الماء - ج ١

أبو محمّد عبدالله بن محمّد الأزدي [ ابن الذهبي ]

الماء - ج ١

المؤلف:

أبو محمّد عبدالله بن محمّد الأزدي [ ابن الذهبي ]


الموضوع : الطّب
الناشر: مؤسسة مطالعات تاريخ پزشكى ، طب اسلامي ومكمل
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

شاعت وأصبحت جزءا من الصناعة الطبية في عصره ، فهو يذكرها باسمها الشائع وتحت الجذر الأعجمي كالمالنخوليا ، والأسطقس "العنصر" والكيموس "وهو ما يتحلل اليه الغذاء في المعدة" وأشباه ذلك.

التحقيق

لقد اعتبرت النسخة الأولى الموصوفة قبل قليل أُمّا لأنها كاملة وقديمة وعليها حواش لطبيب نسخها وطبيب قرئت عليه كما جاء في آخرها.

واعتبرت النسخة الثانية مساعدة ، ورمزت لها بالحرف "م".

ثم قمت بضبط الكلمات بالحركات تيسيرا على القارىء المعاصر ، خاصّة أن بعض الألفاظ مما طال العهد بالبعد عنه فأصبح على شيء من الغرابة التي تحوج الى تلك الحركات.

وفي الحواشي التي وضعتها لكل باب على حدة حيث تأتي في آخر كل حرف حواشيه .. فقد قمت بشرح الألفاظ والمصطلحات الطبية مستعينا بالمصادر المتخصصة في ذلك ومستفيدا من بعض من الأصدقاء الأطباء والصيادلة والمعنيين بطب الأعشاب والعلاج الطبيعي.

وكذلك عنيت بتخريج الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة ونصوص الشعر من الشواهد التي استشهد بها المؤلف على المعاني التي يذكرها.

وبذلك اعتقد ان عملية تحقيق الكتاب قد حققت نتائجها بتقريب هذا الكتاب الثمين الى القارئ المعاصر .. وإلى الطبيب العربي الجديد الذي يجد بين يديه مادة علمية ستغير كثيرا من المفاهيم كما ستساعد على نقل" الطب

٢١

العربي الحديث" الى مرحلة أكثر تقدما وملاءمة للبيئة العربية إذا ما تم إخضاع مادة هذا الكتاب الى التجارب المختبرية .. خاصة أن المؤلف يؤكد في مواضع عديدة على أن العلاجات الواردة في الكتاب قد خضعت للتجربة فعلا. ولا يفوتني ، من قبل أن أختم هذه المقدّمة الموجزة ، أن أتقدّم بشكر لا تفيه العبارات الى الشّيخ الجليل بن عاشور أحمد بن عبد القادر التّيهرتيّ ، الذي فتح لي بيته العامر في مدينة وهران ، بعد رحيله إليها من غِزدايَة ، وأتاح لي أن أنسخ نسختي هذا الكتاب الثّمين .. مع كتب أخرى ، آمل أن ترى النّور قريبا .. إن شاء الله.

كما لا أنسى أن أتقدّم بوافر الشّكر والتّقدير الى وزارة التّراث القوميّ والثّقافة في سلطنة عمان ، على ما بذلتْه من جهد لا ينسى في تيسير طباعة هذا الكتاب ونشره.

والله أسأل أن يَكلأ الجميع بعين عطفه ورعايته.

ومن الله ، سبحانه ، التّيسير.

دكتور

هادي حسن حمّودي

لندن ١٤١٦ للهجرة / ١٩٩٥ للميلاد

٢٢

٢٣

٢٤

مقدّمة المؤلّف

٢٥

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

اللهمّ ، كَلَّ لساني عن حمدك ، واستَوْجَبَتْ نفسي العقوبةَ على ما فَرَّطْتُ في حقّك.

