المحكم في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٨

العالم العامد ، من دون حاجة إلى فرض جامع عنواني بسيط بينها. وليس ما ثبت في حق غيره من أفراد المسمى الحقيقية ، بل هو بدل مسقط عنه.

نعم ، قد تكون حقائق متشرعية ناشئة عن توسع المتشرعة في استعمال الالفاظ فيها بسبب ترتب الأثر المهم عليها ، وكثر ذلك منهم حتى صارت حقائق عندهم ، لكن لا بلحاظ انتزاعهم الجامع بينها وبين المعنى التام بل بلحاظ وضعهم لأفراد الناقص لمشاركتها للموضوع له الأصلي في مناط التسمية عندهم ، نظير الوضع العام والموضوع له الخاص الذي لا يفرض فيه قدر جامع في مقام الاستعمال في الأفراد.

ويشكل ما ذكره من وجوه :

أولها : أن الأجزاء والشرائط الثابتة في حق القادر المختار العالم العامد مختلفة في أنفسها باختلاف الأوقات والحالات والأفراد فتختلف اليومية في أفرادها وفي حالتي الحضر والسفر ، كما تختلف عن بقية الفرائض ، وتختلف الفرائض عن النوافل ، والنوافل فيما بينها ، وتختلف أقسام الحج والعمرة ، إلى غير ذلك ، فلو أمكن فرض القدر الجامع بين الأفراد المختلفة أمكن فرضه بينها وبين ما ثبت في حق الشخص المذكور.

ثانيها : أن دعوى كون الوضع أو الاستعمال في لسان المتشرعة بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص مخالفة للمرتكزات الاستعمالية القطعية ، حيث لا إشكال في ملاحظة القدر الجامع عند الاستعمال ، كما في المثنى والجمع والاستعمال في الماهية.

بل دعوى ذلك في لسان الشارع الأقدس أهون من دعواه في لسان المتشرعة ، لأن إدراك المستعمل فيه في لسانه بالتبادر بضميمة أصالة تشابه

١٨١

الأزمان ، وفي لسانهم بالوجدان غير القابل للتشكيك.

وثالثها : أن التزام عدم إطلاق العناوين المذكورة في لسان الشارع على ما ثبت في حق المضطر غريب جدا لا يناسب الآيات والنصوص ، فقد صدرت آية التيمم بقوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ...)(١) ، وقال تعالى : ـ في صلاة الخوف ـ (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ...)(٢) ، إلى غير ذلك مما يتضح بأدنى نظرة في الاستعمالات.

ومن الغريب جدا التزامه بأن ثبوت الأجزاء والشرائط غير المتعذرة في حق من يكتفي منه بالعمل الاضطراري من بعض الجهات ليس لإطلاق أدلتها ـ لأن موضوعها المسمى ، وهو خصوص التام ـ بل للإجماع على ثبوت تلك الأجزاء في حق من لم تتعذر عليه.

وأما ما ذكره من امتناع فرض الجامع المركب الحاكي عن الأجزاء والشرائط الشخصية ، فقد أورد عليه سيدنا الأعظم (قدس سره) بإمكان كون الجامع مركبا ينطبق على القليل والكثير بأن يكون القليل في بعض الأحوال واجدا لجهات يكون بها مصداقا للمفهوم المركب بعين مصداقية الكثير له ، فكما جاز أن يكون التراب أحد الطهورين عند فقد الماء جاز أن يكون القليل قائما مقام الكثير في فرديته للجامع بلا قصور فيه.

نعم ، جعله مركبا من خصوص الأجزاء المعنونة في كلماتهم من التكبير والقراءة ونحوهما مانع من انضباطه بنحو يصدق على القليل والكثير صحيحين. لكن لا ملزم به في مقام تصوير الجامع ثبوتا.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥.

(٢) سورة النساء : ١٠٢.

١٨٢

ويندفع : بأن ذلك راجع إلى عدم انطباق الجامع على الأجزاء بأنفسها وذواتها ، بل بلحاظ خصوصية زائدة عليها ، نظير عنوان الطهورية في التراب ، وذلك هو المراد بالجامع البسيط ، إذ لا يراد به في كلام شيخنا الأعظم (قدس سره) ما لا ينطبق على المركب الخارجي ، بل ما لا يحكي عن خصوصيات أجزائه المتكثرة ، وإنما يحكي عن جهة قائمة بتمام أجزائه على اختلافها مع النظر للأجزاء بنحو الإبهام من حيثية النوع والكمّ.

وحينئذ يجري فيه ما أورده شيخنا الأعظم (قدس سره) على الجامع البسيط. فلاحظ.

هذا ، وربما يقرر الجامع الصحيحي بوجه لا بدّ في توضيحه من مقدمة ...

