المحكم في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٨

وعلى هذا يكون المعيار في سعة المفهوم ، فإنها تابعة لسعة الحكم الذي يكون طرفا للتقييد.

فحيث كان مفهوم اللقب مبنيا على ظهور تقييد الحكم بموضوعه في انحصاره به ، وكان الموضوع قيدا للحكم بذاته غير مقيد بشيء أصلا ، كان مفهوم اللقب على تقدير القول به أوسع المفاهيم ، لرجوعه إلى انتفاء ذات الحكم عن غير الموضوع المذكور في القضية.

أما غيره من القيود فحيث كان واردا على الحكم بعد تقييده بموضوعه المذكور في القضية فمفهومه ـ لو قيل به ـ انتفاء الحكم عن ذلك الموضوع في غير مورد القيد ، لا انتفاء مطلق الحكم في غير مورد القيد ، بحيث يستلزم انتفاءه عن موضوع آخر.

ولذا كان مفهوم الشرط في قولنا : أكرم العالم إن كان عادلا ، ومفهوم الوصف في قولنا : أكرم العالم العادل ، عدم وجوب إكرام العالم غير العادل.

لا عدم وجوب إكرام غير العالم مطلقا ، بل هو يبتني على مفهوم اللقب.

ولا عدم وجوب إكرامه إذا لم يكن عادلا ، بل هو يبتني على كون الشرط أو الوصف وهو العدالة تمام العلة المنحصرة ـ الذي سبق أنه لا مجال للبناء عليه في الشرطية ، ولا يظن من أحد البناء عليه في الوصفية ـ إذ لو كان متمما للعلة أمكن اختصاص الاحتياج إليه بالعالم ، لكونه متمما لمقتضى الحكم فيه ، أو شرطا لتأثير مقتضيه فيه ، أو رافعا للمانع منه ، دون غيره ـ كالفقير الجاهل ـ بل يكون واجدا لتمام مقتضى الحكم من دون أن يحتاج تأثيره للشرط ، أو يمتنع بمانع.

٥٤١

وبذلك يظهر الحال في الشرطية المسوقة لتحقيق الموضوع ، فإن ظهور الشرطية في المفهوم لما سبق إنما يقتضي إفادتها إناطة ثبوت الحكم لموضوعه بالشرط المفروض عدم انفكاكه عن الموضوع ، ومقتضى الإناطة المذكورة ارتفاع الحكم عن موضوعه بارتفاع الشرط بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.

وأما ارتفاع الحكم عن غير موضوعه بارتفاع الشرط فهو أمر لا تقتضيه الشرطية ليصح النقض بها في المقام ، كما عن بعضهم.

فإذا قيل : إن قدم العالم فاستقبله ، كان مفهومه عدم وجوب استقبال العالم عند عدم قدومه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ـ إذ لا موضوع للاستقبال مع عدم القدوم ـ لا عدم وجوب استقبال غيره ، وإنما يستفاد ذلك لو قيل : استقبل القادم من السفر إن كان عالما. فلاحظ.

التنبيه الثالث : من الظاهر أن المفهوم لما كان يبتني على إناطة الجزاء بالشرط وتعليقه عليه كان عبارة عن ثبوت نقيض الجزاء عند عدم الشرط.

وهو ظاهر فيما لو كان الجزاء حكما خاصا تبعا لخصوصية موضوعه ، كما في قولنا : أكرم زيدا إن جاءك.

وكذا لو كان حكما عاما منحلا إلى أحكام متعددة بعدد أفراد موضوعه ، وكان الشرط منحلا إلى شروط متعددة تبعا لها ، كما في قولنا : أكرم العالم إن كان عادلا ، حيث يستفاد منه إناطة وجوب إكرام كل عالم بعدالته.

أما لو كان مفاد الجزاء حكما عاما ، ولم يكن الشرط منحلا إلى شروط متعددة بعدد أفراد العام الذي تضمنه الجزاء ، فهل يكون مقتضى المفهوم قضية كلية مختلفة مع المنطوق في الإيجاب والسلب ، أو مهملة في قوة

٥٤٢

الجزئية؟

فمقتضى مفهوم قولهم (عليهم السلام) : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء» (١) على الأول تنجس غير الكر بكل نجس ، وعلى الثاني مجرد تنجسه في الجملة ولو ببعض النجاسات ، ومقتضى مفهوم قولنا : إن جاء زيد فأكرم ولده ، على الأول أن جميع أولاد زيد لا يجب إكرامهم عند عدم مجيئه ، وعلى الثاني مجرد عدم وجوب إكرام جميعهم ، وإن وجب إكرام بعضهم.

إذا عرفت هذا فالظاهر الثاني ، لأن إناطة العام بالشرط إنما تستلزم عدم ثبوته مع ارتفاع الشرط ، وهو إنما يكون بسلب العموم ، لا بعموم السلب من دون فرق في ذلك بين أن يكون العموم انحلاليا وأن يكون مجموعيا.

