تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٣٠

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور

تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

ويجوز أن يراد بالثاني مضاعفة العذاب لهم كقوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) [النحل : ٨٨].

ويجوز أن يراد بعذاب الحريق حريق بغير جهنم وهو ما يضرم عليهم من نار تعذيب قبل يوم الحساب كما جاء في الحديث : «القبر حفرة من حفر جهنم أو روضة من رياض الجنة» رواه البيهقي في «سننه» عن ابن عمر.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١))

يجوز أن يكون استئنافا بيانيا ناشئا عن قوله : (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) المقتضي أنهم إن تابوا لم يكن لهم عذاب جهنم فيتشوف السامع إلى معرفة حالهم أمقصورة على السلامة من عذاب جهنم أو هي فوق ذلك ، فأخبر بأن لهم جنات فإن التوبة الإيمان ، فلذلك جيء بصلة (آمَنُوا) دون : تابوا : ليدل على أن الإيمان والعمل الصالح هو التوبة من الشرك الباعث على فتن المؤمنين ، وهذا الاستئناف وقع معترضا.

ويجوز أن يكون اعتراضا بين جملة (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) [البروج : ١٠] وجملة : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : ١٢] اعتراضا بالبشارة في خلال الإنذار لترغيب المنذرين في الإيمان ، ولتثبيت المؤمنين على ما يلاقونه من أذى المشركين على عادة القرآن في إرداف الإرهاب بالترغيب.

والتأكيد ب (إِنَ) للاهتمام بالخبر.

والإشارة في (ذلِكَ) إلى المذكور من اختصاصهم بالجنات والأنهار.

و (الْكَبِيرُ) : مستعار للشديد في بابه ، والفوز : مصدر.

(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢))

جملة : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) علة لمضمون قوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله : (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) [البروج : ١٠] ، أي لأن بطش الله شديد على الذين فتنوا الذين آمنوا به. فموقع (إِنَ) في التعليل يغني عن فاء التسبب.

وبطش الله يشمل تعذيبه إياهم في جهنم ويشمل ما قبله مما يقع في الآخرة وما يقع

٢٢١

في الدنيا قال تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [الدخان : ١٦] ووجه الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن بطش الله بالذين فتنوا المؤمنين فيه نصر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتثبيت له.

(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣))

تصلح لأن تكون استئنافا ابتدائيا انتقل به من وعيدهم بعذاب الآخرة إلى توعدهم بعذاب في الدنيا يكون من بطش الله ، أردف به وعيد عذاب الآخرة لأنه أوقع في قلوب المشركين إذ هم يحسبون أنهم في أمن من العقاب إذ هم لا يصدقون بالبعث فحسبوا أنهم فازوا بطيب الحياة الدنيا.

والمعنى : أن الله يبطش بهم في البدء والعود ، أي في الدنيا والآخرة.

وتصلح لأن تكون تعليلا لجملة : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : ١٢] لأن الذي يبدئ ويعيد قادر على إيقاع البطش الشديد في الدنيا وهو الإبداء ، وفي الآخرة وهو إعادة البطش.

وتصلح لأن تكون إدماجا للاستدلال على إمكان البعث أي أن الله يبدئ الخلق ثم يعيده فيكون كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧].

والبطش : الأخذ بعنف وشدة ويستعار للعقاب المؤلم الشديد كما هنا.

و (يُبْدِئُ) : مرادف يبدأ ، يقال : بدأ وأبدأ. فليست همزة أبدأ للتعدية.

وحذف مفعولا الفعلين لقصد عموم تعلق الفعلين بكل ما يقع ابتداء ، ويعاد بعد ذلك فشمل بدأ الخلق وإعادته وهو البعث ، وشمل البطش الأول في الدنيا والبطش في الآخرة ، وشمل إيجاد الأجيال وأخلافها بعد هلاك أوائلها. وفي هذه الاعتبارات من التهديد للمشركين محامل كثيرة.

وضمير الفصل في قوله : (هُوَ يُبْدِئُ) للتقوّي ، أي لتحقيق الخبر ولا موقع للقصر هنا. إذ ليس في المقام ردّ على من يدّعي أن غير الله يبدئ ويعيد. وقد تقدم عند قوله تعالى: (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في سورة البقرة [٥] أن ضمير الفصل يليه الفعل المضارع على قول المازني ، وهو التحقيق. ودليله قوله : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) وقد تقدم في سورة فاطر [١٠].

٢٢٢

[١٤ ـ ١٦] (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦))

جملة معطوفة على جملة : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : ١٢] ومضمونها قسيم لمضمون (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) لأنه لما أفيد تعليل مضمون جملة : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) [البروج : ١٠] إلى آخره ، ناسب أن يقابل بتعليل مضمون جملة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ) [البروج : ١١] إلى آخره ، فعلّل بقوله : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) ، فهو يغفر للذين تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات ما فرط منهم وهو يحب التّوابين ويودّهم.

و (الْوَدُودُ) : فعول بمعنى فاعل مشتق من الودّ وهو المحبة فمعنى الودود : المحبّ وهو من أسمائه تعالى ، أي إنه يحب مخلوقاته ما لم يحيدوا عن وصايته. والمحبة التي يوصف الله بها مستعملة في لازم المحبة في اللغة تقريبا للمعنى المتعالي عن الكيف وهو من معنى الرحمة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) في آخر سورة هود [٩٠].

ولما ذكر الله من صفاته ما تعلّقه بمخلوقاته بحسب ما يستأهلونه من جزاء أعقب ذلك بصفاته الذاتية على وجه الاستطراد والتكملة بقوله : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) تنبيها للعباد إلى وجوب عبادته لاستحقاقه العبادة لجلاله كما يعبدونه لاتقاء عقابه ورجاء نواله.

