المحكم في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٨

متابعتهم فيه. كما يضيق عن التعرض للوجوه الأخر التي سطرها في التقريرات ، لظهور ضعفها ، ولا سيما بملاحظة بعض ما سبق.

وقد ظهر من جميع ما تقدّم عدم نهوض ما ذكروه بإثبات أحد الأمرين من الصحيح والأعم.

وحيث سبق في تقريب الثمرة عدم التمسك بالإطلاق على كل منهما يتضح عدم أهمية هذا الخلاف ، لعدم ترتب الثمرة العملية عليه.

نعم ، لا يبعد إمكان تقريب الوضع بنحو من التفصيل بين الوجهين الذي قد تترب عليه نحو من الثمرة العملية ، قد يلائم بعض الوجوه المتقدمة للصحيح ، وعمدتها الوجه الرابع.

أن الظاهر من الأدلة الشارحة للعبادات بأنواعها ، كالوضوء والصلاة والحج ، وأصنافها ، كصلاة العيدين وحج الإفراد كونها بصدد بيان أجزاء المسميات المعتبرة فيها التي يكون الإخلال بشيء منها موجبا لنقص العمل المسمى وعدم تماميته ، لا بيان ما يجب فيها وإن لم تتوقف عليه تمامية المسمى ، وإلا فلا طريق لمعرفة جزئية شيء منها ، مع أنه لا إشكال في استفادة جزئيتها إما بمجموعها ـ كما هو الحال على الصحيح ـ أو في الجملة ـ كما هو الحال على الأعم.

ومن ثم كان ظاهر الأدلة المذكورة أن المسمى هو المركب من تمام الأجزاء ـ تبعا لظهورها في لزومها بتمامها ـ لا المركب منها في الجملة.

واحتمال خروج المتشرعة بسبب كثرة الاستعمالات إلى تسمية الأعم من التام والناقص بعيد جدا لا يعتد به عرفا.

سواء اريد به كون الأعم هو المسمى ابتداء ، بحيث لم يبلغ ما عيّنه

٢٠١

الشارع حد التسمية ، أم تجدد الوضع له بعد الوضع للتام بنحو النقل أو الاشتراك.

لمخالفة الأول لما هو المتعارف من أخذ الماهيات المخترعة من مخترعها ، ولا سيما في حق أتباعه ، بضميمة ظهور الأدلة الشارحة في كونها شرحا للمسمى بعد الفراغ عن التسمية ، خصوصا بعد أن كان التام هو محط الغرض ومورد الأثر المهم.

والثاني إنما يتجه لو لم يبق لخصوصية التام خصوصية في الابتلاء تقتضي خصوصية في الحاجة للتفهيم ، بحيث يكون الابتلاء به كالابتلاء بالناقص ، ولا إشكال في عدم ذلك ، بل الصحيح باق على ما هو عليه من الخصوصية الموجبة للاهتمام بتفهيمه ، والابتلاء بالفاسد إنما هو بتبعه. بل بعضها يندر الابتلاء بالفاسد منه ، كصلاة الآيات ونحوها ، حيث لا موجب للخروج في تسميتها عما عيّنه الشارع من أجزاء لها.

بل يشهد بمطابقة التسمية في عرف المتشرعة لذلك الرجوع إليهم في بيان أجزاء المسمّيات وشرحها ، سواء أريد شرح الماهيات النوعية كالصلاة والصوم والحج ، أم شرح أصنافها ، كصلاة الظهر والعيدين ، وحج التمتع ، فانهم يستوفون الامور المعتبرة فيها على أنها بتمامها أجزاؤها المقومة لها والشارحة لها ، التي تنقص بنقص بعضها ، لا أنه لا بد فيها من وجودها في الجملة ، بحيث يتم المسمى مع نقص شيء منها ، وإن لم تجز إلا بتماميتها.

وأما احتمال كون الشرح في الأدلة وبيانات المتشرعة ليس للماهيات المسميات على اطلاقها ، بل لخصوص المطلوب منها لانه موطن الغرض ، فلا تنافي كون المسمى هو الأعم.

٢٠٢

فهو لا يناسب البيانات المذكورة جدا ، لعدم الإشعار في شيء منها بعموم المسمى وعدم أخذ خصوصيات الأجزاء فيه.

بل الذي يظهر من ذلك هو المفروغية عما سبق في تقريب الجامع الصحيحي من تفرع التسمية على التشريع ، وعدم خروجهم فيها عنه للأعم من المشروع والناقص مما شاركه في السنخية الارتكازية العرفية ، حيث لا يسأل عن المشروع إلا بالسؤال عن المسمى ولا يبيّن إلا ببيانه ، من دون إشعار بكون السؤال والبيان لخصوص بعض أفراده.