اللهمّ ، بك أستغيثُ من الضَّلال والشَّطَط ، وأسألك العفو عن الزَّلَل والسَّقَط ، وأدعوك بما دعاك به بعضُ المُصلَحين من عبادك ، إذ لجأ إلى حمدك مستجيبا ، ودعاك برحمتك مستنيبا ، فقال :

الحمد لله الذي ابتدع بقدرته الخلقَ ابتداعا ، واخترعهم على مشيئته اختراعا ، وجعل لكلّ رُوح منهم قُوتا معلوما ، ورزقا مقسوما ، فأجرى عليه طيّبات العافية ، وهَنِيّات الرّزق ، واختار له محاسن الخلق ، وجعل له الفضيلة بتسخير ما في الأرض لخدمته ، وركّب فيه آلات البسط ، وجعل له أدوات القبض ، ومتَّعه بأرواح الحياة ، وأثبت فيه جوارح الأعمال ، وعلّمه حفظ الصّحّة المَرهونة بالآجال ، وأغناه بكرمه ، وأقناه بمنّه ، ليبتغي من فضله ، ويتسبّب الى رزقه ، ويسرح في أرضه ، طلبا لما فيه نَيلُ الحلال العاجل من دنياه ، ودَرْك الثّواب الآجل في أُخراه. فلم يَزَل يتصرّف فيه من سلامة البدن ، في وقت الصّحّة التي هنَأه فيها طيّبات رزقه ، وبما أحدث به من علّة في جسده ، يُمَحِّصُه بها تخفيفا لما ثقل على ظهره من الخطيئات ، وتطهيرا لما

٢٦

انغمس فيه من اللّمم والسّيئات.

وهو الّذي جعل الصّحّة مُنَّة منه وفضلا ، فقال ، عَزَّ مِن قائل : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (١). وقال ، جلّ وعزّ : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (٢).

وأَمَرَ النّبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتّداوي ، فقال : (تداووا ، فإنّ الله ، عزوجل ، لم يضع داءً إلّا وضع له دواءً ، عَلِمَه مَن عَلِمَه وجهله مَنْ جهله) (٣). وقد أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم باتّخاذ أحذَق الطّبيبين (٤).

وبعد ..

فإنّي لمّا رأيت أبا عبد الرّحمن الخليل بن أحمد ، رحمه‌الله ، قد أغرب في كتاب" العين" فَبَزَّ به مَن كان قبله ، وعَنَّى به من جاء بعده ، وجعله خالصا للغة العرب وبيانها ، وأحصى فيه ألفاظها ومعانيها ، وسمّاه بأول أبوابه .. ولمّا كان الغالبَ على أبناء صَنْعَتِنا اللّحنُ والغَلَطُ ، وقد تفشَّت فيهم العُجْمة والشَّطَط ..

عزمْتُ على أن أكتب كتابا يجمع بين الطّبّ والعربيّة ، ويضُمُّ الأمراض والعلل والأدواء ، وما يجب أن يتأتّى لها من العلاجات والأدوية .. فأنشأتُ كتابي هذا على حروف اللّغة مبتدئا بالهمزة فالباء فالتّاء ، حتّى آخر الحروف وهو الياء. ورتَّبْتُه على الثّلائيّ في جميع مادّته ، تيسيرا للطَّلَب ، وتسهيلا لمن رغب. وسمّيتُه" كتابَ الماء" باسم أوّل أبوابه ، على نحو ما رسمه أبو عبد الرّحمن الخليل ، رحمه‌الله.

وجعلته مختصرا لا يُمِلّ ، ونافعا من حيث لا يُخِلّ ، لمن شاء أن يتعرَّف داءً أو دواءً. وقد ألزمني ذلك أن أذكر أسماء النّبات والحيوان وأعضاء بدن الإنسان ، ممّا يوجيه ذكرُ الدّاء أو الدّواء.

٢٧

وأردتُه نافعا لمن سَمَتْ به هِمّته ، من غير الأطبّاء ، إلى أن يتعرّف صنعة الطّبّ ، ويتشوَّف إلى معنى حديث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ما وضع الله داء إلّا وضع له دواء). ومُسعِفاً للطّبيب الرّاغب في تعريب لسانه ولوازم صنعته وآلات مهنته.