وهي : أنه لا إشكال في تعين الماهيات الحقيقية تبعا لحدودها الواقعية. فكل شيء يلحظ معها إما أن يكون دخيلا فيها ، فيتعذر صدقها بدونه ، أو غير دخيل فلا يتوقف صدقها عليه ، بل لو قارنها في الفرد كان خارجا عنها غير دخيل في فردية الفرد لها ، ولا محكي باللفظ الدال عليها عند إطلاقه على ذلك الفرد ، ولا يعقل الترديد فيها بالإضافة للشيء الواحد بنحو لا يتوقف صدقها عليه ، لكن لو قارنها كان دخيلا في فردية الفرد لها ومحكيا بلفظها إذا اطلق على ذلك الفرد ، لتبعية حدود الماهية لواقعها غير القابل للترديد ، وليست فردية الفرد إلا متفرّعة على الواقع المذكور من دون دخيلة فيه ، ليمكن اختلافها باختلاف الأفراد.

ولذا سبق في تعقيب ما ذكره المحقق الخراساني (قدس سره) امتناع فرض الجامع الحقيقي الماهوي بين أفراد الصحيح مع اختلافها في الأجزاء

١٨٣

المعتبرة فيها.

أما الماهيات الاعتبارية المخترعة فلا مانع من الترديد فيها ، لتقومها بالاعتبار ، ولا حرج على المعتبر في كيفية اعتبارها ، بل له لحاظها بالإضافة لبعض الخصوصيات بنحو الترديد تبعا لاختلاف الأفراد فيها سواء كانت تلك الخصوصيات من سنخ ما به الاشتراك بين الأفراد أم من سنخ آخر.

فمثلا : مفهوم الدار لا بد فيه من مكان مسوّر مشتمل على غرفة ، إلا أنه قد اخذ لا بشرط بالإضافة إلى عدد الغرف ، وإلى بعض الكماليات ، كالحمام والسرداب ، فهي في ظرف عدمها في الفرد لا تخل بصدق الدار التامة عليه ، وفي ظرف وجودها لا تكون زائدة عليها خارجة عنها ، بخلاف مثل المحل التجاري ، فانه لو اتصل بالدار لم يدخل فيها ، بل يكون المجموع أكثر من دار.

إذا عرفت هذا ، فاختلاف أفراد الصحيح في الأجزاء والشرائط سنخا وكمّا لا يمنع من فرض جامع اعتباري بينها قد اخذت فيه خصوصيات الأجزاء بنحو الترديد ، تبعا لاختلاف الأفراد فيها ، إلا أنه لا بد فيه من لحاظ جهة تجمع شتات أفراده المختلفة ، وتقصر عن غيرها من أفراد الفاسد.

والإشكال إنما هو في تعيين تلك الجهة ، بعد ما عرفت من أنه لا مجال للبناء على لحاظ جهة عرضية أو انتزاعية خارجة عن حقيقة الأجزاء مختصة بالأفراد الصحيحة التي يبتني عليها الجامع البسيط ، كما سبق ، ومع ما هو المعلوم من أن أي مقدار فرض من الأجزاء والشرائط لا يطابق الأفراد الصحيحة ، لأنه صحيح في حال دون آخر. ولذا منع غير واحد من وجود الجامع الصحيحي.

١٨٤

لكن الظاهر أن الإشكال المذكور مختص بما إذا كان الوضع تعيينيا من قبل الشارع الأقدس مع قطع النظر عن التشريع ، حيث لا جهة تصلح للتعيين حينئذ ، وقد سبق في مبحث الحقيقة الشرعية أنه لا مجال للبناء عليه ، بل الوضع تعيني مستند للاستعمالات المتكثرة من الشارع والمتشرعة في المعاني الشرعية بعد الابتلاء بها بسبب التشريع ، إذ عليه يمكن كون التشريع معيارا عندهم في التسمية ، لا بمعنى أن الوضع يكون للمشروع بما هو مشروع ، ليرجع للجامع البسيط ، الذي لا مجال للبناء عليه ، بل بمعنى أن العرف الخاص بعد الالتفات لأفراد المشروع من كل حقيقة من هذه الحقائق ، وإدراك نحو سنخية بينها ، ينتزع منها جامعا اعتباريا صالحا للانطباق عليها ويكون الوضع له.

ولا مانع من شمول الجامع المذكور لما شرع بعدها لتحقق ملاك التسمية فيه.

فالتشريع يكون طريقا لتحديد المتشرعة الأفراد التي ينتزع الجامع منها بعد إدراك نحو من السنخية بينها ، مع انطباق الجامع على كل فرد فرد بما له من أجزاء وشرائط اقتضاها التشريع بعناوينها الذاتية ، وليست خصوصياتها ملحوظة إلا بنحو الترديد تبعا لواقع الأفراد المشروعة المختلفة فيها. ومثل هذا الجامع يمكن الوضع له ثبوتا. وإن كان إحراز ذلك موقوفا على النظر في حجة القول بالصحيح.

