تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٢٩

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور

تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٢٩

المؤلف:

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٤

أعجب من كونه نطفة لأنه صار علقة بعد أن كان ماء فاختلط بما تفرزه رحم الأنثى من البويضات فكان من مجموعهما علقة كما تقدم في فائدة التقييد بقوله في سورة النجم [٤٦] (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى).

ولما كان تكوينه علقة هو مبدأ خلق الجسم عطف عليه قوله : (فَخَلَقَ) بالفاء ، لأن العلقة يعقبها أن تصير مضغة إلى أن يتم خلق الجسد وتنفخ فيه الروح.

وضمير (فَخَلَقَ) عائد إلى (رَبِّكَ) [القيامة : ٣٠]. وكذلك عطف (فَسَوَّى) بالفاء.

والتسوية : جعل الشيء سواء ، أي معدلا مقوما قال تعالى : (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة : ٢٩] وقال : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى : ٢] ، أي فجعله جسدا من عظم ولحم. ومفعول (خلق) ومفعول (سوى) محذوفان لدلالة الكلام عليهما ، أي فخلقه فسوّاه. وعقب ذلك بخلقه ذكرا أو أنثى زوجين ومنهما يكون التناسل أيضا.

وقرأ الجمهور تمنى بالفوقية على أنه وصف ل (نُطْفَةً). وقرأه حفص ويعقوب بالتحتية على أنه وصف (مَنِيٍ).

وجملة (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) واقعة موقع النتيجة من الدليل لأن خلق جسم الإنسان من عدم وهو أمر ثابت بضرورة المشاهدة ، أحق بالاستبعاد من إعادة الحياة إلى الجسم بعد الموت سواء بقي الجسم غير ناقص أو نقص بعضه أو معظمه فهو إلى بث الحياة فيه وإعادة ما فني من أجزائه أقرب من إيجاد الجسم من عدم.

والاستفهام إنكار للمنفي إنكار تقرير بالإثبات وهذا غالب استعمال الاستفهام التقريري أن يقع على نفي ما يراد إثباته ليكون ذلك كالتوسعة على المقرّر إن أراد إنكارا كناية عن ثقة المتكلم بأن المخاطب لا يستطيع الإنكار.

وقد جاء في هذا الختام بمحسّن ردّ العجز على الصدر ، فإن السورة افتتحت بإنكار أن يحسب المشركون استحالة البعث ، وتسلسل الكلام في ذلك بأفانين من الإثبات والتهديد والتشريط والاستدلال ، إلى أن أفضى إلى استنتاج أن الله قادر على أن يحيي الموتى وهو المطلوب الذي قدم في قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة : ٣ ، ٤].

وتعميم الموتى في قوله : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) بعد جريان

٣٤١

أسلوب الكلام على خصوص الإنسان الكافر أو خصوص كافر معيّن ، يجعل جملة (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) تذييلا.

٣٤٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

٧٦ ـ سورة الإنسان

سميت في زمن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «سورة هل أتى على الإنسان». روى البخاري في باب القراءة في الفجر من «صحيحه» عن أبي هريرة قال : «كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في الفجر ب (الم) السجدة و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الإنسان : ١].

واقتصر صاحب «الإتقان» على تسمية هذه السورة «سورة الإنسان» عند ذكر السور المكية والمدنية ، ولم يذكرها في عداد السور التي لها أكثر من اسم.

وتسمّى «سورة الدهر» في كثير من المصاحف.

وقال الخفاجي تسمى «سورة الأمشاج» ، لوقوع لفظ الأمشاج فيها ولم يقع في غيرها من القرآن.

وذكر الطبرسي : أنها تسمى «سورة الأبرار» ، لأن فيها ذكر نعيم الأبرار وذكرهم بهذا اللفظ ولم أره لغيره.

فهذه خمسة أسماء لهذه السورة.

واختلف فيها فقيل هي مكية ، وقيل مدنية ، وقيل بعضها مكي وبعضها مدني ، فعن ابن عباس وابن أبي طلحة وقتادة ومقاتل : هي مكية ، وهو قول ابن مسعود لأنه كذلك رتبها في مصحفه فيما رواه أبو داود كما سيأتي قريبا. وعلى هذا اقتصر معظم التفاسير ونسبه الخفاجي إلى الجمهور.

وروى مجاهد عن ابن عباس : أنها مدنية ، وهو قول جابر بن زيد وحكي عن قتادة أيضا. وقال الحسن وعكرمة والكلبي : هي مدنية إلّا قوله : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] إلى آخرها ، أو قوله : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) [الإنسان: ٢٤]

٣٤٣

إلخ. ولم يذكر هؤلاء أن تلك الآيات من أيّة سورة كانت تعد في مكة إلى أن نزلت سورة الإنسان بالمدينة وهذا غريب. ولم يعينوا أنه في أية سورة كان مقروءا.

والأصح أنها مكية فإن أسلوبها ومعانيها جارية على سنن السور المكية ولا أحسب الباعث على عدها في المدني إلّا ما روي من أن آية (يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) [الإنسان : ٨] نزلت في إطعام علي بن أبي طالب بالمدينة مسكينا ليلة ، ويتيما أخرى ، وأسيرا أخرى ، ولم يكن للمسلمين أسرى بمكة حملا للفظ أسير على معنى أسير الحرب ، أو ما روي أنه نزل في أبي الدحداح وهو أنصاري ، وكثيرا ما حملوا نزول الآية على مثل تنطبق عليها معانيها فعبروا عنها بأسباب نزول كما بيناه في المقدمة الخامسة.

وعدّها جابر بن زيد الثامنة والتسعين في ترتيب نزول السور. وقال : نزلت بعد سورة الرحمن وقبل سورة الطلاق. وهذا جري على ما رآه أنها مدنية.

فإذا كان الأصح أنها مكية أخذا بترتيب مصحف ابن مسعود فتكون الثلاثين أو الحادية والثلاثين وجديرة بأن تعد قبل سورة القيامة أو نحو ذلك حسبما ورد في ترتيب ابن مسعود.