و (الْعَرْشِ) : اسم لعالم يحيط بجميع السماوات ، سمي عرشا لأنه دال على عظمة الله تعالى كما يدل العرش على أن صاحبه من الملوك.

و (الْمَجِيدُ) : العظيم القويّ في نوعه ، ومن أمثالهم : «في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار» وهما شجران يكثر قدح النار من زندهما.

وقرأه الجمهور بالرفع على أنه خبر رابع عن ضمير الجلالة. وقرأه حمزة والكسائي وخلف بالجر نعتا للعرش فوصف العرش بالمجد كناية عن مجد صاحب العرش.

ثم ذيل ذلك بصفة جامعة لعظمته الذاتية وعظمة نعمه بقوله : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) أي إذا تعلقت إرادته بفعل ، فعله على أكمل ما تعلقت به إرادته لا ينقصه شيء ولا يبطئ به ما أراد تعجيله. فصيغة المبالغة في قوله : (فَعَّالٌ) للدلالة على الكثرة في الكمية والكيفية.

٢٢٣

والإرادة هنا هي المعرّفة عندنا بأنها صفة تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه وهي غير الإرادة بمعنى المحبة مثل (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [البقرة : ١٨٥].

[١٧ ، ١٨] (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨))

متصل بقوله : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : ١٢] فالخطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم للاستدلال على كون بطشه تعالى شديدا ببطشين بطشهما بفرعون وثمود بعد أن علل ذلك بقوله : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [البروج : ١٣] فذلك تعليل ، وهذا تمثيل ودليل.

والاستفهام مستعمل في إرادة لتهويل حديث الجنود بأنه يسأل عن علمه ، وفيه تعريض للمشركين بأنهم قد يحلّ بهم ما حلّ بأولئك : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى) إلى قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) [النجم : ٥٠ ـ ٥٥].

والخطاب لغير معين ممن يراد موعظته من المشركين كناية عن التذكير بخبرهم لأن حال المتلبسين بمثل صنيعهم الراكبين رءوسهم في العناد ، كحال من لا يعلم خبرهم فيسأل هل بلغه خبرهم أو لا ، أو خطابا لغير معيّن تعجيبا من حال المشركين في إعراضهم عن الاتعاظ بذلك فيكون الاستفهام مستعملا في التعجيب.

والإتيان : مستعار لبلوغ الخبر ، والحديث : الخبر. وتقدم في سورة النازعات.

و (الْجُنُودِ) : جمع جند وهو العسكر المتجمع للقتال. وأطلق على الأمم التي تجمعت لمقاومة الرسل كقوله تعالى : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) [ص : ١١] واستعير الجند للملإ لقوله : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) [ص : ٦] ثم رشحت الاستعارة باستعارة مهزوم وهو المغلوب في الحرب فاستعير للمهلك المستأصل من دون حرب.

وأبدل فرعون وثمود من الجنود بدلا مطابقا لأنه أريد العبرة بهؤلاء.

و (فِرْعَوْنَ) : اسم لملك مصر من القبط وقد تقدم عند قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) في سورة الأعراف [١٠٣].

والكلام على حذف مضاف لأن فرعون ليس بجند ولكنه مضاف إليه الجند الذين كذبوا موسى عليه‌السلام وآذوه. فحذف المضاف لنكتة المزاوجة بين اسمين علمين مفردين في الإبدال من الجنود.

وضرب المثل بفرعون لأبي جهل وقد كان يلقّب عند المسلمين بفرعون هذه الأمة ،

٢٢٤

وضرب المثل للمشركين بقوم فرعون لأنهم أكبر أمة تألبت على رسول من رسل الله بعثه الله لإعتاق بني إسرائيل من ذل العبودية لفرعون ، وناووه لأنه دعا إلى عبادة الرب الحق فغاظ ذلك فرعون الزاعم أنه إله القبط وابن آلهتهم.

وتخصيص ثمود بالذكر من بقية الأمم التي كذّبت الرسل من العرب مثل عاد وقوم تبّع ، ومن غيرهم مثل قوم نوح وقوم شعيب. لما اقتضته الفاصلة السابعة الجارية على حرف الدال من قوله : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : ١٢] فإن ذلك لما استقامت به الفاصلة ولم يكن في ذكره تكلف كان من محاسن نظم الكلام إيثاره.

وتقدم ذكر ثمود عند قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) في سورة الأعراف [٧٣]. وهو اسم عربي ولكن يطلق على القبيلة التي ينتهي نسبها إليه فيمنع من الصرف بتأويل القبيلة كما هنا.

[١٩ ، ٢٠] (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠))

إضراب انتقالي إلى إعراضهم عن الاعتبار بحال الأمم الذين كذبوا الرسل وهو أنهم مستمرون على التكذيب منغمسون فيه انغماس المظروف في الظرف فجعل تمكن التكذيب من نفوسهم كتمكن الظرف بالمظروف.

وفيه إشارة إلى أن إحاطة التكذيب بهم إحاطة الظرف بالمظروف لا يترك لتذكر ما حل بأمثالهم من الأمم مسلكا لعقولهم ، ولهذا لم يقل بل الذين كفروا يكذبون كما قال في سورة الانشقاق.

وحذف متعلّق التكذيب لظهوره من المقام إذ التقدير : أنهم في تكذيب بالنبيءصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالوحي المنزل إليه وبالبعث.

وجملة : (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) عطف على جملة : (الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) ، أي هم متمكنون من التكذيب والله يسلط عليهم عقابا لا يفلتون منه. فقوله : (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) تمثيل لحال انتظار العذاب إياهم وهم في غفلة عنه بحال من أحاط به العدوّ من ورائه وهو لا يعلم حتى إذا رام الفرار والإفلات وجد العدوّ محيطا به ، وليس المراد هنا إحاطة علمه تعالى بتكذيبهم إذ ليس له كبير جدوى.

