المحكم في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٨

المقصد الثالث

في المفاهيم

تمهيد فيه امور

الأول : من الظاهر أن المنطوق لغة يختص باللفظ المؤدى بآلة النطق ، والمفهوم بالمعنى المدرك بقوة الفهم ، وليس كل منهما بالمعنى المذكور موردا للكلام في المقام ، وإنما يراد بمحل الكلام مصطلح خاص لكل من العنوانين يختص بالجمل المتضمنة لحكم خبري أو إنشائي.

وهما متقابلان في الكلام الواحد ، فالكلام الذي له مفهوم له منطوق ، وغيره لا منطوق له ولا مفهوم بهذا المصطلح ، وإن كان الحكم الذي تضمنه مفادا بالجملة المنطوقة.

ويستفاد من غير واحد أن المنطوق هو الحكم الذي تضمنته القضية بما لها من مدلول مطابقي ، والمفهوم هو الحكم الذي لم يذكر ، وإنما استفيد بالملازمة من خصوصية قد تضمنتها ، فمنطوق قولنا : إنما زيد قائم ، ثبوت القيام لزيد الذي هو مدلوله المطابقي ، ومفهومه عدم قيام غيره الملازم للحصر الذي تضمنه بسبب اشتماله على أداة (إنما).

لكن الظاهر أن الخصوصية التي تستلزم المفهوم لا يلزم أن تتضمنها القضية ، بل يكفي استفادتها منها بدلالة الاقتضاء أو غيرها ، فمفهوم الوصف

٥٠١

ـ مثلا لو قيل به ـ يبتني على أن ذكر الوصف قيدا في موضوع الحكم يفيد عليته للحكم أو إناطته به ، المستلزمين لانتفائه بانتفائه ، مع أنه لا يصرح في القضية بالعلية والإناطة المذكورتين ، ولا تدل عليها أداة أو هيئة في الكلام ، بل يستفادان عرفا منها.

كما لا يعتبر في المنطوق أن يكون مدلولا مطابقيا لها ، فإن منطوق بعض الجمل وإن كان كذلك ، كالمنطوق في الجملة الوصفية وذات مفهوم الموافقة ، إلّا أنه لا يطرد في جميعها ، بل قد يكون لازما لمفاد القضية ، مثلا منطوق القضية الشرطية ثبوت الجزاء حال ثبوت الشرط ـ الذي هو مفاد قضية حملية مقيدة بحال ثبوته ـ وهو ملازم لمفاد الشرطية بسبب تضمها إناطة الجزاء بالشرط ، لا عينها.

وأما التعبير عنه في جملة من كلماتهم بنفس الشرطية فهو مبني على نحو من التسامح ، وتجريد الشرطية المنطوقة عن خصوصية الاناطة ، لما هو المعلوم من تباين المنطوق والمفهوم وعدم تضمن الأول للثاني ، وإن استفيدا معا من الشرطية.

ومثله في ذلك منطوق جملة الاستثناء ، فإنه عبارة عن ثبوت الحكم لما عدا المستثنى من أفراد المستثنى منه الذي يعبر عنه بلسان التقييد ، وليس هو مدلولا مطابقيا للجملة ، بل لازما لها ، لوضوح التباين بين مفاد التقييد والاستثناء مفهوما.

ومن هنا فالظاهر أن اختلاف المنطوق والمفهوم اصطلاحا ليس بلحاظ كون الأول مذكورا في القضية ، والثاني ملازما للخصوصية المذكورة فيها ، بل بلحاظ كيفية استفادتهما من القضية ، لكن لا بلحاظ خصوص مضمونها

٥٠٢

اللفظي المطابقي ، بل ما يعم مضمونها العرفي التابع للملازمة الذهنية العرفية أو نحوها ، وإن لم يكن لازما حقيقيا.

فالمنطوق هو الأقرب عرفا لمضمونها من المفهوم ، إما لأنه المدلول المطابقي لها ، كمنطوق القضية بالإضافة إلى مفهوم الموافقة والوصف ، أو لأنه الأقرب لمدلولها المطابقي ، كمنطوق القضية الشرطية بالإضافة إلى مفهومها.

على أنه لم يتضح بعد عموم ذلك واطراده في كل ما هو الأقرب للمضمون والأبعد ، ليصح تعريف المنطوق والمفهوم بذلك ، وإنما المتيقن أن ذلك قدر جامع بين جميع الموارد التي اطلق فيها المفهوم مقابل المنطوق ، ووقع الكلام فيها في مباحث المفاهيم.

الثاني : حيث كان مقصد المفاهيم من مباحث الألفاظ ، وتقدم في التمهيد للدخول في هذا العلم أن المبحوث عنه فيها تشخيص الظهورات النوعية فالبحث في المقام إنما يكون عن ظهور الكلام في المفهوم لا عن حجيته بعد فرض الظهور فيه ، فإنه من صغريات البحث عن حجية الظهور الذي يأتي في القسم الثاني من هذا العلم.

