المحكم في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٨

نعم ، لو ثبت بقاء معروفيتها بين أهل تلك الأديان حتى خالطهم العرب وألفوها بسببهم وعبروا عنها بالألفاظ المذكورة اتجه ذلك ، إلا أنه لا طريق للجزم به وإن قرّبه في الفصول.

مع أن الاختلاف بين ما هو المشروع في الإسلام وما هو المشروع عندهم مستلزم لأخذ الخصوصيات المميزة جزءاً من المسمى في عرف المسلمين لأنه مورد حاجتهم ، بحيث يتبادر إليها من الكلام المبتني على عرفهم.

وليس هو كالاختلاف بيننا وبين العامة راجعا إلى التخطئة في المصداق ، بل هو يبتني على اختلاف التشريع من دون تخطئة فيه.

ولا ينافي هذا كون الألفاظ بحسب أصل اللغة موضوعة للقدر الجامع بين الوظيفتين ، وهو الوظيفة المشروعة. فلاحظ.

وكيف كان فثبوت كون الألفاظ المذكورة موضوعة للمعاني المعهودة لغة لا يمنع من البناء على الحقيقة الشرعية فيها ، لما سبق عند الكلام في الثمرة من أن محل الكلام هو اختصاص المعاني الشرعية بألفاظها المعهودة في عرف الشارع بنحو تكون هي المتبادرة منها ، لهجر المعنى الآخر الموضوع له بحسب أصل اللغة وبمقتضى اشتقاق الكلمة في عرفه ، لعدم تعلق غرضه به ، لا مجرد وضعها لها شرعا ولو بنحو الاشتراك ، كما هو الحال في الوضع اللغوي بناء على القول المذكور ، إذ لا إشكال في عدم اختصاصه بالمعاني الشرعية.

فالكلام في الحقيقة الشرعية إنما هو في اختصاص الألفاظ المذكورة بالمعاني الشرعية في عرف الشارع ، إما بعد اختصاصها بالمعاني الاخرى ، أو بعد اشتراكها بين المعنيين لغة.

١٦١

نعم ، بناء على سبق الوضع للمعاني المذكورة لغة لو قيل بعدم الحقيقة الشرعية لا يتعين حمل الألفاظ في كلام الشارع على المعنى الآخر غير الشرعي ، بل يتردد الأمر بينه وبين المعنى الشرعي ، كما هو الحال في جميع موارد الاشتراك.

بقي شيء

وهو أنه قال في الفصول : «وربما عزي إلى الباقلاني القول : بأن هذه الألفاظ باقية في معانيها اللغوية ، والزيادات شروط لقبولها وصحتها. وهو غير ثابت».

وعليه يكون إطلاقها على الوظائف الشرعية في لسان الشارع والمتشرعة من باب إطلاق لفظ الكلي على بعض أصنافه أو أفراده ، كما قد يناسبه لزوم لام التعريف لها.

لكنه كما ترى! إذ لا ريب في عدم انطباق المعنى الموضوع له بحسب اصل اللغة على بعض تلك الوظائف ، غاية الأمر أن تكون بينهما مناسبة مصححة للإطلاق مجازا ، كما في الزكاة على ما تقدم التنبيه عليه.

وإنما يمكن الكلام في ذلك في مثل الصوم مما كانت فيه الوظيفة الشرعية من أفراد المعنى الموضوع له في أصل اللغة.

مضافا إلى أنه إن اريد ببقاء تلك الألفاظ على معانيها اللغوية بقاؤها عليها حتى في العصور المتأخرة ، فهو مخالف للوجدان ، لعدم تبادر غير تلك الوظائف منها عند المتشرعة.

ولا ينافيه شيوع دخول لام التعريف عليها ، لأنها قد تكون جنسية لا عهدية ، نظير اللام في المنقول بالغلبة.

١٦٢

وإن اريد به بقاؤها عليه في عصر الشارع الأقدس فهو راجع إلى إنكار الحقيقة الشرعية ، ولا مجال له بعد ما سبق في وجه الاستدلال عليها.

تنبيه :

لو فرض عدم بلوغ ما سبق في تقريب الوضع التعيني مرتبة يصلح بها لليقين بالوضع إما مطلقا أو في خصوص بعض الألفاظ التي لم يكثر تداولها في الصدر الأول ، أو في خصوص بعض الازمنة ، كأوائل عصر النبي صلى الله عليه وآله فحيث يعلم بالنقل بعد ذلك يكون استعمال الشارع الألفاظ المذكورة أو بعضها ، أو في الزمن المذكور من مواردها إذا علم بتاريخ الاستعمال وشك في تقدم النقل عليه وتأخره عنه ، الذي تقدم منا في آخر الكلام في علامات الحقيقة لزوم التوقف فيه والبناء على الإجمال ، لا على الحمل على المعنى القديم. وأظهر من ذلك ما لو علم بتاريخ النقل وشك في تاريخ الاستعمال أو جهل بالتاريخين معا ، فراجع.