وقد قوبل جزاء إحاطة التكذيب بهم بإحاطة العذاب بهم جزاء وفاقا فقوله : (وَاللهُ

٢٢٥

مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) خبر مستعمل في الوعيد والتهديد.

[٢١ ، ٢٢] (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢))

إضراب إبطال لتكذيبهم لأن القرآن جاءهم بدلائل بيّنة فاستمرارهم على التكذيب ناشئ عن سوء اعتقادهم صدق القرآن إذ وصفوه بصفات النقص من قولهم : أساطير الأولين ، إفك مفترى ، قول كاهن ، قول شاعر ، فكان التنويه به جامعا لإبطال جميع ترهاتهم على طريقة الإيجاز.

و (قُرْآنٌ) : مصدر قرأ على وزن فعلان الدال على كثرة المعنى مثل الشكران والقربان. وهو من القراءة وهي تلاوة كلام صدر في زمن سابق لوقت تلاوة تاليه بمثل ما تكلم به متكلمه سواء كان مكتوبا في صحيفة أم كان ملقّنا لتاليه بحيث لا يخالف أصله ولو كان أصله كلام تاليه ولذلك لا يقال لنقل كلام أنه قراءة إلا إذا كان كلاما مكتوبا أو محفوظا.

وكلما جاء (قُرْآنٍ) منكرا فهو مصدر وأما اسم كتاب الإسلام فهو بالتعريف باللام لأنه علم بالغلبة.

فالإخبار عن الوحي المنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسم قرآن إشارة عرفية إلى أنه موحى به تعريض بإبطال ما اختلقه المكذبون : أنه أساطير الأولين أو قول كاهن أو نحو ذلك.

ووصف (قُرْآنٌ) صفة أخرى بأنه مودع في لوح.

واللوح : قطعة من خشب مستوية تتخذ ليكتب فيها.

وسوق وصف (فِي لَوْحٍ) مساق التنويه بالقرآن وباللوح ، يعيّن أن اللوح كائن قدسي من كائنات العالم العلوي المغيّبات ، وليس في الآية أكثر من أن اللوح أودع فيه القرآن ، فجعل الله القرآن مكتوبا في لوح علويّ كما جعل التوراة مكتوبة في ألواح وأعطاها موسى عليه‌السلام فقال : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٤٥] وقال : (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) [الأعراف : ١٥٠] وقال : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ) [الأعراف : ١٥٤] ، وأما لوح القرآن فجعله محفوظا في العالم العلوي.

وبعض علماء الكلام فسّروا اللّوح بموجود سجلت فيه جميع المخلوقات مجتمعة ومجملة ، وسموا ذلك بالكتاب المبين ، وسموا تسجيل المخلوقات فيه بالقضاء ، وسموا

٢٢٦

ظهورها في الوجود بالقدر ، وعلى ذلك درج الأصفهاني في «شرحه على الطوالع» حسبما نقله المنجور في «شرح نظم ابن زكري» مسوقا في قسم العقائد السمعية وفيه نظر. وورد في آثار مختلفة القوة أنه موكل به إسرافيل وأنه كائن عن يمين العرش. واقتضت هذه الآية أن القرآن كله مسجل فيه.

وجاء في آية سورة الواقعة : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) [الواقعة : ٧٧ ، ٧٨] وهو ظاهر في أن اللوح المحفوظ ، والكتاب المكنون شيء واحد.

وأما المحفوظ والمكنون فبينهما تغاير في المفهوم وعموم وخصوص وجهيّ في الوقوع ، فالمحفوظ : المصون عن كل ما يثلمه وينقصه ولا يليق به وذلك كمال له. والمكنون : الذي لا يباح تناوله لكل أحد وذلك للخشية عليه لنفاسته ولم يثبت حديث صحيح في ذكر اللوح ولا في خصائصه وكل ما هنالك أقوال معزوّة لبعض السلف لا تعرف أسانيد عزوها.

وورد أن القلم أول ما خلق الله فقال له : أكتب ، فجرى بما هو كائن إلى الأبد ، رواه الترمذي من حديث عبادة بن الصامت وقال الترمذي : حسن غريب ، وفيه عن ابن عباس ا ه.

وخلق القلم لا يدل على خلق اللوح لأن القلم يكتب في اللوح وفي غيره.

والمجيد : العظيم في نوعه كما تقدم في قوله : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) [البروج : ١٥] ومجد القرآن لأنه أعظم الكتب السماوية وأكثرها معاني وهديا ووعظا ، ويزيد عليها ببلاغته وفصاحته وإعجازه البشر عن معارضته.

ووقع في «التعريفات» للسيد الجرجاني : أن الألواح أربعة :

أولها : لوح القضاء السابق على المحو والإثبات وهو لوح العقل الأول.

الثاني : لوح القدر أي النفس الناطقة الكلية وهو المسمى اللوح المحفوظ.

الثالث : لوح النفس الجزئية السماوية التي ينتقش فيها كل ما في هذا العالم بشكله وهيئته ومقداره وهو المسمى بالسماء الدنيا.

الرابع : لوح الهيولى القابل للصورة في عالم الشهادة ا ه.

وهذا اصطلاح مخلوط بين التصوف والفلسفة. ولعله مما استقراه السيّد من كلام

٢٢٧

عدة علماء.

وقرأ الجمهور : (مَحْفُوظٍ) بالجر على أنه صفة (لَوْحٍ) وحفظ اللوح الذي فيه القرآن كناية عن حفظ القرآن.