والمعلق على الشرط في الأول وإن كان أحكاما متعددة حقيقة وعرفا ، بخلافه في الثاني ، بل هو حكم واحد حقيقة وعرفا ، وتحليله إلى أحكام متعددة ضمنية إنما هو بالتحليل العقلي ، إلّا أن ذلك ليس فارقا في المقام بعد كون المعلق والمنوط في القسمين هو العام.

نعم ، لو كان المعلق والمنوط كل واحد من الأحكام الانحلالية في العام الانحلالي ، بحيث يرجع إلى إناطات متعددة بعدد تلك الأحكام ، ويكون كل منها منوطا مع قطع النظر عن غيره ، اتجه عموم المفهوم ، لأن إناطة كل حكم بنفسه تستلزم ارتفاعه بارتفاع الشرط ، فيلزم ارتفاع الجميع بارتفاعه. لكنه

__________________

(١) راجع الوسائل ج ١ ، باب : ٩ من ابواب الماء المطلق ، وفيه : (إذا كان) بدل (إذا بلغ).

٥٤٣

يحتاج إلى عناية خاصة زائدة على مفاد العام ، وقرينة مخرجة عن ظهور الكلام الأولي في كون المعلق هو العام.

ومجرد كون العموم انحلاليا لا يستلزم ذلك ، لأن انحلالية العام لا تنافي جعله بنفسه طرفا للتعليق ، ولا تستلزم النظر إلى احكام افراده وإناطتها بأنفسها مع قطع النظر عنه ، بحيث تنحل إناطته إلى إناطات متعددة بعددها.

ولذا لا إشكال في ظهور مثل قولنا : إذا أخذ زيد سلاحه لم يخف أحدا ، في أنه إذا لم يأخذ سلاحه خاف في الجملة ، لا من كل أحد ، مع أن العموم فيه انحلالي بلا إشكال.

فما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) من أن العموم إذا كان انحلاليا كان المعلق كل واحد من الأحكام ، بنحو يستلزم كون المفهوم قضية عامة ، في غير محله.

وأشكل من ذلك ما ذكره معيارا في مقام الإثبات من أن العموم الذي يتضمنه الجزاء إذا استفيد من معنى اسمي ـ كلفظ (كل) ـ أمكن أن يكون المعلق نفس العموم ، فيكون المفهوم قضية جزئية ، كما يمكن أن يكون هو الحكم العام بتمام أفراده ، فيكون المفهوم قضية كلية.

أما إذا كان مستفادا من معنى حرفي ـ كهيئة الجمع المعرف باللام ، والنكرة في سياق النهي أو النفي ، كحديث الكر المتقدم ـ فلا يمكن أن يكون المعلق هو العموم ، بل هو الحكم العام بماله من أفراد ينحل إليها.

إذ يرد عليه : أولا : أن العموم المستفاد من معنى حرفي كما يكون انحلاليا يكون مجموعيا ، ولا يختص العموم المجموعي بما يستفاد من معنى اسمي ، بل هو تابع لقرائن تختلف باختلاف الموارد.

٥٤٤

وثانيا : إن كون العموم مستفادا من معنى حرفي لا يمنع من تعليقه بنفسه على الشرط ، إما لما سبق منا في الواجب المشروط من قابلية المعنى الحرفي للتعليق ، أو لما سبق منه في التنبيه الثاني من أن المعلق نتيجة القضية المذكورة في الجزاء ، فإذا كانت نتيجتها العموم أمكن أن يكون هو المعلق على الشرط.

وبالجملة : النظر في الأمثلة العرفية ـ كالمثال المتقدم ـ شاهد بأن المعلق هو العام ، وأن تعليق الأفراد بأنفسها كل على انفراده يحتاج إلى عناية يفتقر ظهور الكلام فيها إلى قرينة.

ومما ذكرنا يظهر أن الجزاء لو كان قضية مهملة أو جزئية كان مقتضى المفهوم قضية عامة مخالفة لها في الإيجاب والسلب ، لأن نقيض الجزئية كلية إلّا أن يراد بها الإشارة إلى أفراد خاصة ، فيكون المفهوم قضية جزئية أيضا مرادا بها خصوص تلك الأفراد.

لكن الظاهر عدم الإشكال في احتياجه إلى قرينة خاصة لمخالفته للظهور الأولي للكلام.

التنبيه الرابع : إذا تعددت الشرطية مع وحدة الجزاء واختلاف الشرط ، لزم التنافي بناء على ظهور الشرطية في المفهوم ، لأن مقتضى مفهوم كل شرطية انتفاء الجزاء بانتفاء شرطها وإن تحقق شرط الاخرى ، وهو ينافي إطلاق منطوق الاخرى.

ولا إشكال في ذلك مع عدم قابلية الجزاء للتعدد ، كما في قولنا : إذا خفي الأذان فقصر ، و : إذا خفي الجدران فقصر.