الأمر الثامن : اختلفوا في أن ألفاظ العبادات مختصة بالصحيح منها ، أو تعمه والفاسد.

وينبغي تمهيد الكلام في ذلك بذكر مقدمات يتضح بها محل الكلام أو يبتني عليها الاستدلال أو غير ذلك مما له دخل بالمقام.

الأولى : لما كانت ثمرة البحث تتعلق بخطابات الشارع الأقدس ونحوها مما له دخل في الحكاية عن الشريعة ـ على ما يأتي ـ فالمهمّ هو اختصاص الألفاظ بأحد الأمرين في عصره.

وحينئذ لا ريب في جريان النزاع بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية وحمل الألفاظ المذكورة في استعمالات الشارع واستعمالات الحاكين عنه على

١٦٣

الوظائف الشرعية ، حيث يقع النزاع في حملها مع التجرد عن القرينة على خصوص الصحيح منها أو الأعم منه ومن الفاسد.

أما بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فحيث لا تكون الوظائف المذكورة موضوعا لها أشكل تحقق موضوع للنزاع المذكور ، حيث لا مجال للحمل على كل من الأمرين بعد كون الاستعمال فيه مجازيا إلا بالقرينة المعينة له.

إلا أنه ربما يوجه النزاع حينئذ بوجوه :

الأول : ما أشار إليه المحقق الخراساني من إمكان النزاع في أن أي الأمرين من الصحيح أو الأعم قد لحظت العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقي اللغوي ويكون الاستعمال في الآخر بتبعه وبمناسبته ، بحيث يبتني على ملاحظة علاقتين علاقته بالأول وعلاقة الأول بالمعنى الحقيقي ، فأيّ منهما كانت العلاقة ملحوظة بينه وبين المعنى الحقيقي يكون مقتضى الأصل الحمل عليه مع القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي ، ولا يحمل على الآخر إلا مع القرينة المعينة له ، لابتنائه على مزيد عناية.

لكنه يرجع إلى ابتناء الاستعمال في الآخر على سبك مجاز في مجاز ، وهو في غاية الإشكال ، لانحصار مصحح الاستعمال المجازي ارتكازا في مناسبة المستعمل فيه للمعنى الحقيقي وعدم الاكتفاء بمناسبته لما يناسبه. اللهمّ إلا أن الاستعمال فيه مبنيا على التوسع في المجاز الأول ، بتنزيله منزلته في طول ملاحظة مناسبته للمعنى الحقيقي. فتأمل.

الثاني : إمكان النزاع في أن أي الأمرين أقرب عرفا ، لشدة مناسبته للمعنى الحقيقي ، وإن كان الآخر مناسبا له أيضا ، لأن المجازات قد تتفاوت في

١٦٤

ذلك ، فنفي الماهية ـ مثلا ـ كما يستعمل مجازا في نفي الصحة يستعمل في نفي الكمال ، لمناسبتهما له معا ، وإن كان الأول أنسب ، فيكون أقرب عرفا ، فيحمل عليه مع القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي إلا بقرينة معينة للثاني.

لكنه موقوف على كون المناسبة المصححة للاستعمال قابلة للشدة والضعف ، وهو غير ظاهر في المقام.

مع أنه لو أمكن دعوى : أن الصحيح أقرب من الأعم لدخل الصحة في شدة المناسبة للمعنى الحقيقي ، فلا مجال لدعوى العكس ، لأن الصحيح من أفراد الأعم واجد لخصوصية زائدة عليه ، فإن كان لتلك الخصوصية دخل في المناسبة كان أقرب من الأعم ، وإن كانت منافية لها كان الأقرب هو الفاسد لا الأعم ، وإلا لم يصح الاستعمال في الخصوصية إلا بلحاظ أن واجدها من أفراد الأعم ، الذي هو في الحقيقة استعمال في الأعم لا في الصحيح.

الثالث : ما قد يستفاد من بعض كلمات المحقق الخراساني (قدس سره) من أنه لو علم استقرار بناء الشارع في محاوراته على التدرج في المجاز بالاكتفاء في أحد المجازين بالقرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي ، وعدم الاكتفاء في الآخر إلا بالقرينة المعينة له ، اتجه النزاع في أن أي الأمرين من الصحيح والأعم هو الذي يكتفى فيه بالقرينة الصارفة. لكن لا طريق لإثبات بناء الشارع على ذلك.

أقول : إن كان بناؤه عليه تبعا للطريقة العرفية في البيان ، لترجح أحد المعنيين في كونه هو الظاهر عرفا ، إما لاختصاصه بالمناسبة للمعنى الحقيقي ، ولا يصح استعمال في الآخر إلا لمناسبته له أو لأقربيته للمعنى الحقيقي رجع إلى أحد الوجهين الأولين ، فيلحقه ما تقدم فيهما.

