المحكم في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٨

وسيرة المتشرعة ، والآيات والروايات الحاثة على الطاعة والزاجرة عن المعصية ببيان ما يترتب على الأولى من أنواع خير الدنيا وثواب الآخرة ، وعلى الثانية من أنواع ضرر الدنيا وعذاب الآخرة. لوضوح أن بيانهما ليكونا داعيين للعمل ، وكذا نصوص قاعدة التسامح في السنن (١) الظاهرة والصريحة في كون الداعي للعمل هو الثواب الموعود به ، وما تضمن بيان مراتب العبادة (٢) كالصحيح الآتي وغيره.

بل تضمن بعض النصوص الترغيب على العمل طلبا لما عند الله تعالى ، ففي النبوي : «إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى ، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عزّ وجل ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلّا ما نوى» (٣) ، وفي صحيح الحسين بن أبي سارة : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا ، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو» (٤).

نعم ، العمل بقصد دفع المحذور وجلب المحبوب مرتبة دانية من الإطاعة ، والتقرب بها دون التقرب بالوجوه الاخرى مما يعود للمولى ـ كأهليته والحب له ـ أو للعبد ـ كالتحبب للمولى وطلب الرفعة عنده ـ لأنها أظهر في تعظيمه وتقديسه ، بل هي ملازمة لسمو نفس العبد المتقرب وعلوّ همته.

__________________

(١) راجع الوسائل ج ١ ، باب : ١٨ من أبواب مقدمة العبادات.

(٢) راجع الوسائل ج ١ ، باب : ٩ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) الوسائل ج ١ ، باب : ٥ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث : ١٠.

(٤) الوسائل ج ١١ ، باب : ١٣ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ٥.

٤٢١

ففي صحيح هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : العبادة [ان العباد] ثلاثة : قوم عبدوا الله عزّ وجل خوفا ، فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب ، فتلك عبادة الاجراء ، وقوم عبدوا الله عزّ وجل حبا له ، فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة» (١) ، وقريب منه غيره ، لكنه أمر آخر لا ينافي الإجزاء الذي نحن بصدده ، بل يستلزمه.

هذا ، وقد يستظهر من غير واحد ممن منع من التقرب مع قصد جلب المحبوب ودفع المكروه إرادة قصده عوضا بلا توسط قصد التحبب للمولى بفعل ما يحبه ، بل هو صريح بعضهم.

كما أن من القريب ان يكون مراد من بنى على الصحة معه إرادة ما ذكرناه من كون قصده في طول قصد ملاك المحبوبية للتحبب للمولى ، كما هو صريح بعضهم.

ومن ثم لا يبعد اختلاف موضوع النزاع ، المستلزم لعدم كون النزاع حقيقيا ، إلّا أن يرجع للنزاع في إمكان اجتماع القصدين أو التنافي بينهما.

ولا مجال لاستقصاء كلماتهم ، والمهم ما ذكرناه من التفصيل.

ثم إن الظاهر ابتناء عمل المتشرعة مع قصد جلب الثواب ودفع العقاب الاخرويين على الوجه الذي ذكرناه الراجع إلى كون ترتبهما فرع التحبب بالعمل للمولى ، ليكون العبد أهلا لرحمته وبعيدا عن نقمته ، لأن ذلك هو الوجه في ترتبهما حسب ارتكازياتهم.

__________________

(١) الوسائل ج ١ ، باب : ٩ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث : ١.

٤٢٢

وكذا الحال في قصد دفع وجلب جملة من المضار والمنافع الدنيوية.

ولو فرض كون ترتب بعضها بنظرهم لا بالوجه المذكور ، بل لأنه من سنخ اللوازم والآثار الطبيعية للعمل المترتبة عليه بنفسه ، أو من سنخ الأجر المحض من دون توسط التحبب للمولى ، فلا بد في صحة العبادة مع قصده من ضم الداعي القربي بنحو يستقل بالتأثير ، بحمل النفس على ذلك ، ولو بترويضها عليه لأجل الغرض الدنيوي المذكور ، وإلا أشكل صحة العبادة ، كما هو الحال في جميع الدواعي المباحة غير القربية ، على ما يذكر في مباحث النية من الفقه.

الأمر الرابع : وقع الكلام بينهم في وجود العبادة الذاتية التي لا تناط بقصد التقرب للمعبود الذي سبق توقفه على محبوبية العمل له ، بل تصدق على العمل ولو مع نهي المعبود عنه ، المستلزم لمبعديته منه.

وهي وإن كانت خارجة عن محل الكلام ، لما سبق من أن المراد بالتعبدي في هذا التقسيم ما يتوقف سقوط أمره على امتثاله بوجه قربي ، إلّا أن مناسبتها له تقتضي ذكرها في المقام استطرادا.

فاعلم أنه صرح بعضهم بوجود العبادة الذاتية ، ومثل لها بالركوع والسجود ونحوهما.

