التفسير المنير - ج ١

الدكتور وهبة الزحيلي

(تِلْكَ أُمَّةٌ) مبتدأ وخبر. (قَدْ خَلَتْ) صفة «لأمة» وكذلك (لَها ما كَسَبَتْ).

(بَلْ مِلَّةَ) منصوب بفعل مقدر ، وتقديره : بل نتبع ملة إبراهيم (حَنِيفاً) إما حال منصوب ، من إبراهيم ، لأن المعنى : بل نتبع إبراهيم أو منصوب بفعل مقدر تقديره : أعني ، إذ لا يجوز وقوع الحال من المضاف إليه.

(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ) الباء زائدة ، مثل قوله تعالى : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [يونس ١٠ / ٢٧] أي مثلها كالآية الأخرى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى ٤٢ / ٤٠].

و (ما آمَنْتُمْ) : «ما» مع الفعل بعدها في تأويل المصدر ، وتقديره : بمثل إيمانكم به أي بالله.

البلاغة :

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) معنى الاستفهام هنا : التقريع والتوبيخ ، وهو في معنى النفي ، أي ما كنتم شهداء ، فكيف تنسبون إليه ما لا تعلمون ولا شهدتموه أنتم ولا أسلافكم. (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) كنى بالموت عن مقدماته ، لأنه إذا حضر الموت نفسه لا يقول المحتضر شيئا. (آبائِكَ) مجاز للتغليب ، إذ شمل العلم وهو إسماعيل ، والجد وهو إبراهيم ، والأب وهو إسحاق.

(وَقالُوا : كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) فيه إيجاز بالحذف ، أي قال اليهود : كونوا يهودا ، وقال النصارى : كونوا أنصاري.

(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) فيه إيجاز ، أي يكفيك الله شرهم. والتعبير بالسين بدل سوف للدلالة على أن النصر عليهم قريب. (السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) من صيغ المبالغة ، ومعناه : الذي أحاط سمعه وعلمه بجميع الأشياء.

المفردات اللغوية :

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) «أم» هنا بمعنى «بل» وبمعنى همزة الإنكار والمعنى : أكنتم حضورا ، والهمزة بمعنى النفي ، أي ما كنتم شهداء ، وحضور الموت : حضور أماراته ومقدماته ، (بَعْدِي) بعد موتي.

(أُمَّةٌ) جماعة ، (خَلَتْ) مضت وذهبت (لَها ما كَسَبَتْ) ما عملت ، (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) أي أنتم مجزيون بأعمالكم.

(هُوداً أَوْ نَصارى) أو للتفضيل ، والهود : اليهود ، جمع هائد أي تائب ، وقائل الأول : يهود المدينة ، وقائل الثاني : نصارى نجران. (حَنِيفاً) مائلا عن الأديان كلها إلى الدين الحق القيم.

٣٢١

(قُولُوا : آمَنَّا) خطاب للمؤمنين. (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ) من الصحف العشر. (الْأَسْباطِ) واحدهم سبط أي ولد الولد ، والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب ، والشعوب من العجم ، وهم أولاد يعقوب (وَما أُوتِيَ مُوسى) وهو التوراة وما أوتي عيسى وهو الإنجيل (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود والنصارى.

(شِقاقٍ) خلاف معكم ، مأخوذ من الشق وهو الجانب ، فكأن كل واحد في شق غير شق صاحبه ، لما بينهما من عداوة.

سبب نزول الآية (١٣٣):

نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية؟.

وسبب نزول الآية (١٣٥):

هو ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال ابن صوريا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فأتبعنا يا محمد تهتد ، وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله فيهم : (وَقالُوا : كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا).

وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال : نزلت في رؤوس يهود المدينة : كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، وأبي ياسر بن أخطب ، وفي نصارى أهل نجران ، وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين ، كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله تعالى من غيرها ، فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء ، وكتابنا التوراة أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان ، وكفرت بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن ، وقالت النصارى : نبينا عيسى أفضل الأنبياء ، وكتابنا أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان ، وكفرت بمحمد والقرآن. وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين : كونوا على ديننا ، فلا دين إلا ذلك ، ودعوهم إلى دينهم.