هذا ، ولا يخفى أنه لا مجال لاستعمال الشارع في الجامع المذكور في مقام تشريع الماهية أو تشريع فرد منها ، لتأخر صدق العنوان عن التشريع رتبة ، بل لا بد في بيان ما هو المشروع من الاستعمال بوجه آخر ، ولو

١٨٥

بالاستعمال في المعنى اللغوي مع تقييده ببعض القيود بنحو تعدد الدال والمدلول.

وحينئذ لو شك في اعتبار شيء فيه بنحو تتوقف صحته عليه ولا يكون مشروعا بدونه لم يكن موضوع للثمرة المتقدمة ، وهي إجمال الخطاب بسبب إجمال العنوان الصحيحي من حيثية الأمر المشكوك ، لفرض عدم الاستعمال فيه ، بل يتعين الرجوع لدليل التشريع فان نهض ببيان اعتباره أو عدمه ، وإلا كان المرجع الأصل.

نعم ، يمكن الاستعمال فيه من قبل الشارع أو المتشرعة بعد الفراغ عن التشريع تارة : في مقام الإخبار عن التشريع في مثل قولنا : الصلاة أو صلاة الظهر واجبة.

واخرى : في مقام بيان أمر آخر ، كقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١) وقولنا : زيد كثير الصلاة.

وثالثة : في مقام الحث على العمل كقوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ)(٢).

ورابعة : لبيان طلبه بعنوان خاص زائدا الذاتية اللازمة لمشروعيته ، كما قد يقال في مثل : لا تدع المسجد من دون صلاة.

أما في الأول فيمكن الشك في اعتبار شيء في العمل يبطل بدونه. والظاهر في مثله عدم التمسك بالإطلاق ، لعدم إحراز صدق العنوان بدون المشكوك ، بعد احتمال عدم مشروعية العمل بدونه ، ليدخل في ضابط أفراده ،

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٤٥.

(٢) سورة البقرة : ٢٣٨.

١٨٦

بل يكون مجملا من حيثية المشكوك ، كما سبق عند بيان ثمرة النزاع.

وأما في بقية الصور فحيث لم يكن المقصود للمتكلم بيان المشروع ، بل بيان بعض ما يتعلّق به بعد الفراغ عن مشروعيته بحدوده ، فلا إطلاق من حيثية ما يعتبر فيه ليقع الكلام في التمسك به.

نعم ، يمكن في الأخير الشك في اعتبار شيء في موضوع المطلوبية الزائدة من دون أن يخل تخلفه بصحة العمل ومشروعيته الذاتية ، بل بخصوصيته ، وحيث كان ظاهر المتكلم بيان موضوع المطلوبية الزائدة أمكن التمسك بالإطلاق لنفي اعتبار ذلك ، لصدق العنوان بدونه ، بناء على أن المراد به الجامع المذكور. وربما يأتي عند الاستدلال للصحيح والأعم بعض ما ينفع في المقام. ومنه سبحانه نستمد العون والتوفيق.

١٨٧

المقام الثاني

في الجامع الأعمي

وبما سبق منا في تقريب الجامع الصحيحي يتضح تقريب الجامع الأعمي ، لأنه بعد ابتلاء أهل العرف الشرعي بالماهيات المخترعة الجديدة ، والنظر إلى أفرادها المختلفة ، وإدراك نحو سنخية بينها ، فكما يمكنهم انتزاع جامع اعتباري بين أفرادها المشروعة مع أخذ خصوصيات الأجزاء فيه بنحو الترديد حسب اختلاف الأفراد فيها ، كذلك يمكنهم انتزاع جامع أوسع يشمل هذه الأفراد وما يشبهها عرفا مما يسانخها في الأجزاء ، وإن كان فاسدا لعدم مشروعيته.

وعليه في الجملة يبتني تقسيم العمل الى التام والناقص والصحيح والفاسد ، لأن التقسيم فرع ملاحظة جامع بين القسمين يكون مقسما لهما.

ولعله إلى هذا يرجع تقرير الجامع بأنه : عبارة عن معظم الأجزاء التي تدور التسمية مدارها عرفا ، فصدق الاسم كذلك يكشف عن وجود المسمى وعدمه عن عدمه. وفي التقريرات أنه نسب إلى جماعة من القائلين بالأعم ، بل قيل : أنه المعروف بينهم.

حيث لا يبعد عدم إرادتهم الوضع لمفهوم المعظم ، لعدم انسباقه من هذه الألفاظ ، بل لواقع الأجزاء التي يتحقق بها المعظم في الخارج. كما لا يبعد أن يراد بالمعظم الجملة المعتد بها التي يكتفي بها في صدق الاسم عرفا بنحو البدلية ، لا خصوص أجزاء معينة منها كالأركان ، لوضوح صدق المسمى

١٨٨

عرفا مع الإخلال بأي جزء فرض.