أما مع قابليته له ، فقد يدعى عدم التنافي بين الشرطيتين أو الأكثر ، كما

٥٤٥

في قولنا : إن ظاهرت فاعتق رقبة ، وإن أفطرت فأعتق رقبة ، حيث يمكن تعدد التكليف بالعتق تبعا لتعدد السبب ، فمع تحقق أحد الشرطين أو الأكثر يتحقق التكليف التابع له ، دون التكليف التابع للآخر ، وبانتفائه ينتفي التكليف التابع له ، وإن لم ينتف التكليف التابع له ، ولا تنافي ، لأن المنوط بكل شرط تكليفه التابع له.

لكنه يشكل : بأن تعدد التكليف لما كان موقوفا على تعدد المكلف به ، بحمل المكلف به في كل شرطية على فرد من الماهية مباين للفرد المكلف به في الاخرى ، فهو مخالف لإطلاق المكلف به في كل شرطية ، لأن مقتضى الإطلاق إرادة أصل الماهية التي يكفي في امتثالها صرف الوجود ، ومع وحدة المكلف به يمتنع تعدد التكليف ، بل يتعين وحدته ويلزم التنافي ، لأن مقتضى مفهوم كل شرطية عدم تحققه في ظرف عدم تحقق شرطها ، وإن تحقق شرط الاخرى.

وبالجملة : تعدد التكليف وإن لم يناف ظهور هيئة الطلب في كل من الشرطيتين ، إلّا أنه مناف لإطلاق المادة التي يراد بها المكلف به في كل منهما ، وهو كاف في التنافي المدعى في المقام.

ثم إنه بما ذكرنا يتضح أن التنافي لا يختص بتعدد الشرطية ، بل يجري فيما لو كانت إحدى القضيتين شرطية والاخرى حملية قد تضمّنت موضوعا للحكم غير الشرط الذي تضمنته الشرطية ، كما لو قيل : يجب على من خفي عليه الأذان التقصير ، وقيل : إن خفيت الجدران فقصر ، لأن ثبوت الجزاء مع غير الشرط ينافي ظهور الشرطية في إناطته به.

بل يجري ـ أيضا ـ في غير الشرطية مما تضمّن حصر الحكم بموضوعه مع

٥٤٦

ما تضمّن ثبوته مع غيره ، كقولهم (عليهم السلام) : «ليس ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك ...» مع ما تضمّن ناقضية النوم (١).

فملاك التنافي ظهور أحد الدليلين في حصر الحكم بموضوع وظهور الآخر في ثبوته مع غيره بدونه.

وذكرهم لذلك في ذيل مفهوم الشرط ليس لاختصاص التنافي به ، بل لابتناء ظهور الشرطية في المفهوم على ظهورها في الإناطة والانحصار الذي هو الملاك في التنافي.

نعم ، قد تختص الشرطية ببعض الجهات الدخيلة فيما ذكروه في المقام.

ومن ثم ينبغي متابعتهم في جعلها موضوع الكلام هنا ، وإن أمكن استفادة حال غيرها مما يذكر فيها تبعا ، وإن امتاز بشيء ينبغي أن ينبه عليه.

إذا عرفت هذا فقد وقع الكلام بينهم في كيفية الجمع بين الشرطيتين ورفع التنافي بينهما.

والوجوه المحتملة ثلاثة :

الأول : المحافظة على مفهوم كل من الشرطيتين مع تقييد منطوق كل منهما به ، فيبنى على عدم ثبوت الجزاء إلّا بتحقق الشرطين معا ، وانتفائه بانتفاء كل منهما.

الثاني : المحافظة على إطلاق منطوق كل منهما مع تنزيل مفهوم كل منهما على ما لا ينافيه ، فيبنى على كفاية كل من الشرطين في ثبوت الجزاء ، وأنه ينتفي بانتفائهما معا.

__________________

(١) راجع في الأمرين الوسائل ج ١ ، باب : ٢ و ٣ من أبواب نواقض الوضوء.

٥٤٧

الثالث : رفع اليد عن المفهوم رأسا ، فتحمل الشرطية على بيان مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ، دون إناطته به ، فيبنى على كفاية كل من الشرطين في ثبوت الجزاء من دون نظر إلى حال انتفائهما.

ومنه يظهر الإشكال فيما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) من رجوع هذا الوجه لسابقه ، بلحاظ اشتراكهما في استقلال الشرط في التأثير بالجزاء وموضوعيته له.

إذ فيه : أن مجرد اشتراكهما في ذلك لا يستلزم رجوع أحدهما للآخر بعد اختلافهما عملا في فرض انتفاء كلا الشرطين ، تبعا لاختلافهما مفهوما ، لابتناء هذا الوجه على رفع اليد عن ظهور الشرطية في المفهوم والإناطة رأسا ، وابتناء ما قبله على المحافظة عليه مع تنزيله على ما يناسب المنطوق في القضية الاخرى.