٣٢٢

التفسير والبيان :

ما كنتم يا معشر اليهود المكذبين محمدا حاضرين حين احتضر يعقوب ، فلا تكذبوا عليه ، فإني ما أرسلت إبراهيم وبنيه إلا بالحنيفية وهي الإسلام ، وبه أوصوا ذريتهم. والدليل أن يعقوب قال لبنيه : أي شيء تعبدون بعد موتي؟ فأجابوه : نعبد إلهك الله الواحد الذي دلت الأدلة على وجوده ووحدانيته ، ولا نشرك به سواه. وهو إله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ونحن له منقادون خاضعون لحكمه. وجعلوا إسماعيل (وهو عمه) أبا ، تشبيها له بالأب ، وفي الحديث الصحيح عند الشيخين : «عم الرجل صنو أبيه».

ثم رد الله تعالى على اليهود أنهم نسل الأنبياء وحفدتهم ، فلا يدخلون النار إلا أياما معدودات ، بقوله : تلك أمة قد مضت بمالها وما عليها ، وجرت سنة الله في عباده ألا يجزى أحد إلا بعمله ، ولا يسأل عن عمل غيره ، كما قال تعالى : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى ، وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ، أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم ٥٣ / ٣٦ ـ ٣٩] وقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا بني هاشم ، لا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم». فكما أن هؤلاء السابقين لا ينفعهم إلا عملهم ، كذلك أنتم لا ينفعكم إلا أعمالكم.

وبعد أن بين الله تعالى أن دين الله واحد على لسان النبيين جميعا ، وأن على العرب وأهل الكتاب اتباع الإسلام الذي هو امتداد لدعوة الأنبياء السابقين ، وأن الخلاف في الجزئيات لا يغيّر من جوهر الدين. بعد هذا ندد المولى سبحانه بتمسك أهل الكتاب بفوارق الدين الجزئية ، فقال اليهود : كونوا مع اليهود في دينهم تهتدوا إلى الطريق السوي ، وقال النصارى : كونوا مع النصارى تصلوا إلى الحق ، وأتباع كل دين يدعون أن دينهم خير الأديان ، فأجابهم الله بقوله : تعالوا إلى ملة إبراهيم الذي تدّعون أنكم على دينه ، فهي الملة التي لا انحراف فيها

٣٢٣

ولا اعوجاج ، ولم يكن إبراهيم ممن يشرك بالله سواه من وثن أو صنم. وفي هذا تعريض بشركهم حين قالوا : عزيز ابن الله ، والمسيح ابن الله.

ثم أمر الله المؤمنين بأن يقولوا : آمنا بنبوة جميع الأنبياء والمرسلين مع الخضوع والطاعة رب العالمين ، فهو مصدر الأديان كلها ، فلا نكذب أحدا من الأنبياء ، بل نصدقه جملة واحدة ، ونؤمن بجوهر الدين وأصله الذي لا خلاف فيه ، ونشهد أن جميع الأنبياء رسل الله بعثوا بالحق والهدى ، فلا نفعل فعل اليهود الذين تبرؤوا من عيسى ومحمد عليهما‌السلام ، ولا نفعل فعل النصارى الذين تبرؤوا من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ونحن خاضعون لله ، مطيعون له ، مذعنون له بالعبودية ، وذلك هو الإيمان الصحيح ، أما أنتم فتتبعون أهواءكم ، فالمؤمن حقيقة : هو من يؤمن بكل الكتب والأنبياء ، ولا يفرق بين أحد من الرسل ، ويؤمن بكل ما جاء به الكتاب الإلهي ، فلا يؤمن بالبعض ، ويكفر بالبعض الآخر.

روى البخاري عن أبي هريرة أن أهل الكتاب كانوا يقرؤن والتوراة بالعبرية ، ويفسرونها للمسلمين بالعربية ، فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تصدّقوا أهل الكتاب ، ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله ...» الآية (١).

وروى ابن أبي حاتم عن معقل مرفوعا إلى النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «آمنوا بالتوراة والإنجيل ، وليسعكم القرآن».

فإن آمن أهل الكتاب الإيمان الصحيح بالله كما آمنتم ، فأقروا بوحدانية الله ، وصدقوا بما أنزل على النبيين والمرسلين ، فقد اهتدوا إلى الطريق المستقيم ، وإن تولوا وأعرضوا عما تدعوهم إليه يا محمد من الرجوع إلى أصل الدين ، وفرقوا بين رسل الله ، فصدقوا ببعض ، وكفروا ببعض ، فإن موقفهم موقف الشقاق

__________________

(١) تفسير القرطبي : ٢ / ١٤٠.