وقرأه نافع وحده برفع (مَحْفُوظٍ) على أنه صفة ثانية لقرآن ويتعلق قوله : (فِي لَوْحٍ) ب (مَحْفُوظٍ) وحفظ القرآن يستلزم أن اللوح المودع هو فيه محفوظ أيضا ، فلا جرم حصل من القراءتين ثبوت الحفظ للقرآن وللوح. فأما حفظ القرآن فهو حفظه من التغيير ومن تلقف الشياطين قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].

وأما حفظ اللوح فهو حفظه عن تناول غير الملائكة إياه. أو حفظه كناية عن تقديسه كقوله تعالى : (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٨ ، ٧٩].

٢٢٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٨٦ ـ سورة الطارق

روى أحمد بن حنبل عن أبي هريرة : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج والسماء والطارق» ا ه. فسماها أبو هريرة : «السماء والطارق» لأن الأظهر أن الواو من قوله : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) واو العطف ، ولذلك لم يذكر لفظ الآية الأولى منها بل أخذ لها اسما من لفظ الآية كما قال في (السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) [البروج : ١].

وسميت في كتب التفسير وكتب السنة وفي المصاحف «سورة الطارق» لوقوع هذا اللفظ في أولها. وفي «تفسير الطبري» «وأحكام ابن العربي» ترجمت «سورة والسماء والطارق».

وهي سبع عشرة آية.

وهي مكية بالاتفاق نزلت قبل سنة عشر من البعثة.

أخرج أحمد بن حنبل عن خالد بن أبي جبل العدواني : «أنه أبصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغي عندهم النصر فسمعته يقول : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) [الطارق : ١] حتى ختمها قال : «فوعيتها في الجاهلية ثم قرأتها في الإسلام» الحديث.

وعددها في ترتيب نزول السور السادسة والثلاثين. نزلت بعد سورة «لا أقسم بهذا البلد» وقبل سورة : «اقتربت الساعة».

أغراضها

إثبات إحصاء الأعمال والجزاء على الأعمال.

وإثبات إمكان البعث بنقض ما أحاله المشركون ببيان إمكان إعادة الأجسام.

٢٢٩

وأدمج في ذلك التذكير بدقيق صنع الله وحكمته في خلق الإنسان.

والتنويه بشأن القرآن.

وصدق ما ذكر فيه من البعث لأن إخبار القرآن به لمّا استبعدوه وموّهوا على الناس بأن ما فيه غير صدق. وتهديد المشركين الذين ناوءوا المسلمين.

وتثبيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووعده بأن الله منتصر له غير بعيد.

[١ ـ ٤] (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤))

افتتاح السورة بالقسم تحقيق لما يقسم عليه وتشويق إليه كما تقدم في سوابقها. ووقع القسم بمخلوقين عظيمين فيهما دلالة على عظيم قدرة خالقهما هما : السماء ، والنجوم ، أو نجم منها عظيم منها معروف ، أو ما يبدو انقضاضه من الشهب كما سيأتي.

و (الطَّارِقِ) : وصف مشتق من الطروق ، وهو المجيء ليلا لأن عادة العرب أن النازل بالحي ليلا يطرق شيئا من حجر أو وتد إشعارا لرب البيت أن نزيلا نزل به لأن نزوله يقضي بأن يضيفوه ، فأطلق الطروق على النزول ليلا مجازا مرسلا فغلب الطروق على القدوم ليلا.

وأبهم الموصوف بالطارق ابتداء ، ثم زيد إبهاما مشوبا بتعظيم أمره بقوله : (وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ) ثم بين بأنه : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) ليحصل من ذلك مزيد تقرر للمراد بالمقسم به وهو أنه من جنس النجوم ، شبه طلوع النجم ليلا بطروق المسافر الطارق بيتا بجامع كونه ظهورا في الليل.

و (ما أَدْراكَ) استفهام مستعمل في تعظيم الأمر ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) في سورة الشورى [١٧] ، وعند قوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ٣] وتقدم الفرق بين : ما يدريك ، وما أدراك.

وقوله : (النَّجْمُ) خبر عن ضمير محذوف تقديره : هو ، أي الطارق النجم الثاقب.

والثقب : خرق شيء ملتئم ، وهو هنا مستعار لظهور النور في خلال ظلمة الليل. شبه النجم بمسمار أو نحوه ، وظهور ضوئه بظهور ما يبدو من المسمار من خلال الجسم الذي يثقبه مثل لوح أو ثوب.

٢٣٠

وأحسب أن استعارة الثقب لبروز شعاع النجم في ظلمة الليل من مبتكرات القرآن ولم يرد في كلام العرب قبل القرآن. وقد سبق قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) في سورة الصافات [١٠] ، ووقع في «تفسير القرطبي» : والعرب تقول اثقب نارك ، أي أضئها ، وساق بيتا شاهدا على ذلك ولم يعزه إلى قائل.

والتعريف في (النَّجْمُ) يجوز أن يكون تعريف الجنس كقول النابغة :

أقول والنجم قد مالت أواخره ... البيت

فيستغرق جميع النجوم استغراقا حقيقيا وكلها ثاقب فكأنه قيل ، والنجوم ، إلا أن صيغة الإفراد في قوله : (الثَّاقِبُ) ظاهر في إرادة فرد معيّن من النجوم ، ويجوز أن يكون التعريف للعهد إشارة إلى نجم معروف يطلق عليه اسم النجم غالبا ، أي والنجم الذي هو طارق.

ويناسب أن يكون نجما يطلع في أوائل ظلمة الليل وهي الوقت المعهود لطروق الطارقين من السائرين. ولعل الطارق هو النجم الذي يسمى الشاهد ، وهو نجم يظهر عقب غروب الشمس ، وبه سميت صلاة المغرب «صلاة الشاهد».