١٦٥

وإن كان بناؤه عليه اعتباطا مع قطع النظر عن الطريقة العرفية في الاستعمال ، فهو مما يقطع بعدمه ، لاحتياجه إلى عناية خاصة وعدم ترتب الغرض عليه إلا ببيانه ، ولو بيّن لوصل لنا ، لتوفر الدواعي على نقله من دون غرض في إخفائه.

مع أن لازمه التوقف لو احتمل ضياع القرينة على المعنى الآخر ، لعدم وضوح بناء العقلاء على أصالة عدم القرينة إلّا في تنقيح الظهور ، دون تنقيح مقتضى طريقة الشارع الخاصة. إلا أن يثبت تعبد الشارع بها بالخصوص ، ودونه خرط القتاد.

الرابع : ما أشار إليه سيدنا الأعظم (قدس سره) من إمكان النزاع في أن أي الأمرين هو مقتضى القرينة النوعية العامّة ، حتى يتعيّن الحمل عليه بتعذر الحقيقة ، ولا يحمل على الآخر إلّا بقرينة خاصة ، نظير النزاع في الأمر الواقع عقيب الحظر.

وهذا لا يخلو عن وجه لو كان هناك ما يصلح لأن يكون قرينة عامّة في جميع موارد الاستعمالات المتعلقة بالشارع الأقدس ، بحيث يحتاج الخروج عن مقتضاها لقرينة خاصة.

وبهذا وما قبله ـ لو تمّا ـ يتجه النزاع ـ أيضا ـ فيما لو كانت الوظيفة الشرعية من أفراد المعنى اللغوي بحيث لا يكون الاستعمال فيها مجازيا. أما الوجهان الأوّلان فلا يجريان إلّا فيما كان استعمال اللفظ فيها مجازيا يبتني على ملاحظة المناسبة بينه وبين المعنى اللغوي.

هذا كله لو احتمل الاستعمال في كلّ من الصحيح والأعم ، أما لو كان المدعى عدم صحة الاستعمال أو عدم وقوعه إلا في أحدهما ، إما

١٦٦

لانحصار العلاقة به ، أو لوجود الجامع بين افراده دون الآخر ، أو لكونه محط الغرض دون غيره فلا إشكال في إمكان النزاع في تعيينه. فلاحظ.

الثانية : محل الكلام هو العبادات التي هي موضوعة ـ ولو في عرف المتشرعة ـ للخصوصيات الزائدة أو المباينة للمفاهيم اللغوية ، كالصلاة والصوم والاعتكاف والحج وغيرها ، دون ما لم يكن كذلك ، بل بقي على مفهومه اللغوي وإن قيد في مقام الأمر به ببعض القيود الزائدة على ذلك ، كقراءة القرآن والسجود والركوع والدعاء والزيارة ، لأن القيود المذكورة لا توجب تبدل مفاهيمها.

نعم ، يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ بعد الفراغ عن محل البحث في هذه المسألة الكلام في المعاملات ذات المضامين الانشائية الاعتبارية ، لأنها تتصف بالصحة والفساد بلحاظ ترتب الآثار المطلوبة عليها وعدمه ، فيناسب إلحاقها بمحل الكلام.

الثالثة : تقدم في المسألة الخامسة من مباحث الأحكام الوضعية أن الصحة والفساد منتزعان من التمامية وعدمها بلحاظ ترتب الأثر المهم ، وان تعريف الصحة تارة بموافقة الأمر ، واخرى بإسقاط الإعادة والقضاء ليس للاختلاف في مفهومها ، بل في معيار صدقها تبعا للاختلاف في الغرض المهم.

ولا يخفى أن الموافقة والأمر في التعريف الأول يراد بهما تارة : خصوص الواقعيين. واخرى : ما يعم الظاهريين.

وعلى الأول تكون الموافقة للأمر أخص موردا من إسقاط الإعادة والقضاء ، لأنهما قد يسقطان بالناقص المأتي به غفلة أو نسيانا أو خطأ أو جهلا بسبب التعبد الظاهري ، كالصلاة في موارد حديث : «لا تعاد ...» ،

١٦٧

والصوم الذي يؤكل حينه نسيانا وغيرهما.

ولا مجال لدعوى : أن الإجزاء في مورد كاشف عن تحقق الغرض من الأمر المستلزم لشمول الأمر الواقعي له لبّا ، لتبعيته للغرض سعة وضيقا. لاندفاعها بما يأتي في مبحث الإجزاء إن شاء الله تعالى.

