المحقق: الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار ابن زيدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٠
صرمت حبالك بعد وصلك زينب |
|
والدهر فيه تصرم وتقلب |
ومما ينسب إلى الإمام قوله يرثى النبي صلّى الله عليه وسلّم :
أمن بعد تكفيني النبي ودفنه |
|
باثوابه آسى على هالك ثوى |
رزئنا رسول الله فينا فلن نرى |
|
بذاك عديلا ما حيينا من الورى |
لقد غشيتنا ظلمة بعد موته |
|
نهارا فقد زادت على ظلمة الدجى |
وكنا برؤياه نرى النور والهدى |
|
صباحا مساء راح فينا أو اغتدى |
فيا خير من ضم الجوانح والحشا |
|
ويا خير ميت ضمه الترب والثرى |
كأن أمور الناس بعدك ضمنت |
|
سفينة نوح حين في البحر قد سما |
وضاق فضاء الارض عنا برحبه |
|
لفقد رسول الله إذ قيل قد مضى |
فقد نزلت بالمسلمين مصيبة |
|
كصدع الصفالا شعب للصدع في الصفا |
فلن يستقل الناس تلك مصيبة |
|
ولن يجبر العظم الذي منهم وهى |
وفي كل وقت للصلاة يهيجها |
|
بلال ويدعو باسمه كلما دعا |
ويطلب أقوام مواريث هالك |
|
وفينا مواريث النبوة والهدى |
وبعد فهذا هو ديوان الإمام ، قد حققناه وشرحناه وراجعناه مراجعة دقيقة. ليخرج في صورة رائعة تليق بمقام الإمام كرم الله وجهه.
وندعو الله أن ينفع به ، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وفقنا الله عز وجل الى مرضاته وحسن مثبوته.
وما توفيقي الا بالله ، عليه توكلت واليه أنيب.
|
المحقق د. محمد عبد المنعم خفاجي |
الديوان
ـ ١ ـ
قال الإمام علي كرم الله وجهه في فضل العلم من بحر البسيط :
الناسُ من جِهَة الأباء أكفاءُ |
|
أبوهُم آدمٌ والأُمُّ حوّاءُ |
وإنما أمهاتُ الناسِ أوعيةٌ |
|
مستودعات وللأحساب آباءُ |
فإن يكن لهمُ من أصلهم شرفٌ |
|
يفاخرونَ به فالطينُ والماءُ |
ما الفضلُ إلا لأَهلِ العلمِ إنهُمُ |
|
على الهدى لمن استهدى أدِلاَّءُ |
وقيمةُ المرءِ ما قد كان يحسنُهُ |
|
والجاهلون لأهلِ العلم أعداءُ |
فَقُمْ بعلمٍ ولا تطلبْ به بدلاً ؟ |
|
فالناسُ موتى وأهلُ العلم أحياءُ |
ـ ٢ ـ
* * *
وقال الإِمام في الأصدقاء والزمن من البحر الوافر
تغيَّرت المودَّةُ والاخاءُ |
|
وقلَّ الصدقُ وانقطَعَ الرجاءُ |
وأسلَمني الزمانُ إلى صديقٍ |
|
كثيرِ الغدرِ ليس لهُ رِعاءُ (١) |
ورُبَّ أخٍ وَفيْتُ له بحقٍّ |
|
ولكن لا يَدُومُ له وَفَاءُ |
أخلاءٌ إذا استغنيتَ عنهمْ |
|
وأعْداءٌ إذا نَزَلَ البَلاءُ |
يُديمُونَ المودَّةَ ما رأوْني |
|
ويبقى الوُدُّ ما بَقِيَ اللِّقاءُ |
وإِنْ أُغنِيتُ عن أحدٍ قلاني (٢) |
|
وعاقَبَني بما فيه اكتفاءُ |
سيُغْنِيني الذي أغناهُ عني |
|
فلا فقرٌ يدومُ ولا ثراءُ |
__________________
(١) أي رعاية للحقوق وأداء للواجبات.
(٢) من القلى ، وهو البغضاء.