روي أبو داود في باب تحزيب القرآن من «سننه» عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قال : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ النظائر السورتين وعدّ سورا فقال : و (هَلْ أَتى) و (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) في ركعة». قال أبو داود : هذا تأليف ابن مسعود (أي تأليف مصحفه) : واتفق العادّون على عد آيها إحدى وثلاثين.

أغراضها

التذكير بأن كل إنسان كوّن بعد أن لم يكن فكيف يقضي باستحالة إعادة تكوينه بعد عدمه.

وإثبات أن الإنسان محقوق بإفراد الله بالعبادة شكرا لخالقه ومحذّر من الإشراك به.

وإثبات الجزاء على الحالين مع شيء من وصف ذلك الجزاء بحالتيه والإطناب في وصف جزاء الشاكرين.

وأدمج في خلال ذلك الامتنان على الناس بنعمة الإيجاد ونعمة الإدراك والامتنان بما أعطيه الإنسان من التمييز بين الخير والشر وإرشاده إلى الخير بواسطة الرسل فمن

٣٤٤

الناس من شكر نعمة الله ومنهم من كفرها فعبد غيره.

وتثبيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على القيام بأعباء الرسالة والصبر على ما يلحقه في ذلك ، والتحذير من أن يلين للكافرين ، والإشارة إلى أن الاصطفاء للرسالة نعمة عظيمة يستحق الله الشكر عليها بالاضطلاع بها اصطفاه له وبالإقبال على عبادته.

والأمر بالإقبال على ذكر الله والصلاة في أوقات من النهار.

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١))

استفهام تقريري والاستفهام من أقسام الخطاب وهو هنا موجّه إلى غير معين ومستعمل في تحقيق الأمر المقرر به على طريق الكناية لأن الاستفهام طلب الفهم ، والتقرير يقتضي حصول العلم بما قرر به وذلك إيماء إلى استحقاق الله أن يعترف الإنسان له بالواحدانية في الربوبية إبطالا لإشراك المشركين.

وتقديم هذا الاستفهام لما فيه من تشويق إلى معرفة ما يأتي بعده من الكلام.

فجملة (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) تمهيد وتوطئة للجملة التي بعدها وهي (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) [الإنسان : ٢] إلخ.

و (هَلْ) حرف يفيد الاستفهام ومعنى التحقيق ، وقال جمع أصل (هَلْ) إنها في الاستفهام مثل (قد) في الخبر ، وبملازمة (هَلْ) الاستفهام كثير في الكلام حذف حرف الاستفهام معها فكانت فيه بمعنى (قد) ، وخصت بالاستفهام فلا تقع في الخبر ، ويتطرق إلى الاستفهام بها ما يتطرق إلى الاستفهام من الاستعمالات. وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) في سورة البقرة [٢١٠].

وقد علمت أن حمل الاستفهام على معنى التقرير يحصّل هذا المعنى.

والمعنى : هل يقر كل إنسان موجود أنه كان معدوما زمانا طويلا ، فلم يكن شيئا يذكر ، أي لم يكن يسمى ولا يتحدث عنه بذاته (وإن كان قد يذكر بوجه العموم في نحو قول الناس : المعدوم متوقف وجوده على فاعل. وقول الواقف : حبست على ذريتي ، ونحوه فإن ذلك ليس ذكرا لمعين ولكنه حكم على الأمر المقدّر وجوده). وهم لا يسعهم إلّا الإقرار بذلك ، فلذلك اكتفي بتوجيه هذا التقرير إلى كل سامع.

وتعريف (الْإِنْسانِ) للاستغراق مثل قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ

٣٤٥

آمَنُوا) الآية [العصر : ٢ ، ٣] ، أي هل أتى على كل إنسان حين كان فيه معدوما.

و (الدَّهْرِ) : الزمان الطويل أو الزمان المقارن لوجود العالم الدنيوي.

والحين : مقدار مجمل من الزمان يطلق على ساعة وعلى أكثر ، وقد قيل إن أقصى ما يطلق عليه الحين أربعون سنة ولا أحسبه.

وجملة (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) يجوز أن تكون نعتا ل (حِينٌ) بتقدير ضمير رابط بمحذوف لدلالة لفظ (حِينٌ) على أن العائد مجرور بحرف الظرفية حذف مع جاره كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] إذ التقدير : لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ، فالتقدير هنا : لم يكن فيه الإنسان شيئا مذكورا ، أي كان معدوما في زمن سبق.

ويجوز أن تكون الجملة حالا من (الْإِنْسانِ) ، وحذف العائد كحذفه في تقدير النعت.

والشيء : اسم للموجود.

والمذكور : المعيّن الذي هو بحيث يذكر ، أي يعبّر عنه بخصوصه ويخبر عنه بالأخبار والأحوال. ويعلّق لفظه الدال عليه بالأفعال.

فأمّا المعدوم فلا يذكر لأنه لا تعيّن له فلا يذكر إلّا بعنوانه العام كما تقدّم آنفا ، وليس هذا هو المراد بالذّكر هنا.

ولهذا نجعل (مَذْكُوراً) وصفا ل (شَيْئاً) ، أريد به تقييد (شَيْئاً) ، أي شيئا خاصا وهو الموجود المعبر عنه باسمه المعيّن له.

(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢))

استئناف بياني مترتب على التقرير الذي دل عليه (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الإنسان : ١] لما فيه من التشويق.

والتقرير يقتضي الإقرار بذلك لا محالة لأنه معلوم بالضرورة ، فالسامع يتشوف لما يرد بعد هذا التقرير فقيل له : إن الله خلقه بعد أن كان معدوما فأوجد نطفة كانت معدومة ثم استخرج منها إنسانا ، فثبت تعلّق الخلق بالإنسان بعد عدمه.

٣٤٦

وتأكيد الكلام بحرف (إنّ) لتنزيل المشركين منزلة من ينكر أنّ الله خلق الإنسان لعدم جريهم على موجب العلم حيث عبدوا أصناما لم يخلقوهم.

