تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٣٠

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور

تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

فافتتحت بحرف الردع والتنبيه ، وجيء بعده بحرف (ثُمَ) الدال على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول. وكرر حرف الردع والتنبيه ، وحذف جواب (لَوْ تَعْلَمُونَ) [التكاثر : ٥] لما في حذفه من مبالغة التهويل ، وأتي بلام القسم لتوكيد الوعيد. وأكد هذا القسم بقسم آخر ، فهذه ستة وجوه.

وأقول زيادة على ذلك : إن في قوله : (عَيْنَ الْيَقِينِ) تأكيدين للرؤية بأنها يقين وأن اليقين حقيقة. والقول في إضافة (عَيْنَ الْيَقِينِ) كالقول في إضافة (عِلْمَ الْيَقِينِ) [التكاثر : ٥] المذكور آنفا.

(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨))

أعقب التوبيخ والوعيد على لهوهم بالتكاثر عن النظر في دعوة الإسلام من حيث إن التكاثر صدهم عن قبول ما ينجيهم ، بتهديد وتخويف من مؤاخذتهم على ما في التكاثر من نعيم تمتعوا به في الدنيا ولم يشكروا الله عليه بقوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، أي عن النعيم الذي خولتموه في الدنيا فلم تشكروا الله عليه وكان به بطركم.

وعطف هذا الكلام بحرف (ثُمَ) الدال على التراخي الرتبي في عطفه الجمل من أجل أن الحساب على النعيم الذي هو نعمة من الله أشدّ عليهم لأنهم ما كانوا يترقبونه ، لأن تلبسهم بالإشراك وهم في نعيم أشد كفرانا للذي أنعم عليهم.

و (النَّعِيمِ) : اسم لما يلذّ لإنسان مما ليس ملازما له ، فالصحة وسلامة الحواس وسلامة الإدراك والنوم واليقظة ليست من النعيم ، وشرب الماء وأكل الطعام والتلذّذ بالمسموعات وبما فيه فخر وبرؤية المحاسن ، تعد من النعيم.

والنعيم أخص من النعمة بكسر النون ومرادف للنّعمة بفتح النون.

وتقدم النعيم عند قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) في سورة براءة [٢١].

والخطاب موجه إلى المشركين على نسق الخطابات السابقة.

والجملة المضاف إليها (إذ) من قوله : (يَوْمَئِذٍ) محذوفة دل عليها قوله : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) [التكاثر : ٦] أي يوم إذ ترون الجحيم فيغلظ عليكم العذاب.

وهذا السؤال عن النعيم الموجه إلى المشركين هو غير السؤال الذي يسأله كل منعم عليه فيما صرف فيه النعمة ، فإن النعمة لما لم تكن خاصة بالمشركين خلافا للتكاثر كان

٤٦١

السؤال عنها حقيقا بكل منعم عليه وإن اختلفت أحوال الجزاء المترتب على هذا السؤال.

ويؤيده ما ورد في حديث مسلم عن أبي هريرة قال : «خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم فإذا هو بأبي بكر وعمر فقاما معه فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته. إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحبيه ثم قال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب وأخذ المدية فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفسي بيده لتسألنّ عن نعيم هذا اليوم يوم القيامة» الحديث. فهذا سؤال عن النعيم ثبت بالسنة وهو غير الذي جاء في هذه الآية. والأنصاري هو أبو الهيثم بن التّيهان واسمه مالك.

ومعنى الحديث : لتسألن عن شكر تلك النعمة ، أراد تذكيرهم بالشكر في كل نعمة. وسؤال المؤمنين سؤال لترتيب الثواب على الشكر أو لأجل المؤاخذة بالنعيم الحرام.

وذكر القرطبي عن الحسن : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار ، وروي (١) «أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال : يا رسول الله أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيّهان من خبز شعير ولحم وبسر قد ذنّب (٢) وماء عذب ، أنخاف أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه؟ فقال عليه‌السلام : ذلك للكفار ثم قرأ : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ : ١٧].

قال القشيري : والجمع بين الأخبار أن الكلّ يسألون ، ولكن سؤال الكافر سؤال توبيخ لأنه قد ترك الشكر ، وسؤال المؤمن سؤال تشريف لأنه شكر.

والجملة المضاف إليها (إذ) من قوله : (يَوْمَئِذٍ) محذوفة دلّ عليها قوله : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) [التكاثر : ٦] أي يوم إذ ترون الجحيم فيغلظ عليكم العذاب.

__________________

(١) ذكره القرطبي عن القشيري.

(٢) يقال : ذنّبت البسرة ، إذا ظهر مثل الوكت من جهة ذنبها ، أي بدأ إرطابها. والرطب يسمى التذنوب بفتح المثناة الفوقية.

٤٦٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١٠٣ ـ سورة العصر

ذكر ابن كثير أن الطبراني روى بسنده عن عبيد الله بن حصين قال : «كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يفترقا إلّا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر» إلخ ما سيأتي.

وكذلك تسميتها في مصاحف كثيرة وفي معظم كتب التفسير وكذلك هي في مصحف عتيق بالخط الكوفي من المصاحف القيروانية في القرن الخامس.

وسميت في بعض كتب التفسير وفي «صحيح البخاري» «سورة والعصر» بإثبات الواو على حكاية أول كلمة فيها ، أي سورة هذه الكلمة.

وهي مكية في قول الجمهور وإطلاق جمهور المفسرين. وعن قتادة ومجاهد ومقاتل أنها مدنية. وروي عن ابن عباس ولم يذكرها صاحب «الإتقان» في عداد السور المختلف فيها.

وقد عدت الثالثة عشرة في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الانشراح وقبل سورة العاديات.

وآيها ثلاث آيات.

