المحكم في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٨

عند تحقق الشرط فهو بنفسه لا يقتضي الانحصار ، لأن تحقق الجزاء عند تحقق أمر آخر لا ينافي اللزوم المذكور بوجه أصلا ، كما لا ينافي إطلاقه.

وإنما يتجه القياس في فرض التسليم بظهور الشرطية في الانحصار والإناطة ، لأن قيام شيء آخر مقام الشرط مخالف لظهور الاقتصار في بيان العلة المنحصرة على الشرط ، نظير مخالفة قيام شيء مقام المأمور به لظهور الاقتصار عليه في بيان المطلوب الذي لا بد من الاتيان به ، بل يحتاج كل منهما للبيان بمثل العطف بأو.

ومثله في ذلك تقريب هذا الاستدلال بإطلاق الشرط ، بدعوى : أن مقتضى إطلاقه تعينه ، كما كان مقتضى إطلاق الواجب تعينه.

لاندفاعه : بأنه لا دخل للانحصار وعدمه في الشرط بنحو يكون من شئونه التابعة لإطلاقه وتقييده.

ومجرد احتياج عدم الانحصار للبيان لا يكفي في كونه مقتضى الإطلاق ما لم يكن من شئون موضوع الإطلاق وأنحائه ، وليس هو كإرسال الماهية وسريانها الذي يكون مقتضى إطلاقها.

على أن الانحصار أيضا يحتاج إلى بيان لو فرض كون مفاد الشرطية وضعا مجرد حصول الجزاء عند حصول الشرط ولزومه له.

واستفادة التعيين في الواجب دون التخيير ليس من إطلاق الواجب ، بل من إطلاق الهيئة بالوجه المتقدم ، وقد سبق عدم صحة قياس المقام عليه.

وكذا تقريبه بإطلاق نسبة الجزاء ، بدعوى : أن الاقتصار في تقييدها على الشرط وعدم تقييدها بغيره بمفاد (أو) ظاهر في انحصار العلة به ، كما كان عدم تقييدها بغيره بمفاد الواو ظاهر في استقلال الشرط بالتأثير وعدم

٥٢١

توقف نسبة الجزاء على انضمام غيره إليه ، فيكون علة تامة أو متمما للعلة ، كما تقدم.

لاندفاعه : بأن الإطلاق إنما ينهض بدفع القيد لرجوعه إلى تضييق موضوعه الذي هو مفاد المفرد أو الهيئة ، ومن الظاهر أنه كما يكون اشتراط نسبة الجزاء بالشرط راجعا إلى تضييق النسبة المذكورة ، فيكون مدفوعا بإطلاقها ، كذلك يكون عدم استقلال الشرط في فرض التقييد به ، فإن توقف فعلية نسبة الجزاء على انضمام غيره إليه موجب لزيادة في تضييقها ، فيكون زيادة في تقييدها ، ويدفع بالإطلاق.

أما عدم انحصار العلية بالشرط وقيام شيء آخر مقامه في تحقيق نسبة الجزاء فهو لا يستلزم التضييق في النسبة المذكورة ، بل هي باقية على سعتها ، فلا يكون قيدا فيها ، ليدفع بإطلاقها ، بل تكون الشرطية ساكتة عن ذلك ، فلا وجه لجعل الأمرين من باب واحد.

وبالجملة : لا مجال للاستدلال بالإطلاق المذكور ، سواء اريد به إطلاق نسبة اللزوم ، أم إطلاق الشرط ، أم إطلاق الجزاء ، على اختلاف كلمات المستدلين واضطرابها.

ومجرد الحاجة في بيان الشرط إلى العطف بمفاد (أو) لا يكفي في ذلك ، ولا يصحح قياسه على حمل إطلاق الأمر على التعييني دون التخييري.

ولذا لو صرح باللزوم بالمفاد الاسمي ـ كما لو قيل : مجيء زيد مستلزم لأن يجب إكرامه ـ لم ينفع الإطلاق في استفادة المفهوم ، سواء اريد به إطلاق اللازم أم الملزوم أم الملازمة ، بخلاف ما لو صرح بالوجوب بالمفاد الاسمي ، فقيل : يجب الصدقة ، حيث يحمل على الوجوب التعييني كهيئة الأمر.

٥٢٢

الثالث : أن مقتضى إطلاق الشرطية تأثير الشرط للجزاء دائما ، ولازم ذلك انحصار العلة به ، إذ لو كان غيره مؤثرا له لزم انفراد الغير به لو كان أسبق ، ولا يكون هو مؤثرا لو تأخر ، وهو خلاف الإطلاق المذكور.

وأما تقريره بأن مقتضى الإطلاق استقلال الشرط بالتأثير ، ولو كان غيره مؤثرا لزم استناد الأثر إليهما معا لو تقارنا ، كما هو الحال في سائر موارد اجتماع العلل المتعددة على المعلول الواحد.

فهو كما ترى! موقوف على ظهور الشرطية في كون الشرط علة تامة للجزاء ، وقد سبق أنه لا مجال للبناء على ذلك ، وأنه قد يكون متمما للعلة ، فلا يستقل بالتأثير ، فاستناد الجزاء للشرط وللأمر الآخر عند اجتماعهما لا ينافي إطلاق الشرطية ، ويتعين الاقتصار في تقريبه على الوجه الأول.