والمراد ب (الْإِنْسانَ) مثل ما أريد به في قوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الإنسان : ١] أي كل نوع الإنسان.

وأدمج في ذلك كيفية خلق الإنسان من نطفة التناسل لما في تلك الكيفية من دقائق العلم الإلهي والقدرة والحكمة.

وقد تقدم معنى النطفة في سورة القيامة.

و (أَمْشاجٍ) : مشتق من المشج وهو الخلط ، أي نطفة مخلوطة قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) [يس : ٣٦] وذلك يفسر معنى الخلط الذي أشير إليه هنا.

وصيغة (أَمْشاجٍ) ظاهرها صيغة جمع وعلى ذلك حملها الفراء وابن السكيت والمبرد ، فهي إما جمع مشج بكسر فسكون بوزن عدل ، أي ممشوج ، أي مخلوط مثل ذبح ، وهذا ما اقتصر عليه في «اللسان» و «القاموس» ، أو جمع مشج بفتحتين مثل سبب وأسباب ، أو جمع مشج بفتح فكسر مثل كتف وأكتاف.

والوجه ما ذهب إليه صاحب «الكشاف» : أن (أَمْشاجٍ) مفرد كقولهم : برمة أعشار وبرد أكياش (بهمزة وكاف وتحتية وألف وشين معجمة الذي أعيد غزله مرتين). قال : «ولا يصح أن يكون أمشاج جمع مشج بل هما (أي مشج وأمشاج) مثلان في الإفراد ا ه. وقال بعض الكاتبين : إنه خالف كلام سيبويه. وأشار البيضاوي إلى ذلك ، وأحسب أنه لم ير كلام سيبويه صريحا في منع أن يكون (أَمْشاجٍ) مفردا لأن أثبت الإفراد في كلمة أنعام والزمخشري معروف بشدة متابعة سيبويه.

فإذا كان (أَمْشاجٍ) في هذه الآية مفردا كان على صورة الجمع كما في «الكشاف». فوصف (نُطْفَةٍ) به غير محتاج إلى تأويل ، وإذا كان جمعا كما جرى عليه كلام الفراء وابن السكيت والمبرد ، كان وصف النطفة به باعتبار ما تشتمل عليه النطفة من أجزاء مختلفة الخواص ، (فلذلك يصير كل جزء من النطفة عضوا) فوصف النطفة يجمع الاسم للمبالغة ، أي شديدة الاختلاط.

وهذه الأمشاج منها ما هو أجزاء كيمائية نباتية أو ترابية ومنها ما هو عناصر قوى

٣٤٧

الحياة.

وجملة (نَبْتَلِيهِ) في موضع الحال من الإنسان وهي حال مقدرة ، أي مريدين ابتلاءه في المستقبل ، أي بعد بلوغه طور العقل والتكليف ، وهذه الحال كقولهم : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا.

وقد وقعت هذه الحال معترضة بين جملة (خَلَقْنَا) وبين (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) لأن الابتلاء ، أي التكليف الذي يظهر به امتثاله أو عصيانه إنما يكون بعد هدايته إلى سبيل الخير ، فكان مقتضى الظاهر أن يقع (نَبْتَلِيهِ) بعد جملة (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) [الإنسان : ٣] ، ولكنه قدم للاهتمام بهذا الابتلاء الذي هو سبب السعادة والشقاوة.

وجيء بجملة (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) بيانا لجملة (نَبْتَلِيهِ) تفننا في نظم الكلام.

وحقيقة الابتلاء : الاختبار لتعرف حال الشيء وهو هنا كناية عن التكليف بأمر عظيم لأن الأمر العظيم يظهر تفاوت المكلفين به في الوفاء بإقامته.

وفرع على خلقه (مِنْ نُطْفَةٍ) أنه جعله (سَمِيعاً بَصِيراً) ، وذلك إشارة إلى ما خلقه الله له من الحواس التي كانت أصل تفكيره وتدبيره ، ولذلك جاء وصفه بالسميع البصير بصيغة المبالغة ولم يقل فجعلناه : سامعا مبصرا ، لأن سمع الإنسان وبصره أكثر تحصيلا وتمييزا في المسموعات والمبصرات من سمع وبصر الحيوان ، فبالسمع يتلقّى الشرائع ودعوة الرسل وبالبصر ينظر في أدلة وجود الله وبديع صنعه.

وهذا تخلص إلى ما ميز الله به الإنسان من جعله تجاه التكليف واتباع الشرائع وتلك خصيصية الإنسان التي بها ارتكزت مدنيته وانتظمت جامعاته ، ولذلك أعقبت هذه الجملة بقوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) الآيات.

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣))

استئناف بياني لبيان ما نشأ عن جملة (نَبْتَلِيهِ) [الإنسان : ٢] ولتفصيل جملة (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [الإنسان : ٢] ، وتخلّص إلى الوعيد على الكفر والوعد على الشكر.

وهداية السبيل : تمثيل لحال المرشد. و (السَّبِيلَ) : الطريق الجادة إلى ما فيه النفع بواسطة الرسل إلى العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة التي هي سبب فوزه بالنعيم الأبدي ، بحال من يدل السائر على الطريق المؤدية إلى مقصده من سيره.

٣٤٨

وهذا التمثيل ينحل إلى تشبيهات أجزاء الحالة المركّبة المشبّهة بأجزاء الحالة المشبّه بها ، فالله تعالى كالهادي ، والإنسان يشبه السائر المتحير في الطريق ، وأعمال الدين تشبه الطريق ، وفوز المتتبع لهدي الله يشبه البلوغ إلى المكان المطلوب.

وفي هذا نداء على أن الله أرشد الإنسان إلى الحق وأن بعض الناس أدخلوا على أنفسهم ضلال الاعتقاد ومفاسد الأعمال ، فمن برّأ نفسه من ذلك فهو الشاكر وغيره الكفور ، وذلك تقسيم بحسب حال الناس في أول البعثة ، ثم ظهر من خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.

وتأكيد الخبر ب (إنّ) للرد على المشركين الذين يزعمون أن ما يدعوهم إليه القرآن باطل.