ومنع منها آخرون ، منهم سيدنا الأعظم (قدس سره) مدعيا أن المعيار في العبادية قصد ملاك المحبوبية للمولى ، ولا تصدق بدونه. بل ذكر أن الالتزام بتحقق العبادة الذاتية له تعالى مانع من النهي عنها لحسنها ذاتا.

والذي ينبغي أن يقال : الظاهر أن العبادة متقومة عرفا بخضوع العابد للمعبود بمرتبة عالية بحيث يكون فانيا أمامه ، ولا استقلال له معه.

٤٢٣

ولعله إليه يرجع ما في مجمع البيان ، قال في تفسير سورة الفاتحة : «والعبادة ضرب من الشكر وغاية فيه ، لأنها الخضوع بأعلى مراتب الخضوع مع التعظيم بأعلى مراتب التعظيم.

ولا يستحق إلّا باصول النعم التي هي خلق الحياة والقدرة والشهوة ، ولا يقدر عليه غير الله تعالى ، فلذلك اختص سبحانه بأن يعبد ، ولا يستحق بعضنا على بعض العبادة ، كما يستحق بعضنا على بعض الشكر ، وتحسن الطاعة لغير الله تعالى ولا تحسن العبادة لغيره.

وقول من قال : إن العبادة هي الطاعة للمعبود ، يفسد بأن الطاعة موافقة الأمر ، وقد يكون موافقا لأمره ولا يكون عابدا له ، ألا ترى أن الابن يوافق أمر الأب ولا يكون عابدا له ، وكذلك العبد يطيع مولاه ولا يكون عابدا له بطاعته إياه ، والكفار يعبدون الأصنام ، ولا يكونون مطيعين لهم ، إذ لا يتصور من جهتهم الأمر».

ولذلك مظهران : الأول : ذاتي ، وهو إطاعة أمر المعبود ونهيه بنحو يبتني على الفناء فيه ومنتهى الخضوع له لاستحقاقه ذلك عليه لذاته متفرعا على ملكيته بالذات لنفس المطيع ، دون ما لو كان استحقاقه للإطاعة لأمر خارج عن ذاته ، كشكر إحسان سابق أو بجعله ممن يجب إطاعته ، كإطاعة النبي والإمام والمولى والمستأجر بأمر الله تعالى ، أو لاستحقاق ذاتي لا يتفرع على استحقاق نفس المطيع ، كاستحقاق الأب الإطاعة على الولد ، فضلا عما لو لم يبتن على الاستحقاق ، كإطاعة شخص لآخر برجاء إحسانه أو لدفع شره ، أو تفضلا منه عليه.

الثاني : عرفي ، وذلك بالإتيان بامور تبانى العرف والعقلاء على كونها

٤٢٤

مظهرا للخضوع الخاص إزاء الطرف المقابل ومبرزة لذلك ، كالركوع له والسجود وتقديسه وتمجيده بما يناسب بلوغه المقام المذكور.

ولا مجال لدعوى : أن عبادية هذه الأمور ذاتية. لاختلافها باختلاف الأعراف على حسب اختلاف الأزمنة والأمكنة. وهي كسائر الامور العرفية التي تقبل إمضاء المعبود وردعه واختراعه ، فله أن يردع عن طريق خاص ، فلا يكون مظهرا لعبادته ، كما أن له أن يخترع طريقا خاصا ، فيكون مظهرا لها ، لنفوذ جعله على من يعبده بعد فرض خضوعه له وفنائه فيه.

وهذا بخلاف الأول ، حيث لا مجال للردع عنه ، بحيث يخرج عن كونه عبادة بعد كون عباديته ذاتية.

هذا ، وأما النهي عن العبادة تكليفا أو لمبغوضيتها من دون ردع عن كيفية أدائها ، بل مع فرض كون العمل مؤديا ، فإن كان من المعبود مع عدم استحقاقه لذلك فلا مانع منه ، بل هو في غاية الحسن ، كنهي المعصومين (عليهم السلام) عن عبادة الناس لهم. من دون فرق بين نوعي العبادة الذاتية والعرفية.

ونهيه عن العبادة الذاتية التي هي الإطاعة بالنحو الخاص للأمر والنهي لا ينافي صدور الأمر والنهي منه ، لأنهما إنما يقتضيان أصل الإطاعة ، دون النحو الخاص منها ، وإنما يحسن النحو الخاص تبعا لاستحقاق الامر والناهي العبادة ، فمع فرض عدم استحقاقه لا مانع من نهيه عنه.

وكذا الحال في نهي غير المعبود ، كنهيه تعالى عن عبادة غيره ونهي المعصومين (عليهم السلام) عن عبادة الملائكة والأصنام.

كما أن النهي المذكور لا يوجب انسلاخ عنوان العبادية عن العمل

٤٢٥

الذي تؤدى به العبادة وإن صدر من المعبود ، خلافا لما سبق من سيدنا الأعظم (قدس سره) ، ولذا لا يكون نهي المعصومين (عليهم السلام) عن عبادتهم بالركوع والسجود ونحوهما مخرجا لها عن كونها عبادة لهم.