وبذلك يستكشف أن إطلاقهم الأسماء بلحاظ الجامع ـ عند الاستعمال في الناقص ، والحمل عليه وعدم صحة السلب عنه ، أو في مقام التقسيم له وللتام ـ ليس لكونه موضوعا له ، بل لارتكازيته الموجبة لخفاء العناية في الاستعمال فيه والغافلة عنها ، كما جرى العرف على ذلك في جميع الماهيات المخترعة وإن اختص الوضع بالتام ، كما سبق. وبهذا يتمم ما سبق في الوجه الرابع من وجوه الاستدلال للصحيح.

نعم ، لا يبعد البناء على أن الماهية الواحدة إذا اختلفت أصنافها كان المعيار في صدقها هو الأجزاء المعتبرة في جميع الأصناف مع الترديد فيها بالإضافة للخصوصيات الأخر حسب اختلاف تشريعها ، لأن ذلك هو الأنسب بشرح الماهية وبيان أجزائها من قبل الشارع ، فالصلاة ـ مثلا ـ هي عبارة عن تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والركوع والسجدتين بأذكارها والتشهد والتسليم ، لأنها معتبرة في كل الصلوات ، مع الترديد من حيثية مراتب الركوع والسجود والقراءة ، ومن حيثية عدد الركعات والركوعات ، ومن حيثية السورة والتسبيحات في الأخيرين ، وغيرها مما يعتبر في أصنافها

٢٠٣

المختلفة.

فلو تمت هذه الامور تمت الماهية وصدقت الصلاة بإطلاقها وإن لم تكن مشروعة ، والإخلال بالخصوصيات الزائدة إنما يوجب الإخلال بالأصناف المشروعة منها بخصوصياتها كالظهر والعيدين ، ولا يخل بالماهية إلا نقص الأجزاء المقومة لها ، فاذا خلت الصلاة عن الركوع كانت صلاة ناقصة لا تامة ، أما إذا كانت ركعة واحدة للأجزاء المذكورة فهي صلاة تامة مشروعة ـ كالوتر ـ أو غير مشروعة.

والظاهر أن ما تضمن تشريع بعض الصلوات الخالية عن الأجزاء المذكورة أو بعضها ، إما أن يبتني على البدلية عن الصلاة ، كصلاة المطاردة ـ كما يناسبه التعبير في بعض نصوصها بفوت الصلاة ـ أو على الاجتزاء بالصلاة الناقصة ، كصلاة الاخرس الخالية عن القراءة وجميع موارد قاعدة الميسور. وإطلاق الاسم عليها توسع بلحاظ تحقق الغرض المهم به.

كما أن ما تضمن الاكتفاء بالناقص في مورد حديث : «لا تعاد الصلاة ...» (١) ونحوها لا يستلزم كونها صلاة تامة ، بل مقتضى الجمع بين الأدلة كونها ناقصة مجزية. وهكذا الحال في تمام الماهيات كالحج والعمرة وغيرهما.

ولا يبعد مطابقة ما ذكرنا لمفهوم المسمّيات المذكورة عند المتشرعة ، كما يستكشف بالرجوع إليهم في شرحها وبيان أجزائها ، وإن كانوا قد يخطئون في بعض ذلك للجهل بالحكم الشرعي.

__________________

(١) الوسائل ج ٤ ، باب : ١٠ من أبواب الركوع ، حديث : ٥.

٢٠٤

هذا كله في الأجزاء ، وأما الشروط فهي مختلفة ، إذ لا إشكال في دخل قصد عناوين الأفعال من صلاة أو نحوها ولو إجمالا. وفي دخل الترتيب بين الأجزاء المذكورة إشكال.

كما أن الظاهر عدم دخل بقية الشروط وإن اعتبرت في تمام أفراد الماهية ، كالخلوص في جميع العبادات ، والطهارة في الصلاة ، كما هو الحال في الشروط الدخيلة في فعلية ترتب الأثر في الماهيات المخترعة عند العرف ، لصحة الحمل على الفاقد لها ارتكازا ، ولو كانت دخيلة في التسمية لم يصح الحمل إلا بعناية المشابهة ، كالحمل على صورة العمل من دون قصد عنوانه ، مع أنه ليس كذلك قطعا ، وليس هو كالفاقد للجزء الذي يصح فيه الحمل بلحاظ الجامع الارتكازي بين التام والناقص ، على ما تقدّم ، لأن الفاقد للجزء بعض العمل المسمى وفاقد الشرط مباين لواجده رأسا ، فلا مجال فيه للجامع المذكور.

وأما ما تضمّن أن افتتاح الصلاة الوضوء (١) ، وأنه والوقت من فرائض الصلاة (٢) ، فلا بد من حمله على لزوم الإتيان بالوضوء لأجلها ولزوم ايقاعها في الوقت ، لا أنهما مقومان لمفهومها ، إذ لا ريب في مباينة الوضوء والوقت بنفسهما لها ، وإنما الكلام في عدم صدقها على العمل إلا مع إيقاعه في الوقت وحال الطهارة المسببة عن الوضوء ، ولا يشعر بذلك الألسنة المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل ج ١ ، باب : ١ من أبواب الوضوء ، حديث : ٤ و ٧.