و (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) حالان من ضمير الغيبة في (هَدَيْناهُ) ، وهو ضمير (الْإِنْسانَ) [الإنسان : ٢].

و (إِمَّا) حرف تفصيل ، وهو حرف بسيط عند الجمهور. وقال سيبويه : هو مركب من حرف (إن) الشرطية و (ما) النافية. وقد تجردت (إن) بالتركيب على الشرطية كما تجردت (ما) عن النفي ، فصار مجموع (إِمَّا) حرف تفصيل ، ولا عمل لها في الاسم بعدها ولا تمنع العامل الذي قبلها عن العمل في معموله الذي بعدها فهي في ذلك مثل (ال) حرف التعريف. وقدر بعض النحاة (إِمَّا) الثانية حرف عطف وهو تحكم إذ جعلوا الثانية عاطفة وهي أخت الأولى ، وإنما العاطف الواو و (إِمَّا) مقحمة بين الاسم ومعموله كما في قول تأبط شرا :

هما خطّتا إمّا إسار ومنّة

وإمّا دم والموت بالحر أجدر

فإن الاسمين بعد (إما) في الموضعين من البيت مجروران بالإضافة ولذلك حذفت النون من قوله : هما خطتا ، وذلك أفصح كما جاء في هذه الآية.

قال ابن جنيّ : «أما من جرّ (إسار) فإنه حذف النون للإضافة ولم يعتد (إمّا) فاصلا بين المضاف والمضاف إليه ، وعلى هذا تقول : هما إما غلاما زيد وإما عمرو ، وأجود من هذا أن تقول : هما خطتا إسار ومنة وإما خطتا دم ثم قال : وأما الرفع فطريق المذهب ، وظاهر أمره أنه على لغة من حذف النون لغير الإضافة فقد حكي ذلك» إلخ.

ومقتضى كلامه أن البيت روي بالوجهين : الجر والرفع وقريب منه كلام المرزوقي

٣٤٩

وزاد فقال «وحذف النون إذا رفعت (إسار) استطالة للاسم كأنه استطال خطتا ببدله وهو قوله : إما إسار» إلخ.

والمعنى : إنا هديناه السبيل في حال أنه متردد أمره بين أحد هذين الوصفين وصف شاكر ووصف كفور ، فأحد الوصفين على الترديد مقارن لحال إرشاده إلى السبيل ، وهي مقارنة عرفية ، أي عقب التبليغ والتأمل ، فإن أخذ بالهدى كان شاكرا وإن أعرض كان كفورا كمن لم يأخذ بإرشاد من يهديه الطريق فيأخذ في طريق يلقى به السباع أو اللصوص ، وبذلك تم التمثيل الذي في قوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ).

(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤))

أريد التخلص إلى جزاء الفريقين الشاكر والكفور.

والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن قوله : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان : ٣] يثير تطلع السامعين إلى معرفة آثار هذين الحالين المتردد حاله بينهما ، فابتدئ بجزاء الكافر لأن ذكره أقرب.

وأكد الخبر عن الوعيد بحرف التأكيد لإدخال الروع عليهم لأن المتوعّد إذا أكّد كلامه بمؤكّد فقد آذن بأنه لا هوادة له في وعيده.

وأصل (أَعْتَدْنا) أعددنا ، بدالين ، أي هيأنا للكافرين ، يقال : اعتدّ كما يقال : أعدّ ، قال تعالى : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) [يوسف : ٣١]. وقد تردد أئمة اللغة في أن أصل الفعل بدالين أو بتاء ودال فلم يجزموا بأيهما الأصل لكثرة ورود فعل : أعدّ ، وفعل اعتدّ في الكلام والأظهر أنهما فعلان نشئا من لغتين غير أن الاستعمال خصّ الفعل ذا التاء بعدة الحرب فقالوا : عتاد الحرب ولم يقولوا عداد.

وأما العدة بضم العين فتقع على كل ما يعد ويهيأ ، يقال : أعد لكل حال عدة. ويطلق العتاد على ما يعدّ من الأمور.

والأكثر أنه إذا أريد الإدغام جيء بالفعل الذي عينه دال وإذا وجد مقتضى فك الإدغام لموجب مثل ضمير المتكلم جيء بالفعل الذي عينه تاء.

والسلاسل : القيود المصنوعة من حلق الحديد يقيد بها الجناة والأسرى.

٣٥٠

والأغلال : جمع غلّ بضم الغين ، وهو حلقة كبيرة من حديد توضع في رقبة المقيّد ، وتناط بها السلسلة قال تعالى : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) [غافر : ٧١] فالأغلال والسلاسل توضع لهم عند سوقهم إلى جهنم.

والسعير : النار المسعرة ، أي التي سعّرها الموقدون بزيادة الوقود ليشتد التهابها فهو في الأصل وصف بمعنى اسم المفعول جعل علما على جهنم. وقد تقدم عند قوله : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) في سورة الإسراء [٩٧].

وكتب سلاسلا في المصحف الإمام في جميع النسخ التي أرسلت إلى الأمصار بألف بعد اللام الثانية ولكن القراء اختلفوا في قراءته ، فنافع والكسائي وهشام عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر قرءوا سلاسلا منونا في الوصل ووقفوا عليه كما يوقف على المنون المنصوب ، وإذ كان حقه أن يمنع من الصرف لأنه على صيغة منتهى الجمع تعين أن قراءته بالتنوين لمراعاة مزاوجته مع الاسمين اللذين بعده وهما (أَغْلالاً) و (سَعِيراً) ، والمزاوجة طريقة في فصيح الكلام ، ومنها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لنساء «ارجعن مأزورات غير مأجورات» فجعل «مأزورات» مهموزا وحقه أن يكون بالواو لكنه همز لمزاوجة مأجورات ، وكذلك قوله في حديث سؤال الملكين الكافر «فيقال له : لا دريت ولا تليت» ، وكان الأصل أن يقال : ولا تلوت. ومنه قول ابن مقبل أو القلّاح :

هتّاك أخبية ولّاج أبوبة

يخالط البرّ منه الجدّ واللّينا

فقوله (أبوبة) جمع باب وحقه أن يقول أبواب.