وما في جملة من الكلمات من التعبير عن مسائل هذا المقصد بمسألة حجية مفهوم الوصف أو الشرط أو نحوهما إنما يراد به ذلك ، كما يظهر بأدنى تأمل في كيفية تحريرهم الكلام في تلك المسائل.

الثالث : قسموا المفهوم إلى قسمين :

أولهما : مفهوم الموافقة ، وهو الذي يطابق المنطوق في الإيجاب والسلب.

ثانيهما : مفهوم المخالفة ، وهو الذي يخالفه فيهما.

وذكروا في الأول مفهوم الأولوية العرفية ، والمعيار فيه أن يستفاد عرفا

٥٠٣

من الخطاب بالحكم في الأدنى ثبوته في الأقوى أو العكس بسبب إدراك العرف جهة الحكم من نفس الخطاب به ، نظير : دلالة تحليل وطء الجارية على تحليل ما دونه من الاستمتاع كالتقبيل ، وإن فرض غفلة المتكلم عنه حين التحليل ، حيث يفهم العرف أن الجهة الموجبة لتحليله الاهتمام بمتعة المحلل له وإشباع رغبته ، ورفع الحرج لأجل ذلك عن الأهم تستلزم عرفا رفعه عن الأخف.

وأظهر من ذلك ما لو فهم العرف سوق الخطاب لبيان عموم الحكم ببيان ثبوته في الفرد الأدنى أو الأعلى ، لينتقل لغيره بالأولوية ، كما هو الظاهر في قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ...)(١) حيث يفهم عرفا أن الغرض بيان عموم النهي عن الإهانة والإيذاء بالنهي عن الفرد الضعيف منهما.

وبهذا كان المفهوم مقتضى ظهور الكلام ، لأن الفهم العرفي بأحد الوجهين من سنخ القرينة الحالية ، بخلاف الانتقال من أحد الفردين للآخر بالأولوية التي هي من الأدلة العقلية ، حيث لا يعتبر فيه فهم ذلك من الدليل ، بل يكفي فيه إدراك أقوائية الملاك في الفرد الآخر منه في مورد الدليل.

ولذا لا بد فيه من القطع بالملاك أو قيام الحجة عليه بالخصوص ، أما في مفهوم الموافقة فلا يعتبر إلّا ظهور الدليل بأحد الوجهين ، ومن ثم يمكن رفع اليد عنه بظهور أقوى منه ، كما هو الحال في سائر الظهورات في موارد الجمع العرفي.

ومنه يتضح عدم اختصاص مفهوم الموافقة بمفهوم الأولوية العرفية ،

__________________

(١) سورة الاسراء : ٢٣.

٥٠٤

بل يجري في جميع موارد فهم عموم الحكم في الدليل الوارد في خصوص بعض الأفراد ، لإلغاء خصوصيتها عرفا ، إذ يستفاد من الدليل المذكور نظير الحكم الذي تضمنه في بقية الموارد ، وهو شائع في الأدلة.

ونظيره تسرية الحكم عن مورده بتنقيح المناط ، وإن كان الفرق بينهما نظير الفرق المتقدم بين التعدي بالأولوية العرفية الذي هو من مفهوم الموافقة والتعدي بالأولوية الذي هو من الأدلة العقلية.

بل من مفهوم الموافقة ـ أيضا ـ التعدي عن مورد الدليل لجميع موارد العلة المنصوصة ، حيث يستفاد من التعليل دوران الحكم مداره وجودا وعدما ، كما في قولنا : (لا تأكل الرمان لأنه حامض) حيث يستفاد منه عموم النهي لغير الرمان من أفراد الحامض ، وعدم النهي في الرمان غير الحامض ، ولما كان الأول مطابقا للحكم المنطوق في الإيجاب كان من مفهوم الموافقة ، ولما كان الثاني مخالفا له فيه كان من مفهوم المخالفة.

لكن أهل الفن اقتصروا في مفهوم الموافقة على مورد الأولوية العرفية.

ولعله لعدم كونهم بصدد حصر أفراده ، لوضوح الحال فيها وعدم الخلاف في التعدي عن مورد أدلتها.

أو لأن التعدي بفهم عدم الخصوصية بسبب ارتكازيته لم يلتفت إليه تفصيلا ، لينبه على كبراه الجامعة بين أفراده ، والتعدي في مورد العلة المنصوصة قد تعرضوا له في الجملة في مباحث القياس ، فاستغنوا بذلك عن التنبيه له في مباحث المفاهيم ، أو غفلوا عن كونه منها.