وهي إحدى سور ثلاث هنّ أقصر السور عدد آيات : هي ، والكوثر وسورة النصر.

أغراضها

واشتملت على إثبات الخسران الشديد لأهل الشرك ومن كان مثلهم من أهل الكفر بالإسلام بعد أن بلغت دعوته ، وكذلك من تقلد أعمال الباطل التي حذر الإسلام المسلمين

٤٦٣

منها.

وعلى إثبات نجاة وفوز الذين آمنوا وعملوا الصالحات والداعين منهم إلى الحق.

وعلى فضيلة الصبر على تزكية النفس ودعوة الحق.

وقد كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اتخذوها شعارا لهم في ملتقاهم. روى الطبراني بسنده إلى عبيد الله بن عبد الله بن الحصين الأنصاري (من التابعين) أنه قال : «كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يفترقا إلّا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر (أي سلام التفرق وهو سنة أيضا مثل سلام القدوم).

وعن الشافعي : لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم. وفي رواية عنه : لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم. وقال غيره : إنها شملت جميع علوم القرآن. وسيأتي بيانه.

[١ ـ ٣] (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣))

أقسم الله تعالى بالعصر قسما يراد به تأكيد الخبر كما هو شأن أقسام القرآن.

والمقسم به من مظاهر بديع التكوين الرباني الدال على عظيم قدرته وسعة علمه.

وللعصر معان يتعين أن يكون المراد منها لا يعدو أن يكون حالة دالة على صفة من صفات الأفعال الربانية ، يتعين إما بإضافته إلى ما يقدر ، أو بالقرينة ، أو بالعهد ، وأيّا ما كان المراد منه هنا فإن القسم به باعتبار أنه زمن يذكّر بعظيم قدرة الله تعالى في خلق العالم وأحواله ، وبأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة أو عصر معين مبارك.

وأشهر إطلاق لفظ العصر أنه علم بالغلبة لوقت ما بين آخر وقت الظهر وبين اصفرار الشمس فمبدؤه إذا صار ظل الجسم مثله بعد القدر الذي كان عليه عند زوال الشمس ويمتد إلى أن يصير ظلّ الجسم مثلي قدره بعد الظل الذي كان له عند زوال الشمس. وذلك وقت اصفرار الشمس ، والعصر مبدأ العشيّ. ويعقبه الأصيل والاحمرار وهو ما قبل غروب الشمس ، قال الحارث بن حلزة :

آنست نبأة وأفزعها القنّ

اص عصرا وقد دنا الإمساء

فذلك وقت يؤذن بقرب انتهاء النهار ، ويذكر بخلقة الشمس والأرض ، ونظام حركة

٤٦٤

الأرض حول الشمس ، وهي الحركة التي يتكون منها الليل والنهار كل يوم وهو من هذا الوجه كالقسم بالضحى وبالليل والنهار وبالفجر من الأحوال الجوية المتغيرة بتغير توجه شعاع الشمس نحو الكرة الأرضية.

وفي ذلك الوقت يتهيأ الناس للانقطاع عن أعمالهم في النهار كالقيام على حقولهم وجنّاتهم ، وتجاراتهم في أسواقهم ، فيذكر بحكمة نظام المجتمع الإنساني وما ألهم الله في غريزته من دأب على العمل ونظام لابتدائه وانقطاعه. وفيه يتحفز الناس للإقبال على بيوتهم لمبيتهم والتأنس بأهليهم وأولادهم. وهو من النعمة أو من النعيم ، وفيه إيماء إلى التذكير بمثل الحياة حين تدنو آجال الناس بعد مضي أطوار الشباب والاكتهال والهرم.

وتعريفه باللام على هذه الوجوه تعريف العهد الذهني أي كل عصر.

ويطلق العصر على الصلاة الموقتة بوقت العصر. وهي صلاة معظمة. قيل : هي المراد بالوسطى في قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨].

وجاء في الحديث : «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله». وورد في الحديث الصحيح : «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة» فذكر «ورجل حلف يمينا فاجرة بعد العصر على سلعة لقد أعطي بها ما لم يعط» وتعريفه على هذا تعريف العهد وصار علما بالغلبة كما هو شأن كثير من أسماء الأجناس المعرفة باللام مثل العقبة.

ويطلق العصر على مدة معلومة لوجود جبل من الناس ، أو ملك أو نبيء ، أو دين ، ويعيّن بالإضافة ، فيقال : عصر الفطحل ، وعصر إبراهيم ، وعصر الإسكندر ، وعصر الجاهلية ، فيجوز أن يكون مراد هذا الإطلاق هنا ويكون المعنيّ به عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والتعريف فيه تعريف العهد الحضوري مثل التعريف في (اليوم) من قولك : فعلت اليوم كذا ، فالقسم به كالقسم بحياته في قوله تعالى : (لَعَمْرُكَ) [الحجر : ٧٢]. قال الفخر : فهو تعالى أقسم بزمانه في هذه الآية وبمكانه في قوله تعالى : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) [البلد : ٢] وبعمره في قوله : (لَعَمْرُكَ) ا ه.

ويجوز أن يراد عصر الإسلام كله وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم وقد مثّل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عصر الأمة الإسلامية بالنسبة إلى عصر اليهود وعصر النصارى بما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس بقوله : «مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر أجراء يعملون له يوما إلى الليل فعملت اليهود إلى نصف النهار ثم قالوا : لا حاجة لنا إلى أجرك وما عملنا باطل ، واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي

٤٦٥

شرطت لهم فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا : لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا ، واستأجر قوما أن يعملوا بقية يومهم فعملوا حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فأنتم هم». فلعل ذلك التمثيل النبوي له اتصال بالرمز إلى عصر الإسلام في هذه الآية.