نعم ، يكون مانعا من التقرب بها للناهي ، فهي عبادة مبعدة عن المعبود لو نهى عنها.

وإن كان مع استحقاق المعبود للعبادة كالنهي عن عبادته تعالى بنحو من الأنحاء فحيث كانت عبادته حسنة ذاتا فلا يحسن النهي عنها إلّا مع مزاحمة جهة الحسن الذاتية بجهة قبح عرضية ترجح عليها ، حيث لا مانع من مزاحمة الجهة الذاتية للحسن والقبح ، إلّا أن تكون علة تامة لأحدهما ، وليس هو المدعى في المقام ، بل المدعى كون عبادة المستحق مجرد مقتض للحسن يقبل المزاحمة كالصدق. وحينئذ لا يخرج العمل عن كونه عبادة بالنهي المذكور.

غاية الأمر أنه يمتنع التقرب به من الناهي ويكون مبعدا عنه ، وإن كان هو المعبود نفسه.

إذا عرفت هذا فالكلام في المقام تارة : في الفرق بين التعبدي والتوصلي في مقام الثبوت بحسب حقيقتهما ، وإلا فالفرق بينهما بحسب أثرهما وكيفية امتثالهما قد سبق في الأمر الأول.

واخرى : فيما يقتضيه الإطلاق أو الأصل عند الدوران بينهما في مقام الإثبات.

٤٢٦

المقام الأول : في الفرق بينهما في مقام الثبوت

وحيث سبق توقف امتثال التعبدي وسقوطه على الإتيان به بوجه قربي ، بخلاف التوصلي ، يقع الكلام في أن الفرق بينهما في ذلك هل يتفرع على الاختلاف بينهما في متعلق الأمر فهو مطلق في التوصلي ومقيد في التعبدي بنحو يقتضي الإتيان بالوجه القربي ، أو على الاختلاف بينهما في الماهية والسنخ ، نظير الاختلاف بين الوجوب والاستحباب ، فالأمر التوصلي نحو من الأمر يقتضي محض الموافقة ، والتعبدي نحو آخر يقتضي المتابعة بالنحو القربي ، من دون فرق بينهما في المتعلق ، أو على الاختلاف بينهما في الغرض ، فيتأدى الغرض من التوصلي بمجرد موافقته ، ولا يتأدى الغرض من التعبدي إلّا بالموافقة عن القصد القربي ، من دون فرق بينهما في المتعلق ولا في السنخ. واللازم النظر في جميع هذه الوجوه.

الوجه الأول : في أن الفرق بينهما باطلاق المتعلق وتقييده ، والظاهر أنه هو المرتكز بدوا والمتعين في نفسه لو أمكن ، وليس البناء من بعضهم على أحد الوجهين الآخرين إلّا للبناء على امتناعه.

وما يظهر بعد التأمل في كلماتهم في وجه امتناعه : أن أخذ الدواعي القربية في المأمور به يشكل ..

تارة : في مقام فعلية الملاك والغرض والإرادة ، السابقة على الأمر. واخرى : في مقام توجيه الخطاب وإنشاء الأمر. وثالثة : في مقام فعلية التكليف. ورابعة : في مقام الامتثال.

والبحث في ذلك يكون بالكلام في جهات ..

٤٢٧

الجهة الاولى : في وجه الإشكال في مقام فعلية الملاك والغرض والإرادة ونحوها مما يكون سابقا على الأمر.

والظاهر أن عمدة الإشكال في هذا المقام : أن الداعي للفعل لما كان هو الأمر الذي يكون قصده علة في إرادة الفعل ووجوده في الخارج معلولا للفعل ، فداعوية الشيء للفعل في رتبة متأخرة عن فرض ترتبه عليه ، فكيف يكون دخيلا في ترتبه عليه؟! فما لم يكن تطهير الثوب مترتبا على غسله لا يتأتى داعوية التطهير للغسل ، وما لم يكن إحراق الورقة مترتبا على إلقائها في النار لا يكون الإحراق داعيا للإلقاء ، ولازم ذلك ترتب الداعي على الفعل وإن لم يقصد منه ولم يكن داعيا له.

وحيث كانت الدواعي القربية المقصودة ـ كامتثال الأمر وموافقة ملاك المحبوبية ونحوهما ـ مستلزمة الفعلية الغرض والملاك والإرادة امتنع دخل قصدها في فعلية هذه الامور بحيث يختص متعلقها بما يكون مشتملا على القصد المذكور.

لكن هذا إنما يلزم لو كان الداعي القربي هو كون الفعل بنفسه علة تامة لتحقق محبوب المولى وامتثال أمره أو نحوهما من الدواعي القربية ، كما هو الحال في التقرب بالمأمور به التوصلي.