كما لعله لأحد الوجهين لم يذكروا قصر الحكم عن الموضوع الفاقد للعلة المنصوصة في مفهوم المخالفة.

٥٠٥

وكيف كان ، فلا مجال لإطالة الكلام في مفهوم الموافقة بعد الاتفاق على موارده ـ كما ذكرنا ـ مع عدم وضوح الضوابط العامة لتشخيص صغرياته ، بل هو من الظهورات الشخصية الموكولة لنظر الفقيه في كل مورد مورد.

وإنما نقتصر على الكلام في مفهوم المخالفة ، تبعا لأهل الفن ، حيث تعرضوا لجملة من الموارد وقع البحث في دلالة الكلام على المفهوم فيها.

والبحث فيها يقع في ضمن فصول ..

٥٠٦

الفصل الأول

في مفهوم الشرط

لا إشكال في دلالة القضية الشرطية على ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ، وهو منطوقها ، وإنما الكلام في دلالتها على انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط الذي هو مفهومها بمصطلحهم ، فقد أصرّ على ذلك جماعة ، ومنعه آخرون.

ومحل الكلام إنما هو دلالتها بالوضع أو الإطلاق ، بحيث يكون المفهوم مقتضى الظهور النوعي للجملة الذي لا يخرج عنه إلّا بالقرينة ، وإلا ففهم ذلك منها في كثير من الموارد وتجردها عنه في موارد أخرى ليس محلا للكلام ظاهرا.

كما أن اتفاق جميع القضايا الشرطية من حيثية الدلالة على المفهوم أو عدمها واختلافها في الحيثية المذكورة محل كلام يأتي إن شاء الله تعالى ، والذي هل فعلا محل الكلام ما اقترن ب (إن) أو نحوها.

هذا ، والمستفاد من كلام شيخنا الأعظم (قدس سره) وجملة ممن تأخر عنه أن المناط في دلالة الجملة الشرطية على المفهوم ظهورها في كون الشرط علة منحصرة للجزاء ، وبدونه لا دلالة لها عليه.

وظاهر صاحب الفصول ـ بل صريحه ـ أنه يكفي فيه ظهورها في مجرد

٥٠٧

لزوم الشرط للجزاء بمعنى عدم حصول الجزاء إلّا مع حصول الشرط ، إما لكون الشرط علة منحصرة للجزاء ، أو لكون الجزاء علة للشرط ، أو لكونهما معلولين لعلة واحدة ، ووافقه على ذلك سيدنا الأعظم (قدس سره).

ولا ريب أن ما ذكراه هو المتعين ، إذ لو فرض أن الجزاء علة تامة للشرط أو متمما لعلته ـ مع وجود بقية أجزائها ـ فعدمه مستلزم لعدم الجزاء. وكذا لو اشتركا في العلة المنحصرة أو العلل المتعددة ، حيث يستلزم انتفاء الشرط انتفاء علته ، فينتفي معلولها الآخر وهو الجزاء.

بل لو فرض ظهورها في عدم الانفكاك بينهما خارجا بالنحو المذكور كفى في الدلالة على المفهوم وإن كان اتفاقيا لا لزوميا بناء على ما يأتي في معنى الاتفاقية ، إذ يكفي في المفهوم انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط وإن لم يكن ممتنعا.

ومما ذكرنا يظهر حال ما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) من أن الشرط لو كان معلولا للجزاء لم يقتض المفهوم ، لأن وجود المعلول وإن كان كاشفا عن وجود العلة ، إلّا أن عدم المعلول لا يكشف عن عدم ذات العلة ، لجواز استناده إلى وجود المانع.

فإنه إنما يتم لو كان الجزاء جزء من علة الشرط غير متمم لها ، كالمقتضي ، حيث يمكن وجوده في ظرف عدم المعلول للمانع ، دون ما إذا كان علته التامة أو متمما للعلة ـ كما ذكرنا ـ حيث لا بد حينئذ من انتفاء الشرط عند انتفائه.

وبالجملة : لا ينبغي للتأمل في كفاية دلالة الشرطية على لزوم الشرط

٥٠٨

للجزاء بالنحو المتقدم في دلالتها على المفهوم.

ومن هنا كان هو المهم في محل الكلام ، إلّا أن المناسب التعرض لما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) من الكلام في دلالتها على العلية المنحصرة ، لأنها وإن كانت أخص من اللزوم المذكور إلّا أن تحقيق مفاد الشرطية من هذه الجهة لا يخلو في نفسه عن فائدة ، ولا سيّما مع كون تماميته مستلزمة للظهور في المفهوم الذي هو محل الكلام في المقام.

وعليه يقع الكلام في دلالتها على امور مترتبة في أنفسها ..