وأيضا لا يراد بالوضع لها الوضع لخصوصها بحيث يكون انضمام الباقي لها موجبا للزيادة على المسمى ، للقطع ببطلانه ، بل لزومها في تحقق المسمى ، وإن صدق المسمى على التام بمجموعه ، بل على الزائد عليه أيضا.

غاية الأمر أنه يلزم الترديد بالإضافة لخصوصيات الأجزاء المختلفة حسب اختلاف الأفراد فيها سنخا وكمّا ، وقد سبق في تقريب الجامع الصحيحي أنه ليس محذورا في المقام.

ومنه يظهر حال ما أورد عليه في التقريرات والكفاية مما يبتني على امتناع الترديد في المفهوم بالإضافة للخصوصيات التي تختلف الأفراد فيها.

ولعل هذا أحسن الوجوه المذكورة في المقام وأبعدها عن الإشكال ، كما يظهر بمراجعة تلك الوجوه في التقريرات والكفاية وغيرهما ، ولا مجال لإطالة الكلام فيها بعد ذلك.

إذا عرفت هذا فقد استدل على الصحيح بوجوه :

أولها : التبادر. وقد سبق في تقريب الجامع الصحيحي أنه لا إجمال في مفهومه كي يتعذر التبادر إليه ، غاية الأمر أن تفرع فردية الفرد منه على تشريعه مانع من الحمل عليه في الخطابات المتكفلة للتشريع ، وأنه لا مانع من إرادته في مقام الإخبار عنه أو غيره مما لا يرجع إلى مقام التشريع.

لكن قد يجاب عن التبادر : بإمكان استناده إلى كون الصحيح محط الأغراض والآثار ، فإن ذلك كالقرينة العامة على إرادته عند الإطلاق ، المانعة من القطع باستناد التبادر لحاق اللفظ.

ثانيها : صحة السلب عن الفاسد ، فقد أصر عليها المحقق الخراساني

١٨٩

(قدس سره) مدعيا أن الإطلاق وإن صح تسامحا وبالعناية إلا أن السلب يصح أيضا بالمداقة ، التي هي المعيار في الكشف عن قصور المعنى الموضوع له عن مورد السلب.

لكن المتيقّن بلحاظ عدم ترتب الأثر ألمهم ـ كالإجزاء وفراغ الذمة ـ المصحح لتنزيل العمل منزلة العدم ، أما صحته بلحاظ المعنى الارتكازي للمسميات التي هي علامة المجاز فهي لا تخلو عن إشكال ، ولا يتسنى القطع بها.

ثالثها : ما تضمن من الآيات والروايات إثبات بعض الخواص والآثار للمسميات ، كقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١) ، وقوله (صلّى الله عليه وآله) : «الصلاة عماد دينكم» (٢) ، وقوله (عليه السلام) : «الصلاة قربان كل تقي» (٣) ، وقوله (عليه السلام) : «الصوم جنة من النار» (٤) ، وقوله (عليه السلام) : «حجوا واعتمروا تصح أبدانكم ، وتتسع ارزاقكم ، وتكفون مئونة عيالاتكم» (٥).

بدعوى : أن مقتضى إثباتها للماهية ثبوتها لجميع أفرادها ، وحيث لا تثبت للفاسد لم يكن من الأفراد الداخلة في المسمى.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٤٥.

(٢) الوسائل ج ٢ ، باب : ١ من أبواب الاستحاضة ، حديث : ٥.

(٣) الوسائل ج ٤ ، باب : ١٢ من أبواب قواطع الصلاة ، حديث : ٦.

(٤) الكافي كتاب الإيمان والكفر ، باب : دعائم الإسلام ، حديث : ٥ ، ج ٢ : ١٩.

(٥) الوسائل ج ٨ ، باب : ١ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، حديث : ٧.

١٩٠

وكذا ما تضمن أخذ بعض الأجزاء والشرائط في الماهية كقوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) وقوله (عليه السلام) : فيمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته : «لا صلاة له إلا أن يقرأ بها ...» (٢) وقوله (عليه السلام) : (فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : إنّ أصحاب الأراك لا حج لهم. يعني الذين يقفون عند الأراك) (٣) ، لظهوره في عدم صدق معاني هذه الألفاظ حقيقة على الفاقد لهذه الامور وإن صدقت عليها تسامحا.

لكن سبق عند الكلام في تقريب المحقق الخراساني (قدس سره) للجامع الصحيحي أنه لا مجال لاستفادة اختصاص الآثار بالأفراد الصحيحة ولا عمومها لجميعها من الأدلة المثبتة لها.