روى النسائي : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن هذه الصلاة» (أي العصر) فرضت على من كان قبلكم فضيعوها» إلى قوله : «ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد».

وقيل : أريد ب (الطَّارِقِ) نوع الشهب ، روي عن جابر بن زيد : أن النجم الطارق هو كوكب زحل (لأنه مبرز على الكواكب بقوة شعاعه). وعنه : أنه الثريا (لأن العرب تطلق عليها النجم علما بالغلبة) ، وعن ابن عباس : أنه نجوم برج الجدي ، ولعل ذلك النجم كان معهودا عند العرب واشتهر في ذلك في نجم الثريا.

وقيل : أريد بالطارق نوع الشهب (أي لأن الشهاب ينقضّ فيلوح كأنه يجري في السماء كما يسير السائر إذا أدركه الليل). فالتعريف في لفظ (النَّجْمُ) للاستغراق ، وخص عمومه بوقوعه خبرا عن ضمير (الطَّارِقِ) أي أن الشهاب عند انقضاضه يرى سائرا بسرعة ثم يغيب عن النظر فيلوح كأنه استقر فأشبه إسراع السائر ليلا ليبلغ إلى الأحياء المعمورة فإذا بلغها وقف سيره.

وجواب القسم هو قوله : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) جعل كناية تلويحية رمزية عن المقصود. وهو إثبات البعث فهو كالدليل على إثباته ، فإن إقامة الحافظ تستلزم شيئا

٢٣١

يحفظه وهو الأعمال خيرها وشرّها ، وذلك يستلزم إرادة المحاسبة عليها والجزاء بما تقتضيه جزاء مؤخرا بعد الحياة الدنيا لئلا تذهب أعمال العاملين سدى وذلك يستلزم أن الجزاء مؤخر إلى ما بعد هذه الحياة إذ المشاهد تخلّف الجزاء في هذه الحياة بكثرة ، فلو أهمل الجزاء لكان إهماله منافيا لحكمة الإله الحكيم مبدع هذا الكون كما قال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) [المؤمنون : ١١٥] وهذا الجزاء المؤخر يستلزم إعادة حياة للذوات الصادرة منها الأعمال.

فهذه لوازم أربعة بها كانت الكناية تلويحية رمزية.

وقد حصل مع هذا الاستدلال إفادة أن على الأنفس حفظة فهو إدماج.

والحافظ : هو الذي يحفظ أمرا ولا يهمله ليترتب عليه غرض مقصود.

وقرأ الجمهور : لما بتخفيف الميم ، وقرأه ابن عامر وحمزة وأبو جعفر وخلف بتشديد الميم.

فعلى قراءة تخفيف الميم تكون (إن) مخففة من الثقيلة ولما مركبة من اللام الفارقة بين (إن) النافية و (إن) المخففة من الثقيلة ومعها (ما) الزائدة بعد اللام للتأكيد وأصل الكلام : إن كل نفس لعليها حافظ.

وعلى قراءة تشديد الميم تكون (إن) نافية و (لَمَّا) حرف بمعنى (إلّا) فإن (لمّا) ترد بمعنى (إلّا) في النفي وفي القسم ، تقول : سألتك لمّا فعلت كذا أي إلّا فعلت ، على تقدير : ما أسألك إلّا فعل كذا فآلت إلى النفي وكل من (إن) المخففة و (إن) النافية يتلقّى بها القسم.

وقد تضمن هذا الجواب زيادة على إفادته تحقيق الجزاء إنذارا للمشركين بأن الله يعلم اعتقادهم وأفعالهم وأنه سيجازيهم على ذلك.

[٥ ـ ٧] (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧))

الفاء لتفريع الأمر بالنظر في الخلقة الأولى ، على ما أريد من قوله : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] من لوازم معناه ، وهو إثبات البعث الذي أنكروه على طريقة الكناية التلويحية الرمزية كما تقدم آنفا ، فالتقدير : فإن رأيتم البعث محالا فلينظر الإنسان

٢٣٢

ممّ خلق ليعلم أن الخلق الثاني ليس بأبعد من الخلق الأول.

فهذه الفاء مفيدة مفاد فاء الفصيحة.

والنظر : نظر العقل ، وهو التفكر المؤدي إلى علم شيء بالاستدلال فالمأمور به نظر المنكر للبعث في أدلة إثباته كما يقتضيه التفريع على : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤].

و (من) من قوله : (مِمَّ خُلِقَ) ابتدائية متعلقة ب (خُلِقَ) والمعنى : فليتفكر الإنسان في جواب : ما شيء خلق منه؟ فقدّم المتعلّق على عامله تبعا لتقديم ما اتصلت به من (من) اسم الاستفهام.

و (ما) استفهامية علّقت فعل النّظر العقلي عن العمل.

والاستفهام مستعمل في الإيقاظ والتنبيه إلى ما يجب علمه كقوله تعالى : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [عبس : ١٨]. فالاستفهام هنا مجاز مرسل مركب.

وحذف ألف (ما) الاستفهامية على طريقة وقوعها مجرورة.

ولكون الاستفهام غير حقيقي أجاب عنه المتكلم بالاستفهام على طريقة قوله : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) [النبأ : ١ ، ٢].

و (الْإِنْسانُ) مراد به خصوص منكر البعث كما علمت آنفا من مقتضى التفريع في قوله : (فَلْيَنْظُرِ) إلخ.

ومعنى (دافِقٍ) خارج بقوة وسرعة والأشهر أنه يقال على نطفة الرجل.

وصيغة (دافِقٍ) اسم فاعل من دفق القاصر ، وهو قول فريق من اللغويين. وقال الجمهور : لا يستعمل دفق قاصرا. وجعلوا دافقا بمعنى اسم المفعول وجعلوا ذلك من النادر.