ومن الظاهر أنه يبتني على دلالة الشرطية على العلية ، ولا موضوع له بناء على تمحضها في الدلالة على الملازمة ولو مع كون الجزاء هو العلة.

هذا ، والظاهر أنه لا مجال للاستدلال بالوجه المذكور ..

أولا : لأن المنصرف من إطلاق تأثير المؤثر للأثر بيان تحققه تبعا له في فرض عدمه ، لا مطلقا بنحو يقتضي عدمه قبله. فاذا قيل : وقوع الإناء سبب لانكساره ، كان ظاهره تأثير الوقوع في الانكسار لو لم ينكسر قبله ، لا أنه لا ينكسر قبله بسبب آخر ، بل انكساره قبله كالرافع لموضوع الإطلاق من دون أن ينافيه عرفا ، وكذا الحال في الشرطية غير المسوقة للمفهوم ونحوها مما لا يتضمن إلّا سببية شيء لحدوث آخر.

ولعله إلى هذا يرجع ما ذكره غير واحد في المقام من ظهور الكلام في بيان المؤثرية الاقتضائية الراجعة إلى قابلية المؤثر للتأثير. وإلا فلا إشكال في

٥٢٣

ظهور الكلام في المؤثرية الفعلية ، لتمامية العلة حين وجود الشرط وعدم المانع من التأثير.

وثانيا : لأن ذلك إنما يمنع من استناد الجزاء لأمر سابق على الشرط بنحو لا يبقى معه موضوع لتأثير الشرط في ظرف وجوده ، ولا يمنع من استناده لأمر لا يجتمع مع الشرط ، كما لو قيل : إن جاء زيد من سفره هذا يوم الجمعة وجب إكرامه ، واحتمل وجوب إكرامه أيضا لو جاء من هذا السفر يوم الثلاثاء ، أو يجتمع معه في ظرف لا يمنع من تأثيره ، لتعدد الموضوع ، كما لو قيل : رحب بالقادم إن كان عالما ، واحتمل وجوب الترحيب به إن كان كريما ، أو قيل : إن ذبح الحيوان بالحديد حلّ أكله ، واحتمل حليته أيضا لو ذبح بالذهب.

وحيث لا إشكال في عدم الفرق في دلالة الشرطية على المفهوم وعدمها بين الموارد ، ولا مجال لاستناد الدلالة والظهور لعدم الفصل لزم عدم نهوض هذا الوجه بإثبات المفهوم ، كما يناسبه الغافلة عنه بحسب المرتكزات في مقام الشرطية أو استفادة المفهوم منها ، ولو استفيد المفهوم منها فمن وجه آخر يعم جميع الموارد.

الرابع : ما ذكره بعض المحققين وسيدنا الأعظم (قدس سرهما) من أن ظهور القضية الشرطية في دخل خصوصية الشرط في تحقق الجزاء موجب لظهورها في كونه علة منحصرة له ، إذ لو قام مقامه أمر آخر كان الجزاء مستندا للجامع بينهما بلا دخل للخصوصية.

وفيه : أولا : أن ذلك منتقض بغير الشرطية من القضايا المتكفلة ببيان موضوعات الأحكام الدخيلة فيها ، فكما كان ظاهر قولنا : أكرم زيدا إن

٥٢٤

كان فقيرا دخل الفقر في الحكم ، كذلك قولنا : أكرم الفقير ، وأظهر منهما قولنا : فقر المرء سبب لوجوب إكرامه ، مع عدم بنائهم على ثبوت المفهوم لغير الشرطية.

وثانيا : أنه يبتني على أن وحدة الأثر تستلزم وحدة المؤثر ، وقد سبق منا ومن بعض المحققين نفسه المنع من ذلك في مبحث الصحيح والأعم.

ولو تم ، فهو أمر برهاني لا يدركه أهل اللسان ليترتب عليه الظهور النوعي في المفهوم ، لوضوح أن الظهورات النوعية تبتني على الارتكازيات المدركة لعامة أهل اللسان.

على أن ذلك إنما يقتضي كون الشرط هو القدر المشترك لو كان دخل كل من الشرطين في الملاك بنحو واحد ، أما لو اختلف نحو دخلهما فيه فهو راجع إلى اختلاف الأثر حقيقة ، ولا ملزم معه باستناد الأثر للقدر المشترك ، بل يتعين دخل خصوصية كل منهما فيه.

مثلا : إذا كان زيد فقيرا ينبغي الإنفاق عليه ، إلّا أن إساءته مانعة من وجوب ذلك إلّا مع اضطراره ، صح الحكم بوجوب الإنفاق عليه مع عدم إساءته ومع اضطراره من دون ملزم برجوع عدم الإساءة والاضطرار الجامع واحد ، لأن تأثير عدم الإساءة في الوجوب بلحاظ ارتفاع المانع من تأثير المقتضي للملاك ، وتأثير الاضطرار فيه بلحاظ كونه العلة التامة له ، فلا تمنع الاساءة من تأثيره ، ولا ملزم بوجود القدر الجامع الحقيقي بين عدم المانع والعلة التامة ، بل هو ممتنع في نفسه.