الأول : اللزوم ، في مقابل كون الشرطية اتفاقية.

وقد أصر غير واحد على ظهور الشرطية في كونها لزومية ، بل ذكر بعض الأعاظم (قدس سره) أن استعمالها في الاتفاقية نادر جدا ، بل هو غير صحيح في نفسه ، ولا بد في صحة الاستعمال في تلك الموارد من رعاية علاقة وإعمال عناية ، ضرورة أنه لا يصح تعليق كل شيء على كل شيء ، وسبقه إلى ذلك شيخنا الأعظم (قدس سره).

لكن قال سيدنا الأعظم (قدس سره) : «الاتفاق المقابل للزوم إن اريد به ألا يكون بين الشرط والجزاء علاقة تقتضي اقترانهما فذلك مما أحاله جماعة ، لأن كل موجودين إما أن يكون أحدهما علة للآخر أو يكونا معلولي علة واحدة ـ ولو بوسائط ـ لامتناع تعدد الواجب. ولذلك أنكر هؤلاء الاتفاقية بهذا المعنى ـ التي هي أحد قسمي المتصلة ـ.

وإن اريد به ألا يكون بينهما علاقة ظاهرة في نظر العقل ـ كما هو معنى الاتفاقية عند هؤلاء الجماعة ـ فالمراد من اللزومية حينئذ ما يكون بينهما علاقة ظاهرة.

٥٠٩

وعليه فدعوى ظهور القضية الشرطية في اللزومية بهذا المعنى في غاية السقوط ، لا دعوى كونها اتفاقية.

وفيه : أولا : أن ما ذكره من عدم خروج الموجودين عن الفرضين المذكورين في كلامه لا يستلزم إنكار الاتفاقية التي لا علاقة بين طرفيها أصلا ، حيث تتعين فيما إذا كان أحد طرفي الشرطية أو كلاهما نسبة منتزعة من مقام ذات الموضوع أو لازمها ، نحو : إن كان الانسان ناطقا كان الحمار ناهقا ، وإن كان زيد ممكنا كان شريك الباري ممتنعا ، وإن كان زيد جميلا كانت الأربعة زوجا ، وغيرها ، لوضوح أن النسبة المنتزعة من مقام الذات غير معلولة لأمر خارج عنها ، لتتردد بين الفرضين المذكورين في كلامه ، بل هي قائمة بنفسها غير مرتبطة بغيرها.

وثانيا : أن امتناع الاتفاقية الحقيقية لا يستلزم كون المراد بها مطلق ما كانت العلاقة فيها غير ظاهرة بنظر العقل ، بل قد يراد بها خصوص ما كانت العلاقة فيها غير ظاهرة أصلا ولو عرفا ، كالعلاقة بين وجود زيد وجريان النهر ، المستلزم لعدم قصد أدائها بالجملة الشرطية وتمحضها في بيان تقارن النسبتين ، لأن مجرد وجود العلاقة واقعا لا يوجب الظهور في الاستعمال فيها ما لم تقصد بالاستعمال ، ولا بد في قصدها من إدراكها ،

ويكون المراد باللزومية ما كانت العلاقة فيها مدركة ولو إجمالا عرفا وعقلا ، كما في مثل : إذا أراد الله تعالى شيئا كان ، أو عرفا فقط ، كما في قولنا : إن وقع الثوب في الماء ابتل ، فيقصد أداؤها بالجملة الشرطية زائدا على التقارن بين النسبتين. والظاهر أن هذا هو مراد من يدعي ظهور الشرطية في اللزومية.

٥١٠

إذا عرفت هذا ، فلا ينبغي التأمل في ظهور الشرطية في اللزوم زائدا على التقارن ، والمعيار فيه ما ذكرنا. بل الظاهر عدم صحة استعمالها في الاتفاقية إلّا بعناية ، كما تقدم ممن ذكرنا.

والظاهر أن مبنى تقسيم المنطقيين الشرطية إلى لزومية واتفاقية إرادتهم بالشرطية ما تضمّن مجرد الاتصال بين النسبتين الذي يكفي فيه تقارنهما ، أو الانفصال بينهما الذي يكفي فيه التردد بينهما ، ولذا تؤدى المتصلة عندهم بقولنا : كلما كان كذا كان كذا ، والمنفصلة ب (إما) ومن الظاهر ان (ما) في (كلما) ظرفية مصدرية ، متمحضة في الدلالة على الزمان ، وليست كأدوات الشرط خصوصا (إن) التي سبق أن الكلام فعلا فيها ، حيث لا إشكال في أن المفهوم منها عرفا معنى زائد على الظرفية لا يصدق في الاتفاقية.