وكل مودةٍ لله تصفو |
|
ولا يصفُو مع الفسق الإِخاء |
وكل جِرَاحَةٍ فَلَها دواء |
|
وَسُوءُ الخُلْقِ ليس له دواءُ |
وليسَ بدائمٍ أبداً نعيمٌ |
|
كذَاك البؤسُ ليس له بقاءُ |
إذا أنكرت عهداً من حميمٍ |
|
ففي نفسِي التكرمُ والحياءُ |
إذا ما رأس أهل البيت ولَّى |
|
بد لهُمُ من الناس الجفاءُ |
ـ ٣ ـ
وقال في النساء من بحر الكامل :
دعْ ذكرهُنَّ فها لهن وفاءُ |
|
ريحُ الصبا وعهودُهُنَّ سواءُ |
يكسِرْن قلبكَ ثم لا يجبُرْنَه |
|
وقُلوبهنَّ من الوفاء خلاءُ |
ـ ٤ ـ
وقال في جمع المال من بحر الوافرِ :
وكم ساع لِيثْريَ لم يَنَلْهُ |
|
وآخرُ ما سعى جَمَعَ الثراءَ (١) |
وساعٍ يجمعُ الأموالَ جمْعاً |
|
لِيُورِثَها أعاديهِ شقاءَ |
وما سيانِ (٢) ذوخُبْرٍ (٣) بصيرٌ |
|
وآخرُ جاهلٌ ليسا سواءَ |
ومن يستعتبِ الحَدَثان (٤) يوماً |
|
يكنْ ذاك العتابُ له عَناءَ |
ويُزري بالفَتى الإِعدام (٥) حتى |
|
متى يُصِب المقالَ يُقَلْ أساءَ |
__________________
(١) الثراء : الغنى والمال.
(٢) أي ليس سواء.
(٣) ذو خبر بضم الخاء : ذو تجربة.
(٤) الحدثان : أحدث الزمان.
(٥) الاعدام : الفقر.
ـ ٥ ـ
وقال في الدنيا من بحر الطويل :
تحرَّزْ من الدنيا فإنَّ فناءَها (١) |
|
محلُّ فَناء لا محلُّ بقاءِ |
فَصفْوَتُها ممزوجةٌ بكَدَارَة (٢) |
|
وراحتُها مقرونةٌ بعناءِ |
ـ ٦ ـ
وقال في الصمود في مواجهة أحداث الزمان من بحر الخفيف :
هي حالان شدةٌ ورخاءُ |
|
وسِجالانِ نعمةٌ وبَلاءُ |
والفتى الحاذق الأديب إذا ما |
|
خانه الدهر لم يَخُنْهُ عزاء |
إن ألمَّت ملمةٌ (٣) بي فإنِّي |
|
في الملمَّات صخرةٌ صمَّاءُ |
عالمٌ بالبلاءِ عِلْماً بأنْ لي |
|
س يدومُ النعيمُ أو الرخاءُ |
ـ ٧ ـ
وقال في القضاء من بحر الوافر :
إذا عقدَ القضاءُ عليكَ أمراً |
|
فليس يحله إلا القضاءُ |
فما لكَ قد أقمتَ بدار ذلٍّ |
|
وأرضُ الله واسعةٌ فَضَاءُ |
تبلَّغْ باليسيرِ فكلُّ شيءٍ |
|
من الدنيا يكون له انتهاءُ |
__________________
(١) الفناء بكسر الفاء : الساحة أمام البيت ، والفناء يفتح الفاء : الموت والهلاك.
(٢) الكدارة الكدارة والحزن.
(٣) الملمة : حادثات الزمان ومصائبه.