والذي ينبغي أن يقال : ظهور القضية في دخل خصوصية الموضوع أو غيره من القيود في الحكم إنما هو بمعنى دخلها في شخص الحكم المنشأ

٥٢٥

والمبين ، ولا ظهور لها في دخلها في سنخه ، بحيث لا يثبت مع خصوصية اخرى تشاركها في جامع عرفي ، فضلا عما إذا كانت مشاركة لها في جامع عقلي مستكشف بقاعدة استلزام وحدة الأثر لوحدة المؤثر لو تمت.

ودلالة القضية على دخل الخصوصية في سنخ الحكم تحتاج إلى عناية لا بد من إثباتها في المقام وغيره. ويأتي في بعض تنبيهات المسألة توضيح ذلك.

الخامس : ما حكاه في منتهى الاصول عن بعض الأعيان المحققين (قدس سره) من أن الكلام في ثبوت المفهوم في المقام وغيره لا يبتني على ظهور القضية في كون ما اخذ فيها موضوع أو شرط أو وصف أو غيرها علة منحصرة للحكم ، لاشتراك جميع القضايا في ذلك ، لظهور أخذ الشيء في الحكم في كونه دخيلا بخصوصه ، وأنه تمام ما يعتبر في الحكم ، فلا يخلفه شيء آخر ، كما لا يعتبر معه شيء آخر ، من دون فرق بين القضايا في ذلك ،

بل الذي يبتني على ثبوت المفهوم هو أن المنشأ سنخ الحكم أو شخصه ، فإن كان الأول كان انتفاؤه بانتفاء علته المنحصرة مستلزما لانتفاء تمام أفراد الحكم ، فيثبت المفهوم ، وإن كان الثاني فانتفاؤه بانتفاء علته المنحصرة لا ينافي ثبوت فرد آخر من الحكم ، فلا يثبت المفهوم.

وحينئذ فالقضية بطبعها لا تتضمن إلّا إنشاء الحكم بنحو القضية المهملة على موضوعه ، وهي في قوة الجزئية لا إطلاق لها يشمل جميع وجودات سنخ الحكم ، ليثبت المفهوم.

نعم ، لو تضمنت القضية جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه أمكن دعوى الإطلاق من هذه الجهة الزائدة وخروجه عن الإهمال وظهور القضية في إنشاء سنخ الحكم المستلزم لثبوت المفهوم ، لا شخصه ، كما هو الحال في

٥٢٦

القضية الشرطية والمتضمنة للغاية والحصر ، لاشتمالها على خصوصية زائدة على ربط الحكم بالموضوع ، بخلاف القضية المشتملة على الوصف ، لأن الوصف لما كان من شئون الموضوع ، بل بلحاظ عينه ونفسه ، فلا يفيد أكثر من ربط الحكم بالموضوع ، ليدل على إنشاء سنخ الحكم ويخرج به عن مفاد القضية بطبعها.

ويشكل ما ذكره ..

أولا : بأنه لا مجال للتفريق بين القضايا في ظهور بعضها في إنشاء سنخ الحكم وظهور الآخر في إنشاء شخصه ، بعد أن كان الحكم نحوا من النسبة المتقومة بجميع ما يؤخذ في القضية من موضوع وقيود ، بل ليس المنشأ أو المخبر عنه إلّا النسبة المتشخصة والمتقومة بتمام ما أخذ فيها من أطراف ،

ولا مجال لاحتمال تكفل القضية بإنشاء سنخ الحكم بنحو يشمل صورة فقد الموضوع أو بعض قيوده ، ليحتاج في استفادة أن المجعول هو الحكم الجزئي ، إلى دعوى إهمال الحكم المنشأ بحسب طبع القضية ، وأن المهملة في قوة الجزئية ، بل لا معنى للإهمال في القضايا المتضمنة للإنشاء والجعل ، لامتناع الإهمال في المجعول ثبوتا ، وعموم الحكم وخصوصه تابع لعموم موضوعه وخصوصه ، لا لكون الحكم المنشأ أوسع من موضوعه.

ومن ثم كان لازم ذلك ارتفاع الحكم المنشأ بارتفاع موضوعه أو قيوده ، وهو معنى كونها علة منحصرة ، له ـ حسبما تقدم منه ـ لا بمعنى ظهور القضية في ذلك ، بل لا تتكفل القضية إلّا ربط الحكم بالموضوع والقيد بنحو يقتضي قصوره عن غيرهما.

ولذا لا يكون مرادهم بالنزاع في كون بعض القيود علة منحصرة

٥٢٧

ذلك ، لبداهة اشتراك جميع القضايا فيه ـ كما ذكره ـ ولوضوح أن ارتفاع الحكم لارتفاع موضوعه أو قيده لا ينافي ثبوت حكم آخر مثله لموضوع آخر أو في حال آخر ، فلا يكون هو المعيار في المفهوم ، بل المعيار فيه أن يستفاد من القضية انحصار سنخ الحكم بالموضوع أو القيد المذكور فيها ، بحيث لا يثبت إلّا معها ، كما أشرنا إليه في ذيل الكلام في الوجه السابق ، وهو مرادهم بالانحصار الذي يقع الكلام فيه في بعض القضايا ، ومنها الشرطية.