ومنه يظهر حال ما ذكره بعض المحققين (قدس سره) من أن الشرطية لا تلازم اللزوم ، لشهادة الوجدان بعدم العناية في إرادة الاتفاقية منها ، لأنها ليست إلّا لبيان مصاحبة المقدم مع التالي.

ولا يبعد أن يكون ذلك منه مبتنيا على النظر للشرطية عند المناطقة المألوفة في استعمالاتهم.

الثاني : ترتب الجزاء على الشرط دون العكس ، أو كونهما في مرتبة واحدة ، كالمتضايفين.

وقد أصر غير واحد على ظهور الجملة الشرطية في الترتب ، وإن اختلفوا في كونه بالوضع أو بغيره ، كما سيأتي.

وظاهر المحقق الخراساني (قدس سره) إنكار ذلك ، لعدم العناية في استعمال الشرطية في مطلق اللزوم من دون ترتب ، كما في قولنا : إن صارت

٥١١

هند زوجة لك صرت زوجا لها ، وإن جاء زيد جاء عمرو لو كان علة مجيئهما فصل الخصومة المشتركة بينهما. بل مع عكس الترتب ، كما في قولنا : إن عوفي زيد فقد استعمل الدواء ، وإن أفطر زيد فهو مريض.

لكن قال سيدنا الأعظم (قدس سره) : «ظهور الجملة الشرطية في الترتب مما لا ينبغي أن ينكر ، بشهادة دخول الفاء في الجزاء».

وهو كما ترى! فإن ذلك إنما يشهد بالترتب في مورد دخول الفاء ، ولعله مستند إليها لا إلى هيئة الجملة الشرطية أو أداتها.

فلعل الأولى أن يقال : لا ينبغي التأمل في عدم صحة استعمال الشرطية فيما لو كان الجزاء متقدما رتبة على الشرط واستهجان ذلك ، فلا يصح أن يقال : إن انكسر الإناء وقع على الأرض ، وإن طهر الثوب غسل.

وأما مثل الاستعمال المتقدم في تقريب ما ذكره المحقق الخراساني فليس الجزاء فيه علة للشرط ، بل معلول له ، لأن مفاد نسبة الجزاء فيه ليس محض الحدوث الذي هو علة الشرط ، ولذا لو قيل بدل المثال الأول : إن عوفي زيد شرب الدواء ، وبدل الثاني : إن أفطر مرض ، كان مستهجنا أو ينقلب المعنى ، بل مفادها نسبة التحقيق والاتضاح التي هي مفاد (قد) في الأول أو نسبة التقرر والثبوت التي هي مفاد الجملة الاسمية في الثاني ، وكلاهما ليس علة للشرط.

وهما مسوقان لبيان أنه ينبغي العلم بمفاد الجملة المبني على الانتقال من وجود المعلول إلى وجود العلة ، ومن الظاهر أن العلم بالعلة معلول للعلم بالمعلول في ذلك. ويشهد به دخول الفاء على الجزاء الظاهرة في تفرعه على الشرط ، ولا معنى لتفرع العلة على المعلول ، إلّا بلحاظ تفرع العلم بها عليه.

٥١٢

وكأنه إلى ذلك يرجع ما عن المحقق القمي (قدس سره) وغيره من أن الشرط في مثل ذلك سبب للعلم بالجزاء.

ولا وقع للإيراد عليه ـ كما يظهر من التقريرات ـ بأن محل الكلام هو علية الشرط للجزاء ، لا علية العلم به للعلم به.

إذ بناء على ما ذكرنا يكون الجزاء معنى العلم ومسوقا للكناية عنه ، فيكون الجزاء بنفسه معلولا للشرط.

وأما استعمالها فيما إذا كانا متحدي الرتبة ـ كالمثالين المتقدمين ـ فلا يبعد ابتناؤه على التنزيل وادعاء ترتب الجزاء على الشرط ، بسبب سبق فرضه ، حيث يستتبع فرض الجزاء بضميمة التلازم بينهما ، كما يناسبه الفرق ارتكازا في كل طرف بين جعله شرطا وجعله جزاء ، فلا يتمحض الفرق بين قولنا : إن صارت هند زوجة لك صرت زوجا لها ، وقولنا : إن صرت زوجا لهند صارت زوجة لك ، في مجرد التقديم والتأخير الذكري ، نظير الفرق بين قولنا : اشترك زيد وعمرو ، وقولنا : اشترك عمرو وزيد ، بل يزيد عليه باختلاف نحو التبعية اللحاظية الادعائية.

وإلا فمن البعيد جدا إفادتها القدر المشترك بين خصوص ترتب الجزاء على الشرط وتساويهما في الرتبة ، لعدم كونه عرفيا ولا مفهوما منها ، بل ليس الجامع العرفي بينهما إلّا محض التلازم الذي يعم صورة ترتب الشرط على الجزاء ، وحيث عرفت استهجان الاستعمال فيها تعين اختصاصها بترتب الجزاء على الشرط وابتناء استعمالها مع تساويهما رتبة على الادعاء ، كما ذكرنا.