٣٢٤

(الخلاف) والنزاع والعداوة ، وإذا كان هذا موقفهم فسيكفيكم الله شرهم وأذاهم ومكرهم. وسيبدد شملهم ، وينصركم عليهم. وقد تحقق ذلك بقتل بني قريظة وسبي ذراريهم ، وإجلاء بني النضير إلى الشام ، وفرض الجزية على نصارى نجران ، والله هو السميع لما يقولون ولكل قول ، العليم بما يسرون من الحقد والحسد والبغضاء ، وبكل فعل.

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت آية : (قالُوا : نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ ...) الآية على أن دين الله واحد في كل أمة ، وعلى لسان كل نبي ، فهو دين التوحيد الخالص لله ، والإذعان لجميع الأنبياء ، كما قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ، وَما وَصَّيْنابِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ، وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى ٤٢ / ١٣].

ولقد حث القرآن على اتباع الدين الواحد الذي يقوم على أمرين :

الأول ـ التوحيد ونبذ الشرك والوثنية بمختلف الأنواع.

الثاني ـ الاستسلام لله والخضوع له في جميع الأعمال.

فمن لم يتصف بالأمرين معا فليس بمسلم ، ولا على نهج الدين القيم الذي دعا إليه الأنبياء ، ومنهم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فدين إبراهيم الحنيف هو الدين الذي دعا إليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأتباعه ، وكان إبراهيم حنيفا ، أي مائلا عن الأديان المكروهة إلى الدين الحق.

وكل ما يغاير هذا الأصل ، فيدعو إلى الإشراك ومخالفة ملة إبراهيم ، بجعل عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، فهو من المشركين.

وكل المعبودات من دون الله جمادات كالأوثان والنار والشمس والأحجار.

٣٢٥

ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ، كما دلت آية (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة ٢ / ١٣٤]. وآية (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام ٦ / ١٦٤] أي لا تحمل ثقل ذنب أخرى.

قال الجصاص عن آية (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) : يدل على ثلاثة معان :

أحدها ـ أن الأبناء لا يثابون على طاعة الآباء ولا يعذبون على ذنوبهم ، وفيه إبطال مذهب من يجيز تعذيب أولاد المشركين بذنوب ، الآباء ، ويبطل مذهب من يزعم من اليهود أن الله تعالى يغفر لهم ذنوبهم بصلاح آبائهم. وقد ذكر الله تعالى هذا المعنى في نظائر ذلك من الآيات ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) [الأنعام ٦ / ١٦٤](وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام ٦ / ١٦٤] وقال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور ٢٤ / ٥٤] ، وقد بين ذلك النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال لأبي رمثة ، ورآه مع ابنه : أهو ابنك؟ فقال : نعم ، قال : «أما إنه لا يجني عليك ، ولا تجني عليه» وقال عليه‌السلام : «يا بني هاشم لا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم ، فأقول: لا أغني عنكم من الله شيئا» وقال عليه‌السلام : «من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» (١).

أما الأسباط : فهم ولد يعقوب عليه‌السلام ، وهم اثنا عشر ولدا ، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس ، واحدهم سبط ، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل. وسمّوا الأسباط من السّبط وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون. قال ابن عباس : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوحا وشعيبا وهودا وصالحا ولوطا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولم يكن أحد له اسمان إلا عيسى ويعقوب.

__________________

(١) أحكام القرآن للجصاص : ١ / ٨٤

٣٢٦

وأرشدت الآية (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) إلى أن الله ناصر عبده ورسوله محمدا على أعدائه ، وكان هذا وعدا من الله تعالى لنبيه عليه‌السلام أنه سيكفيه من عانده ومن خالفه من المتولّين ، بمن يهديه من المؤمنين ، فأنجز له الوعد ، وكان ذلك في قتل بني قينقاع وبني قريظة ، وإجلاء بني النضير.

قال الجصاص : هذا إخبار بكفاية الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر أعدائه ، فكفاه مع كثرة عددهم وحرصهم ، فوجد مخبره على ما أخبر به ، وهو نحو قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(١) [المائدة ٥ / ٦٧].

والمؤمن هو الذي يثق بوعد الله وبتأييده ، ويخشى الله ويتقيه ، لأنه المهيمن على كل شيء في هذا الوجود ، وهو السميع لقول كل قائل ، العليم بما ينفذه في عباده ويجريه عليهم.