وثانيا : أن مجرد اشتمال القضية الشرطية على خصوصية زائدة على ربط الحكم بموضوعه لا يكفي في ظهورها في إنشاء السنخ الذي جعله معيارا في الدلالة على المفهوم ، كما لا يكفي في ظهورها في انحصار السنخ بالخصوصية المذكورة ، الذي عرفت أنه المعيار في الدلالة عليه ، وإلا لاطرد ذلك في سائر القيود الزائدة على الموضوع من ظرف أو حال أو غيرهما ، بل لجرى في الشرطية المسوقة لتحقيق الموضوع ، بل لا بد فيه من جهة اخرى تستلزم الانحصار ، ولو لم يكن انحصار العلية ، ولذا اهتم أهل الفن بتحقيق ذلك ، والكلام فيه إثباتا ونفيا.

هذه عمدة الوجوه المذكورة في كلماتهم لإثبات ظهور الجملة الشرطية في الانحصار بضميمة الإطلاق من دون أن تكون موضوعة لذلك ، بل مع عدم وضعها عند بعضهم حتى لإفادة العلية.

وحيث ظهر وهنها فلعل الأولى ما يظهر من شيخنا الأعظم (قدس سره) وسبقه إليه جماعة كثيرة من القدماء والمتأخرين من ظهورها بنفسها في الانحصار ، بمعنى لزوم الشرط للجزاء ، بحيث ينتفي الجزاء بانتفائه الذي سبق أنه المعيار في المفهوم.

٥٢٨

لقضاء الوجدان بذلك بعد التأمل في المرتكزات الاستعمالية ، للفرق ارتكازا بين الشرط وغيره من قيود النسبة ، كالظرف والحال وغيرهما في أن التقييد به لا يبتني على مجرد إفادة ثبوتها عنده ، بل تعليقها عليه وإناطتها به ، ولذا اطلق عليه الشرط عندهم وعلى القضية انها شرطية ، لوضوح أن شرط الشيء ليس مجرد ما يحصل عنده ، بل ما يتوقف وجوده عليه ، فلو لا ارتكاز أن مفاد الشرطية الإناطة والتعليق بالنحو الذي ذكرناه لم يكن وجه للإطلاق المذكور.

نعم ، لا إشكال في كثرة موارد تجريد الشرطية عن الخصوصية المذكورة وسوقها لبيان مجرد حصول الجزاء عند حصول الشرط ، من دون تعليق عليه ولا إناطة به.

ولعل ذلك هو منشأ بناء من تقدم على كون الخصوصية المستلزمة للمفهوم خارجة عن مفاد القضية وضعا ، وبسبب ارتكاز ظهورها في الخصوصية المذكورة تكلف من تكلف توجيه كونها مقتضى الإطلاق بمقدمات الحكمة ، على اختلاف الوجوه المتقدمة.

لكن الارتكاز المذكور ـ بعد ما عرفت من عدم تمامية تلك الوجوه ـ كاف في إثبات إفادتها لها وضعا ، من دون أن ينافيه كثرة موارد تجريدها عنها ، لشيوع التوسع في الاستعمالات ، نظير التوسع في غير الشرطية مما تضمن التقييد بالوصف والظرف وغيرهما ، فيساق لبيان الإناطة والتعليق بنحو يقتضي المفهوم ، مع وضوح عدم إفادته لذلك لا وضعا ولا إطلاقا.

وبالجملة : قياس الشرطية على غيرها شاهد بالفرق بينهما في إفادة الإناطة وعدمها ، وكما لا ينافي ذلك سوق غير الشرطية لإفادة الإناطة في

٥٢٩

كثير من الاستعمالات لا ينافيه تجريد الشرطية عنها في الاستعمالات الكثيرة ، لأن المعيار في الوضع التبادر ، لا الاستعمال.

ثم إنه قد يستدل لما ذكرنا ببعض النصوص الظاهرة في المفروغية عن إفادة الشرطية المفهوم ، كصحيح عبيد بن زرارة : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قوله عزّ وجل : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)؟ قال : «ما أبينها ، من شهد فليصمه ، ومن سافر فلا يصمه» (١).

وما في صحيح أبي أيوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)(٢) من قوله (عليه السلام) «فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجل ، ولكنه قال : ومن تأخر فلا إثم عليه» (٣).

وصحيح أبي بصير : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الشاة تذبح فلا تتحرك ويهراق منها دم كثير عبيط. فقال : «لا تأكل ، إن عليا (عليه السلام) كان يقول : إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل» (٤) ، وغيرها.

وهي إن لم تبلغ مرتبة الاستدلال ، فلا إشكال في قوة تأييدها للمطلوب ، ولا سيّما الأولين ، وخصوصا الثاني ، لظهوره في فهم الناس الإناطة بأنفسهم.

__________________

(١) الوسائل ج ٧ ، باب : ١ من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث : ٨.

(٢) سورة البقرة : ٢٠٣.

(٣) الوسائل ج ١٠ ، باب : ٩ من أبواب العود الى منى ، حديث : ٤.

(٤) الوسائل ج ١٦ ، باب : ١٢ من ابواب الذبائح ، حديث : ١.