والظاهر أن الأقرب عرفا هو الثالث ، لابتناء الثاني على ما لا مجال للبناء عليه ، كما يأتي إن شاء الله تعالى ، وابتناء الأول على التصرف في ظهور الشرطية في ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط واستقلاله في التأثير فيه ، وهو أقوى من ظهورها في الإناطة ، ولذا سبق شيوع استعمالها مجردة عنها خالية عن المفهوم ، ويتعين في الجمع العرفي المحافظة على أقوى الظهورين ورفع اليد عن أضعفهما.

ولا يبعد مفروغيتهم عن ذلك فيما لو أمكن تعدد الجزاء ، كالمثال المتقدم في أول هذا التنبيه ، ولذا غفل بعضهم عن التنافي بين الشرطيتين بدوا بسبب وضوح الجمع بهذا الوجه وارتكازيته.

نعم ، قد يقوى ظهور الشرطية في الإناطة وبيان توقف الجزاء على

٥٤٨

الشرط المستلزم لانتفائه بانتفائه بنحو لا يمكن رفع اليد عنه رأسا ، كما لو ورد في مورد يفرغ معه عن ثبوت الجزاء ويشك في حده ، حيث يغلب عدم التصدي لبيان مجرد ثبوته بثبوت الشرط ، بل بيان توقفه عليه ، المستلزم للمفهوم.

كما هو الحال فيما تضمن أنه إذا خفي الأذان فقصر ، وإذا خفي الجدران فقصر (١) ، لوضوح أن مجرد وجوب القصر حينئذ مقتضى إطلاق وجوب القصر على المسافر ، الذي يظهر المفروغية عنه في مقام البيان ، فلا غرض ببيانه ، بل المناسب لذلك حمله على بيان توقف وجوب القصر على الشرط المستلزم للمفهوم ، فلا مجال لرفع اليد عنه في مقام الجمع العرفي ، كما هو مقتضى الوجه الثالث ، بل يتعين الوجه الأول أو غيره تبعا للقرائن الخاصة المختلفة باختلاف الموارد ، وقد يأتي التعرض لبعض الوجوه المناسبة فيه.

لكن الكلام في المقام من حيثية طبع الشرطية ، التي عرفت أن ظهورها في الإناطة والمفهوم دون ظهورها في ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط بنحو يقتضي استقلاله بالتأثير فيه وفي موضوعيته له من دون حاجة إلى انضمام غيره إليه ، فيتعين رفع اليد عن الظهور الأضعف في مقام الجمع العرفي.

هذا ، ولم أعثر عاجلا على من اختار الوجه الأول.

نعم ، حيث سبق من بعض الأعاظم (قدس سره) رجوع الوجه الثالث للثاني لزم تردد الأمر عنده بين الوجه الأول والثاني ، وقد ذكر أنه لا مرجح لأحدهما بعد مخالفة كل منهما للإطلاق ، لابتناء الأول على تقييد الشرط

__________________

(١) بناء على ورود نص بهذا المضمون ، وهو محل كلام موكول إلى محلّه من الفقه.

٥٤٩

بمفاد (الواو) الراجع للزوم انضمام أحد الشرطين للآخر في ترتب الجزاء ، والثاني على تقييده بمفاد (أو) الراجع لقيام أحد الشرطين مقام الآخر في ترتب الجزاء ، وحينئذ يتعين الإجمال والرجوع للاصول العملية مع تحقق أحد الشرطين دون الآخر.

لكن عرفت عدم رجوع الثالث للثاني وأنه يتعين البناء عليه ، مضافا إلى ما سبق في الاستدلال على المفهوم من أن الوجه في دلالة الشرطية عليه ليس هو الإطلاق المقابل للتقييد بأو ، لأن مفاد (أو) لا ينافي الإطلاق ، فلا مجال لمعارضته للإطلاق المقابل للتقييد بالواو ، بل الوجه فيه ظهور الشرطية في الإناطة الذي سبق أنه دون ظهورها في استقلال الشرط في موضوعيته للجزاء ، فيلزم الجمع العرفي برفع اليد عن الظهور في الإناطة ، لأنه أضعف الظهورين.

وأما الوجه الثاني فهو الذي جرى عليه غير واحد ، وهو يبتني على أحد وجوه ..

الأول : ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) وغيره من تقييد مفهوم كل من الشرطيتين بمنطوق الاخرى.

وقد اعترف (قدس سره) كما ذكر غيره بأن المفهوم ليس مفاد قضية قابلة للتقييد ، بل هو لازم لمفاد الشرطية ، فلا بد من التصرف في ملزومه المدلول للشرطية بحمله على ما ينتج نتيجة التقييد المذكور. وهو وإن لم يشر إلى كيفية التصرف إلّا أنه قد يقرب بوجهين :

أحدهما : حمل الإناطة على الإناطة الناقصة بالمقدار الذي لا ينافي ثبوت الجزاء مع الشرط الآخر.

٥٥٠

لكنه كما ترى! لأن الاناطة والتوقف أمر بسيط لا يقبل الانحلال والتبعيض عرفا ، ليمكن رفع اليد عن بعض مراتبه مع المحافظة على الباقي في مقام الجمع العرفي بين الأدلة المتعارضة.