(٢) الوسائل ج ١ ، باب : ١ من أبواب الوضوء ، حديث : ٣.

٢٠٥

ومثلها ما تضمّن أن الطهور أحد أثلاث الصلاة (١) ، سواء اريد به استعمال الطهور بالوضوء والغسل ، أم أثر ذلك وهو الطهارة ، للقطع بعدم كونهما جزءاً من المسمى ، بنحو يكون أحدهما ثلثا منه ، وإنما الكلام في شرطيتها له ، ولا يدل عليه اللسان المذكور.

ثم إن بعض مشايخنا ادعى دوران التسمية مدار الأركان من الأجزاء والشرائط.

لا بمعنى كونها تمام المسمى بنحو لو انضم إليها غيرها مما يعتبر في المأمور به لكان زائدا على المسمى كالتعقيب ، بل بمعنى توقف صدق الاسم عليها ، مع كون المسمى مرددا بالإضافة إلى غيرها ، حيث سبق إمكانه في الماهيات المخترعة ، فتدخل في المسمى في ظرف وجودها ، ويصدق بدونها في ظرف عدمها.

بدعوى : أن الماهيات المذكورة لما كانت مخترعة للشارع ، متقوّمة باعتباره الوحدة بين أجزائها ، فلا بدّ من الرجوع إليه في مقوماتها ، ومقتضى أدلة الأركان كونها مقومة للماهيات المذكورة لا تحقق بدونها ، وأن ما زاد عليها غير مقوّم لها ولا مأخوذ فيها ، بل في المأمور به.

لكنه يشكل ...

أولا : بأن التعبير بالأركان لم يرد في البيانات الشرعية ، ليدّعى ظهوره في تقوم المسمى بها ، بل في ألسنة الفقهاء بالإضافة إلى بعض الأجزاء والشرائط بعد رجوعهم للأدلّة ، التي هي لم تتضمن إلا عدم إجزاء الفاقد لها ولو سهوا ، وإجزاء الواجد لها الفاقد لغيرها من الأجزاء والشرائط سهوا.

__________________

(١) الوسائل ج ٤ ، باب : ٩ من أبواب الركوع ، حديث : ١.

٢٠٦

والأوّل أعم من عدم تحقق المسمى بالفاقد ، لإمكان تحققه به وعدم الاجتزاء به لعدم وفائه بالملاك إلا في ظرف انضمام المفقود له مع إمكان استيفاء الملاك بالإتيان به منضما له ، وهو راجع في الحقيقة إلى عدم تعلق الطلب بالمسمى على إطلاقه بل بالمقيد منه. كما هو الحال لو جيء بالفاقد لغير الأركان عمدا حيث لا إشكال في عدم الاجتزاء به مع تحقق المسمى به عنده. كما أن الثاني أعم من تحقق المسمى به ، حيث يمكن الاجتزاء بالناقص ، بل بالمباين ، لعدم إمكان تدارك الملاك التام معه ، أو لسقوط ملاكه بسببه.

وإما ما تضمن نفي الماهية بفقد بعض الأركان ، مثل : «لا صلاة إلّا بطهور» (١).

فهو ـ مع ورود نظيره في غير الأركان ـ لا ينهض بالاستدلال ، لإمكان كون النفي ادعائيا ، ولا تنهض أصالة الحقيقة بإحراز كونه حقيقيا ، كما سبق في الوجه الثالث للاستدلال على القول بالصحيح.

كما أن ما تضمنته جملة من النصوص من الحكم بتمامية العمل أو صحته مع فقده لغير الأركان سهوا مسوق لبيان إجزائه الذي هو الأثر المهم المصحح لانتزاع الصحة والتمامية ، لا لبيان تحقق المسمى به لينفع فيما نحن فيه.

على أنه قد ورد نقيض ذلك مع تركه عمدا الذي لا يخل بصدق المسمى عنده.

وثانيا : أن الأفراد مختلفة في قدر الأركان المعتبرة فيها ، فالمعتبر ـ مثلا ـ

__________________

(١) الوسائل ج ١ ، باب : ١ من أبواب الوضوء ، حديث : ١.

٢٠٧

في صلاة الصبح ركوعان ، وفي صلاة الظهر أربعة ، وحينئذ إن كانت التسمية دائرة مدار صرف الوجود لكل منها ـ وهو المعتبر في ركعة واحدة ـ كما سبق منا ـ مع كونها مرددة بالإضافة للزائد عليه ، فمن الظاهر أن أدلة الأركان كما تقتضي اعتبار وجودها في الجملة تقتضي اعتبار المقادير الخاصة منها ، المختلفة باختلاف الأفراد المشروعة ، بنحو تخل الزيادة عليها والنقيصة عنها.

وإن كانت دائرة في مقدارها مدار التشريع ـ نظير ما سبق منا في تقريب الجامع الصحيحي ـ فهو لا يناسب ما صرّح به من عدم معقولية الجامع الصحيحي لاختلاف أفراده في الأجزاء المعتبرة.