وهذه القراءة متينة يعضدها رسم المصحف وهي جارية على طريقة عربية فصيحة.

وقرأه الباقون بدون تنوين في الوصل.

واختلفوا في قراءته إذا وقفوا عليه فأكثرهم قرأه في الوقف بدون ألف فيقول (سَلاسِلَ) في الوقف. وقرأه أبو عمرو ورويس عن يعقوب بالألف على اعتباره منونا في الوصل.

قرأه البزي عن ابن كثير وابن ذكوان عن ابن عامر وحفص عن عاصم في الوقف بجواز الوجهين بالألف وبتركها.

فأما الذين لم ينونوا سلاسلا في الوصل ووقفوا عليه بألف بعد لامه الثانية. وهما أبو عمرو ورويس عن يعقوب فمخالفة روايتهم لرسم المصحف محمولة على أن

٣٥١

الرسم جرى على اعتبار حالة الوقف وذلك كثير فكتابة الألف بعد اللام لقصد التنبيه على إشباع الفتحة عند الوقف لمزاوجة الفواصل في الوقف لأن الفواصل كثيرا ما تعطى أحكام القوافي والأسجاع.

وبعد فالقراءات روايات مسموعة ورسم المصحف سنة مخصوصة به وذكر الطيبي : أن بعض العلماء اعتذر عن اختلاف القراء في قوله : سلاسلا بأنه من الاختلاف في كيفية الأداء كالمدّ والإمالة وتخفيف الهمزة وأن الاختلاف في ذلك لا ينافي التواتر.

[٥ ـ ٦] (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦))

هذا استئناف بياني ناشئ عن الاستئناف الذي قبله من قوله : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ) [الإنسان : ٤] إلخ. فإن من عرف ما أعد للكفور من الجزاء يتطلع إلى معرفة ما أعد للشاكر من الثواب.

وأخر تفصيله عن تفصيل جزاء الكفور مع أن (شاكِراً) [الإنسان : ٣] مذكور قبل (كَفُوراً) [الإنسان : ٣] ، على طريقة اللف والنشر المعكوس ليتسع المجال لإطناب الكلام على صفة جزاء الشاكرين وما فيه من الخير والكرامة ، تقريبا للموصوف من المشاهدة المحسوسة.

وتأكيد الخبر عن جزاء الشاكرين لدفع إنكار المشركين أن يكون المؤمنون خيرا منهم في عالم الخلود ، ولإفادة الاهتمام بهذه البشارة بالنسبة إلى المؤمنين.

و (الْأَبْرارَ) : هم الشاكرون ، عبر عنهم بالأبرار زيادة في الثناء عليهم.

و (الْأَبْرارَ) : جمع بر بفتح الباء ، وجمع بار أيضا مثل شاهد وأشهاد ، والبار أو البرّ المكثر من البرّ بكسر الباء وهو فعل الخير ، ولذلك كان البرّ من أوصاف الله تعالى قال تعالى : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور : ٢٨].

ووصف برّ أقوى من بارّ في الاتصاف بالبر ، ولذلك يقال : الله بر ، ولم يقل : الله بار.

ويجمع برّ على بررة. ووقع في «مفردات الراغب» : أن بررة أبلغ من أبرار.

وابتدئ في وصف نعيمهم بنعيم لذة الشرب من خمر الجنة لما للذة الخمر من الاشتهار بين الناس ، وكانوا يتنافسون في تحصيلها.

٣٥٢

والكأس : بالهمزة الإناء المجعول للخمر فلا يسمى كأسا إلّا إذا كان فيه خمر ، وقد تسمى الخمر كأسا على وجه المجاز المرسل بهذا الاعتبار كما سيجيء قريبا قوله تعالى : (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) [الإنسان : ١٧] فيجوز أن يراد هنا آنية الخمر فتكون (مِنْ) للابتداء وإفراد (كَأْسٍ) للنوعية ، ويجوز أن تراد الخمر فتكون (مِنْ) للتبعيض.

وعلى التقديرين فكأس مراد به الجنس وتنوينه لتعظيمه في نوعه.

والمزاج : بكسر الميم ما يمزج به غيره ، أي يخلط وكانوا يمزجون الخمر بالماء إذا كانت الخمر معتقة شديدة ليخففوا من حدتها وقد ورد ذكر مزج الخمر في أشعار العرب كثيرا.

وضمير (مِزاجُها) عائد إلى (كَأْسٍ).

فإذا أريد بالكأس إناء الخمر فالإضافة لأدنى ملابسة ، أي مزاج ما فيها ، وإذا أريدت الخمر فالإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله.

والكافور : «زيت يستخرج من شجرة تشبه الدفلى تنبت في بلاد الصين وجاوة يتكون فيها إذا طالت مدتها نحوا من مائتي سنة فيغلّى حطبها ويستخرج منه زيت يسمى الكافور. وهو ثخن قد يتصلب فيصير كالزبد وإذا يقع حطب شجرة الكافور في الماء صار نبيذا يتخمر فيصير مسكرا.

والكافور أبيض اللون ذكي الرائحة منعش.

فقيل إن المزاج هنا مراد به الماء والإخبار عنه بأنه كافور من قبيل التشبيه البليغ ، أي في اللون أو ذكاء الرائحة ، ولعل الذي دعا بعض المفسرين إلى هذا أن المتعارف بين الناس في طيب الخمر أن يوضع المسك في جوانب الباطية قال النابغة :

وتسقى إذا ما شئت غير مصرّد

بزوراء في حافاتها المسك كارع

ويختم على آنية الخمر بخاتم من مسك كما في قوله تعالى في صفة أهل الجنة : (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ) [المطففين : ٢٥ ، ٢٦]. وكانوا يجعلون الفلفل في الخمر لحسن رائحته ولذعة حرارته لذعة لذيذة في اللسان ، كما قال امرؤ القيس :

صبّحن سلافا من رحيق مفلفل

ويحتمل أن يكونوا يمزجون الخمر بماء فيه الكافور أو بزيته فيكون المزاج في الآية

٣٥٣

على حقيقته مما تمزج به الخمر ولعل ذلك كان من شأن أهل الترف لأن الكافور ثمين وهو معدود في العطور.