ويجوز أن يفسر العصر في هذه الآية بالزمان كله ، قال ابن عطية : قال أبي بن كعب: سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن العصر فقال : أقسم ربكم بآخر النهار. وهذه المعاني لا يفي باحتمالها غير لفظ العصر.

ومناسبة القسم بالعصر لغرض السورة على إرادة عصر الإسلام ظاهرة فإنها بينت حال الناس في عصر الإسلام بين من كفر به ومن آمن واستوفى حظه من الأعمال التي جاء بها الإسلام ، ويعرف منه حال من أسلموا وكان في أعمالهم تقصير متفاوت ، أما أحوال الأمم التي كانت قبل الإسلام فكانت مختلفة بحسب مجيء الرسل إلى بعض الأمم ، وبقاء بعض الأمم بدون شرائع متمسكة بغير دين الإسلام من الشرك أو بدين جاء الإسلام لنسخه مثل اليهودية والنصرانية قال تعالى : (مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) في سورة آل عمران [٨٥].

وتعريف (الْإِنْسانَ) تعريف الجنس مراد به الاستغراق وهو استغراق عرفي لأنه يستغرق أفراد النوع الإنساني الموجودين في زمن نزول الآية وهو زمن ظهور الإسلام كما علمت قريبا. ومخصوص بالناس الذين بلغتهم الدعوة في بلاد العالم على تفاوتها. ولما استثني منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقي حكمه متحققا في غير المؤمنين كما سيأتي ...

والخسر : مصدر وهو ضد الربح في التجارة ، استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظن لنفسه عاقبة حسنة ، وتلك هي العاقبة الدائمة وهي عاقبة الإنسان في آخرته من نعيم أو عذاب.

وقد تقدم في قوله تعالى (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) في سورة البقرة [١٦] وتكررت نظائره من القرآن آنفا وبعيدا.

والظرفية في قوله : (لَفِي خُسْرٍ) مجازية شبهت ملازمة الخسر بإحاطة الظرف بالمظروف فكانت أبلغ من أن يقال : إن الإنسان لخاسر.

٤٦٦

ومجيء هذا الخبر على العموم مع تأكيده بالقسم وحرف التوكيد في جوابه ، يفيد التهويل والإنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس.

وأعقب بالاستثناء بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية فيتقرر الحكم تاما في نفس السامع مبينا أن الناس فريقان : فريق يلحقه الخسران ، وفريق لا يلحقه شيء منه ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يلحقهم الخسران بحال إذا لم يتركوا شيئا من الصالحات بارتكاب أضدادها وهي السيئات.

ومن أكبر الأعمال الصالحات التوبة من الذنوب لمقترفيها ، فمن تحقق فيه وصف الإيمان ولم يعمل السيئات أو عملها وتاب منها فقد تحقق له ضد الخسران وهو الربح المجازي ، أي حسن عاقبة أمره ، وأما من لم يعمل الصالحات ولم يتب من سيئاته فقد تحقق فيه حكم المستثنى منه وهو الخسران.

وهذا الخسر متفاوت فأعظمه وخالده الخسر المنجر عن انتفاء الإيمان بوحدانية الله وصدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودون ذلك تكون مراتب الخسر متفاوتة بحسب كثرة الأعمال السيئة ظاهرها وباطنها. وما حدده الإسلام لذلك من مراتب الأعمال وغفران بعض اللمم إذا ترك صاحبه الكبائر والفواحش وهو ما فسر به قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤].

وهذا الخبر مراد به الحصول في المستقبل بقرينة مقام الإنذار والوعيد ، أي لفي خسر في الحياة الأبدية الآخرة فلا التفات إلى أحوال الناس في الحياة الدنيا ، قال تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران : ١٩٦ ، ١٩٧].

وتنكير (خُسْرٍ) يجوز أن يكون للتنويع ، ويجوز أن يكون مفيدا للتعظيم والتعميم في مقام التهويل وفي سياق القسم.

والمعنى : إن الناس لفي خسران عظيم وهم المشركون.

والتعريف في قوله : (الصَّالِحاتِ) تعريف الجنس مراد به الاستغراق ، أي عملوا جميع الأعمال الصالحة التي أمروا بعملها بأمر الدين وعمل الصالحات يشمل ترك السيئات. وقد أفاد استثناء المتصفين بمضمون الصلة ومعطوفها إيماء إلى علة حكم الاستثناء وهو نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه فإنهم ليسوا في خسر لأجل أنهم آمنوا

٤٦٧

وعملوا الصالحات.

فأما الإيمان فهو حقيقة مقول على جزئياتها بالتواطي. وأما الصالحات فعمومها مقول عليه بالتشكك ، فيشير إلى أن انتفاء الخسران عنهم يتقدر بمقدار ما عملوه من الصالحات وفي ذلك مراتب كثيرة.

وقد دل استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات من أن يكونوا في خسر على أن سبب كون بقية الإنسان في خسر هو عدم الإيمان والعمل الصالح بدلالة مفهوم الصفة. وعلم من الموصول أن الإيمان والعمل الصالح هما سبب انتفاء إحاطة الخسر بالإنسان.

وعطف على عمل الصالحات التواصي بالحق والتواصي بالصبر وإن كان ذلك من عمل الصالحات ، عطف الخاص على العام للاهتمام به لأنه قد يغفل عنه ، يظن أن العمل الصالح هو ما أثره عمل المرء في خاصته ، فوقع التنبيه على أن من العمل المأمور به إرشاد المسلم غيره ودعوته إلى الحق ، فالتواصي بالحق يشمل تعليم حقائق الهدى وعقائد الصواب وإراضة النفس على فهمها بفعل المعروف وترك المنكر.

والتواصي بالصبر عطف على التواصي بالحق عطف الخاص على العام أيضا وإن كان خصوصه خصوصا من وجه لأن الصبر تحمّل مشقة إقامة الحق وما يعترض المسلم من أذى في نفسه في إقامة بعض الحق.