صبغة الإيمان وأثره في النفوس والعبودية لله تعالى

(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١))

__________________

(١) المرجع والمكان السابق.

٣٢٧

الإعراب

(صِبْغَةَ اللهِ) أي دين الله ، مصدر مؤكد لآمنا ، وهو إما منصوب بفعل مقدر ، تقديره : اتبعوا صبغة الله ، أو منصوب على الإغراء ، أي عليكم صبغة الله ، أو منصوب بدلا من قوله تعالى : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ). (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) أي دنيا ، و (صِبْغَةَ) منصوب على التمييز ، كقولك : زيد أحسن القوم وجها.

والجمل الثلاث وهي (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ ، وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ، وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) أحوال.

البلاغة :

(صِبْغَةَ اللهِ) سمي الدين صبغة بطريق الاستعارة ، حيث تظهر سمته على المؤمن ، كما يظهر أثر الصبغ في الثوب.

(أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) استفهام إنكاري بقصد التوبيخ والتقريع.

المفردات اللغوية :

(صِبْغَةَ اللهِ) الصبغة في اللغة : اسم لهيئة صبغ الثوب ، وجعله بلون خاص ، فهي الحالة التي عليها الصبغ ، والمراد بها هنا الإيمان أو دين الله الذي فطر الناس عليه ، لظهور أثره على صاحبه ، كالصبغ في الثوب. والإيمان أو الدين مطهر للمؤمنين من أدران الشرك ، وهو حلية تزينهم بآثاره الجميلة ، وهو متداخل ومنتشر في قلوب المؤمنين ، كما يتداخل الصبغ. وبه يتبين أن الإيمان يشبه الصبغة في التطهير والحلية والتداخل.

(أَتُحَاجُّونَنا) أتجادلوننا وتخاصموننا (فِي اللهِ) أن اصطفى نبيا من العرب. (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) فله أن يصطفي من عباده من يشاء (وَلَنا أَعْمالُنا) نجازى بها (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) تجازون بها (مُخْلِصُونَ) الدين والعمل ، لا نبغي بأعمالنا غير وجه الله، فنحن أولى بالاصطفاء.

سبب نزول الآية (١٣٨):

قال ابن عباس : إن النصارى كان إذا ولد لأحدهم ولد ، فأتى عليه سبعة أيام ، صبغوه في ماء لهم ، يقال له : المعمودي ، ليطهروه بذلك ، ويقولون :

٣٢٨

هذا طهور ، مكان الختان ، فإذا فعلوا ذلك ، صار نصرانيا حقا ، فأنزل الله هذه الآية (١).

التفسير والبيان :

علّم الله المؤمنين وأمرهم في الآية السّابقة (١٣٦) أن يقولوا : آمنّا بالله وكتبه ورسله ، لا نفرّق بين أحد من رسله وكتبه ، وأمرهم أيضا في هذه الآية أن يقولوا : صبغنا الله وفطرنا على الاستعداد للحقّ والإيمان بما جاء به الأنبياء ، وهل هناك صبغة أحسن من صبغة الله الحكيم الخبير؟! ومن صبغة الإسلام ، فالله هو الذي يصبغ عباده بالإيمان ، ويطهرهم به من أدران الشرك ، فلا نتبع صبغة أحد من الزعماء والأحبار ، فهي صبغة بشرية مزيفة تفرق الدين الواحد ، وتمزق الأمة أحزابا متنافرة.

ونحن لله الذي أنعم علينا بالنعم الجليلة التي منها نعمة الإسلام والهداية عابدون لا نعبد سواه ، ومخلصون وقانتون ، فلا نتخذ الأحبار والرهبان أربابا يزيدون في الدين وينقصون ، ويحللون ويحرّمون ، ويمسحون من النّفوس صبغة التوحيد ، ويضعون فيها صبغة الشرك بالله.

ثم أمر الله نبيّه بأن يقول لأهل الكتاب : أتجادلوننا في دين الله ، وتدّعون أن الدين الحقّ هو اليهودية والنصرانية ، وتتأملون بهما دخول الجنة ، وتقولون أحيانا : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة ٢ / ١١١] ، وأحيانا تقولون : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [البقرة ٢ / ١٣٥].