ـ ٨ ـ
قال الإمام كرم الله وجهه في رثاء الرسول الأعظم صلوات الله عليه من بحر الطويل :
أمنْ بعدِ تكفينِ النبيِّ ودفْنِهِ |
|
نعيشُ بآلاءِ ونجنحُ للسلوى |
رُزئْنا رَسولَ الله حقّاً فلن نَرى |
|
بِذاك عديلاً ما حيينا من الورى |
وكنتَ لنا كالحصنِ منْ دونِ أهلهِ |
|
له معقلٌ حِرْزٌ حريزٌ من العدى |
وكنَّا بمرآه نرى النورَ والهدى |
|
صباحَ مساءٍ راح فينا أو اغتدى |
لقد غشِيْتَنا ظلمةٌ بعدَ موته |
|
نهاراً وقد زادتْ على ظلمة الدجى |
فيا خير من ضُمَّ الجوانحَ والحشَا |
|
ويا خير مَيْتٍ ضمَّهُ التُّرْبُ
والثرى |
كأنَّ أُمورَ الناسِ بعدَكَ ضُمِّنتْ |
|
سفينةَ موجٍ حينَ في البحرِ قد سما |
وضاقَ فضاءُ الأرضِ عنَّا بِرحْبهِ |
|
لفقدِ رسول الله إذْ قيلَ قد مضى |
فقد نَزَلَت بالمسلمينَ مُصيبةُ |
|
كصدع الصفا(١)لاَشعبَ(٢)للصدْع في الصفا |
فلن يستقلَّ الناسُ ما حلَّ فيهمُ |
|
ولن يُجبَرَ العظمُ الذي منهُم وهَيَ (٣) |
وفي كل وقتٍ للصلاة يَهيجُها |
|
بلالٌ ويدْعُو باسمه كلَّما دَعا |
ويَطلبُ أقوامٌ مواريثَ هالكٍ |
|
وفينا مواريثُ النبوةِ والهُدى |
ـ ٩ ـ
وقال الإمام يوم بدر من بحر الطويل :
نَصَرْنا رسول الله لما تدابروا |
|
وثابَ إليه المسلمون ذوو الحِجى |
__________________
(١) الصدع : الشق : الصفا : حجارة ملساء قوية.
(٢) الشعب : الالتحام والضم والجمع.
(٣) وهي العظم : ضعف.
ضربنا غُوَاةَ الناسِ عنه تكرُّماً |
|
ولمَّا يَروْا قصدَ السبيل ولا الهُدى |
ولما أتانَا بالهُدى كان كلُّنا |
|
على طاعةِ الرحمنِ والحقّ والتُّقَى |
ـ ١٠ ـ
وقال الإمام في الدنيا من بحر الطويل :
حياتُكَ أَنفاسٌ تُعَدُّ فكلَّما |
|
مضَى نَفَسٌ أنقصتْ به جزءا |
ويحييكَ ما يُفنيكَ في كل حالةٍ |
|
ويحدُوك حادٍ (١) ما يريدُ بك الهُزْءا |
فتصبحُ في نفْسٍ وتمشي بغيرِها |
|
ومالكَ من عقْلٍ تُحسُّ به رزءا |
ـ ١١ ـ
وقال في الحث على العمل وطلب المعاش من بحر الوافرِ :
وما طلبُ المعيشةِ بالتمنيَّ |
|
ولكن ألْقِ دَلوَكَ في الدِّلاءِ (٢) |
تجئْكَ بملْئِها يوْماً ويَوْماً |
|
تجئكَ بحمْأَةٍ وقليلِ ماءِ |
قافية الباء
ـ ١٢ ـ
قال الإِمام في الخالفة من بحر الطويل :
فان كنت بالشورى ملكتَ أُمورَهُمْ |
|
فكيف بهذا والمشيرون غُيَّبُ |
وإن كنتَ بالقرْبَى حججتَ خصيمَهُمْ |
|
فغيرُكَ أولى بالنّبيِّ وأقربُ |
__________________
(١) الحادي : السائق. حداه : ساقه.
(٢) الدلاء : جمع دلو.