أما على الثاني فتكون أعم من وجه موردا من إسقاط الإعادة والقضاء ، حيث قد لا يسقط القضاء في موارد موافقة الأمر ظاهرا ، كما لو كان الإخلال بالأركان ، وقد يسقط مع القطع بالموافقة خطأ من دون تعبد ظاهري في مورده ، لامتناع جعل الحجية مع القطع.

هذا ، ولم أعثر عاجلا على تصريح بكلماتهم بتعيين معيار الصحة في المقام ، وإن لم يبعد عن أكثر حجج القائلين بالصحيح إرادة الموافقة الواقعية للأمر الواقعي ، على ما يتضح عند الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

وهذا لا ينافي ما ذكرناه وأكدوا عليه من أن الاختلاف بين التعريفين لا يرجع للاختلاف في مفهوم الصحة ، بل في معيار صدقها. لأنه لا يراد بالوضع لخصوص الصحيح الاكتفاء بوصف الصحة بلحاظ أي منشأ انتزاع فرض ، بل بلحاظ منشأ انتزاع خاص يناسب غرض الشارع من التسمية ، فلا بد من تعيين ذلك.

الرابعة : لا إشكال في دخول الأجزاء في محل النزاع ، بمعنى أنه على الصحيح تكون تمام الأجزاء مأخوذة في المسمّى. وأما الشروط فقد وقع الكلام بينهم في دخولها مطلقا ، أو عدمه كذلك ، أو دخول خصوص الشروط التي يمكن التقييد بها ، دون ما يمتنع التقييد به ، كقصد امتثال الأمر ، أو غير ذلك من التفصيلات التي أطالوا الكلام في الاستدلال لها. والمناسب إيكال

١٦٨

ذلك للكلام في حجة القول بالصحيح حتى يتضح مفادها.

الخامسة : ذكروا في ثمرة النزاع أنه على الأعم يتجه الرجوع لإطلاقات الخطابات المشتملة على عناوين العبادات المذكورة لنفي ما يحتمل اعتباره فيها من الأجزاء والشرائط التي لا يتوقف عليها صدق تلك العناوين عرفا. أما على الصحيح فلا مجال لذلك ، لأن الشك في اعتبار شيء فيها مساوق للشك في صدق عناوينها بدونه ، ولا يمكن الرجوع للمطلق مع عدم إحراز عنوانه.

نعم ، بناء على اختصاص النزاع بالأجزاء أو بها مع بعض الشرائط يمكن الرجوع في غيرها للإطلاق لو تم من جهته ، لعين الوجه المذكور له على الأعم ، بل هو راجع للأعم من حيثية الشروط المذكورة.

كما أنه لو كان هناك شرح للماهيّات المذكورة ، كالنصوص البيانية الواردة في الوضوء والصلاة ونحوهما أمكن التمسك بإطلاقه لنفي اعتبار أمر آخر في صدق عناوينها ويرتفع به إجمالها.

لكنه خارج عن محل الكلام ، إذ الكلام في إطلاق أحكام هذه العناوين ، لا في إطلاق شرحها. فما قد يظهر من بعض الأعاظم (قدس سره) من استثنائه من الثمرة المتقدمة في غير محله.

هذا ، وقد يدّعى أنه لا مجال للرجوع لإطلاق الخطابات مطلقا حتى على القول بالأعم لوجهين :

أولهما : ما أشار إليه شيخنا الأعظم (قدس سره) من أنه حيث قام الإجماع بل الضرورة على أن الشارع لا يأمر بالفاسد ، فقد ثبت تقييد المسمّيات المذكورة في أدلتها دفعة واحدة بكونها صحيحة جامعة لتمام ما يعتبر فيها واقعا ، ولا مجال معه للتمسّك بالإطلاق ، لعدم الشك في التقييد ، بل

١٦٩

في تحقق القيد فلا بد من إحرازه.

ويندفع بما أشار إليه (قدس سره) من أن عنوان الصحيح لم يؤخذ قيدا زائدا في المأمور به ، ليمنع من التمسك بإطلاقه ، ويجب إحرازه ، بل هو منتزع من مقام الأمر ومترتب عليه ، لأن كل ما تعلّق به الأمر فما يطابقه صحيح ، فإذا كان مقتضى إطلاق الخطاب تعلق الأمر بالمسمى مجردا عن كل قيد كان الصحيح تمام أفراد المسمى المفروض أنه الأعم.

مضافا إلى أن ذلك مختص بإطلاقات الأوامر بالعناوين المذكورة ، دون إطلاقات بقية أحكامها ، حيث لا ملزم بتقييدها بالصحيح. إلا أن يدعى العلم بذلك فيها أيضا.