٥٣٠

هذا ، وأما ما ذكره المنطقيون في القياس الاستثنائي من أن رفع المقدم في المتصلة لا يستلزم رفع التالي. فهو مبني على إرادتهم بها ما تتضمن مجرد اتصال نسبة الجزاء بنسبة الشرط ، ولذا تؤدي عندهم بقولنا : كلما كان كذا كان كذا ، مع أن (ما) في (كلما) مصدرية ظرفية متمحضة في الدلالة على الزمان ، ولذا صح منهم تقسيمها إلى اللزومية والاتفاقية ، وليس الملحوظ لهم المعنى اللغوي والعرفي لمفاد الأداة أو الهيئة ، كما أشرنا إليه عند الكلام في أدلة الشرطية على اللزوم ، فلا مجال للخروج بما ذكروه عما ذكرنا من التبادر.

بقي في المقام تنبيهات ..

التنبيه الأول : أشرنا في أول الفصل إلى أن المتيقن من محل الكلام الجملة المقترنة ب (إن) ونحوها ، وذلك لأن (إن) بسبب شيوع استعمالها اتضح مؤداها حتى صارت أظهر أدوات الشرط في إفادة الإناطة والتعليق المستلزمين للمفهوم.

ولكن الظاهر مشاركة كثير من أدوات الشرط لها ، سواء كانت جازمة للمضارع ك (من) و (ما) أم لا ك (إذا) ، كما يشهد به أو يؤيده النصوص المتقدمة.

ولا ينافي ذلك ما صرح به النحويون من أنّ (إذ) ظرف مضاف للجملة التي بعدها معمولة للجزاء. لأنه لو تم فتضمن (إذا) معنى الظرف لا ينافي إفادتها الإناطة أيضا.

نعم ، ما يقل استعماله في أعرافنا ك (أيان وحيثما وإذما ومتى ومهما) لا يتسنى لنا تحديد مفاده بالتبادر ، ليتضح ظهوره في المفهوم وعدمه.

٥٣١

ولا يتسنى لنا الجزم بتلازم أدوات الشرط في ذلك ، وإن كان مظنونا لعدم وضوح كون المعيار في جعلهم لها من أدوات الشرط ملاحظتهم إفادتها الخصوصية المستلزمة للمفهوم ، بل لعله ناشئ عن مجرد إفادتها الارتباط بين المقدم والتالي ، نظير ما تقدم من المنطقيين ، فيكون مصطلحا نحويا لا يصلح لتحديد المفهوم اللغوي والعرفي للأدوات المذكورة.

هذا ، والظاهر استفادة المفهوم من الشرطية الخالية عن الأداة ، وهي المتضمنة لجواب الطلب ، نحو : أسلم تسلم ، لقوة ظهور هيئتها في الإناطة والتعليق ، ويؤيده صحيحة جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال له رجل : جعلت فداك إن الله يقول : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وإنا ندعوا فلا يستجاب لنا ، قال : «لأنكم لا توفون بعهده ، وإن الله يقول : (أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم» (١).

نعم ، يشكل استفادته من الحملية المشعرة بالشرط ، وهي التي يكون المبتدأ فيها موصولا والخبر مقترنا بالفاء ، نحو الذي يأتي فله درهم ، فإنهم وإن ذكروا أن دخول الفاء مشعر بتضمن الموصول معنى الشرط ، إلّا أن المتيقن منه تضمنه له من حيثية إفادة كون الصلة علة للخبر ، لا من حيثية الإناطة والتعليق.

التنبيه الثاني : أشرنا آنفا إلى أن المعيار في استفادة المفهوم من القضية دلالتها على انتفاء سنخ الحكم حال عدم الشرط ، لا انتفاء شخصه. فقولنا : أكرم زيدا إن جاءك لما كان دالا على وجوب الإكرام عند المجيء ، فانتفاء الوجوب المذكور حال عدم المجيء لعدم تحقق موضوعه لا ينافي ثبوت فرد آخر من وجوب الإكرام في حال المرض مثلا ، ليستلزم المفهوم ، وإنما المستلزم

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٤٦.

٥٣٢

للمفهوم انتفاء مطلق وجوب الاكرام حال عدم المجيء.

وهكذا الحال في جميع المفاهيم ، فمفهوم الغاية يتوقف على ظهور القضية في ارتفاع مطلق الحكم بحصول الغاية ، لا خصوص الحكم الثابت قبل حصولها ، ومفهوم الاستثناء والوصف يتوقف على ظهورها في ارتفاع مطلق الحكم في المستثنى أو فاقد الوصف ، لا خصوص الحكم الوارد على الباقي من المستثنى منه وعلى الموصوف ، ومفهوم اللقب على ظهورها في ارتفاع مطلق الحكم عن غير الموضوع المذكور فيها ، لا خصوص الحكم الوارد عليه ، إلى غير ذلك.

وبذلك ظهر أنه ليس المراد بشخص الحكم في مقابل سنخه الحكم الشخصي الوارد على الموضوع الجزئي ، كنجاسة الثوب الخاص في مقابل الحكم الكلي الوارد على الموضوع العام بنحو الانحلال ، كنجاسة الملاقي للنجس ، لاختلاف القضايا المتضمنة للأحكام في ذلك ، بل الحكم المقارن للخصوصية المذكورة في القضية من موضوع أو قيد أو غيرهما مما يكون منشأ للمفهوم ، في مقابل ذات الحكم مع قطع النظر عن تلك الخصوصية.