على أنها لو اختصت بها فلعله ليس لانحصار أفراد المسمى بالصحيح ، بل لورود أدلة هذه الآثار للحث على العمل تأكيدا لداعوية التشريع ودفعا للعمل بمقتضاه ، فيختص ما يقصد بيانه منها بمورده وإن كان المسمى أعم منه.

ودعوى : أن اعتماد المتكلم على القرينة المذكورة خلاف الأصل ، وأن مقتضى الأصل جريه على مقتضى الوضع.

مدفوعة : بأنه لم يتضح بناء العقلاء على عدم اعتماد المتكلم على

__________________

(١) الوسائل ج ١ ، باب : ١ من أبواب الوضوء ، حديث : ١.

(٢) الوسائل ج ٤ ، باب : ١ من أبواب القراءة في الصلاة ، حديث : ١.

(٣) الوسائل ج ٩ ، باب : ١٩ من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ، حديث : ١١.

١٩١

ما يحتف بالكلام مما هو صالح للقرينة مع الشك في المراد فضلا عما لو علم بالمراد وشك في كيفية الاستعمال ، والمتيقّن إنما هو بناؤهم على أصالة عدم القرينة عند الشك في وجودها مع الشك في المراد ، كما أشار إليه في الجملة المحقق الخراساني (قدس سره).

وأما ما تضمن نفي الماهية بانتفاء بعض الأجزاء والشرائط فالاستدلال به موقوف على إحراز كون النفي حقيقيا بلحاظ انتفاء المسمى لا ادعائيا بلحاظ عدم ترتب الأثر المهم ، ولا تنهض أصالة الحقيقة بذلك ، لأن المتيقّن من بناء العقلاء عليها ما لو شك في المراد دون ما لو علم بالمراد وشك في كيفية الاستعمال.

ومن الظاهر أن ما سيق الكلام له وكان هو الغرض الأقصى للمتكلم ليس هو بيان سعة المفهوم وتحديد انطباقه ، نظير كلام اللغويين ، ليرجع الشك في كون النفي حقيقيا أو ادعائيا إلى الشك في المراد الذي هو مجرى أصالة الحقيقة ، بل بيان عدم الاعتداد بالعمل في مقام الامتثال ، لأن ذلك هو وظيفة الشارع الأقدس ، ولذا لو دلّ على الاجتزاء بفاقد الجزء أو الشرط دليل كان معارضا للأدلّة المتقدّمة ، ولو كانت تلك الأدلّة مسوقة لتحديد المفهوم لم يكن معارضا لها ، لأنّ عدم صدق المسمّى على الفاقد لا ينافي الاجتزاء به بدلا عنه.

فمع العلم بمراد المتكلم ـ وهو عدم الاعتداد بالفعل الناقص في مقام الامتثال ـ لا تنهض أصالة الحقيقة بإحراز كون النفي حقيقيا لا ادعائيا ، لتنهض الأدلة المتقدّمة بالمدّعى ، وإنما تنهض بأن عدم الاعتداد حقيقي لبطلان العمل ، لا مجازي بلحاظ عدم كماله.

ومنه يظهر حال ما في التقريرات من دعوى : ظهور التركيب المذكور

١٩٢

في نفي الحقيقة. وأنه مندفع بأن الظهور المذكور موقوف على سوق الكلام لشرح المفهوم أما مع سوقه لبيان عدم الاعتداد بالناقص في مقام العمل ، فلا تكون ظاهرا إلا في ذلك ، فيحمل على عدم الاعتداد به حقيقة لبطلانه.

رابعها : أن طريقة الواضعين وديدنهم في الوضع للماهيات المخترعة هو الوضع لخصوص التام منها ، لانه الذي تقتضيه حكمة الوضع وهي مساس الحاجة للتعبير عنها كثيرا ، والحكم عليها بما هو من لوازمها وآثارها. وأما استعماله في الناقص الذي قد تدعوا الحاجة إليه فليس إلا تسامحيا تنزيلا للمعدوم منزلة الموجود.

ومن الظاهر أن الشارع لا يتخطى عن الطريقة المذكورة ، لارتكازيتها.

وقد اعتمد شيخنا الأعظم (قدس سره) ـ كما في التقريرات ـ على هذا الوجه وأطال في تقريبه وتوضيحه.

وذكره المحقق الخراساني إلا أنه قال : «ولا يخفى أن هذه الدعوى وإن كانت غير بعيدة إلا أنها قابلة للمنع» والمذكور في تقريب المنع وجهان :

الأول : ما ذكره بعض الأعيان المحققين (قدس سره) من أن غرض الوضع لما كان هو تسهيل طريق التفهيم والتعبير عن المعنى الجديد فهو لا يختص بالصحيح التام ، بل يعمّ الفاسد الناقص أيضا ، حيث قد يتعلق الغرض بالتعبير عنه وبيانه ، كما قد يتعلق بالتعبير عن الجامع بينه وبين الصحيح ، ولا وجه مع ذلك لاختصاص الصحيح بالوضع ، بل يتعيّن الوضع للأعم تبعا لعموم الغرض ، وعليه جرت سيرة العقلاء.