وأشكل من ذلك استدلاله للأعم بصحة إطلاق الاسم على الفاسد دون عناية.

إذ فيه : أنه لو غض النظر عما سبق في رد الاستدلال المذكور ، فإن أراد به ما يعم الفاسد الفاقد لبعض الأركان كان منافيا لما سبق منه اختياره والاستدلال عليه من دوران الاسم مدار الأركان ، وإن أراد به خصوص الفاسد الواجد لها فمن الظاهر عدم اختصاص صحة الإطلاق به.

ومن هنا فلا مخرج عما سبق تقريبه ـ تبعا لظاهر الأدلة ـ من أن المعتبر في المسمى تمام الأجزاء المعتبرة في تمام أفراد الماهية ، وبعض الشروط المعتبرة فيها دون غيرها ودون الأجزاء والشروط المعتبرة في خصوصيات الأصناف.

وهو في الحقيقة نحو من التفصيل بين الصحيح والأعم ، فليست التسمية تابعة للصدق العرفي التسامحي الحاصل مع فقد بعض الأجزاء المعتبرة في تمام أفراد الماهية ـ كما هو مقتضى القول بالأعم ـ ولا مختصة بالصحيح الواجد

٢٠٨

لتمام ما يعتبر في المأمور به فعلا من أجزاء وشرائط وإن لم تعتبر في بقية أفراد الماهية.

وعلى هذا يتجه التمسّك بالإطلاق لنفي اعتبار ما شكّ في اعتباره في خصوصية الصنف حتى لو كان واردا في مقام التشريع ، لعدم إجمال المسمى في نفسه ـ كما هو لازم القول بالصحيح ـ وعدم استلزام حمل الأمر عليه العلم بكثرة التخصيص ـ كما هو لازم القول بالأعم ـ لأن الإطلاق يقتضي مقدارا معينا مضبوطا لا يعلم بالزيادة عليه إلا في الشروط العامة التي يمكن الاتكال في بيان إرادتها على أدلتها المشهورة ، وما زاد عليها من الأجزاء والشرائط لو فرض ثبوته بأدلة خاصة ليس من الكثرة بحدّ يستلزم استهجان الإطلاق ، ليمنع من انعقاده والاستدلال به لنفي ما يشك في اعتباره ، كما سبق منا في توجيه منع التمسك بالإطلاق على القول بالأعم.

نعم ، لا مجال للتمسك بالإطلاق لنفي ما يشك في اعتباره في أصل الماهية ، لإجمال العنوان بالإضافة إليه ، وإن أمكن التمسك به لنفيه على القول بالأعم لو غض النظر عما سبق منا.

وهذه ثمرة معتد بها للتفصيل الذي ذكرناه ، وهي قريبة للمرتكزات في مقام الاستدلال. بل لعل سيرتهم الارتكازية عليها. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى العالم. ومنه نستمد العصمة والسداد.

٢٠٩

بقي في المقام أمران :

الأول : أشرنا آنفا إلى الكلام في دخول الشروط في محل النزاع ، وأحلناه على النظر في حجة القولين ، فينبغي الكلام فيه هنا فنقول :

من الظاهر الفرق بين الأجزاء والشرائط ، بأن الأجزاء هي المعروضة للأمر ويستند إليها الأثر ، بحيث يصدق عنوان العمل المأمور به ذي الملاك عليها.

أما الشروط فهي خارجة عنه ، وإنما تكون مقارنته لها دخيلة في واجديته للخصوصية التي بها يكون واجدا لعنوانه وموردا للأمر والأثر.

فمرجع الكلام في دخل الشروط في المسمى ليس إلى كونها بنفسها داخلة فيه ، بل إلى توقف صدق الاسم على العمل على مقارنته لها ، نظير توقف صدق عنوان الزبيب على الثمرة على جفافها ، مع كون الجفاف عرضا خارجا عن الثمرة المسماة بالزبيب.

وقد سبق منا حال الشروط على المختار ، أما على الأعم فمقتضى مساق كلامهم عدم دخل الشروط في التسمية.

وإن كان وضوح دخل قصد عنوان العمل قد يقرب بناءهم على دخله وأن الفاقد له صورة العمل ، لا أنه فاسد منه عندهم ، بخلاف بقية الشروط.

وأما على الصحيح فقد صرّح غير واحد بدخل الشروط ، وهو ظاهر مساق كلماتهم ، بل هو كالصريح من تعبيرهم بالصحيح ، إذ حمله على الذات التي من شأنها أن تتصف بالصحة بعيد جدا. وهو المناسب للوجه الثالث من وجوه الاستدلال المتقدمة للصحيح بل للوجهين الأولين منها أيضا ،

٢١٠

لأن الظاهر أن منشأ دعوى التبادر للصحيح وصحة السلب عن الفاسد هو عدم ترتب الغرض المهم على الفاسد ، ولا يفرق فيه بين فاقد الشرط وفاقد الجزء.