وحقيقة الصبر أنه : منع المرء نفسه من تحصيل ما يشتهيه أو من محاولة تحصيله (إن كان صعب الحصول فيترك محاولة تحصيله لخوف ضر ينشأ عن تناوله كخوف غضب الله أو عقاب ولاة الأمور) أو لرغبة في حصول نفع منه (كالصبر على مشقة الجهاد والحج رغبة في الثواب والصبر على الأعمال الشاقة رغبة في تحصيل مال أو سمعة أو نحو ذلك).

ومن الصبر الصبر على ما يلاقيه المسلم إذا أمر بالمعروف من امتعاض بعض المأمورين به أو من أذاهم بالقول كمن يقول لآمره : هلّا نظرت في أمر نفسك ، أو نحو ذلك.

وأما تحمل مشقة فعل المنكرات كالصبر على تجشّم السهر في اللهو والمعاصي ، والصبر على بشاعة طعم الخمر لشاربها ، فليس من الصبر لأن ذلك التحمل منبعث عن رجحان اشتهاء تلك المشقة على كراهية المشقة التي تعترضه في تركها.

٤٦٨

وقل اشتمل قوله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) على إقامة المصالح الدينية كلها ، فالعقائد الإسلامية والأخلاق الدينية مندرجة في الحق ، والأعمال الصالحة وتجنب السيئات مندرجة في الصبر.

والتخلق بالصبر ملاك فضائل الأخلاق كلها فإن الارتياض بالأخلاق الحميدة لا يخلو من حمل المرء نفسه على مخالفة شهوات كثيرة ، ففي مخالفتها تعب يقتضي الصبر عليه حتى تصير مكارم الأخلاق ملكه لمن راض نفسه عليها ، كما قال عمرو بن العاص :

إذا المرء لم يترك طعاما يحبّه

ولم ينه قلبا غاويا حيث يمّما

فيوشك أن تلفى له الدّهر سبّة

إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما

وكذلك الأعمال الصالحة كلها لا تخلو من إكراه النفس على ترك ما تميل إليه. وفي الحديث : «حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات». وعن علي بن أبي طالب : «الصبر مطية لا تكبو».

وقد مضى الكلام على الصبر مشبعا عند قوله تعالى : (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) في سورة البقرة [٤٥].

وأفادت صيغة التواصي بالحق وبالصبر أن يكون شأن حياة المؤمنين قائما على شيوع التآمر بهما ديدنا لهم ، وذلك يقتضي اتصاف المؤمنين بإقامة الحق وصبرهم على المكاره في مصالح الإسلام وأمته لما يقتضيه عرف الناس من أن أحدا لا يوصي غيره بملازمة أمر إلا وهو يرى ذلك الأمر خليقا بالملازمة إذ قلّ أن يقدم أحد على أمر بحق هو لا يفعله أو أمر بصبر وهو ذو جزع ، وقد قال الله تعالى توبيخا لبني إسرائيل : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة : ٤٤] ، وقد تقدم هذا المعنى عند قوله تعالى : (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) في سورة الفجر [١٨].

٤٦٩

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١٠٤ ـ سورة الهمزة

سميت هذه السورة في المصاحف ومعظم التفاسير «سورة الهمزة» بلام التعريف ، وعنونها في «صحيح البخاري» وبعض التفاسير : «سورة ويل لكل همزة». وذكر الفيروزآبادىّ في «بصائر ذوي التمييز» أنها تسمى «سورة الحطمة» لوقوع هذه الكلمة فيها.

وهي مكية بالاتفاق.

وعدت الثانية والثلاثين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة القيامة وقبل سورة المرسلات.

وآيها تسع بالاتفاق.

روي أنها نزلت في جماعة من المشركين كانوا أقاموا أنفسهم للمز المسلمين وسبهم واختلاق الأحدوثات السيئة عنهم. وسمي من هؤلاء المشركين : الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأمية بن خلف ، وأبيّ بن خلف ، وجميل بن معمر من بني جمح (وهذا أسلم يوم الفتح وشهد حنينا) والعاص بن وائل من بني سهم. وكلهم من سادة قريش. وسمي الأسود بن عبد يغوث ، والأخنس بن شريق الثقفيان من سادة ثقيف أهل الطائف. وكل هؤلاء من أهل الثراء في الجاهلية والازدهاء بثرائهم وسؤددهم. وجاءت آية السورة عامة فعم حكمها المسمّين ومن كان على شاكلتهم من المشركين ولم تذكر أسماؤهم.

أغراضها

فغرض هذه السورة وعيد جماعة من المشركين جعلوا همز المسلمين ولمزهم ضربا من ضروب أذاهم طمعا في أن يلجئهم الملل من أصناف الأذى ، إلى الانصراف عن الإسلام والرجوع إلى الشرك.

٤٧٠

[١ ـ ٧] (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧))

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلَّا).

كلمة (ويل له) دعاء على المجرور اسمه باللام بأن يناله الويل وهو سوء الحال كما تقدم غير مرة منها قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) في سورة البقرة [٧٩].

والدعاء هنا مستعمل في الوعيد بالعقاب.

وكلمة (كلّ) تشعر بأن المهددين بهذا الوعيد جماعة وهم الذين اتخذوا همز المسلمين ولمزهم ديدنا لهم أولئك الذين تقدم ذكرهم في سبب نزول السورة.

وهمزة ولمزة : بوزن فعلة صيغة تدل على كثرة صدور الفعل المصاغ منه. وأنه صار عادة لصاحبه كقولهم : ضحكة لكثير الضحك ، ولعنة لكثير اللعن ، وأصلها : أن صيغة فعل بضم ففتح ترد للمبالغة في فاعل كما صرح به الرضيّ في «شرح الكافية» يقال : رجل حطم إذا كان قليل الرحمة للماشية ، أي والدواب.