أما لو كان الداعي كونه مقتضيا لذلك فلا محذور ، لوضوح أن قصد الداعي القربي لا يكون دخيلا فيما هو المقصود ، وهو كون العمل العبادي مقتضيا لمحبوبية المولى أو امتثال أمره ، بل هو دخيل في فعلية محبوبيته وامتثال أمره ، بناء على ما هو الظاهر من كونه شرطا في المأمور به.

وبهذا يتجه دخل قصد الأثر في ترتبه في الامور العرفية ، كترتب التعظيم

٤٢٨

على القيام المقصود منه التعظيم ، والتأديب على الضرب المقصود به التأديب ، حيث لا يراد به قصد كون القيام والضرب علة تامة للتعظيم والتأديب ، وإلا امتنع دخل قصدهما في ترتبهما على القيام والضرب ، بل قصد كونهما مقتضيين لهما ، مع كون القصد شرطا ودخيلا في فعليتهما ، لا في مجرد اقتضاء القيام والضرب لهما.

هذا ، وأما بناء على أن القصد القربي جزء من المأمور به فهو دخيل في مقتضي المحبوبية والامتثال ، ولا بد حينئذ من كون الداعي القربي هو الإتيان بجزء المحبوب وما به الامتثال لا بتمامه ، فيكون المقصود هو التقرب بالأمر الضمني الوارد عليه ، لا بالأمر بالمركب التام ، حيث لا يكون الداعي القربي دخيلا في جزئية العمل من المحبوب والامتثال بل تماميتهما.

وبالجملة : ليس الداعي القربي المقصود حين العمل والدخيل في تمامية الغرض والمحبوب والامتثال هو تحقيق ما يكون القصد دخيلا فيه ، الذي هو تمام موضوع الغرض والمحبوبية والامتثال ، بل ما يستقل العمل به مع قطع النظر عن الداعي القربي ، وهو كونه مقتضيا لها أو جزءاً منها ، فلا يتوجه المحذور المذكور.

إن قلت : التقرب من المولى إنما هو بتحقيق غرضه ، وحيث لا يترتب شيء من غرض المأمور الارتباطي إلّا بتماميته بتمام أجزائه وشروطه فلا مجال للتقرب بالجزء والمقتضي إلّا في ضمن قصد التقرب بتمام المركب ، ولا يكون قصد الجزء أو المقتضي بدونه مقربا ، لعدم وفائه بالغرض ، كما ذكر ذلك المحقق الخراساني (قدس سره) في بعض جهات الكلام في المقام.

قلت : هذا إنما يقتضي امتناع التقرب بالجزء والمقتضي في ظرف عدم

٤٢٩

تمامية المركب الارتباطي ، لعدم ترتب شيء من الغرض عليه حينئذ ، ولا يقتضي لزوم التقرب به في ضمن التقرب بتمام المركب ، بل يكفي تمامية المركب ولو بوجه غير قربي ، فإذا وجب غسل الثوب مرتين بنحو الارتباطية يمتنع التقرب بغسله مرة واحدة في ظرف غسله مرة اخرى ، أما مع غسله مرة اخرى سابقا أو لاحقا بوجه غير قربي فيمكن التقرب بغسلة واحدة ، لكونها دخيلة في ترتب غرض المولى وفعليته ، وإن لم يستند ترتب الغرض إليه وحده.

وفي المقام حيث كان قصد التقرب بالجزء أو المقتضي متمما للمطلوب لعلة الامتثال وموافقة ملاك المحبوبية أمكن التقرب بالجزء أو المقتضي ، لكونه دخيلا في فعلية الغرض وترتبه.

بل هو راجع حينئذ للتقرب بفعلية الغرض في طول التقرب بجزء علته ، لأن تحقيق المقتضي أو جزء العلة وإن كان هو الداعي المباشر للعمل ، إلّا إن تحقيق الغرض المعلول وفعليته بإتمام علته يكون ملحوظا من باب داعي الداعي ، الذي تقدم أنه الداعي الحقيقي ، وإن لم يتقرب ببقية إجزاء العلة ، ولبعض مشايخنا كلام لا يبعد رجوعه لذلك.

الجهة الثانية : في وجه الإشكال في مقام توجه الخطاب وإنشاء الأمر.

والمذكور في كلماتهم وجهان يرجعان إلى امتناع تقييد الأمر بقصد الامتثال.

أحدهما : ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) ـ كما في التقريرات ـ وتبعه غير واحد على اختلاف عباراتهم ، ومرجع الكل إلى أن قصد الامتثال لما كان من شئون امتثال الأمر كان متأخرا رتبة ، وحيث كان متعلق الأمر متقدما على الأمر رتبة تقدم الموضوع على عرضه ، كان قصد الامتثال متأخرا

٤٣٠

عن متعلق الأمر بمرتبتين ، فيمتنع أخذه فيه ، لامتناع أخذ المتأخر في المتقدم.