ومن المفسرين من قال : إن كافور اسم عين في الجنة لأجل قوله عقبه (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) وستعلم حق المراد منه.

وإقحام فعل (كانَ) في جملة الصفة بقوله : (كانَ مِزاجُها كافُوراً) لإفادة أن ذلك مزاجها لا يفارقها إذ كان معتاد الناس في الدنيا ندرة ذلك المزاج لغلاء ثمنه وقلة وجدانه.

وانتصب (عَيْناً) على البدل من (كافُوراً) أي ذلك الكافور تجري به عين في الجنة من ماء محلول فيه أو من زيته مثل قوله : (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) [محمد : ١٥]. وعدي فعل (يَشْرَبُ) بالباء وهي باء الإلصاق لأن الكافور يمزج به شرابهم. فالتقدير : عينا يشرب عباد الله خمرهم بها ، أي مصحوبا بمائها ، وذهب الأصمعي إلى أن الباء في قوله تعالى : (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) بمعنى (من) التبعيضية ووافقه الفارسي وابن قتيبة وابن مالك ، وعدّ في كتبه ذلك من معاني الباء ونسب إلى الكوفيين.

و (عِبادُ اللهِ) مراد بهم : الأبرار. وهو إظهار في مقام الإضمار للتنويه بهم بإضافة عبوديتهم إلى الله تعالى إضافة تشريف.

والتفجير : فتح الأرض عن الماء أي استنباط الماء الغزير وأطلق هنا على الاستقاء منها بلا حدّ ولا نضوب فكان كل واحد يفجر لنفسه ينبوعا وهذا من الاستعارة.

وأكد فعل (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) ترشيحا للاستعارة.

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧))

اعتراض بين جملة (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) [الإنسان : ٥] إلخ وبين جملة (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) [الإنسان : ١٥] إلخ. وهذا الاعتراض استئناف بياني هو جواب عن سؤال من شأن الكلام السابق أن يثيره في نفسه السامع المغتبط بأن ينال مثل ما نالوا من النعيم والكرامة في الآخرة. فيهتم بأن يفعل مثل ما فعلوا ، فذكر بعض أعمالهم الصالحة التي هي من آثار الإيمان مع التعريض لهم بالاستزادة منها في الدنيا.

والكلام إخبار عنهم صادر في وقت نزول هذه الآيات ، بعضه وصف لحالهم في

٣٥٤

الآخرة وبعضه وصف لبعض حالهم في الدنيا الموجب لنوال ما نالوه في الآخرة ، فلا حاجة إلى قول الفراء : إن في الكلام إضمارا وتقديره : كانوا يوفون بالنذر.

وليست الجملة حالا من (الْأَبْرارَ) [الإنسان : ٥] وضميرهم لأن الحال قيد لعاملها فلو جعلت حالا لكانت قيدا ل (يَشْرَبُونَ) [الإنسان : ٥] ، وليس وفاؤهم بالنذر بحاصل في وقت شربهم من خمر الجنة بل هو بما أسلفوه في الحياة الدنيا.

والوفاء : أداء ما وجب على المؤدي وافيا دون نقص ولا تقصير فيه.

والنذر : ما يعتزمه المرء ويعقد عليه نيته ، قال عنترة :

والنّاذرين إذا لم ألقهما دمي

والمراد به هنا ما عقدوا عليه عزمهم من الإيمان والامتثال وهو ما استحقوا به صفة (الْأَبْرارَ) [الإنسان : ٥].

ويجوز أن يراد (بِالنَّذْرِ) ما ينذرونه من فعل الخير المتقرّب به إلى الله ، أي ينشئون النذور بها ليوجبوها على أنفسهم.

وجيء بصيغة المضارع للدلالة على تجدد وفائهم بما عقدوا عليه ضمائرهم من الإيمان والعمل الصالح ، وذلك مشعر بأنهم يكثرون نذر الطاعات وفعل القربات ولو لا ذلك لما كان الوفاء بالنذر موجبا الثناء عليهم.

والتعريف في (النذر) تعريف الجنس فهو يعم كل نذر.

وعطف على (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قوله : (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) لأنهم لما وصفوا بالعمل بما ينذرونه أتبع ذلك بذكر حسن نيتهم وتحقق إخلاصهم في أعمالهم لأن الأعمال بالنيات فجمع لهم بهذا صحة الاعتقاد وحسن الأعمال.

وخوفهم اليوم مجاز عقلي جرى في تعلق اليوم بالخوف لأنهم إنما يخافون ما يجري في ذلك اليوم من الحساب والجزاء على الأعمال السيئة بالعقاب فعلق فعل الخوف بزمان الأشياء المخوفة.

وانتصب (يَوْماً) على المفعول به ل (يَخافُونَ) ولا يصح نصبه على الظرفية لأن المراد بالخوف خوفهم في الدنيا من ذنوب تجر إليهم العقاب في ذلك اليوم ، وليس المراد أنهم يخافون في ذلك اليوم فإنهم في ذلك اليوم آمنون.

٣٥٥

ووصف اليوم بأن له شرّا مستطيرا وصفا مشعرا بعلة خوفهم إياه. فالمعنى : أنهم يخافون شر ذلك اليوم فيتجنبون ما يفضي بهم إلى شره من الأعمال المتوعد عليها بالعقاب.

والشر : العذاب والجزاء بالسوء.

والمستطير : هو اسم فاعل من استطار القاصر ، والسين والتاء في استطار للمبالغة وأصله طار مثل استكبر. والطيران مجازي مستعار لانتشار الشيء وامتداده تشبيها له بانتشار الطير في الجو ، ومنه قولهم : الفجر المستطير ، وهو الفجر الصادق الذي ينتشر ضوؤه في الأفق ويقال : استطار الحريق إذا انتشر وتلاحق.