ـ ١٣ ـ
وقال الإمام لما نزل معاوية بصفين من الرجز :
لقد أتاكمْ كاشراً عن نابهِ |
|
ويهمطُ (١) الناس على اغترابهِ |
||
|
فلْيأتِنا الدهرُ بما أتى بهِ |
|
||
* * *
وقال الإمام وهو بصفين من بحر الطويل :
ألم ترَ قومي إذ دعاهم أخوهُمُ |
|
أجابوا وإن أغضبْ على القوم يغضَبُوا |
هم حفظُوا غيْبي كما كنتُ حافظاً |
|
لقوميَ أُخرى مثلَها إذ تغيَّبُوا |
بنوا الحرب لَم تعقدْ بهم أُمهاتُهم |
|
وآباؤهم آباءُ صدقٍ فأنجبوا |
ـ ١٤ ـ
وقال الإِمام في حرب صفين وهو يبارز حريث قبل أن يقتله من بحر الرجز :
أنا عليٌّ وابنُ عبد المطلبْ |
|
نحن لعمرُ الله أَولى بالكتبْ |
||
منا النبيُّ المصطفى غير كذِبْ |
|
أهلُ اللواءِ والمقامِ والحجُبْ |
||
نحن نصرناهُ على جلِّ العرب |
|
يا أَيها العبدُ الغريرُ المنتدبْ |
||
|
أَثبتْ لنا يا أيها الكلب الكِلبْ |
|
||
ـ ١٥ ـ
وقال الإمام لحريث أيضاً قبل أن يقتله من بحر الرجز :
أَنا الغلامُ العربيُّ المنتسِب |
|
من خير عُودٍ في مُصاص (٢) المطَّلِبْ |
يا أَيها العبد اللئيمُ المنتدبْ |
|
ان كنتَ للموت محبّاً فاقتربْ |
واثبت رويداً أيها الكلبُ الكِلبْ |
|
أَوْ لا فولِّ هارباً ثم انقلبْ |
__________________
(١) يهمط الناس : ظلمهم حقهم.
(٢) المصاص بضم الميم خالص كل شيء.
ـ ١٦ ـ
وقال الإمام من بحر الطويل :
لعُمركَ ما الإِنسانُ إلا بدينه |
|
فلا تترك التقوى اتكالاً على النسبْ |
فقد رَفَع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ |
|
وقد وضع الشركُ الشريفَ أَبا لهبْ |
ـ ١٧ ـ
وقال الإمام في الفرج بعد الشدة من بحر الوافر :
إذا اشْتَمَلتْ على اليأسِ القلوبُ |
|
وضاقَ لما به الصدرُ الرحيبُ |
وأوطنَتِ المكارهُ واستقرَّتْ |
|
وأَرسَتْ في أمكانها الخطوب |
ولم ترَ لانكشاف الضُّرِّ وجْهاً |
|
ولا أَغْنى بحيلتهِ الأريبُ |
أَتاكَ على قُنوطٍ منك غوْثٌ |
|
يمُنُّ به اللطيفُ المستجيبُ |
وكل الحادثاتِ إذا تناهتْ |
|
فموصولٌ بها فَرَجٌ قريبُ |
ـ ١٨ ـ
وقال الإِمام من بحر البسيط :
إنِي أَقولُ لنفسي وَهي ضيقةٌ |
|
وقَد أَناخَ عليه الدهر بالعجب |
صبراً على شدَّة الأيام إنَّ لها |
|
عُقبى وما الصبر إلا عند ذي الحسب |
سيفتح الله عن قربٍ بنافعةٍ |
|
فيما لمثلِكَ راحاتٌ من التعب |
ـ ١٩ ـ
وبعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان علي بن أبي طالب يغدو ويروح الى قبر نبي الله بعد وفاته ويبكي تفجعاً ثم يقول : يا رسول الله ما أحسن الصبر إلا عنك وأقبح البكاء إلا عليك ثم قال من الكامل :
ما غاض دمعي عند نازلةٍ |
|
إلا جعلتك للبكا سببا |
وإذا ذكرتُكَ ميِّتاً سَفَحَتْ |
|
عيني الدموعَ فَفَاضَ وانسكبا |
إني أجَلَ ثري حللت بِهِ |
|
عن أَن أَرى لسواهُ منقلبا (١) |
ـ ٢٠ ـ
ولما قتل الإمامُ عمرو بن عبد ود وانكشف تنحى عنه وقال من بحر الكامل :
عبَدَ الحجارَةَ مِن سفاهةِ رأيه |
|
وعبدتُ ربَّ محمدٍ بصوابِ |
فصدَدْتُ حيت تركتُهُ متجدِّلاً |
|
كالجِذْع بين دكادك (٢) وروابي |
وعففت عن أثوابه ولو انني |
|
كنتُ المقطر (٣) بَزَّني (٤) اثوابي |
لا تحسَبنَّ الله خاذلَ دينهِ |
|
ونبيه يا معشرَ الأحزاب |
أعليَّ تقتحم الفوارسُ هكذا |
|
عنِّي وعنهم خبِّروا أَصحابي |
فاليوم تمنعُني الفرارَ حفيظَتي |
|
ومصمَّمٌ في الرأسِ ليسَ بنابي |
أدَّى عميرٌ حين أخلصَ صَقْلَهُ |
|
صافيِ الحديدةِ يستفيضُ ثوابي |
فغدوتُ ألتمس القراعَ (٥) بمرهَف |
|
عَضْبٍ مع البتراءِ في أقرابِ |
آلى (٦) ابنُ عبدِ حين جاءَ محارباً |
|
وحلفتُ فاستمِعُوا من الكذَّابِ |
__________________
(١) متقلبا. أي مقراً وقبراً.