ومنه قولهم : ختع (بخاء معجمة ومثناة فوقية) وهو الدليل الماهر بالدلالة على الطريق فإذا أريدت زيادة المبالغة في الوصف ألحق به الهاء كما ألحقت في : علّامة ورحّالة ، فيقولون : رجل حطمة وضحكة ومنه همزة ، وبتلك المبالغة الثانية يفيد أن ذلك تفاقم منه حتى صار له عادة قد ضري بها كما في «الكشاف» ، وقد قالوا : إن عيبة مساو لعيابة ، فمن الأمثلة ما سمع فيه الوصف بصيغتي فعل وفعلة نحو حطم وحطمة بدون هاء وبهاء ، ومن الأمثلة ما سمع فيه فعلة دون فعل نحو رجل ضحكة ، ومن الأمثلة ما سمع فيه فعل دون فعلة وذلك في الشتم مع حرف النداء يا غدر ويا فسق ويا خبث ويا لكع.

قال المرادي في «شرح التسهيل» قال : بعضهم ولم يسمع غيرها ولا يقاس عليها ، وعن سيبويه أنه أجاز القياس عليها في النداء ا ه. قلت : وعلى قول سيبويه بنى الحريري قوله في «المقامة السابعة والثلاثين» : «صه يا عقق ، يا من هو الشّجا والشرق».

٤٧١

وهمزة : وصف مشتق من الهمز. وهو أن يعيب أحد أحدا بالإشارة بالعين أو بالشّدق أو بالرأس بحضرته أو عند توليه ، ويقال : هامز وهمّاز ، وصيغة فعلة يدل على تمكن الوصف من الموصوف.

ووقع (هُمَزَةٍ) وصفا لمحذوف تقديره : ويل لكل شخص همزة ، فلما حذف موصوفه صار الوصف قائما مقامه فأضيف إليه (كلّ).

ولمزة : وصف مشتق من اللمز وهو المواجعة بالعيب ، وصيغته دالة على أن ذلك الوصف ملكة لصاحبه كما في همزة.

وهذان الوصفان من معاملة أهل الشرك للمؤمنين يومئذ ، ومن عامل من المسلمين أحدا من أهل دينه بمثل ذلك كان له نصيب من هذا الوعيد.

فمن اتصف بشيء من هذا الخلق الذميم من المسلمين مع أهل دينه فإنها خصلة من خصال أهل الشرك. وهي ذميمة تدخل في أذى المسلم وله مراتب كثيرة بحسب قوة الأذى وتكرره ولم يعد من الكبائر إلا ضرب المسلم. وسبّ الصحابة رضي‌الله‌عنهم وإدمان هذا الأذى بأن يتخذه ديدنا فهو راجع إلى إدمان الصغائر وهو معدود من الكبائر.

وأتبع (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) لزيادة تشنيع صفتيه الذميمتين بصفة الحرص على المال. وإنما ينشأ ذلك عن بخل النفس والتخوف من الفقر ، والمقصود من ذلك دخول أولئك الذين عرفوا بهمز المسلمين ولمزهم الذين قيل إنهم سبب نزول السورة لتعيينهم في هذا الوعيد.

واسم الموصول من قوله : (الَّذِي جَمَعَ مالاً) نعت آخر ولم يعطف (الَّذِي) بالواو لأن ذكر الأوصاف المتعددة للموصوف الواحد يجوز أن يكون بدون عطف نحو قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) [القلم : ١٠ ـ ١٣].

والمال : مكاسب الإنسان التي تنفعه وتكفي مئونة حاجته من طعام ولباس وما يتخذ منه ذلك كالأنعام والأشجار ذات الثمار المثمرة. وقد غلب لفظ المال في كل قوم من العرب على ما هو الكثير من مشمولاتهم فغلب اسم المال بين أهل الخيام على الإبل قال زهير :

فكلّا أراهم أصبحوا يعقلونه

صحيحات مال طالعات بمخرم

٤٧٢

يريد إبل الدية ولذلك قال : طالعات بمخرم.

وهو عند أهل القرى الذين يتخذون الحوائط يغلب على النخل يقولون خرج فلان إلى ماله ، أي إلى جناته ، وفي كلام أبي هريرة : «وإن إخواني الأنصار شغلهم العمل في أموالهم» وقال أبو طلحة : «وإن أحب أموالي إليّ بئر حاء».

وغلب عند أهل مكة على الدراهم لأن أهل مكة أهل تجر ومن ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم للعباس : «أين المال الذي عند أم الفضل».

وتقدم في قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) سورة آل عمران [٩٢].

ومعنى : (عَدَّدَهُ) أكثر من عدّه ، أي حسابه لشدة ولعه بجمعه فالتضعيف للمبالغة في (عدّ) ومعاودته.

وقرأ الجمهور (جَمَعَ مالاً) بتخفيف الميم ، وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ورويس عن يعقوب وخلف بتشديد الميم مزاوجا لقوله : (عَدَّدَهُ) وهو مبالغة في (جَمَعَ). وعلى قراءة الجمهور دل تضعيف (عَدَّدَهُ) على معنى تكلف جمعه بطريق الكناية لأنه لا يكرر عده إلا ليزيد جمعه.

ويجوز أن يكون (عَدَّدَهُ) بمعنى أكثر إعداده ، أي إعداد أنواعه فيكون كقوله تعالى: (وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) [آل عمران : ١٤].

وجملة : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) يجوز أن تكون حالا من همزة فيكون مستعملا في التّهكم عليه في حرصه على جمع المال وتعديده لأنه لا يوجد من يحسب أن ماله يخلده ، فيكون الكلام من قبيل التمثيل ، أو تكون الحال مرادا بها التشبيه وهو تشبيه بليغ.

ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والخبر مستعملا في الإنكار ، أو على تقدير همزة استفهام محذوفة مستعملا في التهكم أو التعجيب.

وجيء بصيغة المضي في (أَخْلَدَهُ) لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لتحققه عنده ، وذلك زيادة في التهكم به بأنه موقن بأن ماله يخلده حتى كأنه حصل إخلاده وثبت.

والهمزة في (أَخْلَدَهُ) للتعدية ، أي جعله خالدا.

وقرأ الجمهور : يحسب بكسر السين. وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر

٤٧٣

بفتح السين وهما لغتان.

ومعنى الآية : أن الذين جمعوا المال يشبه حالهم حال من يحسب أن المال يقيهم الموت ويجعلهم خالدين لأن الخلود في الدنيا أقصى متمناهم إذ لا يؤمنون بحياة أخرى خالدة.

و (كَلَّا) إبطال لأن يكون المال مخلّدا لهم. وزجر عن التلبس بالحالة الشنيعة التي جعلتهم في حال من يحسب أن المال يخلد صاحبه ، أو إبطال للحرص في جمع المال جمعا يمنع به حقوق الله في المال من نفقات وزكاة.

(لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧)) استئناف بياني ناشئ عن ما تضمنته جملة : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) من التهكم والإنكار ، وما أفاده حرف الزجر من معنى التوعد.

والمعنى : ليهلكنّ فلينبذنّ في الحطمة.

واللام جواب قسم محذوف. والضمير عائد إلى الهمزة.

والنبذ : الإلقاء والطرح ، وأكثر استعماله في إلقاء ما يكره. قال صاحب «الكشاف» في قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) [القصص : ٤٠] شبههم استحقارا لهم بحصيات أخذهن آخذ بكفه فطرحهن ا ه.

والحطمة : صفة بوزن فعلة ، مثل ما تقدم في الهمزة ، أي لينبذن في شيء يحطمه ، أي يكسره ويدقه.

والظاهر أن اللام لتعريف العهد لأنه اعتبر الوصف علما بالغلبة على شيء يحطم وأريد بذلك جهنم ، وأن إطلاق هذا الوصف على جهنم من مصطلحات القرآن. وليس في كلام العرب إطلاق هذا الوصف على النار.

فجملة : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) في موضع الحال من قوله : (الْحُطَمَةِ) والرابط إعادة لفظ الحطمة ، وذلك إظهار في مقام الإضمار للتهويل كقوله : (الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١ ـ ٣] وما فيها من الاستفهام ، وفعل الدراية يفيد تهويل الحطمة ، وقد تقدم (ما أَدْراكَ) غير مرة منها عند قوله : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) في

٤٧٤

سورة الانفطار [١٧].

وجملة : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) جواب عن جملة (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) مفيد مجموعهما بيان الحطمة ما هي ، وموقع الجملة موقع الاستئناف البياني ، والتقدير هي ، أي الحطمة نار الله ، فحذف المبتدأ من الجملة جريا على طريقة استعمال أمثاله من كل إخبار عن شيء بعد تقدم حديث عنه وأوصاف له ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) في سورة البقرة [١٨].

وإضافة (نارُ) إلى اسم الجلالة للترويع بها بأنها نار خلقها القادر على خلق الأمور العظيمة.

ووصف (نارُ) ب «موقدة» ، وهو اسم مفعول من : أوقد النار ، إذا أشعلها وألهبها.

والتوقد : ابتداء التهاب النار فإذا صارت جمرا فقد خفّ لهبها ، أو زال ، فوصف (نارُ) ب «موقدة» يفيد أنها لا تزال تلتهب ولا يزول لهيبها. وهذا كما وصفت نار الأخدود بذات الوقود (بفتح الواو) في سورة البروج ، أي النار التي يجدد اتقادها بوقود وهو الحطب الذي يلقى في النار لتتقد فليس الوصف بالموقدة هنا تأكيدا.

ووصفت (نارُ اللهِ) وصفا ثانيا ب (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ).

والاطلاع يجوز أن يكون بمعنى الإتيان مبالغة في طلع ، أي الإتيان السريع بقوة واستيلاء ، فالمعنى : التي تنفذ إلى الأفئدة فتحرقها في وقت حرق ظاهر الجسد.

وأن يكون بمعنى الكشف والمشاهدة قال تعالى : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٥٥] فيفيد أن النار تحرق الأفئدة إحراق العالم بما تحتوي عليه الأفئدة من الكفر فتصيب كل فؤاد بما هو كفاؤه من شدة الحرق على حسب مبلغ سوء اعتقاده ، وذلك بتقدير من الله بين شدة النار وقابلية المتأثر بها لا يعلمه إلا مقدّره.

[٨ ، ٩] (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩))

هذه جملة يجوز أن تكون صفة ثالثة ل (نارُ اللهِ) [الهمزة : ٦] بدون عاطف ، ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافا ابتدائيا وتأكيدها ب (إنّ) لتهويل الوعيد بما ينفي عنه احتمال المجاز أو المبالغة.

وموصدة : اسم مفعول من أوصد الباب ، إذا أغلقه غلقا مطبقا. ويقال : آصد

٤٧٥

بهمزتين إحداهما أصلية والأخرى همزة التعدية ، ويقال : أصد الباب فعلا ثلاثيا ، ولا يقال : وصد بالواو بمعنى أغلق.

وقرأ الجمهور : موصدة بواو بعد الميم على تخفيف الهمزة ، وقرأه أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف بهمزة ساكنة بعد الميم المضمومة.