ولا ينفع في دفع ذلك ما سبق من أن المأخوذ في المتعلق هو قصد امتثال الأمر الضمني الوارد على الجزء أو الذات ، لا قصد امتثال الأمر الاستقلالي الوارد على المركب بتمامه بما فيه قصد الامتثال المذكور ، والذي هو متأخر عن المتعلق رتبة تأخر العرض عن معروضه.

والوجه في عدم نفعه : أن الأمر الضمني ليس له تقرر في مرتبة الإنشاء ، ليمكن لحاظه وأخذه في المتعلق ، بل هو مستفاد بحسب التحليل العقلي في المرتبة المتأخرة عن الإنشاء ، الذي لا يكون إلّا للأمر الاستقلالي بالمركب التام ، فأخذه في المتعلق يستلزم أخذ ما هو متأخر عنه في الرتبة.

ومثله ما ذكره بعض المحققين (قدس سره) من أن العارض على المتعلق المتأخر عنه رتبة هو الحكم بوجوده الخارجي ، والمدعى أخذه فيه ليس داعويته ، لتكون من شئونه المتوقفة عليه والمتأخرة عنه رتبة ، بل داعوية صورته الذهنية غير المتوقفة عليه ، لأن الداعي هو الحكم بوجوده العلمي.

لاندفاعه : بأن الداعي ليس هو الصورة الذهنية للأمر بنفسها ، بل بما هي عبرة لوجوده الخارجي ، وإن كان قد يتخلف عنها ، فلا بد في أخذ داعوية الأمر في المتعلق من تصور الامر له مفروض التقرر والوجود ، وهو ممتنع في مقام إنشائه ، لعدم تقرره بشخصه إلّا في رتبة متأخرة عن الإنشاء ، كما يظهر بأدنى تأمل في المرتكزات العرفية.

وهناك بعض الوجوه الاخرى مذكورة في دفع الإشكال المذكور لا مجال لإطالة الكلام فيه مع تعقده وعدم وضوح نهوضه.

والذي ينبغي أن يقال : حيث لا يرجع هذا الإشكال إلى امتناع

٤٣١

اختصاص متعلق الأمر بالواجد لقصد الامتثال ، بل إلى امتناع لحاظ القصد المذكور قيدا في المتعلق حين الأمر ، فالمتعين مع تعلق الغرض بخصوص الواجد للقيد عدم التكليف بالمطلق ، بل بخصوص الواجد بنتيجة التقييد ، لتبعية الأمر للغرض ، غايته أنه لا يبين بلسان التقييد ، بل بلسان آخر يكشف عن حال المتعلق من بيان لفظي أو لبي.

وكأن ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) في التخلص عن الإشكال راجع إلى ذلك.

ثانيهما : ما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) ـ كما في تقرير درسه لبعض مشايخنا ـ وحاصله : أنه لا بد من أخذ موضوع التكليف مفروض الوجود في مقام الإنشاء ، بحيث يجعل التكليف في فرض وجوده ، ولذا لا يقتضي التكليف إيجاده ، بل لا يثبت التكليف إلّا في رتبة متأخرة عنه ، بخلاف متعلق التكليف ، حيث يثبت التكليف بدونه ويقتضي إيجاده بماله من أجزاء وشرائط.

أما متعلق متعلق التكليف ، كالزوجة التي هي متعلق الإنفاق الواجب والعقد الذي هو متعلق الوفاء الواجب ونحوهما ، فلا بد أن يكون جزءاً من موضوع التكليف ملحوظا في مقام الإنشاء مفروض الوجود في رتبة سابقة عليه ، ولذا لا يجب على المكلف الزواج ليمتثل التكليف بالإنفاق ، ولا إيقاع العقد ليمتثل التكليف بالوفاء ، بل يجب الإنفاق والوفاء في فرض تحقق الزوجية والعقد.

ومن الظاهر أن تقييد العمل بقصد امتثال الأمر راجع إلى كون الأمر متعلقا لقصد الامتثال الذي هو معتبر في العمل المتعلق للتكليف ، فيلزم أخذه

٤٣٢

موضوعا للتكليف مفروض الوجود في مرحلة الإنشاء ، وهو ممتنع ، لاستلزامه تقدم الأمر على نفسه وكونه موضوعا لنفسه.

وما ذكره (قدس سره) ـ لو تم ـ امتنع اختصاص التكليف بالواجد لقصد الامتثال ثبوتا ، ولو بنحو نتيجة التقييد ، لأن تقدم الأمر على نفسه وأخذه موضوعا لها مفروض الوجود في رتبة سابقة عليها ممتنع ثبوتا ، بأي وجه فرض بيانه.

لكنه يشكل : بأن كون متعلق متعلق الحكم مأخوذا موضوعا فيه مفروض الوجود في مرتبة سابقة عليه في مقام الإنشاء ليس لازما عقلا ، ولذا لو وجب الغسل بالماء الطاهر أو التستر باللباس المنسوج أو التصدق بالخاتم المصوغ ، لم يرد وجوبها على تقدير وجود الامور المذكورة ، بل بنحو يقتضي إيجادها.