(٢) الدكادك : الصخور.
(٣) المقطر : الملقي على القَطْر اي الجانب.
(٤) بزني : سلبني.
(٥) القراع : المقارعة والنزال.
(٦) آلى : حلف.
ان لا يفِر ولا يهلِّلُ فالتَقَى |
|
رجلان يلتقيانِ كلَّ ضِرَابِ |
وغدوتُ ألتمس القِراعَ وصارمي (١) |
|
عضب كلون المِلْحَ ليس بكابي |
عرفَ ابنُ عبدٍ حينَ أَبصر صارماً |
|
يهتزُّ أَنَّ الأمرِ غيرُ لِعابِ |
ـ ٢١ ـ
وقال الإمام حين بدت له عورة عمرو بن العاص لما برز اليه يوم صفين فصرف وجهه عنه من بحرِ الرجز :
ضربٌ ثَنى الأبطال في المشاعبِ |
|
ضرْبَ الغلامِ البَطلِ المَلاعِبِ |
أين الضرابُ في العجاج (٢) الثائبِ |
|
حين احمرارِ الحدَقِ الثواقبِ |
بالسيفِ في نهنهةِ الكتائبِ |
|
والصبرُ فيه الحمد للعواقبِ |
ـ ٢٢ ـ
وقال الإمام من مخلعَ البسيط :
فرضٌ على الناسِ أن يَتُوبُوا |
|
لكنَّ تركَ الذنوبِ أَوجبْ |
والدهرُ في صَرْفِهِ عجيبُ |
|
وغفلةُ الناسِ فيهِ أَعجَبْ |
والصبرُ في النائِبات صعبٌ |
|
لكنَّ فوت الثوابِ أَصعبْ |
وكلُّ ما يُرتَجَى قريب |
|
والموت من كل ذاك أَقربْ |
ـ ٢٣ ـ
وقال الإمام في يوم أحد حي خرج طلحة العبدري صحب لواءِ قريش وهو المسمى كبش الكتيبة ونادى إنكم تزعمون ان الله يعجلنا بسيوفكم إلى
__________________
(١) الصارم : السيف القاطع.
(٢) العجاج : الغبار.
النار ويعجلكم بسوفنا الى الجنة فهل منكم من يبارزني ، فخرج إليه علي وهو يقول : من بحر الرجز :
انا ابن الحَوْضيْن (١) عبدِ المطلبْ |
|
وهاشمِ المُطْعِمِ في العام السَّغب (٢) |
||
|
أُوفي بميعادي وأَحمي عن حَسبْ |
|
||
ـ ٢٤ ـ
وقال الإمام في أبي لهب من بحر الطويل
أَبا لهبٍ تبتْ يداك أبا لهبْ |
|
وتبَّت (٣) يدها تلكَ حمالةُ الحطَبْ |
خذلْتَ نبيّاً خيرَ من وطِئَ الحصَى |
|
فكنتَ كمن باعَ السلامةَ بالعطَبْ (٤) |
وخِفْتَ أَبا جهلٍ فأصبحتَ تابعاً |
|
له ، وكذلك الرأسُ يتبعُهُ الذَّنَبْ |
فأصبحَ ذاك الأمرُ عاراً يَهيلُهُ |
|
عليك حجيجُ البيت في موسم العربْ |
ولو كان من بعض الأعادي محمدٌ |
|
لحاميتَ عنهُ بالرماحِ وبالقُضُبْ (٥) |
ولم يسلموه أَو يُصَرَّعَ حولَهُ |
|
رجالُ بلاءٍ بالحروبِ ذوو حَسَبْ |
ـ ٢٥ ـ
وقال الإِمام في الوفاء بين الناسِ من بحر الكامل :
ذهبَ ذهابِ الوفاءُ أَمسِ الذاهب |
|
فالناسُ بينَ مُخاتل (٦) ومُوارٍ (٧) |
يُفشُون بينهم المودَّةَ والصَّفا |
|
وقلوبُه محشوَّةٌ بعقارِبِ |
__________________
(١) هما حوضا زمزم.