وعن الفراء : أهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلا ، إذا كان في طريقة النعت.

وسيبويه جعله من صيغ النسب كقولهم : لابن وتامر ، ففسر دافق : بذي دفق.

والأحسن أن يكون اسم فاعل ويكون دفق مطاوع دفقه كما جعل العجاج جبر بمعنى انجبر في قوله :

٢٣٣

قد جبر الدين الإله فجبر

وأنه سماعي.

وأطنب في وصف هذا الماء الدافق لإدماج التعليم والعبرة بدقائق التكوين ليستيقظ الجاهل الكافر ويزداد المؤمن علما ويقينا.

ووصف أنه يخرج من (بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) لأن الناس لا يتفطنون لذلك.

والخروج مستعمل في ابتداء التنقل من مكان إلى مكان ولو بدون بروز فإن بروز هذا الماء لا يكون من بين الصلب والترائب.

و (الصُّلْبِ) : العمود العظمي الكائن في وسط الظهر ، وهو ذو الفقرات.

و (التَّرائِبِ) : جمع تريبة ، ويقال : تريب. ومحرّر أقوال اللغويين فيها أنها عظام الصدر التي بين الترقوتين والثّديين ووسموه بأنه موضع القلادة من المرأة.

والترائب تضاف إلى الرجل وإلى المرأة ، ولكن أكثر وقوعها في كلامهم في أوصاف النساء لعدم احتياجهم إلى وصفها في الرجال.

وقوله : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) الضمير عائد إلى (ماءٍ دافِقٍ) وهو المتبادر فتكون جملة (يَخْرُجُ) حالا من (ماءٍ دافِقٍ) أي يمر ذلك الماء بعد أن يفرز من بين صلب الرجل وترائبه. وبهذا قال سفيان والحسن ، أي أن أصل تكوّن ذلك الماء وتنقله من بين الصلب والترائب ، وليس المعنى أنه يمر بين الصلب والترائب إذ لا يتصور ممر بين الصلب والترائب لأن الذي بينهما هو ما يحويه باطن الصدر والضلوع من قلب ورئتين.

فجعل الإنسان مخلوقا من ماء الرجل لأنه لا يتكوّن جسم الإنسان في رحم المرأة إلا بعد أن يخالطها ماء الرجل فإذا اختلط ماء الرجل بما يسمى ماء المرأة وهو شيء رطب كالماء يحتوي على بويضات دقيقة يثبت منها ما يتكوّن منه الجنين ويطرح ما عداه.

وهذا مخاطبة للناس بما يعرفون يومئذ بكلام مجمل مع التنبيه على أن خلق الإنسان من ماء الرجل وماء المرأة بذكر الترائب لأن الأشهر أنها لا تطلق إلا على ما بين ثديي المرأة.

ولا شك أن النسل يتكون من الرجل والمرأة فيتكون من ماء الرجل وهو سائل فيه

٢٣٤

أجسام صغيرة تسمى في الطب الحيوانات المنوية ، وهي خيوط مستطيلة مؤلفة من طرف مسطح بيضوي الشكل وذنب دقيق كخيط ، وهذه الخيوط يكون منها تلقيح النسل في رحم المرأة ، ومقرها الأنثيان وهما الخصيتان فيندفع إلى رحم المرأة.

ومن ماء هو للمرأة كالمني للرجل ويسمى ماء المرأة ، وهو بويضات دقيقة كروية الشكل تكون في سائل مقره حويصلة من حويصلات يشتمل عليها مبيضان للمرأة وهما بمنزلة الأنثيين للرجل فهما غدتان تكونان في جانبي رحم المرأة ، وكل مبيض يشتمل على عدد من الحويصلات يتراوح من عشر إلى عشرين. وخروج البيضة من الحويصلة يكون عند انتهاء نمو الحويصلة فإذا انتهى نموها انفجرت فخرجت البيضة في قناة تبلغ بها إلى تجويف الرحم ، وإنما يتم بلوغ البيضة النموّ وخروجها من الحويصلة في وقت حيض المرأة فلذلك يكثر العلوق إذا باشر الرجل المرأة بقرب انتهاء حيضها.

وأصل مادة كلا الماءين مادة دموية تنفصل عن الدماغ وتنزل في عرقين خلف الأذنين ، فأما في الرجل فيتصل العرقان بالنخاع ، وهو الصلب ثم ينتهي إلى عرق يسمى الحبل المنوي مؤلف من شرايين وأوردة وأعصاب وينتهي إلى الأنثيين وهما الغدتان اللتان تفرزان المني فيتكون هنالك بكيفية دهنية وتبقى منتشرة في الأنثيين إلى أن تفرزها الأنثيان مادة دهنية شحمية وذلك عند دغدغة ولذع القضيب المتصل بالأنثيين فيندفق في رحم المرأة.

وأما بالنسبة إلى المرأة فالعرقان اللذان خلف الأذنين يمران بأعلى صدر المرأة وهو الترائب لأن فيه موضع الثديين وهما من الأعضاء المتصلة بالعروق التي يسير فيها دم الحيض الحامل للبويضات التي منها النسل ، والحيض يسيل من فوهات عروق في الرحم ، وهي عروق تنفتح عند حلول إبان المحيض وتنقبض عقب الطّهر. والرحم يأتيها عصب من الدماغ.

وهذا من الإعجاز العلمي في القرآن الذي لم يكن علم به للذين نزل بينهم ، وهو إشارة مجملة وقد بينها حديث مسلم عن أم سلمة وعائشة : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن احتلام المرأة ، فقال : تغتسل إذا أبصرت الماء فقيل له : أترى المرأة ذلك فقال : «وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه».