فلقد بلغنا عن أطبّاء عصرنا ومتطبِّبيه (٥) ، وصيادلته وعطّاريه ، وأهل الجِراحة والتّشريح والكحّالين ، ما بَلَغَنا من خروجهم على لغة العرب ، وتفضيلهم لكلام العجم ، يتمادَحون بذلك فيما بينهم ، ويُغْمِضون فيه أمام مرضاهم ، إظهارا لقدرة لا تستحقّ الإظهار ، وعجمة (٦) لا تستوجِب الافتخار (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (٧). فجهدت جَهدي أن أعيد الأعجميّ من لفظ الأطبّاء إلى رسوم لسان العرب.

وقد عَوَّلْتُ في هذا الكتاب على ما اختبرتُه بنفسي ، وما أفاضَه عليّ الشّيوخ الأطبّاء الكبار ، فأوّلهم استحقاقا للتّنويه الشّيخ العلّامة ابن سينا ، فله على كلّ كلمة ، هاهنا ، عارفةٌ ، وعلى كلّ علم نَوَّلنيه طارِفة. فمنه أخذْتُ معظمَ أبواب صنعة الطّبّ.

وعن أبي عبد الرّحمن الخليل بن أحمد أفدتُ تعريبَ ما كنت أَصَّلتُ من أسماء ومسمَّيات.

فإليهما فضل ما في هذا الكتاب من طبّ نافع ، ومعنى شافع .. وبه ، جلّ وعزّ ، استعنت وبه أستعين.

فالحمد لله الذي علّمني حمده ، وأوزعني أن أشكر نعمته التي أنعم عليّ ، وأعوذ به أن أروم ما ليس لي بحقّ ، أو أقول في العلم بغير علم ، أو أنطوي على غشّ أحد من الأنام ، أو يأخذني العُجْبُ بما نوَّلَتْنِيه الأيّام .. فعليه أتوكّل ، وأبتدئ الكلام على الماء ، فأقول :

٢٨

حواشي مقدّمة المؤلف

(١) الإسراء ٨٢.

(٢) الشّعراء ٨٠.

(٣) ينظر الطّبّ النّبويّ ٨.

(٤) ينظر المسند ٣ / ١٥٦. وسنن ابن ماجة" كتاب الطّبّ".

(٥) قد يطلق لفظ" المتطبّبين" ويراد به الدُّخلاء على صنعة الطّبّ.

(٦) م : وهي عجمة.

(٧) النّحل ١٠٣.

٢٩

الماء

اعْلَمْ ، رحمك الله ، أنّ الماء كلمةٌ هكذا على حِيالها ، ذَكروا أنّ همزتها مُنقلبة عن هاء ، لأنّ تصغيرها مُوَيْه وجمعها أَمْوَاهٌ ومِيَاه. والذى فى القرآن «مَاء» فى نيّف وستّين موضعاً. قال جلّ وعزّ : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) ماءً (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) (١) وقال ، جل مِنْ قائلٍ : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ) ماءً (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٢) وقال : (وَجَعَلْنا مِنَ) الْماءِ (كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (٣) أى سرُّ الحياة المَاءُ ، الحياة الدُّنيا والحياة الآخرة ، فقال جلّ ثناؤه : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ) ماءٍ (غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) (٤) وقال ، فى صفة أهل النّار : (وَسُقُوا) ماءً (حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (٥).

ولا نعلم شيئا يخلو من الماء ، إلّا ما يُضادُّ جوهرَه وطبيعته ، أعنى النّار التى تؤثِّر فى المَاء تسخيناً وتبخيراً ، ويؤثّر فيها إطفاءً وإماتةً.

والمَاء بارد باتّفاق ، ولكنّ العلماءَ اختلفوا فى أىّ درجةٍ بُرودتُه ، فقيل فى الأُولى ، وقيل فى آخرها إذا لم يُخالطه شىء يوجِب له بَرْداً زائدا أو حَرّاً ويُبْساً إلى غير ذلك.

وقيل انّ رطوبته فى الغاية ، وكذلك بَرْدُه ، لكنّه كالغذاء وإنْ لم يغْذُ ، فلا يَفسد فسادَ الأطعمةِ والأغذية التى هو مُفسِدٌ لها إنْ طالَ مكثُه فيها.