ثانيهما : ما أصر عليه (قدس سره) في مبحث الأقل والأكثر الارتباطيين من أن جميع الأوامر الواردة في الكتاب المجيد بالعبادات ـ كالصلاة والصوم والحج ـ ليست واردة في مقام بيان ما هو المشروع منها ، بل في مقام الحث والتأكيد عليها ، مع إهمال بيانه وإيكاله إلى الخطابات المتعرضة لذلك ، الواردة قبله أو التي ترد بعده.

وعمّم في التقريرات ذلك لخطابات السنّة الشريفة أيضا ، وذكر أنها إما أن تكون في مقام الإهمال أو في مقام بيان خواص العبادات وآثارها ، من دون أن تكون في مقام بيان مقدار المراد منها ، ولم يشذ عن ذلك إلا شاذ.

وما ذكره (قدس سره) قد يتم فيما ورد في مقام التأكيد على العمل والحث عليه كقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١)

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٤٥.

١٧٠

وقوله عزّ اسمه : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)(١) لأن مقام الحث والتأكيد يناسب سبق التشريع لما هو المشروع والمفروغية عنه.

أما ما تضمّن الأمر بالعمل وتشريعه ، كقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ)(٢) وقوله عزّ وجل : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(٣) فمجرد تضمنه التشريع لا ينافي ثبوت الإطلاق له فيما هو المشروع ، لأن مقام التشريع يناسب بيان المشروع ، فالاكتفاء في بيانه بذكر العنوان ظاهر في الاكتفاء به على إطلاقه.

وأما ما نظّر له به من قول الطبيب للمريض في غير وقت الحاجة : (لا بد لك من شرب الدواء ، أو المسهل) وقول المولى لعبده : (يجب عليك السفر غدا) حيث لا مجال للتمسك فيها بإطلاق الدواء والمسهل والسفر من شرح لها وبيان خصوصياتها المطلوبة.

فهو إنما يسلم في مثل الدواء لقرينة خاصة مانعة من احتمال تعلق الغرض بصرف ماهيته ، كما يقتضيه الإطلاق ، للعلم باختلاف أفراده في سنخ الأثر ، وتضاد كثير من آثارها ، وعدم مناسبة كل مرض إلا لبعضها ، دون مثل المسهل مما له جهة خاصة يمكن تعلق الغرض بها من دون فرق بين خصوصياتها ، وكذا السفر ، حيث يمكن تعلق الغرض بمفارقة الوطن هربا من ظالم أو تخلّصا من تكليف لازم أو نحوهما.

__________________

(١) سورة النساء : ١٠٣.

(٢) سورة هود : ١١٤.

(٣) سورة البقرة : ١٨٣.

١٧١

إلا أن يعلم بتعلق الغرض بخصوص بعض خصوصيات المسهل أو السفر ، فيمتنع التمسك بالإطلاق ، نظير ما ذكرناه في إطلاق الدواء.

لكنه راجع للمانع من الإطلاق ، لا لما قد يظهر منه (قدس سره) من عدم انعقاده مع ورود الكلام في مقام التشريع.

نعم ، لا يبعد عروض الإجمال لأغلب المطلقات المذكورة ، لنظير ما سبق ، حيث يعلم بعدم إرادة الإطلاق منها ، بنحو يكتفي بما ينطبق عليه العنوان بناء على الأعم ، لابتناء الأعم ـ كما سيأتي ـ على الاكتفاء في صدق العنوان على بعض الأجزاء المعينة ـ كالأركان ـ أو غير المعينة بنحو البدلية ، ومن المعلوم عدم إرادة الاكتفاء بذلك في شيء من أحكام هذه العناوين ، بل لا بدّ فيها من أجزاء خاصّة لا يخل تخلفها بالتسمية عرفا ، حيث يكشف ذلك عن ورود الإطلاقات لمحض التشريع مع إيكال ـ بيان حدود المشروع إلى غيرها ـ ولعل هذا هو مراد شيخنا الأعظم (قدس سره).

هذا ، وقد حكى في الفصول عن جماعة جعل الثمرة هو الرجوع للاشتغال عند الشك في اعتبار شيء في العبادة بناء على الصحيح دون الأعم. وهو إنما يتجه بناء على التفصيل في الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين بين كونه مسببا عن إجمال العنوان وعدمه ، فيرجع في الأول للاشتغال وفي الثاني للبراءة. إذ لو قلنا بعموم الرجوع فيه للاشتغال لم يفرق بين الصحيح والأعم ، إلا بناء على تمامية الإطلاق على الأعم ـ على ما سبق الكلام فيه ـ فيرفع به اليد عن الأصل.

ولو قلنا بعموم الرجوع فيه للبراءة ـ كما هو الظاهر ـ لم يفرق بينهما أيضا. إلا بناء على بعض وجوه الجامع الصحيحي الآتية المستلزمة لرجوع

١٧٢

الشك للشك في الامتثال ، الذي لا إشكال في الرجوع فيه للاشتغال.