(٢) أي الشديد السّغب وهو الجوع.
(٣) التباب : الخسران والهلاك.
(٤) العطب : الفساد والهلاك.
(٥) جمع قضيبِ وهو السيف.
(٦) أي مخادع.
(٧) أي منافق.
ـ ٢٦ـ
وقال الإمام مخاطباً ولده الحسن رضياللهعنه وذلك من بحر الطويل :
تردَّ رداءَ الصبرِ عند النوائبِ |
|
تَنَلْ من جميلِ الصبر حُسْنَ العواقبِ |
وكُنْ صاحباً للحلم في كل مشهدٍ |
|
فما الحلمُ إلاَّ خيرُ خِدْنٍ (١) وصاحبِ |
وكُنْ حافظاً عهد الصديق وراعياً |
|
تذق من كمال الحفظ صَفْو المَشَاربِ |
وكُنْ شاكراً لله في كلِّ نعمةٍ |
|
يُثِبْك على النعمى جزيلَ المواهبِ |
وما المرء إلا حيث يجعلُ نفْسَهُ |
|
فكن طالباً في الناس أَعلى المراتبِ |
وكُنْ طالباً للرزق من باب حِلَّةٍ |
|
يُضاعَفْ عليك الرزق من كل جانب |
وصُن منك ماءَ الوجه لا تبذِلنَّهُ |
|
ولا تسأل الأرذال (٢) فضل الرغائب |
وكن موجباً حَقَّ الصديق إذا أتى |
|
اليك ببِرٍّ صادقٍ منك واجبِ |
وكُنْ حافظاً للوالدين وناصراً |
|
لجاركَ ذي التقوى وأهْلِ التقارُبِ |
ـ ٢٧ ـ
وقال الإِمام في الدهر من بحر البسيط :
الدهرُ يخنق أحياناً قلادتَهُ |
|
عليك لا تضطرب فيه ولا تَثِبِ |
حتى يفرِّجها في حال مدَّتها |
|
فقد يزيدُ اختناقاً كلَّ مضطرب |
فليرجعنَّ إليك رزقُك كلَّه |
|
لو كان أبعد من مقام الكوكب |
ـ ٢٨ ـ
وقال الإمام في عزة النفس من بحر الكامل :
لا تطلُبنَّ معيشةً بمذلةٍ |
|
واربأ بنفسك عن دنيِّ المطلَب |
واذا افتقرتَ فداوِ فقرَك بالغنى |
|
عن كل ذي دنِسٍ كجِلْدِ الأجرب |
__________________
(١) الخدن : الصاحب.
(٢) الأرذال : هم رعاع القوم وغوغاؤهم.