وذكر حكماء اليونان أنّه بارد فى الرّابعة ، فاعترض عليهم بالأفيون فإنّه بارد فى الرّابعة ، ولذا فهو قاتل ببَرْدِه ، فكيف لا يقتل المَاءُ؟ وكيف صارَ القليل من

٣٠

الأفيون يؤثّر فى البدَن أثَراً ظاهِراً ، والكثير من المَاء لا يؤثِّر ، بل يَنْتفِع به؟ وكيف يكون الأفيون أبردَ من المَاء ، والماءُ أحدُ مُفْرداته؟

فأقول :

المَاء أحد الأُسْطُقْسات (٦) وكل واحدٍ منها مُتجاوز فى طبْعه درجات الأدوية تجاوزاً كبيراً (٧). فالمَاء ليس فى درجة من الدّرجات الأربع ، فهو فى برده ورُطوبته خارجٌ عنها جدّاً ، وأكثر برداً ورطوبةً من الأشياء المركَّبه. وإنّما صار لا يقتُل لأنّ بَردَه ورطوبته بفعلِه. ومعلوم أنّ فى بدن الإنسان حرارة بالفِعْل ، ومعلومٌ كذلك أنّ الحارّ بالفِعْلِ يعْدِلُه الباردُ بالفِعْلِ ، فلهذا صار الماءُ لا يقتُل. وأمّا البارِدُ بالقوَّة فلا يُلائمُ الحارَّ بالفِعْل. فالماءُ إذا وَرَدَ البدَنَ صار أحد الأُسْطُقْسات فأَحياهُ.

وأما الأفيون فليس كذلك ، ولا بَرْدُه بالفِعْل ، فهو مُعانِد للحارّ الذى فى أبداننا لا يُمازجه فيبرِّدُه ويُعَدِّلُه ، بل يُجَمِّده ويُطْفيه ، لأنّه يَحبِس الدَّمَ بأْنْ يَجرى من الأُذَين الأيمن من أُذُنَى القلب الى الأُذَين الأيسر ، ويمنع ما يسرى فى الشّريان الى الأعضاء من الحرارة التى بها الحياة لأنّه بطبعه يمنع ما يسيل الى العُضْو وما يسيلُ منه.

وأمّا الماء فإنّه يلائم الحارّ الغَريزىّ ويُمازجه ويتّحد به ، ويُعِين ما ينبعث من الأذَين الأيمن إلى الأذين الأيسر من أُذُنَى القلب. ولذلك فإذا شرب إنسانٌ ماء بارداً عن حاجةٍ فى وقت صائفٍ اعتدَل مزاجُ قلبه والتَذَّ به.

وأمّا الأفيون فإنّ الإنسان إذا شَمَّه أو تناوله أسْبَتَهُ وكَدَّرَ حاسّاته.

والماء طاهِرٌ مُطَهِّرٌ مُنَقِّ للأوساخ ظاهراً وباطِناً ، ومُطَيِّبٌ مُحَسِّنٌ للمنظر ، وهو أوّل ما ينبغى التّطَيُّبُ به. ويُرْوَى أنّه (ص) قال يوماً لأصحابه : كيف تقولون

٣١

ليس الطّيب إلّا المِشك؟ ليس الطِّيبُ إلّا الماء.

فإنّ الماء أطيبُ الطّيب لأنّ أكثر الطّيوب إنّما تظهر رائحتُها بالماء ، وفى الماء ما ليس فى الطّيوب من التّنقية والتَّطهُّر.

وكلّ جال ومُنَقِّ وغسّالٍ إنّما يَفْعَلُ فِعْلَه بمَعونة الماء. ولولا الماءُ لما نَقَّى الأشَنانُ الاوساخَ ، ولا ظَهَر لَونُ الوَرس والحِنّاء ونحوهما ، ففيه تظهر الألوان والرّوائح والطّعوم ، ولولاه لما أمكن صُنع الغِذاء ، ولما استحال الدّمُ لَبَناً. فكلُّ غذاءٍ لا بُدَّ فيه من ماء إمّا بالصَّنْعَة وإمّا بالطّبيعة.