هذا ، وربما تتضح بعض الثمرات عند الكلام في الجامع الصحيحي والأعمي ، الذي يدعى أنه المسمى على كل من القولين.

السادسة : الوضع لكل من الصحيح والأعم يبتني على فرض الجامع بين أفراد كل منهما يكون هو الموضوع له بعد وضوح كون الوضع في المقام من باب الوضع العام والموضوع له عام ، لما هو المعلوم من إمكان الاستعمال في المفهوم الجامع مع قطع النظر عن الخصوصيات الفردية.

بل لو كان من باب الوضع العام والموضوع له خاص فقد سبق أنه لا بد فيه من ملاحظة الجامع ، إما لكونه دخيلا في الموضوع له بنحو تكون الخصوصيات قيدا فيه على البدل ، أو لكونه معيارا لتعيين الخصوصيات الموضوع لها وضبطها.

ومن هنا يتعيّن الكلام في تعيين الجامع على كل من القولين ، بل هو من أهم مباحث المسألة وعمدة ما يبتني الاستدلال عليه فيها.

والكلام فيه في مقامين :

١٧٣

المقام الأول

في الجامع الصحيحي

وقد يشكل تصويره لوضوح اختلاف أفراد الصحيح في كثير من العبادات ـ كالوضوء والصلاة والحج ـ اختلافا فاحشا.

وقد جزم المحقق الخراساني (قدس سره) بوجوده وإمكان الإشارة إليه بخواصه وآثاره.

قال : «فإن الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذلك الجامع ، فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة ـ مثلا ـ بالناهية عن الفحشاء ، وما هو معراج المؤمن ونحوهما».

وقريب منه ما ذكره بعض الأعيان المحققين (قدس سره).

وما ذكره (قدس سره) يبتني ..

أولا : على ما أشار إليه هنا وفي غير مقام من ملازمة وحدة الأثر لوحدة المؤثر ، بنحو يكشف عن جهة مشتركة بين الامور المؤثرة يستند إليها الاثر.

وثانيا : على امتياز كل عبادة ذات عنوان خاص بأثر يخصها ، لا يشاركها فيه غيرها ، من العبادات أو غيرها.

وثالثا : على عموم الآثار المذكورة لتمام أفراد الصحيح وقصورها عن تمام أفراد الناقص حتى المجزئ منها ، بناء على أن مرادهم بالصحيح ـ الذي

١٧٤

يدّعى الوضع له ـ خصوص مطابق الأمر ـ كما سبق تقريبه ـ لا مطلق المجزئ.

أما الأخير فلا طريق لإثباته ، لأن الآثار المذكورة سيقت في الأدلة لبيان الفائدة ، لا لبيان ملاك الأمر ، كي يدور مدارها وجودا وعدما ، فلا مانع من عمومها للناقص غير المأمور به ، خصوصا ما كان نقصه مجهولا للمكلّف عند إتيانه به.

كما لا مانع من قصورها عن بعض أفراد المأمور به ، واختصاصها بالكامل منها المشتمل على شروط القبول أو بعضها ، إذ لا طريق لإثبات عمومها لتمام أفراده إلا الإطلاق الذي يشكل الاستدلال به مع عدم وروده لبيان المأمور به ، بل في مقام الحث والتأكيد على المأمور بعد الفراغ عن مشروعيتها.

ولا سيما مع ظهور بعض أدلة شروط القبول في عدم الاعتداد بالعمل بدونها ، حيث يقرب جدا كون مصححه عدم ترتب مثل هذه الآثار المهمة.

ومثله الثاني ، لأن مجرد نسبة الأثر للماهية لا يقتضي اختصاصها بها ، وليس في أدلتها قرائن تقضي بالاختصاص ، كما لعله لم يرد في بعض الماهيات أدلة تشهد بثبوت آثار لها ، ليقع الكلام في اختصاصها بها.

وأما الأول فالكلام فيه تارة : في انطباق الكبرى المذكورة على المقام. واخرى : في الدليل عليها.

وقد استشكل سيدنا الأعظم (قدس سره) في الأول بأنها إنما تلزم بفرض الجامع في المقام لو كانت أفراد العبادة علة حقيقية للأثر المذكور ، أما لو كانت علة معدة له فلا ملزم بالجامع بينها ، لأن كلا من وجود الشرط وعدم المانع مؤثر في القابلية مع عدم الجامع بين الوجود والعدم.

١٧٥

ويندفع : بأن كونها معدات إنما يمنع من لزوم فرض الجامع بينها لو اختلف سنخ تأثيرها فيه ، كالشرط وعدم المانع ، لرجوعه إلى اختلاف الأثر حقيقة ، لأن أثر كل جزء من أجزاء العلة جهة خاصة من جهات المعلول.