نعم ، الوجه الرابع لا يلزم به ، لعدم اختصاص سيرة الواضعين بأحد الأمرين ، بل يضعون تارة لما هو المؤثر فعلا لتمامية الشرط ، واخرى لما هو المؤثر شأنا. لكن قصور أحد الأدلة عن عموم الدعوى لا ينافي عمومها.

وبذلك ظهر ضعف ما قد يظهر مما عن الوحيد (قدس سره) من خروج الشرط عن محل النزاع ، حيث فسر الصحة بتمامية الأجزاء ، فإنه خروج عن ظاهر كلماتهم واستدلالاتهم في المقام.

ودعوى : أن الشرطية إنما تستفاد من أدلة تقييد المسمّى بالشرط ، الظاهر في كونه أمرا زائدا عليه ، كقوله (عليه السلام) : «إذا حاضت الجارية فلا تصلي إلا بخمار» (١).

مدفوعة : بإمكان كون التقييد للإرشاد إلى عدم تحقق المسمى بدون الشرط. مع أن كثيرا من أدلة الشروط ليست باللسان المذكور ، بل بنظير لسان أخذ الأجزاء ، ومنه ما تضمّن نفي المسمى بفقد الشرط ، مثل : «لا صلاة إلا بطهور» (٢).

على أن ذلك ـ لو تمّ ـ إنما يكشف عن عدم دخل الشرط في المسمى ، لا عن عدم القول بدخله فيه من القائلين بالصحيح ، ليتجه به الخروج عما سبق.

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ، باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي ، حديث : ١٣.

(٢) الوسائل ج ١ ، باب : ١ من أبواب الوضوء ، حديث : ١.

٢١١

وبذلك يشكل ما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) من عدم شمول النزاع لقصد القربة ، لأنه متأخر عن الأمر المتأخر عن المسمّى ، فلا يعقل أخذه فيه مع تأخره عنه بمرتبتين. وكذا عدم التكليف المزاحم ، أو عدم النهي الموجبين لبطلان العبادة ، لتأخرهما عن المسمى بمرتبة ، لأنهما في مرتبة الأمر به.

وجه الإشكال فيه : ما ذكرناه من أن ذلك إنما يمنع من أخذ الشروط المذكورة في المسمّى لا من دخولها في محل النزاع.

مضافا إلى أنه إنما يمنع من أخذ هذه الامور بنحو التقييد لا بنتيجة التقييد ، بأن يكون المسمى هو الحصة المقارنة لها لبا ، كالمؤثر للأثر الخاص أو نحوه ، كما ذكره بعض الأعيان المحققين (قدس سره). غايته أن يكون النهي موجبا لتعذر النهي عنه. فلا مجال للخروج بذلك عن ظاهر كلماتهم في الصحة الفعلية.

بل ما سبق من استدلال القائلين بالأعم بأنه لو كان المسمى هو الصحيح لامتنع النهي عن الصلاة أو نذر تركها ، صريح في شمول النزاع لعدم النهي.

وأما ما ذكره بعض الأعيان المحققين (قدس سره) من اتفاقهم على تحقق المسمى مع المزاحم أو مع النهي فلم يتضح مأخذه بعد ما عرفت ، إلا أن يكون ما إذا صح العمل معهما ، لإمكان التقرب مع المزاحم بالملاك أو بالأمر الترتبي ، وكذا مع النهي للغافلة عنه مع تحقق ملاك الأمر في مورد النهي ، فيخرج عن محل الكلام من كون هذه الامور شروطا تتوقف عليها صحة العمل.

٢١٢

الثاني : سبق في المقدمة الثانية اختصاص محل الكلام بالعبادات التي ثبت استعمالها ولو عند المتشرعة في الخصوصيات الزائدة على معانيها اللغوية لتكون من الماهيات المخترعة ، دون غيرها من العبادات كالركوع والسجود والدعاء ، فضلا عن غير العبادات ، كالسفر والإنفاق على الزوجة ، حيث يكون المرجع في تحديده العرف.

بل غالب تلك الامور لا يتّصف بالصحّة والفساد عرفا ، لما ذكرناه آنفا من انتزاعهما من التمامية وعدمها بلحاظ الأثر المهم ، حيث لا يراد به إلا الأثر المطلوب من الماهية نوعا بمقتضى طبعها.

والامور المذكورة وإن كانت موردا للتكاليف الشرعية التي قد تدعو لفعلها طلبا للفراغ عنها ولتكون مجزئة في مقام امتثالها ، إلّا أن ذلك أمر طارئ عليها خارج عن مقتضى طبعها بما لها من المعاني العرفية ، فلا يكون منشأ لانتزاع الصحة والفساد لها ، بخلاف الماهيات المخترعة التي اخترعت بسبب وقوعها موردا للتكاليف الشرعية ، حيث يكون الأثر المذكور لازما لمفاهيمها عرفا وثابتا لها بمقتضى طبعها.

نعم ، لما كان مقتضى طبع المعاملات حتى عند العرف ترتب الآثار المرغوب فيها عليها كانت موردا للصحة والفساد عرفا بلحاظ ترتب تلك الآثار وعدمه.