نعم ، كثيرا ما يستفاد ذلك لبعض القرائن اللفظية أو العقلية أو الارتكازية.

ولعل تعريف المتعلق كثيرا ما يكون ظاهرا في أخذه مفروض الوجود ، لما فيه من معنى العهد ، ولذا كان الفرق ظاهرا بين قولنا : يجب على الرجل الإنفاق على زوجته ، وقولنا : يجب عليه الإنفاق على زوجة له.

كما قد يكون للحكم المجعول أو لكيفية جعله دخل في ذلك ، كما في وجوب الوفاء بالعقود ، الظاهر في كونه إمضاء للقضية الارتكازية العرفية ، التي لا يراد بها إلّا الوفاء بالعقد على تقدير وجوده ، لا بنحو يقتضي إيجاده.

مع أنه حيث كان المراد به الوفاء بكل عقد ، لا الاكتفاء بالمسمى ، ويعلم بعدم وجوب إيقاع جميع أفراد العقود ، كان المتعين إرادة الاكتفاء بكل

٤٣٣

عقد بعد فرض وقوعه.

ومن هنا لا مجال لإثبات لزوم ذلك في المقام ، ليمتنع اختصاص التكليف ثبوتا بالواجد لقصد الامتثال.

نعم ، قد يكون منشأ ذلك ما اشير إليه في تقرير درسه للكاظمي من أن الأمر لما كان خارجا عن اختيار المكلف كانت قدرته على قصد امتثاله مشروطة بوجوده ، فلا بد من أخذه مفروض الوجود موضوعا للأمر ، إذ لا بد في الأمر من قدرة المكلف في رتبة سابقة عليه.

لكنه ـ مع توقفه على امتناع الواجب المعلق ـ يندفع : بأن أخذ منشأ القدرة في موضوع التكليف ولحاظه مفروض الوجود في رتبة سابقة عليه لما لم يكن لدخله في ملاكه ، بل لامتناع التكليف بما لا يطاق ، فهو مختص بما إذا كان أمرا خارجا عن التكليف وغير ملازم له ، كالوقت ، أما إذا كان هو التكليف بنفسه ـ كما في المقام ـ أو ملازما له ، فلا ملزم بأخذه في موضوعه ، لملازمة جعل التكليف للقدرة حينئذ ، فلا يلزم من عدم أخذه في موضوعه التكليف بما لا يطاق ، كما نبه لذلك في الجملة بعض الأعيان المحققين (قدس سره).

هذا ، ولا يخفى أن الوجهين معا مبنيان على انحصار الداعي القربي بقصد الامتثال.

أما بناء على ما سبق منا من أن المعيار في قصد ملاك المحبوبية فلا يلزم من التقييد به شيء من المحذورين المذكورين ، لأن الملاك المذكور سابق في الرتبة على الأمر ، فلا محذور في أخذه في موضوعه ، كما يلزم من أخذ قصده في متعلقه اخذ ما هو من شئون الأمر في متعلقه ، كما اعترف بذلك في

٤٣٤

الجملة غير واحد.

الجهة الثالثة : في وجه الإشكال في مقام الفعلية.

وقد وجهه بعض الأعاظم (قدس سره) بناء على ما سبق منه من الإشكال في مقام الخطاب وإنشاء الأمر بأنه إذا كان لازم التقييد المذكور أخذ الأمر في موضوع نفسه ، يلزم فعليته في رتبة سابقة على فعلية نفسه ، لما هو المعلوم من أن فعلية الموضوع بتمام أجزائه وشرائطه سابقة رتبة على فعلية حكمه.

هذا ، وحيث سبق عدم تمامية المحذور المذكور في مقام الخطاب وإنشاء الأمر ، خصوصا بناء على أن المعتبر قصد ملاك المحبوبية فلا موضوع له في هذا المقام.

الجهة الرابعة : في وجه الإشكال في مقام الامتثال.

وقد يقرب بوجوه :

الأول : ما ذكره المحقق الخراساني (قدس سره) من أن قصد الامتثال خارج عن الاختيار ، لما تقرر من خروج الإرادة عنه ، وإلا لتسلسلت. وهو لو تم جرى في قصد غير الامتثال أيضا.

لكنه يندفع بأن لزوم التسلسل إنما يكشف عن عدم لزوم كون كل إرادة اختيارية بنحو الإيجاب الكلي ، ولا يقتضي امتناع تعلق الاختيار بالإرادة والقصد بنحو السلب الكلي ، بل لا مانع من كون بعض الإرادات اختيارية ، كالإرادة المتعلقة بالفعل الاختياري ، بنحو يمكن كونها قيدا في المطلوب أو جزءاً منه.

كيف ولو لا ذلك لامتنع ما اختاره من كون قصد الامتثال واجبا عقلا

٤٣٥

في العبادة ، لدخله في غرض المولى ، لامتناع تحقق الدواعي العقلية نحو الامور غير الاختيارية؟!