٢٣٥

[٨ ـ ١٠] (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠))

استئناف بياني ناشئ عن قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) [الطارق : ٥] لأن السامع يتساءل عن المقصد من هذا الأمر بالنظر في أصل الخلقة ، وإذ قد كان ذلك النظر نظر استدلال فهذا الاستئناف البياني له يتنزل منزلة نتيجة الدليل ، فصار المعنى : أن الذي خلق الإنسان من ماء دافق قادر على إعادة خلقه بأسباب أخرى وبذلك يتقرر إمكان إعادة الخلق ويزول ما زعمه المشركون من استحالة تلك الإعادة.

وضمير (إِنَّهُ) عائد إلى الله تعالى وإن لم يسبق ذكر لمعاد ولكنّ بناء الفعل للمجهول في قوله : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] يؤذن بأن الخالق معروف لا يحتاج إلى ذكر اسمه ، وأسند الرّجع إلى ضميره دون سلوك طريقة البناء للمجهول كما في قوله : (خُلِقَ) لأن المقام مقام إيضاح وتصريح بأن الله هو فاعل ذلك.

وضمير (رَجْعِهِ) عائد إلى (الْإِنْسانُ ٥) [الطارق : ٥].

والرجع : مصدر رجعه المتعدّي. ولا يقال في مصدر رجع القاصر إلا الرجوع.

و (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) متعلق ب (رَجْعِهِ) أي يرجعه يوم القيامة.

و (السَّرائِرُ) : جمع سريرة وهي ما يسره الإنسان ويخفيه من نواياه وعقائده.

وبلو السرائر ، اختبارها وتمييز الصالح منها عن الفاسد ، وهو كناية عن الحساب عليها والجزاء ، وبلو الأعمال الظاهرة والأقوال مستفاد بدلالة الفحوى من بلو السرائر.

ولما كان بلو السرائر مؤذنا بأن الله عليم بما يستره الناس من الجرائم وكان قوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) مشعرا بالمؤاخذة على العقائد الباطلة والأعمال الشنيعة فرع عليه قوله : (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) ، فالضمير عائد إلى (الْإِنْسانُ) [الطارق : ٥]. والمقصود ، المشركون من الناس لأنهم المسوق لأجلهم هذا التهديد ، أي فما للإنسان المشرك من قوة يدفع بها عن نفسه وما له من ناصر يدافع عنه.

[١١ ـ ١٤] (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤))

٢٣٦

بعد أن تبين الدليل على إمكان البعث أعقب بتحقيق أن القرآن حق وأن ما فيه قول فصل إبطالا لما موّه عليهم من أن أخباره غير صادقة إذ قد أخبرهم بإحياء الرمم البالية.

فالجملة استئناف ابتدائي لغرض من أغراض السورة.

وافتتح الكلام بالقسم تحقيقا لصدق القرآن في الإخبار بالبعث وفي غير ذلك مما اشتمل عليه من الهدى. ولذلك أعيد القسم ب (السَّماءِ) كما أقسم بها في أول السورة ، وذكر من أحوال السماء ما له مناسبة بالمقسم عليه ، وهو الغيث الذي به صلاح الناس ، فإن إصلاح القرآن للناس كإصلاح المطر. وفي الحديث : «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا». الحديث.

وفي اسم الرجع مناسبة لمعنى البعث في قوله : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) [الطارق : ٨] وفيه محسن الجناس التام وفي مسمى الرجع وهو المطر المعاقب لمطر آخر مناسبة لمعنى الرجع البعث فإن البعث حياة معاقبة بحياة سابقة.

وعطف (الْأَرْضِ) في القسم لأن بذكر الأرض إتمام المناسبة بين المقسم والمقسم عليه كما علمت من المثل الذي في الحديث.

و (الصَّدْعِ) : الشق ، وهو مصدر بمعنى المفعول ، أي المصدوع عنه ، وهو النبات الذي يخرج من شقوق الأرض قال تعالى : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً) [عبس : ٢٥ ـ ٢٩].

ولأن في هذين الحالين إيماء إلى دليل آخر من دلائل إحياء الناس للبعث فكان في هذا القسم دليلان.

والضمير الواقع اسما ل (إنّ) عائد إلى القرآن وهو معلوم من المقام.

والفصل مصدر بمعنى التفرقة ، والمراد أنه يفصل بين الحق والباطل ، أي يبين الحق ويبطل الباطل ، والإخبار بالمصدر للمبالغة ، أي إنه لقول فاصل.

وعطف (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) بعد الثناء على القرآن بأنه «قول فصل» يتعين على المفسر أن يتبين وجه هذا العطف ومناسبته ، والذي أراه في ذلك أنه أعقب به الثناء على القرآن ردا على المشركين إذ كانوا يزعمون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء يهزل إذ يخبر بأن الموتى سيحيون ، يريدون تضليل عامتهم حين يسمعون قوارع القرآن وإرشاده وجزالة معانيه يختلقون لهم تلك

٢٣٧

المعاذير ليصرفوهم عن أن يتدبروا القرآن وهو ما حكاه الله عنهم في قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] فالهزل على هذا الوجه هو ضدّ الجدّ أعني المزح واللعب ، ومثل هذه الصفة إذا وردت في الكلام البليغ لا محمل لها إلا إرادة التعريض وإلا كانت تقصيرا في المدح لا سيما إذا سبقتها محمدة من المحامد العظيمة.

ويجوز أن يطلق الهزل على الهذيان قال تعالى : (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أي بالهذيان.