ومن أين لكم هذه الدّعاوى وادّعاء الهداية والقرب من الله دوننا ، والله ربّنا

__________________

(١) تفسير الكشاف للزمخشري : ١ / ٢٤١ ، أسباب النزول للواحدي : ص ٢٢ ، تفسير القرطبي : ٢ / ١٤٤.

٣٢٩

وربّكم وربّ العالمين ، لا فرق بيننا وبينكم في العبودية لله ، فهو خالقنا وخالقكم ، ومالك أمرنا وأمركم ، ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم الحسنة والسيئة ، والله يجازي كل إنسان بعمله ، فلا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى والعمل الصالح ، أما أنتم فقد اعتمدتم على أسلافكم الصالحين ، وزعمتم أنهم شفعاء لكم ، وأما نحن فنعتمد على إيماننا وعملنا ، ونحن لله مخلصون في تلك الأعمال ، لا نقصد بها إلا وجهه ، فكيف تدّعون أن لكم الجنة والهداية دون غيركم؟!

وكيف تقولون : إن اختصاصكم بالقرب من الله دوننا هو من الله ، أو تقولون : إن امتيازكم باليهودية أو النصرانية التي أنتم عليها هو لأن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط الأنبياء كانوا يهودا ، أو كانوا نصارى ، فأنتم مقتدون بهم؟ وهذا ادّعاء كاذب ، فإن هذين الاسمين إنما حدثا فيما بعد ، فما حدث اسم اليهودية إلا بعد موسى ، وما حدث اسم النصرانية إلّا بعد عيسى؟

والمراد إنكار ادّعاء الطرفين وتوبيخهم على كلا الأمرين ، وهل أنتم تعلمون بالمرضي عند الله ، أم أن الله أعلم بما يرضيه وما يتقبله؟ لا شك أن الله هو العليم بذلك دونكم ، وقد ارتضى للناس ملّة إبراهيم ، وأنتم تعترفون بذلك ، وكتبكم تصدقه قبل أن تجيء اليهودية والنصرانية ، فلما ذا لا ترضون هذه الملّة؟

ولا أحد أشدّ ظلما ممن يكتم شهادة ثابتة عنده من الله ، وهي شهادته تعالى لإبراهيم ويعقوب بالحنيفية المسلمة ، والبراءة من اليهودية والنصرانية ، وشهادته تعالى المثبتة في كتاب الله التي تبشر بأن الله يبعث في الناس نبيّا من بني إخوتهم ، وهم العرب أبناء إسماعيل.

قال الزمخشري : ويحتمل معنيين :

أحدهما ـ أن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم ؛ لأنهم كتموا هذه الشهادة ، وهم عالمون بها.

٣٣٠

والثاني ـ أنّا لو كتمنا هذه الشهادة ، لم يكن أحد أظلم منّا. وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنّبوة في كتبهم ، وسائر شهاداته (١).

وليس الله غافلا عن أعمالكم ، فهو محصيها ومجازيكم عليها ، وفي ذلك وعيد وتهديد ، عقب التقريع والتوبيخ.

تلك جماعة الأنبياء لها ما كسبت من الأعمال الحسنة ، ولكم ما كسبتم من العمل الحسن ، ولا يسأل أحد عن عمل غيره ، بل يسأل عن عمل نفسه ، فلا يضره ولا ينفعه سواه ، فأنتم لا تسألون عن أعمال السابقين ، وهم لا يسألون عن أعمالنا ، تلك قاعدة الأديان التي أقرتها العقول ، وهي المسؤولية الشخصية أو الفردية ، كما قال تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم ٥٣ / ٣٨ ـ ٣٩]. كرّر الحقّ سبحانه هذه القاعدة وهذه الآية بمناسبات متعددة ، فقد ذكرت في الآية السابقة (١٣٤) للمبالغة عما يفتخرون به من أعمال الآباء ، والاتّكال على الماضي ، وهذا شأن الخامل الضعيف الذي ينظر إلى الماضي ، ويتكاسل عن المستقبل.

وكرر الله أيضا قوله في مواطن كثيرة : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) لتأكيد الجزاء والحساب ورصد الأعمال ، وذلك هو العدل المطلق بين الخلائق ، قال أبو حيان : ولا تأتي الجملة إلّا عقب ارتكاب معصية ، فتجيء متضمنة وعيدا ، ومعلمة أن الله لا يترك أمرهم سدى (٢).