ـ ٢٩ ـ
وقال الإِمام في الصبر من بحر الطويل :
فإن تسأَلنِّي كيف أنتَ فإنني |
|
صبورٌ على ريب الزمان صعيِبُ |
حريصٌ على أن لا يُرى بي كآبةٌ |
|
فيشمتَ عادٍ أو يُساءَ حبيبُ |
ـ ٣٠ ـ
وقال الإمام في المال من الطويل :
يُغطِّي عيوبَ المرء كثرةُ ماله |
|
يُصدَّقُ فيما قاله وهو كذوبُ |
ويُزرِي بعقل المرءِ قِلةُ ماله |
|
يحمِّقهُ الأقوام وهو لبيب |
ـ ٣١ ـ
وقال الإمام والفقر من بحر الكامل :
غالبت كل شديدة فغلبتها |
|
والفقر غالبني فأصبح غالبي |
إن أُبْدِهِ يصفَحْ وإِن لم أُبْدِهِ |
|
يَقْتُل فقُبّح وجهُه من صاحب |
ـ ٣٢ ـ
وقال الإمام في العقل من الطويل :
فلو كانت الدنيا تُنالُ بفطنة |
|
وفضلٍ وعقلٍ نلتُ أعلى المراتبِ |
ولكنما الأرزاقُ حظ وقسمةٌ |
|
بفضل مليكٍ لا بحيلة طالب |
ـ ٣٣ ـ
وينسب إلى الإِمام في العقل أيضاً من بحر الطويل :
وأفضلُ قَسْم الله للمرءِ عقلُه |
|
فليس من الخيراتِ شيءٌ يقاربُهْ |
إذا أكملَ الرحمنُ للمرءِ عقلَهُ |
|
فقد كمُلَتْ أخلاقُه ومآربُهْ |
يعيش الفتى في الناس بالعقل إِنه |
|
على العقل يَجْري علمُه وتجاربه |
يزينُ الفتى في الناس صحَّةُ عقْله |
|
وإن كان محظوراً عليه مكاسبُه |
يشينُ الفتى في الناسِ قلةُ عقله |
|
وإن كرُمتْ أعراقُه ومناصبهْ |
ومن كان غلاباً بعقلٍ ونجدةٍ |
|
فذو الجدِّ في أمر المعيشة غالبُهُ |
ـ ٣٤ ـ
وقال الإمام في العقل والحسب من بحر البسيط :
ليس البليَّةُ في أيَّامِنا عجباً |
|
بل السلامةُ فيها أعجب العجبِ |
ليس الجمال بأثواب تزيِّنُنَا |
|
إن الجمالَ جمالُ العقلِ والأدبِ |
ليس اليتيم الذي قد مات والده |
|
إن اليتيمَ يتيمُ العلمِ والأدبِ |
ـ ٣٥ ـ
وقال الإمام في الحسب من المنسرح :
كن ابن من شئت واكتسب أدباً |
|
يغنيك محموده عن النسب |
فليس يُغْنِي الحسيبَ نسبتهُ |
|
بلا لسانٍ له ولا أدبِ |
إن الفتى من يقول ها أَنا ذا |
|
ليس الفتى من يقول : كان أبي |
ـ ٣٦ ـ
وقال الإمام في الحسب أيضاً من الرمل :
أيها الفاجر جهلاً بالنسبْ |
|
إنما الناس لأمِّ ولأبْ |
هل تراهم خلقوا من فضة |
|
أَم حديد أَم نحاس أم ذهبْ |
بل تراهم خلقوا من طينةٍ |
|
هل سوى لحمٍ وعظم وعَصَبْ |
إنما الفخر لعقلٍ ثابتٍ |
|
وحياءٍ وعفافٍ وأَدبْ |
ـ ٣٧ ـ
وقال الإِمام من بحر البسيط :
إني أَقول لنفسي وهي ضيقةٌ |
|
وقد أناخ عليها الدهر بالعجبِ |
صبراً على شدة الأيام أنَّ لها |
|
عُقبى وما الصبر إلا عند ذي الحسبِ |
سيفتح الله عن قُرْبٍ بنافعةٍ |
|
فيها لمثلكَ راحاتٌ من التعبِ |
ـ ٣٨ ـ
وقال الإمام في فضل السكوت من المنسرح :
أَدبت نفسي فما وجدت لها |
|
بغير تقوى الإله من أدبِِ |
في كل حالاتها وإن قَصُرتْ |
|
أَفضَل من صمتها على الكُرَبِِ |
وغيبةُ الناس إنَّ غَيْبتَهم |
|
حرَّمها ذو الجلال في الكُتُبِِ |
إن كان من فضة كلامك يا نف |