هذا ، ولا ينبغي التأمل في أن مفاد القضية إنشائية كانت أم خبرية جعل الأمر المحكوم به أو الحكاية عنه مقارنا لتمام ما اخذ في القضية من موضوع أو قيد أو غيرهما ، لتقوم النسبة التي تتضمنها القضية بأطرافها ، فلا معنى لعمومها لحال ، عدم بعض تلك الأطراف.

إلّا أن يخرج بعض تلك الأطراف عن كونه قيدا في القضية ، كالوصف المذكور لمحض بيان حال الموضوع اللازم أو الغالب. أو تكون خصوصية القيد ملغية لذكره في القضية عبرة لبيان قيدية الماهية التي يندرج تحتها.

٥٣٣

لكن كلاهما ـ مع مخالفته للظاهر واحتياجه للقرينة ـ لا ينافي ما ذكرنا من دخل القيد في الحكم الذي تتضمنه القضية ، وأنها لا تفيد إلّا الحكم المتقوم به.

ومرجع ذلك إلى كون المجعول في القضية الإنشائية والمحكي عنه في الخبرية شخص الحكم لا سنخه.

وعليه يبتني منع ما سبق عن بعض الأعيان المحققين (قدس سره) من أنه قد يستفاد من بعض القضايا إنشاء سنخ الحكم لاشتماله على خصوصية زائدة على جعل الحكم على موضوعه.

هذا ، ولا فرق في ذلك بين القول بعموم المعنى الحرفي والقول بخصوصه ، لوضوح أن عموم المعنى الحرفي مفهوما لا ينافي كون المنشأ فردا خاصا من الحكم متقوما بجميع ما يؤخذ في القضية من موضوع وقيود ، لأن إطلاقه بالإضافة إليها لا يجتمع مع أخذها فيه.

وليس الفرق بين جزئية المعنى الحرفي وكليته إلّا في كون الخصوصية خارجة عن مفهومه مقارنة له وكونها مأخوذة في المفهوم ـ نظير الفرق بين قولنا : أكرم زيدا ، وقولنا : أكرم الرجل ، في كونه مفهوميا محضا ـ مع كون المؤدى واحدا مطابقا للنسبة المتقومة بالأطراف.

فما قد يظهر من المحقق الخراساني (قدس سره) من كون المنشأ سنخ الحكم ، لعموم المعنى الحرفي ، في غير محله.

ومثله ما قد يظهر من بعض الأعاظم (قدس سره) من الالتزام بذلك فيما لو كان الحكم الذي يتضمنه الجزاء مستفادا من معنى اسمي ، كالوجوب والتحريم ، لعموم المعنى المذكور مفهوما ، وليس كالمعنى الحرفي شخصيا

٥٣٤

جزئيا.

وكذا ما في التقريرات من أن الكلام المشتمل على المفهوم إذا كان خبريا ، كقولنا : يجب كذا إن كان كذا ، فالمخبر عن ثبوته في المنطوق ليس شخصا خاصا من الحكم ، بل هو كلي الحكم ، وإنما يكون شخصا خاصا منه إذا كان إنشائيا كقولنا : أكرم زيدا إن جاءك.

لابتناء جميع ذلك على تعقل كون المنشأ أو المخبر عنه كلي الحكم وسنخه بالنحو الذي يشمل فاقد الخصوصية التي تضمنتها القضية ، وقد عرفت أنه غير معقول ، وأن أخذ القيد في القضية مستلزم لاختصاص الحكم الذي تضمنته في مقام الإخبار أو الإنشاء بما يقارنه ، ومرجعه إلى كون مفاد القضية شخص الحكم لا سنخه.

على أن لازم ما في التقريرات ثبوت المفهوم لكل قضية خبرية ، ولازم ما ذكره بعض الأعاظم ثبوته لكل قضية يستفاد الحكم من معنى اسمي فيها ، ولازم ما ذكره المحقق الخراساني ثبوته في كل قضية ، ولا يختص ـ بناء على ما ذكروه ـ بالشرطية ونحوها ، لأنه بعد أن كان الحكم الذي تتضمنه القضية هو السنخ ، والمفروض أن مفادها ارتباطه بالموضوع أو القيد الخاص المذكور فيها ، ولازم ذلك انتفاؤه بانتفائه ، وامتناع وجوده في موضوع آخر أو في غير مورد القيد. فلاحظ.

ويترتب على ما ذكرنا أن ثبوت شخص الحكم في الموضوع أو مورد القيد إذا كان منافيا لثبوت مثله في غيرهما تعين البناء على عدم ثبوته واختصاص سنخ الحكم بالموضوع ومورد القيد ، من دون فرق بين القضايا.