فقه الحياة أو الأحكام :

نبذ الإسلام كلّ الصّور والهياكل والطقوس الفارغة كالمعمودية عند النصارى ونحوها ، وأعلن بكل صراحة أن المعول عليه هو ما فطر عليه النفوس من الإقرار

__________________

(١) الكشاف : ١ / ٢٤٢.

(٢) البحر المحيط : ١ / ٤١٦ ، ط الرياض.

٣٣١

بوحدانية الله ، وإخلاص العمل لله ، وحبّ الخير والاعتدال في الأمور ، كما قال سبحانه : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم ٣٠ / ٣٠].

وإن روح الدّين التوحيد ، وأساسه الإخلاص ، وهذا ما دعا إليه جميع الأنبياء ، وجدد الدعوة إليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعوته أو شريعته مكملة لدعوة وشريعة إخوانه النبيين والمرسلين.

أما الدعاوي الرخيصة ، والأكاذيب المفتراة ، والأماني التي لا تعتمد على برهان ، مما صدر من اليهود والنصارى ، فكل ذلك باطل بالحجج الثلاث التي دحض بها القرآن كل ما ذكر وهي قوله : (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) [البقرة ٢ / ١٣٩] ، وقوله : (أَمْ تَقُولُونَ : إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) [البقرة ٢ / ١٤٠] ، وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) [البقرة ٢ / ١٤٠].

ولا تكون النجاة بالاعتماد على أعمال الآخرين من الأسلاف وغيرهم ، ولا على شفاعة الصالحين دون انتفاع بهديهم وسنتهم ، وإنما السعادة والنجاة بالعمل الصالح. وأساس الصلاح إخلاص العبادة لله ، وحقيقة الإخلاص : تصفية الفعل عن مراءاة المخلوقين.

وقد أكّدت هذه الآيات أمرين عظيمين جدا هما :

الأوّل ـ أن المسؤولية الشخصية أساس الحساب ، ومناط الجزاء والعقاب ، وهذا ما تفاخر به الشريعة الإسلامية التي جاءت ناقضة لأعراف الجاهلية عند العرب والرومان من توجيه المسؤولية لغير الجاني الحقيقي.

الثاني ـ أن أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بعملهم وكسبهم ، فغيرهم من الناس العاديين أحرى وأولى.

انتهى الجزء الأول

٣٣٢

فهرس

الجزء الأول

 الموضوع

 الصفحه

تقديم........................................................................ ٥

خطة البحث.................................................................. ٩

بعض المعارف الضرورية المتعلقة بالقرآن.......................................... ١٣

أولاً ـ تعرف القرآن وکفة نزوله وطريقة جمعه................................. ١٣

ثانياً ـ طريقة كتابة القرآن والرسم العثماني..................................... ٢٤

ثالثاً ـ الأحرف السبعة والقراءات السبع....................................... ٢٦

رابعاً ـ القرآن كلام الله وأدلة الإثبات بوجوه الإعجاز............................ ٢٨

خامساً ـ عربية القرآن وترجمته إلى اللغات الأخرى.............................. ٣٤

سادساً ـ الحروف التي في أوائل السور ـ الحروف المقطعة.......................... ٣٨

سابعاً ـ التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية في القرآن............................. ٣٩

فوائد في عدد الأجزاء والسور والآات وأنواعها................................. ٤٣

الاستعاذة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...................................... ٤٤

البسملة : بسم الله الرحمن الرحيم.............................................. ٤٦

أمل ودعاه وغاية............................................................. ٤٩

الجزء الأول

سورة الفاتحة................................................................. ٥٣

ما اشتملت عليه السورة.................................................... ٥٣

٣٣٣

أسماءها.................................................................. ٥٣

فضلها................................................................... ٥٤

اللغويات (الإعراب ، البلاغة ، المفردات اللعوية).............................. ٥٥

آراء العلماء في الجهر والإسرار بالتأمين....................................... ٥٧

التفسير والبيان............................................................ ٥٨

فقه الحياة أو الأحكام...................................................... ٦٢

سورة البقرة.................................................................. ٦٨

ما استملت عليه السورة.................................................... ٦٨

سبب التسمية............................................................ ٧٠

فضلها................................................................... ٧١

صفات المؤمنين وجزاء المتقين................................................... ٧١

صفات الكافرين............................................................. ٧٦

صفات المنافقين.............................................................. ٧٩

إيراد الأمثال للمنافقين........................................................ ٨٩

