأكيد الأمر الأول ، وهو ـ كما سبق ـ مخالف لظاهر إطلاق دليل السببية.

مدفوعة : بأن الأمر المذكور إن كان للإرشاد إلى كون السبب محققا للحدث الذي يرفعه الوضوء ـ كما هو الغالب ـ فمن الظاهر أن ما سيق الكلام له ـ وهو الحدث ـ متعدد ولو مع وحدة الوضوء.

وإن كان لبيان الأمر المولوي برفع الحدث المسبب عن السبب المذكور نفسيا ـ كما في الأمر بالكون على الطهارة ـ أو غيريا ـ لتوقف مثل الصلاة عليه ـ فهو غيري بلحاظ مقدمية الوضوء لرفع الحدث المطلوب ، ولا مانع من تعدد الأمر الغيري بالمقدمة الواحدة مع تعدد ذي المقدمة ، لأن داعويته في طول داعوية الأمر النفسي وبينهما نحو من الارتباطية ، فمع تعدد الأمر النفسي لتعدد ذي المقدمة تختلف نحو داعوية الأمرين بالمقدمة ، وقد سبق أنه لا محذور في تعدد الأمر مع اختلاف نحو الداعوية.

هذا بناء على ثبوت الأمر الغيري المولوي ، وأما بناء على عدمه وأنه ليس الأمر بالمقدمة إلّا عقليا لأنها من شئون إطاعة الأمر النفسي ـ كما هو التحقيق ـ فالأمر أظهر ، حيث ليس في البين إلّا أمرين نفسيين برفع كل من

٥٧٦

الحدثين ، إذ لا مانع من تعدد الأمر مع تعدد المأمور به ولو مع التلازم بين المتعلقين ، نظير ما تقدم في الصورة الثالثة من الأمر السابق.

نعم ، لو لم يكن الأمر غيريا لرفع الأثر ـ كالحدث في المثال السابق ـ بل نفسيا بسبب تحقق الأثر من دون أن يراد به رفعه ، كما لو قيل : من بال فليتصدق بدرهم ، ومن نام فليتصدق بدرهم ، كان الأصل عدم التداخل ؛ لعين ما سبق ، ولا أثر لتوسط الأثر حينئذ إلّا أن يثبت من الخارج وحدة الأثر ، فيلزم عدم تاثير السبب اللاحق فيه ، فلا تعدد في موضوع التكليف ، فيكون نظير فعل المفطر في نهار شهر رمضان بالإضافة إلى الكفارة ، الذي فهم من الأدلة أن موضوعيته للكفارة بلحاظ مبطليته للصوم غير القابلة للتعدد.

وكذا لو ثبت تعدد الأثر وعدم سببية اللاحق للتكليف المستقل ، وكلاهما مخالف لإطلاق دليل السببية ، لما تقدم من أن مقتضاه تأثير كل سبب لفرد مستقل من المسبب.

الرابع : قد ظهر من جميع ما سبق أن التداخل في مورد يبتني إما على وحدة متعلق التكليف ـ وهو الماهية المطلقة ـ المستلزمة لوحدة التكليف واستناده لأسبق الأسباب ، وإما على تعدده وتعدد التكليف تبعا له مع حصول المتعدد بفعل واحد يمتثل به التكاليف المتعددة ، وعلى كلا الوجهين يتعين كون التداخل عزيمة بمعنى عدم مشروعية تكرار الامتثال بفعل آخر ، إذ لا موضوع للامتثال بعد سقوط الأمر الواحد أو الأوامر المتعددة بالفعل الأول.

ولا يتعقل كونه رخصة يشرع معه تكرار الامتثال ، كما قد يتردد في بعض الكلمات ، إذ لا امتثال إلّا في فرض وجود الأمر ، ومع فرض وجوده بعد الفعل الأول لا تداخل.

٥٧٧

نعم ، لو ابتنى التداخل على تعدد الأمر تبعا لتعدد متعلقه مع تحقق المتعلق المتعدد بالفعل الواحد ـ كما هو مبنى الوجه الثاني ـ فلو كان سقوط أحد الأمرين أو كليهما مشروطا بقصد امتثاله يتعين عدم سقوط ما لم يقصد امتثاله ويلزم تكرار الفعل بقصده ، كما ذكره في التقريرات.