لكنه ليس من المفهوم المصطلح الذي يبتني على اختلاف مفاد القضية ،

٥٣٥

بل لخصوصية في الحكم ، وذلك كما في الوقوف ، لوضوح أن العين إذا وقفت على وجه امتنع وقفها على وجه آخر. فإذا قال : هذه الدار وقف على أولادي الفقراء ، اختص بها أولاده الفقراء ، ولم يدخل في الموقوف عليهم غير الفقراء من أولاده ، وإن لم نقل بمفهوم الوصف ، ولا غير أولاده ، وإن لم نقل بمفهوم اللقب ، لا بوقفية اخرى ، لامتناع وقف العين مرتين ، ولا بالوقفية الاولى ، لتوقف دخول غير الفقراء من أولاده فيها على عدم سوق الوقف للتقييد ، بل لمحض التوصيف بالغلبة ، وتوقف دخول غير أولاده على الغاء خصوصية الأولاد ، وأن ذكرهم للأعم منهم كأرحامه ، أو مطلق الناس ، وقد عرفت أنهما خلاف ظاهر الكلام ، بل قد يكونان خلاف المقطوع به منه.

ولا يفرق في ذلك بين كون القضية إنشائية وكونها إخبارية عن حال الوقفية الواقعة ، كما في مقام الإقرار والشهادة.

وما ذكره سيدنا الأعظم (قدس سره) من عدم الدلالة على الانتفاء في الإخبار إلّا أن تكون القضية ذات مفهوم.

في غير محله بعد ظهور القضية الخبرية في بيان تمام الموقوف عليهم ، لأن الاقتصار في بيان طرف الإضافة على شيء ظاهر في كونه تمام الطرف ، لا بعضه.

نعم ، يتجه ذلك لو لم تتضمن الموقوف عليهم ، بل مجرد استحقاقهم التصرف في الوقف ، لأن استحقاقهم بالوقفية الواحدة لا ينافي استحقاق غيرهم بها.

ونظير الوقف في ذلك ما يتضمن الملكية أو يستلزمها ، كالهبة والوصية ونحوهما ، مع اتحاد موضوع الملكية. أما مع تعدده فلا يتم ذلك ، بل تتوقف

٥٣٦

الدلالة على الانتفاء على سوق القضية للمفهوم ، لعدم التنافي بين الملكيتين.

وعلى هذا فلو أوصى بإعطاء داره لجيرانه ، ثم أوصى بإعطائها لجيرانه الفقراء أو إن كانوا فقراء ، كانت الوصية الثانية ناسخة للاولى ، من دون نظر إلى ظهور القضية المتضمنة لها في المفهوم.

أما إذا أوصى بإعطاء كل رجل منهم عشرة دراهم ، ثم أوصى بإعطاء كل رجل من فقرائهم عشرة دراهم لم تكن ناسخة للأولى إلّا إذا كانت القضية المتضمنة لها ظاهرة في المفهوم.

ولعله إلى ما ذكرنا يرجع ما عن الشهيد الثاني في محكي تمهيد القواعد من عدم الإشكال في دلالة القضية على المفهوم في مثل الوقف والوصايا والنذور والأيمان ، قال : «كما إذا قال : وقفت داري على أولادي الفقراء ، أو إن كانوا فقراء أو نحو ذلك. ولعل الوجه في تخصيص المذكور هو عدم دخول غير الفقراء في الموقوف عليهم ، وفهم التعارض فيما لو قال بعد ذلك : وقفت على أولادي مطلقا».

إذا عرفت هذا ، فقد حاول غير واحد توجيه دلالة الشرطية على انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط مع فرض كون المنشأ هو شخصه ، إما مطلقا ، كما ذكرنا ، أو إذا كانت واردة في مقام الإنشاء ، كما يظهر من التقريرات ، أو إذا استفيد الحكم من معنى حرفي ، كما يظهر من بعض الأعاظم (قدس سره).

والمذكور في كلماتهم وجوه :

أحدهما : ما يظهر من التقريرات قال : «وأما ارتفاع مطلق الوجوب فيما إذا كان الكلام إنشائيا فهو من فوائد العلية والسببية المستفادة من الجملة الشرطية ، حيث ان ارتفاع شخص الطلب والوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع

٥٣٧

العلة والسبب المأخوذ في الجملة الشرطية ، فإن ذلك يرتفع ولو لم يؤخذ المذكور في حيال أداة الشرط علة له ، كما هو ظاهر في اللقب والوصف ، فقضية العلية والسببية ارتفاع نوع الوجوب الذي أنشأه الامر وصار بواسطة إنشائه شخصا ...».

وظاهره أنه لما لم يكن ارتفاع شخص الحكم بارتفاع الخصوصية المأخوذة فيه موقوفا على سوقها علة له ، بل يكفي فيه سوقها قيدا في القضية بأيّ نحو اتفق ، فأخذها علة له ـ كما هو ظاهر الشرطية ـ لا بد أن يكون لبيان ارتفاع أصل الحكم وسنخه بارتفاعها ، لا ارتفاع خصوص شخصه.

وفيه : أولا : أن مرجع ذلك إلى أن دلالة الشرطية على انتفاء السنخ ـ المستلزم للمفهوم ـ ليست بالوضع ، بل بدلالة الاقتضاء دفعا للغوية ذكر الشرط بصورة العلة ، وهو موقوف على انحصار فائدة البيان بصورة العلة بذلك ، لكنه غير ظاهر ، بل قد يكون بنفسه محطّا للغرض وموردا للفائدة ، ولو بلحاظ نكتة بيانية.