الأمر بعبادة الله وحده والأسباب الموجبة لها...................................... ٩٤

تحدى الجاحدين بالإتيان بمثل أقصر سورة من القرآن.............................. ٩٩

جزاء المؤمنين العاملين....................................................... ١٠٤

فائدة ضرب الأمثال للناس في القرآن.......................................... ١٠٨

مظاهر قدرة الله بخلق الإنسان وإماتته وخلق الأرض والسماء...................... ١١٦

استخلاف الإنسان في الأرض وتعليمه اللغات................................. ١٢٢

التكريم الألهي السامي لأدم بسجود الملائكة له................................. ١٣٢

آدم وحواء في الجنة وموقف الشيطان منهما.................................... ١٣٦

٣٣٤

قصة آدم عليه السلام.................................................... ١٤٤

العظة من قصة آدم عله السلام........................................... ١٤٦

ما طلب من بنى اسرائيل..................................................... ١٤٧

نماذج من سوء أخلاق اليهود................................................ ١٥٣

نعم الله تعالى العشر على اليهود.............................................. ١٥٨

تتمة النعم العشر على بن اسرائيل............................................ ١٦٤

مطامع اليهود وبعض جرائهم وعقوباتهم....................................... ١٧٢

عاقبة المؤمنين بنحو عام..................................................... ١٧٦

بعض جرائم اليهود وعقابهم.................................................. ١٧٩

قصة ذبح البقرة............................................................ ١٨٥

قسوة قلوب اليهود......................................................... ١٩٣

استبعاد إيمان اليهود........................................................ ١٩٥

تحريف أحبار اليهود وافتراءاتهم............................................... ٢٠١

مخالفة اليهود المواثيق........................................................ ٢٠٧

بعض حالات مخالفة اليهود الميثاق............................................ ٢١٣

موقف اليهود من الرسل والكتب المنزلة........................................ ٢١٨

كفرهم بما أنزل الله وقتلهم الأنبياء............................................ ٢٢٣

تكذيب ادعائهم الإيمان بالتوراة.............................................. ٢٢٦

حرص اليهود على الحياة.................................................... ٢٢٩

موقف اليهود من جبريل والملائكة والرسل...................................... ٢٣٢

كفرهم بالقرآن ونقضهم العهود.............................................. ٢٣٧

اشتغال اليهود بالسحر والشعوذة والطلاسم.................................... ٢٤١

٣٣٥

حكم السحر........................................................... ٢٤٩

الفرق بين معجزات الأنبياء عليهم السلام وبين السحر....................... ٢٥٠

أدب الخطاب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصدر الاختصاص بالرسالة....... ٢٥٤

إثبات نسخ الأحكام الشرعية................................................ ٢٥٨

وقوع النسخ............................................................ ٢٦٣

أنواع النسخ............................................................. ٢٦٥

موقف أهل الكتاب من الؤمنين وكيفية الرد عليه................................ ٢٦٩

رأى كل فريق من اليهود والنصارى في الآخر................................... ٢٧٣

ظلم مانع الصلاة في المساجد وصحة الصلاة في أي مكان....................... ٢٧٨

حكم الخطاء في الاتجاه لغير القبلة.......................................... ٢٨٢

صلاة النافلة على الراحلة................................................. ٢٨٣

الصلاة على الغائب..................................................... ٢٨٤

المقصود بوجه الله في القرآن والسنة......................................... ٢٨٤

افتراءات أهل الكتاب والمشركين بنسبة الولدلله والمطالبة بتكلية الناس.............. ٢٨٥

التحذير من اتباع اليهود والنصارى............................................ ٢٩٣

تذكير بالنعمة وتخويف من الآخرة............................................. ٢٩٩

اختبار إبراهيم عليه السلام وخصائص البيت الحرام وفضائل مكة................. ٣٠١

الصلاة على ظهر الكعبة................................................. ٣١١

بناء البيت الحرام ودعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام......................... ٣١١

سفاهة من يرغب عن ملة إبراهيم عليه السلام................................. ٣١٦

إبطال دعوى اليهود أنه على دين إبراهيم ويعقوب عليهما السلام................. ٣٢٠

صبغة الإيمان وأثره في النفوس والعبودية لله تعالى................................ ٣٢٧

فهرس الجزء الأول.......................................................... ٣٣٣

٣٣٦