بل ذلك في أوضاع الشارع الأقدس أظهر ، لأن غرضه في أكثر أحكامه وفي تشريعها هو تسهيل الأخذ بشريعته وتيسير طريق الوصول إليها فمن حيث

١٩٣

كان الوضع للأعم مستلزما لفتح باب الأخذ بالإطلاقات التي يتوصل بها لمعرفة الأحكام ، كان المناسب منه اختياره ، دون الوضع للصحيح الذي ينسدّ معه ذلك ، كما سبق عند الكلام في ثمرة المسألة.

وفيه : أن تفهيم الأفراد الفاسدة أو الأعم والتعبير عنهما ليس داخلا في الغرض النوعي من الوضع للمعنى الجديد ، ولا في المقصود بالأصل منه ، بل قد يتعلّق به الغرض الشخصي لحاجة طارئة ، كما يتعلق بتفهيم سائر المعاني من دون أن يكون منظورا ولا ملتفتا إليه حين الوضع ، بل ليس المنظور والملتفت إليه إلا المعنى الجديد بما له من حدود مضبوطة بها يتقوم الصحيح التام منه ، وبها يكون موضوعا للآثار الداعية لاختراعه.

كما أن الرجوع للإطلاق على تقدير الوضع للأعم ـ لو تمّ ـ ليس من الامور المقصودة من الوضع ولا الملتفت إليها حينه ، وإن كان من توابعه المترتبة عليه بمقدمات الحكمة ، بل ليس الملتفت إليه والمقصود منه إلا تفهيم المعنى.

ولو فرض الالتفات إليه ، فرفع الإجمال ببيان حدود المسمى ، وتوضيحه الذي لا إشكال في الرجوع لإطلاقه ـ كما سبق ـ أولى من الوضع للأعم ، المبني على الدوران مدار التسمية العرفية التي هي غير منضبطة ، والتي قد تستلزم ضياع كثير من الحدود المأخوذة في المطلوب ، أو تكلف التقييد بها في كل حكم تؤخذ فيه.

الثاني : ما ذكره سيدنا الأعظم (قدس سره) من أن التمام والنقصان كالصحة والعيب تطرآن على الماهيّات المسميات ، فيقال : سرير ناقص وسرير تام ، وبيت ناقص وبيت تام ، وثوب ناقص وثوب تام ، كما يقال : أنه صحيح

١٩٤

ومعيب بلا تصرف ولا عناية ، فلا بد من الالتزام بكون المسمّيات بهذه الأسماء الأعم من التام والناقص الذي يطرأ عليه النقصان كما يطرأ عليه التمام. وكذا الحال فيما نحن فيه.

وفيه : أن فرض التمامية والنقص شاهد بكون المسمى هو التام ، إذ لو عمّ الناقص كانت الماهية المسماة مشككة ، والمشكك يصدق على المرتبة الدانية بعين صدقه على المرتبة العالية ، من دون أن تكون الاولى ناقصة ولا الثانية زائدة ، كالخط الموضوع للأعم من الطويل والقصير ، والجماعة الموضوعة للأعم من الكبيرة والصغيرة ، ولا يكون النقص إلا بفوت بعض المسمى الملازم لأخذ متممه فيه واختصاص التسمية بالتام.

ولذا كان التوصيف بالنقص من سنخ الاستدراك والاستثناء عرفا ، وبالتمامية من سنخ التأكيد الذي لا يختلف مفاده عن المؤكد ثبوتا ، وإن اختلفا إثباتا.

كما لا إشكال ظاهرا في انصراف الإطلاق إليه وإن لم يختص به الأثر ، بل كان الناقص وافيا ببعض ما يترتّب على التام ، إذا لم تكن قرينة على كون الغرض هو المرتبة العالية من الأثر.

ولا يتأتّى هنا ما سبق في التبادر من احتمال استناده للقرينة العامّة ، وهي اختصاص الغرض بالتام ، لفرض عدم اختصاص التام بالأثر ، وعدم القرينة على كون الغرض هو المرتبة العالية من الأثر.

ولا مجال لقياس المقام بالصحة والعيب اللذين هما من الحالات الطارئة على الفرد من دون إخلال بشيء من مقومات ماهيته الدخيلة في المسمى ، لعدم كون المعيار فيهما على تمامية الأجزاء وعدمها ، بل على عروض امور

١٩٥

خارجية تمنع من ترتب الغرض النوعي من الماهية على الفرد.