ثانيهما : ما أشار إليه سيدنا الأعظم (قدس سره) من أن المعلق على الشرط لما كان هو السنخ أمكن التفكيك فيه ، بأن يكون المعلق كل فرد منه عدا واحد ، فإنه يثبت مع الشرط الآخر.

وقد ذكر (قدس سره) أنه معقول في نفسه وإن لم يمكن الالتزام به في الجمع بين الشرطيتين.

لكن الظاهر أنه غير معقول في نفسه ، إذ ليس سنخ الجزاء ـ كما سبق ـ إلّا عبارة عن مفاد قضيته مع قطع النظر عن تقييدها بالشرط ، وهو مما لا أفراد له ، كي يمكن التفكيك بينها في إناطة بعضها دون الآخر ، فإن النسبة في نفسها ليست كالماهية الكلية ذات أفراد ، بل هي أمر واحد تلحظ على نحو السعة أو الضيق بالقيد.

وليس توقفها على أحد أمرين راجعا إلى توقف قسم من أفرادها على أحدهما بخصوصه ، والقسم الآخر على الثاني بخصوصه ، نظير اتصاف الماهية في الخارج بأحد وصفين ـ كالعلم والجهل ـ الراجع لاتصاف كل قسم من أفرادها بأحدهما معينا ، كما لعله ظاهر.

ومما ذكرنا يظهر الإشكال فيما ذكره بعض مشايخنا من أن بعد امتناع التصرف في المفهوم نفسه ، لما سبق من كونه لازما لمفاد الشرطية فلا بد من رفع اليد عن ملزومه الذي هو مفادها بالمقدار الذي يرتفع به التعارض ، ولا يكون ذلك إلّا بتقييد المنطوق بمفاد (أو) ورفع اليد عن إطلاقه من هذه

٥٥١

الجهة.

وجه الإشكال : أن ملزوم المفهوم لما كان هو الإناطة غير القابلة للانحلال والتبعيض عرفا فلا مجال للاقتصار في رفع اليد عنها على ما يرتفع به التعارض ، بل لا بد إما من رفع اليد عنها رأسا أو البناء عليها ورفع التعارض بوجه آخر.

ومجرد كون نسبة المفهوم اللازم لها مع منطوق الشرطية الاخرى العموم المطلق لا يكفي في الجمع بالتقييد ما لم يكن جمعا عرفيا.

كما أن الحمل على مفاد (أو) ليس من سنخ التقييد ولا تصرفا في نفس الإناطة التي هي المنشأ في الدلالة على المفهوم ، بل هو تصرف في موضوعها يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

الثاني : ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) ـ كما في التقريرات ـ من تقييد إطلاق الشرط في كل منهما بعدم الآخر. فمثل : إذا خفي الأذان فقصر ، و : إذا خفي الجدران فقصر ، يحمل على أنه : إذا خفي الأذان ولم يخف الجدران فقصر ، وإذا خفي الجدران ولم يخف الأذان فقصر.

وفيه : أنه إن أريد بذلك إبقاء ظهور الشرطيتين في الإناطة المستلزمة للمفهوم ، فهو وإن نفع في دعوى أن مقتضاهما عدم تحقق الجزاء عند عدم تحقق الشرطين ـ كما لو لم يخف الأذان ولا الجدران في المثال المتقدم ـ لأنه من صور ارتفاع الشرط المقيد لكل من الشرطيتين.

إلّا أنه مستلزم للتعارض بين الشرطيتين ، لأن شرط كل منهما لما كان هو المقيد فتحققه من أفراد ارتفاع شرط الاخرى.

كما يستلزم البناء على عدم ثبوت الجزاء عند تحقق كلا الأمرين ـ كما

٥٥٢

لو خفي الأذان والجدران معا في المثال المتقدم ـ لأنه من صور ارتفاع الشرط المقيد لكل من الشرطيتين ، وهو خلاف المقطوع به.

مع أنه مستلزم ـ أيضا ـ لرفع اليد عن ظهور الشرطية في استقلال شرطها في التأثير في الجزاء وموضوعيته له ، وقد سبق أنه أقوى من ظهورها في الإناطة والمفهوم.

وإن اريد به رفع اليد عن ظهور الشرطية في الإناطة كفى ذلك في رفع التنافي بلا حاجة إلى تقييد الشرط ورجع إلى الوجه الثالث الذي ذكرناه.

كما أن التقييد المذكور لا ينفع حينئذ في إثبات المفهوم المدعى على تقدير ارتفاع لكلا الشرطين ، وإنما يستلزم إخراج صورة تحقق كلا الشرطين ـ كما لو خفي الأذان والجدران معا ـ عن مفاد الشرطيتين ، وتكون مسكوتا عنها ، وهو خلاف المقطوع به أيضا.

الثالث : تقييد كل من الشرطيتين بعدم تحقق شرط الاخرى. فإن الشرطية كسائر القضايا قابلة للتقييد بالشرط وغيره ، كما في قولنا : إن سألك زيد فإن كان فقيرا فأعطه ، ولازم ذلك قصور مفهومها عن صورة فقد القيد ، فلو وجب إعطاء زيد مع عدم سؤاله وإن كان غنيا لم يكن منافيا لمفهوم الشرطية المذكورة.