|
س فإن السكوت من ذهبِِ (١) |
ـ ٣٩ ـ
وقال الإمام لبنيه : يا بني إياك ومعاداة الرجال فإنهم لا يخلون من ضربين : عاقل يمكر بكم ، أو جاهل يعجل عليكم ، والكلام أنثى والجواب ذكر ، فإذا اجتمع الزوجان فلا بد من النتاج ثم قال من بحر الوافر :
سليم العِرْضِ مَنْ حَذِرَ الجوابا |
|
ومن دارى الرجالَ فقد أَصابا |
ومن هابَ الرجالَ تهيَّبُوه |
|
ومن يُهِنِ الرجالَ فلن يُهابا |
ـ ٤٠ ـ
وقال الإِمام من الوافر :
وذي سفهٍ يواجهني بجهلٍ |
|
وأكره أَن أَكون له مجيبا |
يزيد سفاهةً وأزيد حلماً |
|
كعُودٍ زاد بالإِحراق طيبا |
__________________
(١) وفي معناه الحمة المأثورة : إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
ـ ٤١ ـ
وقال الإمام في الحكمة من مجزوء بحر الكامل :
البس أَخاك على عيوبهْ |
|
واستر وغطِّ على ذنوبهْ |
واصبرْ على ظلْمِ السفيهِ |
|
وللزمانِ على خطوبهْ |
ودعِ الجوابَ تفضُّلاً |
|
وكِلِ الظَّلومَ إلى حسيبهْ |
ـ ٤٢ ـ
وينسب إلى الإمام وهو من بحر البسيط :
وذي سفهٍ يواجهني بجهلٍ |
|
وأكره أَن أَكون له مجيبا |
يزيد سفاهةً وأزيد حلماً |
|
كعُودٍ زاد بالإِحراق طيبا |
ـ ٤٣ ـ
وقال الإمام من الطويل :
إذا رمتَ ان تُعْلَى فزر متوتراً |
|
وإن شئت ان تزداد حباً فزر غِباً |
منادمة الانسان تحسُنُ مرَّةً |
|
وان أكثرُوا إدمانها أفسدوا الحبا |
ـ ٤٤ ـ
وقال الإِمام في فرقة الشباب والأحباب :
شيئان لو بكت الدماء عليهما |
|
عينايَ حتى تأذنا بذهابِ |
لم تبلغ المعشار من حقَّيْهما |
|
فَقْد الشباب وفرقة الأحباب |
__________________
(١) الغب في الزيارة يوم ويوم وفي المثل : زر غبَا تزود حبا.
ـ ٤٥ ـ
وقال الإِمام في الدهر من بحر الطويل :
وما الدهر والأيام إِلا كما ترى |
|
رزيَّةُ مالٍ أو فِراقُ حبيبِ |
وإنَّ امرءاً قد جرَّب الدهرَ لم يخفْ |
|
تقلُّبَ حاليْه لغيرِ لبيبِ |
ـ ٤٦ ـ
ووقف الإمام على قبر فاطمة الزهراء بعد دفنها وقال من بحر الكامل :
ما لي وقفتُ على القبورِ مسلِّماً |
|
قبرَ الحبيب فلم يردَّ جوابي |
أحبيبُ مالك لا تردُّ جوابَنا |
|
أنَسيتَ بعدي خُلَّةَ الأحباب |
قال الحبيبُ وكيفَ لي بجوابكمْ |
|
وأنا رهينُ جنادلٍ وترابِ |
أكل الترابُ محاسني فنسيتُكم |
|
وحُجبتُ عن أهلي وعن أترابي |
فعليكُم مني السلام تقطَّعت |
|
مني ومنكم خُلَّةُ الأحباب |
ـ ٤٧ ـ
وقال الإمام يخاطب الوليد بن المغيرة من بحر المتقارب :
يهددني بالعظيمِ الوليدُ |
|
فقل : أنا ابن أبي طالبِ |
أنا ابن المبجَّل بالأبطَحيْنِ |
|
وبالبيت من سلفَيْ غالبِ |
فلا تحسبنِّي أخَاف الوليد |
|
ولا أنني منه بالهائب |
فيا ابن المغيرة إنِّي امرء |
|
سَمُوحُ الأنامل بالقاضب (١) |
طويل اللسان على الشائنينَ |
|
قصيرُ اللِّسانِ على الصاحبِ |
__________________
(١) القاضب : السيف القاطع.