ومن هنا ناسب الكلام فيها تبعا للكلام في العبادات وإن كانت باقية على مفاهيمها العرفية ، كما جرى عليها غير واحد في المقام ، والمراد بها المضامين الإنشائية الاعتبارية التي تتكفلها العقود والإيقاعات.

إذا عرفت هذا ، فقد وقع الكلام بينهم ..

٢١٣

تارة : في أنها موضوعة للأسباب ، وهي العقود والإيقاعات ، أو للمسببات الحاصلة بها.

واخرى : في أنها تختصّ بالصحيح أو تعمّ الفاسد.

وثالثة : في ثمرة البحث عن ذلك.

وقد أطالوا في تحقيق هذه الجهات بما لا مجال لتعقيب كلماتهم فيه.

فلنقتصر على بيان ما عندنا وإن كان قد يظهر به حال بعض ما ذكروه.

فنقول بعد الاتكال عليه تعالى وطلب العون منه والتسديد :

لا ينبغي التأمل في أن مضامين المعاملات التي وضعت لها أسماؤها هي المضامين الاعتبارية التي تتضمن العقود والإيقاعات اللفظية إنشاءها ، فهي كسائر الامور الاعتبارية التي سبق الكلام في حقيقتها ، وذكرنا أن لها نحوا من التقرر عند العرف أو الشرع ، وأن وجودها في عالم الاعتبار تابع لاعتبار من بيده اعتبارها من شرع أو عرف أو سلطان ، وليست العقود والإيقاعات اللفظية المتضمنة لإنشائها أو غيرها مما يبرز التزام من له القيام بها إلا أسبابا لها على ما سيتضح.

ولذا كان مفاد أدلة جعلها من الحاكم إمضاء الالتزام المذكور ، مع وضوح أن الإمضاء لا يكون إلا مع مطابقة ما حكم به الممضي لموضوع الالتزام الممضى مفهوما ، والعقود والايقاعات ونحوها أمور حقيقية لها ما بإزاء في الخارج مباينة لمفاد الإمضاء ، فهي غير قابلة للإنشاء والاعتبار والامضاء.

نعم ، للمضامين المذكورة نحوان من الوجود :

الأول : نحو من الوجود الادعائي تابع للالتزام بها مع إبرازه بالعقود ونحوها من أي شخص فرض وإن لم يكن له السلطنة عليها بنظر من بيده اعتبارها.

٢١٤

الثاني : وجود اعتباري تابع لاعتبار من بيده الاعتبار من شرع أو عرف أو سلطان المتفرع على الوجود الأول إذا صدر ممن له السلطنة بنظره ، كالمالك الكامل في المعاملات المالية ، ومرجعه إلى إمضاء التزامه ، لما أشرنا إليه من أن الإمضاء لا يكون إلا مع تطابق حكم الممضي مع موضوع الالتزام الممضى مفهوما.

وبذلك تختلف مضامين المعاملات عن بقية الامور الاعتبارية التي يكون الحكم بها تابعا لتحقق موضوعها ، من دون أن يبتني على الإمضاء ، كالضمان بسبب الإتلاف ، والميراث بسبب الموت ، واستحقاق النفقة بسبب الزوجية ، فإنه لا يكون لها إلا النحو الثاني من الوجود ، وهو الوجود الاعتباري ممن بيده الاعتبار ، لعدم رجوع موضوعاتها للنحو الأول منه ، بل هي مباينة سنخا ومفهوما لها.

وحيث كان الوجود الأول لمضامين المعاملات موضوعا للوجود الثاني صح إطلاق السبب عليه عرفا ، كسائر الموضوعات بالإضافة لأحكامها ، ولا يصح إطلاقه على العقد ـ مثلا ـ إلا بلحاظ سببيته لذلك الوجود الادعائي ، لكونه آلة له ، نظير نسبة سببية الضمان للإلقاء في النار ، بتوسط سببيته للإتلاف الذي هو الموضوع حقيقة.

هذا ، ولا يخفى أن غالب أسماء المعاملات حاك عن إيجاد مضامينها وإيقاعها على موضوعاتها كالبيع والإجارة والمزارعة والتزويج والطلاق والوقف وغيرها ، فإنها مصادر لأفعال متعدية فاعلها موقع تلك المضامين على موضوعاتها ، لا لأفعال لازمة فاعلها نفس الموضوعات.

وحينئذ إن كان المحكي بها الوجود الأول ـ الذي عرفت أنه السبب

٢١٥

حقيقة ـ صح نسبتها إلى موقع المعاملة ، لأنه فعله بالمباشرة ، دون الحاكم الذي يمضي المعاملة من شرع أو عرف أو سلطان ، لعدم الدخل له بالوجود المذكور.