فإذا قيدت كل من الشرطيتين في المقام بعدم تحقق شرط الاخرى قصر مفهومها عن صورة تحققه ، فلا يصلح لمعارضة منطوق الاخرى ، وإنما يكون مفهومهما مختصا بصورة فقد الشرطين ، كما هو مبنى الوجه الثاني.

وفيه : أن ذلك إنما يتجه لو كان القيد قيدا للشرطية بتمامها ، كالمثال المتقدم ، دون ما إذا كان شرطا لخصوص جزائها ، كما هو المفروض في المقام ،

٥٥٣

إذ لا وجه حينئذ لصرفه إلى أصل الشرطية.

مع أن تقييد الشرطية كما يقتضي قصور مفهومها عن صورة فقد القيد يقتضي قصور منطوقها أيضا ، فلو لم يجب في المثال المتقدم إعطاء زيد إذا لم يسأل وإن كان فقيرا لم يكن منافيا لمنطوق الشرطية ، ولازم ذلك خروج صورة تحقق كلا الشرطين في المقام ـ بأن خفي الأذان والجدران معا ـ عن موضوع الشرطيتين ، فلا يحكم بترتب الجزاء فيها ، بل تكون مسكوتا عنها ، وقد سبق أنه خلاف المقطوع به.

الرابع : حمل الشرط على القدر الجامع بين الشرطين وهو راجع إلى التصرف في ظهور الشرط في الخصوصية ، وحمله في كلتا الشرطيتين على القدر الجامع مع المحافظة على ظهورهما في الإناطة ، ولازمه انتفاء الجزاء بانتفاء القدر الجامع.

قال في التقريرات : «ولعل العرف يساعد على ذلك بعد الاطلاع على التعدد».

ويشكل : بأن المراد بذلك إن كان جعل تعدد الشرطية قرينة على أن المراد بكل شرط هو القدر الجامع ، بحيث يكون مسوقا عبرة له ، نظير ما لو مرّ بشخص حيوان ، فقال : اسم هذا أرنب ، حيث لا يراد به انه اسم لشخصه ، بل لجنسه.

فهو بعيد جدا إلّا في نادر من الموارد ، لقوة ظهور العنوان في الحكاية عن معنونه استقلالا واحتياج فنائه في غيره إلى عناية خاصة يصعب البناء عليها في غالب الموارد ، بل يمتنع ذلك فيما لو لم يكن بين الشرطين جامع عرفي ، لتفرع مقام الإثبات على مقام الثبوت.

٥٥٤

وإن كان المراد جعل تعدد الشرطية قرينة على أن موضوع الحكم الذي يتضمنه الجزاء هو القدر الجامع وأن ذكر كل من الشرطين لأنه فرد منه ، لا لدخل خصوصيته فيه.

فهو وإن كان قريبا عرفا فيما لو كان بين الشرطين جامع عرفي ، بل متعينا مطلقا بناء على ما تكرّر من بعضهم ـ كالمحقق الخراساني (قدس سره) ـ من امتناع تعدد موضوع الحكم الواحد حقيقة ، لامتناع تأثير المتعدد في الواحد.

إلّا أنه لا ينفع في المحافظة على ظهور الشرطية في المفهوم ، ليكون مقتضى الشرطيتين انتفاء الجزاء بانتفاء كلا الشرطيتين ، حيث لا يصح تعليق الحكم على بعض أفراد موضوعه وإناطته به ، وإنما يصح الحكم بمجرد ثبوته له.

فإذا صح ملك ولد مطلق المملوك ، عبدا كان أو أمة صحّ أن يقال : يملك ولد العبد ، ولا يصح أن يقال : يملك الإنسان إن كان ولد عبد.

إلّا أن يراد بالعبد مطلق المملوك ، ولو كان أمه ، بحيث يساق لبيانه ويجعل عبرة له.

ومنه يظهر الحال فيما ذكره غير واحد ـ منهم بعض الأعاظم (قدس سره) وبعض مشايخنا ـ من تقييد الشرط بمفاد (أو) فقد ذكرنا آنفا أن ذلك ليس من التقييد ، وإن كان نحوا من التصرف في متعلق الإناطة.

وحينئذ يشكل بأن كفاية أحد الأمرين في ثبوت الحكم إنما يصحح تعليقه على أحدهما بنحو الترديد بالتصريح بالعطف ب (أو) ولا يصحح تعليقه على أحدهما بعينه ، بل لا بد من تنزيل الشرطية المقتصر فيها على أحدهما

٥٥٥

بعينه على مجرد الثبوت عند الثبوت دون الإناطة.

إلّا أن يفرض الإشارة بالمعين إلى المردد بين الأمرين ، لمعهودية الترديد بينهما ، وهو محتاج إلى عناية خارجة عن المتعارف ليس بناء العرف على الحمل عليها بمجرد اختلاف الشرطية في الشرطيتين أو الأكثر قطعا ، بل لا بد فيها من قرينة خاصة نادرة التحقق.