وذكر فعل (كانَ) للدلالة على تمكن الخبر من المخبر عنه وإلّا فإن شر ذلك اليوم ليس واقعا في الماضي وإنما يقع بعد مستقبل بعيد ، ويجوز أن يجعل ذلك من التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه.

وصيغة (يَخافُونَ) دالة على تجدد خوفهم شرّ ذلك اليوم على نحو قوله : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ).

[٨ ـ ١٠] (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠))

خصص الإطعام بالذكر لما في إطعام المحتاج من إيثاره على النفس كما أفاد قوله (عَلى حُبِّهِ).

والتصريح بلفظ الطعام مع أنه معلوم من فعل (يُطْعِمُونَ) توطئة ليبنى عليه الحال وهو (عَلى حُبِّهِ) فإنه لو قيل : ويطعمون مسكينا ويتيما وأسيرا لفات ما في قوله (عَلى حُبِّهِ) من معنى إيثار المحاويج على النفس ، على أن ذكر الطعام بعد (يُطْعِمُونَ) يفيد تأكيدا مع استحضار هيئة الإطعام حتى كأنّ السامع يشاهد الهيئة.

و (عَلى حُبِّهِ) في موضع الحال من ضمير (يُطْعِمُونَ).

و (عَلى) بمعنى (مع) ، وضمير (حُبِّهِ) راجع للطعام ، أي يطعمون الطعام مصحوبا بحبه ، أي مصاحبا لحبهم إياه وحب الطعام هو اشتهاؤه.

فالمعنى : أنهم يطعمون طعاما هم محتاجون إليه.

٣٥٦

ومجيء (عَلى) بمعنى (مع) ناشئ عن تمجز في الاستعلاء ، وصورته أن مجرور حرف (عَلى) في مثله أفضل من معمول متعلقها فنزل منزلة المعتلي عليه.

والمسكين : المحتاج. واليتيم : فاقد الأب وهو مظنة الحاجة لأن أحوال العرب كانت قائمة على اكتساب الأب للعائلة بكدحه فإذا فقد الأب تعرضت العائلة للخصاصة.

وأما الأسير فإذ قد كانت السورة كلها مكية قبل عزّة المسلمين ، فالمراد بالأسير العبد من المسلمين إذ كان المشركون قد أجاعوا عبيدهم الذين أسلموا مثل بلال وعمار وأمه وربما سيّبوا بعضهم إذا أضجرهم تعذيبهم وتركوهم بلا نفقة.

والعبودية تنشأ من الأسر فالعبد أسير ولذلك يقال له العاني أيضا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فكّوا العاني» وقال عن النساء «إنهن عوان عندكم» على طريقة التشبيه وقال سحيم عبد بني الحسحاس :

رأت قتبا رثّا وسحق عمامة

وأسود همّا ينكر الناس عانيا

يريد عبدا. وذكر القرطبي عن الثعلبي : قال أبو سعيد الخدري «قرأ رسول الله : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) فقال : المسكين الفقير ، واليتيم : الذي لا أب له ، والأسير : المملوك والمسجون». ولم أقف على سند هذا الحديث.

وبهذا تعلم أن لا شاهد في هذه الآية لجعل السورة نزلت بالمدينة وفي الأسارى الذين كانوا في أسر المسلمين في غزوة بدر.

وجملة (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) إلى آخرها مقول قول محذوف تقديره : يقولون لهم ، أي للذين يطعمونهم فهو في موضع الحال من ضمير (يُطْعِمُونَ) ، وجملة : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) مبينة لمضمون جملة انما نطعمكم لوجه الله.

وجملة انا نخاف من ربنا الى آخرها واقعة موقع التعليل لمضمون جملة لا نريد منكم جزاء ولا شكورا.

والمعنى : إنهم يقولون ذلك لهم تأنيسا لهم ودفعا لانكسار النفس الحاصل عند الإطعام ، أي ما نطعمكم إلّا استجابة لما أمر الله ، فالمطعم لهم هو الله.

فالقول قول باللسان ، وهم ما يقولونه إلّا وهو مضمر في نفوسهم. وعن مجاهد أنه قال : ما تكلموا به ولكن علمه الله فأثنى به عليهم.

٣٥٧

فالقصر المستفاد من (إِنَّما) قصر قلب مبني على تنزيل المطعمين منزلة من يظن أن من أطعمهم يمنّ عليهم ويريد منهم الجزاء والشكر بناء على المتعارف عندهم في الجاهلية. والمراد بالجزاء : ما هو عوض عن العطية من خدمة وإعانة ، وبالشكور : ذكرهم بالمزية.

والشكور : مصدر بوزن الفعول كالقعود والجلوس ، وإنما اعتبر بوزن الفعول الذي هو مصدر فعل اللازم لأن فعل الشكر لا يتعدى للمشكور بنفسه غالبا بل باللام يقال : شكرت لك قال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِي) [البقرة : ١٥٢].

وأما قوله : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) فهو مقول لقول يقولونه في نفوسهم أو ينطق به بعضهم مع بعض وهو حال من ضمير (يَخافُونَ) [الإنسان : ٧] أي يخافون ذلك اليوم في نفوسهم قائلين : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) ، فحكي وقولهم : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) وقولهم : (إِنَّا نَخافُ) إلخ. على طريقة اللف والنشر المعكوس والداعي إلى عكس النشر مراعاة حسن تنسيق النظم ليكون الانتقال من ذكر الإطعام إلى ما يقولونه للمطعمين ، والانتقال من ذكر خوف يوم الحساب إلى بشارتهم بوقاية الله إياهم من شر ذلك اليوم وما يلقونه فيه من النضرة والسرور والنعيم.

فيجوز أن يكون (مِنْ رَبِّنا) ظرفا مستقرا وحرف (مِنْ) ابتدائية وهو حال من (يَوْماً) قدم عليه ، أي نخاف يوما عبوسا قمطريرا حال كونه من أيّام ربنا ، أي من أيام تصاريفه.