ومن هنا لا بد من ابتناء التقسيم إلى التام والناقص على نحو من العناية ، والخروج في لفظ المقسم عن معناه ـ وهو ما يطابق التام ـ واستعماله في الأعم منه ومن الناقص ، نظير تقسيم الماء إلى المطلق والمضاف ، والدينار إلى الصحيح والمزور ، وبلحاظه قد يطلق على الناقص ، ولا يبتني على الحقيقة.

ولذا لا إشكال في صحة التقسيم والاستعمال المذكورين فيما يعلم باختصاصه بالتام ، كالقرآن المجيد ، والكتب التي يسميها أصحابها ، والتي لا إشكال في كون المسمى هو التام منها ، مع أنه يصح تقسيم نسخها للتام والناقص.

نعم ، حيث كان بين القسمين في موارد التقسيم المذكورة نحو من السنخية متقومة بالصورة أو غيرها كان انتزاع الجامع الأعم بينها ارتكازيا لا يحتاج لمزيد عناية ، بل قد تخفى العناية فيه ، وليس هو كالتقسيم في أسماء المقادير ـ كالأعداد والأوزان والمكاييل والمساحات ـ المتقومة بمحض الكمّ من دون أخذ نحو صورة فيها يسهل بملاحظتها انتزاع الجامع بين التام والناقص منها ، ولذا يحتاج التقسيم فيها لمزيد عناية ظاهرة.

ومن هنا فقد يجعل التوصيف بالتمامية والنقص ، والتقسيم للتام والناقص دليلا آخر على الوضع للصحيح.

اللهم إلا أن يستشكل في صحة التوصيف والتقسيم بلحاظ نفس العناوين والمسمّيات ، لاحتمال ابتنائه على ملاحظة ترتب الأثر وعدمه ، فيراد التمامية والنقص بلحاظ الأجزاء التي يترتب عليها الأثر ، لا الأجزاء المقومة للماهية المسماة ، فلا ينافي الوضع للأعم ، بل يناسبه.

١٩٦

وكيف كان ، فقد ظهر من جميع ما تقدّم عدم نهوض الوجهين المتقدمين بدفع ما ذكره شيخنا الأعظم من الاستدلال بطريقة الواضعين ، وأن الظاهر تماميته في نفسه بناء على كون الوضع في المقام تعيينيا مستندا للشارع الأقدس أو غيره.

أما بناء على ما سبق في مبحث الحقيقة الشرعية من كون الوضع تعينيا مستندا للاستعمال في المعنى الجديد بعد تجدد الابتلاء به فكما يمكن اختصاصه بالصحيح لأنه مورد الغرض والأثر فتنصرف الاستعمالات إليه حتى يختص الوضع به كذلك يمكن عمومه للفاسد الذي هو مورد للابتلاء أيضا بعد اختراع الماهية ، فيكون الوضع للجامع المنتزع بملاحظة السنخية الذي تقدم تقريب الجامع الأعمي به. وتعيين أحد الأمرين محتاج إلى دليل.

نعم ، لا يبعد كون الأول أنسب بلحاظ ما هو المرتكز من كون الصحيح هو المنظور بالأصل بسبب كونه مورد الأثر وموطن الغرض ، والفاسد من توابعه من غير أن يكون مرادا بالاستقلال. لكن في بلوغ ذلك حدا صالحا للاستدلال إشكال.

ويأتي ما يتضح به الحال عند بيان المختار إن شاء الله تعالى.

هذه عمدة الوجوه المستدل بها للصحيح. وهناك بعض الوجوه الأخر ظاهرة الضعف خصوصا بملاحظة ما تقدم ، فلا مجال لإطالة الكلام فيها.

وحيث انتهى الكلام في حجج الصحيح يقع الكلام فيما استدل أو يستدل به على الأعم ، وهو وجوه :

أولها : التبادر ، الذي هو ممكن بناء على ما سبق من تصوير الجامع الأعمي ، لكن لا إشكال في التبادر لخصوص الصحيح ، وإن سبق أنه لا مجال

١٩٧

للاستدلال به على الوضع له لاحتمال عدم استناده لحاق اللفظ ، بل للقرينة العامة ، وهي اختصاص الأثر به ، وعلى كل حال لا تبادر للأعم.

ثانيها : عدم صحة السلب عن الفاسد ، الذي لا مجال للإشكال فيه بعدم تحصيل الجامع الأعمى ، كما قد يظهر من غير واحد. لما سبق من تقريبه. ولو غض النظر عنه فالجامع المذكور قد يكون ارتكازيا غير متحصل لنا تفصيلا ، إلا أنه يستكشف بصحة السلب وعدمها سعة انطباقه في الخارج ، وهو نحو من المعرفة له ، لأنه معرفة له بلازمه.