هذا ما عثرنا عليه وتيسر لنا الوصول إليه من الوجوه لتقريب الوجه الثاني المبتني على المحافظة على المفهوم في كل من الشرطيتين بالنحو الذي لا ينافي عموم منطوق الاخرى.

وحيث ظهر عدم تماميتها يدور الأمر بين الوجه الأول والثالث ، وقد سبق أن الثالث هو الأظهر نوعا ، لأن ظهور الشرطية في استقلال الشرط في التأثير أقوى من ظهورها في الإناطة المستتبعة للمفهوم.

كما سبق أن الشرطية قد تحتف بما يوجب قوة ظهورها في الإناطة والتوقف المستلزمين للمفهوم ، فلا مجال حينئذ للوجه الثالث ، بل لا بد من الجمع بوجه آخر ، تبعا لخصوصيات القرائن المختلفة باختلاف الموارد من دون ضابط لها.

ولا يسعنا استقصاء الوجوه الممكنة ، وإنما نكتفي بالإشارة إلى ما يحضرنا منها ، ليستعين به الفقيه في مقام الجمع بين الأدلة.

منها : الوجه الأول المبتني على رفع اليد عن ظهور الشرطية في استقلال الشرط في التأثير ، وتقييد الشرط في كل منهما بالآخر ، ومرجعه إلى توقف ثبوت الجزاء على اجتماع الشرطين ، وانتفائه بانتفاء أحدهما.

ومنها : البناء على اختلاف الحكم المعلق في كل من الشرطيتين سنخا ،

٥٥٦

نظير ما تضمن توقف حليّة السمك على ما إذا كان له فلس ، مع ما تضمن توقفها على إخراجه من الماء حيا ، فيحمل الأول على الحلية الاقتضائية بلحاظ ذات الحيوان ، والثاني على الحلية الفعلية.

ومنها : حمل الشرطيتين أو إحداهما على الحصر الإضافي الذي هو شايع في استعمالات العرف للقضايا المسوقة للحصر ، فيقتصر مفهومه على مورد الإضافة نظير حمل ما تضمن حصرنا قضية الوضوء بما يخرج من الطرفين الأسفلين على كونه بالإضافة إلى سائر ما يخرج من البدن ، كالقيء والرعاف ، فيبنى على عدم ناقضيتها ، من دون أن ينافي ناقضية ما لا يخرج منه ، كالنوم.

ففي المقام يحمل ما تضمن اشتراط القصر بخفاء الأذان تارة ، وبخفاء الجدران اخرى ـ مثلا ـ على الحصر بالإضافة إلى محض السفر ، لبيان عدم كفايته بنفسه في القصر.

نعم ، لازم ذلك سقوط إطلاق سببية السفر للقصر عن الحجية في غير مورد خفاء الجدران والأذان ، لكشفه عن عدم كونه تمام الموضوع للسفر ، بل هو مقتض له ، لا بد في فعليته معه من انضمام أمر آخر إليه.

فلا بد من الرجوع إلى دليل آخر ، كإطلاق وجوب التمام أو غيره.

وليس المقام من صغريات العام المخصص الذي هو حجة في الباقي ، لابتناء التخصيص على إخراج بعض أفراد العام عن عمومه الراجع لعدم كفاية عنوان العام في ثبوت حكمه في خصوص مورده ، لا مطلقا ، بخلاف الحصر الإضافي في المقام ، فإن المفروض سوقه لبيان عدم كفاية السفر بنفسه في القصر مطلقا ، بل لا بدّ فيه من انضمام شيء آخر إليه في تتميم موضوعه.

٥٥٧

وحينئذ فالبناء على القصر في غير مورد خفاء الأذان والجدران إن كان لأجل محض السفر ـ كما هو مقتضى العموم المذكور ـ كان منافيا للحصر المذكور ، وإن كان لأجل خصوصية زائدة عليه ـ كالتعب مثلا ـ فمن الظاهر عدم نهوض العام ولا غيره بإثبات دخله في موضوعه. فلاحظ.

ومنها : التصرف في خصوص إحدى الشرطيتين إما بتقييد الشرط فيها بشرط الاخرى لو كان أخص منه ، أو بحمل الشرط فيها على كونه علامة على تحقق شرط الاخرى في مورد الشك ، مع كون شرط الاخرى هو المنحصر به الحكم حقيقة.

ولذا احتمل في التقريرات كون ذلك هو الوجه لما في السرائر وعن غيره من أن التعويل على خفاء الأذان ، دون خفاء الجدران. بأن يكون خفاء الجدران أمارة على خفاء الأذان.

إلى غير ذلك مما لا يتيسر ضبطه ، ويوكل لنظر الفقيه في الموارد المختلفة ، ولو فرض عدم وضوح وجه الجمع لزم التوقف والرجوع للأدلة الأخر ، أو الاصول العملية.