ولذا لو لم تقم قرينة ملزمة بحمل الترتب على الادعائي ـ بالوجه المتقدم

٥١٣

أو عيره ـ كان ظاهر الشرطية الترتب الحقيقي بينهما ، فيستفاد من مثل : إن جاء زيد جاء عمرو ، تبعية مجيء عمرو لمجيء زيد وترتبه عليه ومعلوليته له.

وأما ما ذكره بعض المعاصرين في اصوله من أن المترتب على الشرط في القضايا الشرطية الخبرية هو الإخبار والحكاية عن الجزاء لا نفس الجزاء ، سواء كان الجزاء مترتبا على الشرط ثبوتا ، أم كان الشرط مترتبا عليه أم كانا في رتبة واحدة.

فلا مجال للبناء عليه ، لأن التعليق إنما هو بين الشرط والجزاء المحكيين ، فكما يكون المعلق عليه هو الشرط لا الحكاية عنه يكون المعلق هو الجزاء لا الحكاية عنه.

ولذا التزم بأن الجزاء لو تضمن إنشاء حكم تكليفي أو وضعي كان المعلق هو الحكم لا إنشاؤه.

بل الإخبار والإنشاء فعليان لا تعليق فيهما ، ولذا يتصف الإخبار فعلا بالصدق أو الكذب والإنشاء بالنفوذ أو البطلان ، وإنما التعليق في المخبر عنه والمنشأ.

ولو تم ما ذكره لصح استعمال الشرطية مع عكس الترتيب ، في مثل قولنا : إن انكسر الإناء وقع على الأرض ، وقد عرفت استهجانه ، كما عرفت أن مثل : إن عوفي زيد فقد استعمل الدواء ، ليس من الاستعمال في عكس الترتيب.

وبالجملة : لا ينبغي التأمل في ظهور الشرطية في ترتب الجزاء على الشرط ، كما يظهر من جماعة استيضاحه.

٥١٤

وإنما اختلفوا في أن ذلك مستند للوضع أو لغيره ، كما أشرنا إليه آنفا ، فقد استوضح بعض الأعاظم (قدس سره) عدم استناده للوضع ، وإلا لزم أن يكون الاستعمال في غيره مجازا مبنيا على عناية ، وهو باطل بالضرورة.

ومن ثم ادعى أنه مستند إلى سياق الكلام ، لأن ظاهر جعل شيء مقدما وجعل شيء آخر تاليا هو ترتب التالي على المقدم.

ويشكل بأن مجرد تقديم الشيء في الذكر ـ مع أنه لا يطرد في الشرطية ، حيث قد يقدم الجزاء فيها ـ لا يوجب ظهور الكلام في تقدمه ثبوتا ، بل غايته الإشعار به غير البالغ مرتبة الحجية ، فلا بد أن يكون ذلك مختصا بالشرط والجزاء في الجملة الشرطية ، وحيث كان ذلك مستندا ارتكازا لنفس الجملة الشرطية بهيئتها وأداتها فالظاهر انحصار منشئه بالوضع.

وما ذكره من أن لازمه كون الاستعمال في خلاف الترتيب مجازا يظهر الحال فيه مما سبق من قرب ابتناء الاستعمال مع التساوي في الرتبة على الادعاء والتنزيل ، وعدم ثبوت الاستعمال مع عكس الترتيب ، بل هو مستهجن ، وأن ما يوهم ذلك ليس منه في الحقيقة ، وإلا لزم كونه مخالفا لظاهر الشرطية ، للجهة التي ذكرها ، مع وضوح عدم كونه كذلك.

ومن ثمّ كان الظاهر استناد ظهورها في الترتب للوضع ، كما قربه شيخنا الأعظم (قدس سره).

الثالث : كون الترتب بنحو العلية.

وظاهر كلام جملة أن الكلام فيه هو الكلام في أصل الترتب ، حيث لم يفصلوا بينهما. وكأنه لأنه ليس المراد بالعلية هي خصوص العلية التامة ، إذ لا إشكال في صدقها مع كون الشرط جزءاً من العلة في ظرف تحقق بقية

٥١٥

أجزائها ، ولا مطلق المقدمية المتقومة بكون أحد الأمرين جزءاً من علة الآخر ودخيلا في ترتبه ، لأن ذلك لا يستلزم حصول الجزاء عند حصول الشرط ، الذي لا إشكال في دلالة الشرطية عليه ، وقد سبق أنه المراد بالمنطوق ، بل مطلق ما يستلزم حصول الجزاء عند حصول الشرط ، الذي هو القدر المشترك بين العلة التامة وتتميم العلة ، ولو لملازمة الشرط لتحقق آخر أجزاء العلة.