على أن لازم ذلك دلالة الشرطية على المفهوم وإن لم نقل بدلالتها على الانحصار. ومن ثم جعل بعض المحققين (قدس سره) استفادة انتفاء السنخ من فوائد بيان انحصار العلة ، لا من فوائد بيان أصل العلية.

وثانيا : أن ذلك لو تم اقتضى دلالة الشرطية المسوقة لتحقيق الموضوع على المفهوم ، بحيث تقتضي انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط. بل هي أولى بذلك ، للاستغناء فيها عن ذكر الشرط مطلقا بعد تقوم موضوع الجزاء به ، بخلاف غيرها ، حيث يحتاج فيها لذكره إما بصورة قيد الموضوع أو بصورة العلة ، فذكره بصورة العلة مع الاستغناء عنه أولى بالدلالة على انتفاء سنخ

٥٣٨

الحكم من ذكره بصورتها مع الحاجة إلى ذكره ولو بصورة اخرى. فلاحظ.

ثانيها : ما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) من أن المعلق في الشرطية ليس هو مفاد الهيئة ، لأنه معنى حرفي وملحوظ إلى ، بل هو نتيجة القضية المذكورة في الجزاء ، وإن شئت عبرت عنها بالمادة المنتسبة ، على ما تقدم تفصيله في بحث الواجب المشروط.

وعليه يكون المعلق في الحقيقة هو الحكم العارض للمادة ، كوجوب الصلاة في قولنا : إذا دخل الوقت فصل.

لكنه حيث يبتني على ما تقدم منه في الواجب المشروط يظهر الإشكال فيه مما تقدم هناك في وجه ضعف المبنى المذكور.

مع أنه لا ينهض بدفع الإشكال ، لأن الحكم الذي هو نتيجة الهيئة عنده هو الوجوب الشخصي الخارجي ، لفرض جزئية مفهوم الهيئة عنده ، فكيف يكون المتحصل منها سنخ الحكم؟!

ثالثها : ما يظهر من سيدنا الأعظم (قدس سره) من أن ظاهر القضية تعليل سنخ الجزاء لا شخصه ، سواء كان الإنشاء واردا على الطبيعة أم على الشخص ، مستشهدا على ذلك بأن المشهور ـ مع بنائهم على أن الصيغة مستعملة في المعنى الجزئي ـ قائلون بدلالة القضية الشرطية على الانتفاء عند الانتفاء. وقد يظهر منه توجيه ما سبق من التقريرات بذلك.

لكنه كما ترى! إذ لا إشكال في أن مفاد الشرطية نحو نسبة بين الشرط ونفس الجزاء ، لا سنخه ومجرد بناء المشهور على ما سبق لا بد من النظر في وجهه ، ولا يصلح بنفسه وجها للمدعى.

والذي ينبغي أن يقال : حيث سبق أن شخص الحكم هو الحكم

٥٣٩

المتحصل من القضية المتقوم بتمام ما أخذ فيها من موضوع وقيود ، فلا مجال لكونه موضوعا للتقييد الذي تتضمنه القضية ، لتفرعه عليه ، بل ليس موضوع التقييد إلّا الذات بنفسها ، الصالحة لطروء القيد وعدمه ، وهي المساوقة لسنخ الحكم بالمعنى الذي تقدم ، وإن لم يكن مجعولا أو مخبرا عنه على سعته ، لامتناع تقييده بعد إطلاقه إلّا بنسخه.

فمثلا الوجوب في قولنا : يجب إكرام زيد ، قد لحظ في مرتبة وروده على إكرام زيد بذاته على ما هو عليه من سعة في المفهوم ، وتضييقه إنما يكون بتقييده بموضوعه ، وهو إكرام زيد ، وفي مرتبة متأخرة عنه.

فهو في المرتبة الاولى سنخ الحكم وطرف للتقييد غير مجعول على سعته ، وفي الثانية شخصه الذي تناوله الجعل.

كما أن وجوب إكرام زيد الذي هو مفاد الجزاء في قولنا : أكرم زيدا إن جاءك ، قد لحظ في مرتبة تقييده بالمجيء بذاته ، على ما هو عليه من سعة ، وتضييقه بالشرط الذي يتحصل منه شخص الحكم إنما يكون في المرتبة اللاحقة لتقييده بالشرط ، وهكذا الحال في جميع القيود التي تتضمنها القضية.

وحينئذ إذا فرض ظهور التقييد ببعض القيود في الانحصار والإناطة بها فليس المراد بهما إلّا الانحصار والإناطة بالإضافة إلى موضوع التقييد وهو السنخ المستلزم للمفهوم ، وإن كان الحكم المتحصل من القضية المنشأ أو المخبر عنه بها هو الشخص.

فكون الحكم المجعول أو المخبر عنه هو الشخص لا يستلزم كونه هو المنوط بالقيد والمعلق عليه ، بل لا يمكن ذلك بعد كونه متحصلا منهما ومتأخرا عنهما رتبة ، بل ليس موضوعهما إلّا السنخ ، والذات القابلة للأمرين.

٥٤٠