التنبيه الخامس : لا إشكال في ترتب الحكم تبعا لترتب موضوعه بتمام حدوده المأخوذة في الكبرى الشرعية المستفادة من دليل واحد أو من أدلة متعددة بعد الجمع بينها.

وقد وقع الكلام بينهم في أن تعدد وجود الموضوع في الخارج هل يستلزم تعدد الحكم بنحو يقتضي تعدد الامتثال ، أو لا فيكتفى بامتثال واحد؟ وقد عنونت المسألة في كلماتهم بمسألة التداخل.

والمعيار في موضوعها على تعدد وجود موضوع الحكم في الخارج ، إما

٥٥٨

من سنخ واحد يختص الحكم به كبرويا ـ كما لو قيل : إنما يجب إكرام زيد بمجيئه ، فجاء مرتين ـ أو لا يختص به ـ كما لو ظاهر الشخص مرتين بالإضافة لوجوب الكفارة ـ أو من سنخين كل منهما موضوع له كبرويا ـ كما لو ظاهر الشخص وقتل خطأ بالإضافة للكفارة ـ لعدم الفرق في ملاك النزاع بين الأقسام المذكورة بعد اشتراكها في تعدد السبب خارجا ووحدة المسبب.

ومنه : يظهر عدم تفرع هذه المسألة على الكلام في المسألة السابقة ، لأن البحث في تلك المسألة إنما هو عن أنه مع تعدد الشرط ووحدة الجزاء هل يبنى على استقلال كل من الشرطين في موضوعيته للحكم الذي يتضمنه الجزاء ، فيكون الموضوع متعددا كبرويا ، أو عدم استقلاله ، بل ليس الموضوع كبرويا إلّا المركب من الشرطين ، ومحل الكلام هو تعدد الموضوع صغرويا ولو مع وحدته كبرويا ، كما عرفت.

نعم ، لو وجد فرد من كل من الشرطين في الخارج كان تحقق موضوع هذه المسألة مبتنيا إثباتا على الكلام في تلك المسألة ، فإن بني على استقلال كل من الشرطين في الموضوعية تحقق موضوع هذه المسألة ، وإلا فلا.

فتلك المسألة إنما تصلح لتنقيح بعض صغريات هذه المسألة ، لإتمام موضوعها ، كما يظهر من كيفية تحريرها في بعض كلماتهم.

بل لا يختص موضوع الكلام في هذه المسألة بالشرطية ، بل يجري في الحملية والأدلة اللبية ، لاشتراكها معها في تعيين موضوع الحكم كبرويا ، ولا مناسبة لذكرهم لها في ذيل الكلام في مفهوم الشرط وبعد الكلام في المسألة السابقة إلّا ما أشرنا إليه من تفرع بعض صغرياتها إثباتا على تلك المسألة المتفرعة على المفهوم ، وإلا فلا دخل للمفهوم فيها بعد كون تعيين موضوع

٥٥٩

الحكم من شئون المنطوق لا المفهوم.

هذا ، ومحل الكلام الحكم القابل للتعدد تبعا لتعدد متعلقه ، كالوجوب والاستحباب الواردين على الماهية بنحو البدل ، والتي يكفي في امتثالهما تحقيقها بتحقيق فرد منها ، حيث يمكن تعددهما تبعا لتعدد الموضوع ، فيلزم تعدد الامتثال بتعدد الفرد من تلك الماهية.

ومثلهما الضمان الذي قد يتعلق بقدر معين من المال الكلي ، حيث يمكن تعدده بتعدد المضمون من ذلك المقدار.

دون ما لا يقبل التعدد لوحدة متعلقه ، إما لكونه كليا قد تعلق الحكم به بنحو الاستغراق كمتعلق التحريم والكراهة ، أو لكونه شخصيا ، كمتعلق النجاسة ، وضمان اليد والإتلاف وهو الجسم الخارجي غير القابل للتعدد ، حيث لا إشكال في التداخل في مثل ذلك ، لامتناع تعدد الحكم من سنخ واحد مع وحدة متعلقه ، لاستلزامه اجتماع المثلين.

إلّا أن يفرض الاختلاف بين الحكمين في الخواص والآثار ، نظير اختلاف النجاسة المسببة عن ملاقاة البول مع النجاسة المسببة عن ملاقاة الدم في كيفية التطهير ، واختلاف الحرمة المسببة عن الإسكار مع الحرمة المسببة عن الغصبية في ترتب الحد والسقوط بإذن المالك في التصرف ، لرجوع ذلك في الحقيقة إلى الاختلاف في سنخ الحكم ، فلا يلزم من التعدد معه اجتماع المثلين. فتأمل.

إذا عرفت هذا ، فالظاهر عدم التداخل مطلقا ، وهو المنسوب للمشهور ، وعن جماعة ـ منهم المحقق الخوانساري ـ اختيار التداخل مطلقا ، وعن الحلي التفصيل بين اتحاد الموضوعات جنسا واختلافها فالتداخل في الأول دون

٥٦٠