ويُستعمَل فى حفظ الصِّحّة ومُداواة الأسقام من داخل البدن وخارجِه حارّاً وبارداً وعَذْباً ومِلْحاً.

والعَذْب البارد منه يُعَدِّل حرارةَ المعدة ويشدُّها ، والحارّ يُرخيها.

وأجودُ تبريده بتعريضه لريح الشّمال فى إناء رشّاح ، وهو الشّائع فى زماننا. والإكثارُ منه لغير ما علّة أو علاج مُضِرٌّ.

وأفضلُ الماءِ ماءُ زَمزَم ، وفى الحديث : (إنها طَعامُ طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْمٍ) (٨). ومِنَ الأنهار الفُرات والنّيل وسيحون وجيحون. وعنه (ص) أنّه قال : (سَيْحان وجَيحان والنّيل والفُرات من أنهار الجنّة) (٩). يريد (ص) صفاتِها وطعومَها لا انّها منها على الحقيقة ، كما زَعَم بعضُهم. والله اعلم.

والأنهار الأربعة المذكورة تَخرج من عيونٍ فى الجبال ، وكل واحد منها يُوغِلُ فى مَجراه الذى شقَّه الله ، تعالى ، له.

وأمّا زيادتُها فمِن قبل أمطارٍ غزيرةٍ على بَطائحها التى تتجمّع فيها عند مُبتدئها.

والبالغُ الجيّدُ منها ما كان عَذْباً لا يحتَمِلُ الشّرب منه إلّا للحاجة ورىّ

٣٢

العَطَش. قال الشاعر :

وقَدْ عادَ ماءُ الأرضِ بَحْراً فزادَنى

إلى مَرَضى أن أبحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ (١٠)

وأجود ما يكون النَّهرُ انْ يطول مجراهُ ويمرّ على الحجارة تارةً وعلى الحصَى أُخرَى ثمّ على الرّمل والطّين الأبْليز. (١١) وأردأُ ما يكون ماؤه عند تَناهى نَقْصه وفى ابتداء زيادته. وهو فى الغالب لا يظهر فيه تغيّرٌ يُفْسدُ طعمَه أو رِيحَه ، فى سِني الخِصب وغزارة الماء بخاصّة.

وهو فى أكثر الحالات لذيذ الشّرب حلو الطّعم صافى الجوهر شديد التّرطيب ، يدرّ الطّمث ويُليّن الطّبيعة ويزيد فى الباه.

والماء البارد نافعٌ لمَنْ به هيضةٌ مُفْرِطة ، شربَ دواء مُسهِلاً فأفرَطَ معه ، ولمن به التهابٌ مِنْ شُرْب الشّراب الصّرف أو عطَش مُفرِطٌ صَفراوىّ أو حُمَّى مُحرِقَةٌ أو ذَوَبانٌ أو غَثَيانٌ أو فُواقٌ أو نَتَن رائحة فى الفم. ويلائم المعدةَ الحارّة الصّحيحة ويُقَوّيها ويمنع انصبابَ الموادّ إليها ، ولذلك يُعِينُ على هضْم الطّعام ويُنعِش الحرارة الغريزيّة ويدفَع الغشْىَ الحارَّ والبارد ، ويدرّ البول.

وجميع ما يفعلُه بالعَرَض لزيادته القُوَّةَ وجمعه للمعدة. ويُبرِئُ من الحميّات المُحْرِقَة ، وحينئذٍ يجب أن يُشرَب منه مِقدارٌ كثير حتّى يُطْفِئَ حرارةَ الحمَّى دَفْعَةً. وأمّا القليل منه فإنّه لا يفى بإطفائها وربّما كان مادّةً للزّيادة.