[١٥ ـ ١٦] (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦))

استئناف بياني ينبئ عن سؤال سائل يعجب من إعراضهم عن القرآن مع أنه قول فصل ويعجب من معاذيرهم الباطلة مثل قولهم : هو هزل أو هذيان أو سحر ، فبين للسامع أن عملهم ذلك كيد مقصود. فهم يتظاهرون بأنهم ما يصرفهم عن التصديق بالقرآن إلا ما تحققوه من عدم صدقه ، وهم إنما يصرفهم عن الإيمان به الحفاظ على سيادتهم فيضللون عامتهم بتلك التعلات الملفقة.

والتأكيد ب (إنّ) لتحقيق هذا الخبر لغرابته ، وعليه فقوله : (وَأَكِيدُ كَيْداً) تتميم وإدماج وإنذار لهم حين يسمعونه.

ويجوز أن يكون قوله : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) موجها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسلية له على أقوالهم في القرآن الراجعة إلى تكذيب من جاء القرآن. أي إنما يدّعون أنه هزل لقصد الكيد وليس لأنهم يحسبونك كاذبا على نحو قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام : ٣٣].

والضمير الواقع اسما ل (إنّ) عائد إلى ما فهم من قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) [الطارق : ١٣ ، ١٤] من الرد على الذين يزعمون القرآن بعكس ذلك ، أي أن المشركين المكذبين يكيدون.

وجملة : (وَأَكِيدُ كَيْداً) تثبيت للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووعد بالنصر.

و (كَيْداً) في الموضعين مفعول مطلق مؤكد لعامله وقصد منه مع التوكيد تنوين تنكيره الدال على التعظيم.

والكيد : إخفاء قصد الضر وإظهار خلافه ، فكيدهم مستعمل في حقيقته ، وأما الكيد المسند إلى ضمير الجلالة فهو مستعمل في الإمهال مع إرادة الانتقام عند وجود ما تقتضيه

٢٣٨

الحكمة من إنزاله بهم وهو استعارة تمثيلية ، شبهت هيئة إمهالهم وتركهم مع تقدير إنزال العقاب بهم بهيئة الكائد يخفي إنزال ضره ويظهر أنه لا يريده وحسّنها محسن المشاكلة.

(فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧))

الفاء لتفريع الأمر بالإمهال على مجموع الكلام السابق من قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) [الطارق : ١٣] بما فيه من تصريح وتعريض وتبيين ووعد بالنصر ، أي فلا تستعجل لهم بطلب إنزال العقاب فإنه واقع بهم لا محالة.

والتمهيل : مصدر مهّل بمعنى أمهل ، وهو الإنظار إلى وقت معيّن أو غير معين ، فالجمع بين «مهّل» و (أَمْهِلْهُمْ) تكرير للتأكيد لقصد زيادة التسكين ، وخولف بين الفعلين في التعدية مرة بالتضعيف وأخرى بالهمز لتحسين التكرير.

والمراد ب (الْكافِرِينَ) ما عاد عليه ضمير (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ) [الطارق : ١٥] فهو إظهار في مقام الإضمار للنداء عليهم بمذمة الكفر ، فليس المراد جميع الكافرين بل أريد الكافرون المعهودون.

و (رُوَيْداً) تصغير رود بضم الراء بعدها واو ، ولعله اسم مصدر ، وأما قياس مصدره فهو رود بفتح الراء وسكون الواو ، وهو المهل وعدم العجلة وهو مصدر مؤكد لفعل (أَمْهِلْهُمْ) فقد أكد قوله : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) مرتين.

والمعنى : انتظر ما سيحلّ بهم ولا تستعجل لهم انتظار تربص واتّياد فيكون (رُوَيْداً) كناية عن تحقق ما يحلّ بهم من العقاب لأن المطمئن لحصول شيء لا يستعجل به.

وتصغيره للدلالة على التقليل ، أي مهلة غير طويلة.

ويجوز أن يكون (رُوَيْداً) هنا اسم فعل للأمر ، كما في قولهم : رويدك ، لأن اقترانه بكاف الخطاب إذا أريد به اسم الفعل ليس شرطا ويكون الوقف على قوله : (الْكافِرِينَ) و (رُوَيْداً) كلاما مستقلا ، فليس وجود فعل من معناه قبله بدليل على أنه مراد به المصدر ، أي تصبر ولا تستعجل نزول العذاب بهم فيكون كناية عن الوعد بأنه واقع لا محالة.

٢٣٩

بسم الله الرحمن الرّحيم

٨٧ ـ سورة الأعلى

هذه السورة وردت تسميتها في السنة سورة : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ففي «الصحيحين» عن جابر بن عبد الله قال : «قام معاذ فصلى العشاء الآخرة فطوّل فشكاه بعض من صلّى خلفه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفتّان أنت يا معاذ أين كنت عن سبح اسم ربك الأعلى والضّحى» ا ه.

وفي «صحيح البخاري» عن البراء بن عازب قال : «ما جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى» في سور مثلها.

وروى الترمذي عن النعمان بن بشير : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ في العيد ويوم الجمعة سبّح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية».

وسمتها عائشة «سبّح». روى أبو داود والترمذي عنها : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في الوتر في الركعة الأولى سبّح» الحديث. فهذا ظاهر في أنها أرادت التسمية لأنها لم تأتي بالجملة القرآنية كاملة ، وكذلك سماها البيضاوي وابن كثير. لأنها اختصت بالافتتاح بكلمة «سبح» بصيغة الأمر.

وسماها أكثر المفسرين وكتّاب المصاحف «سورة الأعلى» لوقوع صفة الأعلى فيها دون غيرها.

وهي مكية في قول الجمهور وحديث البراء بن عازب الذي ذكرناه آنفا يدل عليه ، وعن ابن عمر وابن عباس أن قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى : ١٤ ـ ١٥] نزل في صلاة العيد وصدقة الفطر ، أي فهما مدنيتان فتكون السورة بعضها مكي وبعضها مدني.

٢٤٠