لكنه راجع إلى التفصيل في التداخل وتوقفه على قصد الامتثال ، لا على كون التداخل في ظرف ثبوته رخصة لا عزيمة.

وكذا لو فرض التداخل بأحد الوجهين السابقين ، مع استحباب التكرار لتعدد الأسباب ، حيث لا يكون التداخل رخصة ، بل عزيمة بالإضافة إلى التكليف المسبب عن السببين ، وإنما يكون التكرار لامتثال الاستحباب المفروض من دون تداخل فيه.

٥٧٨

الفصل الثاني

في مفهوم الوصف

وقع الكلام في أن أخذ الوصف في موضوع الحكم هل يدل على إناطته به وانتفائه بانتفائه ، أو لا ، بل على مجرد ثبوته في ظرف ثبوته.

وكلامهم في تحديد محل النزاع لا يخلو عن اضطراب ، حيث وقع الكلام ..

تارة : في اختصاصه بالوصف المعتمد على الموصوف ، أو عمومه لغير المعتمد مما اخذ بنفسه في موضوع الحكم لا قيدا في موضوعه.

واخرى : في أن المفهوم المتنازع فيه انتفاء الحكم عن غير مورد الوصف من خصوص أفراد الذات المقيدة به ، أو مطلقا ولو من غيرها ، فلو قيل : احب العسل الحلو ، وتجب في الغنم السائمة الزكاة ، كان الظاهر عدم محبوبية كل غير حلو ولو من الرمان ، وعدم وجوب الزكاة في كل غير سائم ولو من الإبل.

وقد حاول غير واحد تخصيص النزاع في الموردين لبعض الوجوه الصالحة في الحقيقة لبيان ضعف عموم القول بالمفهوم ، لا لبيان قصور مورد النزاع ، بل لا وجه له بعد ظهور عمومه من ذهاب بعضهم لعموم ثبوت المفهوم أو عموم بعض استدلالاتهم عليه.

بل يتعيّن تعميم محل النزاع ، والنظر في حال كل دليل بنفسه من حيثية

٥٧٩

عموم مفاده أو خصوصه.

بل قد يتجه تعميمه للوصف الضمني ، كما في النبوي : «لأن يمتلئ بطن الرجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا» لان امتلاء البطن كناية عن الكثرة ، فلو كان له مفهوم كان مقتضاه عدم البأس بالشعر القليل.

بل لعل ملاك النزاع بملاحظة بعض تصريحاتهم واستدلالاتهم يشمل غير الوصف من القيود ، كالحال والظرف وغيرهما ، كما يظهر عند استقصاء الأدلة.

إذا عرفت هذا ، فقد ذكرنا في الوجه الرابع والخامس لتقريب دلالة الشرطية على الإناطة وفي التنبيه الثاني من تنبيهات مفهوم الشرط أن مفاد القضية جعل الحكم الشخصي المتقوم بتمام ما اخذ فيها من قيود وشروط وخصوصيات ، أو الحكاية عنه ، وأنها لا تتضمن جعل الحكم بنحو أوسع من ذلك ، ولا الحكاية عنه.

إلّا أن يخرج بعض الأطراف عن كونه قيدا في القضية ، كالوصف المذكور لبيان الحال اللازم للموضوع أو الغالب ، كتقييد الربائب المحرمة على زوج الأم في الآية الشريفة بكونها في حجره ، أو تكون خصوصية الطرف ملغية ، بحيث يكون مسوقا لبيان دخل ما هو الأعم منه ، كما لو قال العطشان : جئني بماء أشربه ، والجائع : جئني بخبز اكله ، وأراد بذلك طلب مطلق ما يرفع العطش والجوع من السوائل والطعام ، وكلاهما مخالف لظاهر أخذ العنوان في القضية.

والظاهر رجوع الأول إلى ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا ، والثاني إلى ما قيل من ظهور أخذ العنوان في دخله بخصوصيته في

٥٨٠