ومعنى إيصادها عليهم : ملازمة العذاب واليأس من الإفلات منه كحال المساجين الذين أغلق عليهم باب السجن تمثيل تقريب لشدة العذاب بما هو متعارف في أحوال الناس ، وحال عذاب جهنم أشد مما يبلغه تصور العقول المعتاد.

وقوله : (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) حال : إما من ضمير (عَلَيْهِمْ) أي في حال كونهم في عمد ، أي موثوقين في عمد كما يوثق المسجون المغلظ عليه من رجليه في فلقة ذات ثقب يدخل في رجله أو في عنقه كالقرام. وإمّا حال من ضمير (إِنَّها) ، أي أن النار الموقدة في عمد ، أي متوسطة عمدا كما تكون نار الشواء إذ توضع عمد وتجعل النار تحتها تمثيلا لأهلها بالشواء.

و (عَمَدٍ) قرأه الجمهور بفتحتين على أنه اسم جمع عمود مثل : أديم وأدم. وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف «عمد» بضمتين وهو جمع عمود ، والعمود : خشبة غليظة مستطيلة.

والممدّدة : المجعولة طويلة جدّا ، وهو اسم مفعول من مدده ، إذا بالغ في مده ، أي الزيادة فيه.

وكل هذه الأوصاف تقوية لتمثيل شدة الإغلاظ عليهم بأقصى ما يبلغه متعارف الناس من الأحوال.

٤٧٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١٠٥ ـ سورة الفيل

وردت تسميتها في كلام بعض السلف سورة (أَلَمْ تَرَ). روى القرطبي في تفسير سورة قريش عن عمرو بن ميمون قال : صليت المغرب خلف عمر بن الخطاب فقرأ في الركعة الثانية (أَلَمْ تَرَ) [الفيل : ١] و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : ١]. وكذلك عنونها البخاري. وسميت في جميع المصاحف وكتب التفسير : سورة الفيل.

وهي مكية بالاتفاق.

وقد عدت التاسعة عشرة في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [الكافرون : ١] وقبل سورة الفلق. وقيل : قبل سورة قريش لقول الأخفش إن قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : ١] متعلق بقوله : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل : ٥] ، ولأن أبي بن كعب جعلها وسورة قريش سورة واحدة في مصحفه ولم يفصل بينهما بالبسملة ولخبر عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب المذكور آنفا روى أن عمر بن الخطاب قرأ مرة في المغرب في الركعة الثانية سورة الفيل وسورة قريش ، أي ولم يكن الصحابة يقرءون في الركعة من صلاة الفرض سورتين لأن السنة قراءة الفاتحة وسورة فدل أنهما عنده سورة واحدة. ويجوز أن تكون سورة قريش نزلت بعد سورة الفلق وألحقت بسورة الفيل فلا يتم الاحتجاج بما في مصحف أبي بن كعب ولا بما رواه عمرو بن ميمون.

وآيها خمس.

أغراضها

وقد تضمنت التذكير بأن الكعبة حرم الله وأن الله حماه ممن أرادوا به سوءا أو أظهر غضبه عليهم فعذبهم لأنهم ظلموا بطمعهم في هدم مسجد إبراهيم وهو عندهم في كتابهم ،

٤٧٧

وذلك ما سماه الله كيدا ، وليكون ما حلّ بهم تذكرة لقريش بأن فاعل ذلك هو رب ذلك البيت وأن لا حظّ فيه للأصنام التي نصبوها حوله.

وتنبيه قريش أو تذكيرهم بما ظهر من كرامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الله إذ أهلك أصحاب الفيل في عام ولادته.

ومن وراء ذلك تثبيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن الله يدفع عنه كيد المشركين فإن الذي دفع كيد من يكيد لبيته لأحقّ بأن يدفع كيد من يكيد لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودينه ويشعر بهذا قوله : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) [الفيل : ٢].

ومن وراء ذلك كله التذكير بأن الله غالب على أمره ، وأن لا تغر المشركين قوتهم ووفرة عددهم ولا يوهن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تألب قبائلهم عليه فقد أهلك الله من هو أشد منهم قوة وأكثر جمعا.

ولم يتكرر في القرآن ذكر إهلاك أصحاب الفيل خلافا لقصص غيرهم من الأمم لوجهين : أحدهما أن إهلاك أصحاب الفيل لم يكن لأجل تكذيب رسول من الله ، وثانيهما أن لا يتخذ منه المشركون غرورا بمكانة لهم عند الله كغرورهم بقولهم المحكي في قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ١٩] الآية وقوله : (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الأنفال : ٣٤].

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١))

استفهام تقريري وقد بيّنّا غير مرة أن الاستفهام التقريري كثيرا ما يكون على نفي المقرّر بإثباته للثقة بأن المقرّر لا يسعه إلا إثبات المنفي وانظر عند قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) في سورة البقرة [٢٤٣]. والاستفهام التقريري هنا مجاز بعلاقة اللزوم وهو مجاز كثر استعماله في كلامهم فصار كالحقيقة لشهرته. وعليه فالتقرير مستعمل مجازا في التكريم إشارة إلى أن ذلك كان إرهاصا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيكون من باب قوله : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) [البلد : ١ ، ٢] ، وفيه مع ذلك تعريض بكفران قريش نعمة عظيمة من نعم الله عليهم إذ لم يزالوا يعبدون غيره.

والخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما يقتضيه قوله : (رَبُّكَ) فمهيع هذه الآية شبيه بقوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) [الضحى : ٦] الآيات وقوله : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَأَنْتَ

٤٧٨

حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) [البلد : ١ ، ٢] على أحد الوجوه المتقدمة.