والماء لا يغذو فطبيعته تخلو من طبيعة الأغذية المركَّبة التى تنحلّ مركّباتها الى الكَيموسات (١٢) فى الآلات الهاضمة. وإنّما يُسْتَعْمَل لترقيق الغِذاء وطبخه وتليينه لينفذ فى المجارى الضّيِّقة. وإنّى أنهى عن شُرب الماء مع أكل الطّعام إلّا إذا اقتضت الضَّرورة ذلك. وقد نَهى غيرُنا عن الجمْع بين ماء البئر وماء النّهر

٣٣

معاً ، ولا أعْرِفُ له وجهاً.

واعْلَمْ أنّ أفضل المياهِ مياهُ الأنهارِ الجارية على تُرْبَةٍ نقيّة فيتخلّص من الشّوائب ، أو على حجارة فيكون أبعدَ عن قبول العُفُونَة.

وتفضّل مياه الأنهار الجارية الى الشّرق والى الشّمال أو المنحدِرة الى أسفل مع بُعدِ المنبَع وسُرعة الجرى ، فإنّ كان مع هذا خفيفَ الوزن يخيّل لشاربه أنه حلوٌ ولا يحتمِل الشّرب منه إلّا قليلا فذلك هو البالغ.

وماءُ العَين لا يخلو عن غِلَظٍ ، وأردأ منه ماء البئر ، وماء النَّزّ أكثر رَداءة ومَضرّة.

واعْلَمْ أنّه ينبغى أنْ يُسْتَعْمَل الماء بعد شُروع الغذاء فى الهضْم ، وأمّا عَقِبَه فَيُفَجِّج ، وفى خلاله أردأ وأدعى للمرض. على أنّ من النّاس مَنْ ينتفع بذلك وهو الحارّ المعدةِ. ومن النّاس مَن تكون شهوتُه للطّعام ضعيفةً فإذا شربَ الماءَ قويَتْ ، وذلك لتعديل حرارة المعدة.

وأمّا الشّرب على الرّيق وعُقَيْبَ الحركة ، وبخاصّة بعد الجماع ، وعلى الفاكهة وبخاصّة البطيخ ، فردىءٌ جدّاً. فإنّ لم يكنْ بُدّ فقليل يمتّص امتصاصاً.

وكثيراً ما يكون العطش عن بلغم لزج أو مِلْحٍ ، وكلّما رُوْعىَ (رَوِيَ) بالشّرب ازدادَ ، فإنْ صُبِرَ عليه أنْضَجَت الطّبيعةُ الأخلاطَ المعطِّشةَ وأذابتْها ، فيسكن العطش من ذاته ، ولذلك فكثيراً ما يُسَكَّنُ العطش بالأشياء الحارّة كالعَسَل.

وفى شُرب الماء عند الانتباه ليلاً تفصيلٌ ، فإنّ المحرورَ الجافَّ المعدةِ ، ومَنْ تعشَّى وأكل طعاما مالحاً ، فله أن يَشْرَبَ عند انتباهته من نومه ، وأمّا رطبو المِعَد وأصحابُ البلغم المالِح ، فلا يصِحّ أن يفعلوا ذلك لأنّه يُدْخِلُ على أنفسهم مَنْعَ الشّفاء من رُطوبات مَعِدِهم ، وتكاثُر البلغم عليهم.

٣٤

ومتَى عَطشتَ ليلاً فاكْشِفْ عن رِجْلِكَ وتناومْ قليلاً ، فإن تزايَدَ عَطَشُكَ فهو مِن حرارةٍ ، أو طعامٍ يحتاج الى شُرب الماء عليه ، فاشْرَبْ ، وإنْ نَقَصَ مِنْ عَطَشِكَ شيئاً ، فأمْسِكْ عن شُرْب الماء فإنّه من بَلْغَمٍ مالِحٍ.

واعْلَمْ أنّ الماء عند الأطبّاء يعنى البَول ، وعلى النّظر فيه يُعَوَّل على معرفة الدّاء ووصف الدّواء ، وهو فنّ من فنون الصَّنْعَة لم نعرفْ مَنْ أجاده إجادةَ شيخِنا العلّامة ابن سينا. وسنفصّل الكلام عليهِ فى موضعه من كتابنا هذا ، (١٣) إن شاء الله.