ومن هنا لا مجال لحمل الترتب ـ الذي تقدم البناء عليه ـ على التقدم بالشرف ، فإنه ـ مع عدم التفات العرف العام له ، وقيامه بالمفردات كالحيوان والجماد والنور والظلام ، لا بين مفاد الجمل من النسب ، كما في الترتب التي تفيده الشرطية ـ لا يستلزم حصول الجزاء عند حصول الشرط ، ولا على الترتب بالزمان ، لأنه مستلزم للانفكاك بينهما.

وأما الترتب بالطبع فالذي يظهر منهم أن المعيار فيه كون المتقدم جزءاً من علة المتأخر ، فقد يعد منه تقدم الموضوع على العرض ، مع وضوح توقف العرض على موضوعه ، فهو جزء علته المعدّ له ، كما عدّ منه تقدم الجزء على الكل ، مع أن الجزئية والكلية منتزعتان من فرض الوحدة بين الامور المتكثرة ، فالجزء بما هو جزء غير متقدم على الكل طبعا ، بل هما متضايفان متلازمان ، لوحدة منشأ انتزاعهما.

وأما الجزء بذاته فهو متقدم على الكل تقدم الموضوع على عرضه ، لأن الكلية حيث كانت منتزعة من فرض الوحدة بين الامور المتكثرة فالوحدة المذكورة قائمة بذات الأجزاء قيام العرض بموضوعه.

وعليه لا مجال لإرادة التقدم الطبعي في المقام ، لما سبق من أن مجرد المقدمية لا يكفي في حصول الجزاء عند حصول الشرط ، بل المعيار ما ذكرنا

٥١٦

من العلية.

على أنه حيث كانت الشرطية دالة على حصول الجزاء عند حصول الشرط ، فمن الظاهر أن ما يلزم حصول الشيء عند حصوله ليس إلّا علته أو لازمها أو معلوله ، وحيث فرض ظهور الشرطية في ترتب الجزاء على الشرط تعين ظهورها في علية الشرط للجزاء ، إذ لو كان معلولا له لزم عكس الترتب ، ولو كان لازما لعلته فلا ترتب بينهما.

وبالجملة : لا ينبغي التأمل في أن المراد بالترتب في المقام ليس إلّا الترتب بالعلية بالمعنى الجامع بين العلة التامة ومتمم العلة ، كما ذكرنا.

ومن هنا كان ما سبق في وجه دلالة الشرطية على الترتب كافيا فيها ، بل لا ينبغي التأمل في ظهور الشرطية في دخل الشرط في الجزاء وترتب الجزاء على الشرط وتفرعه عليه حتى لو غض النظر عن انحصار الترتب بالعلية.

نعم ، قد يدعى أن ذلك غير مستند للوضع ، بل للإطلاق ، إما لأن علاقة العلية أكمل أفراد العلائق ، وحيث كانت الشرطية دالة على اللزوم لعلاقة كان إطلاقها منصرفا لأكمل العلائق ، وإما لظهور الشرطية في وجود الجزاء عند وجود الشرط على وجه الاستقلال من دون حاجة إلى أمر آخر معه ، وهو مستلزم لاستناد وجوده إليه.

ولو تم هذان الوجهان كانا صالحين لإثبات الترتب ، وتعين لأجلهما رفع اليد عما سبق من استناده للوضع ، إذ لا يتعين استناد الظهور للوضع إلّا مع عدم القرينة العامة أو الخاصة التي يمكن استناده إليها.

كما أنه قد ذكر هذان الوجهان لإثبات الترتب والعلية معا ، لما سبق من وحدة كلامهم فيهما.

٥١٧

لكن يندفع الأول : ـ مضافا إلى منع كون علاقة العلية أكمل ، وإلى أنها لا تستلزم ترتب الجزاء على الشرط ، بل تكون مع العكس ، كما في التقريرات ـ بأن مجرد الأكملية ثبوتا لا تقتضي انصراف الإطلاق في مقام الإثبات ، كما تقدم نظيره عند الكلام في وجه دلالة صيغة الأمر على الإلزام.

والثاني : بأن عدم الحاجة إلى انضمام شيء مع الشرط في وجود الجزاء لا يستلزم استقلاله بالتأثير فيه ، بل يكون مع محض التلازم بينهما من دون ترتب ، فضلا عن العلية.

كيف ولو تم ذلك لزم كون الشرط علة تامة للجزاء؟! ولا يظن من أحد احتماله ، خصوصا في الأحكام الشرعية التي كان أهم أجزاء علتها جعل الشارع الأقدس لها على موضوعاتها ، وليس الشرط إلّا متمما لعلتها ومستلزما لفعليتها.