الثاني : ما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) من أن داعوية قصد امتثال الأمر للعمل فرع تحقق الامتثال به في مرتبة سابقة على داعويته ، لكونه واجدا لتمام أجزاء المأمور به وشرائطه ، فإذا كان قصد داعويته دخيلا فيه جزءاً أو شرطا لزم كون داعويته في مرتبة متأخرة عن قصدها.

وهو راجع إلى ما تقدم منا من المحذورة في مرتبة تعلق الغرض والملاك. والذي سبق عدم الفرق فيه بين الدواعي ، كما نبه له (قدس سره) في هذا المقام.

ومما سبق هناك يظهر اندفاعه : بأن المقصود في مقام الامتثال تبعا لما هو المعتبر في مقام الجعل ليس هو قصد كون العمل علة تامة للجهة المقصودة في الداعوية ، بل مجرد مقتض لها ، وما يتوقف على القصد المذكور هو فعلية ترتب تلك الجهة عليه ، فالقصد المذكور دخيل في تمامية العلة ، لا في الاقتضاء المقصود من العمل.

ومنه يظهر أنه لا مجال للإشكال بالعجز عن الامتثال ، بتقريب : أن الاتيان بالعمل بقصد امتثال أمره متوقف على كونه مأمورا به بنفسه ، والمفروض عدم الأمر به بنفسه ، بل مقيدا بالقصد المذكور.

لاندفاعه : بأنه إنما يتجه لو كان المعتبر قصد كونه علة تامة للامتثال ، أما حيث كان المعتبر قصد كونه مقتضيا له فيكفي فيه الأمر به مقيدا بالقصد المذكور.

الثالث : ما ذكره هو (قدس سره) ـ أيضا ـ من أن قصد الداعي أيّا

٤٣٦

ما فرض فهو في مرتبة سابقة على الإرادة ، لأنه علة لها ، فيمتنع كونه في عرض العمل المتعلق لها والمسبب عنها ، بحيث يكون مرادا معه لأنه جزء منه أو قيد فيه.

وفيه : أنه إن كان المراد تعلق الإرادة بشخص الداعي الذي هو علة لها ، فهو مسلم ، إلّا أنه لا ينفع في المقام ، لما تقدم من أن الداعي المعتبر هو قصد كون العمل جزءاً من الجهة الملحوظة ـ من الامتثال أو موافقة ملاك المحبوبية أو نحوهما ـ أو مقتضيا لها ، وهو علة للإرادة المتعلقة بذات العمل ، من دون أن يكون الداعي المذكور مرادا بالإرادة المذكورة ولا من شئون متعلقها ، وإنما هو مراد بالإرادة المتعلقة به ، وهي غير مسببة عن الداعي المعتبر في العمل ، وكلتا الإرادتين في طول إرادة المركب التام الذي هو علة تامة لتلك الجهة الملحوظة.

فمثلا : الداعي لإرادة فعل الصلاة بذاتها هو كونها مقتضية للامتثال أو جزءاً ، وهو المعتبر في متعلق الأمر ـ جزءاً أو شرطا ـ وليس هو مرادا بالإرادة المذكورة ، بل علة لها ، وإنما هو معلول للإرادة المتعلقة به ، التي هي إرادة فعل شرط الامتثال أو جزئه الآخر ، وكلتا الإرادتين في طول إرادة المركب التام ، والتي يكون الداعي لها قصد العلة التامة للامتثال ، وقد سبق في الجهة الاولى أن قصد جزء العلة للامتثال كاف في المقربية في ظرف تمامية العلة.

وإن كان المراد امتناع تعلق الإرادة بالداعي وإن لم يكن علة لها فالدليل المذكور لا ينهض به ، بل هو مخالف للوجدان ، حيث لا إشكال في أن الداعي قد يقصد ويراد بإرادة مسببة عن داع آخر ، كالإتيان بالمأمور به التوصلي

٤٣٧

بقصد الامتثال لأجل تحصيل الثواب عليه.

بل لو لا ذلك لامتنع التعبدي مطلقا حتى مع توجيهه بما سيأتي منه (قدس سره) من ابتنائه على تعدد الأمر ، لأن امتناع تعلق الإرادة بالداعي القربي مانع من تعلق الأمر به ، لأن الغرض من الأمر إحداث الداعي العقلي نحو المأمور به ، ويمتنع حدوث الداعي العقلي نحو ما يمتنع تعلق الإرادة به.

على أن هذا الإيراد إنما يتوجه لو كان الداعي القربي جزءاً من العبادة المأمور بها ، حيث يلزم كونه مرادا للمكلف كسائر أجزاء المأمور به.

أما بناء على كونه شرطا فيها فمن الظاهر أنه لا يعتبر تعلق الإرادة والاختيار بالشرط ، بل يعتبر كون المشروط اختياريا مرادا للمكلف في ظرف تحقق الشرط ، كالصلاة إلى القبلة وإن لم يكن الاستقبال اختياريا ، فعدم تعلق الإرادة بالداعي القربي لا يمنع من كونه شرطا في العبادة المأمور بها بعد كون العبادة الواجدة له اختيارية مرادة للمكلف.