٣٥

حواشي الماء

__________________

(١) البقرة / ٢٢.

(٢) العنكبوت / ٦٣.

(٣) الأنبياء / ٣٠.

(٤) محمّد / ١٥.

(٥) محمّد / ١٥.

(٦) سيأتى شرح الأسطقسات فى حرف الهمزة.

(٧) م : كثيرا.

(٨) النهاية ٣ / ١٢٥. والطبّ النّبوىّ ٣٠٦.

(٩) الطبّ النّبوىّ ٣٠٣.

(١٠) لنصيب فى ديوانه ٦٦. والمجمل ١ / ٢٤١. والصحاح ٢ / ٥٨٥.

(١١) الإبليز : نوع من الطّين غليظ القوام. وربّما يراد به ما كان غنيّا بالمعادن النّافعة. ينظر اللسان (بلز).

(١٢) سيأتى شرحها لاحقا. وانظر حواشى «أصطخيمون» فى حرف الهمزة من هذا الكتاب.

(١٣) تنظر مادّة (ب. و. ل) في حرف الباء ففيها تفصيل واف.

٣٦

حرف الهمزة

٣٧

أبب :

الأَبُ : الكلأ ، وهو المرعى ، قال ، تعالى : (وَفاكِهَةً وَ) أَبًّا (١) : الفاكهة : ما أكله النّاس ، والأبّ : ما أكلته الأنعام : (والأب : معروف ، وهو ثلاثىّ ناقص ، وليس من هذا الباب). (٢)

أبت :

الأَبْت : اشتداد الحرّ ، ودواء أَبِت : مُسَخِّن ، وأَبِتَ الرجل من الشّراب : انتفخ ، وعلاجه القىء حتى تعود الطبيعة إلى ما كانت عليه.

أبد :

الأَبَد : الدّهر ، والإبْد : الوحش ، (وجمعه أَوَابِد) (٣) ، الذّكر : آبِد ، والأنثى آبِدَة. وقيل : سُمّيت بذلك لبقائها على الْأَبَد.

قال الخليل بن أحمد (٤) رضى الله عنه : أتان أَبِد : تلد فى كل عام (٥). وقال الأصمعىّ (٦) : وانما سُمّى الوحشىّ آبِدا لأنه لم يمت وحشىّ حتف أنفه قطّ ، إنما موته عن آفة ، وكذلك الأفعى ، فيما زعموا.

أبر :

الإبْرَة : عظم وَتَرة العُرْقُوب ، وهو عظم لاصق بالكعب. والإبْرَة من الإنسان : طَرَف الذّراع ، وعُظَيْم مُستوٍ مع طرف الزّند من الذّراع إلى طرف الإصبع.

والأَبْر : علاج الزّرع بما يُصلحه من السّقي والتّعاهد ، قاله الخليل بن أحمد. (٧)

الأَبَّار ، بالفتح والتّشديد : الرّصاص المحرّق ، والأسود. وشياف (٨) الأَبَّار من أدوية العين ، معروف ، سمي بذلك لدخول الرّصاص المحرّق فيه) (٩).

وإبْرَة آدم : نبات يُتَّخَذ للزّينة ، وسُمّي بذلك لطول وَرَقِه وحدّتها. وجذوره سامّة جداً.

إبريسم (١٠) :

قال ابن السّكّيت (١١) : هو بكسر الهمزة والرّاء ، وفتح السّين ، وقال ليس فى كلام العرب إفْعِيْلَل بفتح اللّام إلّا إهليلَج وإبْرِيسَم. وأفضله الخام ، وهو حارّ

٣٨

يابس فى الأولى ، وفيه تقطيع وتنشيف ، وله خاصّيَّةٌ فى تفريح القلب وتقويته ، ويبسط القلب ويرقّقه فينوّره ، وليس يختصّ بذلك.

وحَرْقُه يُضعف قوَّته ، لكنّه ، حينئذٍ ، جيّد لتقوية البصر اكتحالاً بعد غسله وتنقيته.

وطريقته أن يؤخذ الكثير منه فيطبخ بالماء إلى أن تخرج قوّته وهو نافع جدّاً فى منع تولّد القمّل.