وإن كان المحكي بها الوجود الثاني ـ الذي هو المسبب ـ صح نسبتها للحاكم الممضي للمعاملة ، لأنه فعله بالمباشرة ، كما يصح نسبتها لموقع المعاملة ولو مجازا بلحاظ فعله لموضوعه ـ وهو الوجود الأول ـ نظير نسبة التحليل والتحريم تارة للشارع الأقدس ، واخرى لمحقق موضوعهما ، كالذابح بالوجه الشرعي وبغيره.

وحيث يصح عرفا نسبة هذه الامور لموقع المعاملة دون الشارع الأقدس ونحوه ممن له إمضاؤها كشف ذلك عن الوجه الأول ، وهو أنها موضوعة للأسباب دون المسببات.

لكن ذلك لخصوصية في الهيئة ـ وهي هيئة الفعل ـ دون المادة المشتركة بين الفعل والانفعال ، فإنها صالحة للوجهين ، وبلحاظها كان دليل الثاني إمضاء للأول ، فالبيع ـ مثلا ـ لما كان فعل البائع كان عبارة عن إنشاء المعاملة ، ولم يكن المحكي به إلا الوجود الإنشائي المستند له دون الشارع ، وأما الابتياع فله النحوان السابقان من الوجود ، فوجوده الادعائي الانشائي مستند للبائع ، ووجوده الاعتباري الجعلي مستند للشارع مبتن على إمضاء الأول مع تحقق شروطه. وكذا الحال في التزويج والإجارة والوقف ونحوها مما هو مصدر لفعل متعدد يتضمن إيقاع المعاملة.

ومنه يظهر أن التطابق بين الوجودين المصحح لكون الثاني إمضاء للأول إنما هو في نتيجة المعاملات ك (الانبياع) لا في مضامينها الإيقاعية ، بل

٢١٦

ليس لها إلا الوجود الأول.

والاختلاف المذكور جار في العناوين المنتزعة من أحد الأمرين ، فعنوان المزوّجة منتزع من التزويج الذي هو مصدر (زوّج) المتعدي ، والذي هو فعل القائم بالعقد دون الشارع ، وعنوان الزوج والزوجة منتزعان من نتيجة التزويج ، التي لها وجود إنشائي ادعائي تابع للعقد ، ووجود اعتباري تابع للإمضاء.

وحيث ظهر أن غالب عناوين المعاملات وأسمائها تحكي عن الوجود الانشائي لموقعها ، والذي هو الموضوع للوجود الاعتباري والسبب له بمعنى ، وكان الوجود الاعتباري هو الداعي لفعلها والأثر المرغوب فيه منها ، ظهر إمكان اتصافها بالصحة والفساد بلحاظ ترتب الأثر المذكور وعدمه.

وحينئذ يقع الكلام في الوضع لمطلق الوجود الانشائي المذكور ، أو لخصوص الصحيح منه الذي يمكن تحديد الجامع له بأثره المذكور.

وقد يمنع اختصاص الوضع بالصحيح بدعوى : أنه مستلزم لتصرّف الشارع في معاني هذه الألفاظ ، لتبعية الصحة لقيود شرعية ، فلا يدركها العرف ليتسنّى له أخذها في الموضوع له. ومن البعيد جدا تصرف الشارع في معاني ألفاظ المعاملات ، لعدم الحاجة له بعد مسانخة موضوع الأثر الشرعي للمعنى العرفي ، بل يكتفي بتقييده بما يراه من القيود عند إناطة أحكامه به ، كسائر الموضوعات العرفية المأخوذة في موضوع الأحكام الشرعية.

بخلاف العبادات التي هي من سنخ الماهيات المخترعة للشارع ، والتي خرج بها عن معانيها الأصلية ، حيث يقع الكلام في وضعها جديدا للصحيح من تلك الماهيات أو للأعم منه ومن الفاسد.

٢١٧

لكنه يندفع : بإمكان ابتناء وضعها للصحيح على وضعها له عرفا ابتداء ، من دون حاجة إلى تصرف شرعي فيها ، لا بمعنى وضعها عرفا للصحيح الشرعي ، لعدم إدراك العرف له ، ولا للصحيح الواقعي وإن اختلف العرف والشرع في تشخيصه ، لعدم انتزاع الصحة والفساد من أمر واقعي متقرر في نفسه ، كالنفع والضرر الذي يرجع الاختلاف فيهما للتخطئة ، بل حيث كانا منتزعين من ترتب الأثر وعدمه ، وكان ترتبه تابعا لاعتبار من بيده الاعتبار ، كانا من الامور الإضافية النسبية التي يكون اختلاف طرف الإضافة فيها موجبا للاختلاف في صدقها من دون أن يرجع للاختلاف في المفهوم ، ولا إلى التخطئة في المصداق ، نظير اختلاف الأذواق في اللذيذ والجميل. ومن ذلك اختلاف الشارع مع العرف في موارد الملكية ونحوها من الامور الاعتبارية.

وبالجملة : لا مانع في المقام من دعوى أن الموضوع له لغة وعرفا هو الصحيح الذي يترتب عليه الأثر ، فما ترتب عليه الأثر عرفا بيع عرفا ، وما ترتب عليه الأثر شرعا بيع شرعا ، من دون أن يرجع الاختلاف بين الشرع والعرف في المفهوم ، ولا للتخطئة في المصداق.