فالعمدة في ردّه : أن عدم صحة السلب وإن كان مسلما في الجملة إلا أنه لم يتضح عدم صحته بملاحظة المسمى بما له من الحدود المفهومية ، إذ قد يكون بلحاظ الجامع المنتزع ارتكازا ، المشار إليه عند الكلام في صحة التقسيم إلى التام والناقص ، الذي سبق أن انتزاعه لا يحتاج إلى مزيد عناية بل قد تخفى العناية فيه لكونه ارتكازيا. ويأتي إن شاء الله تعالى ما يشهد بابتناء صحة السلب على ذلك عند بيان المختار في المقام.

ثالثها : صحة التقسيم إلى الصحيح والفاسد ، حيث يدل على انطباق المسمى المقسم على كل منهما وكونه أعم منهما.

وما سبق من منع الاستدلال على الأعم بصحة التقسيم إنما هو في التقسيم للتام والناقص ، لتوقف صدق التمامية والنقص على دخل الجزء الذي يدوران مداره في المسمى ، بخلاف الصحة والفساد فان المعيار فيهما ترتب الغرض النوعي وعدمه وإن تحقق المسمى في الحالين ، نظير ما تقدم في الصحة والعيب.

ويظهر الحال فيه مما تقدم في سابقه ، لوضوح أن صحة التقسيم

١٩٨

لا تكشف عن عموم المعنى الموضوع له ، إلا إذا ثبت كون المراد بالمقسم في مقام التقسيم هو المعنى الموضوع له بما له من الحدود المفهومية ، ولا طريق لإثبات ذلك في المقام بعد ما سبق من أن الجامع بين التام والناقص ارتكازي تخفى فيه العناية ، حيث قد يكون هو المراد في المقام وإن لم يكن موضوعا له.

رابعها : جملة من النصوص الظاهرة في إطلاق العناوين على الفاسد ، كموثق فضيل ـ أو صحيحه ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : بني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية. فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه. يعني : الولاية» (١) ، وفي صحيح زرارة عنه (عليه السلام) : «أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ...» (٢).

فإن الأخذ بالأربع في الأول ، وبالصوم والتصدق والحج في الثاني لا يكون إلا بإرادة الفاسد منها ، بناء على بطلان العبادة من غير ولاية ، ونحوه ما تضمّن نهي الحائض ونحوها عن الصلاة مما هو كثير جدا ، لتعذر الصحيح منها في حقها ، فيمتنع نهيها عنه.

وفيه : أن الاستعمال اعم من الحقيقة ، كما سبق في الاستدلال بنظير ذلك للصحيح.

على أن المراد من الأربع التي اخذ بها في الأول هي التي بني عليها

__________________

(١) الكافي كتاب الإيمان والكفر ، باب : دعائم الإسلام ، حديث : ٣ ، ج ٢ : ١٨.

(٢) الوسائل ج ١ ، باب : ٢٩ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث : ٢.

١٩٩

الإسلام ، وهي خصوص الصحيحة ، فلا بد من كون الأخذ بها مجازيا ، ولو لاعتقادهم صحتها ، فلا يكشف عن صدق المسمى بفعلهم حقيقة.

كما أن ما تضمن النهي عن الصلاة للمحدث ـ مثلا ـ إن كان إرشاديا فكما يمكن أن يكون إرشادا إلى بطلان العمل مع تحقق المسمى به ـ كما هو مقتضى الوضع للأعم ـ يمكن أن يكون إرشادا إلى عدم تحقق العمل ذي العنوان الخاص وهو المسمى ، كما هو مقتضى الوضع للصحيح.

وإن كان مولويا راجعا إلى تحريم الفعل ـ كما هو المدعى في وجه الاستدلال ـ فمن المعلوم أن المحرم ليس مطلق ما يصح إطلاق الاسم عليه عرفا ليناسب الأعم ، بل خصوص ما هو الصحيح لو لا الجهة الموجبة للنهي عنه ، فيناسب الصحيح.

وبعبارة اخرى : لا بد من ابتناء الاستعمال المذكور على نحو من التصرف والخروج عن مقتضى الأصل ، سواء قلنا بالصحيح أم الأعم ، إذ على الأعم يراد من الإطلاق بعض أفراد المسمّى ، وعلى الصحيح يراد بالعنوان ما يصدق عليه المسمى لو لا الجهة الموجبة للنهي ، ولا مرجح للأول ليصح الاستدلال بمثل هذا الاستعمال.

ومنه يظهر حال الاستدلال بإمكان نذر مثل ترك الصلاة في الحمام مع عدم خصوص الصحيح منها لتعذره بسبب النهي الحاصل من النذر ، ولغير ذلك مما أطالوا في بيانه.

لاندفاعه : بما سبق من أن الاستعمال أعم من الحقيقة ، ولزوم ابتناء الاستعمال على نحو من التصرف والخروج عن مقتضى الأصل بأحد الوجهين المتقدمين. وقد أطالوا في تقريب هذا الوجه والجواب عنه بما يضيق الوقت عن

٢٠٠