ومن هنا كان الظاهر استناد الظهور في العلية بالمعنى المتقدم للوضع ، لأنه المتبادر من الشرطية ارتكازا من دون ضم قرينة خاصة أو ارتكازية.

نعم ، ليس المراد بالعلية في الأحكام الشرعية إلّا كون الشرط موضوعا للحكم الذي يتضمنه الجزاء ، حيث يكون هو المتمم لعلة فعليته في فرض جعله شرعا على موضوعه.

ولذا لا إشكال ظاهرا في بنائهم على كون الشرط موضوعا للحكم الذي يتضمنه الجزاء ، فيكفي التعبد به ظاهرا في التعبد بالحكم ، ولا يبتني على الأصل المثبت.

وما عن بعضهم من كون الأسباب الشرعية معرفات ، لا مؤثرات حقيقية ، قد يراد به كونها معرفات عن مورد الجعل الشرعي ، أو عن

٥١٨

الملاكات الداعية له ، لملازمة موضوع الحكم لملاكه ، في قبال استقلالها بالتأثير بعد الجعل كبرويا ، أو كونها بنفسها ملاكا للحكم.

لا أنها معرفات عن الموضوعات من دون أن تكون موضوعات حقيقية ، فإنه خلاف ظاهر الشرطية وغيرها من القضايا المتكفلة بجعل الأحكام الشرعية على موضوعاتها.

بل خلاف ما سبق من ظهور الشرطية في الترتب ، لأن لازم موضوع الحكم لا يتقدم على الحكم رتبة.

الرابع : كون العلية بنحو الانحصار.

وقد احتمل شيخنا الأعظم (قدس سره) أن النزاع في المفهوم راجع للنزاع في دلالة الشرطية على ذلك ، للاتفاق على ما قبله ، وإن كان قد يظهر من بعض كلماتهم التشكيك فيما قبله أيضا.

وقد أصر غير واحد من القدماء والمتأخرين على ظهور الشرطية فيه ، ومنع منه آخرون.

وقد ذكرنا في أول الفصل أن المعيار في دلالة الشرطية على المفهوم ليس هو دلالتها على العلية المنحصرة ، بل على لزوم الشرط للجزاء بنحو لا يتحقق الجزاء بدونه ولو اتفاقا.

ومن الظاهر أن ظهور الشرطية في ذلك مستلزم لظهورها في كون الشرط علة منحصرة ، بناء على ما سبق من ظهورها في كون الشرط علة للجزاء ، ولظهورها في كون الشرط لازما مساويا للجزاء ، بناء على ظهورها في مجرد اللزوم دون العلية.

ومن هنا كان المناسب الكلام في ظهور الشرطية في ذلك ، سواء رجع

٥١٩

إلى ظهورها في العلية المنحصرة أم لا.

وقد يستدل عليه بوجوه ، وإن ذكر بعضها أو كلها في كلماتهم دليلا على ظهور الشرطية في العلية المنحصرة.

الأول : أن الظاهر من إطلاق العلاقة اللزومية إرادة الفرد الأكمل منها ، وهو الناشئ عن انحصار العلة في الشرط.

ويشكل : ـ مضافا إلى ما سبق من عدم انصراف الإطلاق للأكمل ـ بأنه لا دخل لانحصار العلية في اللزوم بنحو يقتضي أكمليته ـ كما ذكره المحقق الخراساني (قدس سره) ـ لابتناء اللزوم على عدم انفكاك الجزاء عن الشرط الحاصل مع انحصار العلية وعدمه بنحو واحد.

وكذا الحال في العلية لتقومها بتأثير العلة في المعلول ، ولا أثر للانحصار في ذلك.

نعم ، قد يكون لمنشا اللزوم دخل في كماله ، فاللزوم الذاتي أكمل عرفا من اللزوم لأمر خارج عن الذات ، ولا دخل لذلك بما نحن فيه.

الثاني : أنه مقتضى إطلاق نسبة اللزوم ، كما كان مقتضى إطلاق هيئة الأمر الحمل على الوجوب التعييني دون التخييري.

ويشكل : بالفرق بأن هيئة الأمر حيث كانت متضمنة لنسبة البعث نحو المأمور به بنحو يقتضي الانبعاث نحوه كانت ظاهرة في كون التكليف به تعيينيا مقتضيا للإتيان به لا غير ، لا تخييريا يجزي فيه غيره ، إذ مقتضاه عدم الانبعاث إليه في ظرف الانبعاث للطرف الآخر ، وهو خلاف إطلاق نسبة البعث ، أو خلاف مقتضاها لو بقيت على إطلاقها.

أما في المقام فحيث فرض عدم دلالة الشرطية إلّا على لزوم تحقق الجزاء

٥٢٠