فالرؤية يجوز أن تكون مجازية مستعارة للعلم البالغ من اليقين حد الأمر المرئي لتواتر ما فعل الله بأصحاب الفيل بين أهل مكة وبقاء بعض آثار ذلك يشاهدونه. وقال أبو صالح : رأيت في بيت أم هاني بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة سودا مخططة بحمرة. وقال عتاب بن أسيد : أدركت سائس الفيل وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس. وقالت عائشة : لقد رأيت قائد الفيل وسائقة أعميين يستطعمان الناس. وفعل الرؤية معلق بالاستفهام.

ويجوز أن تكون الرؤية بصرية بالنسبة لمن تجاوز سنه نيفا وخمسين سنة عند نزول الآية ممن شهد حادث الفيل غلاما أو فتى مثل أبي قحافة وأبي طالب وأبي بن خلف.

و (كَيْفَ) للاستفهام سدّ مسدّ مفعولي أو مفعول (تَرَ) ، أي لم تر جواب هذا الاستفهام ، كما تقول : علمت هل زيد قائم؟ وهو نصب على الحال من فاعل (تَرَ) ويجوز أن يكون (كَيْفَ) مجردا عن معنى الاستفهام مرادا منه مجرد الكيفية فيكون نصبا على المفعول به.

وإيثار (كَيْفَ) دون غيره من أسماء الاستفهام أو الموصول فلم يقل : ألم تر ما فعل ربك ، أو الذي فعل ربك ، للدلالة على حالة عجيبة يستحضرها من يعلم تفصيل القصة.

وأوثر لفظ (فَعَلَ رَبُّكَ) دون غيره لأن مدلول هذا الفعل يعم أعمالا كثيرة لا يدل عليها غيره.

وجيء في تعريف الله سبحانه بوصف (رب) مضافا إلى ضمير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إيماء إلى أن المقصود من التذكير بهذه القصة تكريم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إرهاصا لنبوءته إذ كان ذلك عام مولده.

وأصحاب الفيل : الحبشة الذين جاءوا مكة غازين مضمرين هدم الكعبة انتقاما من العرب من أجل ما فعله أحد بني كنانة الذين كانوا أصحاب النسيء في أشهر الحج. وكان خبر ذلك وسببه أن الحبشة قد ملكوا اليمن بعد واقعة الأخدود التي عذّب فيها الملك ذو نواس النصارى ، وصار أمير الحبشة على اليمن رجلا يقال له : (أبرهة) وأن أبرهة بنى كنيسة عظيمة في صنعاء دعاها القليس (بفتح القاف وكسر اللام بعد ما تحتية ساكنة ،

٤٧٩

وبعضهم يقولها بضم القاف وفتح اللام وسكون التحتية). وفي «القاموس» بضم القاف وتشديد اللام مفتوحة وسكون الياء. وكتبه السهيلي بنون بعد اللام ولم يضبطه وزعم أنه اسم مأخوذ من معاني القلس للارتفاع. ومنه القلنسوة واقتصر على ذلك ولم أعرف أصل هذا اللفظ فإما أن يكون اسم جنس للكنيسة ولعل لفظ كنيسة في العربية معرّب منه ، وإما أن يكون علما وضعوه لهذه الكنيسة الخاصة وأراد أن يصرف حج العرب إليها دون الكعبة فروي أن رجلا من بني فقيم من بني كنانة وكانوا أهل النسيء للعرب كما تقدم عند قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) في سورة براءة [٣٧] ، قصد الكنانيّ صنعاء حتى جاء القليس فأحدث فيها تحقيرا لها ليتسامع العرب بذلك فغضب أبرهة وأزمع غزو مكة ليهدم الكعبة وسار حتى نزل خارج مكة ليلا بمكان يقال له المغمّس (كمعظم موضع قرب مكة في طريق الطائف) أو ذو الغميس (لم أر ضبطه) وأرسل إلى عبد المطلب ليحذره من أن يحاربوه وجرى بينهما كلام ، وأمر عبد المطلب آله وجميع أهل مكة بالخروج منها إلى الجبال المحيطة بها خشية من معرة الجيش إذا دخلوا مكة. فلما أصبح هيّأ جيشه لدخول مكة وكان أبرهة راكبا فيلا وجيشه معه فبينا هو يتهيّأ لذلك إذ أصاب جنده داء عضال هو الجدريّ الفتاك يتساقط منه الأنامل ، ورأوا قبل ذلك طيرا ترميهم بحجارة لا تصيب أحدا إلا هلك وهي طير من جند الله فهلك معظم الجيش وأدبر بعضهم ومرض (أبرهة) فقفل راجعا إلى صنعاء مريضا ، فهلك في صنعاء وكفى الله أهل مكة أمر عدوّهم. وكان ذلك في شهر محرم الموافق لشهر شباط (فبراير) سنة ٥٧٠ بعد ميلاد عيسى عليه‌السلام ، وبعد هذا الحادث بخمسين يوما ولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أصح الأخبار وفيها اختلاف كثير.

والتعريف في (الْفِيلِ) للعهد ، وهو فيل أبرهة قائد الجيش كما قالوا للجيش الذي خرج مع عائشة أم المؤمنين أصحاب الجمل يريدون الجمل الذي كانت عليه عائشة ، مع أن في الجيش جمالا أخرى. وقد قيل : إن جيش أبرهة لم يكن فيه إلا فيل واحد ، وهو فيل أبرهة ، وكان اسمه محمود. وقيل : كان فيه فيلة أخرى ، قيل ثمانية وقيل : اثنا عشر. وقال بعض : ألف فيل. ووقع في رجز ينسب إلى عبد المطلب :

أنت منعت الحبش والأفيالا

فيكون التعريف تعريف الجنس ويكون العهد مستفادا من الإضافة.

والفيل : حيوان عظيم من ذوات الأربع ذوات الخف ، من حيوان البلاد الحارة ذات الأنهار من الهند والصين والحبشة والسودان ، ولا يوجد في غير ذلك إلا مجلوبا ، وهو

٤٨٠