أبس :

الأَبْس : السّلحفاة.

أبض :

الإبَاض : عِرْق فى الرّجل. المَأْبِض ، بكسر الباء : باطن الرُّكْبة.

أبط :

الإبْط : باطن المنكب ، وقد تؤنَّث ، والجمع آبَاط ، قال ذو الرُّمَّة :

وحَومانةٍ وَرقاءَ يجرى سرابُها

بمنسحّة الْآبَاطِ حُدْبٍ ظُهورُها (١٢)

الْمُنْسَحَّة : التى تَنْسَحُ آبَاطُهَا بالعرق. والورقاء : الغبراء تضرب إلى السواد.

أبق :

الأَبَق : قِشْر القُنَّب (١٣). قاله الخليل رحمه‌الله. وهو فى شعر زهير :

قد أحْكِمَتْ حَكَماتِ القدِّ والأَبَقَا (١٤).

أبل :

أَبَلَتِ الوحشُ : اجتزأتْ عن الماء بالرَّطْب. والأَبَلَة : الثّقل ، وفى الحديث ، (كلُّ مالٍ أدِّيَتْ زَكاتُه ذهبتْ أَبَلَتُه) (١٥).

والإِبَالَة : الحُزمة من الحَطَب. وقد ذكر شيخنا العلامة ابن سينا (١٦) أنّ الإِبَالَة تُطلق أيضا على كلّ حُزمةٍ من الأعشاب والنّباتات.

(وداء أَبَلُ : شديد الأخْذ ، ينبغى أن يُتَأنّى له) (١٧).

٣٩

أبن :

الأَبْن مصدر المَأْبُون : وهو المصاب بالأُبْنَة. قال الخليل ، رحمه‌الله : وأصلها العُقْدَه تكون فى العصا ، وجمعها أُبَن. والمَأْبُون : الذى يؤتى فى دُبُره ؛ ولا علاج له إلا رياضة الرُّوح.

وفلانٌ يُؤْبَنُ بكذا ، أى : يذكر بقبيح (١٨). وفى ذكر مجلس رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا تُؤْبَنُ فيه الحرَم) (١٩). أى لا تُذكر بسوء.

والإِبَّان : الحين والوقت.

أبنوس :

الأَبَنُوس ، بالهمز فى أوله ، وقد يمدّ : وهو شجر ، واحدته : أَبَنُوسَة ، صُلْب جدّاً ، لا يطفو فوق الماء بل يرسب ، وعلى رأسه نبت أخضر.

(ومنه يستخرج السّاسَم ، وسنذكره فى بابه) (٢٠).

أبو :

أَبَوْتُ الصّبِىَّ : غَذَوته. وأَبَوْتُ المأووفَ : عالجته. وعنز أبْواء : أصابها وجَعٌ عن شَمّ أبوال الأروى (٢١). وقد يُوصف به المريض عن ذلك. قال الشّاعر :

فَقُلتُ لكنّازٍ تَوَكّلْ فإنَّهُ

أُبَاً لا إخال الضَّأنَ منه نَواجِيَا (٢٢).

والأُبَاءُ ، مثال فُعال : داءٌ يَأخذ الرّجل فيمنعه عن شَهوة الطّعام ، وهو داء مهلك ، وعلاجه تنقية المعدة والمعى إسهالاً ، وتجويد الغذاء ، وينفع جدا علاج المالنخوليا مما نذكره فى بابه (٢٣).

أتر :

الأَتروت ، [الأَنْزَرُوت] بالفتح : اسم فارسىّ لصمغ معروف ، وأجوده الكبير الحصى السّريع التَفَتُّتِ ، الابيض الضاربُ ماؤه الى الصّفرَة ؛ وقوّته مركّبة من ناريّةٍ ساخنةٍ مفتّحة ، ومن هوائية مسددة. ورطوبته شديدة الممازجة ليبوسة ، واليبوسة فيه غالبة ، ولذلك فهو غروى ، وليس فيه حدة ، نافع فى التجفيف جدا.

٤٠