أما مع اتحاد جهة التأثير فاللازم البناء على وجود الجامع بين المؤثرات لو تمت الكبرى المذكورة ، وظاهر نسبة الآثار في الأدلة للعبادات كونها ـ بتمام أفرادها ـ مقتضيات لها ، لأن المقتضي هو الذي يصح نسبة الأثر له عرفا ، دون الشرط وعدم المانع.

بل ظاهرها فعلية ترتبها عليها ، إما لكونها عللا تامة ، أو لتحقق بقية أجزاء العلة معها.

وأما الثاني فالذي ذكره المحقق الخراساني (قدس سره) في مبحث الواجب التخييري في وجه الكبرى المذكورة : أنه لا بد من نحو من السنخية بين العلة والمعلول.

فإن كان المراد بالسنخية كون الأثر من سنخ المؤثر كي يلزم اتحاد المؤثرات سنخا بعد فرض أثرها ، الذي هو عبارة اخرى عن لزوم الجامع بينها ، فلا ملزم به ، بل لا مجال له ، لرجوعه إلى لزوم وجود الجامع الماهوي بين العلة والمعلول ، ولا يظن من أحد البناء عليه.

وإن كان المراد بها أن استناد الأثر للمؤثر ليس اعتباطيا بل هو تابع لخصوصية ذاتيهما ، لما قيل : من أنه لو لا ذلك لأثر كل شيء في كل شيء ، فهو لا يقتضي لزوم الجامع بين المؤثرات بحيث يستند له الأثر دون خصوصياتها ، إذا لا استحالة في كون خصوصية ذات الأثر الواحد تناسب تحققه بمؤثرات متعددة لا جامع بينها. ومن هنا لا مجال للبناء على الكبرى

١٧٦

المذكورة.

وقد أصرّ على ما ذكرنا بعض المحققين وغيره ، مدعيا اختصاص الملازمة المذكورة بالواحد الشخصي ، لاختصاص برهانها به ، على ما أطال الكلام فيه بما لا يسعنا التعرض له ، بل يظهر منه إنكار هذه الملازمة في الواحد النوعي من صدر المحققين ، كما يظهر من غيره معروفية إنكارها فيه بين جماعة من أهل المعقول.

هذا كله بالنظر للمقدمات التي ابتنى عليها استكشاف الجامع المذكور ، وأما بالنظر له في نفسه فيشكل في وجهين :

أولهما : أنه كيف يمكن فرض الجامع الماهوي الحقيقي بين أفراد الصحيح مع اختلافها في الخصوصيات المعتبرة في فردية الفرد له؟ ، فإنه وإن أمكن اختلاف أفراد الماهية الواحدة في الخصوصيات ، بل هو مما لا بدّ منه في تعددها ، إلا أنه ليس بنحو تكون الخصوصيات دخيلة في فردية الفرد للماهية ، بل هي زائدة عليها لا يستلزم تخلفها خروج الفرد عن الفردية.

أما الخصوصيات المتباينة في المقام فقد تكون مقومة لفردية الفرد ، لتوقف الصحة عليها فيه دون غيره من الأفراد ، بل قد تكون مانعة عن فرديتها ، كالركعة الرابعة المقومة لصلاة العشاء والمبطلة لصلاة المغرب.

نعم ، لو لم يكن المؤثّر المسمّى متحدا مع الفعل ذي الأجزاء والشرائط ، بل مباينا له مسببا عنه ارتفع المحذور المذكور ، لإمكان اختلاف أفراد السبب بهذا الوجه ، كالبناء المؤثّر للظل الذي يستعمل فيه مقدار خاص من الماء في حالة ، وقد يخل به المقدار المذكور في حالة اخرى.

لكن لا مجال للالتزام بذلك في المقام ، لما هو المعلوم من اتحاد المسمى مع

١٧٧

الفعل بنحو يصح حمله عليه ، وليس أحدهما مسببا عن الآخر. ولذا كان المرجع مع الشك في الجزئية أو الشرطية هو البراءة عند المشهور ، مع أن المسمى لو كان هو المسبب عن الأجزاء والشرائط رجع الشك للشك في المحصّل الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال بلا إشكال.

ثانيهما : أن وجود القدر المشترك واقعا لا يكفي في التسمية ما لم يكن معلوما ومحدودا ولو إجمالا ، ليتصور عند الوضع في مقام تعيين اللفظ بإزائه ، وعند جعل الحكم له في مقام التشريع وعند الاستعمال في مقام الحكاية عنه وأدائه باللفظ.

وحينئذ فالجامع الماهوي الحقيقي المذكور إن كان مدركا بنفسه استغني عن استكشافه بالأثر وكان المناسب التنبيه على حدوده ولو بالرسم. وإن لم يكن مدركا بنفسه لم يكف وجوده واقعا في صحة الوضع له والاستعمال فيه.