ويجوز أن تكون (مِنْ) تجريدية كقولك : لي من فلان صديق حميم. ويكون (يَوْماً) منصوبا على الظرفية وتنوينه للتعظيم ، أي نخافه في يوم شديد.

و (عَبُوساً) : منصوبا على المفعول لفعل (نَخافُ) ، أي نخاف غضبان شديد الغضب هو ربنا ، فيكون في التجريد تقوية للخوف إذ هو كخوف من شيئين (وتلك نكتة التجريد) ، أو يكون (عَبُوساً) حالا (مِنْ رَبِّنا).

ويجوز أن تجعل (مِنْ) لتعدية فعل (نَخافُ) كما عدي في قوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) [البقرة : ١٨٢]. وينتصب (يَوْماً) على المفعول به لفعل (نَخافُ) فصار لفعل (نَخافُ) معمولان. و (عَبُوساً) صفة ل (يَوْماً) ، والمعنى : نخاف عذاب يوم هذه صفته ، ففيه تأكيد الخوف بتكرير متعلّقه ومرجع التكرير إلى كونه خوف الله لأن اليوم يوم عدل الله وحكمه.

٣٥٨

والعبوس : صفة مشبهة لمن هو شديد العبس ، أي كلوح الوجه وعدم انطلاقه ، ووصف اليوم بالعبوس على معنى الاستعارة. شبه اليوم الذي تحدث فيه حوادث تسوؤهم برجل يخالطهم يكون شرس الأخلاق عبوسا في معاملته.

والقمطرير : الشديد الصعب من كل شيء. وعن ابن عباس : القمطرير المقبض بين عينيه مشتق من قمطر القاصر إذا اجتمع ، أو قمطر المتعدي إذا شد القربة بوكاء ونحوه ، ومنه سمي السفط الذي توضع فيه الكتب قمطرا وهو كالمحفظة. وميم قمطرير أصلية فوزنه فعلليل مثل خندريس وزنجبيل ، يقال : قمطر للشر ، إذا تهيأ له وجمع نفسه.

والجمهور جعلوا (قَمْطَرِيراً) وصف (يَوْماً) ومنهم من جعلوه وصف (عَبُوساً) أي شديد العبوس.

وهذه الآية تعمّ جميع الأبرار وعلى ذلك التحم نسجها ، وقد تلقفها القصاصون والدعاة فوضعوا لها قصصا مختلفة وجاءوا بأخبار موضوعة وأبيات مصنوعة فمنهم من زعم أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب وفاطمة رضي‌الله‌عنهما في قصة طويلة ذكرها الثعلبي والنقاش وساقها القرطبي بطولها ثم زيفها. وذكر عن الحكيم الترمذي أنه قال في «نوادر الأصول» : هذا حديث مروّق مزيف وأنه يشبه أن يكون من أحاديث أهل السجون.

وقيل نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري ، وقيل في رجل غيره من الأنصار ، وقد استوفى ذلك كله القرطبي في تفسيره فلا طائل تحت اجتلابه ، وأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله أهل لأن ينزل القرآن فيهم إلّا أن هذه الأخبار ضعيفة أو موضوعة.

[١١ ـ ١٤] (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤))

تفريع على قوله : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) إلى (قَمْطَرِيراً) [الإنسان : ٧ ـ ١٠].

وفي هذا التفريع تلوين للحديث عن جزاء الأبرار وأهل الشكور ، وهذا برزخ للتخلص إلى عود الكلام على حسن جزائهم أن الله وقاهم شرّ ذلك اليوم وهو الشر المستطير المذكور آنفا ، وقاهم إياه جزاء على خوفهم إياه وأنه لقاهم نضرة وسرورا جزاء

٣٥٩

على ما فعلوا من خير.

وأدمج في ذلك قوله : (بِما صَبَرُوا) الجامع لأحوال التقوى والعمل الصالح كله لأن جميعه لا يخلو عن تحمل النفس لترك محبوب أو فعل ما فيه كلفة ، ومن ذلك إطعام الطعام على حبه.

و (لَقَّاهُمْ) معناه : جعلهم يلقون نضرة وسرورا ، أي جعل لهم نضرة وهي حسن البشرة ، وذلك يحصل من فرح النفس ورفاهية العيش قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) [القيامة : ٢٢] فمثل إلقاء النضرة على وجوههم بزجّ أحد إلى لقاء أحد على طريقة التمثيل.

وضمير الغائبة و (نَضْرَةً) مفعولا (لقى) من باب كسا.

وبين (وقاهم) و (لَقَّاهُمْ) الجناس المحرّف.

وجملة (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) ، عطف على جملة (فَوَقاهُمُ) وجملة (وَلَقَّاهُمْ) لتماثل الجمل الثلاث في الفعلية والمضيّ وهما محسنان من محسنات الوصل.

والحرير : اسم لخيوط من مفرزات دودة مخصوصة ، وتقدم الكلام عليه في سورة فاطر.

وكان الجزاء برفاهية العيش إذ جعلهم في أحسن المساكن وهو الجنة ، وكساهم أحسن الملابس وهو الحرير الذي لا يلبسه إلّا أهل فرط اليسار ، فجمع لهم حسن الظرف الخارج وحسن الظرف المباشر وهو اللباس.

والمراد بالحرير هنا : ما ينسج منه.

و (مُتَّكِئِينَ) : حال من ضمير الجمع في (جَزاهُمْ) ، أي هم في الجنة متكئون على الأرائك.

والاتكاء : جلسة بين الجلوس والاضطجاع يستند فيها الجالس على مرفقه وجنبه ويمد رجليه وهي جلسة ارتياح ، وكانت من شعار الملوك وأهل البذخ ، ولهذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمّا أنا فلا آكل متكئا» وتقدم ذلك في سورة يوسف [٣١] عند قوله تعالى : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً).

و (الْأَرائِكِ) : جمع أريكة بوزن سفينة. والأريكة : سرير عليه وسادة معها ستر وهو حجلته ، والحجلة بفتحتين وبتقديم الحاء المهملة على الجيم : كلّة تنصب فوق السرير لتقي

٣٦٠