وتوهم : أن القيد إذا لم يكن موجودا فخروجه عن الاختيار مستلزم لعدم كون المقيد اختياريا.

مدفوع : بأنه لا مجال لذلك في الاختيار ، فإن العمل المقيد به اختياري ، وإن لم يلزم كونه هو اختياريا. فلاحظ.

هذا ، وفي المقام وجه آخر ذكره غير واحد لعله لا يختص بمقام الامتثال ، بل يرجع إلى استحالة تقييد متعلق الأمر بقصد امتثاله ذاتا.

وهو أنه لما كان الأمر يدعو إلى متعلقه ذاتا فلو كانت داعويته مأخوذة في متعلقه لزم كونه داعيا إلى داعوية نفسه ، وهو كعليته لعلّية نفسه محال.

وقد دفعه بعض الأعيان المحققين (قدس سره) بالتفكيك الذي تقدم

٤٣٨

التنبيه له غير مرة ، بدعوى : أن الأمر بالمركب لا يدعو إلى داعوية نفسه ، بل الحصة من الأمر المتعلقة بقصد الامتثال تدعو إلى داعوية الحصة المتعلقة بنفس العمل ، لما سبق من أن المعتبر هو قصد كون العمل جزءاً من الامتثال أو مقتضيا له ، لا أنه تمام الامتثال وعلته التامة ، ليكون امتثالا للأمر بتمام المركب.

وعليه لا يلزم إلّا داعوية إحدى الحصتين من الأمر لداعوية الاخرى ، ولا محذور فيه.

وهو وإن كان مسلما ـ لما سبق ـ إلّا أنه يشكل بما تقدم في الوجه الأول لمحذور التقييد في مقام توجيه الخطاب ، من أنه يمتنع لحاظ الامر الانحلال والتفكيك في الأمر في مقام إنشائه ، ليأخذ داعوية بعض حصصه في موضوع الاخرى.

إلّا أن يدعى أخذه لبا بنحو نتيجة التقييد لا بصريحه ، نظير ما تقدم في الوجه المذكور.

مع أن داعوية الأمر ـ وإن كان ضمنيا إلى متعلقه ـ من لوازمه الذاتية ، فيمتنع استنادها إلى أمر خارج عنه.

وهذا هو العمدة في المحذور ، لأنه ثبوتي لا يختلف باختلاف ألسنة جعل الحكم ، بخلاف الأول.

فالأولى : دفع المحذور المذكور : بأن داعوية الأمر إلى متعلقه التي هي من لوازمه الذاتية ليست هي داعويته الفعلية في نفس المكلف ، فإنها من شئون المكلف ، لا من لوازم الأمر الذاتية ، بل هي بمعنى اقتضائه تحصيله ، والداعوية المأخوذة في المأمور به ليست بهذا المعنى ، لعدم كونه من شئون المكلف ، بل

٤٣٩

هي بمعنى فعلية داعويته في نفس المكلف ، بحيث يكون اندفاعه عنه ، ولا مانع من استنادها لأمر خارج عن ذات الأمر ، وهو خصوصية متعلقه ، فيكون الأمر داعيا ـ بالمعنى الأول ـ لها في ضمن متعلقه. فلاحظ.

هذه عمدة الوجوه المذكورة في المقام لمنع اختصاص متعلق الأمر بالقصد القربي ، وقد ظهر عدم تماميتها في أنفسها أو عدم نهوضها بالمنع منه.

ومن هنا ينبغي البناء على إمكانه ، غايته أنه لو كان القصد القربي مختصا بقصد امتثال الأمر امتنع أخذه بلسان التقييد في مقام جعل الحكم وتوجيه الخطاب ، للوجه الأول ، المتقدم في محذور التقييد في المقام المذكور ، بل يتعين قصور المتعلق بنتيجة التقييد ، فلا بد من بيان ذلك بلسان آخر.

أما بناء على ما سبق من أن المدار فيه على قصد ملاك المحبوبية فلا مانع من أخذه بلسان التقييد ، كما تقدم.

بقي شيء

وهو أنه ربما يدعى أنه بناء على امتناع اختصاص متعلق الأمر بالقصد القربي فلو كان الغرض مختصا به يتعين تعدد الأمر محافظة على الغرض المذكور.

وهو الذي أصر عليه بعض الأعاظم (قدس سره) وجعله من صغريات متمم الجعل الذي التزم به في غير مورد من موارد امتناع التقييد.

وحاصله : أن جعل المولى وأمره تارة : يكون تاما ووافيا بغرضه وملاكه. واخرى : لا يكون وافيا به ، لتعذر استيفاء الغرض بأمر واحد ، فلا بد من تتميم الجعل بجعل آخر ، بأن يكون له أمران يحصل بهما غرضه ويستوفي الملاك الملحوظ له.

٤٤٠