نعم ، يشكل الدليل على ذلك ، حيث لا موجب لدعواه ظاهرا إلا تبادر الصحيح من الإطلاق الذي قد يكون مسببا عن كونه مورد الغرض والأثر ، الذي هو قرينة عامة صالحة لأن تكون منشأ لانصراف الإطلاق ، نظير ما تقدم في الاستدلال بالتبادر على الصحيح في العبادات.

بل لما كانت التسمية بلحاظ كون المسمى هو الوجود الانشائي الادعائي للمفهوم فمن الظاهر أن المنشأ هو المفهوم المجرد. وليس ترتب الأثر إلا من لواحقه ، فيبعد جدا أخذه في المسمّى. ولا سيما بملاحظة ورود بعض

٢١٨

الأدلة في إمضائها ، مع وضوح أن القابل للإمضاء هو الوجود الإنشائي المطلق ، ولا معنى لإمضاء خصوص الصحيح منه إلا بنحو القضية بشرط المحمول التي لا مجال لحمل الأدلة عليها.

نعم ، لو كان المدعى الوضع لخصوص الصحيح العرفي لم ينهض ذلك بالمنع منه ، لقابليته للإمضاء الشرعي ، فينحصر ردّه بما سبق.

هذا كله في أسماء المعاملات التي هي عبارة عن مصادر الأفعال المتعدية وما ينتزع بلحاظها من عناوين ، وأما العناوين المنتزعة من نتائجها ، كالزوج والزوجة والثمن ، فإن لحظ فيها الوجود الإنشائي الادعائي فهي قابلة للاتصاف بالصحة والفساد بلحاظ ترتب الوجود الاعتباري عليها وعدمه ، وإن كان الظاهر صدقها مع الفساد وعدم توقفه على الوجود الاعتباري لما سبق. وإن لحظ فيها الوجود الاعتباري فهي غير قابلة للاتصاف بالصحة والفساد ، بل إما أن توجد أو لا توجد.

بقي الكلام في إمكان التمسك بالإطلاقات وعدمه مع الشك في اعتبار بعض القيود في صحة المعاملة.

والإطلاقات المذكورة تارة : تتكفل ببيان نفوذ المعاملة ، كقوله (عليه السلام) : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» (١). واخرى : تتكفل ببيان أحكامها الآخر ، كوجوب الإنفاق على الزوجة.

أما الاولى : فلا إشكال في إمكان التمسّك بها ، أما بناء على ما عرفت من وضعها للأعم فظاهر. وكذا بناء على وضعها للصحيح العرفي. نعم ، لا بدّ

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ، باب : ٢ من كتاب الوقوف والصدقات.

٢١٩

عليه من إحراز صحة المعاملة عرفا ، لعدم تحقق عنوان المطلق بدونه.

وأما بناء على وضعها للصحيح شرعا ، أو بما له من مفهوم إضافي صالح للانطباق على الصحيح الشرعي ، فلما ذكرناه آنفا من أن الصحيح الشرعي لا يقبل الإمضاء شرعا ، فلا بد من تنزيل دليل الإمضاء على الاستعمال في الأعم ، أو في الصحيح العرفي ، فيلحقه ما سبق.

وأظهر من ذلك إطلاق نفوذ العقود ، لانتزاع العقد من نفس الإيجاب والقبول ، لا من نفس المضمون المعاملي المنشأ بهما ، فلا مجال لاحتمال اختصاصه بالصحيح.

وأما الثانية : فما كان منها قد اخذ فيه عنوان منتزع من إيقاع المعاملة ، كالمبيع والمستأجر والمزارع يصدق بمجرد إيقاعها وإن لم يحرز نفوذها ، بناء على ما سبق من وضعها للأعم ، فيكون مقتضى الإطلاق ترتب الحكم بمجرد إيقاع المعاملة وإن لم يتحقق ما يحتمل اعتباره في نفوذها ، ولازمه عدم توقف نفوذها عليه ، لما هو المعلوم من عدم ترتب أحكامها مع بطلانها.

اللهمّ إلا أن يرجع ذلك إلى تقييد موضوع الأحكام بالصحيح استغناء عن التصريح به بالقرينة العامة القاضية بأن ترتب الحكم على المعاملة فرع نفوذها وصحتها.

وحينئذ لا ينهض الإطلاق بإثبات الحكم مع الشك في الصحة ، لعدم إحراز قيد الموضوع ، فضلا عن أن ينهض بإثبات صحتها حينئذ.

وأشكل من ذلك ما لو كان العنوان المأخوذ في الإطلاق منتزعا من نتيجة إطلاق المعاملة ، كعنوان الزوجة ، لما سبق من أن العنوان المذكور كما يمكن انتزاعه من الوجود الإنشائي التابع لإيقاع المعاملة ، يمكن أن يراد به

٢٢٠