ودعوى : أنه يكفي تصوره من طريق أثره إجمالا ، فالصلاة ـ مثلا ـ هي الذات الناهية عن الفحشاء بما لها من واقع متقرر في نفسه.

مدفوعة : بأن اللازم عدم انفكاك تصور المسمى عند الاستعمال عن تصور الآثار المذكورة ، لانحصار طريق تصوره بتصورها ، وهو مخالف للوجدان ، بل قد يتصور معاني هذه الألفاظ في مقام الاستعمال وغيره من لا يعلم بثبوت الآثار المذكورة لها.

كيف ولازمه لغوية بيان ثبوت هذه الآثار لها في القضايا المتضمنة لذلك ، لرجوعه إلى قضية بديهية بشرط المحمول. على أن ذلك ـ لو تم ـ أغنى عن استكشاف الجامع الحقيقي بالملازمة المدعاة بين وحدة الأثر ووحدة

١٧٨

المؤثر ، حيث يكفي الجامع الانتزاعي بين الذوات المؤثرة للأثر المذكور وإن فرض عدم الجامع الحقيقي بينها.

وبالجملة : ما ذكره (قدس سره) في تصوير الجامع غير تام في نفسه ، ولا خال عن المحذور.

ومما ذكرناه أخيرا يظهر أنه لا مجال لدعوى : انتزاع الجامع المذكور من الآثار المذكورة ، على أن تكون مقومة له مفهوما ، بلحاظ أن الجهة العرضية المشتركة صالحة لانتزاع العنوان القابل للتسمية ، بلا حاجة إلى الملازمة بين وحدة الأثر ووحدة المؤثر.

لاندفاعها : بأن لازمها عدم تصور معاني هذه الألفاظ إلا بتصوّر هذه الآثار ، ولغوية بيان ثبوتها لها ، نظير ما سبق. بل لا ريب في عدم التطابق المفهومي بين مثل الصلاة والناهي عن الفحشاء ، ولا يكون الحمل بينهما أوليا ذاتيا.

على أن لازم ذلك الرجوع مع الشك في اعتبار شيء فيها للاشتغال ، للشك في تحقق العنوان المكلف به الموجب للشك في الامتثال بدونه ، لأن العنوان المذكور حيث كان منتزعا من جهة زائدة على فعل المكلف وهي ترتب الأثر الخاص عليه كانت مصبّ التكليف عرفا ، وحيث كانت معلومة فلا إجمال في المكلّف به ، ليقتصر على المتيقن منه ، بل يجب إحراز الفراغ عنها نظير الشك في المحصل.

وتردد الفعل الواجد لتلك الجهة بين الأقل والأكثر لا يوجب إجمال المكلف به ، لأن التكليف به لا يرجع للتكليف بمقدار خاص منه يفرض فيه الإجمال ، بل إلى التكليف بما يحصل الاثر منه مع إبهام مقداره وعدم النظر

١٧٩

إليه.

نعم ، لو لم يكن العنوان منتزعا من جهة زائدة على فعل المكلف ، بل حاكيا عن الفعل بنفسه كان تردد الفعل بين الأقل والأكثر مستلزما لإجمال المكلف به ، فيرجع فيه للبراءة.

وكذا لو كان منتزعا من جهة زائدة على فعل المكلف إلا أنه لم يكن موضوعا للتكليف بنفسه وبمنشإ انتزاعه ، بل سبق لمحض الحكاية عن الفعل بذاته معرّى عن كل جهة خارجة عنه ، كما ذكرناه أولا في ذيل تعقيب ما ذكره المحقق الخراساني.

وقد أطلنا الكلام في ذلك في التنبيه الأول من تنبيهات أصل البراءة. فراجع.

ولعل المحقق الخراساني إنما أصرّ على جريان البراءة لفرضه الجامع المتحد مع الأجزاء حاكيا عنها بذواتها لا بلحاظ ترتب الأثر عليها ، وإن كان مستكشفا بالأثر بضميمة الملازمة التي ادعاها.

هذا ، وقد ذكر شيخنا الأعظم (قدس سره) أنه لا مجال لتقرير الجامع بنحو يشمل تمام أفراد الصحيح ، إذ لا مجال لفرض الجامع المركب المبتني على ملاحظة الأجزاء والشرائط بخصوصياتها بعد اختلاف افراده فيها اختلافا فاحشا ، فكلما هو صحيح في حال فاسد في آخر ، ولا الجامع البسيط المنتزع من جهة عرضية أو إضافية أو نحوهما خارجة عن الأجزاء والشرائط ، كالمنتزع من الأثر الخاص أو نحوه ، لنظير ما سبق منا.

وحينئذ ذكر ـ كما في التقريرات ـ أن الوجه هو الالتزام بأن الموضوع له هو خصوص الأجزاء والشرائط الشخصية الثابتة في حق القادر المختار ،

١٨٠